في مذكراتها (مذكرات فتاة رصينة) كانت سيمون دو بوفوار تتحدث عن قسوة تعامل أمها معها منذ الطفولة، وأنها كانت تنهاها وتنهرها بشكل دائم. وفي يوم من الأيام بعد أن أمضت بوفوار أيامًا جميلة في مولان هي وأختها برفقة صديقتهما، عادت إلى البيت لتكتشف بأنها قد نسيت فرشاة أسنانها:
”لقد نسينا في مولان فرشاة أسنان، فاغتاظت أمي وأخذت تصرخ. وبدا لي أني لن أطيق هذا الجو الذي عدتُ إليه بعد هذه الأيام الصافية التي قضيناها هناك. وأسندتُ رأسي إلى الطاولة وأخذتُ أبكي، فقلدتني أختي.. وزاد غيظ أمي وأبي فقالا:
شيء جميل أن تنخرطا في البكاء فور وصولكما!
والحق أن جميع الدموع التي تجمعت في مآقيّ طوال أشهر وأسابيع بسبب التوبيخ والعقاب والصراخ كانت آنذاك تخنقني“.
إن بكاء بوفوار على نسيانها لفرشاة أسنانها قد كان القشة التي قصمت ظهر البعير. كلنا لدينا بعير نرمي عليه أثقالنا غير آبهين حتى يأتي اليوم الذي تُثقل عليه قشة صغيرة رميناها عليه ويسقط على الأرض. فهل هناك قشة قد قصمت ظهر بعيرك؟
هنا بعض الكلمات، من المسلّمات التي نعرفها جميعًا لكنها للتذكير:
١- لا تراكم القش من الأساس: إن القشة الأولى لا وزن لها وتكاد تكون غير مرئية، لكنك سمحت بحملها على ظهر بعيرك. وبما أنك قد سمحت بالقشة الأولى، فسوف تسمح للثانية والثالثة.. وسوف تتجاهل تكوم القش لأنه خفيف الوزن من الأساس ولأنك مشغول للغاية بأمور أخرى ”أكثر أهمية“. لكنك في مرحلة ما ستُدرك أن هناك أكوامًا من القش قد تراكمت وستقلق قليلًا لكنك سوف ترجو أن ظهر البعير له القدرة على التحمل، وستواصل التغافل لأنك قد اعتدت على ذلك. بعدها ستأتي القشة الصغيرة الخفيفة التي ستخل التوازن ويسقط البعير وسترى الآخرين يشيرون إليك ببنانهم ويقولون ”ألهذه القشة التافهة قد صرخت\استقلت من عملك\انفصلت عن الآخر“؟
٢- تحدث عما يضايقك وضع حدودًا: إن الكثير من مشاكلنا قد تحدث بسبب سوء تواصلنا مع الآخرين وسوء تواصل الآخرين معنا (الآخرون هم الجحيم؟) ولذلك فإن مهارات التواصل مهمة للغاية في مجتمع قوامه الجماعة. إذا ضايقك شخص ما بكلمة أو فعل، لمّح إليه بلطف أن هذا الأمر قد ضايقك. إذا لم يكن لبيبًا ولم يفهم الإشارة وتكرر الأمر مرة أخرى، اسأله مباشرة لماذا تسأل كذا أو لماذا تفعل ذلك. لماذا نخبر الآخرين بشكل مباشر عندما تُسعدنا أفعالهم ونبحث عن شخص آخر نُحدثه عمّا ضايقنا منهم؟
سيتفاجئ الذي ضايقك من سؤالك المباشر وسيتفكر في الأمر حتى وإن لم يعتذر وتظاهر بالضحك. كثير من الأشخاص لا يُدركون أن فعلهم هذا كان له وقع سلبي على الآخر، لا يمتلكون مهارات التعاطف. إن الحدود المُبهمة وغير الواضحة تُسهل عليهم اختراقها وبالتالي إزعاجك مرارًا وتكرارًا حتى يسقط البعير.
٤- الاعتراف بوجود مشكلة: إن أول طريق إلى حل المشكلة هو الاعتراف بوجودها في الأساس. إذا كنت متضايقًا من أمر ما، لا تتجاهله. إن عقلك الباطني يُخبرك بوجود مشكلة ولكنك تتجاهل العلامات. قد تظهر المشكلة قبل نومك من خلال الأرق، أو في خلال نومك على شكل أحاديث نفس، أو بعد استيقاظك على شكل ضيقة صدر. إذا ضايقك موقف ما، فكّر جيدًا لماذا ضايقك؟ قد تجد جذورًا لهذا الشعور، وقد يكون هناك قش متراكم وبعيرٌ ينتظر النجدة. إحداهن كانت تُدوّن شعورها بالضيق في كل مرة تتضايق فيها بشكل مفاجئ وتكتب الوقت والحدث الذي صار بعده هذا الشعور، اكتشفت بعد ذلك أن هناك شعورًا قديمًا دفنته ويظهر رأسه في كل مرة يحصل فيها موقف معين بسيط.
٥- لا تدع الآخرين يستغلونك: إن ديننا الحنيف قد بيّن لنا فضل مساعدة الآخرين في أكثر من موضع، وأخلاقنا العربية تحث على مساعدة الغير. لكن هناك شعرة رقيقة بين مساعدة الآخرين والسماح لهم باستغلالنا. لذلك رتّب أولوياتك، مَن أحق الناس بمساعدتك وبوقتك ومجهودك؟ القاعدة تنادي بأن الأقربين هم أولى بالمعروف. من هم المقربون إليك؟ هل يستحق شخص لم تره إلا ٤ مرات في حياتك أن تقدم له مجهودًا في الوقت الذي ينتظر فيه طفلك بفارغ الصبر أن تلعب معه؟
٦- الصبر والتحمّل: إن الصبر والتحمل يكونا في أمور حدثت خارج إرادتنا. لذلك من الضروري أن نحدد أولًا ما الذي يقع داخل دائرة السيطرة وما الذي يقع خارجها. إن العائلة والأمراض وحوادث السيارات والكوارث الطبيعية هي أمور قُدّرت أن تكون خارج سيطرتنا، لكن اختيار الدراسة والعمل وشركاء الحياة والرفقة أمور قليلة نكون فيها مُخيرين نستطيع التحكم بها والاجتهاد فيها وتحديد نطاق الصبر فيها. تصبر على شخص كبير في العائلة وتحتسب الأجر، لكنك من المفترض أن لا تصبر على زميل لك في العمل يضايقك بكلامه. كذلك تصبر على مرض ألمّ بك، لكنك لا يجب عليك أن تتحمل وظيفة لا تتطور فيها. من الضروري أيضًا أن نفهم أن الاجتهاد والأخذ بالأسباب يتماشيا جنبًا إلى جنب مع الصبر والتحمّل.
والآن ماذا عنكم؟ كيف خففتم الحمل من على بعيركم؟
شاركونا بنصائح وكلمات قد تكون منطقية لكم ولكنها ليست كذلك لبعضنا.