كيفن كيلي في عمر السبعين: نصائح وددتُ لو أنني أعرفها عندما كنت صغيرًا

By Jeffrey Phillips

كيفن كيلي

اليوم هو عيد ميلادي. بلغتُ السبعين عامًا. تعلمتُ حتى الآن أمورًا قليلة من الممكن أن تكون مفيدة للبعض. وعلى مدار الأعوام الأخيرة، وضعتُ عددًا من النصائح في كل عام، ولكني فوجئت أنني أضفت المزيد منها لهذا العام. هذه هدية عيد ميلادي لكم جميعًا: ١٠٣ جزءًا من الحكمة وددتُ لو أنني أعرفها عندما كنت صغيرًا: 

١- نحو ٩٩٪ من الوقت، يكون الوقت المناسب هو الآن. 

٢- ليس هناك شخص معجب بممتلكاتك مثلك. 

٣- لا تعمل عند شخص لا ترغب في أن تكون مثله. 

٤- ارع ١٢ شخصًا يحبونك، لأنهم يساوون أكثر من ١٢ مليون شخصًا معجبًا بك.

٥- انتبه من تكرار نفس الأخطاء، وارتكب أخطاء جديدة.

٦- إذا توقفت للاستماع إلى مُوسيقي أو عازف في الشارع لأكثر من دقيقة، فأنت مدين لهم بدولار. 

٧- أي جملة تقولها قبل كلمة ”لكن“ لا تُحتسب.

٨- عندما تسامح الآخرين قد لا يلاحظون ذلك، لكنك سوف تتشافى. إن الغفران ليس أمرًا نفعله من أجل الآخرين، وإنما هو بالأحرى هدية لأنفسنا.

٩- لا تكلف المجاملة شيئًا. أرخِ غطاء المرحاض بعد الإستخدام. دع الناس في المصعد يخرجون قبل أن تدخل. أرجِع عربة التسوق إلى مكانها. وعندما تستعير شيئًا، أعده بشكل أفضل مما كان عندما حصلت عليه، ممتلئًا ونظيفًا.

١٠- عندما تجد نفسك في جدالٍ بين طرفين، فكن الطرف الثالث. 

١١- الكفاءة  أمر مبالغ فيه، أما الإهمال فهو أمر مستخف به. إن الإجازات والعطل وأيام نهاية الأسبوع والمشي بلا هدف والفراغ كلها مهمة لتحقيق أفضل أداء في أي نوع كان. تتطلب أفضل أخلاقيات العمل آداب راحة جيدة.

١٢- عندما تصبح قائدًا، فإن مهمتك الحقيقية هي أن تخلق المزيد من القادة، لا المزيد من الأتباع. 

١٣- انتقد في السر، وامدح في العلانية.

١٤- ستُعرض عليك دروس الحياة بالترتيب المطلوب. كل ما تحتاجه هو أنك تتُقن الدرس الذي بداخلك. عندما تتعلم الدرس بصدق، سيُعرض عليك درسًا آخر. إذا كنت حيًا فهذا يعني أن هناك المزيد من الدروس لتتعلمها.

١٥- إنه واجب على التلميذ أن يستخرج كل شيء من المعلم، وعلى المعلم أن يستخرج كل شيء من الطالب. 

١٦- إذا كان الفوز مهمًا للغاية في لعبة ما، فغيّر القوانين حتى تصبح اللعبة أكثر مرحًا. قد تتغير اللعبة بتغيير القوانين.

١٧- اطلب المال من الممولين وسوف يقدمون لك نصيحة، لكن اطلب النصيحة وسيقدمون لك المال. 

١٨-  إن الإنتاجية قد تكون مشتتة، فلا تسعَ نحو الطرق الأسرع لإنهاء مهامك، ولكن اسع نحو المهام الأفضل التي لا ترغب في إنهائها. 

١٩- ادفع ما تُدين به فورًا للباعة والعاملين والمقاولين وسوف يبذلون قصارى جهدهم للعمل معك في المرة القادمة. 

٢٠- إن أكبر كذبة نقولها لأنفسنا هي ”لا أحتاج أن أكتب هذا لأنني سأتذكره“.

٢١- إن ازدهارك ككائن مُدرِك يُقاس بعدد الحوارات غير المريحة التي ترغب في إجرائها. 

٢٢- تكلم بثقة وكأنك مُحق، ولكن أنصت بحذر وكأنك مُخطئ. 

٢٣- قياس سهل: إن المسافة بين أطراف أصابعك من ذراعيك الممدوتين عند مستوى الكتف هي طولك. 

٢٤- إن اتساق محاولاتك في التمرين والرفقة والعمل هو أمر أكثر أهمية من الكمية. لا شيء يتفوق على الأمور الصغيرة التي تُنجز كل يوم، والتي هي أكثر أهمية من الأمور التي تنجزها بين حين وآخر.

٢٥-  إن صناعة الفن ليس أمرًا أنانيًا، لأنه لنا نحن البقية. إذا لم تصنع فنك، فأنت تخدعنا. 

٢٦- لا تسأل امرأة مطلقًا عما إذا كانت حامل. دعها تخبرك إذا كانت كذلك. 

٢٧- هناك ثلاثة أشياء تحتاجها: القدرة على عدم التخلي عن شيء ما حتى ينجح، والقدرة على التخلي عن شيء لا ينجح، والثقة في الآخرين الذين يساعدونك على التفريق بين القدرتين. 

٢٨- عندما تتحدث للجمهور، توقف بين الحين والآخر. توقف قبل أن تقول شيئًا بأسلوب جديد، وتوقف بعد أن تقول شيئًا تعتقد أنه مهم، وتوقف للراحة حتى يستوعب المستمعون التفاصيل. 

٢٩- ليس هناك شيء مثل أن تكون ”على الوقت المحدد“. أنت بالأحرى إما أن تكون متأخرًا أو مُبكرًا. القرار بيدك. 

٣٠- اسأل أي شخص تحبه ستجد أن ضربة الحظ حدثت لهم أثناء انعطافهم عن الهدف الأساسي. لذلك اغتنم المنعطفات. إن الحياة ليست خطًا مستقيمًا لكل شخص. 

٣١- أفضل طريقة للحصول على جواب صحيح على الإنترنت هي أن تضع الجواب الخاطئ وتنتظر شخصًا ما أن يصححه لك. 

٣٢- سوف تحصل على نتائج أفضل بعشر مرات إذا عززت السلوك الجيد بدلًا من أن تعاقب السلوك السيء، خاصة في الأطفال والحيوانات. 

٣٣- استغرق وقتًا في صياغة عنوان الإيميل كما تستغرق وقتك في كتابة الإيميل ذاته، لأن العنوان هو السطر الوحيد الذي يقرأه الناس غالبًا.

٣٤-  لا تتنظر هدوء العاصفة، وارقص تحت المطر.

٣٥- عندما ترغب في التحقق من مراجع أحد المتقدمين للوظيفة، قد يتردد أصحاب العمل  أو يحظر عليهم إخبارك بأي شيء سلبي بشأنهم، لذلك اكتب لهم رسالة تقول فيها ”تواصل معي إذا كنت تعتقد أن المتقدم للوظيفة هو شخص رائع للغاية“، إذا لم يتواصلوا معك فاعتبر أن هناك شيء سلبي. 

٣٦- استخدم البرامج التي تُدير كلمات المرور: لأنها أفضل وأكثر أمانًا وسهولة. 

٣٧- نصف مهارة التعليم هي أن تتعلم ما يمكنك تجاهله.

٣٨- إن فائدة الهدف الطموح الباعث على السخرية هو أنه يضع معايير مرتفعة للغاية حتى إذا فشلت في تحقيقه قد يكون نجاحًا بالمعايير الاعتيادية.

٣٩- إن الطريقة المثلى لفهم نفسك هو أن تتفكر بجدية في الأمور التي تزعجك في الآخرين.

٤٠- اجعل أغراضك في غرفة الفندق واضحة أمامك، ولا تضعها في الأدراج، لكن في مكان واحد. بهذه الطريقة لن تنسى غرضًا واحدًا. إذا احتجت أن تستخدم شاحنًا لجهازك في أحد زوايا الغرفة، فضع بجانبه غرضين كبيرين. لأن احتمالية نسيانك ل٣ أغراض هي احتمالية ضئيلة.

٤١- إنكار المجاملة أو تجاهلها هو أمر قبيح. اقبلها مع الشكر حتى وإن كنت تعتقد أنك لا تستحقها. 

٤٢- اقرأ دائمًا اللوحة المعلقة بجانب النصب التذكاري. 

٤٣- عندما تنجح في بعض الأمور، فإن الشعور بأنك دجّال قد يكون حقيقيًا. ”من أخدع؟“ ولكن عندما تصنع أمورًا بمواهبك الفريدة وبخبرتك ولا يستطيع أحد غيرك صنعها، عندها لن تكون دجالًا على الإطلاق، بل شخص قد ترقى ترقية كهنوتية. إنه من واجبك أن تعمل على أمور لا يستطيع فعلها إلا أنت.

٤٤- ما تفعله في أيامك السيئة مهم أكثر مما تفعله في أيامك الجيدة. 

٤٥-  اصنع أشياء تصبح جيدة لأن يمتلكها الناس. 

٤٦- عندما تفتح علبة طلاء حتى وإن كانت فتحة صغيرة، فسوف تجد طريقها إلى ملابسك. لذلك ارتدِ ملابس مخصصة لها.

٤٧- لتجعل أطفالك مهذبين في رحلة بالسيارة، احمل معك كيسًا به مفضلاتهم من الحلويات، وارمِ قطعة من الحلوى من النافذة في كل مرة يسيئون التصرف. 

٤٨- لا تستطيع أن تجعل من الأشخاص الأذكياء يعملون بجد من أجل المال فقط.

٤٩- عندما لا تعرف كم تدفع أجرًا لمهمة فعلها شخص ما، اسأله ”كم من المُنصف أن أعطيك؟“ وسوف يجاوبك. 

٥٠- ٩٠٪ من كل شيء هو هراء. إذا ظننت أنك لا تحب الأوبرا، أو الروايات العاطفية، أو التيك توك، أو الأغاني الريفية، أو الأطعمة النباتية، أو NFT، فحاول أن تجد فيها ال١٠٪ والتي ليست هراءً.

٥١- سوف يُحكم عليك من حسن تعاملك مع الأشخاص الذين لا يستطيعون فعل شيء لك. 

٥٢- في العادة نميل إلى تضخيم الشؤون التي نستطيع فعلها في يوم واحد، والاستخفاف بالشؤون التي نستطيع أن نحققها خلال عقد من الزمان. تُنجز الأمور العظيمة إذا بذلت لها ١٠ سنوات. إن اللعبة طويلة الأجل تحتوي على مكاسب صغيرة تتغلب حتى على الأخطاء الكبيرة.

٥٣- اشكر معلمًا غيّر حياتك. 

٥٤- لا تستطيع أن تجعل شخصًا يستنتج فكرة لا يستطيع أن يستنتجها بنفسه. 

٥٥-  أن أفضل وظيفة هي التي لا تكون مؤهلًا لها لأنها سوف ”تمطك“. لذلك قدّم على الوظائف التي لا تكون مؤهلًا لها. 

٥٦- اشترِ كتبًا مستخدمة فهي تحتوي على نفس الكلمات الموجودة في الكتب الجديدة. كذلك هناك المكتبات العامة. 

٥٧- تستطيع أن تكون أي شخص تريده، لذلك كن الشخص الذي يُنهي الاجتماعات مبكرًا.

٥٨- هناك رجل حكيم قال ذات مرة ”قبل أن تتحدث، دع الكلمات تمر عبر ثلاث بوابات. في البوابة الأولى اسأل نفسك ”هل هذا صحيح؟“ وفي البوابة الثانية اسأل نفسك ”هل هذا ضروري؟“ وفي البوابة الثالثة اسأل نفسك ”هل هذا لطيف؟“.

٥٩- اصعد الدرج.

٦٠- ما تدفعه مقابل شيء ما هو أكثر بمرتين من السعر الحقيقي على الأقل، وذلك بسبب المجهود والوقت والمال اللازم لإعداده وكذلك التعلم والصيانة والإصلاح والنشر في النهاية. لا تظهر كل الأسعار على الملصقات. إن التكاليف الفعلية هي أكثر بمرتين من الأسعار المسجلة.

٦١- عندما تصل إلى غرفتك في الفندق، ابحث عن مخرج الطوارئ. لا يستغرق الأمر أكثر من دقيقة. 

٦٢- إن الطريقة المثمرة للإجابة على سؤال ”ما يجب أن أفعله الآن؟“ هو أن تعالج سؤال ” من يجب أن أكون؟“.

٦٣- إن متوسط العوائد على فترة زمنية أعلى من المتوسط تُثمر عن نتائج غير اعتيادية. اشتر وأمسِك. 

٦٤- من المثير أن تكون خلوقًا للغاية مع الغرباء الوقحين.

٦٥- يستطيع الشخص ذو الذكاء المتوسط، والذي يستطيع أن يتواصل مع الناس بشكل جيد، أن ينجز أفضل من الشخص الذكي والذي لا يستطيع أن يتواصل مع الناس. وهذا خبر جيد لأنه من الأسهل بكثير أن تحسّن من مهارات التواصل على أن تحسّن ذكائك.

٦٦-  لا بأس أن تُخدَع من الآخرين من حين إلى آخر، وهذا سعر زهيد مقابل الثقة بأفضل ما في الجميع، لأنك عندما تثق بأفضل ما لديهم فإنهم يعاملونك بشكل أفضل. 

٦٧- الفن هو كل ما يمكنك الإفلات به.

٦٨- من أجل الحصول على أفضل النتائج مع أطفالك، ابذل نصف المال الذي تعتقد أنك يجب أن تصرفه، لكن ابذل ضعف الوقت معهم. 

٦٩- اشتر آخر دليل للسُياح لمدينتك أو منطقتك. سوف تتعلم الكثير من خلال لعب دور السائح مرة في السنة. 

٧٠- لا تنتظر في الطابور لتتناول طبق مشهور، من النادر أن يستحق انتظارك. 

٧١- حتى تكشف بسرعة عن الشخصية الحقيقية لشخص ما قابلته للتو، انقله إلى شبكة إنترنت بطيئة للغاية، ثم راقب. 

٧٢- وصفة شعبية للنجاح: افعل شيئًا غريبًا. اجعل لك عادة من غرائبك. 

٧٣- كن محترفًا. انسخ نسخة احتياطية واحدة على الأقل من النسخة الاحتياطية الخاصة بك. احصل على نسخة احتياطية من كل نسخة احتياطية. كم ستدفع من أجل استعادة كل بياناتك وصورك وملاحظاتك إذا فقدتهم؟ إن النسخ الاحتياطية رخيصة مقارنة بالندم.

٧٤- لا تصدق أي شيء تعتقد أنك تؤمن به. 

٧٥-  من أجل إرسال إشارة طوارئ، استخدم القاعدة الثلاثية: اصرخ ثلاثًا، انفخ في البوق ثلاثًا 3 horn blasts، أو صفّر ثلاثًا. 

٧٦- في المطعم: هل تطلب طبقًا تعلم أنه لذيذ أو تجرب شيئًا جديدًا؟ هل تصنع شيئًا تُدرك جيدًا أنه سيُباع أم تجرب صنع شيء جديد؟ هل تواعد أشخاصًا جدد أم تلتزم بمواعدة شخص تعرفه؟ إن التوازن الأمثل لاستكشاف أمور جديدة مقابل استغلالها بمجرد العثور عليها هو 1/3 هذا يعني:

اقضِ ثلث وقتك في الاستكشاف، وثلثي الوقت في التعمق. إنه من الصعب أن تُكرس وقتك لاستكشاف أمور جديدة مع التقدم في العمر لأنه يبدو أمرًا غير مثمر، لذلك اجعل هدفك هو الثلث. 

٧٧- إن الفرص العظيمة بحق لا تحمل عنوانًا يقول عنها إنها ”فرص عظيمة“.

٧٨- عندما تُقدم إلى شخص ما انظر إلى عينيه وعد إلى ٤، كلاكما سيتذكر الآخر. 

٧٩-  انتبه إذا وجدت نفسك تتسائل ”أين السكين الجيد؟ أو أين قلمي الممتاز؟“ هذا يعني أن لديك سكاكين وأقلام غير جيدة، تخلص منها. 

٨٠- عندما تكون عالقًا، اشرح مشكلتك للآخرين. شرح المشكلة في الغالب سوف يؤدي إلى استعراض الحل. اجعل من ”شرح المشكلة“ جزءًا من نظامك لعملية استشكاف الأخطاء وإصلاحها.

٨١- عندما تشتري خرطوم للحديقة، أو سلك تمديد، أو سلم، فاشتر واحدًا أطول مما تحتاج. سيكون هو الحجم المناسب. 

٨٢- لا تزعج نفسك بمحاربة القديم، ابنِ الجديد. 

٨٣- يستطيع فريقك أن ينجز أمورًا عظيمة تتجاوز إمكانياتك، وهذا ببساطة يكون من خلال إظهار التقدير لمن يستحقه.

٨٤- عندما يخبرك شخص ما عن سنة الذروة في تاريخ البشرية والتي كان كل شيء فيها عظيمًا قبل الانحطاط، سيكون هذا دائمًا في السنوات التي كان فيها عمره ١٠ سنوات- والتي هي ذروة وجود كل بشري.

٨٥- أنت كبير مثلما الأمور التي تجعلك تغضب. 

٨٦- عندما تتحدث إلى الجمهور من الأفضل أن تركز بصرك على مجموعة من الناس بدلًا من أن توزعه على جميع من في الغرفة. إن عينيك سوف تنقل إلى الآخرين ما إذا كنت تؤمن حقًا بما تخبرهم به. 

٨٧- إن العادة هي معتمدة أكثر بكثير من الإلهام. أحرز تقدماتك عن طريق العادات ولا تركز في أن تصبح قويًا. انصب تركيزك على أن تصبح ذلك الشخص الذي لا يفوت أي تمرين. 

٨٨- عندما تتفاوض، لا تستهدف القطعة الأكبر من الكعكة، بل اجعل هدفك أن تخبز كعكة أكبر. 

٨٩-  إذا كررت ما قمت به اليوم ٣٥٦ مرة أخرى، فهل ستكون في المكان الذي ترغب أن تكون فيه العام المقبل؟

٩٠- أنت ترى فقط ٢٪ مما يراه الشخص الآخر، وهو يرى فقط ٢٪ مما تراه أنت. فلتتناغم أنفسكما على ال٩٨٪ المخفية. 

٩١- إن وقتك ومساحتك محدودين. تخلص من الأشياء الموجودة في حياتك والتي لم تعد تثير البهجة حتى تفسح المجال للأشياء المبهجة. 

٩٢- سيحقق أحفادنا أمور مذهلة، ومع ذلك فإن جزء من الذي سيصنعوه كان بالإمكان صنعه بالأدوات والمواد المتاحة اليوم إذا كان لدينا الخيال. فكر بشكل أكبر. 

٩٣- للحصول على عائد كبير، كن فضوليًا بشأن الأمور التي لا تهمك. 

٩٤- فليكن تركيزك على الاتجهات أكثر من تركيزك على الوجهات. من يعرف وجهته؟ لكن حافظ على الاتجاه الصحيح وسوف تصل إلى المكان الذي ترغب في الوصول إليه. 

٩٥- كل فتح علمي في البداية يكون مضحكًا وسخيفًا. إذا لم يبدو مضحكًا وسخيفًا في البداية فلن يكون فتحًا علميًا. 

٩٦- إذا أقرضت شخصُا ٢٠ دولارًا ولم تره مرة أخرى مطلقًا لأنه يتجنب سدادها، فإن ال٢٠ دولارًا التي دفعتها تستحق قيمتها.

٩٧-   تقليد الآخرين هي طريقة جيدة للبدء. لكن تقليد نفسك هي طريقة مخيبة للآمال. 

٩٨- إن أفضل طريقة للتفاوض على الراتب في وظيفة جديدة تكون ((بعد)) أن يقابلوك وليس قبل ذلك. بعدها سيكون التحدي من الطرفين لتقديم مبلغ في البداية، لكن الأمر في صالحك أن تجعلهم يقترحون مبلغًا قبل أن تخبرهم. 

٩٩- بدلًا من أن تقود حياتك متجنبًا المفاجآت، استهدفها بشكل مباشر.

١٠٠- لا تشتر تأمينًا إضافيًا إذا كنت تستأجر سيارة ببطاقة ائتمانية.

١٠١- إذا كانت أفكارك حول موضوع معين سهلة التنبؤ من خلال أفكارك حول موضوع آخر، فقد تكون مُسيطَرًا أيدولوجيًا. عندما تفكر حقًا بنفسك لن تكون استنتاجاتك متوقعة. 

١٠٢- اجعل هدفك أن تموت مُفلسًا. أعطِ للمستفيدين قبل أن تموت لأن ذلك أكثر متعة وفائدة. أنفق كل شيء. يجب أن يذهب آخر شيك لك إلى الجنازة ويرتد. 

١٠٣- أهم وقاية من التقدم في العمر هي أن تظل مندهشًا.


كيفن كيلي: مصوّر وصحفي متخصص في الكتابة عن التكنولوجيا وتأثيرها على الثقافة والسياسة والإقتصاد. مؤسس مشارك لمجلة WIRED. مؤلف كتاب The Inevitable. ترجمتُ مقالته من هنا

تدوينات مُقترحة:

برتراند رسل – كيف (لا) تتقدم في السن
أوليفر ساكس – متعة الشيخوخة

لماذا يكره تولستوي شكسبير؟

 

 
اقرأ حاليًا يوميات تولستوي، ولاحظت أنه لم يكن مُعجبًا بمسرحيات شكسبير التي بلغت شهرتها الآفاق. وكمعجبة مخلصة لمسرحيات شكسبير – ربما أخصص لها تدوينة يومًا- حرصتُ على البحث عن السبب الذي يجعل تولستوي “يكره” شكسبير. 
 
ففي يومياته كتب تولستوي ”حُظي شكسبير بالتقدير عندما فقدنا معيارنا الأخلاقي“
وكذلك ”ثمة سمعات كثيرة زائفة نال أصحابها المجد مصادفة أمثال شكسبير“. 
وقد كتب في يومياته الأولى أنه قرأ لشكسبير “ولم يروق لي”. 
 
وجدت أن تولستوي كتب مقالة نقدية عن شكسبير والدراما، يقول أنه حاول فيها أن يفهم شكسبير خلال ٥٠ عامًا ومن خلال أفضل أعماله من خلال قراءته للمسرحيات باللغات الروسية والألمانية والإنجليزية: الملك لير، وعطيل، وهاملت لكنها مازالت في نظره ”أعمال وضيعة وغبية“!
 
وقبل أن يكتب مقالته هذه، قرر تولستوي أن يقرأ مرة أخرى أعمال شكسبير كاملة وهو في عمر ال٧٥، ثم كتب ”اليقين التام الذي لا ريب فيه..إن هذا المجد إنما هو شر عظيم“.
حلل تولستوي الملك لير في مقالته ثم عطيل وهاملت واختتمها بقوله ”إن شكسبير لم يكن فنانًا وأعماله ليست فنية“.
 
لكن لماذا ينبهر الناس بمسرحيات شكسبير؟ لدى تولستوي بعض التفسيرات:
  • الإيحاءات الوبائية التي سادت بين الناس بعظمة شكسبير، كالإيمان بالساحرات وحجر الحكمة كلها اعتقادات باطلة لكنها كالوباء سادت بين الناس، وكذلك عظمة شكسبير.
  • الحملات الصليبية، ومن بعدها انتشرت مسرحيات شكسبير. 
  • غوته! من أجل نسف الشعر الفرنسي، مدح غوته الألماني شكسبير وأعلن أنه شاعر عظيم بل وأعظم شاعر عرفته البشرية. ولأن غوته عظيم، فكل مايقوله عظيم ومُصدّق أمام الناس.
لم يكتف تولستوي بسرد رأيه، بل دعا الآخرين إلى قراءة مسرحيات شكسبير ليحكموا بأنفسهم ويقرروا:
”افتحوا أي كتاب من كتب شكسبير وستلاحظون أنكم لن تعثروا على عشرة أسطر متتالية مفهومة وطبيعية تخلق انطباعات فنية خاصة بالشخصية التي تقولها، بإمكان أي واحد منكم القيام بهذه التجربة“.
 
قابل الإيرلندي جورج برنارد شو هذه المقالة النقدية بحماس وصفق لها، وكتب رسالة قائلًا فيها ”لقد سعيت جاهدًا أن أفتح عيون الإنجليز على تفاهة فلسفة شكسبير“، ”سوف تعتبر الصحافة الإنجليزية أن تولستوي يعد أعماله أفضل من شكسبير“. بل إن برنارد شو كتب مسرحية قصيرة (مسرحية دُمى puppet play) أبطالها اثنين: هو نفسه جورج برنارد شو وشكسبير، يتحاوران أيهما أفضل ويفوز شو عليه. 
 
 
أما جورج أوريل فقد كتب مقالة قال فيها أن تولستوي كان حقودًا وأعمى بشكل متعمد ولم يكن محايدًا في نقده لشكسبير، ثم تطرق لشخصية تولستوي، لماذا اختار تولستوي الملك لير؟
”لأنه كان مدركًا بوعي أو غير وعي التشابه بين قصة لير وبين قصته“. انظروا:
– رجل عجوز بشعر أبيض ولحية ومعطف طويل مثل تولستوي.
– تولستوي مثل لير تصرف بناء على دوافع خاطئة وفشل فيها- التخلي عن السلطة والأراضي
– لم يكونا متواضعين.
– وملاحظتهما عن الزواج تتشابه، وكذلك نهايتهما: الموت في كوخ في قرية غريبة.
 
ثم إن ١٢ من مسرحيات شكسبير -والتي كُتبت بعد عام ١٦٠٠- كانت أخلاقية وذات معنى، وهذا عكس مايقوله تولستوي عن المعيار الأخلاقي. في نهاية المقالة استنتج أورويل أن تولستوي لابد وأنه قد فكّر أنه كلما ازداد استمتاع الناس بشكسبير، كلما قل اهتمامهم بتولستوي.. لا أحد سيقرأ هذه المقالة لولا أن تولستوي لم يكن هو مؤلف الحرب والسلام وآنا كارنينا. 
 
في النهاية، لاننس أن تولستوي قد انتقد تشيخوف وعدّ مسرحياته ”أسوأ من شكسبير“ -المسكين تشيخوف!- وأن طه حسين لم يعجبه المتنبي، وأن إدوارد سعيد لم تعجبه أم كلثوم. أظنها أذواق شخصية. 
 
 

اسمي مارجريت

Federica Bordoni

*مايا (مارغريت) آنجلو

سألتني امرأة بيضاء من تكساس، والتي تصف نفسها بأنها ليبرالية، عن مدينتي. عندما أجبتها بأن جدتي في ”ستامبس“ كانت تملك المتجر الوحيد لبضائع الزنوج منذ مطلع القرن، صرخت قائلة ”لماذا؟ كنتم الفتاة التي تخرج للمجتمع لأول مرة“.

سخيفة ومُضحكة. لكن بنات الزنوج في مدن الجنوب الصغيرة، سواء كن يعانين من الفقر أو لديهن بعض ضروريات الحياة، تُقدم لهن تجهيزات مكثفة غير مترابطة مثل تلك التجهيزات للفتيات البيض البالغات والتي تظهر في المجلات. 

بصراحة لم تكن التجهيزات ذاتها، فعندما تعلمت الفتيات البيض كيف يرقصن الفالتز ويجلسن بأناقة بينما يكون كوب الشاي متوازنًا على ركبهن، فإننا كنا متخلفات قياسًا بهن، نتعلم قِيم منتصف العصر الفيكتوري مع القليل جدًا من المال لننغمس فيه (تعالوا وشاهدوا إدنا لوماكس تصرف أموالها التي اكتسبتها من حصاد القطن لتكوين ٥ كرات من الخيط الأسود، لا بد وأن أصابعها تعيق العمل ولكن يجب عليها أن تعيد الغرز مرارًا وتكرارًا. لكنها تعرف كيف تشتري الخيوط). كان يجب علينا التطريز، وكانت لديّ أكوام من المناشف الملونة، وأكياس المخدات، وأغطية الطاولات ذات اللون الرملي. أتقنت مهارة الحياكة والتخريم، وكان لدي مخزون أبدي من المفارش الأنيقة والتي لن تستخدم أبدًا في أدراج التسريحة. كان واضحًا أن كل الفتيات يستطعن الكوي والغسيل، لكن اللمسات الأنيقة في المنزل مثل تجهيز الطاولة بفضيّات حقيقية، وشواء اللحوم، وطبخ الخضروات بدون اللحوم، يجب أن تُكتسب في مكان آخر، عادة في المكان التي صدرت عنه هذه العادات. خلال عامي العاشر، أصبح مطبخ النساء البيض هو مدرستي النهائية. 

كانت السيدة فيولا كولينان امرأة ممتلئة الجسم، تعيش في منزل يحتوي على ٣ غرف للنوم، في مكان ما خلف مكتب البريد. كانت غير جذابة بشكل ملحوظ حتى تبتسم، وبعدها تظهر الخطوط حول عينيها وفمها مما يعطى لمنظرها شكلًا متسخًا، ويصبح وجهها مثل قناع قزم شرير. كانت تُريح ابتسامتها في العادة إلى ما بعد الظهر عندما تزورها صديقاتها وتقدم لهن الآنسة جلوري، الطباخة، المشروبات الباردة في الشرفة المُغلقة. كان النظام في منزلها غير إنساني. هذه الكأس مكانها هنا فقط. وذلك الكوب لديه مكانه الخاص به وإذا وُضع في مكان آخر فذلك فن التمرد الوقح. 

في الساعة ال١٢ يجب أن تُعد الطاولة. وفي الساعة ١٢:١٥ تجلس السيدة كولينان على الطاولة (سواء وصل زوجها أم لا). في الساعة ١٢:١٦ تُحضِر الآنسة جلوري الطعام.

تطلّب مني أسبوعًا تمييز الفرق بين طبق السلطة وطبق الخبز وطبق الحلوى. 

حافظت السيدة كولينان على عادات والديها الثرييْن. كانت من فرجينيا. أما الآنسة جلوري، التي انحدرت من سلالة العبيد الذين عملوا لآل كولينان، أخبرتني بقصة السيدة كولينان، فقد تزوجت رجلًا أقل منها. لم يكن لدى عائلته أموالًا لفترة طويلة، وما امتلكوه لم يكن الشيء الكثير.

لكونها قبيحة، كما فكّرت، كانت محظوظة أصلًا لأنها حصلت على زوج سواء كان أقل منها أو أعلى منزلة. لكن الآنسة جلوري لا تدعني أقول شيئًا كهذا ضد سيدتها. لقد كانت صبورة جدًا معي خاصة فيما يتعلق بالأعمال المنزلية. شرحت لي الأطباق، والفضّيات وأجراس الخدم. لم يكن الوعاء المستدير كبير الحجم وعاءً روحانيًا، بل كان وعاء للسلطة. كانت هناك كؤوس وأكواب للشرب وأكواب للآيسكريم وأكواب نبيذ وأكواب قهوة خضراء اللون مع صحون مطابقة لها، وأكواب ماء. كان لدي كوبًا لأشرب منه، وكان يُوضع في الرف المنفصل الذي تضع فيه الآنسة جلوري كوبها. أيضًا ملاعق للحساء، ووعاء للصوص، وسكاكين الزبدة، وشوك للسلطة، كلها كانت إضافات إلى مخزون الكلمات لديّ، والتي أصبحت بدورها لغة جديدة. كنتُ مبهورة بالإبداع وبهيجان السيدة كولينان ومنزلها الذي يشبه منزل أليس في بلاد العجائب.

أما زوجها فمازال غير واضحًا في ذاكرتي. لقد جمعته مع كل الرجال البيض الذين قابلتهم في حياتي وحاولت أن لا أراهم. 

ذات مساء، وفي طريقنا إلى المنزل، أخبرتني الآنسة جلوري أن السيدة كولينان لا تستطيع إنجاب الأطفال. لقد قالت أن عظامها حساسة للغاية. لقد كان صعبًا علي أن أتخيل كل هذه العظام تحت أكوام من الشحوم. أخبرتني الآنسة جلوري أيضًا أن الطبيب قد أزال كل أعضاء سيدتها. أدركت أن أعضاء الخنزير تشمل الرئتين والقلب والكبد، لذلك إن كانت السيدة كولينان تتمشى بدون أعضائها، فإن ذلك يُفسر لِم كانت تشرب الكحول في قوارير غير مختومة، لأنها كانت تحنّط نفسها.

عندما تحدثتُ لبيلي عن هذا الأمر أخبرني بأنني كنتُ على حق، لكنه أخبرني أيضًا أن السيد كولينان لديه ابنتين من سيدة ملونة وبأنني أعرفهما جيدًا. أخبرني بأن البنتين كانتا صورة طبق الأصل من أبيهما. لم أستطع التذكر كيف كان شكله، على أنني تركته لبضع ساعات، لكني فكّرت في ابنتيه. كانتا ذات بشرة فاتحة للغاية، ولم يشبها أمهما ( لم يذكر أحد قط السيدة كولينان).

شفقتي على السيدة كولينان سبقتني في الصباح التالي مثل ابتسامة القط شيشاير في أليس في بلاد العجائب. كانت هاتان الفتاتان، واللتان من الممكن أن يكونا ابنتيها، جميلتان. لم يكن عليهما أن يفردا شعرهما، حتى وإن كانتا تحت المطر فإن الضفائر ظلت مفرودة مثل الثعابين المروّضة. أما ثغريهما، فقد كانا مثل قوس كيوبيد. لم تكن السيدة كولينان تدرك ما الذي فاتها، أو من الممكن أنها كانت تعرف. يا لبؤس السيدة كولينان.

لأسابيع بعدها، كنت أصل إلى المنزل مبكرًا، وأغادره متأخرًا، وبذلت كل مابوسعي من أجل أن أعوّض حاجتها. فإذا كان لديها أطفال لن تطلب مني بأن أؤدي مهامًا تمتد من باب منزل الخلفي إلى باب منزل صديقاتها. يا لبؤس السيدة كولينان.

ذات مساء أخبرتني الآنسة جلوري أن أخدم السيدات على الشرفة. بعد أن جهّزت الصينية وتوجهت إلى المطبخ، سألتني إحداهن ”ما اسمك يافتاة؟“ كان وجهها مرقطًا. أجابتها السيدة كولينان ”لا تتحدث كثيرًا، اسمها مارجريت“.

“هل هي بلهاء؟”-

“لا كما أفهم، لكنها تستطيع الكلام عندما ترغب في ذلك، لكنها في العادة هادئة مثل فأر صغير. أليس كذلك يا مارجريت؟”-

ابتسمت لها. يا لبؤسها. لا تمتلك أعضاء والآن لا تستطيع أن تنطق اسمي بشكل صحيح. 

“لكنها شيء صغير لطيف”-

“من الممكن أن تكون كذلك، لكن اسمها طويل للغاية. لو كنتُ مكانك لن أتعب نفسي، وسأناديها ماري”.-

اشتطتُ غضبًا إلى المطبخ. تلك المرأة المريعة لن يتسنى لها أن تناديني بماري ولو كنت أتضور جوعًا، لن أعمل لديها. قررتُ بأنني لن أتبول عليها إذا كان قلبها يحترق. أسمع صوت ضحكات في الشرفة وكذلك في قدور الآنسة جلوري. كنت أتعجب ما الذي يضحكهن؟

هؤلاء الأشخاص البيض عجيبون. هل يتحدثون عني؟ من المعلوم أنهم يتضامنون مع بعضهم أفضل من الزنوج. من الممكن أن السيدة كولينان لديها أصدقاء في سانت لويس سمعن عن فتاة من ستامبس في المحكمة، وكتبن لها ليخبرنها. من الممكن أنها تعرف السيد فريمان ”مُغتصب كاتبة القصة“.

كان الغداء في فمي للمرة الثانية، وذهبت للخارج لأستريح فوق سرير من زهور شب الليل.

ظنّت الآنسة جلوري أنني قد أُصاب بشيء ما، وطلبت مني أن أذهب إلى المنزل وأسال ماما أن تعطيني شاي بالأعشاب، وسوف تشرح الأمر للسيدة كولينان.

أدركتُ كم كنت حمقاء قبل أن أصل إلى بركة الماء. بالطبع لم تعرف السيدة كولينان بهذا الأمر، وإلا لم تكن لتعطيني فستانين جميلين قصّتهما ماما، ولم تكن لتناديني ب”الشيء الصغير اللطيف“. طابت معدتي، ولم أذكر أي شي لماما.

قررتُ في ذلك المساء أن أكتب قصيدة عن كوني بيضاء وسمينة وكبيرة في السن بدون أطفال. كانت ستصبح قصيدة مأساوية. وكان علي أن أراقبها بحذر حتى أقبض على جوهر وحدتها وألمها.

في اليوم التالي، نادت عليّ بالاسم الخاطئ. كنت أغسل الأطباق أنا والآنسة جلوري عندما جاءت السيدة كولينان للباب “ماري؟”

ردت الآنسة جلوري “مَن؟”

تراجعت السيدة كولينان وأدركت الأمر كما أدركته أنا وقالت “أريد من ماري أن تذهب إلى السيدة راندال وتأخذ معها بعض الحساء لأنها ليست بخير منذ بضعة أيام”.

كان وجه الآنسة جلوري متعجبًا “تقصدين مارغريت ياسيدتي، اسمها مارغريت”.

-“لكن اسمها طويل جدًا. من الآن فصاعدًا اسمها ماري. سخّني ذلك الحساء من الليلة الماضية وضعيه في الوعاء الصيني، وأنبّهك ماري أن تحمليه بحذر”.

كل شخص أعرفه كان لديه رعب جهنمي من أن يُنادى بغير اسمه. كان عملًا خطيرًا أن يُنادى على زنجي بأي شيء يمكن تفسيره بشكل فضفاض بأنه إهانة بسبب قرون من تسميتهم بالزنوج والأحذية والغربان والأشباح..

شعرت الآنسة جلوري بلحظة عابرة من الأسف تجاهي. بعدها قالت لي وهي تمرر لي الوعاء الساخن ”لا تنزعجي، حاولي أن تتجاهلي الأمر. إن العصي والحجارة قد تُكسر عظامك، لكن الكلمات.. كما تعرفين، أعمل لديها منذ ٢٠ عامًا“.

أمسكتْ الباب الخلفي من أجلي. أخبرتني ”عشرون عامًا. لم أكن أكبر منك سنًا وقتئذ. كان اسمي هاللويا. هذا ما كانت تناديني به أمي. لكن السيدة أعطتني اسم جلوري، والتصق بي. لقد أعجبني أكثر“.

كنتُ في المسار الصغير الذي يقع خلف المنازل عندما صرخت الآنسة جلوري ” وإنه أقصر أيضًا“.

لثواني معدودة، كان الأمر بمثابة قُرعة ما إذا كنت سأضحك (تخيّل أن يكون اسمك هللويا) أو أبكي (تخيل أن تدع امرأة بيضاء تعيد تسميتك من أجل راحتها). حماني غضبي من كلا الانفجارين. كان يجب عليّ أن أترك عملي، لكن المشكلة كانت كيف سأتركه. لن تدعني أمي أن أترك عملي لأي سبب.
أخبرتني عاملة السيدة راندال وهي تأخذ الحساء مني ”إنها عاهرتُن. تلك المرأة هي عاهرتُن حقيقية“، وكنت أتسائل ما هو اسمها الحقيقي وبماذا تُدعى الآن.

لمدة أسبوع وأنا أتأمل وجه السيدة كولينان وهي تناديني بماري. تجاهلتْ أمر قدومي إلى المنزل متأخرًا ومغادرتي مبكرًا. لكن الآنسة جلوري انزعجت قليلًا لأنني أصبحت أترك مُحّ البيض على الأطباق، ولم أبذل مجهودًا كافيًا لتلميع الفضّيات. كنت آمل أن تشتكي لرئيستنا، لكنها لم تفعل. 

لكن بيلي حلّ معضلتي. طلب مني أن أصف له محتوى الدولاب والأطباق المعينة التي تعجب السيدة. كانت قطعها المفضلة طبق خزفي على شكل سمكة، وأكواب القهوة الخضراء. حفظتُ تعليماته، لذلك في اليوم التالي عندما نشرت الآنسة جلوري الملابس وطُلب مني أن أخدم العجائز على الشرفة، أسقطتُ صينية التخديم الفارغة. عندما سمعت السيدة كولينان تصرخ ”ماري!“ التقطتُ الطبق الخزفي وكوبين من أكواب القهوة الخضراء باستعداد. وفي الوقت الذي دخلتْ فيه المطبخ، تركتهم يتساقطون على البلاط. 

لم أستطع أن أصف لبيلي ما الذي حصل فيما بعد، لأن كل مرة أصل فيها إلى الجزئية التي تسقط فيها السيدة على الأرض وأجعل وجهها القبيح يبكي، ننفجر من الضحك. تمايلتْ على الأرض والتقطت الأجزاء المكسورة من الأكواب وقالت باكية ”يا أماه، يا رباه، إنه خزف أمي من فرجينيا. أنا آسفة يا أمي!“.

اندفعت الآنسة جلوري من الحديقة وكذلك السيدات في الشرفة المزدحمة. كانت الآنسة جلوري مكسورة مثل سيدتها ”هل تعنين أنها كسرت أطباقنا التي من فرجينيا؟ ما العمل الآن؟ 

بكت السيدة كولينان بصوت مرتفع وقالت ”تلك الزنجية الخرقاء. الزنجية الصغيرة السوداء الخرقاء“

سألت العجوز المرقطة ”من فعلها يا فيولا؟ هل كانت ماري؟ مَن فعلها؟“

كل شيء حدث بسرعة للدرجة التي لا أستطيع التذكر هل سبق فعلها كلماتها، لكني أعرف أن السيدة كولينان قالت ”اسمها مارجريت، اللعنة عليه، اسمها مارجريت“ ورمت قطعة من الصحن المكسور علي. من الممكن أن الهستيريا أعاقت هدفها، لكن الصحن الطائر وقع فوق أذن الآنسة جلوري التي بدأت بالصريخ.

تركتُ الباب مفتوحًا على مصراعيه حتى يسمعها جميع الجيران. لقد كانت السيدة كولينان محقة بشأن أمر واحد، اسمي لم يكن ماري. 


 للكاتبة والشاعرة الأمريكية مايا (مارغريت) آنغلو – بترجمتي

عندما أنهينا أنا وزميلتي المكسيكية والتي تعمل جليسة أطفال، من قراءة القصة قالت معلقة عليها “الآن فهمت سبب غضبي المكبوت على السيدة التي أعمل لديها عندما تناديني في كل مرة باسم غير اسمي، زاعمة أن اسمي صعب عليها.. إنها تنزع هويتي”.

زميلتي هذه مُحقة، فاسم شخص ما هو هويته. 
جاء في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم غيّر من أسماء بعض الداخلين في الإسلام من الناس والقبائل مَن كانت أسمائهم فيها قبح أو غِلظة إلى أسماء أحسن منها تفاؤلًا واستبشارًا بمعناها. لكن الرسول الكريم لم يُجبر أحدًا على تغيير اسمه، إذ ورد في صحيح البخاري أن والد سعيد بن المسيب “حزن” جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له “أنت سهل” فرد عليه “لا أُغيّر اسمًا سمّانيه أبي” فقال ابن المسيب ” فما زالت الحزونة فينا بعد”. 

وفي قصة هايدي، تغضب هايدي الصغيرة من السيدة روتن ماير لأنها تناديها بأدلين بدلًا من هايدي بسبب أن الاسم لا يعجبها ولم تسمع به من قبل.  ما الغرض من كتابة هذه التدوينة؟ خطرت في بالي القصة وكل هذه الأفكار عندما سمعت إحدى صديقاتي تُنادي العاملة المنزلية باسمٍ عربي لأنه أسهل لها. احذروا، إن الاسم هوية وهي ذاكرته وماضيه فلا تنزعوها من البسطاء لديكم.

 

فن عدم القراءة – شوبنهاور

Gürbüz Doğan Ekşioğlu

إن الجهل ليحط من شأن الرجل إذا كان غنيًا فقط، أما الرجل الفقير المقهور بفقره وبتعاسته فإن عمله يحل محل العلم ويشغل أفكاره. لكن الأثرياء الجاهلون، فهم يعيشون من أجل متعتهم، ويشبهون بذلك الحيوانات الذين نراهم بشكل يومي. يجب علينا أن نوبخهم لأنهم لم يستفيدوا من فراغهم وثروتهم والتي كان بإمكانها أن تضيف عليهم أكبر قيمة ممكنة. 

عندما نقرأ، فإن هناك شخص ما يفكر لنا. لا نفعل شيئًا سوى أن نكرر عملية التفكير الخاصة به. هذا يشبه الطالب الذي يتعلم الكتابة فيضع قلمه فوق الخطوط التي وضعها له المعلم. أثناء القراءة، تؤخذ منا عملية التفكير، وهذا مانلاحظه أننا عندما نرغب في الهروب من الأفكار نهرع إلى القراءة. 

عندما نقرأ تصبح أذهاننا ملعبًا لأفكار الآخرين، وعندما تغادر أفكارهم الملعب فما الذي يبقى؟

النتيجة هي أن الذي يقرأ كثيرًا طوال اليوم ويقطع ذلك بالترفيه عن نفسه بهوايات مجردة من الأفكار، سيخسر بشكل تدريجي قدرته على التفكير لنفسه. وهذا مثل الشخص الذي يركب العربة بشكل دائم وينسى كيف يمشي. هذه هي المشكلة مع الكثير من العلماء، لقد قرأوا إلى أن جعلوا من أنفسهم أغبياء.

إن القراءة المتواصلة هي معيقة للذهن أكثر من العمل اليدوي، لأننا في العمل اليدوي نستطيع أن نسرح بأفكارنا. القراءة المتواصلة تشبه الزنبرك الذي يخسر مرونته بسبب ضغط جسم غريب عليه، وهذا ينطبق على العقل الذي تضغط عليه أفكار الآخرين. وتُشبه أيضًا المعدة التي نملأها بالطعام الكثير الذي يؤذي الجسد، وهذا بالضبط مانفعله عندما نحشر العقل بالكثير من الغذاء العقلي.

إذا قرأنا كثيرًا فإننا سنترك القليل من الأثر على أذهاننا بما قرأناه مسبقًا. ستصبح أذهاننا مثل السبورة التي كتب عليها أشخاص كثيرون الواحد تلو الآخر. وبالتالي لانستطيع أن نفكر مليًا في ما قرأناه، لأن الطعام لايغذينا بمجرد تناوله ولكن فقط إذا هضمه الجسم. إذا قرأنا بدون أن نفكر جليًا بعدها عما قرأناه، سيضيع حتمًا. 

بشكل عام، فإن التغذية العقلية مثل الجسدية، يُهضم من الغذاء خُمسه أما الباقي فيضيع من خلال التبخر والتنفس والخ. بالإضافة إلى كل هذا، فإن الأفكار التي تُلخّص على الورق لا تعدو أكثر من مجرد آثار أقدام لشخص على الرمل، نستطيع أن نرى الطريق من خلال هذه الآثار لكن من أجل أن نرى ما الذي شاهده الشخص، يجب أن نستخدم أعيننا. 

كما تحافظ الأرض بين طبقاتها على الكائنات الحية في العصور الماضية، كذلك تحافظ أرفف المكتبات على أخطاء العصور الماضية وكذلك على شروحها. فمثل الكائنات الحية، كانت هذه الكتب حية في أيامها وقد أشغلت الناس في زمانهم، لكنها الآن متحجرة ولا يهتم بها إلا علماء الحفريات.

طبقًا لهيرودتس، فإن زركسيس|خشايارشا الأول بكى عند رؤيته لحشد جيوشه العظيم، لأنه فكّر أن كل هؤلاء، الآلاف منهم، لن يبقوا على قيد الحياة بعد مئة سنة. لكن من سيمتنع عن البكاء أيضًا عند رؤية القائمة الجديدة لدار لايبيزيغ للنشر عندما يفكر أن كل هذه الكتب لن تصبح حية بعد ١٠ أعوام؟

إن الكتابات مثل الحياة، كلما استدرنا صادفنا رعاعًا معوقًا من البشر نجدهم في كل الحشود، يملأون ويدنسون كل شيء، مثل الذباب في الصيف. ولذلك نجد عددًا كبيرًا من الكتب السيئة، كالأعشاب الضارة التي تحرم سنابل القمح من الغذاء. إن هذه الكتب تُضيّع كل الوقت والمال وانتباه العامة بادعائها حق الانتماء إلى الكتب الجيدة، لأنها كُتبت من أجل المال أو الحصول على المناصب. لذلك فهي ليست غير مفيدة فقط، بل مؤذية بشكل جاد. حوالي ٩ أعشار الكتب الموجودة في زماننا ليس لديها أي هدف غير استخراج المال من الجيوب. إن كل من المؤلف، والناشر، والناقد قد تآمروا بشكل جيد على ذلك. 

إن فن عدم القراءة هو فن مهم للغاية. فهو مبني على تجاهلنا لما يُشغل الجماهير في أي وقت، مثل الكتب في الأمور السياسية، أو المنشورات الثقافية، والروايات، والقصائد، والتي تُحدث ضجة ويصبح لها العديد من الإصدارات في السنوات الأولى والأخيرة من حياتها. وعلى العكس، فإننا يجب أن نبقي في أذهاننا أن أي شخص يكتب للحمقى سيجد دائمًا جمهورًا كبيرًا، وأننا يجب أن نكرس وقتنا الضئيل من أجل قراءة الأعمال العظيمة لكل الشعوب وفي كل الأزمنة.. هذه الأعمال فقط هي التي تُعلم وتوجه. .. إن الكتب الدخيلة هي سم فكري يدمر العقل.

هناك الكثير من الكتب التي أُلفت عن الأشخاص العظماء ويقرأها العامة، لكنهم لا يقرأون أعمالهم. لأنهم يقرأون فقط ماهو جديد ولأن الطيور على أشكالها تقع تجد أن كل هذا الهذيان هو أكثر قبولًا وإعجابًا من أفكار العقول العظيمة.

إنني ممتن للقدر الذي قدّم لي في شبابي الحكمة التي قالها ”أوغست فلهلم شليجل“ والتي أصبحت دليلي:

اقرأ للأقدمين بحذر، العظماء منهم والحقيقيون

لأن أغلب مايقوله المعاصرون عنهم ليس حقيقيًا 

أوه، كم تتشابه العقول مع بعضها البعض! كلها مصنوعة من نفس القالب! نفس الخواطر، وليس شيء آخر مختلف، تتوارد على كل واحد منهم في نفس الموقف! فضلًا عن ذلك، نحن نفهم مقاصدهم وأهدافهم الخسيسة. تُقرأ أعمالهم غير القيمة من قبل جمهور أحمق، أما أعمال العقول العظيمة فتُنحى جانبًا على أرفف المكتبات.

إن السلوك الأحمق للجماهير لهو مذهل، لأنه يترك أعمال العقول النبيلة والنادرة في كل فروع المعرفة من كل الدول والعصور غير مقروءة، وذلك من أجل قراءة خربشات عقول متشابهة والتي تظهر بشكل يومي، ومثل الذباب، تفقس سنويًا في أسراب. كل هذا يحدث بسبب أنها جديدة وطازجة من المطبعة. يجب أن نتجاهل هذا الإنتاج ونعامله بازدراء منذ ولادته لأنه سيكون كذلك بعد مضي بضعة أعوام. وبعد مرور الوقت سيغدو موضوعًا للضحك على الأجيال القديمة وتفاهاتها. 

في كل الأزمان، هناك نوعين من الأدب والذي يُنتج باندماج مع بعضه ولكن بشكل مستقل، هناك نوع حقيقي ونوع ظاهري: 

١-النوع الحقيقي ينمو إلى أن يُدرج تحت الأدب الدائم، والذي يُطور من قبل هؤلاء الذين ”يعيشون من أجل” التعلم أو الشعر، فهو ينمو بشكل جدي وهاديء لكن ببطء شديد، فأوروبا بالكاد تنتج كل قرن درزينة من الأعمال القابلة للعيش.

٢- أما النوع الآخر من الأدب فهو الذي يُطور من قبل هؤلاء الذين ”يقتاتون من“ التعلم أو الشعر. فهذا النوع يعدو سريًعا ويتميز بالصخب، فنرى سنويًا في الأسواق الآلاف من الكتب. لكن بعد سنوات قليلة، سيسأل شخص ما أين هذه الأعمال وكيف أصبحت بعد شهرتها والتي كانت صاخبة وغير ناضجة. نستطيع أن نصف هذه النوع الأخير الأدب الجارف أما الأول فبالأدب الباقي.

إن شراء الكتب لهو أمر جيد إذا استطعنا أن نشتري الوقت لقراءتها. عندما نشتري الكتب يجعلنا نشعر بشكل خاطيء بأننا امتلكنا محتواها.

إذا توقعت أن يتذكر الشخص كل ما قرأه فهذا يعني أنك تتوقع منه أيضًا أن يحمل في جسمه كل الطعام الذي تناوله. لأنه بالطعام قد عاش بجسده، أما بالقراءة فقد عاش بعقله وهكذا أصبح الشخص الذي هو عليه الآن. لكن الجسم سيندمج مع ماهو متجانس معه، وهكذا سيتذكر كل شخص الأشياء التي تستهويه وتناسب نظام أفكاره ومقاصده.

”إن التكرار هو المصدر الرئيسي للتعلم“. 

كل كتاب مهم يجب أن يُقرأ مرتين لأن المواضيع التي يتناولها ستكون مفهومة بشكل أفضل في القراءة الثانية، وعندما نعلم نهايات الكتاب سنفهم جيدًا بداياته. كذلك فإن مزاجنا في القراءة الثانية سيكون مختلفًا عن القراءة الأولى. وهكذا سيختلف انطباعنا عن الكتاب عن المرة السابقة وكأننا ننظر إلى قطعة ما تحت ضوء مختلف.

إن الأعمال هي خلاصة العقل، لذلك إذا كان المرء يملك عقلًا عظيمًا فإن أعماله ستكون أكثر قيمة من مصاحبته. حتى كتابات المرء ذو العقل المتواضع قد تكون ممتعة ومفيدة وتستحق القراءة، لأنها خلاصة عقله، نتيجة وثمرة كل أفكاره ودراساته، لكن مصاحبته قد لاترضينا. لذلك نستطيع قراءة كتب هؤلاء الذين لا تُمتعنا مرافقتهم، أما ثقافات العقول العظيمة فتساعدنا في إيجاد المتعة في الكتب وليس لدى الناس..

لا يوجد شيء يبعث العقل كما تفعل الكلاسيكيات القديمة. فحالما يقرأ المرء واحدة منها ولو لنصف ساعة، سيشعر بالإنتعاش وبالراحة وبالنقاء وبالعظمة والقوة، وكأنه يستجم عند جدول جبلي. هل يعزو هذا لكمال اللغات القديمة؟ أم إلى عظمة العقول التي ستبقى أعمالها سليمة لقرون؟ من الممكن أن يكون السبب خليط من هذا وذاك. 

فالذي أعرفه أننا عندما نتوقف عن تعلم اللغات القديمة كما في زمننا الحالي، فستظهر لنا طبقة جديدة من الأدب وستحتوي على الكتابات الأكثر همجية وغباء وعديمة النفع من أي وقت مضى. أما اللغة الألمانية على وجه الخصوص، والتي تتكون من بعض اللغات القديمة الجميلة، ستُخرب بشكل منهجي من قبل هذه الخربشات عديمة النفع حتى تصبح شيئًا فشيئًا لغة فقيرة ومُعاقة وبائسة.

إن نصف قرن من الزمن لهو وقت معتبر في تاريخ الكون لأن المادة التي تكونه تتغير بشكل دائم، هناك شيء ما يحدث دائمًا. لكن بالنسبة إلى الأدب، فإن نفس الفترة الزمنية ستذهب هباء على الأغلب، لأنه لم يحدث شيء، ولا تُحتسب المحاولات غير البارعة، لذلك نحن هنا بالضبط كما كنا قبل خمسين عامًا. 


آرثر شوبنهاور – مقالته عن “الكتب والقراءة” ترجمتها بتصرف

هل أنت متردد في اتخاذ قرار ما؟ ١٥ قانونًا لتسهيل اتخاذ القرارات

Iro Tsavala

هنا سلسلة تغريدات لجورج ماك من تويتر أعجبتني وأردت أن أنقلها لكم هنا مرتبة، ترجمتها بنفسي لعلها تفيدكم

قوانين بيزوس Bezos:
– إذا لم تكن متأكدًا أي إجراء يجب اتخاذه، فدع نفسك ذات ال٨٠ عامًا تقرر ذلك.
– إذا لم تكن متأكدًا من اختيار الشخص الذي ستعمل معه، فاختر الشخص الذي يحمل أفضل الفرص لأن يُخرجك من سجن العالم الثالث.

قانون سكنر Skinner:
إذا كنت تؤجل موضوعًا ما، فلديك خيارين فقط:
١- أن تجعل معاناة عدم فعله أكبر من المعاناة التي ستجدها عند فعله.
٢- أن تجعل لذة فعله أكبر من اللذة التي ستجدها عند عدم فعله. 

نصل الحظ:
إذا علِقت بين خيارين متساويين، فاختر الخيار الذين يُشعرك بأنه سيهب لك الحظ لاحقًا. 

استخدمتُ هذا النصل عندما اخترت الخروج مع شخص غريب لتناول المشروبات بدلًا من الجلوس في المنزل ومشاهدة نتفلكس. لاحقًا، أدركت أنه أفضل قرار ”عائد الاستثمار“ اتخذته في حياتي. 

نصل التباهي:
– إذا تفاخر شخص ما بنجاحه أو بسعادته، فافترض أنه يملك نصف مايدّعي.
– إذا تواضع شخص ما بشأن نجاحه أو سعادته، فافترض أنه يملك ضعف ما يدّعي. 

”إن الخريطة ليست التضاريس“

قانون هوفشتادتر Hofstadter:
”إن الأمر يستغرق منك دائمًا وقتًا أطول مما تتوقع، حتى عندما تأخذ في الاعتبار قانون هوفستاتر“.

كل مشروع سيكلفك أكثر بمرتين وسيستغرق أكثر ب٣ مرات مما تتوقع، حتى وإن أخذت ذلك في عين الاعتبار. 

قانون إيلون Elon:
إذا كان لديك مشروعًا، فكافح قانون هوفستاتر من خلال وضع ”ددلاين“ محفز بشكل يبعث على السخرية، حتى وإن أخذ المشروع منك وقتًا أكثر ب٣ مرات من الموعد النهائي الذي وضعته، فإنك ستكون في مقدمة الجميع.

عدم إلتزام إيلون ماسك بمواعيده النهائية السوبر بشرية هي ميزة وليست خطأ.

نصلات نافال Naval:
-إذا كان لديك خيارين لتختار أحدهما وكلاهما يحتملان فرصة اختيار ٥٠/٥٠، فاسلك الطريق الأكثر إيلامًا على المدى القصير.
-إذا كانت مهمة ما قيمتها أقل من أجرك في الساعة، فعليك بالمساعدة الخارجية، أو الإلكترونية، أو احذفها.

قانون منغر Munger:
لا تسمح لنفسك أبدًا أن تتخذ رأيًا بشأن موضوع ما حتى تستطيع أن تصيغ الرأي المعارض بشكل أفضل من المعارضين.
مغالطة الرجل الحديدي < مغالطة رجل القش

نصل هيتشن Hitchen:
ما يمكن تأكيده بدون دليل سيُهمل بدون دليل. 

سيف نيوتن الليزري المشتعل:
إذا كان هناك شيء ما يمكن أن يُحل بالتجربة أو الملاحظة، فإنه لا فائدة من الجدال.

نصلات جو روغان Joe Rogan:
– إذا كنت غير متأكدًا من الفعل الذي ستتخذه، اسأل نفسك ما الذي سيفعله بطلك في الفيلم.
– إذا كنت شغوفًا بشيء ما ولا يوجد شخص حولك مهتم، فافترض أن الإنترنت سيساعدك على إيجاد المهتمين.

جرّاح نسيم طالب Taleb:
إذا عُرض عليك مُرَشحين يظهر أنهما متعادلين في أداء الدور، فاختر الشخص الأقل جاذبية. فالشخص الذي ليس لديه جاذبية قد وصل إليك بدونها، أما الشخص ذو الجاذبية فقد جاء إليك بمساعدتها. 

نصل المشقة:
كلما كان النشاط غير مريحًا، كلما ازدادت الفرصة لأن يقودك إلى الازدهار.
كلما كان النشاط مريحًا كلما ازدادت الفرصة لأن يقودك إلى الركود.

ألف ساعة غير مريحة < ١٠ آلاف ساعة مريحة

بندقية تشيخوف Checkhov:
في القصص، إذا لم يكن الأمر مُهمًا، فلا تُدرجه في الحكاية.
”إذا أخبرتنا في الفصل الأول أن هناك بندقية معلقة على الجدار، فينبغي أن يُطلق النار في الفصل الثاني أو الثالث. لكن إن لم يُطلق النار، فلا يجب عليك أن تعلقها هناك أصلًا“.

نصل أوكام Occam:
– من المحتمل أن تكون الفرضيات البسيطة على صواب أكثر من الفرضيات المعقدة.
– تجنب أن تكون الشخص الذي يحاول حل المشكلة من خلال عدد كبير وسخيف من الفرضيات.

قانون والت ديزني:
إذا كنت تحاول جاهدًا أن تفكر بوضوح في أمر ما، ارسمه أولًا. 

هنا ما رسمه والت ديزني في عام ١٩٧٥ لإمبراطورية الإعلام التي أراد أن يبنيها:

قانون شوارزنجر:
لا تحاول أبدًا أن تحول مهاراتك الفنية إلى دخل مادي حتى لا تضحي بسعادتك الداخلية وبصيرتك من أجل المال. 

كسب أرنولد شوارزينجر الملايين من العقارات وإرشادات كمال الأجسام حتى لا يضطر إلى الموافقة على الأدوار التمثيلية التي لا تُعجبه.

هل تفكر لنفسك وبنفسك؟ عن التفكير للذات- شوبنهاور

FRAN PULIDO

قد تكون المكتبة كبيرة للغاية، لكنها إن كانت غير منظمة، فهي ليست مفيدة كما هي المكتبة الصغيرة المنظمة. نفس الحال ينطبق على المرء صاحب المعلومات الواسعة، فإذا لم ينظم معلوماته من خلال تفكيره لنفسه فسوف تصبح أقل قيمة عما إذا كانت أقل ولكنها مُتأملة.

هذا يحدث عندما يتقصى معرفته من كل الجوانب، ويجمع الأشياء التي يعلمها من خلال مقارنة الحقيقة بالحقيقة، وحينها سوف يسيطر عليها ويسخرها لقوته. لا يستطيع المرء أن يُقلّب أي شيء في ذهنه حتى يعرفه، وبالتالي يتعلمه، وهذا لا يحدث إلا إذا تأمله جيدًا ثم يستطيع القول حينها أنه يعرفه.

إن القراءة والتعلم هما أمران يمكن لأي شخص أن يمارسهما بإرادته الحرة، لكن ليس التفكير. 

فالتفكير يجب أن يُشعل مثل النار مع الهواء، ويجب أن يُحافظ عليه باهتمامات معينة. هذه الاهتمامات من الممكن أن تكون محايدة أو متحيزة. فالاهتمامات المتحيزة تأتي من الأمور التي تهمنا بشكل شخصي. أما الاهتمامات المحايدة فهي مرتبطة بالرؤوس التي تفكر بشكل غريزي، وبهؤلاء الذين يكون التفكير لديهم أمر طبيعي مثل تنفسهم للهواء، وهم نادرون للغاية. وهذا هو السبب في أن أغلب الرجال المتعلمون يُظهرون ذلك بشكل قليل. 

إن الأمر الذي يُحدثه التفكير للذات على عقل المرء-مقارنة بالقراءة- لشيء عظيم. هناك فرق شاسع ما بين طبيعة عقلين تقود أحدهما إلى التفكير والآخر إلى القراءة. ما أقصده هو أن القراءة تفرض أفكارًا دخيلة على العقل.. أفكارًا غريبة على المزاج لدرجة أنها قد تصبح مثل الختم بالشمع. فيصبح العقل حينها مكرهًا من الداخل بشكل كامل، وهو مدفوع لأن يُفكر بهذا وذاك على الرغم أنه قد لايكون لديه أي دافع بسيط أو ميل لفعل ذلك.

لكن عندما يُفكر الشخص لنفسه، فهو يتبع دوافع ذهنه، والتي تُحدد له في ذلك الوقت إما من بيئته أو من ذاكرته. فالعالم المرئي المحيط له لا يطبع على ذهنه فكرة قاطعة، لكنه بالأحرى يزوده بالمادة والسبب اللذان يقودانه إلى التفكير بما هو مناسب لطبيعته ولمزاجه الحالي. لذلك فإن القراءة الكثيرة تحرم الذهن من كل المرونة، تماما مثل الزنبرك الذي يقع تحت الضغط بشكل متواصل. 

إن أفضل طريقة لدى المرء الذي ليس لديه أي أفكار هو أن يلتقط كتابًا. 

وهذه الممارسة تشرح لنا كيف تزيد سعة الإطلاع أغلب الرجال أكثر غباء مقارنة بطبيعتهم، وكيف تمنع كتاباتهم من الحصول على أي نجاح. فهم يبقون كما يقول الكسندر بوب: 

للأبد يقرأ، لكنه لا يقرأ 

إن الأشخاص المتعلمين هم الذين قرأوا في صفحات الكتب. أما المفكرين فهم هؤلاء العباقرة الذين توجهوا مباشرة إلى الطبيعة. هم الذين أناروا العالم وساقوا البشرية إلى ذلك. إذا كان من اللازم أن تتضمن أفكار المرء الحقيقة والحياة، فيجب أن تكون تلك هي أفكاره الأساسية الخاصة به والتي يستطيع أن يفهمها بشكل كامل. إن قراءة أفكار الآخرين تشبه أخذ بقايا وجبة طعام من عشاء لم نُدعى إليه، أو ارتداء ملابس ألقاها شخص زائر لا نعرفه.

إن القراءة ليست إلا بديل لأفكارنا. تخدمنا الكتب المتعددة فقط عندما تُرينا الطرق الخاطئة الموجودة فيها، وكيف تضلل المرء الذي يتبع أيًا منها. لكن المرء الذي يُرشده عقله، والذي يفكر لنفسه، والذي يفكر بشكل عفوي وصحيح، يملك البوصلة الوحيدة التي تدله على الطريق الصحيح. يجب على المرء أن يقرأ فقط عندما تكون أفكاره الخاصة راكدة في منبعها، وهذا سوف يحدث غالبًا مع أفضل العقول. عندما يلتقط المرء كتابًا من أجل أن يطرد أفكاره بعيدًا فإنه يرتكب ذنبًا عظيمًا. هذا يشبه الهروب من الطبيعة من أجل أن يرى متحفًا مليء بالنباتات المجففة. 

إن المرء ليكتشف أجزاء من الحكمة أو الحقيقة عندما يقضي وقتًا طويلًا ويبذل مجهودًا في التفكير لنفسه، ويجمع الفكرة مع الفكرة، -ومن الممكن أن يتجنب كل هذا العناء لو أنه التقط كتابًا- لكن هذه الطريقة هي أكثر قيمة بمئات المرات. لأننا عندما نكتسب معرفتنا بهذه الطريقة فإنها تُحفظ كعضو حي بداخل منظومة متكاملة في فكرنا، وسوف ترتبط في علاقة كاملة وحازمة مع مانعرفه، سوف تكون هذه المعرفة مفهومة مع كل ماتتعلق به وتتبعه، وسوف ترتدي نفس الشكل لطريقتنا في التفكير، وسوف نستعيدها في الوقت المناسب عندما نحتاجها، لأننا لن ننساها. وهذا هو التطبيق المثالي والترجمة المثالية لنصيحة ”غوته“ عندما أخبرنا باكتساب ميراثنا لأنفسنا بطريقة تجعلنا نمتلكه فعلًا:

”إن ماورثته من أجدادك كان ينبغي عليك أولًا أن تكسبه من أجل أن تمتلكه“

إن الشخص الذي يفكر لنفسه، يصنع آرائه الخاصة ويتعلم وضع المرجعيات الخاصة لها لاحقًا والتي ستقوي إيمانه بها وبنفسه. 

لكن فيلسوف الكتب يبدأ من مرجعيات الآخرين. فيقرأ كتب الآخرين، ويجمع آرائهم ويكوّن مجموعة لنفسه تشبه رجلًا آليًا مصنوع من أي شيء إلا من اللحم والدم. في المقابل، فإن الشخص الذي يفكر لنفسه يصنع عملًا يشبه رجلًا خلقته الطبيعة.

إن الحقيقة التي اُكتسبت من الآخرين تشبه العضو الصناعي، أو السن الصناعي، أو أنفًا خالي من الشعر، مثل أنف خُلق من لحم آخر. هذه الحقيقة تلتصق بنا لأنها فقط وُضعت لنا. لكن الحقيقة التي اُكتسبت بالتفكير للذات تشبه العضو الطبيعي، فهي منتمية لنا. وهذا هو الاختلاف الأساسي بين المفكر وبين مجرد شخص يتعلم. فالبلوغ الثقافي للمرء الذي يفكر لنفسه يشبه لوحة ممتازة يتوزع فيها الضوء والظل في المكان الصحيح، وتكون الألوان متناغمة، فيصبح شكلها واقعي. 

والعكس من ذلك، فالبلوغ الثقافي لمجرد شخص يتعلم يشبه لوحًا كبيرًا من الألوان من كل الأنواع، مرتبة بشكل ممنهج، لكنه مجرد من الانسجام والترابط والمعنى.

إن القراءة هي التفكير من خلال عقل شخص آخر بدلًا من التفكير الذاتي. فالتفكير الذاتي يهدف إلى تطوير منظومة متماسكة حتى وإن لم تكن كاملة، ولا يوجد شيء يعيقها إلا تيار أفكار شخص آخر والتي تأتي من القراءة المتواصلة. هذه الأفكار، تنبع من عقول مختلفة، تنتمي إلى أنظمة مختلفة، ومشوبة بألوان متنوعة، لكنها لا تصب مجتمعة في كيان ثقافي، ولا تُكوّن أبدًا وحدة معرفية أو بصيرة أو قناعة، لكنها بالأحرى تملأ الرأس بألسنة متبلبلة. إن الذهن الذي امتلأ بالأفكار الأجنبية هو ذهن محروم من البصيرة، وغير منظم. 

وهذا حال الأمور الظاهرة لدى أغلب الأشخاص المتعلمين، والذي يجعلهم في أدنى منزلة من المنطق والحكم الصحيح والدبلوماسية  مقارنة بالأشخاص غير المتعلمين الذين يكتسبون معرفة خارجية قليلة، ويجربون وسائل مختلفة يتعاملون بها مع الآخرين، وبقراءات قليلة يجسدونها مع أفكارهم.

إن الشخص المفكر حقًا يفعل نفس الأمر الذي يفعله هؤلاء غير المتعلمين لكن على نطاق واسع. فعلى الرغم أنه يحتاج إلى معرفة واسعة، ويجب عليه أن يقرأ كثيرًا، يجد أن عقله قوي بما فيه الكفاية لأن يتحكم به. فيستوعب ويدمج أفكاره، ويجعلها ملائمة لبصيرته، والتي تنمو بشكل مستمر. وأثناء عملية التطوير، فإن أفكاره الخاصة به، مثل الصوت العالي في آلة الآرغن، والذي يهيمن دائمًا على كل شيء ولا يغرق بسبب النغمات الأخرى كما يحدث في العقول المليئة بالمعارف الأثرية، والتي تختلط بها قصاصات من الموسيقى في كل مفتاح بشكل مشوش، ولا نستطيع سماع نوتة أساسية واحدة على الإطلاق.

هؤلاء الذين قضوا حياتهم في القراءة، وأخذوا الحكمة من الكتب، يشبهون الأشخاص الذين حصلوا على المعلومات عن دولة ما من تفاصيل أشخاص سافروا إليها. يستطيعون أن يصفوها، لكنهم في النهاية ليس لديهم أي روابط واضحة ومعلومات عميقة عن حالها الحقيقي. لكن الأشخاص الذين قضوا حياتهم في التفكير، يشبهون المسافرين أنفسهم، يدركون جيدًا ما الذي يتحدثون عنه، لأنهم على علم بالحالة الفعلية للأمور وهم في وطن الموضوع.

إن علاقة المفكرين بفلاسفة الكتب مثل شاهد العيان والمؤرخ. فشاهد العيان يتحدث من معرفة مباشرة خاصة به. وهذا مايجعل كل هؤلاء المفكرين يقدمون نفس الاستنتاجات. فالاختلافات تكون بسبب اختلاف آرائهم لكنها لا تؤثر في الأمر، فكلهم يتكلمون بشكل متشابه. فهم بالكاد يعبرون عن نتائج نظراتهم الخاصة إلى الأشياء. هناك العديد من الفقرات في أعمالي والتي قدمتها إلى الجمهور بتردد، بسبب طبيعتها المتناقضة، لكنني بعد ذلك اكتشفت وبشكل مفاجئ ورائع أنها تشبه بعض الآراء المسجلة لرجال عظماء عاشوا منذ زمن بعيد.

إن فيلسوف الكتب يخبرنا ماذا قال فلان وماذا كان يقصد شخص آخر. أو ما هي الاعتراضات التي قدمها شخص ثالث، وهكذا. هو يقارن آراء مختلفة، ويتأملها وينتقدها ويحاول أن يحصل على الحقيقة من الموضوع، ويشبه في ذلك المؤرخ الناقد. على سبيل المثال، هو ينطلق من بحث ما إذا كان ”ليبتنز“ لم يكن في وقت ما تابع لسبينوزا.. فالطالب الفضولي لهذه الأمور يمكن أن يجد أمثلة لافتة لما أقصده في كتاب هربرت ”التفسير التحليلي للأخلاق“ وكتابه الآخر ”رسالات في الحرية“. ستشعر بالغرابة عندما تجد أن هكذا شخصًا يضع نفسه في مشاكل كثيرة، لأنه لو اختبر الموضوع بنفسه، فسيحصل بسرعة على هدفه من خلال ممارسة التفكير. لكن هناك صعوبة ضئيلة في الطريقة. لأنها لا تعتمد على إرادته الحرة. يستطيع المرء دائمًا أن يجلس ويقرأ، لكنه لا يستطيع بسهولة أن يفكر. لأن التفكير لا يُستدعى بالمتعة، يجب علينا أن نجلس وننتظر الأفكار. فالفكرة عن موضوع ما يجب أن تظهر بنفسها، عن طريق مزيج سعيد ومتناغم من المحفزات الخارجية مع المزاج والانتباه، والذي يبدو أن هذا المزيج لايأتي أبدًا لهؤلاء الأشخاص. 

يمكننا أن نتصور هذه الحقيقة من خلال مايحدث في حال الأمور التي تؤثر على مصالحنا الشخصية. فعندما يكون من الضروري أن نصل إلى حل ما، لانستطيع أن نجلس في أي لحظة ونفكر بالوقائع ثم نغير رأينا. لأننا لو حاولنا ذلك، فإننا غالبًا سنجد أنفسنا في لحظة معينة، عاجزين على أن نُبقي أذهاننا ثابتة على هذا الموضوع، لأن أذهاننا سوف تسرح إلى أمور أخرى. فالنفور من الموضوع أمر يُلام عليه. وفي هذه الحالة لا ينبغي أن نجبر أنفسنا، لكن يجب أن ننتظر ظهور حالة مزاجية ملائم للذهن. وهي غالبًا ستظهر بشكل غير متوقع وستعاود الظهور لمرات ومرات. إن اختلاف المزاج في أوقات مختلفة يضع الموضوع تحت الضوء. إنها طريقة طويلة نستطيع أن نفهمها عن طريق مصطلح ”الحل الناضج“ وهذا يعني أنه أثناء عملية الوصول إلى حل ما، فإن المجهود الذي يُبذل يجب أن يكون متفرقًا، وحينها سيظهر لنا الكثير مما تجاهلناه في لحظة ما، وعندما نقترب أكثر سندرك أن الكثير من اشمئزازنا سيتلاشى عندما نجد أن الأمور ليست سيئة كما تبدو.

تنطبق هذه القاعدة على حياة العقول والممارسات، يجب على المرء أن ينتظر التوقيت المناسب. لا يستطيع أفضل عقل أن يفكر لنفسه في كل الأوقات. لذلك فإن العقل العظيم يفعل حسنًا عندما يقضي وقت فراغه في القراءة، لأنه كما قلت أن القراءة بديل للأفكار، إنها تدع شخص آخر يفكر بدلا عنه. لذلك يجب على المرء أن لايقرأ كثيرًا، حتى لا يعتاد ذهنه على البديل وبالتالي ينسى الواقع، وحتى لا يُكوّن عادة المشي في طرق مستهلكة، أو يتبع منهجًا غريبًا اختلقه شخص آخر لنفسه. يجب على المرء أن لايسحب نظراته من العالم الحقيقي لمجرد القراءة، لأن الدافع والمزاج اللذان يدفعانه إلى التفكير يأتيان من الواقع أكثر من الكتب. فالحياة الحقيقية التي يراها المرء أمامه هي مادة طبيعية للتفكير، وفي قوتها نجد العنصر الأساسي للوجود، وبإمكانها أن تصبح أكثر سهولة من أي شيء آخر يؤثر على العقل المفكر.

إن كلا من الخبرة المجردة والقراءة القليلة تزوّدان الفكر. فالعلاقة بينهما وبين الفكر مثل العلاقة التي بين الأكل والهضم. فعندما تفتخر الخبرة بأن اكتشافاتها وحدها هي نتيجة لتقدم الجنس البشري، يبدو وكأن الفم يفتخر ويدّعي الفضل لوحده بالحفاظ على صحة الجسم. 

نستطيع تمييز كل أعمال أصحاب العقول المبهرة بخاصيتين: الحسم والوضوح، هذا يعني أن هذه الأعمال واضحة وخالية من الغموض. فالعقل القادر بصدق يعلم جيدًا وبوضوح الشيء الذي يريد أن يُوضحه، وماهي الطريقة التي يستخدمها في التوضيح سواء كانت نثرًا أو شعر أو موسيقى. لكن العقول الأخرى تُعرف بأنها ليست واضحة وحازمة.

إن العلامة المميزة للعقل الراقي أنه يحكم بشكل مباشر. فكل شيء يقدمه إنما هو نتيجة للتفكير لنفسه، وهذا واضح في كل مكان يعبر فيه عن أفكاره. هذا العقل يشبه الأمير. ففي مملكة التفكير نجد أن سلطته امبراطورية، بينما نجد أن سلطة العقول الأقل مرتبة هي مهملة، ولا يوجد فيها أي استقلالية. فحشود العقول التي تعمل تحت كل أنواع الآراء والسلطات الجارية، مثل الناس، تطيع القوانين بهدوء وتتقبل الأوامر من فوقها. 

إن أولئك المتحمسون لتسوية الأسئلة الجدلية عن طريق الاستشهاد بالحكماء، سيكونون سعداء حقًا إذا تمكنوا من وضع إدراك وبصيرة الآخرين في مكان خاص لهم. وهؤلاء عددهم كبير. وكما يقول سينيكا، لا يوجد هناك شخص إلا ويفضل الإيمان على التفكير برأي. ففي خلافاتهم، سيستخدمون مرجعيات الآخرين كسلاح يضربون به. فإذا أُتيحت الفرصة لأي شخص لأن يتورط في منافسة ما، فلن يستخدم المنطق والجدال كوسيلة دفاع، لأنهم سيكونون مثل ”سيغورد“ مع بشرة من العاج، مغموسون في فيضان من عدم القدرة على التفكير والتحكيم، سوف يقابلون هجومه بمرجعيات السابقين ثم سيصرخون أنهم ربحوا المعركة.

ففي العالم الحقيقي، غير العادل وغير اللطيف، نعيش وفقًا لقانون الجاذبية الذي يجب أن نتغلب عليه باستمرار. أما في عالم العقل، فنفصل أرواحنا عن أجسادنا ولا نقيدها إلى ثمة قانون، فنحررها من البؤس والقلق. لذلك لاتوجد سعادة على الأرض، إلى هذه اللحظة، مثل تلك التي يجدها العقل المثمر في نفسه.

حضور الفكر مثل حضور المرأة التي نحب. لا نرغب في نسيان الفكرة أو أن نكون لا مبالين تجاه شخص عزيز. لكن البعيد عن القلب، هو بعيد عن العين! إن أفضل فكرة ستكون عرضة لخطر النسيان إذا لم نكتبها كما أن المرأة التي نحب قد تتركنا إذا لم نتزوجها. 

هناك العديد من الأفكار القيمة للمرء الذي يفكر بها، لكن قليل منها تصبح قوية إلى الدرجة التي تنتج عنها عملًا أو تعكس فعلًا من أجل أن تكسب عاطفة القارئ وذلك بعد أن تُدوّن على الورق. 

لكننا يجب أن لا ننسى أن القيمة الحقيقية تتعلق فقط بما يفكر به المرء في الوهلة الأولى ”في حالته الخاصة“. قد يُصنف المفكرون وفقًا لما يفكرون أساسًا لحالتهم الخاصة أو لأحوال غيرهم. فالنوع الأول هم مفكرون مستقلون، لأنهم يفكرون أنهم مستقلون حقًا، لذلك هم فلاسفة بشكل حقيقي، وحيدون في إخلاصهم. فالمتعة والسعادة لوجودهم تكمنان في تفكيرهم. أما الآخرون فهم صوفية، يرغبون في الظهور بشكل ليس لهم، ويبحثون عن سعادتهم على أمل أن يجدوها في العالم. هم مخلصون بشأن أي شيء آخر. من خلال أسلوب المرء وسلوكه، يمكننا رؤية إلى أي من هاتين الفئتين ينتمي. ينتمي ”ليتنبرغ“ إلى الفئة الأولى، أما “هردر” فينتمي -بدون شك -إلى الفئة الثانية.

عندما يفكر المرء في مدى ضخامة وقرب ”مشكلة الوجود“ منا- هذا الوجود المبهم، والمُعذب، والعابر، والشبيه بالحلم لنا- والذي ما إن  يحاول المرء اكتشافه حتى يجده يحجب جميع المشاكل والأهداف، وعندما يرى الشخص كيف أن كل الرجال مع استثناءات قليلة ونادرة، ليس لديهم أي وعي واضح عن المشكلة، وفوق ذلك يُظهرون أنهم غير واعين بحضورها، ويُشغلون أنفسهم بكل شيء عداها، ويعيشون حياتهم بدون أن يفكرون إلا في كيفية قضاء اليوم أو في مستقبلهم إما بتجاهل المشكلة بشكل واضح أو بتصالحهم معها من خلال تبني نظام شعبي ميتافيزيقي يُرضيهم. 

..

هناك ٣ مراحل في المسرح، وهو الانعكاس المثالي للوجود الإنساني، من أجل عرض موضوع ما:

في البداية، وهو أمر شائع، نجد أن المسرحية هي ليست أي شيء لكنها ممتعة. يحصل الناس على انتباهنا بمجرد أن نتبع مقاصدهم، والتي تشبه مقاصدنا، وتتوالى الأحداث من خلال الوسائل التي تكيد بها الشخصيات والوقائع بينما يكون هناك الضحك والمواقف الذكية. 

وفي المرحلة الثانية، تصبح المسرحية أكثر عاطفية. تُثار العاطفة مع البطل بشكل غير مباشر مع أنفسنا. تُدار الأحداث بشكل مثير للشفقة، لكن النهاية تكون مُرضية وسلمية. 

لكننا نصل إلى الذروة مع المرحلة الثالثة، والتي تكون الأصعب. تهدف المسرحية إلى أن تكون تراجيدية. نحن نقف وجهًا لوجه أمام معاناة عظيمة وعاصفة من القلق الوجودي، وهذا من أجل أن نستعرض كل الجهود الإنسانية المختلفة. تحركنا الأحداث من الداخل، وحينها إما أن نحاول أن نتجاهل رغبتنا في المعاناة، أو أن ننسجم معها فنشعر بصدى مشاعر متشابهة. 

إن البداية، كما قلنا، هي صعبة دائمًا. أما في المسرحية فهو العكس، لأن المصاعب تكمن في النهايات. وهذا مثبت في أغلب المسرحيات، فنجد المشهد الأول والثاني مريحًا، وبعد ذلك تصعب الأحداث خاصة في المشهد الرابع، وفي النهاية تكون غير مُرضية للجميع. لكن في بعض الأحيان، تكون النهاية إنقلابية بشكل إيجابي مثل مسرحية ليسينغ ”ايميليا جالوتي“ والتي بسببها يعود المتفرجون إلى منازلهم وقد فقدوا أعصابهم.

هذه الصعوبة تظهر في آخر المسرحية لأنه من السهل أن تتشابك الأمور من أن تُحل، كذلك لأننا في البداية نُعطي للبطل بطاقة بيضاء لأن يفعل ما يريد، ولأن يفعل أشياء معينة نطلبها منه في النهاية. لذلك نحن نرجو أن تكون النهاية إما سعيدة أو تراجيدية، بينما الأحداث الإنسانية لا تستطيع أن تتخذ قرار التحول بنفسها، ثم نتوقع أن تكون النهاية طبيعية وملائمة وغير ثقيلة وفي نفس الوقت ليست متوقعة.

هذه العلامات نستطيع تطبيقها على الملحمة والرواية، لكن الطبيعة المُحكمة للمسرح تزيد الصعوبة بشكل واضح.

لكن لاشيء ينبع من اللاشيء. هذه حكمة مأثورة في الفن كما في أي شيء آخر. إن الفنان الممتاز عند إبداعه لصورة تاريخية سيستخدم الرجال كنماذج، وسيستوحي رسم الوجوه من الأشخاص الذين حوله، ثم يمضي في تصويرها كرمز للجمال أو التعبير. وبطريقة مماثلة، هذا ما يفعله الروائيون. يستمدون الهيئة العامة لشخصياتهم من أشخاص حقيقين، ثم يصورون الشخصيات ويكملونها من أجل أن تناسب مقاصدهم.  

إن الرواية العظيمة تكمن في إظهارها الحياة الداخلية أكثر من الخارجية. والنسبة بين الإثنين سوف تحدد جيدًا الحكم على أي رواية كانت من ”تريسترام شانداي“ إلى أكثر الحكايات عاطفة أو إثارة. فرواية “تريسترام شانداي“ ليس فيها أي نشاط، ولا توجد كذلك أي أحداث في ”سنوات تعلم فلهلم مايستر“. حتى رواية ”دون كيخوته“ فيها أحداث صغيرة نسبيًا لكنها ليست مهمة واُختلقت للمتعة. وهذه الروايات الأربعة هي أفضل الروايات على الإطلاق. 

فكر في الرومنسيات الرائعة لجان بول، وكيف عُرضت الحياة الداخلية في أضيق نطاق من الأحداث. حتى في روايات والتر سكوت توجد سيطرة عظيمة على الحياة الجوانية مقارنة بالحياة الخارجية، ولا توجد أحداث باستثناء المهم منها لغرض المتعة أو إثارة المشاعر. لكن في الروايات السيئة نجد الأحداث من أجل اعتبارها الخاص. إن المهارة تتضمن في تنظيم الحياة الجوانية لتتحرك مع أصغر شعاع محتمل من الظروف، وهذه هي الحياة الجوانية التي تثير اهتمامنا بشكل حقيقي.

فعمل الروائي هو أن لا يكتب الأحداث العظيمة فحسب، بل ويجعل الأحداث الصغيرة ممتعة. 

أما التاريخ، والذي أحب أن أفكر به وكأنه نقيض الشعر، فهو للزمان كما أن الجغرافيا هي للمكان. ولا نستطيع أن نقول أن التاريخ هو علم، بأي منطق صارم لتلك الكلمة، كما هي الجغرافيا، لأنه لا يتعامل مع حقائق عامة، ولكن مع أحداث معينة. إن التاريخ هو مجال مفضل للدراسة بالنسبة إلى هؤلاء الذين يرغبون في تعلم شيء ما، وبدون مواجهة الجهود المطلوبة من قبل أي فرع للمعارف الحقيقية، والتي تختبر الذكاء. ففي زماننا، نجد أن التاريخ هو شاهد عيان على العديد من الكتب التي تظهر في كل عام.

يستطيع القارئ أن يتخيل معي أن التاريخ هو مجرد تكرار مستمر لأشياء متشابهة، كما في المشكال الذي يحتوي على قطع زجاجية صغيرة لكن في مجموعات مختلفة، عندها لن يكون باستطاعته أن يشارك كل الاهتمامات ولن يستنكر ذلك. لكن هناك ادعاء سخيف من قبل كثير من الناس، يفيد أن التاريخ هو جزء من الفلسفة، لا فلسفة بحد ذاتها، وهم يتصورون أن التاريخ يمكن أن يحل محلها. 

إن العقل في التاريخ مشغول بتفاصيل معينة، مثل كل محادثة جديرة بالاهتمام، أما في العلوم، فإن العقل يرتقي إلى البحث في الحقائق العامة.

إن هذا الاعتراض لا يسلب التاريخ قيمته. فإن حياة الإنسان قصيرة وعابرة، ويشاركها ملايين الأشخاص الذين اُبتلعوا من قبل وحش النسيان والذي ينتظرهم بفك واسع مفتوح. إنها لمهمة قيمة من أجل محاولة إنقاذ شيء ما: ذكريات أحداث مهمة وممتعة، أو سمات لشخصيات رائدة في حقبة ما من حطام سفينة العالم.

لكن من وجهة نظر أخرى، فإننا ننظر إلى التاريخ كنظرتنا إلى علم الحيوان. يمكننا أن نراقب وندرس البشر كما الحيوانات، لأن كل شخص لديه شخصية تستحق الدراسة. وبما أن عدد الأشخاص والأحداث كبير للغاية ولا نهاية له، فهنا نجد عيبًا أساسيًا في التاريخ. كل ما يتعلمه الإنسان لا يساهم في تقليل مابقي عليه من المعرفة التي يجب أن يتعلمها.  

عندما ندرس تاريخ الصين والهند، سنجد أمورًا كثيرة جدًا تكشف لنا العيوب في الدراسة، وتجبر المؤرخين على رؤية أن هدف العلم هو أن يدركوا أن الكثير في الواحد، وأن يميزوا المبادئ في أي نموذج، وأن يطبقوا المعرفة البشرية على حياة الأمم، وأن يتوقفوا عن عد الحقائق إلى مالا نهاية. 

هناك نوعين من التاريخ، تاريخ السياسة وتاريخ الآداب والفنون. فالأول هو تاريخ الإرادة، أما الثاني فهو تاريخ العقل. الأول هو حكاية المشاكل والرعب. هو سجل للمعاناة والكفاح والتزييف والقتل الجماعي المريع. أما الثاني فهو كل ماهو مريح وهادئ، مثل العقل في الخلوة حتى وإن كان طريقه خاطئًا. ففرعه الأساسي هو تاريخ الفلسفة.

إن الصحف هي ساعة التاريخ المستخدمة، وهي ليست فقط مصنوعة من معدن رديء ولكنها أيضًا تشير إلى التوقيت الخاطئ. أما المقال فيها هو جوقة لدراما الأحداث العبارة. إن المبالغة في كل شيء هي أساسية في الصحافة كما هو الحال مع الفن الدرامي، فهدف الصحافة هو أن تجعل الأحداث تذهب إلى أبعد ما يمكن. لذلك فإن كل الصحفيين مذعورين وهذه هي طريقتهم في إضافة الاهتمام إلى ما يكتبونه. هم مثل الجِراء الصغيرة، إذا حدثت هناك ضجة، فسينبحون على الفور. 

فلنحذر بعناية من بوق الخطر هذا حتى لا يزعج عملية الهضم لدينا. دعونا ندرك أن الصحف في أفضل أحوالها هي عبارة عن عدسة مكبرة، وفي كثير من الأحيان مجرد صورة على الحائط.

قد يُعتقد أن القلم مثل العصا للمشي، لكنك تمشي بسهولة عندما لا تعتمد على العصا، وتفكر بمثالية عندما لا تحمل قلمًا في يدك. لكن فقط عندما يتقدم المرء في السن يحب أن يستخدم العصا ويسعده أن يلتقط قلمه.

عندما تولد فرضية في العقل، أو تكتسب موطئًا هناك، فإنها تقود حياة مماثلة لحياة كائن حي حيث تستوعب المادة من العالم الخارجي عندما تتشابه معها وتفيدها والعكس عندما لا تشبهها وتؤذيها فإن الفرضية مثل الكائن الحي تقذف بها أو تتخلص منها إذا أُجبرت على أخذها. 

لاكتساب الخلود، يجب على المؤلف أن يمتلك عددًا كبيرًا من الامتيازات إلى درجة أنه لن يكون من السهل عليه أن يجد أي شخص يفهمها ويقدرها، سيوجد هناك العديد من الأشخاص في كل العصور والذين بإمكانهم أن يميزوا ويقدروا بعضها. في هذه الحالة سيحافظ على كتاباته خلال القرون الطويلة، على الرغم من أن اهتمامات البشر ستتغير دائمًا. 

فمؤلف كهذا، والذي يدعي استمرارية حياته مع الأجيال القادمة، يستطيع أن يكون رجلًا على هذه البسيطة الواسعة يبحث عن شبيهه بدون جدوى، ويُظهر تناقضًا ملموسًا مع أي شخص آخر بفضل تميزه الواضح عن الآخرين. وأكثر من ذلك، لو أنه عاش مثل اليهودي التائه عبر الأجيال المتعددة، فسوف يظل في نفس مكانه السامي. إذا لم يحدث ذلك، فسوف يكون من الصعب أن نفهم عدم هلاك أفكاره مثل أفكار الآخرين. 

إن الاستعارات والتشبيهات لها قيمة كبيرة، لأنها تشرح العلاقة المجهولة بالعلاقة المعروفة. حتى التشبيه المفصل والذي ينمو ليكون مثلًا أو قصة ليس أكثر من عرض لعلاقة ما بأبسط وأوضح شكل. إن نمو الأفكار يعتمد في الأساس على التشبيهات، لأن الأفكار تنشأ من خلال عملية الجمع بين المتشابهات وتجاهل الاختلافات بين الأشياء. إن الذكاء بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، يتألف من فهم العلاقات، وغالبًا ما تُفهم العلاقات بشكل واضح إذا أُجريت مقارنات بين الحالات المختلفة تمامًا. طالما أن العلاقة معروفة لي وتوجد في حالة واحدة، فليس لدي إلا فكرة واحدة عنها، أو بمعنى آخر، معرفة حدسية فقط عنها. لكن مجرد أن أرى العلاقة نفسها في حالتين مختلفتين، سيكون لدي فكرة عامة عن طبيعتها الكاملة، وهذه معرفة أكثر عمقًا وكمالًا. 

نظرًا لأن التشبيهات والاستعارات تُعد محركًا قويًا للمعرفة، فإنها دلالة على ذكاء عظيم من الكاتب خاصة إذا كانت تشبيهاته غير مألوفة، وفي نفس الوقت، دقيقة. لاحظ أرسطو أن أهم شيء بالنسبة للكاتب هو امتلاك قوة الاستعارة هذه، لأنها موهبة لاتستطيع أن تُكتسب، وهي علامة على العبقرية.

بالنسبة للقراءة، فإن اشتراط أن يتذكر المرء كل شيء قرأه يشبه اشتراطنا له على أن يحمل كل شيء قد أكله من قبل. فالنوع الثاني قد غذى جسده أما النوع الأول فقد غذى عقله، ومن خلال هذه الطريقتين أصبح الشخص الذي عليه. إن الجسم ليستوعب فقط ما يشبهه، وهكذا يحتفظ الإنسان في عقله ما يهتم به، أو بمعنى آخر، ما يناسب نظام أفكاره ومقاصده في الحياة.

إذا أراد المرء أن يقرأ كتبًا جيدة، فيجب أن يتنجب الكتب السيئة لأن الحياة قصيرة، وطاقة المرء ووقته محدودان.

أي كتاب مهم يجب أن يُقرأ مرتين، لأن في القراءة الثانية ستكون الأجزاء المختلفة من الكتاب مفهومة بشكل أفضل، ونستطيع فقط أن نفهم بداية الكتاب إذا كانت النهاية معلومة. ستكون رغباتنا رغباتنا وطباعنا في القراءة الثانية مختلفة عن القراءة الأولى، فنحصل على منظور جديد لكل قطعة نقرأها، وانطباع مختلف عن الكتاب ككل.

إن أعمال المرء هي خلاصة عقله، وحتى إذا كان يمتلك مقدرة عظيمة للغاية، فستكون هذه الأعمال أكثر قيمة من حواراته. لن تُعوض أعماله انعدام الحوار معه فقط، بل وستتفوق عليه بمزايا نافعة. حتى كتابات الشخص متوسط العبقرية قد تكون مفيدة وتستحق القراءة والتوجيه لأنها خلاصة ونتيجة كل أفكاره ودراساته، في حين أن الحوارات معه قد تكون غير مرضية.

لذلك يمكننا أن نقرأ كتبًا لأشخاص لا تُمتعنا مصاحبتهم، ولأن المرتبة العالية من الثقافة قد تقودنا إلى البحث عن المتعة بشكل كامل من الكتب وليس من الرجال. 


مقالة “عن التفكير للذات” من مقالات شوبنهاور، ترجمتها بتصرف

فن صناعة الذكريات

Sveta Dorosheva 

الذكريات السعيدة مهمة لصحتك، وقد تستخدم كطريقة للتشافي من الاكتئاب. فالحنين إلى الماضي (النوستالجيا) طريقة فسيولوجية ناجحة تجعل الناس يشعرون بسعادة أكبر. لكن كيف نصنع الذكريات السعيدة ونحتفظ بها؟

هذا عنوان كتاب خفيف أحببت أن أختصر لكم بعض محتوياته في هذه التدوينة بشكل سريع. مؤلف هذا الكتاب هو مؤسس مركز أبحاث السعادة في الدنمارك Meik Wiking

هل تعيش اللحظات السعيدة أثناء حدوثها بكل حواسك؟

في دراسة طُلب من ألف شخص من ٥٧ دولة عن أن يكتبوا عن أول ذكرى سعيدة تخطر على البال، وكانت النتيجة كالتالي:

٢٣٪ من الذكريات كانت جديدة مثل زيارتهم لدولة لأول مرة،
٣٧٪ كانت للتجارب الجميلة مثل الزواج والولادة،
٦٢٪ كانت لذكريات تتضمن فيها استخدام الحواس الخمسة مثل ذكرى لامرأة تذوقت الفلفل الذي كانت تستخدمه والدتها في الطبخ أثناء طفولتها

إذن النصيحة الأولى هي أن تستخدم جميع حواسك في الأوقات السعيدة. كلما استخدمت المزيد من الحواس كلما تذكرت بشكل أفضل. إذا زرت أماكن جديدة، فلتتذوق أطباقًا جديدة. 

كيف أستخدم حواسي في صناعة الذكريات؟

العطور:
في سيرته الذاتية، يذكر آندي ورهول كيف أنه كان يغير عطوره التي يستخدمها طوال الوقت حتى يحتفظ بالذكريات المصاحبة لتلك العطور.

”إذا استخدمت عطرًا واحدًا ل٣ أشهر، فإنه سيذكرني دائمًا بهذه ال٣ أشهر. لا أستخدم العطر نفسه مرة ثانية على الإطلاق“

الموسيقى:
كل ذكرى سعيدة تستحق أن يكون لها أغنية. تستطيع الموسيقى أن تبحر بنا بعيدًا نحو ذكريات قديمة. وكما يقولون خلف كل أغنية مفضلة، هناك حكاية لم تروى بعد.

يذكر المؤلف أن العمر السحري للموسيقى هو مابين ال11-15، لذلك إذا كنت تحب أغاني معينة في مراهقتك فإنك ستظل تحبها للأبد. حاول أن تربط الأغاني التي تحبها بالذكريات السعيدة فقط.

اطبخ طبقًا للذكريات السعيدة:

إذا كنت تحب الطبخ، فاصنع لك طبقا للذكريات السعيدة. ماذا تتذكر عندما تشم رائحة القهوة؟

نصيحة: دوّن المواقف الجميلة التي حدثت لك بالتفصيل حتى تتذكرها لاحقًا، ولاتعتمد على ذاكرتك فقط. يذكر المؤلف أنه قرأ كتاب ”وداعًا للسلاح“ لارنست همنغواي في حدائق لوكسمبورغ في باريس، وكان لون الكتاب بنيًا وأزرقًا.

التجارب الأولى:

هل تتذكرون ”أولى“ تجاربكم في كل الأمور؟

أول يوم في المدرسة أو الجامعة، أول مرة تأكلون فيها طبقًا أو فاكهة معينة، أول مرة تشاهدون فيلمًا في السينما، أول حب…

من الممكن أن يكون هذا سببًا لماذا رتم الحياة يكون سريعًا كلما تقدمنا في العمر. ذلك لأن تجاربنا الأولى تكون كثيرة في مراهقتنا، بينما تنتهي أو تغدو نادرة عندما نصبح في الخمسين من أعمارنا.

اسأل أي شخص كبير في السن عن ذكرياته، وأغلب الظن أنه سوف يخبرك بقصص حدثت معه مابين عمر ال١٥ للثلاثينات. هذا مايسمى بنتوء الذكريات أو تأثير الذكريات، تستطيع أن تلاحظ هذا في السير الذاتية عند المؤلفين، ستجد أن أغلب الصفحات تعود إلى هذه الحقبة الزمنية من أعمارهم.

نصيحة: زر أماكن جديدة، ليس بالضرورة أن تكون مدنًا، من الممكن حديقة أو مطعمًا لم تزره من قبل. واخلق لنفسك تجارب جديدة.

انتبه أكثر:

هل حدث لك هذا الموقف؟
تعمل أمام جهازك لوقت طويل وتتذكر أن تذهب إلى الغرفة الأخرى من أجل أن تحضر ورقة ما، ثم تخرج من باب الغرفة وتذهب إلى الغرفة الأخرى ثم تقف فجأة .. لماذا أنت هنا؟ تنسى تمامًا أمر الورقة.
ثم تعود إلى جهازك مرة أخرى وتتذكر الورقة. 

هذا الموقف يسمى بتأثير الباب، أنت خرجت من باب الغرفة. وبحسب ورقة علمية، فإن الخروج من الباب يسبب النسيان. ذلك أن المشي من خلال الباب يجعل الدماغ يصدق أن هناك مشهدًا جديدًا سيبدأ وأنه لايحتاج إلى الذكريات التي حصلت في المشهد السابق. لذلك من الممكن أنك تحتاج إلى زيارة المشاهد السابقة أو الأماكن السابقة لاستعادة الذكريات السعيدة.

”ميزة الذاكرة السيئة أن الشخص يستطيع الاستمتاع بالأشياء الجميلة عدة مرات وكأنها أول مرة.“ – نيتشه

عندما لا نجلس بجانب أجهزتنا أو هواتفنا المحمولة فإننا نساعد أنفسنا أن نركز بشكل أكبر. حاول أن تغلق كل التنبيهات في تطبيقات الجوال.

عامل ذكرياتك السعيدة وكأنها شخص تواعده:

ستلاحظ لونه عينيه وشعره والعطر الذي يستخدمه، وأشياء مميزة مثل الحوارات وحركات اليدين. من الممكن أن تكون هناك غوريلا بجانب طاولتكم، لكن هذا لايهم. اجعل المواقف السعيدة مثل هذا الشخص وانصب تركيزك عليها.

ماهي الأمور أو الأشياء التي تذكركم بالطفولة السعيدة؟

في استفتاء لألفين بالغ في بريطانيا، أظهرت النتائج أن ٧٣٪ من الأشخاص قالوا أن الشاطيء لعب دورًا كبيرًا في ذكريات الطفولة. وبالاعتماد على الدراسة، فإن ذكريات الطفولة أكثر استحضارًا في فترة الصيف مقارنة ببقية الفصول. 

فكرة طريفة: إذا كنت ترغب في إلقاء كلمة أو محاضرة في مؤتمر على سبيل المثال، وترغب في أن يتذكرك الناس جيدًا أعطهم شيئًا يتذكرونك به لاحقًا، على سبيل المثال احضر معك أناناس وضعها على الطاولة! عندما ينتهي المؤتمر سيتذكر الناس الشخص الذي أحضر معه الأناناس. أخبر الناس لماذا أحضرتها معك وإلا ستكون شخصًا غريب الأطوار.

نصائح متنوعة:

  •  احتفل بالإنجازات مهما كانت. ستجعل من إنجازاتك سعيدة في ذاكرتك.
  • اقدم على أمر يخيفك، فالخروج من منطقة الراحة هو الخطوة الأولى لصناعة المزيد من الذكريات.
  • عندما تريد أن تفعل شيئًا ما، فلتأخذ في الحسبان أنك ستتذكره ل١٠ سنوات. 
  • اجعل ختام الموقف أو الرحلة أو التجمع سعيدًا حتى تصبح الذكرى أقوى في التذكر. إذا كانت نهاية الإجازة هي الأسعد فستخلد في الذاكرة.
  • احتفظ بالذكريات السعيدة عن طريق الصور.
  • خطط لسنة كاملة مليئة بالذكريات السعيدة واكتب قائمة بالأمور التي تود تجربتها.

ماهي طرقكم في صناعة الذكريات السعيدة والاحتفاظ بها؟

١٠ حقائق يجب أن يتقبلها كل شخص

Monica Garwood

إجابة سؤال في كورا، ١٠ حقائق يجب أن يتقبلها كل شخص:
١ولدتَ وحيدًا وستموتُ وحيدًا، لذلك حاول أن تعيش حياة مليئة بالمعنى على قدر الإمكان. اجعل لك أهدافًا يومية واعمل عليها بقدر استطاعتك.

٢لن تكون شابًا إلى الأبد. ساعتك البيولوجية لن تتوقف عن العمل. كلما تقدمت في السن، ستحصل على تذكارات يومية صغيرة تذكرك بفناءك.

٣قد يكون حولك أكثر من ١٠ أشخاص تعتبرهم كالأصدقاء، لكن في أوقات الضراء، سيكون بقربك شخص أو اثنين فقط. كن ممتنًا إذا كان بجانبك شخص واحد على الأقل!

٤أنت لست شخصًا مهمًا مهما كنت تعتقد. كل إنسان في هذه الحياة لديه أموره ومشاكله الشخصية. لذلك لا تفكر فيما سيقوله الناس عنك، لأنهم لا يفكروا فيك أصلًا.

٥مايُشغل تفكيرك هو انعكاس حقيقي لما يحدث في حياتك. قد تتعجب لماذا تكرر نفس الأخطاء وتفشل في أمر تجيده. لذلك يجب عليك أن تراجع أفكارك وتفكر مع ذاتك حتى تُمحي كل الأفكار غير الجيدة، وتستطيع فعل ذلك عن طريق استبدال الأفكار القديمة بأفكار جديدة.

٦ستكون هناك أوقات محبطة وكئيبة في حياتك. لن تجري الأمور كما خططت لها تمامًا. لذلك، لا تُعلق نفسك كثيرًا بالنتائج.

٧الحظ يلعب دورًا كبيرًا في نجاحك أو في ثرائك. أعرف أشخاصًا دخلوا سوق الأسهم للمرة الأولى في حياتهم وأصبحوا أثرياء للغاية.

٨لتصبح رياضيًا محترفًا في رياضة معينة، يجب أن تبدأ مُبكرًا وتركز تفكيرك فقط في هذه الرياضة. هؤلاء المحترفون عملوا أكثر من ١٠ آلاف ساعة ليصبحوا جيدين للغاية كما يقول مالكوم قلادويل، وأنا اتفق معه، هل رأيت أي رياضي محترف في التنس أو كرة القدم يعمل في وظيفة عادية؟

٩المال مهم للغاية. ينفصل الكثير من الأزواج عن بعضهم بسبب المشاكل المادية مثل الإسراف أو عدم وجود المال الكافي. تعلم مهارات جديدة لتساعدك على جني المال بطريقة تعيش فيها حياة كريمة. أنصحك بأن تبدأ بتوفير المال مبكرًا حتى يتجمع لديك بشكل كافٍ في المستقبل.

١٠السعادة موجودة في السعي نحو هدف ذو قيمة. لن تساهم الأمور المادية بشكل كبير في رفع مستوى سعادتك.     

١١هذه نقطة إضافية. كلنا نعلم أشخاصًا فازوا باليانصيب الجِيني. أن تكون وسيمًا أو جميلًا يعني أنك بالكاد تعاني من ضعف الثقة بالنفس في أول حياتك. ستُعامل بشكل أفضل من مجتمعك وكل شخص يريد أن يصبح صديقك. هذه هي الحياة!

مترجم بتصرف:
Quora: What are ten truths everyone should accept in their life?

روتين هنري ميللر الإبداعي في الكتابة


في عام ١٩٣٢-١٩٣٣ وبينما كان هنري ميللر يعمل على كتابة روايته الأولى (مدار السرطان)، ابتكر روتين يومي صارم من أجل أن يحثه على الكتابة. من بين هذا الروتين قائمة بإحدى عشرة قاعدة كتبها لنفسه:

١- اكتب في موضوع واحد حتى تنهيه.
٢- لا تبدأ في كتابة كتب جديدة ولا تضف مواد جديدة إلى روايتك ”الربيع الأسود“.
٣- لا تكن عصبيًا. اشتغل بهدوء، وبمرح وصبر على عملك.
٤- اعمل وفقًا لبرنامج وليس حسب مزاجك. وتوقف عند الوقت المحدد.
٥- عندما لاتستطيع أن تبدع، بإمكانك أن تعمل.
٦- ابنِ شيئًا صغيرًا كل يوم بدلًا من أن تضيف سمادًا إلى شيء موجود.
٧- فلتكن إنسانًا! قابل الناس، زر أماكنًا، واشرب إذا كنت تشعر بالحاجة إلى ذلك.
٨- لا تكن مثل الحصان الذي يجر أثقالًا. اعمل باستمتاع.
٩- تجاهل البرنامج الذي تتبعه إذا شعرت بالحاجة إلى ذلك. لكن عد إليه في اليوم التالي. ركز. حدد. واستبعد ماتجده غير مناسبًا.
١٠- انسَ أمر الكتب التي تود كتابتها. فكّر فقط في الكتب التي تعمل على كتابتها الآن.
١١- أكتب أولًا وأخيرًا بشكل دائم. فالموسيقى، والرسم، والأصدقاء، والسينما كلها أمور تأتي بعد الكتابة.

تكررت كلمة البرنامج في الوصايا بالأعلى، فما هو برنامج هنري ميللر؟
البرنامج هو مخطط يومي من أجل الإنتاجية والإلهام يشمل روتينه الكتابي والصحة العقلية:

في الصباح:

  • إذا كنت في مزاج سيء، دوّن الملاحظات وقسّمها حتى تشجعك على الكتابة.
  • إذا كنت في مزاج جيد، فاكتب.بعد الظهر:
  • اعمل على الجزئية الحالية، ثم الجزئية التي تليها بدقة. لا تسمح بأي تداخلات بينهما أو أي ملهيات عنهما. اكتب لتنتهي من جزئية واحدة في وقت واحد وبشكل دائم.في المساء:
  • قابل أصدقائك. واقرأ في المقاهي.
  • اكتشف أمورًا غير مألوفة، على قدمك وقت البلل، وعلى الدراجة وقت الجفاف.
  • اكتب إذا كنت في مزاج يسمح بالكتابة، لكن بشكل بسيط.
  • ارسم إذا كنت مرهقًا أو في وقت فراغك
  • دوّن ملاحظاتك. خطط. ارسم الجداول. صحّح المخطوطات التي لديك.ملحوظة: احرص أن يكون لديك أثناء النهار متسع من الوقت يكفي لزيارة المتاحف أو للرسم أو لركوب الدراجة. ارسم في المقاهي والقطارات والشوارع. ابتعد عن مشاهدة الأفلام! اذهب إلى المكتبة العامة من أجل المراجع مرة أسبوعيًا.

الترجمة عن:

Henry Miller’s 11 Commandments of Writing and His Daily Creative Routine 

 

ما لم نتعلمه في المدرسة: عن صحتنا النفسية، والجنس الآخر، والمال

خلال عشر سنوات، قرأتُ مئات الكتب وأجريت مقابلات وظيفية لأكثر من ٧٠٠ شخص. كانت الدوافع الأساسية في وظيفتي هي أنني أبحث عن الأجوبة. لدينا نكتة نتداولها في مقر عملي- بودكاست (انمستيكبل كرييتف)- أن اختياراتي للمواضيع عادة ماتكون انعكاسًا لمشاكل أحاول حلها في حياتي. لحسن حظي، يبدو أن أغلب المستمعين لنا هم أشخاص مهتمون بنفس هذه المشاكل. 

لكن إن كان هناك أمر أجده واضحًا بالنسبة لي، فهو أن العديد من المهارات الحياتية التي كان يجب علينا أن نتعلمها في المدرسة، لم نتعلمها للأسف. لا أستطيع أن أتجاهل فكرة كيف كان سيختلف وضعي عندما كنت أدرس في الجامعة، أو في وظيفتي أو في علاقاتي لو كانت لدي نفس المهارات الحياتية التي أحملها الآن في عمر ال٣٩ سنة. 

نموذجنا الحالي في التعليم ليس قديمًا، لكنه ليس مفيدًا. ففي عالم تستطيع أن تحصل فيه على المعلومات من كل مكان، تكون قيمة حفظ المعلومة هي اجترارها: اجتياز الإمتحانات ومن ثم الحصول على درجات ممتازة، وهذا كله يقلل من قيمة المعلومات. يقول (تشايس جارفيز) أننا نعيش في عالم يتجه فيه الناس إلى العمل في عدة وظائف، عالم يكبر فيه الأطفال ليعملوا في ٥ وظائف في آن واحد. لكن النموذج الحالي للتعليم من أجل إعدادهم لهذا المستقبل ليس له وجود. فإذا كان الهدف من التعليم هو جعلنا أشخاصًا نافعين، سعداء وأصحاء، فهذا الهدف فاشل إلى درجة بعيدة. 

عندما بدأتُ في كتابة هذا المقال، سألت الناس في حسابي على فيسبوك عن المهارات الحياتية التي كان يجب أن نتعلمها في المدرسة، ولكننا لم نفعل. لم أحصل فقط على إجابات لهذا السؤال، بل واتضح لديّ أن هناك ٣ محاور تدور حولها هذه الإجابات:

١- الإهتمام بصحتك النفسية:

في مطلع عام ٢٠٠٧، قامت الفتاة التي أواعدها خلال شهرين بالإجهاض بعد علاقة عاصفة تعبت فيها نفسيتي كثيرًا حتى كدت أن أطرد من وظيفتي، ورُفضت من قبل كليات الأعمال التي قدّمت عليها للدراسة فيها. كانت هذه الفترة من أقسى الفترات في حياتي. 

لم تتحسن نفسيتي عندما حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (بيبرداين)، فقد وجدت نفسي بعدها عاطلًا عن العمل، وأعيش مع والديّ في سن ال٣١، بينما كانت أختي تدرس الطب بعد حصولها على معدل دراسي مرتفع. شعرتُ بأن أختي كانت مصدر فخر لعائلتي بينما كنتُ بالنسبة إليهم مصدر إحباط وخيبة. كان هذا اختبارًا كبيرًا لقدرتي على الإهتمام بصحتي النفسية وكان أيضًا محفزًا لمسيرتي في بناء مشروعي بودكاست (انمستيكبل كرييتف) خلال العشر سنوات الماضية وجعل هذا المشروع على ماهو عليه الآن.

الإهتمام بصحتنا النفسية أمر مهم حتى نتمكن من العيش في هذا العالم الزائل -كما يسميه أحد أساتذتي-. يجب علينا أن ندرك كيف نتعامل جيدًا مع أوقات الشدة والرخاء، وأن لانقيّد أنفسنا بالأحداث والظروف الخارجية، وأن نظهر في وسط العالم كأشخاص فعّالين، غير متحطمين من الداخل. 

لكن لاشيء من هذا تعلمناه في المدرسة. بل على العكس، فإننا نحكم على الطلاب من درجاتهم وقبولهم في الجامعات القوية. وهذا الحكم يلاحقنا كأشخاص بالغين. نطارد أنفسنا من أجل الحصول على وظائف ممتازة، وعلى المزيد من المال، وعلى شركاء أفضل. لكننا لا نبذل جهدًا في تعليم الآخرين كيف يديرون علاقاتهم مع أنفسهم، وهي العلاقة الأكثر أهمية في حياتهم.

مهما كان الأمر الذي تود بلوغه، سواء كان البدء في مشروع أو الدخول في علاقة عاطفية، أو الإنتهاء من عمل إبداعي، يجب عليك أن تتعلم كيف تهتم بصحتك النفسية. في هذه المقالة، قسّمت إدارة الصحة النفسية إلى التصنيفات التالية:

 تقدير الذات واحترام الذات:

 كيف؟ احترام وتقدير الذات يتشكلان بسبب عنصر خارجي. فبعض الناس يشعرون بتقدير الذات عندما يترقون في الوظيفة، أو بتصدر كتابهم لأن يكون الأكثر مبيعًا، أو ببيع مشروعهم الريادي. وعند البعض الآخر، يشعرون بتقدير الذات مع شريك الحياة. لكن طالما أنك تحاول أن تملأ الفراغ بشيء خارجي، فإنك بذلك تحاول أن تملأ حفرة لا قعر لها: عندما تحل مشكلة، تظهر مشكلة أخرى. 

في السنوات اللي كنت أبني فيها مشروع (انمستيكبل كرييتف)، انتقلتُ من منزل والديّ أخيرًا، والذي كان بالنسبة إليّ مشكلة واضحة ينصب تركيزي عليها. انتقلتُ إلى مسكن يبعد عن الشاطيء بحوالي دقيقتين – وهذا أمر كنت أرغب به منذ أن حصلت على فرصة هناك قبل ٩ سنوات. حصلت على وظيفة جعلتني متحدثًا أسافر بين المدن، ومنحتني الفرصة لأن أدوّن كتابي الثاني مع توفر ناشر له. لشهرين، كنت في سعادة غامرة، فمشكلة الوظيفة قد حُلت أخيرًا ولكن ظهرت مشكلة أخرى، العلاقات العاطفية.

فعندما كان عيدميلادي ال٤٠ يقترب، شعرتُ بضغط هائل من أجل البحث عن امرأة مناسبة. لكن خلال هذه العملية، سلّمت تقديري الذاتي إلى شأن خارجي، وهو تقبل الجنس الآخر لي. هذا النمط سيتكرر كثيرًا في حياتنا حتى نتوصل أخيرًا إلى حقيقة مفادها أن تقدير الذات يجب أن لا نحصل عليه من العوامل الخارجية. فطالما أننا نبحث عن احترامنا لذواتنا عن طريق أمر خارجي، فسيكون هذا الإحترام متذبذبًا على الدوام.

”الثقة الحقيقية هي أن تستثمر في إدراكك لذاتك بدلًا من إدراك الآخرين لك“ – مارك مانسون 

يجب أن لا يكون ”كيف ينظر الآخرون لنا“ هو العامل المحدد في تقديرنا لذواتنا. وكما قال أستاذي، نك نوتاس، عندما سألته عما إذا كانت مقابلة فتاة أخرى تجعلني أنسى النساء اللواتي لم تنجح علاقتي معهن ”نعم ستنسى، لكنك ستظل تجري وراء تقدير الذات من خلال عامل خارجي، وسيصبح ذلك مثل إدمان المخدرات. فإذا لم ينجح الأمر، فإنك ستعود حتمًا إلى نقطة البداية“. 

هناك أشياء قليلة في الحياة أكثر تحررًا من التخلي عن حاجتك إلى أن تكون محبوبًا من الجميع. هذا الأمر ليس مستحيلًا فقط وخارج عن إرادتك، بل مرهق للغاية. 

عندما تتخلى عن هذه الفكرة، سيحدث أمران:

١- ستتوقف عن إضاعة وقت ومجهود كبيرين. 

٢- ستصبح علاقاتك مع الناس في حياتك أكثر عمقًا وجودة بشكل كبير.

ستصبح شخصًا لايعتذر كثيرًا ويبرر للناس ماتفعله، شخصًا أفضل مما عليه الآن. وهذا في المقابل سيزيد من تقديرك لذاتك لأن قيمتك لا تعتمد على ما الذي يتقبله أو لا يتقبله الناس منك. سيصبح سلوكك ”هذا أنا، تقبلوني أو ارفضوني. إذا رفضتوني فذلك لأن الوظيفة ليست مناسبة لي، وكذلك تلك العلاقة وذلك الشخص الخ.

تقبل ذاتك وكونك شخص ممل بالنسبة للناس:

”عندما يكون مظهرنا الظريف أمام الناس أهم بالنسبة إلينا من إظهار ذواتنا الشغوفة والساذجة والمحبة، حينها نحن نخون أنفسنا“.

تقبل الذات يعني التحلي بالشجاعة لأن تظهر كشخص غير مزيف، قابل لأن تكون مخطئًا. كما يعني أنك لا تختبئ خلف أقنعة تخفي سلوكياتك الغريبة. حينها ستجد العالم أصبح أكثر خفة. أما الناس الذين لا يتقبلونك فهم ليسوا مهمين لأن تقبلهم لك لايحدد ماتعتقده عن نفسك. أنت تختار من ترى رأيه مهمًا بالنسبة لك.

لانتعلم هذا الأمر في المدرسة. والنتيجة هي أن الأطفال الذي لايحسون أنفسهم محبوبين من قبل الناس يجدون أنفسهم مضطرين للإستمرار في المدرسة.

ستتعجب كثيرًا من كمية المجهود الذي نبذله من أجل أن نكون ”ظريفين“ ومقبولين أمام الناس. نختار صورنا في انستقرام بعناية، وكذلك كلماتنا في فيسبوك. نحن حذرون في اختياراتنا حتى لا نُتهم بأننا أشخاص عاديون. لكن المجهود الذي نبذله حتى نكون جذابين، هو مجهود كبير للغاية. وللأسف، لا نتعلم في المدرسة كيف نتقبل قصصنا التي من الممكن أن تكون مملة. في الحقيقة، تعلمنا المدرسة كيف نبحث عن رضا الناس الذين لا تتربط آرائهم بحياتنا. 

أدركت الآن أننا كلنا أشخاصًا مملين. سواء كنتِ أجمل فتاة في المدرسة، أفضل لاعب في الفريق، أو أكثر شخص يحصل على ترقية في وظيفته، كلنا ذلك الشخص الممل. 

سيتطلب الأمر إلى مزيد من الشجاعة لتكون مملًا في نظر الناس، عندما تسقط الأقنعة التي نلبسها. كونك شخص ظريف أمام الناس له ضريبة كبيرة، تحتاج لأن تعيش وفق توقعات الآخرين عنك. لكن كونك شخصًا مملًا تأتي معه الخفة التي تحررك من هذه التوقعات.

”عندما تتقبل نفسك ستجذب الآخرين ليتقبلوك كما أنت. لكن عندما تحمل عن نفسك فكرة تقلل من ذاتك، سيوافقك الآخرون على ذلك“.

الحدود:

الخوف من إزعاج الآخرين أو إحباط شخص ما، يجعلنا نزيل حدودنا أمام الناس، فنتحمل تصرفات لانحبها، ونجعل الآخرين يتعرضون لنا ويحتقرونا. عندما لا تضع حدودًا للآخرين هذا يعني أنك تفتقد إلى احترام الذات. الحدود القوية تغيظ بعض الناس، لكن تجعلنا في مواقف أقل ضررًا لصحتنا. الحدود القوية تدعم تقديرنا للذات.

القناعة:

في ثقافتنا، نجد أنفسنا مهووسين بفكرة أن هناك شيء نفتقده في حياتنا، ويجب علينا حينئذ أن نصل الفراغ بين توقعاتنا والحقيقة حتى نكون على مايرام وهذا ينبع من اعتقادنا أننا ناقصين وهناك أمور تنقصنا، فتصبح النتيجة أننا نحاول أن نملأ الفراغ في حياتنا والحفر التي في قلوبنا بأمور خارجية. عندما تكون نظرتنا إلى العالم أن هناك شيئًا ما يجب أن نغيره من أجل أن نصبح أفضل، سيحركنا النقص بدلًا من القناعة، لنكتشف بعدها أنه ليس هناك شيء أو شخص ما يستطيع أن يملأ هذا الفراغ. سنشعر دائمًا بالنقص بطريقة أو أخرى. 

لكن عندما تتغير نظرتنا واعتقاداتنا إلى فكرة أننا مكتفين بذواتنا، ولدينا مانحتاجه، وليس هناك أي شيء ينقصنا، سندرك حينها أن ليس هناك مصدر نستطيع أن نكتفي منه.

أعطي الأولوية لسعادتك:
عندما نقدّم سعادة الآخرين على سعادتنا، فإننا نقدم لنا ولهم خدمة سيئة للغاية. لسنا على حقيقتنا، وهذا الاستنزاف سيقودنا إلى طريق مسدود. عندما نضحي بقيمنا ومبادئنا في الوظيفة التي نتقدم لها، أو الشخص الذي نحبه، أو الصداقات في حياتنا، أو حتى المشاريع فإننا نخسر طاقاتنا ونفقد سعادتنا. وفي بعض الأحيان، يصبح التخلي عن الأمور أو الأشخاص الذين لايستحقونا هو مايجلب لنا السعادة الحقيقية ويجعلنا نكتشف ذواتنا الحقيقية. إن إرادة التخلي ليس له علاقة بالعناد لكنه إلتزام بالقيم والمبادئ. إذا لم نكن واعيين، فإن تضحياتنا ستتحول في النهاية إلى غضب حقيقي.

عالج سلوكك:
لا نتعلم في المدارس معالجة السلوك أو الطرق التي نتخذها. فالعلامات المدرسية هي التي تقرر أنك طالب متفوق في مادة معينة. وهذا القرار المؤقت يصبح قرارًا دائمًا، وينتج عنه فيما بعد توقعات وحسرات وتعلقات غير صحيحة. وفي أسوأ الحالات، يجعل الأشخاص لا يتخذون أي قرار على الإطلاق. وحدهم الأشخاص الناجحون هم من يركزون على الطريقة لا على النتيجة.

عندما تعمل على معالجة السلوك، فإن النتائج تتفوق على توقعاتك لأنها تسمح لك بمعاينة التقدم الذي تحرزه، فترفع من معنوياتك، وتخلق لك دائرة من النشاط تعطيك طاقة دائمة.

حب الذات والإهتمام بالذات:
حب النفس والإهتمام بها يبدأ من تقبل الشخص لذاته والتسليم لظروف الحياة. بالطبع هناك فرق بين التسليم والاستسلام، فالتسليم يأتي بسبب التقبل والإكتفاء. أما الاستسلام فإنه بسبب المقاومة والنقص. عندما يكون نقد الذات مؤلمًا ودائمًا، فإنه يجعلنا نعيش في حياة غير منجزة. يجب أن ندرك السؤال الذي قالته ”آنا يوسم“ في كتابها ”مُنجز“:

”هل نتج عن هذا النقد الذاتي أي تغييرات إيجابية دائمة في حياتك؟“

عندما تفعل ماتستطيعه لتجعل علاقتك مع ذاتك رائعة، فإن هذا يعزز من تقديرك ولإحترامك لذاتك. وهذا يعني أننا يجب أن نضع الإهتمام بالنفس أولوية في حياتنا ونستثمر في ذواتنا. 

الإهتمام بالذات لايرتكز فقط على الطعام الصحي والرياضة المستمرة. لكنه أيضًا يدور حول فعل أمور تجلب السعادة لنفسك. سمعت مرة من المعلم الروحي أنه قد يصبح تدخين سيجارة وشرب كأس من الويسكي من الإهتمام بالذات عندما تقرر ذلك. بالطبع لا أشجع على فعل هذا الأمر، لكن في بعض الأوقات قد يكون الإهتمام بالذات يعني أن تصرف ٢٠٠ دولار على بنطلون جينز أعجبك، أو الذهاب إلى صالون للحلاقة، أو لقص الشعر.. الإهتمام بالذات هو مزيج من الأنانية النافعة. 

أعرف جيدًا أنني شخص أسعد عندما أمارس رياضة ركوب الأمواج أو التزلج على الجليد. عندما أتحدث عن الإهتمام بالذات، فهاتين الهوايتين هما أمران غير قابلين للتفاوض. وبسببهما، أقدمت على مغامرة هذه السنة: حجزت رحلات متعددة من أجل التزلج على الجليد وكذلك رحلة لركوب الأمواج في سيرلانكا.

علاقتك مع ذاتك هي الأساس المتين لمقدرتك على التحكم بنفسيتك. اجعلها من أولوياتك وأحبب ذاتك كأن حياتك تعتمد على ذلك. 

المرونة:
تمر عليك أوقات في حياتك تفشل فيها في اختبار ما، أو يخرج من حياتك شخص لم تتوقعه، أو أن تُفصل من عملك، أو تخسر شخصًا تحبه. هناك مرات قليلة في الحياة يكون فيها من الضروري أن تحب نفسك. عندما تقع في مصيبة، أو تصاب بخيبة أمل، أو تمر بنكسة، وقتئذ تكون في أسوأ الظروف وأصعبها، لأن نقدك لذاتك حينها يكون قاسيًا- تتفكر كثيرًا ماالذي كان بإمكانك أن تغيره في الماضي. في النهاية تتعلّم من أخطائك، لكن يجب عليك أن تدرك أن فشلك لايحدد من أنت. فطالما ترى أن الفشل هو من يحدد الشخص، ستعاني كثيرًا.

نعتقد دائمًا أن الفشل هو من يحدد من نحن.. نحن من نجعل هذا الأمر المؤقت أمرًا دائمًا. نحن من نتخذ الرأي السلبي عن أنفسنا ونتخيله حقيقة. 

-إذا كان هناك شخص لايحبنا، نعتقد أن كل الأشخاص كذلك.
-إذا كانت هناك وظيفة لم نحصل عليها، نعتقد أننا لن نحصل على أي وظيفة بعدها.
-إذا أخذنا درجات سيئة، نعتقد بأننا أغبياء.

يجب علينا أن نتذكر الدرس الذي علمني إياه أستاذي والذي أتذكره على الدوام ”ظروفك المؤقتة هي ليست شخصيتك الدائمة“.

المصيبة هي واحدة من الإختبارات المهمة لتقدير الذات.
لحسن الحظ، نستطيع أن نتخلص من مصائبنا في النهاية. قبل أيام قليلة قرأت هذه المعادلة التي ألفها ”دان هاريس“ في كتابه ”التأمل، للمتشككين المتململين“
المعاناة= الألم x المقاومة

وأدركت حينها أنني وبشكل دائم أفعل كل شيء من أجل مقاومة الألم الذي أحس به كأن أخدّره عن طريق الكحول أو المخدرات. لكن مع الألم والمصيبة، يكون العلاج في بعض الأحيان هو العبور من خلالهما. أحبب ماسيؤدي بك الطريق، ابحث عن الفرص في الخسارة، واعتبر النهايات هي بدايات جديدة. تجبرك المصيبة على الإعتراف بالحقائق المؤلمة، لكنك في النهاية ستخرج منها أقوى وبشكل أكمل. 

٢- التعامل مع الجنس الآخر: 

في الصف الخامس الدراسي، يتعلم الأطفال كيف تسبح البويضة من خلال المايكروسكوب. وهنا فقط تتعلم كيف تتعامل مع الجنس الآخر. أما إذا كنت محظوظًا، فلديك والدان يتحدثان عن هذا الموضوع. 

أما إذا لم تكن كذلك، فسوف تجد نفسك وحيدًا خاصة عندما تعجبك الأستاذة أو تنجذب لشخصية مشهورة مثل سندي كروفورد. إذا كبرت في التسعينات، فسوف تتذكر كيف كان مرجعك هو ثقافة فن ال“بوب“ من خلال الإعلام.

كنت هذا الشخص لأنني لم أجد مثالًا للعلاقات العاطفية. تزوج والديّ زواجًا تقليديًا. لم يعلمني والدي الرومانسية، لذلك اعتمدت على أفلام دزني ونسختها عن الرومانسية. وبالطبع لم يقودني ذلك إلى علاقات مثمرة. 

التعامل مع الجنس الآخر أمر مهم لبقائنا ولصحتنا، ومن العجيب أننا لا نتعلم ذلك في المدرسة. بل على العكس، نُترك هكذا نتعلم من التجارب والأخطاء أو نجرب وسائل أخرى لحل مشكلاتنا. 

في آخر المقابلات التي أجريتها، سألني صديقي ”كي هي“ عن مراهقتي، وأيام الكلية، والسنوات الأولى من عمري في العشرين. أخبرته أنه ليس هناك ما أقصه عليه، لم يكن لدي صديقة في المدرسة، أو في الجامعة أو حتى في السنوات الأولى من عشرينياتي. عندما سألني كيف شخّصت ذاتي أخبرته بأنه كان لدي مشكلة ما، وقلت له: قضيت ٤ سنوات في الجامعة بين طائفة أصبحت تُعرف فيما بعد بالذئاب البشرية هدفهم فقط التعرف على الفتيات لإقامة علاقات جنسية معهن. هذا الأمر جعلني أشعر بالعار لفترة طويلة. 

لكنني كلما أتحدث إلى رجال آخرين، كلما اكتشفت أن هذه الطائفة كانت بطاقة دخولهم إلى التطور الذاتي. من المحتمل أن هؤلاء الرجال هم أشخاص كانت لديهم نية حسنة، فالعديد منهم يريدون أن يصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، ويدخلوا في علاقات عاطفية مثمرة، وليس اصطياد أكبر عدد من النساء. لكن قائد المجموعة هذه كان ذو كاريزما على الرغم من كونه إنسان متلاعب، وحينها تتحول النوايا الحسنة إلى سلسلة من العواطف المدمرة. 

لايستطيع شخص أن يلوم الرياضي باستعانته بمدرب الرياضة من أجل تطوير لعبه. ولايستطيع إنسان أن يلوم رجل أعمال بتوظيفه شخصًا من أجل أن يساعده في زيادة دخله. لكن عندما يتعلق الأمر بتطوير عاداتنا الإجتماعية أو قدرتنا على التعامل مع الجنس الآخر، فهناك مقدار كبير من العار نشعر به. الإعتراف بأنك تحتاج إلى مساعدة شخص في حياتك يجعلك تشعر بأنك إنسان عاجز. نميل إلى التغاضي عن نتائج الإستثمار الحياتية بسبب الشعور بالعجز والخجل وبدلًا من ذلك، نلوم القدر وسوء الحظ والخ.

أن تفعل شيئًا مماثلًا لعدة مرات ثم تتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة فهذه حماقة. فبعد مرور سنة على مواعدة  نساء لم أفلح في التقرب إليهن، استعنت بشخص يُدعى ”نيكي نوتاس“ في إدارة صحتي النفسية والتعرف على قيمة ذاتي في مختلف الظروف.

وبما أننا ندرك أن علاقاتنا الإجتماعية هي خير مؤشر على سعادتنا وصحتنا، لماذا لا نطلب مساعدة الآخرين؟ ولماذا لا يعلّمونا ذلك في المدرسة؟

أنصحك بمشاهدة الفيلم الوثائقي لمايكل مور ”وير تو انفيد نكست، ماهو المكان القادم الذي سنغزوه؟“ وركزّ جيدًا كيف تُعلّم المدرسة الفرنسية الأطفال عن الجنس. فبدلًا من مشاهدة حيوانات منوية تسبح في الشاشة، يتعلمون كيف تكون تجربتهم الجنسية الأولى ممتعة. تناقشت مع ليلى مارتن حول بيولوجية وسيكولوجية الجنس، وقالت لي الآتي:

”بالنسبة إلي، فإن لدينا وباء جنسي شائع لا يتحدث عنه الناس. لدينا الإدمان على الإباحية، وخلل في ممارسة الجنس، وتجد أن بعضهم لا يمارسون الجنس خلال فترة زواجهم الطويل، صدمات جنسية، عنف جنسي.. الخ. الإنزعاج من ذلك هو مجرد جزء بسيط يظهر لنا، ليس لدينا أمثلة صحية عن الجنس. وليس لدينا أشخاص يتناقشون عن هذه الأمثلة وكيف يمارس الشخص الجنس بطريقة صحية. بل وإننا أيضًا نقمع الحديث عنه في مجتمعنا. ليس بإمكانك الحديث عن الجنس والإعلان عن هذا الحديث في فيسبوك مثلًا، وليس بإمكانك أن تتحدث عنه وتحصل على وظيفة في السي إن إن. من الجنون أن يكون هذا الأمر تحت القمع رغم احتياجنا له“.

وكنتيجة لعدم تعلم هذا الأمر في المدرسة أو تعلمه بطريقة خاطئة، نجد رجالًا يتصرفون بحماقة، ونساءً يعاملونهن باحتقار، ونحصل بعدها على أزواج غير متكافئين. 

٣- المال
ماهي الحكاية التي تخبرها لنفسك عن المال؟

”المال هو حكاية الفلاحين الذين يجنون ٣ دولارات في اليوم، وموظفي البنوك الذين يحصلون على ٣ دولارات في الثانية“.
سيث جودن

هناك أمور ضئيلة في الحياة تُحدث تغييرًا عاطفيًا في الناس كما يُحدثه المال. ندرك أن المال ضروري من أجل مقومات الحياة الأساسية، نحتاجه لابتياع الطعام والمسكن. لكن لا نفكر في المال كحكاية، فإذا سألت الناس عن المال، فستكتشف فورًا أن لهم حكايات معه. كبرنا أنا وأختي بحكايات مختلفة مع المال بسبب اختلاف وظائف والديّ عندما كنت طفلًا ثم بعدها عندما أصبحت أختي طفلة. كان يُقال لي أنني لا أستطيع شراء أمور معينة لأنه ليس لدينا المال الكافي لشرائه. في المقابل، زوّدني والديّ بكل شيء استطاعا أن يشتريناه في حدود قدرتهم المادية (باستثناء لوح تزلج). عندما كبرت أختي، تحسّنت أمورهما المادية وبالتالي أُعطي لها أكثر قليلًا مما اشتريا لي عندما كنت في عمرها. هذه الحكاية قادتني إلى عادات استهلاكية مدمرة للغاية في بداية العشرين من عمري. استهلكت الكثير من المال. أردت تعويض كل شيء لم يستطع والداي أن يشترياه لي عندما كنت صغيرًا. اشتريت زوجين من الحذاء من ”اير جوردان“ لأنني لم استطع الحصول عليه في طفولتي. كنت سيئًا في لعب كرة السلة، ولم ألعبها مرة أخرى في الصيف بعدما اشتريت الحذاء. كانت حياتي تدور حول تراكمات سابقة وفضّلت أن أحصل على الأكثر بدلًا من أن اهتم بالجودة. مررت ببعض المحن وبذلت الكثير من المجهود حتى أغيّر هذه الحكاية مع المال. أما هذه الأيام فأستطيع أن أقول أنني بشكل ما شخصٌ يكتفي بالحد الأدنى من الماديّات ”مينمالست“، لكن عندما أشتري أغراضًا فإنني أضع حدودًا للكمية التي اشتريها ولا أمانع إن بذلت المزيد من المال من أجل الحصول على جودة ممتازة. 

هناك مفارقة غريبة عندما تُفضّل الجودة على الكمية. فالأشياء التي تشتريها قد تكون غالية الثمن، لكنك في النهاية تبذل مالًا أقل لأنك تشتري لمرة واحدة وليس لمرات عديدة ولفترة طويلة. على سبيل المثال، قد تشتري حذاء غاليًا من فيراجامو ب٥٠٠ دولار. تشتريه لمرة واحدة ولكنه يظل معك ل١٠ سنوات قبل أن تحتاج إلى حذاء آخر. هذا يعني ٥٠ دولارًا لكل سنة خلال ١٠ سنوات. تفضيلك للجودة يسمح لكل غرض حولك لأن يصبح شيئًا مقدسًا له قيمة.

في أحد المقاطع المفضلة لديّ من المحاضرات الصوتية لسيث جودن، عندما تحدث فيها عن كيفية تبسيط حكاية المال التي تخبرها لنفسك، وذلك عن طريق أن تصبح فاعلًا للخير. تصدّق في كل مرة تُسأل فيها للتبرع بمالك، اعطِ المال للمتسولين في الشارع. وكما يقول سيث ”كيف تستطيع أن تصبح ذلك الشخص الذي يُعطي بخشيشًا مقداره ٢٠٪ من أجل كوب قهوة يكلف ٦ دولارات وتتحدث عن المال؟“.

  • تبرعت بشرى أزهر ب١٠٪ من مالها عندما أصبح دخلها ١٠ دولارات في الشهر، وحافظت على هذه النسبة حتى بعد أن ارتفع دخلها ليُصبح ١٠ آلاف دولار في الشهر. 
  • اعتقد براين كوهن أنه من أجل الحصول على المال يجب علينا أن نهدر الدم ونذرف الدموع ونتصبب عرقًا، ولكنه لم يحدث شيء من هذا القبيل. بل ذهب إلى أحد المكاتب المرموقة وخرج منها حاصلًا على شيك ب٥٠٠ دولار خلال أسبوع لأنه أتى بفكرة تجارية متميزة. 

الحكاية التي تحكيها لنفسك عن المال ستؤثر في مقدار المال الذي ستحصله، والمقدار الذي تود بذله، والكيفية التي ستصبح من خلالها كريمًا بما تملك، وكيف ستكافئ نفسك بهذا المال. قد يكون سخيفًا لدى البعض أن فكرة السعي وراء المال هي فكرة روحية، لكنها بالتأكيد هي رحلة داخلية أكثر من كونها مادية فقط. 

إذن، ماهي الحكاية التي ستخبر بها نفسك عن المال؟

الشعور بالنقص:

نجد أن من بين كل تفاعلاتنا -المتشكلة بسبب المجتمع- مع الحياة، هناك التفاعل الأكثر سُمِّية: الشعور بالنقص. الشعور بالنقص يجعلنا نتخذ قرارات سيئة في كل أنماط حياتنا:

  • إذا شعرنا بأن المال ينفد، سنفقد صبرنا. وفقداننا للصبر ينتج عنه عواقب وخيمة. يحدث هذا كل مانتقدم في العمر، نشعر بأن الوقت يضيع من بين أيدينا. لن نستطيع أن نتخذ قرارات ممتازة في الحياة إذا شعرنا بالقلق من نفاد الوقت.
  • إذا شعرنا بأن الفرص الوظيفية شحيحة، سنقبل بوظيفة نكرهها ونكون تحت رحمة أصحاب عمل لايقدروننا. 
  • إذا شعرنا بأن الأشخاص المتاحين أمامنا من الجنس الآخر هم قلة، سيكون خيارنا ناتج عن اليأس. سوف نقايض بقيمنا التي رسمناها لأنفسنا، ونصبح في علاقات مسمومة يغلب فيها التنازل والتضحية بدلًا من الإستقرار. نجري وراء الأشخاص عندما يكون من الأفضل لنا أن نتركهم ونذهب بعيدًا عنهم. 

أما العلاقة التي نتعامل فيها مع المال هي نتيجة مايسميه دان كيندي ”الشعور بالفقر“.

عندما نرى العالم من خلال عدسة النقص، تصبح الطريقة التي نرى بها العالم محدودة للغاية. من المستحيل أن نعيش حياة سعيدة عندما يكون النقص هو الشعور الذي نحس به عند رؤيتنا للعالم.

التحول من الشعور بالنقص إلى الوفرة والإكتفاء: يحدث هذا عندما نعرف كيف نتعامل مع المال: 

طريقة دان كينيدي
 في كتابه (No BS Wealth Attraction)، ينصح دان كنيدي بتتبع طريقة ال٩٠ يومًا: 

  • افتح حسابًا جديدًا في البنك، وسمّه بحساب الثراء. بعدها اتخذ قرارًا بتخصيص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لإيداعه في حساب الثراء. من الممكن أن تكون النسبة المئوية رقمًا ما بين ١٪ إلى ١٠٪، تظن أنك لاتستطيع فعل ذلك، لأنك تصرف كل أموالك على الفواتير، فكيف يتبقى لديك مبلغًا من المال لإيداعه؟ حاول أن تجرب، اختر نسبة مئوية، أودع المال، ولا تلمسه مهما حصل. وافعل ذلك كلما يأتيك دولارًا واحدًا. حتى لو كان هذا الأمر يوميًا. الطريقة التي تجعلك تودع مالًا في حساب الثراء تؤثر على اللاوعي لديك، لا يهمنا مقدار المال المُودع بقدر فعل الإيداع.

والآن يأتي فعل العطاء: وهذا شيء مهم، لأن كل الأغنياء يعطون. العطاء له تأثير عظيم على صحتك النفسية. لذلك افتح حسابًا آخر وسمّه حساب العطاء، وخصص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لتودعه في حساب العطاء. 

اتبعتُ نصيحة كينيدي منذ أن قرأت الكتاب، ووجدت أنه في كل مرة أتبرع فيها بمبلغ من المال يأتيني المال أضعافًا مضاعفة. لا أعرف لماذا، لكنني توقفت عن التساؤل.

بخشيش ال١٠ دولار: 

قدم لي صديقي جوزيف لوقان نصيحة بسيطة قبل عدة أشهر عندما كنا نتناقش كيف أن الإنسان يتغيّر من الشعور بالنقص إلى الشعور بالوفرة. 

من الممكن أن يبدو هذا التمرين مُهدرًا للمال، لكنه من أسرع الطرق لحل فكرة أن المال يجب أن يكون متوفرًا لنا بكميات محددة. خذ من مالك مبلغ ١٠٠ دولار ثم قرر كيف ستوزعه كبخاشيش مقسمة إلى ١٠ دولارات. في البداية، سوف تلاحظ السعادة على الأشخاص الذين حصلوا على ١٠ دولار كإكرامية. عندما أُعطي النادلة ١٠ دولارات على كوب من القهوة في ستاربكس قيمته ٦ دولارات أجدها سعيدة للغاية. 

بعد ذلك، سوف تشعر بإحساس جميل لأن هؤلاء الأشخاص أصبحوا سعداء، وبالتالي سوف يمتلئ الإحساس بالوفرة لديك. وكلما تعزز هذا الإحساس سوف تجد الفرص متوفرة في كل مكان لتعويض هذا المال. إذا أحسست بأن هذا الأمر صبياني، جربه بنفسك. من الممكن أن تصرف ١٠٠ دولار أو حتى ألف دولار. 

تكلفة الفرصة البديلة (ثمن اختيار خيار واحد على حساب ترك الخيارات الأخرى):

في مقالة شرحت فيها عن ”خمسة أمور تخليت عنها حتى أكون ناجحًا“، كتبت أن هناك ”تكلفة فرصة بديلة“ لكل شيء. خلال أولى السنوات التي قضيتها في عملي ”انميستيكبل كرييتف“ كان ثمن الفرصة البديلة هو مقدار ماكنت أجنيه من الأرباح في اليوم الواحد حتى أتمكن من زيادة دخلي خلال فترة معينة… لكن هذا لاينطبق على الوظائف فقط. هناك تكلفة الفرصة البديلة لكل شيء في حياتنا. 

  • تتفكر ما إذا كان يجب عليك دفع التأمين على سيارتك الجديدة. فال١٠٠ دولار لاتجعلك مطمئن البال فحسب، بل قد توفر عليك أموالًا طائلة قد تصرفها فيما بعد.
  • البحث في كل المحلات التجارية من أجل توفير دولار واحد يجعلك تشعر بأنك مستهلك واعي، لكن تكلفة الفرصة البديلة هي وقتك والبنزين معًا.
    • قد يكون من الأرخص لك أن تركب بنفسك رف الكتب من ايكيا، لكن إذا كان هناك شخص يستطيع أن يركبه لك في ساعة واحدة بدلًا من أن تقوم بتركيبه أنت خلال يوم كامل، فتكلفة الفرصة البديلة ليست وقتك فحسب، بل وراحة بالك أيضًا. 

إن أردت أن تُدير وقتك بطريقة أكثر كفاءة، اشتره بالمال! 

إذا كنت مثل أغلب الناس، فإنك لم تتعلم معظم هذه الأشياء في المدرسة. لكنك وبفضل الإنترنت- تستطيع أن تتعلم التالي: 

  • الإستماع إلى بودكاست يعلمك كيف تنظم حياتك النفسية من أحد أفضل العلماء في العالم..
  • توظيف مدرب يساعدك في تطوير حياتك الإجتماعية وقدرتك على التعامل مع الجنس الآخر. 
  • التعلم كيف تدير مالك من مدونات اقتصادية رائعة على الإنترنت.

هذه هي الأمور الأساسية التي كان بإمكاننا أن نتعلمها عن الحياة في المدرسة ولكننا للأسف لم نحظى بذلك التعليم. هذا لا يعني أنك تأخرت في تعلمها، تستطيع أن تبدأ وتطور نفسك. 


ترجمت هذه المقالة عن الإنجليزية:
What We Should Have Learned in School But Never Did

كيف يؤثر الإنحياز التأكيدي في نظرتك إلى العالم؟


أنتِ الآن في النادي تشاركين في أول تمرين من تمارين اليوقا. تشعرين بعدم الثقة تجاه وزنك، وكيف تُظهر ملابس اليوقا التي تلبسيها عيوب جسدك. أنتِ متوترة لأنك تشعرين بالحمق أمام الجميع. تجولين بناظريك لتكتشفي أن هناك مجموعة ذات أجسام رشيقة يتحدثن مع بعضهن في أحد الأركان، وعندما تمرين من هذه المجموعة تسمعينهن يضحكن.

”يا إلهي! هل يسخرن مني؟“. تتخذين مكانًا في آخر الصف حتى لا يراكِ أحد. تسأل المدربة الجميع بأن يتخذن وضعية ”السمكة المنحنية“. هل يعرف الجميع هذه الوضعية؟

تتعثرين عندما تحاولين أخذ هذه الوضعية، وتنظرين بسرعة إلى من حولك لتتأكدي أن لا أحد رآكِ. ياللحماقة! هناك شخص بجانبكِ يبتسم. ”كنت أعرف ذلك! الجميع يسخر مني!“.

بعد انتهاء التمرينات، تتجنبين النظر إلى الجميع، وتهربين من النادي، ثم تقسمين أنك لن تمارسي اليوقا مرة أخرى.

الإنحياز التأكيدي يظهر مجددًا:

في تمرين اليوقا، بحثتِ عن الأمثلة التي أكّدت مخاوفك- الأشخاص الذين سخروا منك، الشخص الذي ابتسم لك عندما سقطتِ، ولكنك تجاهلتي أن هذه الأمثلة لم تُثبت مخاوفك- وفي الحقيقة أن كل هؤلاء بالكاد لاحظك.

الإنحياز التأكيدي هو رغبة الإنسان في بحث وتفسير وتذكُّر المعلومات التي تؤكد معتقداته التي كونها مسبقًا. هذا أمر في غاية الخبث، لأنه يؤثر في كل اختيار تتخذيه. في كل يوم! في الأغراض التي تودين شرائها، وفي صحتك، وفي قرار من تريدين الزواج منه، وفي وظيفتك، ومشاعرك، وفي قراراتك المادية أيضًا. كل هذا يحدث بدون أن تشعرين. 

كيف يتكون الإنحياز التأكيدي؟
١- في كيفية بحثك عن المعلومات: وهذا يؤثر على نظرتك إلى العالم. فعندما تكونين وحيدة في المنزل، فإنك تسارعين إلى تصفح فيسبوك أو انستقرام. تشاهدين صورًا جميلة لأشخاص مسافرين، أو في حفلة، أو صورًا لزواجاتهم، ثم تفكرين كيف أن كل شخص لديه حياة عظيمة! فتقولين لنفسك ”أما أنا، فشخص تافه!“.

كل هذا لأنكِ بحثت عن معلومات تؤكد هذه المشاعر. تدركين في أعماق نفسك جيدًا أن رؤية هذه الصور تُشعركِ بالسوء، لكنكِ رأيتِها على أية حال.

٢- في كيفية تفسير المعلومة التي أمامك: والتي تجعلكِ تنحازين إلى اعتقادك! 

عندما تقعين في الحب، فإن كل ماترينه في شريكك جميل، أدونيس مثالي! لا تجدين عيبًا واحدًا. لكن عندما تسوء العلاقة، فإن كل مايظهر فجأة هو عيوب- رائحة أنفاسه بسبب القهوة، ميله للتحدث في موضوع لايهمك، بقايا شعره في الحوض- هو نفس الشخص السابق، لكن نظرتك تجاه الأشياء التي يفعلها تغيّرت بسبب مشاعرك.

٣- في كيفية تذكرك للأشياء: حتى ذكرياتك تتأثر من الإنحياز التأكيدي. فتفسرين وتغيرين الذكريات والمعلومات في رأسكِ بناء على ماتؤمنين به. 

في تجربة كلاسيكية، اشترك طلاب برنستون ودارتموث في مباراة بين الجامعتين. وفي النهاية، تذكّر طلاب برنستون الأخطاء التي ارتكبها طلاب دارتموث، أما طلاب دارتموث فتذكروا بشكل أكبر الأخطاء التي ارتكبها طلاب برنستون. اعتقد كلٌ من الفريقين أن فريقه هو الأفضل. لذلك انحازوا إلى تذكر أمثلة أكثر توضّح أن فريق الجامعة كان الأفضل بينما فريق الجامعة المنافس هو الأسوأ.

لماذا أبدو هكذا؟

أنت تبحثين عن البراهين التي تؤكد اعتقاداتك لأنك لا تريدين أن تكوني على خطأ. كونك مخطئة يعني أنك لستِ ذكية كما ظننتِ، فبالتالي ينتهي بكِ الأمر إلى البحث عن معلومات تؤكد ماتؤمنين به مسبقًا. 

في تجربة شهيرة، عندما عُرض على المشاركين برهانًا يخالف اعتقاداتهم السياسية، نشطت أجزاء من دماغهم تنشط عادة عند وجود آلام جسدية! أي أن كون الإنسان مخطئًا يجعله يتألم جسديًا!

من السهل أن نتقبل آراء مخالفة عندما تكون متعلقة بأمور لانهتم بها. لكن عندما تصبح لديكِ معتقدات تكوّن جزءًا مهمًا من شخصيتك (مثال: أنتِ شخص لطيف، آرائك السياسية صحيحة) فإن البراهين التي تُعارض معتقداتك هذه تسبب تنافرًا معرفيًا- شعور بالقلق وبالضغط الشديد. 

فالتنافر المعرفي يجعلك إما أن تهاجمين أو تتهربين. إما أن تغرقي في التثبت بمعتقدك فتثوري بشدة في سبيل الدفاع عنه، أو تتهربين بعيدًا عن الحقيقة المنفرة. هدف عقلك الأساسي هو حماية الذات. وهذا ينطبق على ذاتك النفسية والجسدية. فعندما تتحدى الحقائق ذاتك، يتعرض دماغك لتهديد نفسي فيحميك وكأنك تتعرضين لتهديد جسدي.

هناك معلومات أكثر مما نستطيع أن نستوعبه:

عندما تحاولين أن تتبني آراءً معاكسة وتقيّمين البراهين التي تؤيدها أو تخالفها، فإن ذلك يحتاج إلى بذل مجهود كبير للغاية. سيبحث دماغك عن أقصر الطرق للوصول إلى حل. من الصعب تقييم معلومات معارضة لك وأن تفكري ماهو الصحيح لأنه يتطلب مجهودًا كبيرًا. ولذلك من الأسهل لك أن تبحثين عن معلومتين أو ثلاثة تدعم وجهة نظرك.

حسنًا، ما الذي يمكنني عمله؟

١- تعاملي مع الحياة بفضول وليس عن إعتقاد راسخ:
عندما تحاولي أن تثبتي صحة وجهة نظرك في كل مرة، فإنك ستصبحين خاضعة للإنحياز التأكيدي.

درس الباحثون مجموعتين من الأطفال في المدرسة. اجتنبت المجموعة الأولى مشاكلًا كان فيها نوع من التحدي لأنها من الممكن أن تجعلهم عرضة للخطأ. أما المجموعة الأخرى، فإنهم قبلوا تلك المشاكل مع استعدادهم لكونهم على خطأ. تفوقت هذه المجموعة الأخيرة على الأولى. 

اهتمي قليلًا بكونك على صواب، وركزي أكثر على ممارسة الحياة بفضول وتعجب. عندما تستعدين لأن تكون مخطئة فإنك تفتحي لنفسك آفاقًا جديدة. 

٢-  ابحثي عن نقاط الإختلاف وتفهّميها

تفهمك لآراء معارضة لك يساعدك على تكوين وجهة نظر خاصة بك. وفقًا للباحثين، فإنك تستطيعين تغيير اعتقاداتك الراسخة. كيف؟ أحيطي نفسك بأشخاص مختلفين لديهم وجهات نظر مختلفة عنك.

على سبيل المثال، عندما تريدين شراء منزل، وتعجبك إحدى المنازل، اطلبي من صديقتك أن تلعب دور محامي الشيطان فتقدّم لك أسبابًا تجعلك ترفضين شراء هذا المنزل. بهذه الطريقة، تستطيعين أن تتأكدي أنك قد اطّلعت على أكثر من وجهة نظر واحدة، وحينها سيكون قرارك عقلانيًا.

٣- فكّري في عملية التفكير:

من أجل محاربة الإنحياز التأكيدي، تحتاجين إلى تقييم ردات فعلك الغريزية. في المرة القادمة التي تتعرضين فيها إلى حقائق تؤكد لكِ رأيك، توقّفي. فكّري في الإفتراضات التي تكوّنت لديكِ وابحثي عن طرق تؤكد أنك مخطئة بالفعل.

على سبيل المثال، أنتِ شخص محب للقهوة، وتحتاجين في العادة إلى قهوتك الصباحية حتى يبدأ يومك. فإنك عندما تتصفحين حسابك في فيسبوك وتجدين أشخاصًا وضعوا مقالات تتحدث فيها عن فوائد القهوة، فإنها ستجذب نظرك فورًا. من السهل أن تقرأي هذه المقالات فتقولي حينها” اها! هذه المقالات تؤكد اختياراتي في الحياة!“. في المرة القادمة التي تجدي فيها نفسك تفعلين هكذا، ابحثي حينها عن معلومات تعارض ماتعتقدينه.

الخلاصة

الإنحياز التأكيدي هو أمر من الصعب أن تتجنبيه عند اتخاذك لأي قرار، فهو يُلوّن نظرتك إلى الحياة وليس بالأمر الهين فتستطيعين التخلص منه. لكن عندما تتخذين قرارًا كبيرًا- يتعلق بصحتك، أمورك الإقتصادية، حب حياتك- فإنك تودين أن تتخلصي من تأثيره بأفضل طريقة ممكنة. تعلمي كيف يعمل الإنحياز التأكيدي حتى تتمكني حينها أن تتخذي قرارات أكثر منطقية. لذلك، في المرة القادمة التي تنتقلين فيها من ”وضعية السمكة المنحنية“ إلى ”وضعية الشواوا الطائر“ – تأكدي جيدًا واطمئني، ليس هناك أي شخص ينظر إليكِ!


*المقالة مترجمة عن موقع Quiz كتبها
Nir Eyal 
والرسومات  Lakshmi Mani

وهم الثقة

في إحدى الأيام من عام ١٩٩٥، وفي وضح النهار، سرق رجل ضخم في منتصف عمره بنكين في مدينة بتسبرغ. لم يلبس أي قناع ولم يتخف، بل ابتسم لكاميرات المراقبة قبل أن يخرج من كلا البنكين. ألقت الشرطة القبض على المُتفاجِئ ماك آرثر وييلر لاحقًا وعرضت عليه الفيديوهات التي سُجلت على كاميرات المراقبة. لم يكن يصدّق ذلك وقال ”ولكنني دهنتُ نفسي من العصير!“. يبدو أن وييلر اعتقد بأن فرك عصير الليمون على جسده يجعله شخصًا غير مرئيًا أمام كاميرات المراقبة. بعد هذا كله، فإن عصير الليمون كان يُستخدم كحبر سري، فطالما أن وييلر لا يقترب من مصدر حراري كان يجب أن يكون متخفيًا تمامًا!

استنتجت الشرطة بعدها أن وييلر لم يكن مجنونًا ولم يكن تحت تأثير المخدرات، لكنه كان مخطئًا بدرجة كبيرة.

اجتذبت هذه الحكاية اختصاصي علم النفس ديفيد دانينق في جامعة كورنيل، والذي كلّف تلميذه جستن كروقر بالتحقق عما يجري. استنتجا أن كل شخص لديه تصورًا إيجابيًا عن قدراته في مجالات اجتماعية وثقافية متعددة، وأن بعض الناس يخطئون في تقييم هذه القدرات بشكل كبير، أكبر بكثير من الحقيقة. ف“وهم الثقة“- والذي يُدعى الآن ب“تأثير دانينق كروجر“- يصف كيف يقوم الإنحياز المعرفي بالرفع من التقييم الذاتي.

من أجل التحقق من هذه الظاهرة، صمم دننق و كروجر بعضًا من التجارب الذكية. وفي إحدى الدراسات، سألا طلبة جامعيين مجموعة من الأسئلة عن القواعد، والمنطق والنكت، ثم سألا كل طالب وطالبة أن يُخمّنوا نتيجتهم ثم يصنفوها بالنسبة إلى نتائج الطلاب الآخرين. الطلاب الذين أحرزوا نقاطًا ضعيفة في هذه الأسئلة هم هؤلاء الذين بالغوا -وبشدة- في تخمينهم بالحصول على نتائج ممتازة! الطلاب الذين حصلوا على أدنى الدرجات هم هؤلاء الذين اعتقدوا بأنهم أدّوا الاختبار بشكل أفضل من ثلثي الطلاب الآخرين!

وهم الثقة هذا يمتد إلى خارج الفصول الدراسية فنجده في حياتنا اليومية. في دراسة لاحقة خارج المعامل التجريبية، اتجه دانينج و كروجر نحو نطاق الأسلحة، وسألا هواة الأسلحة عن مدى الأمان في استخدام السلاح. وبالتشابه مع النتائج السابقة، فإن هؤلاء الذين أجابوا على أسئلة قليلة فقط هم الذين بالغوا في تقدير معرفتهم بالأسلحة. وبعيدا عن الحقائق، تستطيع أن تلاحظ تأثير دانينق-كروجر في تقييم الناس لمقدراتهم الأخرى بشكل كبير. إن شاهدت أي برنامج تلفزيوني للمواهب هذه الأيام، فسوف ترى وجوه المتسابقين المندهشة لعدم اجتيازهم التقييم ورفضِهم من قبل حكام المسابقة. قد يكون ذلك الأمر مضحكًا بالنسبة إلينا، إلا أن هؤلاء المتسابقين غير واعيين بأن تفوقهم الوهمي هذا قد ضللهم إلى حد كبير.

من الطبيعي أن الناس يبالغون في تقييم قدراتهم الشخصية. في إحدى الدراسات، قيّم ٨٠٪ من السائقين أنفسهم أنهم فوق المتوسط، وهذا أمر مستحيل إحصائيًا. دراسة أخرى وجدت أنه عندما يقيّم الناس شعبيتهم وقدراتهم المعرفية، فإنهم يجعلون أنفسهم فوق المعدل الطبيعي. المشكلة تكمن عندما يكون الناس غير أكفاء، فإنهم لايستنتجون بطريقة خاطئة فقط ويختارون خيارات سيئة، بل إنهم يفتقدون المقدرة على استيعاب أخطائهم.

في دراسة امتدت فصلًا دراسيًا كاملًا على طلاب الكلية، فإن الطلاب المتفوقون يستطيعون التنبؤ بأدائهم في الإختبارات المستقبلية بطريقة أفضل عندما يُقدّم إليهم تقييمًا حول نتائجهم ودرجاتهم. لكن الطلاب ضعيفو المستوى لم يظهروا أي تميّز على الرغم من وجود تقييمات متكررة على أدائهم. فبدلًا من أن يتفكروا في أدائهم وطرقهم الخاطئة، أو يشعروا بالحيرة والإرتباك تجاهها، فإن هؤلاء الناس دائمًا مايصرون بأن طرقهم هي الصحيحة. هذا يذكرنا بما كتبه تشارلز داروين في نشأة الإنسان، عام ١٨٧١: ”إن الجهل يُولد الثقة على نحو أكثر مما تفعل المعرفة“.

من المثير أن نعرف بأن الأذكياء يفشلون أيضًا في تقييم مقدراتهم. فكما أن الطلاب الحاصلين على درجات (دي) و(إف) بالغوا في الرفع من قدراتهم، فإن الطلاب المتفوقين الحاصين على (اي) استخفوا بقدراتهم. وجدا دننق وكروقر أن الطلاب المتفوقين- الحاصلين على أعلى الدرجات المعرفي.- قد بخسوا من كفائتهم النسبية. ظن هؤلاء المتفوقون بما أن هذه المهام المعرفية كانت سهلة بالنسبة إليهم فإنها لابد أن تكون كذلك أو أسهل بالنسبة إلى الآخرين.
وهذا مايُسمى ب“متلازمة المخادع“ وهي عكس تأثير دننق كروقر: حين يفشل المتفوقون في إدراك مهاراتهم فيظنون أن الآخرين لديهم نفس القدر من الكفاءة. يكون الإختلاف هنا أن المتفوقين أو الأكفاء هم أشخاص يستطيعون تغيير هذا التقدير الذاتي عندما يُقدم إليهم تقييمًا مناسبًا لهم، بعكس هؤلاء غير الأكفاء الذين لا يستطيعون ذلك.

العبرة من هذه المقالة أننا لا نريد أن نصبح مثل سارق البنك. في بعض الأحيان نحاول تجربة أمور تقودنا إلى نتائج ممتازة، لكن أحيانًا- مثل فكرة عصير الليمون- تكون طرقنا غير مجدية، غير عقلانية، أو حتى غبية. الحل أن لانسمح لأنفسنا بأن نكون مخدوعين بأوهام التفوق، وأن نتعلم إعادة تقييم كفاءاتنا بطريقة صحيحة. كونفوشيوس قال ذات مرة ”المعرفة الحقيقية هي معرفة مدى جهلنا“.


تدوينة ترجمتها عن مقالة كتبتها Kate Fehlhaber
بعنوان

Studies find high achievers underestimate their talents, while underachievers overestimate theirs

لا تعرض أعمالك على أولئك الذين لا يعرفون شيئًا

James Yang


عاش في بلاد الهند فنان شهير أحبه الناس بسبب لوحاته الرائعة اسمه (رانجا تشيلري)، واسم تشيلري في اللغة الهندية يعني سيد الألوان. كان يُلقّب برانجا جورو “المعلم رانجا”.

كان لدى المعلم رانجا تلميذ يُدعى راشيتشي، الذي بعدما انتهى من دراسته رسم لوحة رائعة وأحضرها إليه حتى يُقيّم أستاذه لوحته

“أستطيع القول بأنك فنان مبدع حقًا، لكن الناس في هذه المدينة هم من سيُقيم لوحتك. لذلك، أريد منك أن تأخذ هذه اللوحة إلى وسط المدينة فتضعها في أشد الأماكن ازدحامًا ثم تترك بجانبها قلمًا أحمرًا. اكتب ملاحظة بجانب اللوحة تسأل الناس فيها عن رأيهم تجاه عملك بأن يُحددوا بالقلم الأحمر المواضع التي لم تُعجبهم في اللوحة”.

فعل راشيتشي ما قاله أستاذه، وبعد أيام قليلة ذهب إلى وسط المدينة ليجد لوحته وقد امتلأت بالعلامات الحمراء حتى يكاد من المستحيل رؤية اللوحة. لم يكن بوسع راتشيشي الحزين أن يفعل شيئًا، لذلك قرر أن يأخذ اللوحة لأستاذه ويعلمه عن مدى إحباطه. 

نصحه المعلم رانجا أن يكف عن الشعور بالإحباط وأن يرسم لوحة أخرى، ثم يأخذها مرة ثانية إلى وسط المدينة في مكان مزدحم بالناس، ولكن من دون أن يضع بجانبها قلمًا أحمرًا بل فرشاة رسم ولوحة ألوان وألوانًا زيتية. أخبره أن يضع ملاحظة بجانب اللوحة
“أصلح المواضع التي لم تعجبك في اللوحة”. فعل راشيتشي ما نصح به أستاذه.

بعد أيام قليلة ذهب راشيتشي ليتفقد اللوحة، كان سعيدًا عندما رأى أن لا أحد قام بالتعديل على لوحته، أما الأدوات التي وضعها بجانب اللوحة فقد وجدها كما تركها. أخذ راتشيشي اللوحة وذهب بها إلى أستاذه الذي قال:



“عزيزي راشيتشي، في المرة الأولى منحت للناس فرصة لأن ينتقدوك. وعندما فعلت، انتقدوك بحدة أكثر مما تصورت. على الرغم من أن بعضهم لا يستطيع الرسم فقد انتقدوا لوحتك. لكنك في المرة الثانية أردتَ من الناس أن يُقيّموا أخطائك. بمعنى آخر، أردت أن يكون نقدهم بنّاء. ولكي يكون نقدك كذلك، تحتاج إلى أن تتعلم. لم يحاول أحد أن يصحح لك اللوحة، لم يتجرأوا لأنهم لا يستطيعون الرسم.

عزيزي راشيتشي، لايكفي أن تكون أستاذا في مهنتك فقط، بل يجب عليك أن تكون حكيمًا أيضًا. فلا يُعقل أن تتوقع ردودًا عادية من أشخاص لا يفهمون ما الذي سيقولونه لك. فبالنسبة إليهم، عملك هذا ليس له قيمة. لا تعرض عملك على الأشخاص الذين لا يعرفون شيئًا. لا تناقش أعمالك معهم”.


قصة قصيرة ترجمتها: Don’t present your work to the ones who know nothing.

لماذا يجعلك الملل أكثر إبداعًا؟ – مقال مترجم

Zohar Lazar

“أكاد أموت من الملل!”

اشتكت الزوجة حديثة السن يلينا في مسرحية تشيكوف (العم فانيا) من الملل قائلة “لا أدري ماذا أفعل”.
إذا كانت يلينا حية اليوم، فبالتأكيد سوف تخفف من مللها هذا بالعبث في جوالها: تبحث عن أمر مسلي في تويتر أو بزفيد أو لعبة “كلاش أوف كلانس”. 
إذا أصبحت لديك مُسليّات لاتُحصى في جيبك، فمن السهل أن تدفع عنك الملل. لكن ماذا سيكون الوضع لو كان الملل تجربة مفيدة تحثنا على عرض إبداعنا أو أفكارنا العميقة؟

هنا ملخص لدراستين حديثة: في الدراسة الأولى، سأل الباحثون أشخاصًا تحت الدراسة أن يفعلوا شيئًا مملّا، كأن ينسخوا الأرقام من دليل الهاتف، وبعدها يخضعون إلى اختبارات تقيس التفكير الإبداعي لديهم كابتكار استخدامات جديدة لكوبين على سبيل المثال. ماذا كانت النتيجة؟ المجموعة التي أصابها الملل قدّمت أفكارًا أكثر من المجموعة التي لم تُصاب بالملل، وكانت أفكارهم أكثر إبداعية. وفي الدراسة الثانية، اتضّح أن الأفراد الذين خضعوا لإختبار كلمات من “التفكبر الترابطي” قدّموا إجابات أكثر عندما أُجبروا على مشاهدة شاشة تعرض صُورًا مملة.


من الممكن أن يُولد الإبداع من الملل وذلك لأن العقل القلق يتعطّش للمحفزّات والأنشطة. ربما تخلق فسحة الملل هذه حركة تدفعك نحو المعرفة. يقول هيثر لنش، عالم النفس في جامعة تكساس أي اند أم، أن “الملل يتحول إلى حال من البحث والسعي، لأن ماتفعله الآن ليس مُرضيًا بالنسبة إليك، فبالتالي أنت تبحث.. أنت منشغل”.

تقول ساندي مان، عالمة النفس في جامعة سنترال لانكاشير، والتي أجرت الدراسة، أن الذهن المضجر يتحرك نحو وضعية “أحلام اليقظة”. سيُخبرك والداك بأن الأطفال الذين لايفعلون شيئًا يخترعون ألعابًا غريبة ومسلية ليتسلوا بها مثل استخدامهم لصندوق الكرتون، ومفتاح كهرباء وغيرها. فهِم الفلاسفة هذا الأمر منذ قرون، كيركيغارد قال بأن “الآلهة أحسوا بالضجر، فلذلك خَلقوا البشر”.
لكن المشكلة، والتي تُقلق علماء النفس، أننا في هذه الأيام لا نتعارك مع اللحظات البطيئة. نحن نمحوها! تقول مان “نحن نحاول أن نمحي كل لحظة ملل في حياتنا بالإستعانة بهواتفنا الذكية”. من الممكن أن يُريحنا هذا الأمر مؤقتًا، لكنه يحبس عنا التفكير العميق والذي يمكن أن يأتي من تحديقنا في الحزن. فالعبث بجوالك يُشبه “تناولك لطعام غير صحي”.

لذلك هنا فكرة نقدمها لك: في بعض الأحيان بدلًا أن تهرب من الملل، اعتمد عليه. تقول مان أن أفضل أفكارها تأتي عندما تقود سيارتها فلا تستطيع أن تمسك بجوالها.
عندما يتحدّث الكُتّاب عن استخدام برنامج “فريدوم”- برنامج الكمبيوتر الذي يحجب شبكة الإنترنت عنه أثناء عملك فلا تستطيع إستخدام الإنترنت- فإنهم يقولون أنه لمنع التشتت الذهني. لكنني أشك في أنه يُستخدم لفرض مستوى معين من الضجر في يومهم، رتابة إنتاجية مفيدة.
وهناك بالطبع ملل سيء. فالملل الجيّد يُحفزّك على رؤية نتاج ما سمّاه الفيلسوف برتراند رسل ب“الملل المثمر”. لكن النوع السيء منه، وبالعكس، يجعلك مرهقًا للدرجة التي تشعر فيها أنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء (يُسمّى بالملل البليد).

الجزء الحاسم في عصرنا هو أن نتعلم كيف نقيّم هذه النكهات المختلفة من الملل وذلك حتى نُميّز بين الملل النافع والمضر، فالنظر إلى هاتفك في لحظة ملل ليس على الإستمرار أمر سيء!


مقال كتبه كليف تومسون في مجلة “وايرد” بتاريخ ١ يناير ٢٠١٧

الحيل التي استخدمتها شركات التجميل لإقناع النساء بأنهن لسن جميلات بما فيه الكفاية

مقال مترجم*
في أمريكا، البحث عن الجمال هو أمر مكلف للغاية. ففي كل سنة، تصرف النساء مليارات الدولارات من أجل الحصول على شعر جميل، ورموش رائعة، وبشرة حريرية ناعمة. لكن في ثقافات مختلفة، لم تكن الكثير من طرق التجميل هذه موجودة قبل قرن من الزمان. في الحقيقة إن نظرتنا للجمال الأنثوي تشكّلت بشكل أساسي من خلال الدعايات الحديثة. ولذلك، رصدنا تأريخ أكثر “العيوب” التي تواجهها المرأة الحديثة والحكايات المدهشة التي تقبع خلف كل “علاج” لهذه العيوب.

هنا قائمة بأكثر الحيل النفسية التي تُستخدم ضد النساء وتُغذى من قِبل شركات التسويق:
١- لون شعرك الطبيعي ليس جميلًا بما فيه الكفاية
tumblr_mekqm6hcej1r71c9bo1_1280Does she.. or doesn’t she?
استخدمت شركة “كليرول” والتي أطلقت مليون صبغة شعر منزلية شعارًا دعائيًا “هل هي تستخدمه.. أم لا؟” في إشارة إلى صورة امرأة ذات شعر جميل يجعلنا نتسائل ما إذا استخدمت صبغة شعر “كليرول” أم لا.

في الحقيقة كان من المتوقع أن تُحدث حملة كليرول الدعائية ضجة في الأسواق، وبالفعل ارتفع عدد النساء اللاتي يصبغن شعورهن من ٧٪ في عام ١٩٥٠ إلى أكثر من ٤٠٪ في السبعينات.
 استعرضت الإعلانات نساء سعيدات بشعورهن اللامعة والجميلة والتي كانت قبل ذلك حصرًا فقط على عارضات الأزياء اللواتي يحصلن على صبغات شعر احترافية. صرّحت الدعاية بأنه “إذا كانت لديّ حياة واحدة فقط، فدعني أعيشها كامرأة شقراء”. روّجت كليرول الصبغة الشقراء التي ستحوّل من مجرى حياتك هكذا:
11308579635_d4c5eb3a4c_b
عرضت كليرول لصبغات الشعر فكرة “التجديد” في ٢٠ دقيقة فقط لهؤلاء النسوة اللواتي لا يردن أن يصرحن بأعمارهن الحقيقية أو يظهرن بشعور بيضاء:

تكرهين هذا اللون الرمادي؟ تخلصي منه!

وصفت شيرلي بوليكوف، كاتبة الحملة الدعائية لكليرول، خطتها “لنجاح أكبر، يجب أن يشمل السوق هؤلاء النسوة اللاتي تقبّلن أشكالهن بشعر أبيض. ونستطيع إنجاز هذا الأمر عن طريق إيقاظهن مرة أخرى ومعرفة ما إذا كن غير راضيات عندما اكتشفن تلك الشعرات البيضاء”. أنجزت كليرول هذا الأمر عن طريق قولها “متى كانت آخر مرة دعاكِ فيها زوجك للخروج برفقته إلى العشاء؟” .
في هذه الأيام، هناك ٩٠ مليون امرأة في الولايات المتحدة تصبغ شعرها بحسب تقرير IBIS لعام ٢٠١٢!

٢- شعر جسدك مقزز:
في هذه الأيام يصور الإعلامُ النساء بدون شعر في أجسادهن، أو يُصبحن محل سخرية إذا أردن الإبقاء عليه. لكن من المفاجئ لنا حين نعلم أن النساء الأوروبيات والأمريكيات منذ القرن ال١٦ إلى القرن ال١٩ ميلادي كن يُبقين شعر أجسادهن.

ما الذي تغيّر؟ تقول الباحثة كريستين هوب بأن الإجابات تكمن في الدعايات والموضة. ففي عام ١٩١٥، تفجرت الدعايات التي تُحذر النساء من الإبقاء على شعر إباطهن بأنه أمر غير أنثوي، فيجب عليهن إزالته حتى يُصبح ناعمًا مثل ملمس الوجه. سمّت هوب هذه الدعايات “الهجوم على الإبط”:
w1408
بعد ذلك، تفجّرت دعايات أخرى تُشجع النساء على حلق أرجلهن حتى يُصبحن جذابات أكثر عندما يرتدين الجوارب وملابس السباحة. وبنهاية الحرب العالمية الثانية، كانت حلاقة شعر الجسد هي أمر مُتوقع من النساء الأمريكيات. استمرت الدعايات في الستينات والسبعينات تُصور شعر الجسد بأنه أمر غير أنثوي:
w1408%d9%a3
أما إزالة شعر منطقة البكيني فبدأ في عام ١٩٤٦، وظهر معه الشمع البرازيلي الذي اُستورد إلى الولايات المتحدة في نهاية الثمانينات، وأصبحت له شعبية بفضل الدعايات في التسعينات.

أما اليوم، فإزالة شعر العانة أصبح أمرًا أساسيًا في أوساط النساء الأمريكيات: ٨٠٪ من النساء بين السن ال١٨ وال٣٤ يُزلن على الأقل بعضًا منه، وبحسب إحدى الدراسات فإن العديد منهن يرغبن في التماشي مع المعايير الإجتماعية السائدة وأن يظهرن بشكل أُنثوي أكثر. حتى الآن، فإن الحملات الدعائية لمنتجات إزالة الشعر مثل دعايات “فيت” تستهدف نفس الفئة التي كانت تُستهدف قبل قرن تقريبًا.

٣- بشرتكِ غامقة جدًا:
خلال نهاية القرن ال١٩ وبداية القرن العشرين، ازدادت شعبية الكريمات المُفتحة للبشرة بين النساء السود في الولايات المتحدة. وغدى تبييض البشرة الداكنة أكثر من مجرد طقس تجميلي، فهي طريقة رمزية تدل على الحياة في وسط مجتمع عنصري حيث يُلاقي فيه ذوي البشرة الفاتحة نسبيًا من السود معاملة أفضل من غيرهم. فجّر المسوقون هذه الإشكاليات العنصرية في صناعة الجمال، يعدون فيه المرأة بأنهن يستطعن أن “يجدن مناصب اجتماعية أعلى، ويتزوجن بشكل أفضل، ويتعايشن مع غيرهن بشكل أحسن” ويُصبحن جميلات أكثر ببشرة أفتح من بشرتهن الحالية. وفي عام ١٩٤٤ ظهر هذا الإعلان الذي يقول بأن البشرة الأفتح هي الأجمل:

Advertisement for Nadinola bleaching cream, 'for lovelier lighter skin,' New York, New York, 1944. (Photo by Fred Stein Archive/Archive Photos/Getty Images)

(Photo by Fred Stein Archive/Archive Photos/Getty Images)

كانت المنتجات هذه في حد ذاتها خطيرة لاحتوائها على مادة الهيدروكينون الكيميائية، والتي تُستخدم في تطوير الصور الفوتوغرافية (هذه المادة الكيميائية حُظرت في استراليا، وفي دول الإتحاد الأوروبي، وفي اليابان، لكنها بقيت بشكل قانوني في الولايات المتحدة).

في خلال الستينات والسبعينات، تراجعت شعبية سوق كريمات تبييض البشرة بظهور حركة التحرير “الأسود هو الجمال”. شجّعت هذه الحركة الأشخاص السود ودعتهم إلى الإقتناع بملامحهم الطبيعية بدلًا من الجري وراء معايير ذوي البشرة البيضاء. سارعت شركات التجميل إلى التلطيف من لهجتها، وتحوّلت جملة “تبييض البشرة” إلى “بشرة مُشرقة”. تعهّد الإعلان في عام ١٩٦٢ النساء بالحصول على بشرة مشرقة وفاتحة حتى في الأيام الممطرة، دون ذكر الأعراض الجانبية لمادة الزئبق المسمومة.
13585209794_c8edaf15c5_b
اليوم، تستمر النساء في استخدام مبيضات البشرة حول العالم وخاصة في أفريقيا، الهند وباكستان. ومن المُتوقع أن تصل نسبة الشراء السنوية حول العالم إلى ١٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠١٥، على الرغم من أن هذه المنتجات لها أعراض جانبية خطيرة.

٤- بشرتك فاتحة جدًا:
في بداية القرن العشرين، أصبحت “حمامات الشمس” وصفة طبية شائعة بين الأطباء للقضاء على أمراض عديدة. استغلت شركات التسويق هذه المنافع الصحية وخلقت اعتقادًا- كما ظهر في مجلة هاربر بازار في عام ١٩٢٩- “إذا لم تحصل على بشرة سمراء، فأنت لست جزءًا من هذه اللحظات…””
بعد هذا الإعلان مباشرة، بدأت شركات التجميل ببيع كريمات ال”تشميس”. يعتقد بعض الباحثين أن موضة التشميس خلقت سوقًا تجميليًا جديدًا، ووفّرت حافزًا تسويقيًا من أجل أن تكون البشرة البرونزية معيارا جماليًا أمريكيًا. وبقي هذا المعيار كذلك، ففي السبعينات لم تُوقف التحذيرات الصحية -بشأن المخاطر التي يجلبها التعرض للشمس كالإصابة بالسرطان- هذا الهوس بالتشميس. وبدلًا من ذلك، وفّرت فرصًا كثيرة لشركات التجميل من أجل ترويج منتجات تتعهد بتوفير حماية ضد الشمس، أو تُزود النساء ببشرة سمراء مُزيفة (تشميس منزلي) كالتي يحصلون عليها عند تعرضهن للشمس:
177dacb81fdf4def1e09d47a87634eae
تواصل التحذيرات الطبية في توعية الناس بخطر التعرض الزائد للشمس. أما البحث عن بشرة برونزية جميلة لم يتوقف، فمنذ عام ٢٠٠٠، ازداد عدد منتجات التشميس المنزلي بشكل كبير ومن المتوقع أن يستمر كذلك في الخمس سنوات القادمة.

٥- ال”سيلولايت” مؤذية للعين، ويجب أن نزيلها!
حتى عام ١٩٨٣٠، كانت النساء ذوات الأجسام الممتلئة هن أكثر جمالًا، وكن يظهرن بأجسامهن الممتلئة في لوحات الرسامين بانحنائاتهن وب”السيلولايت” أيضًا. لكن في منتصف القرن العشرين، تغيّر شكل الجسد الأنثوي المثالي وأصبح أكثر رشاقة. وفي خلال نفس الفترة، أصبح ال”سيلولايت” عدو رئيسي للجسد الأنثوي المثالي.
في عام ١٩٦٨، أعلنت مجلة فوج أن “كلمة السيلوليت عبرت المحيط الأطلنطي مثل الأسماك المهاجرة” |إشارة في أن الكلمة فرنسية جاءت من أوروبا|. سخر بعض أعضاء المجتمع الطبي من القلق المفاجئ تجاه السيلولايت وقالوا أنه “مرض مُبتدع”. يُصيب السيلولايت حوالي ٨٠ إلى ٩٠ من النساء، وأصبحت مكافحته بل والسخرية منه هوس أمريكي. فلأن تكوني أمريكية مشهورة مصابة بالسيلولايت يُعد جريمة!:
1119082970_96500599c3_b
في عام ٢٠١٤، بقي السيلوليت عدو لا يُقهر، واستمرت النساء في صرف أموال كثيرة على مستحضرات تجميل لم تُختبر بشكل كاف، وليست مُجدية على وقت طويل.

٦- أظافرك غير المُشذبة بشعة:
أنتج نورثام وارن مايمكن أن يُطلق عليه بأول مُشذب للأظافر ومزيل لطلاء الأظافر في عام ١٩١١. وأطلق أيضًا حملة دعائية أنتجت سوق طلاء الأظافر الحديثة. حذّرت الدعاياتُ النساء من الأظافر المقصفة وغير المشذبة إذ أنها تجلب لهن الشعور بالإحراج أمام الناس. تفجّرت الأرباح من ١٥٠ ألف دولار في عام ١٩١٦ إلى ٢ مليون دولار في عام ١٩٢٠! فالأظافر المرتبة والمشذبة هي طريقة للإفصاح عن الثراء والأناقة، وتُثبت أنكِ أرقى من الطبقة العاملة المتواضعة. وإذا فكرتِ بأنكِ تنجحين في إخفاء هذه الأظافر غير المرتبة، فهذا الإعلان في عام ١٩٢٣ يخبركِ بشيء آخر:
w1408
في عام ١٩١٢، ربع النساء الأمريكيات فقط كن يستخدمن مستحضرات التجميل الخاصة بعناية اليدين والأظافر، لكن في عام ١٩٣٦، ارتفع عددهن إلى ثلاثة أرباع. وخلال الحرب العالمية الثانية، ناشدت شركة كيوتكس لطلاء الأظافر الفخر الوطني للنساء:
8ad67f299fe15fde49a914b62fc425ba

اليوم، أصبح طلاء الأظافر وصالونات الأظافر هي الغذاء الرئيسي لجمال النساء. وفي عام ٢٠١٢، أنفقت الأمريكيات حوالي ٧٦٨ مليون دولار عليها!

٧- رموشك ليست طويلة بما فيه الكفاية!

خلال التاريخ، اعتدن النساء على تكحيل رموشهن بالسواد بمختلف الوسائل عن طريق إستخدام نبات البلسان إلى مواد صمغية كالإرتنج، لكن ال”ماسكرا” لم تظهر حتى القرن العشرين، عندما أوجد تي إل ويليامز شركة ميبيلين. اجتاحت الماسكرا التي كانت تُكلف حوالي ال١٠ سنت من ميبيلين أمريكا. وبينما كانت الأصباغ التجميلية “المكياج” غير أخلاقية عند البعض، جعلتها مشاهير هوليوود رائعة في نظر الجميع. وُعدت النساء بالحصول على رموش مُغرية كالتي عند شخصياتهن الهوليوودية المفضلة، كما صرّح هذا الإعلان في عام ١٩٢٩ في مجلة “موشن بكتشر”:
screen-shot-2017-02-23-at-7-58-14-pm
بعد ذلك، ظهرت العديد من منتجات ال”ماسكرا”، وبدأت شركات التجميل بالإعلان عن الماسكارات التي تُطوّل وتُكثّف الرموش. تعرضّت كبرى شركات التجميل هذه إلى انتقادات واسعة بسبب إعلاناتهم المُضللة، حيث أن بعضهم استخدم رموشًا اصطناعية على عارضات الدعايات!

وعلى الرغم من ذلك، ازداد الطلب على الرموش الطويلة وانتعشت الأسواق المخصصة لها. أخبرتنا نانسي ليونتر، مديرة تحرير ون ستوب بلس دوت كوم أنه “قبل خمس سنوات، كانت الرموش التي لديكِ هي رموشك الطبيعية، لكنك تضعين عليها الماسكرا. أما اليوم، فإنك تضعين رموشًا اصطناعية، وتستخدمين الأدوية التي تُطوّل الرموش، ولدينا هوس شديد بالرموش !”

 


مقالة ترجمتُها من هافنغتون بوست عن الإنجليزية، كتبَتها “أماندا شيركر” ونُشرت بتاريخ ٢٩ أبريل ٢٠١٤، الصور الموجودة في هذه التدوينة هي من نفس المقالة أيضًا
7 Ways The Beauty Industry Convinced Women That They Weren’t Good Enough


تدوينة أخرى ذات صلة:
الحقيقة البشعة وغير العادلة عن الجمال

لماذا الألمان هم الأفضل في التعبير؟

نعتمد بشكل كبير على اللغة للتعبير عما نفكر ونشعر. لكن بعض اللغات هي أفضل من غيرها في تسمية المشاعر. فالألمان عباقرة فيما يتعلق بابتداع كلمات طويلة – نسميها نحن كلمات مركبة- والتي تكشف لنا عن المشاعر التي ندركها جيدًا بينما تتطلب اللغات الأخرى جملًا طويلة للتعبير عنها.

هنا بعض الإختيارات لأفضل الكلمات المركبة الألمانية:

deutsch-doodles.tumblr.com

deutsch-doodles.tumblr.com


ohrwurm
دودة الأذن
هذه الكلمة تعبّر عن الأغنية التي تكررها في نفسك وتسمع لحنها داخل رأسك ولا تستطيع أن تُخرجها منه.

 Futterneid
الغيرة في الطعام
هذه الكلمة تشرح حالتك عندما تكون في مطعم تتناول الطعام برفقة آخرين وتشعر حينها بأن أطباقهم التي طلبوها هي ألذ من طبقك كثيرًا. من الممكن أنك تحاول بأن تكون قنوعًا وراضيًا بما لديك، لكنك تعاني الآن. هذه الكلمة تُعبّر عن أكثر مايدور في خواطرنا، فليست فقط للمطاعم وإنما هي ذلك الشعور الذي يأتينا بأننا أمضينا أغلب أوقاتنا في طلب أمور غير مناسبة لنا في الحياة.

Weltschmerz
الحزن الوجودي

كلمة تعني بأننا في بعض الأحيان نكون تعساء ليس بشأن هذا الأمر أو ذاك، لكن بسبب وجودنا في هذا العالم. وجود هذه الكلمة في الثقافة الألمانية توضّح أن هذه الثقافة ليست سعيدة على نحو زائف، لكنها تتناول المأساة بشكل واقعي. من المريح أن تُخبر صديقك أن بقاؤك تحت اللحاف سببه أنك تعاني من الحزن الوجودي.

Kummerspeck

التخمة بسبب الحزن
عندما يكون المرء تعيسًا، فإنه ليس هناك شيء أكثر تعزية له ببساطة من أن يذهب إلى المطبخ ويأكل.

Fernweh
كلمة تعني المعاناة من البقاء في محيط مألوف، والرغبة الشديدة في السفر بعيدًا إلى ماوراء جبال الألب، ومن الممكن إلى جنوب الأرض حيث لايعرف أحد اسمك.. كأن تستيقظ على أصوات أجراس غريبة من المعابد.
كلمة تعني الإعتراف بأننا دائمًا مانتوهم بأن الحياة هي في مكان آخر غير هذا المكان.

Backpfeifengesicht

deutsch-doodles.tumblr.com/

deutsch-doodles.tumblr.com/

الوجه الذي يحتاج لأن يُصفع. إكرام الآخرين أمر مهم، لكن الألمان واضحين بما فيه الكفاية للتعبير أن هناك لحظات تود أن تكون فيها صريحًا لتعترف أن الذي يقابلك هو شخص أحمق.

Luftschloss
حرفيًا تعني قلعة في الهواء، أي الحلم الذي لا يمكن تحقيقه. هذه الكلمة تدل على أن الثقافة الألمانية متسامحة للغاية تجاه الأحلام الكبيرة، لكنها أيضًا واقعية لأنها تدرك بأنها صعبة المنال.

Schadenfreude
التشمت بالآخرين
نقول أننا نحزن عندما يفشل الآخرون، لكن الألمان هم أكثر حكمة عندما يخبروننا أننا قد نشعر بالسعادة لمصائب الآخرين، وهذا لا يعني بأننا أشخاص لئيمين، لكننا نشعر بالراحة عندما نشهد معاناة الناس كتأكيد لنا أن الحياة قاسية على الآخرين كما هي قاسية بالنسبة لنا.

 Frühjahrsmüdigkeit
التعب من الربيع
من المفترض أن نفرح جميعًا بقدوم الربيع، لكن بالطبع هناك بيننا من يجده أمرًا تعيسًا لعودة الحياة والآمال.
هذه الكلمة تعبر عن مدى صعوبة الشخص بأن يكون متفائلًا في أكثر أوقات السنة سعادة.

Verschlimmbesserung
التحسّن للأسوأ
نحاول كثيرًا أن نحسن أمورنا، لكننا نجلب مع تلك المحاولات مصاعب غير متوقعة. هذه الكلمة تؤكد أن أعمالنا نادرًا ما تتقدم على النحو الذي نخطط له.

Lebensmüde
التعب من الحياة
نحن نؤمن بأننا متمسكون بالحياة بشدة، لكن الكثير من سلوكياتنا تؤكد على أمر أكثر قلقًا: الرغبة بين حين إلى آخر في التخلي عن التمسك بوجودنا. هذه الكلمة مفيدة لاستخدامها في الأيام التعيسة عندما نشعر أنه لا شيء سيمضي على مايرام.


Ruinenlust
 الإنفعال عند رؤية الأطلال
تعني البهجة التي يشعر بها الشخص عندما يرى الأطلال. فالقصور المتهدمة وأنقاض المعابد تثير أشجاننا أمامنا وتحثنا على الحزن بطريقة ممتعة.


Treppenwitz
أفضل مقولاتنا التي نقولها لا تأتي في خضم نقاش ثقافي، بل عندما نهبط من الدرج متجهين نحو منازلنا، أي متأخرًا بعد أن نترك النقاش. هذه الكلمة تعبر عن الأشياء التي تود أن تقولها بعد فوات الأوان.

Torschlusspanik
الهلع من إغلاق البوابة
الخوف الذي يشعر به المرء عندما يتقدم بالسن، أن الوقت يمضي بسرعة وبالتالي تفوته فرص كثيرة.


Handschuhschneeballwerfer
الجبان الذي ينتقد ويسيء للآخرين وهو بعيد عنهم في مكان آمن.




Sitzfleisch
تصف ميزة شخصية في التحمّل، وتعني حرفيًّا القدرة على الجلوس وتحمل كل ماهو ممل وشاق ومؤلم لفترة طويلة.

Kopfkino
نحن مخرجون سينمائيون داخل عقولنا، نُصوّر أفلامًا قصيرة ننظم فيها بالضبط مانريد قوله، ونستغل الفرصة عندما نستطيع. هذه الكلمة تعني أن هناك قلة مننا فقط يستطيعون أن يكونوا فعّالين ومخرجين رائعين خارج رؤوسنا.

Schattenparker
أغلبنا لديه لحظات جُبن، الكلمة تعني الإختباء في الظلمة. ولدى الألمان كلمة أخرى تعني تسليط الضوء على هذا الجبان.

Bildungsroman
رواية تعليمية عن الحياة
الثقافة الألمانية مليئة بنوع مميز من الرواية التي نتابع فيها نضوج الشخصية الأساسية في الحب والعمل. هذا النوع من الروايات يقدم الإجابة لما يجب أن تكون عليه الرواية. ففي التقاليد الألمانية، المغزى من هذه الروايات هي أن تعلمنا كيف نعيش.

 Drachenfutter
طعام التنين هي هدية يقدمها الشخص لزوج إحداهن|زوجة أحدهم لتهدئة غضبه تجاه خطأ قد ارتكبه الشخص. فإذا اُكتشفت هذه العلاقة، يجب على الشخص أن يطبخ الكثير من طعام التنين.






 Fremdschämen

الشعور بالفشل عن الآخرين
كلمة مليئة بالشفقة والتي تصور المعاناة التي يشعر بها المرء تجاه شخص آخر عندما يفشل أو تحدث له مصيبة محرجة. المقدرة على أن تشعر بمعاناة الآخرين أمر أخلاقي رفيع في منتهى اللطافة.

Erklärungsnot
الصعوبة عند التوضيح
حرفيًا، تعني هذه الكلمة: الكرب الذي ليس له تفسير. أفضل طريقة لشرح هذه الكلمة هو أن تتخيل نفسك طفلًا رآك أحد والديك وأنت تضع يدك في الجرة بسرعة لأخذ قطعة من البسكويت ويجب أن تفسر ما الذي تفعله. النتيجة ستكون كذبة أو تفسير مُضحك. بشكل أوضح، هي كلمة تعبر عما نشعر به عندما نُدرك أنه ليس لدينا أي تفسير للأسئلة الكبيرة في الحياة.


*مترجمة عن
Why Germans Can Say Things No One Else Can
و
10 fabulous German words with no English equivalent
بتصرّف

الخوف من أن لا يحتاجنا أحد

Nathaniel Russell

Nathaniel Russell

-دالاي لاما وآرثر بروكس

في جميع الأحوال، ليس هناك زمان أفضل لأن يعيش الإنسان فيه من زماننا هذا. 
انتشر العنف حول العالم، ومازال الكثيرون يعيشون تحت ظل حكومات طاغية، وعلى الرغم من أن كل الأديان السماوية تعلمنا الحب والعطف والتسامح، إلا أن العنف لايزال يُمارس باسم الدين.

ومع ذلك، أصبح عدد الفقراء بيننا أقل من العصور الماضية، كما تناقص عدد الجوعى، وأصبح عدد الأطفال الوفيات أقل، وانخفضت نسبة الأمية بين الرجال والنساء. وفي العديد من الدول، صار الإعتراف بحقوق المرأة والأقليات هو أمر طبيعي وسائد. صحيح أن هناك العديد من الأمور التي يجب أن نعمل عليها، ولكن بالطبع هناك أمل وهناك تحسن.

لكن أليس من الغرابة أن نجد الغضب والسخط منتشران في أكثر دول العالم ثراء؟ ففي الولايات المتحدة، وبريطانيا وعبر القارة الأوروبية نجد أن الناس هناك متوترون بسبب الإحباط السياسي، وقلقون بشأن المستقبل. يرغب المهاجرون واللاجئون بشدة الحصول على فرصة للعيش في تلك الدول المتقدمة والآمنة، ولكن هؤلاء الذين يعيشون فيها يعبرون عن قلقهم الشديد والذي يقارب اليأس إزاء مستقبلهم.

لماذا؟
هناك تلميح صغير من بحث مثير للدهشة عن كيف يزدهر الإنسان. في إحدى التجارب العجيبة، وجد الباحثون أن المواطنين كبار السن الذين لا يشعرون بأنهم مفيدون للآخرين، هم أكثر عرضة للموت قبل أوانهم ب٣ مرات من هؤلاء الذين يشعرون بأنهم مفيدين. هذا يعني بأن هناك حقيقة إنسانية واضحة: نحتاج لأن نشعر بأن غيرنا يحتاج إلينا.

إذا كان الآخرين يحتاجون إلينا فهذا لايعني أن هناك تكبّر واستعلاء على احتياجات الآخرين وشؤون دنياهم. بالأحرى، إنه يعني أنه توجد رغبة طبيعية لدى الإنسان في أن يخدم أقرانه من الرجال والنساء. ففي القرن ال١٣، علمتنا الحكم البوذية أنه إذا “أشعل شخصٌ النارَ للآخرين، فإن طريقه سوف يُضاء أيضًا”.

في الواقع كل الديانات الكبرى تعلمنا أن العمل المبذول من أجل خدمة الآخرين هو من طبيعتنا وهنا يكمن محور الحياة السعيدة. أكدت الدراسات والبحوث تعاليم أدياننا، فالأمريكيون الذين يجعلون فعل الخير للآخرين من أولوياتهم يميلون للإقرار -بحوالي الضعف- بأنهم سعداء جدًا في حياتهم. وفي ألمانيا، نجد أن الأشخاص الذين يخدمون مجتمعهم يميلون للإقرار بأنهم سعداء جدًا في حياتهم أكثر ب٥ مرات من هؤلاء الذين يرون أن خدمة الآخرين غير مهمة. الأنانية والسعادة لا يتقاطعان، فكلما أصبحنا كتلة واحدة مع الآخرين، كلما شعرنا بأننا أفضل.

هذا يساعدنا على توضيح الألم والسخط الذي يعاني منه الناس في الدول المتقدمة. فالمشكلة هي ليست نقص في الثروات المادية، بل في ازدياد أعداد الناس الذين يشعرون بأنهم غير مفيدين، غير نافعين، ولا يحتاجهم أحد، وليسوا متحدين مع مجتمعاتهم.

وفي أمريكا اليوم، مقارنة بخمسين سنة ماضية، تضاعف عدد الرجال العاطلين ٣ مرات. نجد أن هذا النموذج يتكرر في الدول المتقدمة، وعواقبها ليست فقط اقتصادية، فشعور المرء بأنه غير نافع هو ضربة لروحه الإنسانية. وهذا يقودنا إلى العزلة الإجتماعية، والألم العاطفي، ويخلق ظروفًا لأن تنمو المشاعر السلبية.

إذن، ماالذي بوسعنا أن نفعله؟ أول إجابة هي ليست منهجية، بل شخصية. كل شخص منا لديه شيء قيّم يشاركنا به. يجب أن نبدأ صباحنا كل يوم متسائلين بوعي “ما الذي أستطيع فعله اليوم من أجل أن أشكر العطايا التي يقدمها الآخرون لي؟”. نحتاج إلى أن نتأكد بأن الأخوة والإتحاد مع الآخرين هي ليست مجرد أفكار، ولكنها إلتزامات شخصية نطبقها بوعي.

كل شخص منا لديه المسؤولية بأن يجعلها عادة. لكن هؤلاء الذين يحتلون مناصب كبرى، لديهم فرصة مميزة بأن يتوسعوا في ذلك الأمر ويبنون مجتمعات تحتاج إلى خدمة الجميع.

يحتاج القادة إلى الإدراك بأن المجتمع المتراحم يجب أن يخلق فرصًا غنية للعمل النافع، حتى يستطيع الجميع أن يساهموا بمساعداتهم. يجب أن يوفر المجتمع المتراحم التعليم للأطفال وتدريبهم على إثراء حياتهم بالمزيد من التفاهم الأخلاقي وبالمهارات العملية التي ممكن أن تزودهم مستقبلًا بضمان اقتصادي وسلام داخلي. يجب أن يحمي المجتمع المتراحم الضعفاء من خلال التأكيد أن هذه السياسات لا تُوقع الناس في البؤس والإتكالية.

بناء مجتمع كهذا ليس بالأمر السهل. ليس هناك أي فكرة أو حزب سياسي يستطيع أن يقدم كل الأجوبة. تساهم الأفكار المضللة من جميع الأطراف إلى تهميش الكثير من الأفراد وإبعادهم عن حقوقهم في المجتمع، وبقهر هذه الأفكار سوف تؤخذ كل الحلول المبتكرة من جميع الأطراف. فما يجمعنا نحن الإثنين في صداقة أو تعاون مشترك ليس السياسة أو الدين، بل شيء أبسط من ذلك: إيماننا بالرحمة، بالكرامة الإنسانية، بالنفع الحقيقي لكل شخص حتى يساهم بشكل إيجابي لجعل العالم أفضل وأكثر نفعًا. 
الكثير منا حائرون وخائفون لرؤية الغضب والسخط ينتشران كالنار في المجتمعات التي تمتاز بالأمان والإزدهار. ولكن أمر رفضهم لأن يصبحوا سعداء يكشف عن شيء جميل: أن لديهم جوع إنساني لأن يحتاجهم الناس. دعونا نعمل معًا لبناء المجتمع الذي يغذي هذا الجوع.

هذا مقال نُشر في نيويورك تايمز، كتبه دالاي لاما وآرثر بروكس.
*الدالاي لاما ال١٤، تينزن جياستو، وهو القائد الروحي للتبت. حائز على جائزة نوبل للسلام. 
آرثر بروكس هو رئيس معهد أميركان انتربرايز

كيف (لا) تتقدم في السن

هذه مقالة كتبها برتراند رسل، الفيلسوف والرياضي الإنجليزي والذي تُوفي عن عمر يناهز السابعة والتسعين، عن التقدم في السن، ترجمتها لكم

كيف تتقدم في السن؟

بغض النظر عن العنوان، سيكون المقال بالأحرى عن “كيف لا تتقدم في السن؟”، والذي اعتبره موضوعًا مهمًا بالنسبة إلى سني. أول نصيحة أقدمها هي يجب أن تختار أجدادك بعناية: على الرغم من أن أبوي ماتا في سن مبكرة، إلا أنني أبليتُ بلاء حسنًا في اختياري لأجدادي. فجدي لأمي، توفّي بعمر الزهور في سن ال٦٧، لكن أجدادي الآخرين قد عاشوا حتى سن الثمانين. اكتشفت أن أحد أجدادي القدماء قد توفي بمرض يعتبر الآن نادر، فقد قُطعت رأسه. والدة جدتي، والتي كانت صديقة لجيبون “المؤرخ الإنجليزي”، قد عاشت إلى سن الثانية والتسعون، وكانت إلى آخر يوم في حياتها مصدر رعب للكثير من أحفادها. منذ أن صارت جدتي لأمي -والتي كان لديها ٩ أطفال بالإضافة إلى طفل توفي مبكرًا والعديد من الإجهاضات- أرملة وهي تضحي بنفسها من أجل تعليم المرأة. فقد كانت من أحد مؤسسي كلية جرتون، وعملت بجد من أجل أن يتاح المجال الطبي للنساء. اعتادت جدتي أن تخبرنا كيف أنها قابلت في إيطاليا شيخًا كانت التعاسة تبدو على ملامحه، فسألته عن هذا الحزن وأخبرها بأنه للتو قد افترق عن اثنين من أحفاده.

“يا إلهي.. لديّ ٧٢ حفيدًا، ولو حزنتُ في كل مرة أفترق فيها عن أحدهم لابد وأنني كنت سأصبح تعيسة جدًا”.
 فقال لها الرجل – بالإيطالية- “إنكِ أم غير طبيعية!”

.
ولكوني أحد هؤلاء ال٧٢ حفيدًا، أستطيع أن أقول بأنني أُفضّل وصفتها. فبعد سن الثمانين وجدَت جدتي بعض الصعوبة في النوم، لهذا كانت تقضي وقتها منذ منتصف الليل إلى الساعة الثالثة فجرًا في قراءة العلوم المُبسّطة. لا أظن أنه كان لديها من الوقت لأن تلاحظ بأنها تتقدم في السن. لذلك، أعتقد بأن هذه الوصفة هي الطريقة الناجحة في البقاء شابًا. إذا كانت لديك اهتمامات واسعة ونشاطات كثيرة تمارسها، فلن يصبح لديك وقت للتفكير في أرقام السنوات التي عشتها، ناهيك عن التفكير بالسنوات القصيرة المتبقية في المستقبل.

وبالحديث عن الصحة، لا أستطيع أن أفيدكم بشأن ذلك خاصة لأن خبرتي بالأمراض قليلة. فأنا أشرب وآكل كما يحلو لي، وأنام عندما لا أستطيع أن أبقى مستيقظًا. لا أفعل أي شيء من أجل الصحة على الرغم من أن أغلب ممارساتي هي ممارسات صحية.

على الصعيد النفسي، هناك أمران خطيران يجب أن يُجتنبا مع تقدم السن. أولهما هو الإنهماك المفرط بالماضي من العيش في الذكريات، أو الندم على مافات، أو الحزن على الأصدقاء الذين ماتوا. يجب أن تكون أفكار المرء موجهة نحو المستقبل، ونحو الأشياء التي لابد وأن تُنجز. بالطبع هذا الأمر ليس سهلًا على الدوام، فماضي أي شخص يزداد ثقله مع مرور الأيام، ومن السهل التفكير بأن مشاعر المرء كانت أكثر حيوية في الماضي، وبأن عقله كان أكثر اتقّادًا في شبابه. فإن صحّ هذا الأمر، فيجب أن يُنسى، يجب أن يتناساه المرء حتى يصبح غير صحيحًا.

الأمر الثاني الذي يجب اجتنابه هو التشبّث بالشباب أملًا في الحصول على بعضٍ من حيويتهم. عندما يكبر أطفالك فإنهم يريدون أن يعيشون حياتهم كما يرغبون، وإن استمريت في أن تكون مهتمًا بهم كما لو كانوا صغارًا فإنك بالأحرى سوف تصبح حملًا ثقيلًا عليهم، إلا إذا كانوا شديدو التحمل. لا أعني بأنه لا يجدر بك الإهتمام بهم على الإطلاق، ولكن الإهتمام يجب أن يكون بالتفكير فيهم، واهتمامًا إنسانيًا ولكن ليس عاطفيًا على نحو لا يُحتمل. إن الحيوانات تُصبح لا مبالية بأطفالها إن هم كبروا واستطاعوا أن يهتموا بأنفسهم، لكن البشر، وبسبب طول فترة الطفولة، يتعلقون بأطفالهم فيجدون ذلك صعبًا عليهم.

أعتقد بأن التقدم في السن بشكل مُوفّق هو أسهل بالنسبة إلى هؤلاء الذين لديهم اهتمامات غير شخصية تنطوي على نشاطات ملائمة. فمن خلال هذه الاهتمامات تصبح الخبرة الطويلة مفيدة، ويستطيع المرء أن يستخدم حكمته الناشئة عن خبرته من غير أن تُظلم. لا يفيد إخبار هؤلاء الأطفال الكبار بأن يجتنبوا إرتكاب الأخطاء، لأنهم لن يصدقوك، ولأن الأخطاء هي جزء من التعليم. ولكن إذا كنت واحدا من هؤلاء العاجزين عن إيجاد اهتمامات غير شخصية، فسوف تجد أن حياتك أصبحت بلا معنى إلا إذا كانت تدور حولك وحول أطفالك وأحفادك. وفي هذه الحالة، من المهم أن تدرك بأنك طالما استطعت أن تخدمهم ماديًا كأن تعطيهم مصروفا أو تحيك لهم سترة، فيجب عليك أن لا تتوقع منهم أن يستمتعوا بصحبتك.

استنزف الخوفُ من الموت بعضَ كبار السن. ففي مرحلة الشباب، هناك سبب منطقي لهذا الشعور، فالشباب الذين يخافون أن يُقتلوا في معركة نستطيع أن نبرر شعورهم المرير بأنهم تعرضوا للخداع من أفضل الأشياء التي لابد أن تمنحها الحياة. ولكن في حالة الرجل كبير السن والذي عرف متع الحياة وآلامها، وأنجز في حياته بعض الأعمال، يصبح الخوف من الموت أمر حقير ووضيع. وإن أفضل طريقة لتجاوز هذا الخوف – كما يبدو لي- هي أن توسّع دائرة اهتماماتك وأن تجعلها غير شخصية على قدر الإمكان، حتى تنحسر جدران الأنا شيئًا فشيئًا، وتصبح حياتك مندمجة بشكل أكبر مع العالم. يجب أن يكون وجود الإنسان على الأرض مثل النهر: صغيرًا في بدايته، وتكون ضفتيه على الجانبين ضيقة، ثم يتجاوز الصخور والشلالات بسرعة، إلى أن يتّسع النهر وتبتعد ضفافه، فيفيض الماء بهدوء أكبر، وفي النهاية، دون أي انقطاع ملحوظ، يندمج النهر مع البحر، ويخسر فرديته من غير ألم.
لن يعاني الرجل كبير السن، القادر على أن ينظر إلى حياته بهذا المنطق، من الخوف من الموت حيث أن الأشياء التي يهتم بها سوف تستمر. وحتى لو تدهورت عافيته، وازداد ضعفه، فإن فكرة الراحة الأبدية لن تصبح غير مرحب بها. أرجو أن أموت وأنا في عملي، عالِمًا بأن غيري سيُكمل مالم أستطع إكماله، وأرجو أن أكون راضيًا عن فكرة أنه كل ما كان بوسعي أن أفعله قد فعلته.

إنكار الموت

الخوف من الموت – ذلك البلد المجهول الذي لا يعود منه المسافر أبدًا- يُحيّر إرادتنا،
ويجعلنا نُؤثر تحمل المكروه الذي نعرفه
على الهرب منه إلى المكروه الذي لا نعرفه

شكسبير على لسان هاملت – الفصل الثالث، المشهد الأول

الخوف من الموت، من أن حياتنا على هذه الأرض سوف تنتهي يومًا لهو أمر عظيم. وإنتهاء هذه الحياة كما نرى مع الأسف الشديد يتخذ شكلًا مأساويًا في العادة، فتنتهي حياة شخص ما لإصابته بمرض عضال أو بمرض من أمراض الشيخوخة، أو لحادث عرضي كاصطدامه بسيارة، أو بالحرق أو بالغرق.. سبب قوي قاسٍ ينزع منه الحياة، وتتعدد الأسباب والموتُ واحد. ونُدرك بأن أكثر حقيقة مُؤكدة على وجه الأرض هي حقيقة الموت. فقد “تُنكر العين ضوء الشمس من رمد.. ويُنكر الفم طعم الماء من سقم” وينكر البعض كُروية الأرض، ووجود الله، لكن لن يستطيع أي شخص أن ينكر وقوع الموت.

نخاف أيضًا من الموت لأنه أمر مجهول، ولدينا بعض المعتقدات الراسخة والمخيفة، كسكرات الموت، ونهش الديدان لجسد الإنسان الجميل، وحياة البرزخ، ثم أن الموت مرحلة يستعد فيها الإنسان للجنة أو النار.. لذلك فإن فكرة الموت مُرعبة للغاية. والمضحك أنك إذا طالعت الكتب وجدت أن بعض الأدباء والمشاهير يجعلون من الموت أمرًا سعيدًا فهم لا يهابونه، ويرددون أن الإنسان الشجاع يواجه الموت بسهولة.. ولكن من منهم جرب الموت ثم كتب عنه فيُؤكد لنا مايزعم؟

ولعلّ قصيدة مالك بن الريب من أصدق ما قالته العرب من الشعر لأن مالكًا أنشدها وهو يحتضر:
أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني   يقرُّ بعيني أن سهيل بدا ليا

فهو يخاف من وحشة الموت، ويأنسُ برؤية نجم سهيل الذي اعتاد رؤيته.. ويطلب من صاحبيه أن يبكيا عليه، وأن يزوراه، ونشعر في كامل القصيدة بخوفه من الموت بعيدًا عن أهله وقومه. ولكن لماذا يريد القرب منهم وهو يعلم أنه سيرحل وحيدًا فلا ينفعه قربهم إليه؟
ولأن الإنسان من النسيان، فهو يتناسى هذا الخوف لحد الإنكار ويُداريه حتى يتجذّر في اللاوعي، فيظهر له هذا الخوف بشكل أو بآخر. في كتاب إرنس بيكر “إنكار الموت” والذي كتبه قبل أن يموت بعام واحد ثم حصل بعد موته بشهرين على جائزة بوليتزر، يتحدث عن هذا الإنكار، فيدور كتابه حول فرضية أن التطور البشري الذي نشهده الآن ماهو إلا دليل على حيلة دفاعية نفسية يستخدمها الإنسان يُنكر بواسطتها الموت ويرغب من خلالها الخلود.

2761
فالعلوم والفنون الإنسانية كالموسيقى والآداب وحتى الحركات السياسية لم تتطور إلا لرغبة الإنسان في تخليد ذكراه من خلالها. ويخبرنا بيكر أن الناس يجعلون من الأشخاص الذين واجهوا الموت أبطالًا بل ويقدسونهم، فيسوع هو بطل في العقيدة المسيحية لأنه انتصر على الموت ورجع إلى الحياة. ويذكرني بذلك بالشهداء عند المسلمين، فهم أبطال أيضًا تحدّوا الموت ومازالوا أحياء عند ربهم يُرزقون.

ومن أشكال إنكار الموت وطلب الخلود هو التناسل، ويذكرنا بقول شوبنهاور “أن الإنسان يقهر الموت من خلال الإنجاب”. ولعل ذلك أيضًا أن يُذكّرنا بالسيناريو المتكرر عن الرجل الشرقي الذي يصر على إنجاب ذكر حتى يحمل-يُخلد- اسمه. ومن الطريف أن هذا الرجل لن يُذكر اسمه بعد جيلين في الأوراق الرسمية التي أصبحت تسأل فقط عن الاسم الرباعي وأحيانًا الثلاثي، وأن شوبنهاور خُلّد ذكراه على الأرض بلا ولد.

ومن أشكال التهرب من الموت والرغبة في الخلود بحثُ الإنسان عن معنى لحياته. فالكآبة في وجهة نظر بيكر ماهي إلا فقدان الإنسان للمعنى في هذه الحياة، فعندما يُصاب الشخص بالشيزوفرينيا – مرض الفصام- فهو يختلق واقعًا يُريده حتى يضيف معنى إلى حياته، فالمرض هذا ماهو إلا افتقاد الإنسان إلى حيلة نفسية دفاعية ضد الموت.
وعندما تُطالع الكتب وتتقلب بين آراء الناس تجد أن جميعهم يُشدد على أن يكون لحياتك معنى، وإلا ..فمن الأشرف لك أن تموت! يا لقسوة الإنسان على أخيه الإنسان! ألا يقولون أن بسبب اليأس وُلدت العدمية؟
لكن كيف نجد هذا المعنى المُنقذ؟ يذكر بيكر بأن الدين لا يُقدم للإنسان هذا المعنى، وكذلك الأمر بالنسبة للعلم، فهما قاصران على تقديم معنى حقيقي لحياة الإنسان، فيجب على الإنسان أن يبحث عن “أوهام” جديدة مُقنعة تُضيف معنى لحياته حتى يشعر بالبطولة التي تجعله يقهر خوفه من الموت.. لكنه لا يُفصح لنا عن ماذا يقصد بهذه الأوهام!

يحضرني كتاب فيكتور فرانكل “الإنسان يبحث عن المعنى” -والذي كان يتحدث فيه عن فترة إعتقاله في اوشفيتز وأصبح يُعالِج بالمعنى-يقول فيه بأن الإنسان لا يمكنه أن يجد المعنى في داخله أو في ذاته، لأن الإنسان مهما حاول أن يحقق ذاته فإنه يفشل في ذلك. ولكنه يمكنه أن يجد معنى لحياته في 3 أمور: – ويستشهد في ذلك بقول نيتشه “إن من عنده سببًا لأن يعيش من أجله، فإنه غالبًا يستطيع أن يتحمل في سبيله بأي شكل من الأشكال”-
1- من خلال عمل ما: وهو مقصد الحياة للكثير من الناس
2- من خلال تجربة يعيشها أو شخص يقابله (الحب)
3- من حالة يتوصل إليها من خلال المعاناة:

كأن يكون مريضًا بالسرطان، فهو يواجه مصيرًا لا يمكن تغييره “عندئذ يكون أمام الشخص فرصة أخيرة لتحقيق القيمة العليا، لتحقيق المعنى الأعمق وهو المعاناة.. فإذا قبل تحدي المعاناة بشجاعة، كان لحياته معنى حتى اللحظة الأخيرة”.

وعن الخوف من الموت والخلود، هنا مقطع فيديو-4 دقائق- يتحدث عن سيناريو عجيب.. لو أن هناك شخص خالد، فكيف ستكون حياته الأبدية بين الفانين من البشر؟

بيئتك: اليد الخفية في تحديد فرص نجاحك

هذه مقالة نُشرت في الهافنتغتون بوست عن دور البيئة المهم في تشكيل سلوك الإنسان، وأحببت أن أترجمها لكم
من الأسهل لنا أن ننسب الفشل إلى نقص في الإرادة أو الموهبة، وأن نعزو النجاح إلى العمل المتواصل والجهد والإصرار. لاشك في أن هذه الأمور مهمة، لكننا إذا أردنا أن نعرف كيف يتشكل سلوك الإنسان خلال فترة من الزمن سنكتشف أن الدوافع (وحتى الموهبة) مُبالغ في تقديرها. لأن البيئة تشكل أهمية أكبر في كثير من الأحوال.

دعوني أشارككم بمثال أدهشني:
تشكيل سلوك الإنسان: في كتابه الحاصل على جوائز “الأسلحة، الجراثيم، والفولاذ” يُشير العالم جارد دايموند إلى حقيقة واضحة: القارات المختلفة على الكرة الأرضية لها أشكال مختلفة. قد يبدو هذا الأمر من الوهلة الأولى غير مهمًا، لكنه في الحقيقة يحمل تأثيرًا عميقًا على سلوك الإنسان. كيف ذلك؟
على سبيل المثال، الشكل العام للقارتين الأمريكيتين هو الشمال والجنوب. هذا يعني أن الأرض الواسعة لشمال وجنوب أمريكا تميل لأن تكون ذات شكل طويل ونحيف (كما على الخريطة). ومثل ذلك بالنسبة لقارة أفريقيا، المحور الأساسي لشكلها على الخريطة هو من الشمال إلى الجنوب.
continent-orientation
لكن الأمر يختلف بالنسبة لأوروبا، وآسيا والشرق الأوسط. هذا التمدد الضخم من الأراضي يميل لأن يكون ذا شكل شرقي-غربي.
من المثير في الموضوع، أن شكل كل منطقة يلعب دورًا هامًا في سلوك الإنسان خلال القرون. فعندما بدأت الزراعة حول العالم بالإنتشار، كان أسهل على المزارعين التوسع من خلال طرق الشرق-الغرب أكثر من طرق الشمال-الجنوب، وذلك لأن مواقع الأراضي التي تقع على نفس خطوط العرض تشترك في نفس المناخ، وكميات الأمطار ومساحة التعرض للشمس، ولديها تغيرات مشابهة في الفصول. هذا الأمر سمح للمزارعين في أوروبا وآسيا بنقل بعض المحاصيل معهم وزراعتها خلال البقعة الواسعة من الأراضي من فرنسا إلى الصين.

لكن المناخ يختلف بشدة عندما تسافر من الشمال إلى الجنوب. فلتتخيل كيف يختلف الجو في فلوريدا عن كندا. العديد من المحاصيل التي تنمو بشكل ممتاز في الأجواء الدافئة لا تنمو في الأجواء الباردة. ومن أجل نشر المحاصيل بين الشمال والجنوب، يحتاج المزارعون إلى إيجاد نباتات جديدة محلية كلما تغير المناخ.

وكنتيجة لهذه الإختلافات البيئية، انتشرت الزراعة بشكل أسرع بضعفين أو ثلاثة أضعاف في آسيا وأوروبا عن القارتين الأمريكيتين. وكان لهذا الأمر أثر كبير خلال القرون، إذ أن الطعام المنتشر في أوروبا وآسيا سمح لعدد السكان فيها أن ينمو بشكل أسرع في هذه المنطقة. وبوجود عدد سكاني أكبر، كانت الحضارات الإنسانية في أوروبا وآسيا تستطيع أن تبني قوة عسكرية، وتطور تقنيات واختراعات جديدة.

هذه التغييرات بدأت صغيرة – بمحصول انتشر بسرعة أسهل، وعدد سكان ازداد بشكل أكبر- لكنها أصبحت مع مرور الوقت اختلافات جوهرية. وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى، إلا أننا نستطيع القول أن شكل القارات كان سببًا مهمًا في جعل الأوروبيين أكثر قوة، وفي استعمارهم لأمريكا الشمالية والجنوبية.

اليد الخفية:
البيئة هي اليد الخفية التي تشكل سلوك الإنسان. نميل إلى الإعتقاد بأن عاداتنا هي نتاج دوافعنا، مهاراتنا، ومجهوداتنا. بالطبع هذه الميزات مهمة، لكن المفاجأة أن البيئة حولك -خاصة بعد مرور وقت طويل- تسيطر على الصفات المميزة لشخصيتك.
تخيّل أنك تريد أن تزرع الطماطم في شتاء كندا، تستطيع أن تكون من أمهر المزارعين في العالم لكن هذا سوف لا يشكل أي فرق، إذ أن الثلج غذاء سيء للتربة.

ليس هناك دليل على أن المزارعين في أوروبا وآسيا كانوا أفضل أو لديهم دوافع أكبر من المزارعين في بقية العالم. لكنهم استطاعوا أن ينشروا الزراعة بشكل أسرع -بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف- عن بقية المزارعين. إذا أردت أن تزيد من فرص نجاحك، فلابد أن تعمل في بيئة تزيد من سرعة إنتاجك بدلًا من أن تعيقها.

كيف تخلق بيئة أفضل؟
1- اتخذ قرارات جيّدة
على سبيل المثال، شراؤك لأطباق أصغر يساعدك على خسارة الوزن لأنها تحمل كميات أقل من الطعام. هناك دراسة من جامعة كورنل تقول بأن الناس يأكلون الطعام بشكل أقل بحوالي 22٪ عندما يستبدلون أطباقهم -ذات 12 إنشًا- بأطباق أصغر، 10 إنشات.
وبشكل مشابه، فإن التطبيقات التي تحظر|تقلل من استخدامك لوسائل الشبكات الإجتماعية قد تساعدك في التغلب على تسويفك للمهام.

2- اجعل عاداتك الجيدة تسير مع تيار نظامك اليومي
قبل أعوام قليلة، قامت شركة “بت سمارت” بتغيير إجراءات إنهاء عملية الشراء. فبعد أن يمرر العميل بطاقته الإئتمانية، تظهر شاشة تسأله إذا ماكان يريد أن يتبرع من أجل “إنقاذ الحيوانات المشردة”. بفضل هذه الإستراتيجية، ارتفعت تبرعات بت سمارت إلى 40 مليون دولار أمريكي في السنة.

تستطيع أن تطبق استراتيجية شبيهة بأن تخلق بيئة تلائم فيها عاداتك اليومية مع سلوكيات مفيدة. على سبيل المثال، إذا أردت أن تتمرن على آلة موسيقية، ضعها في منتصف غرفة الجلوس. تستطيع أن ترتاد النادي الرياضي إذا كان يقع على الطريق المؤدي من العمل لمنزلك بشكل أكبر من إذا كان يبعد عن منزلك ب5 دقائق فقط. اجعل عاداتك تسير مع نظام يومك.

3- اطرح التأثيرات السلبية جانبًا
لم يكن لدى المزارعين القدماء الفرصة لأن يتغلبوا فيها على العقبات، لكنك تستطيع. على سبيل المثال، قام مصنع ياباني للتلفزيونات بإعادة تنظيم مساحات أماكن العمل للحفاظ على وقت الموظفين وذلك بإزالة الأشياء التي تعيق تحركاتهم وتعيق وصولهم إلى الأدوات خلال عملهم.
تستطيع أن تتجنب الطعام غير الصحي وذلك بوضعه في أماكن غير ظاهرة وذلك لأن الطعام الذي يكون متوفرًا أمام الأعين على الدوام ينال فرصة أكبر في شرائه وتناوله.

حظ البيئة:
نًسرع في إلقاء اللوم على بيئتنا عندما نفشل. إذا خسرت وظيفتك، فذلك لأن الأوضاع الإقتصادية متردية. إذا خسرت في مسابقة، هذا بسبب أن التحكيم سيء. إذا كنت متأخرًا عن العمل، فذلك بسبب أن الشوارع مزدحمة.
لكننا عندما ننتصر، فإننا نتجاهل البيئة تمامًا. حينها، إذا حصلت على وظيفة، فهذا بسبب أنك موهوب ومحبوب. إذا فزت في مسابقة، فهذا لأنك تلعب بشكل أفضل. إذا وصلت إلى اجتماع مبكرًا، فذلك لأنك شخص نظامي.

من المهم أن نتذكر بأن البيئة هي من يقود سلوكنا الجيد والسيء. الأشخاص الذين اكتسبوا عادات جيّدة يستفيدون من البيئة بشكل أفضل، والأشخاص الذين يكافحون من أجل النجاح هم أيضًا يقاتلون في حرب ضد البيئة. ما يبدو للجميع أنه نقص في الإرادة هو في الواقع بيئة سيئة.

الحياة مثل مسابقة، إذا أردت أن تضمن حصولك على نتائج أفضل خلال فترة من الزمن، فإن أفضل طريقة لذلك أن تلعب في البيئة المناسبة لك. الفائزون ينتصرون بسبب أن بيئتهم جعلت الفوز أسهل.