كان غير شكلِ الليمون – تدوينة في حب الليمون

اعتادت عائلتي على استخدام ليمون ”بن زهير“ الأخضر كدواء لكل داء. ”إنه أفضل من المضاد الحيوي“ كما تقول أمي.

هل تشعر نجلاء الصغيرة بألم في حلقها؟ ستشرب عصير الليمون بن زهير الدافيء المخلوط مع العسل والمكونات السرية. هل عطست نجلاء الصغيرة؟  بضع قطرات من بن زهير على الريق كافية بحل الأمر. هل ظهر حب الشباب على وجهها؟ سنفرك بن زهير على الحبوب حتى تُفقع. ولأهميته الصحية، كثيرًا ما شربناه مع طعام الغداء عصيرًا مخلوطًا مع النعناع المديني، ونهرع إلى شربه سريعًا حتى لا يصبح طعمه مُرا.

كانت لدينا شجرة بن زهير كبيرة وكريمة تتوسط حديقة منزلنا وكأننا نصرح علانية بأننا مدينون لهذه الشجرة. لا نبتاع من الليمون إلا ليمون بن زهير فقط. أذكر أنني تعجبت من رؤية الليمون الأصفر عند أحد أقاربي، وتمنيت أننا لو نشتري منه فهو أجمل شكلًا وأسر للعين بلونه وامتلاءه من الأخضر الصغير. كانت عمتي رحمها الله تُجيد إعداد مخلل الليمون وإهداء برطمانات منه إلى العائلة، وكان طعمه مميزًا ورائعًا عندما نتناوله مع البف المديني أو نضيفه إلى شوربة الحب. 

كبرتُ وتعلق قلبي بعائلة الليمون، لكنني خلال فترة الغربة لم أجد ليمون بن زهير إلا نسخة كبيرة منه وهو ما يُدعى بالإنجليزية ”لايم“ ويستخدمه المكسيكيون في أطباقهم، ولا يمُتّ لبن زهير إلا بلونه، بل إنه قاسي عند الضغط وشحيح العصير. اشتريتُ شجرة ليمون صغيرة ووضعتها بداخل شقتي أمام النافذة لعلها تذكرني بشجرة بن زهير في المدينة لكنها لم تصمد طويلًا أمام شمس مونتريال الباردة.

تعرفتُ في مونتريال على مقهى جميل يُقدّم أطباقًا ومشروبات فارسية، ومنها عصير الليمون الدافئ الذي كانت تعده أمي مع وصفتها السرية. علمتُ أن تسمية ”بن زهير“ هي في الأصل فارسية تعني ”المضاد للسم“. إذن كانت أمي محقة، فهو أفضل من المضاد الحيوي!

تعلمتُ أن أهل الأحساء يفتخرون بالليمون الحساوي لديهم- اللومي أو بن زهير- ويقطفونه مع موسم الخلاص. بل شاهدتُ فيديوهات ممتعة على تيك توك يستعرضون فيها طريقة تحضريهم لليمون وتعبئته في زجاجات الفيمتو ثم وضعها أمام الشمس للتعتيق، ويستخدمونه لاحقًا مع الحساء أو الإيدامات، والمُلك لله.

سافرتُ إلى ساحل أمالفي أرض الليمون في إيطاليا، واندهشتُ للغاية من رائحة الليمون المنعشة في كل مكان. كنت أعيش في الأحلام وأنا أشاهد شجر الليمون في كل مكان، وكنت في قمة سعادتي عندما تناولتُ طعام الغداء تحت أشجار الليمون في كابري. أترككم مع الصور:

 

هنا طبق من الباستا المعدة بالليمون، وآيسكريم بالليمون بداخل الليمون. 

مخرج:

فرشاة أسنان سيمون دو بوفوار – عن القشة التي تقصم ظهر بعيرك

Isabella Conti

Isabella Conti


في مذكراتها (مذكرات فتاة رصينة) كانت سيمون دو بوفوار تتحدث عن قسوة تعامل أمها معها منذ الطفولة، وأنها كانت تنهاها وتنهرها بشكل دائم. وفي يوم من الأيام بعد أن أمضت بوفوار أيامًا جميلة في مولان هي وأختها برفقة صديقتهما، عادت إلى البيت لتكتشف بأنها قد نسيت فرشاة أسنانها:

”لقد نسينا في مولان فرشاة أسنان، فاغتاظت أمي وأخذت تصرخ. وبدا لي أني لن أطيق هذا الجو الذي عدتُ إليه بعد هذه الأيام الصافية التي قضيناها هناك. وأسندتُ رأسي إلى الطاولة وأخذتُ أبكي، فقلدتني أختي.. وزاد غيظ أمي وأبي فقالا:
 شيء جميل أن تنخرطا في البكاء فور وصولكما!

والحق أن جميع الدموع التي تجمعت في مآقيّ طوال أشهر وأسابيع بسبب التوبيخ والعقاب والصراخ كانت آنذاك تخنقني“.


إن بكاء بوفوار على نسيانها لفرشاة أسنانها قد كان القشة التي قصمت ظهر البعير. كلنا لدينا بعير نرمي عليه أثقالنا غير آبهين حتى يأتي اليوم الذي تُثقل عليه قشة صغيرة رميناها عليه ويسقط على الأرض. فهل هناك قشة قد قصمت ظهر بعيرك؟

هنا بعض الكلمات، من المسلّمات التي نعرفها جميعًا لكنها للتذكير:

١- لا تراكم القش من الأساس: إن القشة الأولى لا وزن لها وتكاد تكون غير مرئية، لكنك سمحت بحملها على ظهر بعيرك. وبما أنك قد سمحت بالقشة الأولى، فسوف تسمح للثانية والثالثة.. وسوف تتجاهل تكوم القش لأنه خفيف الوزن من الأساس ولأنك مشغول للغاية بأمور أخرى ”أكثر أهمية“. لكنك في مرحلة ما ستُدرك أن هناك أكوامًا من القش قد تراكمت وستقلق قليلًا لكنك سوف ترجو أن ظهر البعير له القدرة على التحمل، وستواصل التغافل لأنك قد اعتدت على ذلك. بعدها ستأتي القشة الصغيرة الخفيفة التي ستخل التوازن ويسقط البعير وسترى الآخرين يشيرون إليك ببنانهم ويقولون ”ألهذه القشة التافهة قد صرخت\استقلت من عملك\انفصلت عن الآخر“؟

٢- تحدث عما يضايقك وضع حدودًا: إن الكثير من مشاكلنا قد تحدث بسبب سوء تواصلنا مع الآخرين وسوء تواصل الآخرين معنا (الآخرون هم الجحيم؟) ولذلك فإن مهارات التواصل مهمة للغاية في مجتمع قوامه الجماعة. إذا ضايقك شخص ما بكلمة أو فعل، لمّح إليه بلطف أن هذا الأمر قد ضايقك. إذا لم يكن لبيبًا ولم يفهم الإشارة وتكرر الأمر مرة أخرى، اسأله مباشرة لماذا تسأل كذا أو لماذا تفعل ذلك. لماذا نخبر الآخرين بشكل مباشر عندما تُسعدنا أفعالهم ونبحث عن شخص آخر نُحدثه عمّا ضايقنا منهم؟
سيتفاجئ الذي ضايقك من سؤالك المباشر وسيتفكر في الأمر حتى وإن لم يعتذر وتظاهر بالضحك. كثير من الأشخاص لا يُدركون أن فعلهم هذا كان له وقع سلبي على الآخر، لا يمتلكون مهارات التعاطف. إن الحدود المُبهمة وغير الواضحة تُسهل عليهم اختراقها وبالتالي إزعاجك مرارًا وتكرارًا حتى يسقط البعير.

٤- الاعتراف بوجود مشكلة: إن أول طريق إلى حل المشكلة هو الاعتراف بوجودها في الأساس. إذا كنت متضايقًا من أمر ما، لا تتجاهله. إن عقلك الباطني يُخبرك بوجود مشكلة ولكنك تتجاهل العلامات. قد تظهر المشكلة قبل نومك من خلال الأرق، أو في خلال نومك على شكل أحاديث نفس، أو بعد استيقاظك على شكل ضيقة صدر. إذا ضايقك موقف ما، فكّر جيدًا لماذا ضايقك؟ قد تجد جذورًا لهذا الشعور، وقد يكون هناك قش متراكم وبعيرٌ ينتظر النجدة. إحداهن كانت تُدوّن شعورها بالضيق في كل مرة تتضايق فيها بشكل مفاجئ وتكتب الوقت والحدث الذي صار بعده هذا الشعور، اكتشفت بعد ذلك أن هناك شعورًا قديمًا دفنته ويظهر رأسه في كل مرة يحصل فيها موقف معين بسيط.

٥- لا تدع الآخرين يستغلونك: إن ديننا الحنيف قد بيّن لنا فضل مساعدة الآخرين في أكثر من موضع، وأخلاقنا العربية تحث على مساعدة الغير. لكن هناك شعرة رقيقة بين مساعدة الآخرين والسماح لهم باستغلالنا. لذلك رتّب أولوياتك، مَن أحق الناس بمساعدتك وبوقتك ومجهودك؟ القاعدة تنادي بأن الأقربين هم أولى بالمعروف. من هم المقربون إليك؟ هل يستحق شخص لم تره إلا ٤ مرات في حياتك أن تقدم له مجهودًا في الوقت الذي ينتظر فيه طفلك بفارغ الصبر أن تلعب معه؟

٦- الصبر والتحمّل: إن الصبر والتحمل يكونا في أمور حدثت خارج إرادتنا. لذلك من الضروري أن نحدد أولًا ما الذي يقع داخل دائرة السيطرة وما الذي يقع خارجها. إن العائلة والأمراض وحوادث السيارات والكوارث الطبيعية هي أمور قُدّرت أن تكون خارج سيطرتنا، لكن اختيار الدراسة والعمل وشركاء الحياة والرفقة أمور قليلة نكون فيها مُخيرين نستطيع التحكم بها والاجتهاد فيها وتحديد نطاق الصبر فيها. تصبر على شخص كبير في العائلة وتحتسب الأجر، لكنك من المفترض أن لا تصبر على زميل لك في العمل يضايقك بكلامه. كذلك تصبر على مرض ألمّ بك، لكنك لا يجب عليك أن تتحمل وظيفة لا تتطور فيها. من الضروري أيضًا أن نفهم أن الاجتهاد والأخذ بالأسباب يتماشيا جنبًا إلى جنب مع الصبر والتحمّل.

والآن ماذا عنكم؟ كيف خففتم الحمل من على بعيركم؟
شاركونا بنصائح وكلمات قد تكون منطقية لكم ولكنها ليست كذلك لبعضنا.

قصة الشتاء

11
في الصف الرابع الإبتدائي، سألتنا مدرسة اللغة العربية عن أمنياتنا. تراوحت الأمنيات ما بين الألعاب والتطلعات المستقبلية. أما نجلاء الصغيرة فقالت أنها تتمنى أن ترى الثلج يتساقط وتمسكه بيدها. أخفت مدرسة اللغة العربية ضحكتها على هذه الأمنية بلطف. تمر السنوات وتعيشُ نجلاء سنوات طويلة في مدن يتساقط فيها الثلج بكثافة، نهاية سعيدة؟

أكتبُ هذه التدوينة خلال شتاء الرياض وأنا سعيدة بالأمطار والجو البارد. أحبُ فصل الشتاء كثيرًا لأنني أستطيع أن أمشي بالخارج دون اتقاء لهيب أشعة الشمس. السُحب ضيف عزيز علينا، وثقيل على الأجانب. وفي هذا أذكر بطوط عندما كان يستيقظ فرحًا من النوم ويقول ”اليوم مشمس!“ وأتعجب. لم أدرك هذا المعنى إلا عندما عشتُ بالخارج. أما نحن هنا فنقول ”السماء مُلبّدة بالغيوم!“ ونستبشر بالأمطار

وأحبُّ ما يكونُ إلى العربِ الغيثُ، فلهذا يتذكرون به الأحبابَ، ويحنّون عنده إلى الأوطان، ويتمنونه حتى لرممهم وأمواتهم، وإن كان لا يُسمنهم ولا يُغنيهم من جوع، غير أنهم يحبون لهم ما يحبون لأنفسهم، وذلك بهم غاية الأماني. وقد قال شاعرهم


وَمَا السُّقْيَا لِتَبْلُغَهُ وَلَكِنْ .. أُحِسُّ لَهَا بَرَاداً فِيْ فُؤَادِيْ

هل لنا طقوس في فصل الشتاء؟

لدى الأوروبيين تصنيف للروايات الطويلة باسم روايات المدفأة، وهذا يعني في غياب الأنشطة والُملهيات الخارجية في ذلك الوقت كان البعض يختار روايات طويلة يقرأها في فصل الشتاء أمام المدفأة. كذلك يزينون الشوارع لديهم استعدادًا للكريسمس (متعة بصرية)، وتسمع دندنة الأغاني المخصصة لها في كل المحلات (متعة سمعية)، وتشم رائحة كعك الزنجبيل (متعة شمية) ويتناولون الكوكيز واللحم الرومي (متعة تذوقية).ه

أما العرب فيستعدون لفصل الشتاء ويعدون له العدة، وفي هذا يتحسّر ابن الرومي بقوله ”جاء الشتاء ولم يعدد أخوك له..“.
نُفرز الملابس ونرفع القطع الصيفية عن ناظرنا، ونُجهز الشتوية ذات الأكمام الطويلة والخامة الثقيلة والفرو والبطانيات الدافئة. نجتمع حول الحطب (متعة حسية وشمية)، ونشرب السحلب والشاي العدني والشوكولاتة الساخنة والحليب بالزنجبيل ونأكل القشد والكستناء والفقع (متعة تذوقية)، والبعضُ يستمع إلى أنشودة المطر (متعة سمعية)

ومنذُ أن كُنّا صغارًا، كانت السماءُ تغيمُ في الشتاء.. ويهطلُ المطر

لكن بعيدًا عن شاعرية المتع الحسية، من الملاحظ أن قسوة الشتاء لدى الأجانب كقسوة الصيف لدينا، فمن الطبيعي أن يكسو التشكي من الشتاء أدبهم وأغانيهم بأسلوب درامي. وإذا كانوا يقولون
you warmed my heart

أدفئتَ صدري، فإن تعبيرنا لهذه الجملة قد تُرجم إلى أثلجتَ صدري. انظر إلى فانتين في البؤساء وهي تقول


فصلٌ مريع! إن الشتاء يحول قلب المرء إلى حجر!ا



أو روستوف في الحرب والسلم عندما جاء الشتاء الروسي في الحرب وهو بعيدٌ عن منزله، نظر إلى حبات الثلج وهي تتساقط فوق الماء وتذكر الشتاء الروسي في منزله الدافئ مرتديًا معطف الفرو.. ثم تعجّب ”لماذا أنا هنا؟“؟

أما جورج آر آر مارتن مؤلف أغنية الجليد والنار والتي تحوّلت إلى مسلسل قيم أوف ثرونز، فكان يحذّر بشكل درامي من أن الشتاء قادم. والشاعر الفرنسي تشارل بودلير كان يعتزل الناس ويكتب

عندما يضع الشتاء وجهه العجوز أمام النافذة، سوف أغلق كل النوافذ، وأقفل الستائر، وأبني قصوري من ضوء الشموع.ا

أما نحنُ فيقول عبدالمجيد عبدالله: حيّ الشتا وحيّ ما جابه، ويرقص الناس عليها وكأنها طقس من طقوس الترحيب بالشتاء.ه

مخرج:
قصة المعطف لغوغول
بودرة الشوكولاتة لمشروب شوكولاتة ساخنة من نوماد
أغنية Let it Snow: Dean Martin

هل تحلمون من خلال النظر إلى خارج النافذة؟ – تدوينة عن الشبابيك 

Monica Garwood

كانت العرب تُرسل أبنائها إلى البادية، وقد اختلفت الآراء حول سبب إرسالهم بعيدًا عن أمهاتهم، فمنهم من يقول حتى يستقيم لسان الطفل ويصبح فصيح اللسان، وهذا يبدو غير صحيحًا لأن قريش هي أفصح العرب بنزول القرآن على لهجتهم. ومنهم من يقول حتى ينشئ الأطفال على الشجاعة والنشاط والقوة البدنية خارج المدن وأمراضها. تعددت الآراء، أما الرأي الذي توقفتُ عنده طويلًا فهو أن البادية ليست مكتظة بالعمار، وهي صحراء ممتدة تجعل المرء ينظر بعيدًا حتى تتسع مداركه دون أن يتوقف نظره عند جدران المباني، وأنّى للأفكار أن تُستلهم بالنظر إلى الجدران؟

كانت غرفتي في المدينة تُطل على شارع الملك عبدالعزيز ذو عرض ٦٠ مترًا، فنشئت نجلاء الصغيرة على أصوات الحركة المرورية المستمرة حتى ظنت أن هذا هو الأصل عند النوافذ.


وعندما سافرتُ إلى الخارج، كنتُ محظوظة إذ كان مطل منزلي في شيكاغو على وسط المدينة وبرج سيرز تاور، وفي مونتريال كانت الشبابيك الواسعة تطل على جبل مونت رويال.

انتقلتُ بعد سنوات إلى الرياض، وحرصتُ على أن تكون الشبابيك كبيرة وذات مطل أتأمل فيه كما تتأمل روبنزل من نافذتها منتظرة الإنقاذ. دخلتُ بيوتًا كثيرة معروضة للإيجار من أجل اختيار البيت ”الأكثر مثالية“ وكان بعضها مرتبًا لكني كنت أرفضها رفضًا قاطعًا من أول نظرة على الشبابيك، لأن بعضها كان إما صغيرًا مُهملًا أو مُطلًا على ”المنور“. كنتُ أحس بالضيق -وأنا مجرد زائرة- وكأني بداخل علبة تونة، كما أحس بالضيق عندما أركب سيارة ذات نوافذ مظللة بالسواد. توفقتُ بعدها في الحصول على شقة تطل على دوّار تفحط فيه السيارات وكأنني استعدتُ شيئًا من ذكريات الطفولة.


إذا كانت غرفة واحدة قادرة على تغيير مشاعرنا، وإذا كان ممكنا أن تتوقف سعادتنا على لون الجدران أو شكل الأرض، فماذا يحدث لنا في أكثر الأماكن التي نجد أنفسنا مضطرين إلى الإقامة فيها أو النظر إليها؟ وما الذي نعيشه في بيت له نوافذ أشبه بنوافذ سجن وأرض مبقعة وستائر بلاستيكية؟ – الآن دو بوتون، عمارة السعادة

وكما أحب تأمل الأبواب، أحب أيضًا تأمل نوافذ البيوت. وأجد نفسي أشفق على أهل بيت ذو شبابيك ضئيلة. يقولُ جفري كبنس وهو ناقد معماري كان أستاذًا في هارفرد، وله مادة في برنستون يُدرّس فيها عن النوافذ ”إن النوافذ تحمل فلسفة وجودية وليست مجرد وظيفة معمارية.. هل تعلم لماذا تكون النوافذ والأبواب ضخمة في الكاتدرائيات؟ أنت تترك العالم الاعتيادي وتدخل عالم الرب، فتشعر بأنك صغير للغاية، وهذا هو سبب ضخامتها“. هل هذا يعني أن الشبابيك الضخمة في غير الكاتدرائيات قد تُشعرنا بأننا في عالم الرب ولذلك نشعر بالراحة؟

إذن للنوافذ فلسفة وجودية كما لها وظيفة معمارية، هي تسمح للهواء وضوء الشمس بدخول المنزل، كذلك هي نافذة لنا للعالم الخارجي كما كانت تعتمد عليها ”أمينة“ في ثلاثية نجيب محفوظ، إذ أنها لا تخرج إلى الشارع، ولا تعرف ما يجول فيه إلا من خلال النظر إلى نافذتها. وقد تكون النافذة منفذًا للأحزان كما فعل أدهم في أولاد حارتنا عندما ”حوّل رأسه إلى النافذة فخيّل إليه أن سكان ذلك النجم اللامع سعداء لبُعدهم عن هذا البيت“. أو قد تكون النافذة منفذًا للعشاق، كما في ”جولييت“ شكسبير أو ”إما“ مدام بوفاري، أو ”ماريوس“ في البؤساء عندما كان يقرأ متكئًا إلى النافذة المفتوحة. وكما يقول العشاق في الفلكلور اللبناني”ومن الشباك لرميك حالي”.

وبذكر الأدباء، فقد تأثر فلوبير حتمًا بالنوافذ، إذ كانت غرفته التي يكتب فيها رواياته لديها ٦ نوافذ تطل على الحديقة وعلى نهر السين! وكانت فرجينيا وولف تكتب بجانب نافذة كبيرة مطلة على الحديقة. أما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فكان يتعبدُ في غار حراء وهو مكان مرتفع – ٦٣٦ مترًا!- بعيد عن الناس له فتحة كالنافذة تُطل على الكعبة. 

”إن الفائدة من التحديق خارج النافذة لا تكمنُ في اكتشاف ما يحدث بالخارج، ولكن بالأحرى لاكتشاف محتويات أذهاننا. من السهل أن نتخيل أننا نعرف ما نفكر به وأننا ندرك ما نشعر به وما يدور في أذهاننا، لكننا نادرًا ما نعرف ذلك. هناك مقدار ضخم من الأمور التي تجعلنا ما نحنُ عليه والذي يمتد بشكل غير مُكتشف وغير مستخدم وتكون إمكانياته غير مستغلة. هذا المقدار الضخم خجول ولا يظهر تحت ضغط الاستطلاع المباشر. إن التحديق خارج النافذة يقدم لنا طريقة لأن نكون متيقظين إلى الإيحاءات والانطباعات الأكثر هدوءًا لذواتنا العميقة. قدّم أفلاطون استعارة للعقل: إن أفكارنا مثل الطيور التي ترفرف في أقفاص عقولنا، ومن أجل أن تستقر هذه الطيور، فهم أفلاطون أننا بحاجة إلى أوقات فراغ هادئة. والتحديق خارج النافذة يقدّم هذه الفرصة“.

مخرج:
أغنية شبابيك لفايا يونان
تدوينةالأبواب

وما الخوفُ إلا ما تخوّفه الفتى: تدوينة عن الخوف

 

The Scream by Edvard Munch


يقال أن الإنسان يُولد ولديه خوف من أمرين فقط: الخوف من الصوت العالي، والخوف من السقوط، وكل خوفٍ بعد ذلك مُكتسب من بيئته.

في طفولتي كنت أخافُ من الظلام كثيرًا، لا أعلم كيف تكوّن هذا الخوف لديّ لكن من المؤكد أن القصص التي كنا نسمعها أو نرويها لبعضنا كأطفال في آخر الليل عن الجن والكائنات غير المرئية هي التي زرعت هذا الخوف في قلبي. كنت أعتقد دائمًا بأن هناك كائن ما ينتظرني في الظلام بتعابير وجهه المخيفة. أذكر جيدًا الأيام التي هربت فيها من سريري متجهة نحو أمي التي اعتادت أن تجدني نائمة تحتها عندما تستيقظ فجرًا. لكن نجلاء الصغيرة أيقنت بطريقة ما أن التغلب على الخوف يكمُن في مواجهته. فماذا فَعلَت؟ 
ذات يوم، وعندما استيقظَت هلعًا من النوم في منتصف الليل نزلت بمفردها إلى الدور السُفلي حيث الصوالين الواسعة الغارقة في الظلام الدامس. كانت تجربة رهيبة، دارت على الدور كله وهي تُضيء الأنوار لتُؤكد لنفسها أن لا أحد هناك. كررَت هذه التجربة يومًا بعد يوم حتى تلاشى خوفها من الظلام. أصبحت نجلاء الصغيرة أكثر حكمة، ألم يقل برتراند رسل ”بداية الحكمة أن تهزم الخوف“؟



الخوف تجربة نفسية أليمة، لذلك أهل الجنة (لا خوفٌ عليهم..)

كبرتُ قليلًا، وعندما حان الوقت لمشاركة المناسبات التي يجتمع فيها الكبار كنت دائمًا فيها الشخص الأصغر. وبما أن أصغر القوم خادمهم، ومبادرة مني تكريمًا للمديح الذي وصلني من أول القادمين بقولهم ”آه كم كبرتِ“، تطوعتُ للمرة الأولى لصب القهوة وليتني لم أفعل. كانت دلة أهلي المُذهّبة ثقيلة للغاية، ومن أجل أن أصب القهوة كان عليّ أن أرفع الغطاء قليلًا بالضغط على قطعة خلف الغطاء باصبعي أثناء الصب لترتفع إلى أعلى وبالتالي تُفتح كالفم – وليس بضغطة زر كما هو حال الدلال اليوم أو بإدارة الغطاء قليلًا لفتحه-، وبالتالي نتج عن ذلك سكب القهوة على يدي. 
اعتذرتُ بأن الدلة بها عيب ولم تكن حرارة القهوة بأشد من حرارة الخجل التي كنتُ أشعر به. حاولتُ للمرة الثانية أن أصب القهوة لكن النتيجة أيضًا باءت بالفشل. وهكذا أصبح لديّ خوف جديد: صب القهوة أمام الناس.
 أصبحتُ لا أحب الولائم أو التجمعات التي كانوا يُقيموها أهلي في منزلنا لأنني كنتُ الفرد الأصغر، وهذا يعني أنه يتحتم عليّ أن أساعد أمي في خدمة الجميع واضطر إلى تقديم القهوة. ومع حبي للناس، كنتُ أشعر بالضيق في اليوم الذي يُعلن فيه عن قدوم ضيفٍ جديد، ولكنني أشعر بالخفة عندما ننتقل إلى تقديم طعام العشاء ثم الشاي. إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه نجلاء المراهقة تقليد نجلاء الصغيرة بتجربة الحل الوحيد: مواجهة الخوف.

عندما قرر والدايّ إقامة طعام العشاء، ذهبتُ يومها إلى مطبخ الضيوف وتفحصتُ جميع الدلال الموجودة لأول مرة بعيدًا عن الدلة المشؤومة. هذه دلة جميلة فيها زر دائري كبير اضغط عليه ثم تخرج القهوة ..ببساطة. هكذا إذن! يا الله .. الدنيا بها حلول كثيرة لم نكن نتخيل بوجودها.. بالطبع لم أكن سأعرف هذا الحل لولا أنني لم أواجه المشكلة التي أجهل تفاصيلها، والإنسان دائمًا عدو ما يجهل.

كيف هي تجاربكم مع الخوف؟ يُقال أنكم تستطيعون التعرف على ذواتكم من خلال معرفة ما يخفيكم في هذه الحياة. أغلب الأمور التي نخافها نُدرك لاحقًا أو في مرحلة متأخرة مع الأسف أننا عظّمنا من شأنها.

”كانت لديّ الكثير من المخاوف في حياتي، معظمها لم تحدث“ -مارك توين 


هل واجهتهم مخاوفكم؟ وجدتُ بعض النصائح العملية من تيم فيريس قد تساعدكم في مواجهة الخوف خاصة في اتخاذ القرارات:

١- حدد كابوسك: حدد أسوأ أمر قد يحصل لك عندما تفعل ما تخافه. ما هي الشكوك والمخاوف والأمور التي ”قد“ تحدث عندما ترغب في اتخاذ قرار ما أو تغيير كبير؟ تصوّر ذلك في تفاصيل دقيقة ومؤلمة.
هل سيكون ذلك نهاية حياتك؟ 
ترى ما هو التغير الدائم الذي سيحدث، إذا كان هناك تغير أصلًا، على مقياس من ١ على ١٠؟

هل هذه الأمور المتغيرة هي حقًا دائمة؟
ما هي احتمالية حدوثها في نظرك؟

٢- ما هي الخطوات التي من الممكن أن تتخذها لإصلاح الضرر أو لإرجاع الأمور إلى نصابها حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت؟ 
إن الفرص أسهل مما تتوقع. كيف تستطيع أن تُعيد الأمور لتكون تحت السيطرة مرة أخرى؟

٣- ما هي النتائج أو الفوائد الدائمة والمؤقتة من السيناريوهات المتوقعة؟ أنت الآن قد حدّدت الكابوس، فما هي النتائج الإيجابية التي تحمل احتمالية عالية لوقوعها؟ سواء كانت النتائج داخلية (الثقة، أو تقدير الذات..الخ) أو خارجية. ما هو التأثير المتوقع الذي يمكن أن يحدث على مقياس من ١ على ١٠؟ كم هي احتمالية إنتاجك لنتيجة إيجابية؟ هل استطاع الآخرون الأقل ذكاء منك أن يفعلوه وينجحوا في ذلك؟

٤- إذا طُردت من عملك اليوم، ما الذي تستطيع أن تفعله لتجعل الأمور تحت السيطرة المادية؟ تخيّل هذا السيناريو واطّلع على الأسئلة الثلاثة السابقة. إذا استقلت من عملك لاختبار الخيارات الأخرى، كيف ستعود إلى طريقك المهني إذا وجب عليك ذلك؟

٥- ما الذي تؤجله بسبب الخوف؟ في العادة، الأمور التي نخاف أن نفعلها هي الأمور التي نحتاج أن نفعلها. تلك المكالمة الهاتفية، أو ذلك الحوار، أو غيرها من الأمور. إن الخوف من النتائج المجهولة هو ما يمنعنا من فعل ما نحتاج أن نفعله. حدد أسوأ حالة من الممكن أن تحدث لك وتقبّلها ثم افعلها. سوف أكرر عليك أمرًا تحتاج أن تُوشمه على جبينك: 
ما نخاف أن نفعله هو في العادة ما نحتاج أن نفعله.

وكما قيل إن نجاح المرء في الحياة يمكن أن يُقاس بعدد الحوارات غير المريحة التي يرغب في إجرائها. خطط في كل يوم أن تجرب أمرًا واحدًا تهابه. اكتسبتُ هذه العادة من خلال محاولتي في التواصل مع المشهورين في الأعمال وغيرهم لأجل أن اسألهم عن نصيحة يقدموها إليّ.

٦- ما الذي سيكلفك – ماديًا وعاطفيًا وجسديًا- إذا أجّلت العمل؟ لا تُقيّم الجانب السيء من العمل فقط. من المهم أن تقيس الثمن السيء لعدم العمل. إذا لم تُكمل الأمور التي تُثيرك، فأين ستكون بعد سنة، أو ٥ سنوات، أو ١٠ سنوات؟ كيف ستشعر لأنك سمحت للظروف أن تسيطر عليك ولأنك سمحت لعشر سنوات من حياتك أن تمر وأنت تفعل أمرًا تعلم جيدًا أنه لن يحقق لك شيئًا؟ إذا نظرت إلى ١٠ سنوات من خلال التيليسكوب وتأكدت ١٠٠٪ بأن هذا الطريق هو طريقٌ للخيبة والندم، وإذا عرّفنا الخطر بأنه ”احتمالية حدوث نتائج سلبية لا رجعة فيها“، فإنه يمكننا القول بأن ”عدم الفعل“ هو الخطر الأعظم على الإطلاق.

٧- ما الذي تنتظره؟ إذا لم تستطع إجابة هذه السؤال فإن الإجابة هي بسيطة: أنت خائف، مثل بقية الأشخاص في العالم. قِس تكلفة عدم العمل، وحاول أن تستوعب عدم احتمالية وقابلية إصلاح الخطوات المتعثرة، وطوّر العادة الأكثر أهمية لهؤلاء الذي ينجحون ويستمتعون بالنجاح: الفعل.

مخرج:
الهلع من إغلاق البوابة: كلمة ألمانية، وتعني  الخوف الذي يشعر به المرء عندما يتقدم بالسن، عندما يشعر أن الوقت يمضي بسرعة وبالتالي تفوته فرص كثيرة.
– رواية الخوف لستيفان زفايغ
– تدوينة: الخوف من الجراثيم
– تدوينة: الخوف من أن لايحتاجنا أحد

 

 

 

 

 

 

 

 

الأبواب المفتوحة

Salvador Dalí

قرأتُ تعليقًا لمهتمة بالتصميم الداخلي اشترت بابًا خشبيًا فخمًا لأنها ترغب في تعليقه من باب الزينة في وسط صالون المنزل ليكون بديلًا عن ألواح الرخام واللوح الفنية. كنت أفكر ”وهل سيظل الباب مغلقًا للأبد؟ ألم تُوضع الأبواب لكي تُفتح؟“.

أحب تأمل الأبواب، وأستطيع أن أميز الأبواب القديمة في المدينة المنورة وجدة من مقابضها المائلة وطريقة تصميمها. لكن اهتمامنا بالأبواب المنزلية ضئيل مقارنة بالأبواب التي أشاهدها في الخارج، أبواب خشبية مزخرفة وقد تكون ملونة ومُطعمة بالزجاج وتبدو غاية في الجمال. والأبواب من متاع الحياة الدنيا التي ذكرها الله تعالى ”وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا.. وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا“.

يصنع الباب خصوصية وعزلة خاصة للمنزل عن بقية المنازل، أو عزلة للغرفة عن بقية الغرف. ففي مسخ كافكا، يُقفل على غريغور الباب ليجعله في عزلة فعلية عن أهله وعن الناس، كما فعلت إلسا في فيلم فروزن عندما اعتزلت مَن حولها حتى أختها التي كانت تطرق الباب مرارًا وتكرارًا ليعطي لنا مشهدًا حزينًا عن علاقة الأختين. أما امرأةُ العزيز فقد (غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) لتختلي بيوسف عليه السلام، ويُلاحظ أن بيتها كان فيه أبوابًا وليس بابًا أو اثنين مما يعني أنه كان قصرًا. وقد يرمز الخروج من الباب إلى الانتقال من حال إلى حال، كما شربت أليس في بلاد العجائب الإكسير السحري حتى تصغر وتخرج من الباب المتضائل الحجم، فتنتقل من حال الواقع إلى حال الخيال، على العكس من ترومان (جيم كاري في فيلم The Trueman Show) الذي خرج من الباب في آخر الفيلم لينتقل من الخيال إلى الواقع. وفي علم النفس، هناك مصطلح يُدعى بتأثير الباب، ويعني أن ذاكرة الشخص تقل عند خروجه من الباب عندما ينتقل من مكان إلى آخر، وهذا مايجعلنا أحيانًا نقف فجأة أثناء مشينا في المنزل وننسى أننا أردنا شرب كوب من الماء، لنتسائل: لماذا نحن هنا؟ 

أما فتح الباب فهو دائمًا ما يكون كناية عن الخير والرزق كقوله تعالى ”فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ“. وفي دعاية افتحوا الأبواب الكئيبة إعلان بانتهاء مرحلة كورونا والرجوع إلى الحياة العادية. وفي فتح الباب قال شاعر تويتر:

سيفتح اللهُ بابًا كنت تحسبه .. من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاحِ 

ولذلك نقول عن شخص لا نعرفه أنه خلوق إذا كان أمامنا وأمسك لنا الباب ليظل مفتوحًا. أما في غلق الأبواب غلق للشر، ففي الحديث (إن الشيطان لا يفتحُ بابًا مغلقًا)، وهذا يذكرني بالحوار الذي دار مع شيطان فاوست لغوته:

– الشيطان مفستوفليس: أتسمح لي هذه المرة بالذهاب؟
– فاوست: هذا هو الشباك، وهذا هو الباب.
– مفستوفليس: يمنعني من الخروج عقبة صغيرة. هذه النجمة المخمسة على عتبتك. (تستخدم في التعوذ من السحر والجنيات) 
ـ فاوست: إذن قد صرت سجينًا عندي؟ هذه فرصة طيبة!

ـ مفستوفليس: إن الشيطان لا يستطيع أن يخرج من البيت.
ـ فاوست: لكن لماذا لاتخرج من الشباك؟
-مفستوفليس: إنه لقانون عند الشياطين والأشباح يقضي عليهم بأنهم من حيث دخلوا، فعليهم بالضرورة أن يخرجوا. لقد دخلتُ من الباب، ولابد أن أخرج من الباب.

 

وكانت المرأة في الجاهلية إذا أرادت تطليق زوجها غيّرت باب منزلها للجهة المقابلة، فإذا أتى زوجها ورأى الباب وقد تغيّر مكانه أدرك أنها قد طلقته. وللعرب أخلاقهم، فلا يدخل الشخص على آخر قبل طرق الباب والاستئذان وإن كانت أمه، وقد زجر أبو جهل من اقترح عليه أن يكسر باب الرسول صلى الله عليه وسلم عنوة فقال ”والله إنها لسُبة في العرب..“، ويسمون صوت الباب صريرًا.

أما الباب الأشهر فهو باب الكعبة المشرفة والذي يقع في الجزء الشرقي منها. وهذا ما يذكرني بقول إحداهن إن واجهة المنزل-والذي فيه بابه- ينبغي أن تكون شرقية!  

هل تذكرون جيدًا كيف كان شكل باب منزلكم في الطفولة؟ أو أبواب الغرف؟ هذا باب غرفتي يشبه الباب الذي رسمه سلفادور دالي والذي وضعته في بداية التدوينة:

 

مخرج:
– أغنية أحبها لفايزة أحمد – يامّه القمر على الباب 🎶
ما أحلى الرجوع إليه – تدوينة 

مجلات ميكي وماجد

 

”يمكننا القول إن تزجية أوقات الفراغ في الطفولة السعيدة تتلخص في قراءة مجلات ميكي وماجد، ومشاهدة أفلام الكرتون، وتناول آيسكريم كرز بالفانيليا“. 

مجلة ماجد 

في طفولتي، كانت أمي تبتاع لنا مجلات ميكي المصرية -وأعني بالمصرية، التي تصدر من مصر- وكانت المجلات تُباع بشكل غير منتظم، أي أنك تستطيع أن تشتري مجلدات بتواريخ قديمة وجديدة. وكانت أمي في بعض الأحيان تشتري لنا مجلة ماجد. وعندما علمتُ بأن مجلة ماجد تصدر بانتظام كل يوم أربعاء وسعرها ٤ ريالات، ادّخرت من مصروفي اليومي- ٣ ريالات- ريالًا واحدًا كل يوم حتى أتمكن من شراء المجلة يوم الأربعاء. كنتُ أعطي السائق ٤ ريالات فيذهب إلى بقالة (ميد) ويشتري لي المجلة. كانت فرحة الانتظار جميلة وكأنني أترقّب مسلسلي المفضل. اقرأ المجلة من الغلاف للغلاف، واحرص على قراءة مشاركات الأصدقاء كما القصص. كنت أحب حكايات شمسة ودانة اللتين كانتا تسكنان جزيرة لوحدهما مع السلحفاة سلمى، والصقر منصور. كانت دانة تحب الرسم والفنون:

أما شمسة فكانت تحب الطبخ:

وهنا تتعلم دانة استخدام الكمبيوتر لأنها ستكون في حالة تخلف إذا لم تستعد وتتعلم، تمامًا كما الدعوات إلى تعلم البرمجة في هذا الوقت:

كنت أدخل في تحدي مع نفسي وأنا اقرأ القصص لأبحث عن فضولي، ثم أشارك بقلمي في حل الكلمات المتقاطعة. كانت مجلة ماجد تقطع لنا وقت فراغنا في أيام كانت مسلسلات الكرتون محددة بوقت العصر. 

مع ذلك، كنتُ أفضّل كثيرًا مجلات ميكي المصرية عليها. ففي قصص بطوط وأبناء أخيه الثلاثة والعم دهب وكل عائلة البط من الإبداع والمرح ما يجعلني أقرأ القصة الواحدة مرات عديدة من حين إلى آخر. وكنتُ في طفولتي أتمنى أن أعيش في مدينة البط 🙂
وبينما كان والدي رحمه الله وأمي يجدان في مجلات ميكي وماجد مضيعة للوقت، كنتُ أحاول أن أشرح لهما بأنني بالفعل استفدتُ الكثير من هذه المجلات. ففي سن صغيرة، عرفتُ من خلال هذه القصص وحدها معالم وأماكن حقيقية مثل ماتشو بيتشو والأهرامات الثلاثة وبرج بيزا المايل وبركان فيزوف في إيطاليا -والتي كانت الساحرة سونيا ترغب في رمي قرش الحظ فيه- وتعرفتُ من خلال مغامرات عم دهب والكشّافة على المومياءات المتحنطة وأشخاصًا مثل الكسندر جراهام بل -عندما كان بندق يمثله- ودافنشي وغيرهم، وأمورًا أخرى كثيرة من تجارب الحياة، هذا غير أن مشاركات الأصدقاء كانت تحوي على الكثير من المعلومات التاريخية والعلمية، ثم أنها جعلتني أحب القراءة. 

هنا مثلًا قصة لأنطوان تشيخوف باسم موت موظف (أو الرجل الذي عطس مرتين)

أما هنا فقصة مستوحاة من الليلة الثانية عشر لشكسبير كما أعتقد:

وهنا قصة جميلة عن أهمية القراءة والكتابة:
وقصة حقيقية دارت أحداثها في ليبيا أيام الإحتلال الإيطالي لها:

ثم قصص مثل هذه تجعلك تحرص على إدراك طبيعة الأشخاص من حولك:

ثم انظروا كيف كانت تجعلنا مجلة ماجد على اطلاع مع أخبار العالم، هنا بعض من أخبار مونديال كأس العالم ١٩٩٤:

مجلة ميكي الإماراتية

في يوم من الأيام، دخلت أمي علينا بالعدد الأول أو الثاني من مجلة ميكي قائلة أنها مجلة جديدة الإصدار من الإمارات. كم سعرها؟ ٦ ريالات! كان سعر مجلة ماجد ٤ ريالات فقط. أما القصص فقليلة، وكانت الصفحة الواحدة تحتوي على مربعات كبيرة من الحوارات وبالتالي عددها قليل (بينما الإصدار المصري يحتوي على مربعات أكثر في الصفحة الواحدة). أُعجبت بالمجلة لأن الورق كان فاخرًا وملونًا، بينما الإصدار المصري كان يحتوي على صفحتين ملونة وصفحتين بالأبيض والأسود وهكذا. أما بعض الشخصيات فقد تغيّرت أسمائها، فزيزي أصبحت بطوطة، وسوسو ولولو وتوتو أصبحوا كركور وفرفور وزرزور، وميمي أصبحت ميني. لا بأس. صرتُ اقرأ المجلة من الغلاف للغلاف، حتى كلمة مديرة التحرير نجوى آل رحمة.

مع مرور الأيام أصبحت المجلة ب٧ ريالات، ومع النجاح الذي حققته هذه المجلة في الخليج، أصبحت هناك إصدارات عديدة مثل إجازة مع ميكي، ومدينة البط (التي كانت تحتوي فقط على قصص البط مثل بطوط والعم دهب مع عصابة القناع وزيزي ومحظوظ وعبقرينو)، والتي كانت ب٢٠ ريالًا! يُرجى الملاحظة أن المجلات مثل سيدتي في ذلك الوقت كان سعرها ١٠ ريالات فقط، وكانت مجلة “هي” والتي تُعتبر مجلة تتحدث عن آخر أخبار الأزياء الفاخرة تصدر مرة في الشهر ب٣٠ ريالًا. 

مجلة ميكي المصرية

أحببتُ الإصدارات القديمة من مجلة ميكي المصرية، والتي كانت تحتوي على قصص مطولة. أما قصصها فالكثير منها كان الحوار فيه يدور بالفصحى مع إدخال اللهجة المصرية أحيانًا، فكانت الحوارات “خفيفة دم” للغاية.

هنا بطوط مع جاره:

 وهنا مع زيزي:


مع زيزي مرة أخرى:

ومن خلال القصص كانت تُغنّى الأغاني المصرية مثل يا ليلة العيد آنستينا لأم كلثوم:

غني لي شوية شوية لأم كلثوم، وزوروني في السنة المرة لفيروز: 
 

وهنا أبو حنفي يُغني أهواك وأتمنى لو أنساك لعبدالحليم حافظ

ياوردة الحب الصافي لمحمد عبدالوهاب:

أثّرت هذه القصص على نجلاء الصغيرة بالطبع، هنا تدوينة (مذكراتي العزيزة..) والتي أقتبستها من زيزي عندما كانت تكتب يومياتها:

كنت أتأمل صور اللوحات الفنية الموجودة في صفحات مجلات ميكي وماجد، ولم أدرك أنني سوف أشاهد بعضها على الطبيعة يومًا، هنا مثال للوحة أوجست رينوار:


 

وهنا اللوحة الأصلية في متحف الفن في شيكاغو:

وأنتم.. هل كنتم محظوظون وقرأتم مجلات ميكي وماجد؟ حدثوني في التعليقات عن شخصياتكم وقصصكم المفضلة.

مخرج – تدوينات سابقة تتحدث عن مجلات ميكي وماجد وتأثيرها على نجلاء الصغيرة:
كتابي الأول
كم بيضًا للحمام؟
ما الذي تريد أن تراه في منامك؟ 
لستُ صغيرة 

 

 

فنظر نظرة في النجوم

The Starry Night by Vincent van Gogh – لوحة ليلة النجوم، فان جوخ

في طفولتي، وبعد أن يعتريني التعب من اللعب في حوش المنزل أثناء المساء، كنت أتمدد على ظهري فوق الأرجوحة الطويلة، وأتأمل السماء. كان منظر النجوم اللامعة القليلة يبهرني. وكنت أجد هذا التأمل مشهدًا مقدسًا، حتى شاهدت تيمون وبومبا في فيلم الأسد الملك وهما يتأملان السماء المرصعة بالنجوم مع سيمبا:

– تيمون؟
– ايوا؟
– عمرك في مرة فكرت النقط المنورة اللي فوق دي تطلع إيه؟
– بومبا، أنا مابفكرش .. أنا عارف!
– طيب يطلعوا إيه؟

– دبان منور! دبان منور لازق في السجادة الزرقا اللي فوق ديه!
– عجبي .. دانا كنت زي انا ماحسبها كور غاز مولعة على بعد بلاييين الأميال!

كنت أتمنى أن أشاهد نجومًا كثيرة مثل تيمون وبومبا. لكنني تعلمتُ لاحقًا أن العيش في المدينة يحجب نور النجوم عنّا. سافرتُ بعد سنوات طويلة إلى إحدى جزر هاواي، وفي طريق السيارة في المساء في العتمة، نظرت إلى السماء فتعجبت من المنظر المهيب للسماء المتزينة بالنجوم.. سجادة زرقاء وكور غاز مولعة.

ما زلت أجدُ ذلك المنظر في ذاكرتي مهيبًا، ومع أنني سكنتُ الرياض منذ أكثر من ٣ سنوات إلا أنه لم تواتني فرصة الذهاب إلى البر بعيدًا عن أضواء المدينة حتى أشاهد النجوم الكثيرة مرة أخرى. 

نجد أن تأمل النجوم في السماء هو أمر شائع في الروايات العظيمة. وأنا هنا بصدد الحديث عن روايتين، البؤساء والحرب والسلم. ففي رواية البؤساء، نلاحظ أن جان فالجان قد رافقته النجوم منذ بداية البؤساء إلى نهايتها. وفي الحرب والسلم، نجد أن النجوم كثيرًا ما تطل علينا في أرض المعركة.

 لكن متى استخدم كلا من فيكتور هوغو وتولستوي مشهد التأمل في السماء والنجوم؟ 

١- كدليل على الحكمة من خلال التعبد لله والتأمل في ملكوته: انظروا كيف وصف فيكتور هوغو تأمل الأسقف في السماء بكلماته البديعة:
كان يجلس على مقعد خشبي مسند إلى عريشة مكسورة، وينظر إلى النجوم من خلال أشباح شجراته المثمرة.. وأي شيء أكثر من هذا كان يحتاج إليه ذلك الرجل العجوز الذي وزع ساعات فراغه بين البستنة في النهار، والتأمل في الليل؟ ألم تكن هذه الحظيرة الضيقة التي تؤلف السماوات سمكها، كافية لأن تمكنه من عبادة الله بالتناوب في مبتدعاته الأكثر جمالا وفي مخلوقاته الأكثر سموًا؟ أليس هذا كل شيء في الواقع؟ وأي شيء يُبتغى وراء ذلك؟ جُنينة يتمشى خلالها، وفضاء يتأمل فيه. فعند قدميه شيء يمكن أن يُزرع ويُجنى وفوق رأسه شيء يمكن أن يُدرس ويُطلق سرح التأمل فيه، بضع زهرات على الأرض، وجميع الكواكب في السماء.

وعندما أصبح ماريوس رجلًا، تأمل السماء:
”إنه يتأمل السماء، والمدى، والنجوم..“.

٢- عند التشاؤم والخوف والصراع مع الأفكار: خاصة في البؤساء، فعندما كانت الشخصية تنظر إلى السماء ولا تجد النجوم فهذا نذير شؤم. انظروا إلى جان فالجان كيف كانت نفسه مضطربة عندما كانت تغيب النجوم عنه. طرق في بداية الرواية باب الأسقف ليسأله المبيت قائلًا له:
ثم مضيتُ إلى الحقول كي أنام تحت النجوم، فلم يكن ثمة نجوم.

وعندما كان جان فالجان يتصارع مع أفكاره:
“كان دماغه يغلي. لقد مضى إلى النافذة، ففتحها على مصراعيها، لم يكن ثمة نجم واحد في السماء“.

وفي فصل آخر يليه ”ونهض، ومضى إلى النافذة، كانت السماء لا تزال عاطلة عن النجوم“.

وعندما غابت النجوم من سماء باريس قال فيكتور هوغو:
”لقد حجب النجوم سقف من السحب، ولم تكن السماء غير عمق مشؤوم“.

وفي فصل ”نظرة بوم على باريس“ تختفي النجوم:

كانت النجوم قد اختفت، وكانت سحب ثقيلة قد ملأت الأفق كله بطياتها الكئيبة.

٣- عند الحب! يتأمل المُحب السماء كثيرًا. ففي رواية الحرب والسلم، وبعد أن خرج بيير من عند ناتاشا، تأمل السماء في لحظة وجود مذنب ١٨١٢:

 كان الجو جميلا وبارداً. ومن فوق الشوارع القذرة العاتمة، انبسطت سماء مزدانة بالنجوم. لم يكن بيير يحس بالدناءة المخزية للأمور الأرضية بالقياس إلى الأعالي التي كانت ترفرف فيها روحه إلا حين ينظر إلى هذه السماء. وبينما كان يدلف إلى ساحات الأربات، انكشفت لعينيه مساحة عريضة من السماء المنجمة..

وكذلك ماريوس في البؤساء:
وذات ليلة، كان وحده في غرفته الصغيرة القائمة تحت السطح.. وكان يقرأ متكئًا على طاولته إلى جانب النافذة المفتوحة. أي مشهد هو الليل! نحن نسمع أصواتًا مبهمة لسنا ندري من أين تقبل. نحن نرى جوبيتير وهو أكبر من الأرض ألفا ومئتي مرة يتلمع مثل جمرة. القبة السماوية زرقاء، النجوم تتلألأ، ذلك شيء مخيف!

وفي موضع آخر:
”لم تكن السماء في أيما وقت مضى أحفل بالنجوم ولا أكثر فتنة“.

٤- مع الأمل. فالأمل كالنجوم في الأدب، وعند فيكتور هوغو أيضًا:

”كانت هذه النجوم قد أحدثت تألقات صغيرة لا سبيل إلى إدراكها في الفضاء الرحب. كان المساء ينشر فوق رأس جان فالجان جميع ملاطفات اللانهاية“.

وعند تولستوي، عندما تأمل نابليون السماء في أرض المعركة على هضبة بولكونايا:

 ”وتصبح الليالي أكثر دفئًا، وتهوي من المساء في هذه الليالي الحالكة الدافئة، النجوم الذهبية التي تبعث الخوف والفرح“.

وعندما دخل بيير السجن “التمعت في السماء نجوم مضيئة..“

وعندما كان بيتيا في أرض المعركة:
”نظر إلى السماء. كانت السماء أيضًا مسحورة كالأرض، وقد أخذت تنجلي. وكانت الغيوم أيضًا تركض مسرعة كأنها تريد أن تكشف عن النجوم..“.

وكذلك ”كانت النجوم ترتع في السماء كأنها علمت أن لن يراها أحد، وكانت وهي تبرق حينًا وتخبو حينًا آخر وتتلألأ في كثير من الأحيان، إنما تتحدث فيما بينها هامسة بشدة عن أمر مفرح لكنه خفي“.

٥- عند الموت. فكما قلنا قبل ذلك، أن جان فالجان رافقته النجوم منذ بداية الرواية، وحتى نهايتها. فعندما مات كتب فيكتور هوغو:

”كان الليل عاطلًا من النجوم، وكان دامسًا..“.

مخرج:
– وأنتم هل تتأملون السماء المزينة بالنجوم؟ يقول ماركوس أوريليوس في التأملات: ”تأمل مسارات النجوم كما لو أنك تسير معها حيث تسير، وتأمل دومًا تحولات العناصر بعضها إلى بعض. جديرة هذه التأملات أن تغسل عنك أدران الحياة الأرضية“.

ـ توصية: رواية الأمير الصغير لأنطوان دو سان إكزوبيري “النجوم.. هذه الأشياء الصغيرة المذهبة التي تُغري الكسالى بالأحلام!”. 

قولي لي ما الذي بداخل حقيبتكِ أقول لكِ من أنتِ

 

@EMMAKISSTINA

كنتُ أتملل لصديقتي من الثقل الذي أحمله على ظهري بسبب حقيبتي الممتلئة، حتى سألتني: لِم علينا أن نحمل الحقائب مع وجود الجيوب في الملابس؟ لا أدري لكنني أحتاج حقًا إلى كل هذا الذي وضعته في الحقيبة. 

تاريخ:

بحثتُ عن تاريخ الحقائب فوجدتُ أنه لم يكن هناك أي جيوب في الملابس، وأنها ظهرت للرجال أولًا وقد توافقت مع تصميم ملابسهم. أما النساء فقد كانت الجيوب مخفية بداخل التنانير المنتفخة والفساتين إلى أن ظهرت الحقائب اليدوية.

أصبحت الحقائب من الاكسسوارات النسائية المهمة والتي تُضيف بعض الجمال أو الكثير منه إلى منظر حاملتها، وقد تعدُ غرضًا يُستدل به على الحالة المادية لصاحبتها، أو قد تكون أيقونة للسلطة مثل مارجريت ثاتشر التي أصبحت كلمة حقيبة اليد فِعلًا في اللغة الإنجليزية to handbag وأُضيفت إلى قاموس أكسفورد، وتعني الجدال بقوة حتى يفعل الشخص الذي أمامك ما تريده. وقد قالت ثاتشر ذات مرة ”أنا عنيدة في حماية حرياتنا وسلطتنا، ولذلك أحمل حقيبة كبيرة“. 

وفي ذات البلد، تحمل الملكة إليزابيث حقائبها من ماركة لونر البريطانية Launer منذ سنوات طويلة والتي قيل أنها تستخدمها لإرسال إشارات سرية إلى من حولها لمعاونتها، فإذا كانت تتناول العشاء ووضعت الحقيبة على الطاولة، فهذا يعني أنها تريد الإنتهاء من الحدث أو الحفلة في أقرب وقت. يُقال أنها تمتلك أكثر من ٢٠٠ حقيبة من لونر، وقيمة الحقيبة الواحدة تتجاوز ٨٦٠٠ ريال سعودي.

وبالحديث عن الحقائب، فإن الحقيبة النسائية الأشهر حول العالم صُممت عندما التقى الرئيس التنفيذي لشركة إرميز جان دوماس بالممثلة الفرنسية جين بيركن بجانبه في الطائرة في الثمانينات الميلادية حيث كانت تحمل سلة قش ووقعت منها فتناثرت أغراضها الكثيرة. تذمرت جين واشتكت لجان أنها لم تجد للآن حقيبة كبيرة ملائمة لها، ومنها بدأت حكاية بيركن Birkin من إرميز الفرنسية Hermes. ولم تكن بيركن هي الحقيبة الوحيدة التي سُميت تيمنًا باسم سيدة، بل كان هناك أيضًا ليدي ديور والتي سُميت على الليدي ديانا سبنسر التي كانت تحملها بشكل دائم. وأما حقائب شانيل Flap Bag الشهيرة والتي أتت قبل بيركن ب٣٠ عامًا، فقد صممتها كوكو شانيل لأنها كانت ترى معاناة النساء في حمل الحقائب بأيديهن، فصممت الحقيبة بحيث تكون لها سلسلة طويلة تحملها النساء على أكتافهن، وكانت هذه السلسلة مطلية بالذهب عيار ٢٤ حتى ٢٠٠٨، وكان قفل الشنطة مربع الشكل إلى أن جاء المصمم الشهير كارل لاغرفيلد ووضع حرفي سي CC عكس بعضهما (من اسم كوكو شانيل Coco Chanel) على قفل الشنطة فأصبحت أيقونة. 

ماذا تحملن بداخل حقائبكن؟

أما زميلتي فقد كانت ممتنة للغاية للمصمم الذي نشر ثقافة الجيوب في العبائات النسائية، لأنها قد تخلت عن حمل الحقيبة على حد كلامها ”أحتاج إلى جوالي فقط وكم بطاقة“. لا أدري إن كانت قد تخلت عن البطاقات أيضًا بعد أن أصبحت الكترونية. جوال وبطاقات، وأنتن، ماذا تحملن في حقائبكن؟

هنا قائمة بالأغراض الأكثر شيوعًا والتي تحملها النساء في حقائبهن، وقد وضعتُ أمام كل غرض التفسير الخاص به. تجدر الإشارة أن هذه القائمة صُممت لغرض المرح والتسلية وليست مبنية على دراسات أو حقائق:

مساحيق التجميل – كريم يدين – مرطب شفاه- عطر- مشط:
تهتمين بجمالك وتقدرين مظهرك أمام الناس

Photo credit: James Whatling 

قارورة ماء – كريم واقٍ من الشمس – نظارة شمسية- فرشاة ومعجون أسنان:
تهتمين بصحتك فهي من الأولويات لديكِ.

شاحن جوال – شاحن متنقل:
قد تكونين أمًا مهتمة بتتبع أحوال أطفالها وهي خارج المنزل، أو قد يتطلب عملك ساعات طويلة تقضينها بالخارج، أو قد تكونين من الأشخاص المصابين بالفومو (أو حالة الخوف من فوات الشيء). أو بعيدًا عن كل هذه الأسباب، جوالك مستهلك تنفد بطاريته بسرعة. 

علكة أو حلاوة نعناع – عطر- سماعات جوال:
شخص يهتم بالآخرين من حوله، شكرًا لكِ.

دفتر وقلم أو ألوان- كاميرا احترافية:
هناك فنان (كاتب، مصمم، رسام، مصور..الخ) بداخلك، فتحرصين على التقاط الفن أو تدوينه كلما سنحت لك الفرصة.

مروحة يدوية أو الكترونية – بخاخ ماء- نظارة شمسية- كريم واقٍِِ من الشمس:
تكرهين الحر وتشعرين بآثاره على وجهك ونفسيتك أولًا.

بخاخ كحولي معقم – مناديل معقمة- ملعقة أو شوكة بلاستيكية أو ورقية:
تهتمين بالنظافة للغاية. قد تكونين موسوسة، أو مازلتِ تعانين من الآثار النفسية لكورونا إلى الآن.

كتاب – سماعات الجوال:
تفكرين دائمًا في أوقات الفراغ أو الملل وكيف تستغلينها بشكل جيد.

نظارات قراءة: 
سيدة جميلة تجاوزتِ ال٤٠ وأنتِ هنا تقرأين تدوينتي، ممتنة لكِ للغاية.

كاتشاب- ملح:
متذوقة جيدة للطعام ولا تريدين أن يُنغص عليكِ نقصان مكون ما في الطبق. هنا خلود عولقي وهي تستعرض الملح الذي تحمله معها في حقيبتها بشكل دائم:

جميع ما سبق: 
شخص منظم للغاية ولكن دائم التوتر بسبب التنظيم، لذلك أنتِ قلقة من أن تحتاجي إلى شيء ما في وقت ما ولا تجدينه.

حقائب الأديبات:

بحثتُ في قوقل عن الشنط التي تحملها بعض الكاتبات ولاحظتُ أن أغلبهن يقتنين الشنط السوداء، هنا بعضها:

مارقريت آتوود، الأديبة الكندية صاحبة رواية The Handmaid’s Tale أو حكاية الأمة التي أصبحت مسلسلًا: قرأتُ أنها تحمل حقيبتها معها دائمًا حتى وإن ارتقت منصات التكريم لأنها فقدت جواز سفرها (أو قد سُرقت) من حقيبتها ذات مرة.

جي كي رولينغ، مؤلفة سلسلة هاري بوتر: مرة أخرى، حقيبة سوداء كبيرة. لدى رولينغ حقائب كثيرة (بالطبع ثروتها أكبر من الملكة إليزابيث) لكنني اخترت هذه الحقيبة السوداء.

سيمون دو بوفوار- الكاتبة الفيلسوفة الفرنسية الوجودية: مرة أخرى، شنطة سوداء كبيرة. 

إلف شفق المؤلفة التركية صاحبة قواعد العشق الأربعون: كما تلاحظون، شنطة سوداء كبيرة.

أليس مونرو- الكندية كاتبة القصص القصيرة، والحائزة على جائزة نوبل في الأدب: يظهر أنها تحمل حقيبة سوداء، تقف بجانب مارقريت آتوود التي تحمل حقيبة سهرة نصف سوداء. 

Mandatory Credit: Photo by Diane Bondareff

سوزان سونتاغ- المصورة والكاتبة الأمريكية مع ابنها: تحمل حقيبة جلدية سوداء وكبيرة. 

(Photo By: Bill Meurer/NY Daily News via Getty Images)

هل هناك حقيبة تنصحن بها؟
تختلف حقائبنا بسبب اختلاف الأذواق والاحتياجات التفضيلات الشخصية وكذلك حسب إمكانياتنا المادية والأمكنة التي نرتادها بشكل دائم. إلا أن هناك شنطة عملية -لغير المناسبات- أنصح الجميع باقتنائها، وهي شنطة لوبلياج من لونق شامب الفرنسية Le Pliage/ Longchamp. لماذا؟ كبيرة وواسعة، هذا يعني أنها تحمل جميع احتياجاتك كطالبة تحمل اللاب توب، أو موظفة أو أم تحمل أغراض طفلها، أو مُسافرة، وتستطعين استخدام المنظم بداخلها. مقاومة للماء، تستطيعين اصطحابها معكِ في يوم ماطر-وكأننا نشتكي من كثرة الأمطار-، أو عند الشاطئ. خفيفة لا تشعرين بها. وسهلة التخزين لأنها قابلة للطي كالورقة (هذا معنى اسمها بالفرنسية). تصميمها كلاسيكي يدوم، ظهرت الشنطة في التسعينات الميلادية، وألوانها متعددة. فرنسية الصنع كما الاسم، أي أنها لاتُصنّع خارج البلد في تركيا وغيرها مثل بعض شنط ميوميو وبرادا وملبري وأغلب الماركات الأمريكية مثل كوتش. والأهم من ذلك سعرها الذي يتراوح ما بين ٣٠٠-٤٠٠ ريال فقط. هنا تظهر كيت مدلتون وهي تحمل لونق شامب- لديها أنواع مختلفة منها. 

 

 

 

 

 

كيفن كيلي في عمر السبعين: نصائح وددتُ لو أنني أعرفها عندما كنت صغيرًا

By Jeffrey Phillips

كيفن كيلي

اليوم هو عيد ميلادي. بلغتُ السبعين عامًا. تعلمتُ حتى الآن أمورًا قليلة من الممكن أن تكون مفيدة للبعض. وعلى مدار الأعوام الأخيرة، وضعتُ عددًا من النصائح في كل عام، ولكني فوجئت أنني أضفت المزيد منها لهذا العام. هذه هدية عيد ميلادي لكم جميعًا: ١٠٣ جزءًا من الحكمة وددتُ لو أنني أعرفها عندما كنت صغيرًا: 

١- نحو ٩٩٪ من الوقت، يكون الوقت المناسب هو الآن. 

٢- ليس هناك شخص معجب بممتلكاتك مثلك. 

٣- لا تعمل عند شخص لا ترغب في أن تكون مثله. 

٤- ارع ١٢ شخصًا يحبونك، لأنهم يساوون أكثر من ١٢ مليون شخصًا معجبًا بك.

٥- انتبه من تكرار نفس الأخطاء، وارتكب أخطاء جديدة.

٦- إذا توقفت للاستماع إلى مُوسيقي أو عازف في الشارع لأكثر من دقيقة، فأنت مدين لهم بدولار. 

٧- أي جملة تقولها قبل كلمة ”لكن“ لا تُحتسب.

٨- عندما تسامح الآخرين قد لا يلاحظون ذلك، لكنك سوف تتشافى. إن الغفران ليس أمرًا نفعله من أجل الآخرين، وإنما هو بالأحرى هدية لأنفسنا.

٩- لا تكلف المجاملة شيئًا. أرخِ غطاء المرحاض بعد الإستخدام. دع الناس في المصعد يخرجون قبل أن تدخل. أرجِع عربة التسوق إلى مكانها. وعندما تستعير شيئًا، أعده بشكل أفضل مما كان عندما حصلت عليه، ممتلئًا ونظيفًا.

١٠- عندما تجد نفسك في جدالٍ بين طرفين، فكن الطرف الثالث. 

١١- الكفاءة  أمر مبالغ فيه، أما الإهمال فهو أمر مستخف به. إن الإجازات والعطل وأيام نهاية الأسبوع والمشي بلا هدف والفراغ كلها مهمة لتحقيق أفضل أداء في أي نوع كان. تتطلب أفضل أخلاقيات العمل آداب راحة جيدة.

١٢- عندما تصبح قائدًا، فإن مهمتك الحقيقية هي أن تخلق المزيد من القادة، لا المزيد من الأتباع. 

١٣- انتقد في السر، وامدح في العلانية.

١٤- ستُعرض عليك دروس الحياة بالترتيب المطلوب. كل ما تحتاجه هو أنك تتُقن الدرس الذي بداخلك. عندما تتعلم الدرس بصدق، سيُعرض عليك درسًا آخر. إذا كنت حيًا فهذا يعني أن هناك المزيد من الدروس لتتعلمها.

١٥- إنه واجب على التلميذ أن يستخرج كل شيء من المعلم، وعلى المعلم أن يستخرج كل شيء من الطالب. 

١٦- إذا كان الفوز مهمًا للغاية في لعبة ما، فغيّر القوانين حتى تصبح اللعبة أكثر مرحًا. قد تتغير اللعبة بتغيير القوانين.

١٧- اطلب المال من الممولين وسوف يقدمون لك نصيحة، لكن اطلب النصيحة وسيقدمون لك المال. 

١٨-  إن الإنتاجية قد تكون مشتتة، فلا تسعَ نحو الطرق الأسرع لإنهاء مهامك، ولكن اسع نحو المهام الأفضل التي لا ترغب في إنهائها. 

١٩- ادفع ما تُدين به فورًا للباعة والعاملين والمقاولين وسوف يبذلون قصارى جهدهم للعمل معك في المرة القادمة. 

٢٠- إن أكبر كذبة نقولها لأنفسنا هي ”لا أحتاج أن أكتب هذا لأنني سأتذكره“.

٢١- إن ازدهارك ككائن مُدرِك يُقاس بعدد الحوارات غير المريحة التي ترغب في إجرائها. 

٢٢- تكلم بثقة وكأنك مُحق، ولكن أنصت بحذر وكأنك مُخطئ. 

٢٣- قياس سهل: إن المسافة بين أطراف أصابعك من ذراعيك الممدوتين عند مستوى الكتف هي طولك. 

٢٤- إن اتساق محاولاتك في التمرين والرفقة والعمل هو أمر أكثر أهمية من الكمية. لا شيء يتفوق على الأمور الصغيرة التي تُنجز كل يوم، والتي هي أكثر أهمية من الأمور التي تنجزها بين حين وآخر.

٢٥-  إن صناعة الفن ليس أمرًا أنانيًا، لأنه لنا نحن البقية. إذا لم تصنع فنك، فأنت تخدعنا. 

٢٦- لا تسأل امرأة مطلقًا عما إذا كانت حامل. دعها تخبرك إذا كانت كذلك. 

٢٧- هناك ثلاثة أشياء تحتاجها: القدرة على عدم التخلي عن شيء ما حتى ينجح، والقدرة على التخلي عن شيء لا ينجح، والثقة في الآخرين الذين يساعدونك على التفريق بين القدرتين. 

٢٨- عندما تتحدث للجمهور، توقف بين الحين والآخر. توقف قبل أن تقول شيئًا بأسلوب جديد، وتوقف بعد أن تقول شيئًا تعتقد أنه مهم، وتوقف للراحة حتى يستوعب المستمعون التفاصيل. 

٢٩- ليس هناك شيء مثل أن تكون ”على الوقت المحدد“. أنت بالأحرى إما أن تكون متأخرًا أو مُبكرًا. القرار بيدك. 

٣٠- اسأل أي شخص تحبه ستجد أن ضربة الحظ حدثت لهم أثناء انعطافهم عن الهدف الأساسي. لذلك اغتنم المنعطفات. إن الحياة ليست خطًا مستقيمًا لكل شخص. 

٣١- أفضل طريقة للحصول على جواب صحيح على الإنترنت هي أن تضع الجواب الخاطئ وتنتظر شخصًا ما أن يصححه لك. 

٣٢- سوف تحصل على نتائج أفضل بعشر مرات إذا عززت السلوك الجيد بدلًا من أن تعاقب السلوك السيء، خاصة في الأطفال والحيوانات. 

٣٣- استغرق وقتًا في صياغة عنوان الإيميل كما تستغرق وقتك في كتابة الإيميل ذاته، لأن العنوان هو السطر الوحيد الذي يقرأه الناس غالبًا.

٣٤-  لا تتنظر هدوء العاصفة، وارقص تحت المطر.

٣٥- عندما ترغب في التحقق من مراجع أحد المتقدمين للوظيفة، قد يتردد أصحاب العمل  أو يحظر عليهم إخبارك بأي شيء سلبي بشأنهم، لذلك اكتب لهم رسالة تقول فيها ”تواصل معي إذا كنت تعتقد أن المتقدم للوظيفة هو شخص رائع للغاية“، إذا لم يتواصلوا معك فاعتبر أن هناك شيء سلبي. 

٣٦- استخدم البرامج التي تُدير كلمات المرور: لأنها أفضل وأكثر أمانًا وسهولة. 

٣٧- نصف مهارة التعليم هي أن تتعلم ما يمكنك تجاهله.

٣٨- إن فائدة الهدف الطموح الباعث على السخرية هو أنه يضع معايير مرتفعة للغاية حتى إذا فشلت في تحقيقه قد يكون نجاحًا بالمعايير الاعتيادية.

٣٩- إن الطريقة المثلى لفهم نفسك هو أن تتفكر بجدية في الأمور التي تزعجك في الآخرين.

٤٠- اجعل أغراضك في غرفة الفندق واضحة أمامك، ولا تضعها في الأدراج، لكن في مكان واحد. بهذه الطريقة لن تنسى غرضًا واحدًا. إذا احتجت أن تستخدم شاحنًا لجهازك في أحد زوايا الغرفة، فضع بجانبه غرضين كبيرين. لأن احتمالية نسيانك ل٣ أغراض هي احتمالية ضئيلة.

٤١- إنكار المجاملة أو تجاهلها هو أمر قبيح. اقبلها مع الشكر حتى وإن كنت تعتقد أنك لا تستحقها. 

٤٢- اقرأ دائمًا اللوحة المعلقة بجانب النصب التذكاري. 

٤٣- عندما تنجح في بعض الأمور، فإن الشعور بأنك دجّال قد يكون حقيقيًا. ”من أخدع؟“ ولكن عندما تصنع أمورًا بمواهبك الفريدة وبخبرتك ولا يستطيع أحد غيرك صنعها، عندها لن تكون دجالًا على الإطلاق، بل شخص قد ترقى ترقية كهنوتية. إنه من واجبك أن تعمل على أمور لا يستطيع فعلها إلا أنت.

٤٤- ما تفعله في أيامك السيئة مهم أكثر مما تفعله في أيامك الجيدة. 

٤٥-  اصنع أشياء تصبح جيدة لأن يمتلكها الناس. 

٤٦- عندما تفتح علبة طلاء حتى وإن كانت فتحة صغيرة، فسوف تجد طريقها إلى ملابسك. لذلك ارتدِ ملابس مخصصة لها.

٤٧- لتجعل أطفالك مهذبين في رحلة بالسيارة، احمل معك كيسًا به مفضلاتهم من الحلويات، وارمِ قطعة من الحلوى من النافذة في كل مرة يسيئون التصرف. 

٤٨- لا تستطيع أن تجعل من الأشخاص الأذكياء يعملون بجد من أجل المال فقط.

٤٩- عندما لا تعرف كم تدفع أجرًا لمهمة فعلها شخص ما، اسأله ”كم من المُنصف أن أعطيك؟“ وسوف يجاوبك. 

٥٠- ٩٠٪ من كل شيء هو هراء. إذا ظننت أنك لا تحب الأوبرا، أو الروايات العاطفية، أو التيك توك، أو الأغاني الريفية، أو الأطعمة النباتية، أو NFT، فحاول أن تجد فيها ال١٠٪ والتي ليست هراءً.

٥١- سوف يُحكم عليك من حسن تعاملك مع الأشخاص الذين لا يستطيعون فعل شيء لك. 

٥٢- في العادة نميل إلى تضخيم الشؤون التي نستطيع فعلها في يوم واحد، والاستخفاف بالشؤون التي نستطيع أن نحققها خلال عقد من الزمان. تُنجز الأمور العظيمة إذا بذلت لها ١٠ سنوات. إن اللعبة طويلة الأجل تحتوي على مكاسب صغيرة تتغلب حتى على الأخطاء الكبيرة.

٥٣- اشكر معلمًا غيّر حياتك. 

٥٤- لا تستطيع أن تجعل شخصًا يستنتج فكرة لا يستطيع أن يستنتجها بنفسه. 

٥٥-  أن أفضل وظيفة هي التي لا تكون مؤهلًا لها لأنها سوف ”تمطك“. لذلك قدّم على الوظائف التي لا تكون مؤهلًا لها. 

٥٦- اشترِ كتبًا مستخدمة فهي تحتوي على نفس الكلمات الموجودة في الكتب الجديدة. كذلك هناك المكتبات العامة. 

٥٧- تستطيع أن تكون أي شخص تريده، لذلك كن الشخص الذي يُنهي الاجتماعات مبكرًا.

٥٨- هناك رجل حكيم قال ذات مرة ”قبل أن تتحدث، دع الكلمات تمر عبر ثلاث بوابات. في البوابة الأولى اسأل نفسك ”هل هذا صحيح؟“ وفي البوابة الثانية اسأل نفسك ”هل هذا ضروري؟“ وفي البوابة الثالثة اسأل نفسك ”هل هذا لطيف؟“.

٥٩- اصعد الدرج.

٦٠- ما تدفعه مقابل شيء ما هو أكثر بمرتين من السعر الحقيقي على الأقل، وذلك بسبب المجهود والوقت والمال اللازم لإعداده وكذلك التعلم والصيانة والإصلاح والنشر في النهاية. لا تظهر كل الأسعار على الملصقات. إن التكاليف الفعلية هي أكثر بمرتين من الأسعار المسجلة.

٦١- عندما تصل إلى غرفتك في الفندق، ابحث عن مخرج الطوارئ. لا يستغرق الأمر أكثر من دقيقة. 

٦٢- إن الطريقة المثمرة للإجابة على سؤال ”ما يجب أن أفعله الآن؟“ هو أن تعالج سؤال ” من يجب أن أكون؟“.

٦٣- إن متوسط العوائد على فترة زمنية أعلى من المتوسط تُثمر عن نتائج غير اعتيادية. اشتر وأمسِك. 

٦٤- من المثير أن تكون خلوقًا للغاية مع الغرباء الوقحين.

٦٥- يستطيع الشخص ذو الذكاء المتوسط، والذي يستطيع أن يتواصل مع الناس بشكل جيد، أن ينجز أفضل من الشخص الذكي والذي لا يستطيع أن يتواصل مع الناس. وهذا خبر جيد لأنه من الأسهل بكثير أن تحسّن من مهارات التواصل على أن تحسّن ذكائك.

٦٦-  لا بأس أن تُخدَع من الآخرين من حين إلى آخر، وهذا سعر زهيد مقابل الثقة بأفضل ما في الجميع، لأنك عندما تثق بأفضل ما لديهم فإنهم يعاملونك بشكل أفضل. 

٦٧- الفن هو كل ما يمكنك الإفلات به.

٦٨- من أجل الحصول على أفضل النتائج مع أطفالك، ابذل نصف المال الذي تعتقد أنك يجب أن تصرفه، لكن ابذل ضعف الوقت معهم. 

٦٩- اشتر آخر دليل للسُياح لمدينتك أو منطقتك. سوف تتعلم الكثير من خلال لعب دور السائح مرة في السنة. 

٧٠- لا تنتظر في الطابور لتتناول طبق مشهور، من النادر أن يستحق انتظارك. 

٧١- حتى تكشف بسرعة عن الشخصية الحقيقية لشخص ما قابلته للتو، انقله إلى شبكة إنترنت بطيئة للغاية، ثم راقب. 

٧٢- وصفة شعبية للنجاح: افعل شيئًا غريبًا. اجعل لك عادة من غرائبك. 

٧٣- كن محترفًا. انسخ نسخة احتياطية واحدة على الأقل من النسخة الاحتياطية الخاصة بك. احصل على نسخة احتياطية من كل نسخة احتياطية. كم ستدفع من أجل استعادة كل بياناتك وصورك وملاحظاتك إذا فقدتهم؟ إن النسخ الاحتياطية رخيصة مقارنة بالندم.

٧٤- لا تصدق أي شيء تعتقد أنك تؤمن به. 

٧٥-  من أجل إرسال إشارة طوارئ، استخدم القاعدة الثلاثية: اصرخ ثلاثًا، انفخ في البوق ثلاثًا 3 horn blasts، أو صفّر ثلاثًا. 

٧٦- في المطعم: هل تطلب طبقًا تعلم أنه لذيذ أو تجرب شيئًا جديدًا؟ هل تصنع شيئًا تُدرك جيدًا أنه سيُباع أم تجرب صنع شيء جديد؟ هل تواعد أشخاصًا جدد أم تلتزم بمواعدة شخص تعرفه؟ إن التوازن الأمثل لاستكشاف أمور جديدة مقابل استغلالها بمجرد العثور عليها هو 1/3 هذا يعني:

اقضِ ثلث وقتك في الاستكشاف، وثلثي الوقت في التعمق. إنه من الصعب أن تُكرس وقتك لاستكشاف أمور جديدة مع التقدم في العمر لأنه يبدو أمرًا غير مثمر، لذلك اجعل هدفك هو الثلث. 

٧٧- إن الفرص العظيمة بحق لا تحمل عنوانًا يقول عنها إنها ”فرص عظيمة“.

٧٨- عندما تُقدم إلى شخص ما انظر إلى عينيه وعد إلى ٤، كلاكما سيتذكر الآخر. 

٧٩-  انتبه إذا وجدت نفسك تتسائل ”أين السكين الجيد؟ أو أين قلمي الممتاز؟“ هذا يعني أن لديك سكاكين وأقلام غير جيدة، تخلص منها. 

٨٠- عندما تكون عالقًا، اشرح مشكلتك للآخرين. شرح المشكلة في الغالب سوف يؤدي إلى استعراض الحل. اجعل من ”شرح المشكلة“ جزءًا من نظامك لعملية استشكاف الأخطاء وإصلاحها.

٨١- عندما تشتري خرطوم للحديقة، أو سلك تمديد، أو سلم، فاشتر واحدًا أطول مما تحتاج. سيكون هو الحجم المناسب. 

٨٢- لا تزعج نفسك بمحاربة القديم، ابنِ الجديد. 

٨٣- يستطيع فريقك أن ينجز أمورًا عظيمة تتجاوز إمكانياتك، وهذا ببساطة يكون من خلال إظهار التقدير لمن يستحقه.

٨٤- عندما يخبرك شخص ما عن سنة الذروة في تاريخ البشرية والتي كان كل شيء فيها عظيمًا قبل الانحطاط، سيكون هذا دائمًا في السنوات التي كان فيها عمره ١٠ سنوات- والتي هي ذروة وجود كل بشري.

٨٥- أنت كبير مثلما الأمور التي تجعلك تغضب. 

٨٦- عندما تتحدث إلى الجمهور من الأفضل أن تركز بصرك على مجموعة من الناس بدلًا من أن توزعه على جميع من في الغرفة. إن عينيك سوف تنقل إلى الآخرين ما إذا كنت تؤمن حقًا بما تخبرهم به. 

٨٧- إن العادة هي معتمدة أكثر بكثير من الإلهام. أحرز تقدماتك عن طريق العادات ولا تركز في أن تصبح قويًا. انصب تركيزك على أن تصبح ذلك الشخص الذي لا يفوت أي تمرين. 

٨٨- عندما تتفاوض، لا تستهدف القطعة الأكبر من الكعكة، بل اجعل هدفك أن تخبز كعكة أكبر. 

٨٩-  إذا كررت ما قمت به اليوم ٣٥٦ مرة أخرى، فهل ستكون في المكان الذي ترغب أن تكون فيه العام المقبل؟

٩٠- أنت ترى فقط ٢٪ مما يراه الشخص الآخر، وهو يرى فقط ٢٪ مما تراه أنت. فلتتناغم أنفسكما على ال٩٨٪ المخفية. 

٩١- إن وقتك ومساحتك محدودين. تخلص من الأشياء الموجودة في حياتك والتي لم تعد تثير البهجة حتى تفسح المجال للأشياء المبهجة. 

٩٢- سيحقق أحفادنا أمور مذهلة، ومع ذلك فإن جزء من الذي سيصنعوه كان بالإمكان صنعه بالأدوات والمواد المتاحة اليوم إذا كان لدينا الخيال. فكر بشكل أكبر. 

٩٣- للحصول على عائد كبير، كن فضوليًا بشأن الأمور التي لا تهمك. 

٩٤- فليكن تركيزك على الاتجهات أكثر من تركيزك على الوجهات. من يعرف وجهته؟ لكن حافظ على الاتجاه الصحيح وسوف تصل إلى المكان الذي ترغب في الوصول إليه. 

٩٥- كل فتح علمي في البداية يكون مضحكًا وسخيفًا. إذا لم يبدو مضحكًا وسخيفًا في البداية فلن يكون فتحًا علميًا. 

٩٦- إذا أقرضت شخصُا ٢٠ دولارًا ولم تره مرة أخرى مطلقًا لأنه يتجنب سدادها، فإن ال٢٠ دولارًا التي دفعتها تستحق قيمتها.

٩٧-   تقليد الآخرين هي طريقة جيدة للبدء. لكن تقليد نفسك هي طريقة مخيبة للآمال. 

٩٨- إن أفضل طريقة للتفاوض على الراتب في وظيفة جديدة تكون ((بعد)) أن يقابلوك وليس قبل ذلك. بعدها سيكون التحدي من الطرفين لتقديم مبلغ في البداية، لكن الأمر في صالحك أن تجعلهم يقترحون مبلغًا قبل أن تخبرهم. 

٩٩- بدلًا من أن تقود حياتك متجنبًا المفاجآت، استهدفها بشكل مباشر.

١٠٠- لا تشتر تأمينًا إضافيًا إذا كنت تستأجر سيارة ببطاقة ائتمانية.

١٠١- إذا كانت أفكارك حول موضوع معين سهلة التنبؤ من خلال أفكارك حول موضوع آخر، فقد تكون مُسيطَرًا أيدولوجيًا. عندما تفكر حقًا بنفسك لن تكون استنتاجاتك متوقعة. 

١٠٢- اجعل هدفك أن تموت مُفلسًا. أعطِ للمستفيدين قبل أن تموت لأن ذلك أكثر متعة وفائدة. أنفق كل شيء. يجب أن يذهب آخر شيك لك إلى الجنازة ويرتد. 

١٠٣- أهم وقاية من التقدم في العمر هي أن تظل مندهشًا.


كيفن كيلي: مصوّر وصحفي متخصص في الكتابة عن التكنولوجيا وتأثيرها على الثقافة والسياسة والإقتصاد. مؤسس مشارك لمجلة WIRED. مؤلف كتاب The Inevitable. ترجمتُ مقالته من هنا

تدوينات مُقترحة:

برتراند رسل – كيف (لا) تتقدم في السن
أوليفر ساكس – متعة الشيخوخة

فن التظاهر بالانشغال

في إحدى المحاضرات، وبينما كان الأستاذ يقرأ بدون شرح من الشرائح الماثلة أمامه على الشاشة، فوجئت بأن الجميع يتظاهرون بالانشغال، فإما أن يهزون رؤوسهم وأعينهم تسرح في مكان آخر، أو يتظاهرون بتدوين مايقوله الأستاذ وهم يلعبون بأجهزتهم الالكترونية. أما أنا فقد لاحظت أنني أتظاهر بالكتابة بينما كنت أخربش في مفكرتي وأرسم. 

نحن نكذب لأن الآخرين يجبرونا على الكذب، ونتظاهر بالانشغال لأننا لا نرغب في إحراجهم. لم نكن بالطبع نرغب في الصراخ في وجه الأستاذ بأن محاضرته مملة للغاية وأننا مُجبرون على الحضور. 

يسألك شخص عن حسابك الشخصي في إحدى الشبكات الإجتماعية، فتجيب أنك مشغول لدرجة أنك بالكاد تستخدمه هربًا من سؤاله. ويسألك آخر الخروج معه فتخبره بانشغالك طيلة الأسبوع. تتظاهر بالانشغال بالعمل حتى لا يعتقد مديرك بأن لديك وقت شاغر فيكلفك بأعمال ليست من مهامك. وجدتُ مقاطع انتشرت في تيك توك تُظهر بعض ربات البيوت الأجنبيات متكئات على الآرائك فما إن تسمع إحداهن صوت مفاتيح الباب تعلن عن وصول زوجها من العمل حتى تقفز من مكانها ممسكة بالمكنسة متظاهرة بانشغالها بالمهام المنزلية. فوجئت بالتعليقات مدافعة عن تصرفها بأنها لا تريد إشعار زوجها الذي ”يكرف“ بأنها منعمة في هذه اللحظة حتى لا تعطي انطباعًا بأنها كانت كذلك طوال اليوم مراعاة له. وكأن الانشغال فضيلة؟ نعم هو فضيلة عندما تهمك مشاعر الآخرين. أذكر أنني عندما نشرت أول تدوينات لي في عام ٢٠١١ قالت لي إحدى الزميلات ”ماشاء الله عليكِ فاضية!“ وفاضية هنا تعني أنه لدي فراغ من الوقت -بخلافها الغارقة في أشغالها- جعلني أدوّن وأنشر، وهي إذن تؤكد بقولها ضمنيًا أن الانشغال فضيلة حقًا. 

لكن هل نحن حقًا مشغولون؟ مع التقدم في العمر وتعدد المسؤوليات وتكاثر مشاغل الحياة تقوم أدمغتنا بتصفية الأشخاص حسب أهميتهم لتصبح لدينا قائمة غير مرئية بالأشخاص المهمين في حياتنا. وعندما تحين أوقات الفراغ، قد ترجح كفة وقتنا الخاص على الوقت الذي سنمضيه مع شخص آخر ليس موجودًا ضمن القائمة. نحب الآخرين ونتمنى الخير لهم، لكن حتى أكثر الناس حبًا للاجتماعات وللاختلاط بالآخرين قد يتظاهرون أحيانًا بالانشغال رغبة في العزلة أو لأجل أولويات لديهم. وإذا كان أبو تمام يقول بأن سيد القوم هو المتغابي، فقد يتسنى لنا في هذه الحياة العصرية أن نقول بأن سيد القوم هو المتشاغل.

فن صناعة الذكريات

Sveta Dorosheva 

الذكريات السعيدة مهمة لصحتك، وقد تستخدم كطريقة للتشافي من الاكتئاب. فالحنين إلى الماضي (النوستالجيا) طريقة فسيولوجية ناجحة تجعل الناس يشعرون بسعادة أكبر. لكن كيف نصنع الذكريات السعيدة ونحتفظ بها؟

هذا عنوان كتاب خفيف أحببت أن أختصر لكم بعض محتوياته في هذه التدوينة بشكل سريع. مؤلف هذا الكتاب هو مؤسس مركز أبحاث السعادة في الدنمارك Meik Wiking

هل تعيش اللحظات السعيدة أثناء حدوثها بكل حواسك؟

في دراسة طُلب من ألف شخص من ٥٧ دولة عن أن يكتبوا عن أول ذكرى سعيدة تخطر على البال، وكانت النتيجة كالتالي:

٢٣٪ من الذكريات كانت جديدة مثل زيارتهم لدولة لأول مرة،
٣٧٪ كانت للتجارب الجميلة مثل الزواج والولادة،
٦٢٪ كانت لذكريات تتضمن فيها استخدام الحواس الخمسة مثل ذكرى لامرأة تذوقت الفلفل الذي كانت تستخدمه والدتها في الطبخ أثناء طفولتها

إذن النصيحة الأولى هي أن تستخدم جميع حواسك في الأوقات السعيدة. كلما استخدمت المزيد من الحواس كلما تذكرت بشكل أفضل. إذا زرت أماكن جديدة، فلتتذوق أطباقًا جديدة. 

كيف أستخدم حواسي في صناعة الذكريات؟

العطور:
في سيرته الذاتية، يذكر آندي ورهول كيف أنه كان يغير عطوره التي يستخدمها طوال الوقت حتى يحتفظ بالذكريات المصاحبة لتلك العطور.

”إذا استخدمت عطرًا واحدًا ل٣ أشهر، فإنه سيذكرني دائمًا بهذه ال٣ أشهر. لا أستخدم العطر نفسه مرة ثانية على الإطلاق“

الموسيقى:
كل ذكرى سعيدة تستحق أن يكون لها أغنية. تستطيع الموسيقى أن تبحر بنا بعيدًا نحو ذكريات قديمة. وكما يقولون خلف كل أغنية مفضلة، هناك حكاية لم تروى بعد.

يذكر المؤلف أن العمر السحري للموسيقى هو مابين ال11-15، لذلك إذا كنت تحب أغاني معينة في مراهقتك فإنك ستظل تحبها للأبد. حاول أن تربط الأغاني التي تحبها بالذكريات السعيدة فقط.

اطبخ طبقًا للذكريات السعيدة:

إذا كنت تحب الطبخ، فاصنع لك طبقا للذكريات السعيدة. ماذا تتذكر عندما تشم رائحة القهوة؟

نصيحة: دوّن المواقف الجميلة التي حدثت لك بالتفصيل حتى تتذكرها لاحقًا، ولاتعتمد على ذاكرتك فقط. يذكر المؤلف أنه قرأ كتاب ”وداعًا للسلاح“ لارنست همنغواي في حدائق لوكسمبورغ في باريس، وكان لون الكتاب بنيًا وأزرقًا.

التجارب الأولى:

هل تتذكرون ”أولى“ تجاربكم في كل الأمور؟

أول يوم في المدرسة أو الجامعة، أول مرة تأكلون فيها طبقًا أو فاكهة معينة، أول مرة تشاهدون فيلمًا في السينما، أول حب…

من الممكن أن يكون هذا سببًا لماذا رتم الحياة يكون سريعًا كلما تقدمنا في العمر. ذلك لأن تجاربنا الأولى تكون كثيرة في مراهقتنا، بينما تنتهي أو تغدو نادرة عندما نصبح في الخمسين من أعمارنا.

اسأل أي شخص كبير في السن عن ذكرياته، وأغلب الظن أنه سوف يخبرك بقصص حدثت معه مابين عمر ال١٥ للثلاثينات. هذا مايسمى بنتوء الذكريات أو تأثير الذكريات، تستطيع أن تلاحظ هذا في السير الذاتية عند المؤلفين، ستجد أن أغلب الصفحات تعود إلى هذه الحقبة الزمنية من أعمارهم.

نصيحة: زر أماكن جديدة، ليس بالضرورة أن تكون مدنًا، من الممكن حديقة أو مطعمًا لم تزره من قبل. واخلق لنفسك تجارب جديدة.

انتبه أكثر:

هل حدث لك هذا الموقف؟
تعمل أمام جهازك لوقت طويل وتتذكر أن تذهب إلى الغرفة الأخرى من أجل أن تحضر ورقة ما، ثم تخرج من باب الغرفة وتذهب إلى الغرفة الأخرى ثم تقف فجأة .. لماذا أنت هنا؟ تنسى تمامًا أمر الورقة.
ثم تعود إلى جهازك مرة أخرى وتتذكر الورقة. 

هذا الموقف يسمى بتأثير الباب، أنت خرجت من باب الغرفة. وبحسب ورقة علمية، فإن الخروج من الباب يسبب النسيان. ذلك أن المشي من خلال الباب يجعل الدماغ يصدق أن هناك مشهدًا جديدًا سيبدأ وأنه لايحتاج إلى الذكريات التي حصلت في المشهد السابق. لذلك من الممكن أنك تحتاج إلى زيارة المشاهد السابقة أو الأماكن السابقة لاستعادة الذكريات السعيدة.

”ميزة الذاكرة السيئة أن الشخص يستطيع الاستمتاع بالأشياء الجميلة عدة مرات وكأنها أول مرة.“ – نيتشه

عندما لا نجلس بجانب أجهزتنا أو هواتفنا المحمولة فإننا نساعد أنفسنا أن نركز بشكل أكبر. حاول أن تغلق كل التنبيهات في تطبيقات الجوال.

عامل ذكرياتك السعيدة وكأنها شخص تواعده:

ستلاحظ لونه عينيه وشعره والعطر الذي يستخدمه، وأشياء مميزة مثل الحوارات وحركات اليدين. من الممكن أن تكون هناك غوريلا بجانب طاولتكم، لكن هذا لايهم. اجعل المواقف السعيدة مثل هذا الشخص وانصب تركيزك عليها.

ماهي الأمور أو الأشياء التي تذكركم بالطفولة السعيدة؟

في استفتاء لألفين بالغ في بريطانيا، أظهرت النتائج أن ٧٣٪ من الأشخاص قالوا أن الشاطيء لعب دورًا كبيرًا في ذكريات الطفولة. وبالاعتماد على الدراسة، فإن ذكريات الطفولة أكثر استحضارًا في فترة الصيف مقارنة ببقية الفصول. 

فكرة طريفة: إذا كنت ترغب في إلقاء كلمة أو محاضرة في مؤتمر على سبيل المثال، وترغب في أن يتذكرك الناس جيدًا أعطهم شيئًا يتذكرونك به لاحقًا، على سبيل المثال احضر معك أناناس وضعها على الطاولة! عندما ينتهي المؤتمر سيتذكر الناس الشخص الذي أحضر معه الأناناس. أخبر الناس لماذا أحضرتها معك وإلا ستكون شخصًا غريب الأطوار.

نصائح متنوعة:

  •  احتفل بالإنجازات مهما كانت. ستجعل من إنجازاتك سعيدة في ذاكرتك.
  • اقدم على أمر يخيفك، فالخروج من منطقة الراحة هو الخطوة الأولى لصناعة المزيد من الذكريات.
  • عندما تريد أن تفعل شيئًا ما، فلتأخذ في الحسبان أنك ستتذكره ل١٠ سنوات. 
  • اجعل ختام الموقف أو الرحلة أو التجمع سعيدًا حتى تصبح الذكرى أقوى في التذكر. إذا كانت نهاية الإجازة هي الأسعد فستخلد في الذاكرة.
  • احتفظ بالذكريات السعيدة عن طريق الصور.
  • خطط لسنة كاملة مليئة بالذكريات السعيدة واكتب قائمة بالأمور التي تود تجربتها.

ماهي طرقكم في صناعة الذكريات السعيدة والاحتفاظ بها؟

خطر ربط الرضا عن الذات بالإنجازات المهنية – كيف تغيرت قيمنا الإنسانية

*بقلم غادة محمد 

” كل مالي اقتنع ان رضاي عن ذاتي المبني على إنجازات حياتي المهنية قاعد يدمرني!” 

هذه الجملة كان لها أثر كبير على نفسي “وأنا أسولف” مع أحد الأصدقاء أثناء فترة الحجر. السبب الأكبر في ذلك يعود إلى أنني لاحظت أن هذه المعضلة تتكرر وتؤلم الكثير من الأشخاص المقربين إلى قلبي؛ فكرة أن قيمة حياتنا أو تجربتنا الإنسانية مختزلة في مهنة أو وظيفة هو شيء غير إنساني، واليأس الناتج عن هذا الصراع أصبح في هذا الزمن ” آفة” تستحق الدراسة.

جميعنا يعرف شخصًا ما -أو قد يكون هو شخصيًا- لا يجد معنى في أوقاته التي تكون خارج العمل أو أن مستقبله المهني يأخذ الحيز الأكبر من تفكيره. أصبحت علاقاتنا الإنسانية – بعيداً عن التواصل المرتبط بالحياة المهنية (Networking)  – تحتاج إلى مجهود كبير لاستمداد معنى منها. فالمرأة الأم عندما تختار أن تقضي وقتها في المنزل لتربية أطفالها بدلًا من العمل قد تقع في الاكتئاب وتعتريها تساؤلات عن معنى حياتها من حين لآخر. أما الفنان الهاوي الذي يصنع أعمالًا فنية للهواية فقط من غير تحويلها لمشروع تجاري فيشعر أنه يضيع فرصة استثمار أعماله! 

الاسترخاء أو عدم الانتاجية أو توقفنا عن العمل المهني جميعها تسبب لنا تساؤلات عن معنى حياتنا أو قيم ذواتنا. الموضوع هنا ليس عبثيًا، فنحن نعيش في منظومة كبرى تفرض علينا قياس قيمتنا الذاتية بإنجازاتنا المادية أو التعليمية أو الوظيفية. هذه المشاعر مرتبطة بمبادئ الاقتصاد الذي نعيش فيه، لأنها تصور لنا أن كل ساعة في اليوم قابلة أن تكون فرصة لجني المال (monetizable) وبذلك تصبح أوقاتنا مع الأهل والأصدقاء أو للراحة أو حتى لممارسة أي نشاط لا يعود علينا بعائد مادي إلى طاقة مهدرة، بطريقة تجعل كل أوقاتنا غير المرتبطة بالعمل أو تطوير مهاراتنا المهنية في حاجة مستمرة للتبرير وإلا أصبحت مضيعة للوقت والعمر!¹ 

حلل العديد من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والسياسة والاقتصاد أسباب هذه المشاعر من خلال شرح النظام الاقتصادي النيوليبرالي ذو الأبعاد الاجتماعية والسياسية والذي يلعب دورًا مهمًا في تشكيل مفهوم قيمتنا المرتبطة بحياتنا المهنية. حيث أن النيوليبرالية كأيديولوجية تجاوزت أساسها في تنظيم الاقتصاد إلى إعادة تشكيل القيم الإنسانية ومفاهيم أخرى في الحياة الاجتماعية. 

سوف نستنتج من خلال هذا المقال كيف تمكّن هذا النظام من فرض قيمة الحياة المهنية فوق كل شيء بشكل منهجي، كما سنوضح أوجه ارتباط النيوليبرالية بقيم ذواتنا وكيف تم ربط تحقيق ذواتنا بحياتنا المهنية وإنجازاتها.

ما هي هذه المنظومة ولماذا تفرض علينا هذه القيمة؟ 

يمكننا اختصار النيوليبرالية بمعادلة بسيطة، وهي أن كل ما هو جيّد للاقتصاد فهو جيّد للمجتمع. أساسها مأخوذ من فكرة أساسية كتب عنها آدم سمث في كتابه ثروة الأمم The Wealth of Nations . كان لدى سميث اعتقاد شكّل مفهوم الاقتصاد بالكامل وهو أن الإنسان بطبعه أناني، ولأنها الفطرة البشرية فمن المنطقي أننا نُشكّل نظام اقتصادي مبني عليها. لذلك، فإننا إذا مكنّا الأفراد من تتبع رغباتهم الشخصية فإننا سنصل إلى نوع من التوازن الذي يحقق فائدة للجماعة.

 هذا التوازن لا يتحقق إلا إذا كان الاقتصاد هو العنصر العادل أو ما يحدد قيمة السلع بناء على عملية العرض والطلب التي بدورها كفيلة بتحديد قيمة الأشياء ذات أهمية للمجتمع.

وجد علماء النيوليبرالية بعد ذلك أنه لكي نزيد من حرية الفرد ونقلل من تسلط الحكومات على الاقتصاد من المفترض أيضًا ان نُسلّع كل الخدمات والمؤسسات العامة في المجتمع (مثل المؤسسات التعليمية والخدمات الصحية، المؤسسات غير الربحية الخ) ويجب أن تُعامل معاملة السلع التجارية والقطاع الخاص، وذلك بخصخصتها لضمان فرص تنافسية ترفع من جودة الخدمات.

 بدأت هذه الايديولوجية بالسيطرة على العالم بعد أزمة الاقتصاد في السبعينيات وتبنت أمريكا وبريطانيا هذا التحول بتخصيص القطاعات الخدمية العامة، الأمر الذي امتد لاحقا لتسليع الإنسان وجميع تفاصيل حياته.

ما وجه ارتباط النيوليبرالية بقيمتنا لذواتنا؟ 

بربط مفهوم كل ما هو جيد للاقتصاد هو جيد للمجتمع فإن النيوليبرالية جعلت من كل شيء ومن كل شخص قيمة اقتصادية لذلك فإن الهدف الأساسي للإنسان (أو الأشياء) هو رفع قيمتهم الاقتصادية أو السوقية بالاستجابة لمتطلبات السوق (الاقتصاد). 

ولأن الركيزة الأساسية في هذا النظام هو تسليع/خصخصة أي شيء بحيث يكون رافدا ربحيًا، فإن الإنسان ليس استثناءً لذلك. فقد أصبح الغرض الأساسي لحياة الفرد الآن هو أن يكون رجل أعمال نفسه وأن يدير حياته كما لو كانت شركة تجارية. إن انعكاس هذا المفهوم في لغتنا اليومية أصبح مقبولًا ومنطقيًا كالاستثمار وتطوير الذات باكتساب المهارات والهوية الشخصية (البراند الشخصي)، أما الاستثمار في الذات من أجل الرفع من القيمة الاقتصادية (المربوطة لا إردايًا بالقيمة الذاتية) فقد أصبح هاجس الكثير، وغدونا نسأل عن المهارات التي يجب أن نطورها لكي نتماشى مع طلب السوق، وكيف نستثمر أوقاتنا حتى نكون أكثر انتاجية، وكيف نختار التخصص الجامعي بناء على مستقبل السوق والعديد من الأسئلة الأخرى. 

أصبحنا بشكل لا إرادي نربط كل ما نقوم به بقيمة اقتصادية، أي إذا لم نعمل شيئا ذا قيمة منعكسة في السوق فقد يصعب علينا تحديد معناه أو قيمته. نستطيع القول أن النيوليبرالية كأيدلوجية مسيرة للعالم قد تمكنت من تجسيد جوانب حياتنا بخطاب مادي / “بزنسي”. وينعكس هذا الخطاب في جوانب كثيرة من حياتنا اليومية الواقعية والافتراضية. مثال على هذه الجوانب:

  • العلاقات الإنسانية: 

قد لا نستغرب انتشار الشعور بالوحدة في جميع المجتمعات على الرغم من ازدياد قنوات التواصل وأعداد المعارف في حياة الأشخاص. سيطرة مفهوم الفردية والرغبات الشخصية الناتجة عن هذا النظام حولت مفهوم بناء الصداقات والعلاقات من الدافع الإنساني في مشاركة الحياة والشعور بالاتصال الروحي والانتماء، إلى بناء العلاقات من مبدأ الفرصة والاستثمار، الربح والخسارة الفردية. أصبح الإنسان يفكر في تكوين شبكة علاقات للاستفادة منها في المستقبل وفي باله سؤال العائد المستقبلي والمخرجات الملموسة من العلاقة. باتت الأرباح والخسائر في العلاقات تُقاس كالمخاطر التجارية، وذلك أمر غير ممكن في تكوين علاقات إنسانية عميقة والتي هي حاجة فطرية بشرية من أجل عيش حياة صحية وذات معنى.² تأكدت هذه الحقيقة في أطول دراسة قامت بها هارفارد مدتها أكثر من ٧٥ سنة بمتابعة الآلاف من الأشخاص والتي أفادت بأن الشيء الذي يجعلنا أكثر صحة وسعادة لم يكن الإنجازات العملية ولا الثروة المادية بل إنها ” العلاقات الإنسانية القوية”. 

  •  التقنية وحسابات التواصل الاجتماعي: 

مع تطور التقنية وزيادة العولمة، شكّلت مواقع التواصل الاجتماعي طريقة جديدة في التواصل حيث أحدثت مواقع التواصل نقلة نوعية في تغيير طابع الإعلام التقليدي بتمكين الطرفين بالتأثير (المرسل والمتلقي) من المساهمة في عملية الاتصال. مع الوقت، أصبحت هذه القنوات التقنية تدير بياناتنا بطريقة تجعلنا أكثر تطرفاً لآرائنا بتتبع رغباتنا عن طريق المراقبة والإعلانات الموجهة، فنحن نتابع من يوافقنا الرأي ونرى إعلانات تناسب احتياجاتنا فقط. بالإضافة إلى ذلك فإن حساباتنا في مواقع التواصل لا تحمل وزناً افتراضيا فحسب، بل إنها قناة تُمكننا من تحقيق الدخل المادي من خلال صناعة محتوى مناسب للمعلنين التجاريين وتحويل المتابعين إلى مستهلكين للمحتوى وإنشاء نمط جديد من الاستهلاك ذو قيمة اقتصادية، مما ساهم ذلك في تزايد ظاهرة المؤثرين بأنواعهم في مواقع التواصل الاجتماعي. إن عالم إنترنت الأشياء (Internet of Things) وما يحويه من البيانات والأرقام و القياس الكمي للأشياء يعزز لنا فكرة أن كل ما نقوم به له قيمة اقتصادية وقابل للتقييم والتصنيف والمتابعة. 

فعلى سبيل المثال، أصبحنا نقيس ونتتبع الوظائف الحيوية الأساسية لدينا -بالإضافة لتتبع عاداتنا اليومية- مثل عدد الخطوات التي نمشيها، وعدد ساعات النوم، وعدد السعرات الحرارية التي نتناولها وما إلى ذلك من تحويل كل جانب من جوانب إلى الحياة إلى رقم يُقاس وقابل للتسليع.

  • العمل الحر و الدخل المادي: 

مع تطور سوق العمل، أصبح هنالك الكثير من الوظائف التي تُبنى على مهارات الأشخاص وتقديم خدمات الأفراد المستقلين  كالتصميم والكتابة، أو المصنوعات حرفية. إن نموذج اقتصاد العمل الحر (Freelancing) يُعنى بتضخيم دور الفرد وحثهم على تشكيل هوية شخصية في السوق “Personal Branding” وتحويل الإنسان الى ما يشبه الشركة التي تهدف باستمرار لرفع قيمتها السوقية وتسويق هويتها والمحافظة على سمعتها. فأصحاب الأعمال الحرة في هذا الاقتصاد هم أكثر المعرضين لفقدان القدرة على الفصل بين مصدر دخلهم وذواتهم من غير “البراند” بسبب طبيعة هذا النمط الجديد من الوظائف.³

وفي زمن الاقتصاد النيوليبرالي، أصبح مستوى الدخل المادي للفرد مرآة لأهمية أو قيمة ما يقوم به حيث يُصنّف السكان بحسب دخلهم وتتغير نظرة المجتمع للإنسان تبعا لمستواه المعيشي. والحقيقة أن دخل الوظائف يُقاس بمعايير العرض والطلب في السوق، ولا يعكس بالضرورة أهميتها وقيمتها في المجتمع. كمثال: القاتل المأجور لا يضيف على الإطلاق أي شيء إيجابي للمجتمع ولكن دخله المادي لا يقارن بالدخل المادي للممرضة التي تقضي وقتها في رعاية المرضى وذلك لأن عدد الأشخاص المستعدين لتأدية دور القاتل المأجور أقل بكثير من عدد الأشخاص الذين يستطيعون أداء مهام الممرضة، مثال آخر لاعب كرة القدم المحترف و المعلم حين نعلم أن دخل اللاعب السنوي قد يصل الى مئات الملايين مقارنة بما يجنيه المعلم. ⁵

  • الفن: 

الإبداع والتعبير بالفن أقدم بمئة ألف سنة من الاقتصاد، فالفن إحدى الأشياء الأساسية في طبيعة الإنسان، وقبل أن يصبح سلعة اقتصادية، خاضعة للعرض والطلب، كان شعيرة مقدسة. الكثير من الفنانين يعلمون أن الفن هي طريقتهم في التعبير عن ذواتهم والوصول إلى حالة من السكينة والهدوء والسلام. تقول إليزابيث جلبرت إحدى أنجح كتاب الروايات في العالم⁴(Elizabeth Gilbert) في نصيحة لكل الفنانين والأدباء، أنه بمقدورنا جني المال من أعمالنا الفنية مادمنا مدركين أن هذا ليس هدفنا من الفن بذاته، وأنه في اللحظة التي يتسبب بها إنتاج الفن بالضغوط والتوتر كنتيجة لتسليع الفن، فإنه يفقد معناه الأساسي الذي جعلنا نلجأ إليه في البداية. وتقول أيضاً أنه حين يُسلّع الفن فإنه بشكل مباشر يفقد قدرته على تحقيق ” التشافي” والعلاج النفسي إن صح التعبير.

كيف نتعامل مع صراع الحياة المهنية وقيمة ذواتنا؟ 

في حين أن النيوليبرالية تمكنت من وصف جوانب حياتنا بخطاب “بزنسي” فإنها في الجهة المقابلة أصبحت تخاطب الاقتصاد كإنسان، فإننا نسمع في النشرات الاقتصادية عن “مزاج السوق، صحة السوق، نموه ونضجه الخ ” وبعكس هذين الخطابين تؤكد لنا هذه الايديولوجية أن الاقتصاد هو الأساس الذي يعيد صياغة الدول والناس على أنهم مجرد عناصر تخدم الاقتصاد الذي يعيشون فيه.

ولأن الاقتصاد أصبح هو العنصر الرئيسي في الحياة الذي يجب أن نسعى من خلاله إلى أي إنتاج ذا قيمة، فإنه من واجبنا كأشخاص صالحين أن نكون فاعلين في السوق وأن نساعد في تعزيز نمو الاقتصاد. ومع مرور الوقت أصبح لدينا إيمان قوي بأن عدم إنتاجنا لأشياء مادية أو عدم حصولنا على وظيفة ذات دخل عالي -أو عدم حصولنا على وظيفة!- يجعلنا عبء على المجتمع لأننا عبء على السوق ولا نُشكّل أي قيمة سوقية، وذلك قد يُشعرنا أنه ليس هنالك أي قيمة لذواتنا على الإطلاق.  

الفكرة هنا أن الوظيفة ليست بحد ذاتها شيء سيء ونحن في ديننا مأجورون على العمل وكسب الرزق. الإخلاص والتفاني في العمل شيئان إيجابيان ولكن خلو المعنى أو تحول المعنى من أبعاد ذات قيم شخصية إنسانية إلى قيم اقتصادية غير إنسانية تسبب لنا الإحباط واليأس وفقدان القيمة لذواتنا.  وتحت ضغط من هذا النظام فقد الكثير منا قدرتهم على التوقف أو التفكير بقيمهم الشخصية، ولذلك عندما تتمحور حياة الفرد حول الوظيفة كمقياس وحيد للقيمة التي تختزل معناه، سرعان ما يفقد ذاته أو حتى القدرة على التعرف على أولوياته وأهدافه في الحياة. قد يكتشف الشخص أن قيمه قابلة للتحقيق من خلال الوظيفة وهذا أمر يقلل الكثير من الصراع، أما إذا لم تكن هذه القيم الشخصية قابلة للتحقيق من خلال وظيفة فإنه قد يكون بالإمكان إيجاد التوازن بتخصيص طرق لجلب الرزق (المال) وتحقيق القيم الأخرى من خلال العلاقات أو الأعمال والهوايات والتطوع، والتي تضفي معنى للحياة وتزيد من قيم ذواتنا من غير دخل أو على الأقل بدخل بسيط.

إن مواجهة هذه الأيديولوجية التي تعيد صياغة الطرق في تقييمنا لأنفسنا، وتعيد تشكيل معنى النجاح والسعادة هو أمر صعب جدًا ويتطلب الكثير من “الجهاد الشخصي” للتغلب على التأثيرات الخارجية والداخلية من رواسب هذه الأيديولوجية في ذواتنا ومجتمعاتنا والتغلب على المقاومة الدائمة من جميع مكونات هذا النظام الاقتصادي. تقول جيني أوديل (Jenny Odell): “أصبحنا نشعر بالذنب إذا توقفنا عن العمل، وإن أردنا أن نحصل على تجارب أعمق في الحياة فيجب علينا أن نتأمل، والتأمل قد يتطلب عنصر مهم جدًا وهو التوقف والتفكر في معاني الأشياء من حولنا” ⁶ 

في الختام، إن تحديد معنى النجاح والفشل أو السعادة هو أمر شخصي والهدف من هذه المقالة هو جمع قراءات تحليلية⁷ تساعد على فهم الأسباب التي تجعلنا نربط قيمتنا لذواتنا بقيمة اقتصادية ومحاولة جادة لتمكين كل فرد منا لإعادة النظر في تجربته الشخصية وفهم أولوياته ورفض تسليع ذاته وتجربته الإنسانية.


¹Jenny Odell “How to do nothing 

² يجد العديد ان علاقتهم بالوظيفة صحية أكثر من علاقتهم بعائلاتهم ( الأزواج، الأخوة، الأب والأم)  وذلك لعدة أسباب أولها التعامل بحرفية في العمل وذلك باستبعاد المشاعر والسيطرة عليها – وذلك يمحي جزء كبير من شخصيتك وذاتك فيسهل عليك التعامل مع الآخرين. ثانياَ، جميعا نتعلم المهام المنصوصة علينا في وظائفنا ونتلقى التدريب والمعرفة من خلال الدراسة والتواصل المباشر بالشرح اللفظي. في المقابل ، نحن لا نتعلم كيف نتعامل مع الاشخاص المقربين لنا وشرح ما نريد لفظياً بل اننا نتوقع منهم الفهم بقرأة نفسيتنا وملاحظتها وقد يسبب هذا الكثير من الاحباط، لاننا نرى أن ذلك يعني عدم تقبل الاخرين لذواتنا او فهمنا وهذا غير صحيح. استقبال النقد من الأهل أو الاحبة اصعب للتقبل بالتأكيد من استقباله على مهمة قمت بها في العمل. مهما صعبت مهام الوظيفة فإننا قادرين على التعامل معها لاننا في الحقيقة وإن لم نكن نعي ذلك غير معتمدين عليها كاعتمادنا على محبة الأهل. وهذا الاعتماد قد يجعلنا نشعر بالخوف وعدم الاتزان لذلك فإننا قد نشعر بالراحة بالخروج من المنزل والذهاب للوظيفة لأننا تعلمنا كيف نتعامل معها وذلك اسهل بكثير من جهلنا بالتعامل مع ذواتنا في علاقة انسانية عميقة.  مختصر لـ Why is work easier than love

³ Dr. Alessandro Gandini, Middlesex University: ‘Digital Work. The “Branded Freelancer” and the Rise of a Freelance Economy

⁴ “How to seize the day” Elizebth Gilbert 

Why we look down on low wage earners 

⁶Jenny Odell “How to do nothing” 

Undoing the Demos: Neoliberalism’s Stealth Revolution, Wendy Browns 

⁷Requiem For The American Dream, Noam Chomsky 

١٠ حقائق يجب أن يتقبلها كل شخص

Monica Garwood

إجابة سؤال في كورا، ١٠ حقائق يجب أن يتقبلها كل شخص:
١ولدتَ وحيدًا وستموتُ وحيدًا، لذلك حاول أن تعيش حياة مليئة بالمعنى على قدر الإمكان. اجعل لك أهدافًا يومية واعمل عليها بقدر استطاعتك.

٢لن تكون شابًا إلى الأبد. ساعتك البيولوجية لن تتوقف عن العمل. كلما تقدمت في السن، ستحصل على تذكارات يومية صغيرة تذكرك بفناءك.

٣قد يكون حولك أكثر من ١٠ أشخاص تعتبرهم كالأصدقاء، لكن في أوقات الضراء، سيكون بقربك شخص أو اثنين فقط. كن ممتنًا إذا كان بجانبك شخص واحد على الأقل!

٤أنت لست شخصًا مهمًا مهما كنت تعتقد. كل إنسان في هذه الحياة لديه أموره ومشاكله الشخصية. لذلك لا تفكر فيما سيقوله الناس عنك، لأنهم لا يفكروا فيك أصلًا.

٥مايُشغل تفكيرك هو انعكاس حقيقي لما يحدث في حياتك. قد تتعجب لماذا تكرر نفس الأخطاء وتفشل في أمر تجيده. لذلك يجب عليك أن تراجع أفكارك وتفكر مع ذاتك حتى تُمحي كل الأفكار غير الجيدة، وتستطيع فعل ذلك عن طريق استبدال الأفكار القديمة بأفكار جديدة.

٦ستكون هناك أوقات محبطة وكئيبة في حياتك. لن تجري الأمور كما خططت لها تمامًا. لذلك، لا تُعلق نفسك كثيرًا بالنتائج.

٧الحظ يلعب دورًا كبيرًا في نجاحك أو في ثرائك. أعرف أشخاصًا دخلوا سوق الأسهم للمرة الأولى في حياتهم وأصبحوا أثرياء للغاية.

٨لتصبح رياضيًا محترفًا في رياضة معينة، يجب أن تبدأ مُبكرًا وتركز تفكيرك فقط في هذه الرياضة. هؤلاء المحترفون عملوا أكثر من ١٠ آلاف ساعة ليصبحوا جيدين للغاية كما يقول مالكوم قلادويل، وأنا اتفق معه، هل رأيت أي رياضي محترف في التنس أو كرة القدم يعمل في وظيفة عادية؟

٩المال مهم للغاية. ينفصل الكثير من الأزواج عن بعضهم بسبب المشاكل المادية مثل الإسراف أو عدم وجود المال الكافي. تعلم مهارات جديدة لتساعدك على جني المال بطريقة تعيش فيها حياة كريمة. أنصحك بأن تبدأ بتوفير المال مبكرًا حتى يتجمع لديك بشكل كافٍ في المستقبل.

١٠السعادة موجودة في السعي نحو هدف ذو قيمة. لن تساهم الأمور المادية بشكل كبير في رفع مستوى سعادتك.     

١١هذه نقطة إضافية. كلنا نعلم أشخاصًا فازوا باليانصيب الجِيني. أن تكون وسيمًا أو جميلًا يعني أنك بالكاد تعاني من ضعف الثقة بالنفس في أول حياتك. ستُعامل بشكل أفضل من مجتمعك وكل شخص يريد أن يصبح صديقك. هذه هي الحياة!

مترجم بتصرف:
Quora: What are ten truths everyone should accept in their life?

الحياة الطيبة

مع مكوثنا في المنازل هذه الأيام، ظهرت هناك دعوات مُلّحة إلى ضرورة إعادة النظر إلى تصاميم البيوت، وكيفية تصرفنا بداخلها.

زميلتي من جورجيا تتحدث عدة لغاتبالإضافة إلى الجورجيةمنها الإنجليزية والألمانية والأسبانية، وسبب معرفتها بهذه اللغات هي أنها منذ سنوات طويلة كانت تعيش وتتنقل بين دول كثيرة. سألتها مرة قبل أن أودعها وتغادر مونتريال:

مع هذا النمط من الحياة، هل تفتقدين في كل مرة كل هذه المدن أو حياتك فيها؟
لا..اعتدت على ذلك، لا أفتقد أي مدينة، ولكني أبكي بكاء مرًا في كل مرة أغادر فيها أي منزل سكنته. كل المنازل التي سكنتها تشبهني.. أصبحت جزءًا مني!

لذلك..هل تُشبهكم منازلكم؟

أطلقتُ على هذه التدوينة اسم الحياة الطيبة، لأن الحياة الطيبة تبدأ أولًا من المنزل، المكان الذي تسكن إليه. ليس هناك شك أن الحياة الطيبة هي مفهوم واسع لمجموعة متقاطعة من العوامل، لكن مايعنيني هنا هو العامل المادي: كيفية التعامل مع أشيائك المادية في المنزل على النحو الذي يجعلك تحيا حياة طيبة على قدر الإستطاعة. بالطبع هذا لا يعني أن من يخالف فلسفتي لايعيش حياة طيبة، ولكن لكلٍ طريقته، وهنا شيء من طريقتي:

غرفة النوم: وقد ذكرتها في أول الأمر لأننا نقضي ثلث يومنا وحياتنا في النوم. فالمرتبة الممتازة استثمار ممتاز لراحتك على المدى البعيد، واللحاف الدافئ والمخدة المناسبة هي أفضل ماتختم به يومك. من الجميل ترتيب السرير فور استيقاظك من النوم لأن هذا سيُشعرك بالإنجاز رغم تفاهته. ومن الرائع السماح لنور الشمس بالدخول إلى الغرفة وتهويتها كي تشعر ببدء يوم جميل.

ملابس المنزل: البيجاما مخصصة للنوم فقط. الحالة المُستثناة بالنسبة إلي هي الشهور الأولى بعد ولادتي لابنتي لأنها تُناسب الرضاعة الطبيعية، وبسبب نومي المتقطع واستيقاظي لفترات متعددة خلال اليوم. البعض يحب ارتداء البيجاما لأنها مريحة، لكن ملابس المنزل أيضًا يجب أن تكون مريحة وتبعث على البهجة. اختاروا الملابس التي تُشعركم بالسعادة والراحة خلال اليوم.

لا أمتلك ملابس كثيرة، لكنني لا أعيد ارتداء الملابس التي ارتديتها بالأمس. أقوم بفرز الملابس التي يمر عليها حول كامل دون استخدام، وأرتدي المجوهرات الخفيفة طوال الوقت (قرطين وسلسلة واسوارة) حتى أثناء النوم.

كيّ الملابس: لا أرتدي الملابس غير المكويةوأعني هنا ملابس المنزلوإن كانت بيجاما. قد أبذل بعض الوقت والجهد في الكثير من المرات لكيّها رغم انشغالي. لماذا قد نتجاهل كيّ الملابس التي لا يراها الناس؟

التنظيم: لا أحب الآراء التي تتغنى بنجاح وتميّز الشخص الفوضوي عن البقية بناء على دراسة أو أخرى، فليس هناك أسوأ من قضاء وقت وبذل مجهود للبحث عن فاتورة ورقية أو حتى ريموت التلفاز. الجلوس في منزل منظم مُريح نفسيًا ويبعدك عن التوتر والقلق. لدى أهل المدينة وصفٌ للترتيب وحسن التدبيررستكة، فالشخص المُرستكفهو الشخص الذي يُحسن من ترتيب منزله وتدبيره بالإمكانيات المتوفرة لديه. لستُ ماري كوندو -رغم أن أبي رحمه الله كان يتفوق عليها وأنا ابنته- وأحاول أن أُهدئ من روعي كلما حلّت الفوضى، لكن أُسدد وأُقارب.

أدوات الطعام: ليس لديّ أوعية وصحون خاصة بالضيوف. ما أقدّمه لضيوفي هي الأوعية التي استخدمها. لذلك أحب أن اشتري الصحون والأكواب الجميلة وأدوات الطعام المميزة، وأتخلص من الأوعية التي توقفت عن استخدامها. لا أستخدم صحون البلاستيك، ولا آكل على سفرة الطعام البلاستيكية ذات الإستخدام الواحد، بل أضع غطاء من (النايلون؟) الشفاف بشكل دائم على مفرش الطاولة المصنوع من الدانتيل حتى لا يتسخ ويسهل عليّ تنظيفه بعد كل وجبة. ألتزم دائمًا بوضع الصحون فوق قطع المفارش الخاصة بها placemat، ووضع الكاسات فوق القطعة الواقية coaster

لا أحب أن أغطي الكنب أو الكراسي بأغطية قماشية ثم إذا زارني أحد أزلتها، أرغب في استخدامها والاستمتاع بها بدون حواجز، ومازالت بحالة ممتازة ولم تتسخ حتى الآن. وبذكر الضيوف، فليس لديّ صالون مخصص لهم. فمن يزورني أستضيفه في مجلسي الجميل الذي أجلس فيه يوميًا. أما الغرفة التي كانت من المفترض أن تكون صالة للضيوف، فقد جعلناها مكتبة بها كنبة للقراءة ومكتب لزوجي.

أما الطعام فهو من مباهج الحياة، وأحاول دائمًا أن أبحث عن وصفات جديدة حتى لا أشعر بالملل. ولابد من وجود السلطة دائمًا! روائح الطعام المُعدة وخاصة المخبوزات تُكسي على المنزل دفئًا حميميًا.

الشبابيك الزجاجية: عندما قدمتُ الرياض كنا نبحث عن شقة مناسبة، كانت الشبابيك الواسعة أو المُطلة على الشارع هي من أولوياتي. لم أكن أفكر في شقة كبيرة أو حديثة البناء بقدر ماكان يهمني نور الشمس والحياة التي سأشاهدها من خلال نافذتي. لم أغطي النوافذ المُطلة على الشارع بقطع أو استبدلها بزجاج يحجب الرؤية، أو يقلل منها، ولكنني اشتريت ستائر خفيفة بحيث أزيحها على الجانبين تمامًا أول الصباح عندما تنعكس الشمس على النافذة وتستحيل الرؤية من الخارج، وأسدلها عند حلول العصر بحيث لاتمنع دخول ضوء الشمس. وبما أن وظيفتي عن بعد، فإنني امتلئ بالطاقة كل صباح عندما أبدأ في العمل من مكتبي المطل على النافذة الطويلة.

المنتجات المُستخدمة: أحب الأدوات والخامات الممتازة. قد أمتنع عن شراء منتج أعجبني بسبب أن خامته متوسطة الجودة. أحاول استبدال الأدوات البلاستيكية بالزجاج والخشب قدر الإمكان، وأحب شراء المنتجات العضوية مثل الشامبو والبلسم والكريمات وغيرها (سعر شامبو عضوي من ايهرب يساوي سعر شامبو عادي من صيدلية هنا). تهمني خامة الملابس، لذلك أُفضّل شراء بلوزة بسيطة ذات خامة ممتازة على شراء بلوزتين سهرة ذواتا خامة متوسطة الجودة. ويهمني استخدام مناديل ممتازة مثل كلينكس، لكنني أضع مناديل عادية فوق طاولة الطعام لأنها تُستهلك بكثرة، وأضع صندوق المناديل بداخل بيت مصنوع من القماش والدانتيل. أحب المنظمات، وأجدني استخدمها في كل مكان، في دولاب الملابس، وفي الثلاجة، وفوق التسريحة، وفي خزانة الطعام والبهارات، وتحت المغاسل.

لا للتكديس! الأشياء التي لا تحتاج إليها ولم تستخدمها منذ فترة طويلة، ولا تُجلب لك البهجة (كما تقول ماري كوندو) تخلص منها. أعطها لغيرك ليستفيد منها أو تصدق بها. التكديس يعني ضيق المكان، والمزيد من الغبار ووقتًا أطول في التنظيف، والكثير من التوتر.

النباتات: لديّ زرعتان بوتس (كبيرة في ركن المجلس، وأخرى صغيرة فوق المغسلة)، وأجلونيما، ودراسينا التي تساقط ورقها بعد رجوعي من السفر، وأخرى لا أعرف اسمها ابتعتها من السوبرماركت. فبالإضافة إلى الفوائد الصحية للنباتات المذكورة مثل أنها تُنقي الهواء بحسب وكالة ناسا، فإن النباتات المنزلية إضافة مُبهجة للغاية إلى المنزل.

الروائح المنزلية: لكل بيت رائحة مميزة. لكن لتجديد رائحة المنزل خاصة بعد الطبخ، أحب استخدام الشموع والمستكة والزيوت الأساسية مثل اللافندر. الروائح الجميلة تُنعش البيت وتساهم بشكل كبير في تعديل المزاج.

الإضافات الجميلة: اللوح الجميلة على الحائط، وورق الجدران، والتُحف التي جلبتها معك من السفر، كلها تُشعرك بحميمية المنزل.

هذه بعض الأمور التي أذكرها ..
ماذا عنكم؟  ماهي الأمور البسيطة التي تفعلوها في منازلكم من أجل حياة طيبة؟

عبق المنازل

Illustration by Merlin

“بوسع البشر أن يغمضوا أعينهم أمام ماهو عظيم أو جميل، وأن يغلقوا آذانهم أمام الألحان والكلام المعسول ولكن ليس بوسعهم الهروب من العبق لأنه شقيق الشهيق، معه يدخل إلى ذواتهم، ولايستطيعون صدّه إن رغبوا بالبقاء على قيد الحياة، إنه يدخل إلى أعماقهم، الى القلب مباشرة، حيث يتم الفصل الحاسم بين الميل اليه أو احتقاره، بين القرف منه أو الرغبة فيه، بين حبه أو كرهه.”

في إحدى الأيام وجدتُ كيسًا في زاوية المجلس، فتحته من باب الفضول لألقي نظرة ثم قلت لأمي مؤكدة لها”هذا من أم فيصل“ 

عرفتُ مصدر الكيس من رائحته التي فاحت عند فتحه. أعرف رائحة منزل صديقة أمي جيدًا، له رائحة مميزة كبقية البيوت التي زرتها. فكل بيت بالنسبة لي له رائحة تميزه عن البيوت الأخرى. 

خطرت في بالي كتابة هذه التدوينة عندما خرجت إلى الشارع وشممت رائحة جميلة فقلت ”رائحة مطر“ مع أنه لم يكن هناك أي أثر للمطر على الشوارع والسماء صافية. أخبرتني صديقتي أنه نزل هتّان قبل فترة وجيزة. نعم للمطر رائحة، كما للشمس رائحة، ولأوقات الطبيعة روائح مثل رائحة الصباح الباكر وآخر المساء قبيل الفجر. 

أعرف جيدًا رائحة أمي، وأستطيع أن أُخرج طرحتها من بين عبائات النساء الأخرى، وكذلك رائحة ابنتي وكل فرد من العائلة. وكم تمنيت أن أحتفظ برائحة أبي رحمه الله.. ألم يتوصل العلم إلى طريقة نحتفظ بها بروائح أحبابنا إلى الأبد؟ 

هنا بعض الروائح التي تعيد لي ذكريات الطفولة:

 أقلام الرصاص والمسّاحات
الأقلام الملونة برائحة الفواكه
دواء الكحة بنكهة الفراولة 
الطباشير
كلور المسابح
بخور المستكة خاصة أيام رمضان والجُمع
رائحة نيسكويك
خبز البر المديني
التميس
الكتب في أول يوم دراسي
صمغ اليوهو

عطر راماج من برجوا، وعطر ريف دور
مطار جدة
فاكهة الخربز
الورد المديني والفل
الحبق

ماذا عنكم؟
أي الروائح تُعيد لكم ذكريات الطفولة؟

تجارب ومباهج ٢٠١٩

@raahatventures


كيف حالكم يا أصدقاء؟

مر عام ٢٠١٩ سريعًا، لكنه كان في المجمل عامًا لطيفًا. في تدوينة مختصرة، أود أن أشارككم بقائمة من بعض المباهج والتجارب التي أسعدتني في هذا العام، لعلها تنفث روحًا إيجابية بينكم:

  • تقويم حائط برسومات الليمون من سين ديزاين: يحتوي على التاريخ الميلادي والهجري. كان مرافقًا جميلًا لي في هذا العام.
  • بودكاست فنجان: “هنا كثير من المتعة والفائدة”.
  • حفلة باك ستريت بويز
  • مدينة بوسيتانو وجزيرة كابري
  • ختام مسلسل قيم أوف ثرونز💔
  • ساعة ابل: كنت مترددة في شرائها في البداية، لكنها تستحق ثمنها.
  • ماستركلاس: دروس مميزة وفريدة من نوعها، مازلتُ هناك .
  • رواية الحرافيش المذهلة لنجيب محفوظ. واحدة من أروع الروايات التي قرأتها في حياتي!
  • فرشاة The Humble Co. : وداعًا لتأنيب الضمير أثناء تغيير الفرشاة. مصنوعة من خشب البامبو.
  • شاي Royal Blend من Fortnum & Mason 
  • عطر Fiori di Capri من كارثوسيا 
  • باب النور
  • حفلة عمرو دياب 
  • عالم الأمس: سيرة ذاتية لزفايج. كتبت عنها في تدوينة سابقة، وأعود إلى ذكرها هنا مرة أخرى حتى أعلمكم أنها تستحق القراءة. 
  • زيارة لمكتبة دار الساقي: كان حدثًا مميزًا بالنسبة لي، إذ أنها الدار التي نشرت أغلب كتب غازي القصيبي والتي قرأتها في مراهقتي. ابتعت منها كتاب جوخة الحارثي (سيدات القمر).
  • مكتبة Aqua Alta
  • غداء تحت أشجار الليمون
  • جورنال الخمسة سنوات: فكرة هذا الدفتر تعتمد على تكملتك لجملة مختلفة مثل “آخر قرار اتخذته مؤخرًا..”، “آخر خبر جميل سمعته اليوم..”،أحتاج إلى مساعدة بشأن..”.. في كل يوم، ثم الإجابة على هذه الأسئلة في العام القادم والذي يليه وهكذا لمدة 5 سنوات. مر على اقتنائي لهذا الجورنال أكثر من ٣ سنوات، وفي كل مرة أقارن جمل العام الماضي- أو الأعوام الماضية- بالجملة الحالية. مثير ومخيف أحيانًا!
  • اشتراك سنوي من سيلفردجز: ب٢٠٠ ريال فقط تحصلون على شحن مجاني لامحدود طوال العام. أشتري العطور ومستحضرات التجميل لي ولأهلي من الموقع بدلا من سعرها المرتفع هنا. تستطيعون شراء أي منتج وإن كان رخيص الثمن وتحصلون عليه بشحن مجاني مباشرة من بريطانيا، أرخص من توصيل المندوب في مدينتكم!

ماذا عنكم؟
ماهي اللحظات السعيدة والأمور الجميلة التي حصلت لكم خلال هذا العام؟
كل عام وأنتم بخير

كيف تعرفتم على أصدقائكم لأول مرة؟

codesignmag.com

في السنة الأولى على وجودي في مدينة مونتريال، كنت أتنزه في أحد الأسواق القريبة من منزلي فوجدتُ سعودية تتسوق مع طفلها الصغير. وحيث أنني كنتُ مستميتة في التعرف على أشخاص من بلدي، أسرعت إليها وعرفت نفسي. كانت الفتاة لطيفة للغاية، إذ دعتني للانضمام إليها قائلة أنها تتنظر صديقتها بعد قليل.

لمعت عيناي.. ”أوه سعودية أخرى؟“ 

جاءت صديقتها -اللطيفة كذلك! – وتعرفت عليها وتبادلنا الأرقام قبل استئذاني بالإنصراف. بعد مرور أشهر ستصبح صديقتها هذه صديقة عزيزة لي. 

بعد مرور السنوات، عندما تخطر هذه الذكرى أجدني ابتسم. كنتُ أحب أن أقابل أشخاصًا جدد. هذا يعني حكايات جديدة سُتروى، وهوايات متنوعة ستُعرض علي، وأفكار متعددة، ووجهات نظر مختلفة. بمعنى آخر قد يُقترح عليك مشاهدة فيلم جديد، قراءة رواية مؤثرة، شراء منتج مفيد، أو ستسمع حديثًا بمنظور مختلف عن قضية ما.. ستتوسع دائرتك، بل وأفقك بمقابلة أشخاص لأول مرة. 

حرصت في الغربة على التنوع الثقافي لصديقاتي، فتعرفت على صديقات من بلدان شتى وكذلك من مناطق مختلفة في المملكة. تعرفت على صديقات رأيتهم في المصعد لأول مرة، وفتاة بالمقعد الملاصق لمقعدي في رحلة دولية طويلة، وأخرى كانت تعرض شقتها للإيجار-عندما كنا نبحث عن شقة- لانتهاء العقد، وصديقة عزيزة قابلتها بعد رسالة عبر تويتر.

أما الآن فإنني بالكاد أقابل صديقاتي.

تحدثت مؤخرًا مع فتاة بجانبي في المقهى وعندما استأذنتها بالانصراف، لم نتبادل الأرقام. شعرت بالراحة. مع الأمومة، أحاول ترتيب أولوياتي وأضع جهدي ووقتي للأمور التي بيديّ حتى لاتخرج عن السيطرة. بالكاد أجد وقتًا لنفسي، وعندما أفعل، فإنني أتواصل مع صديقاتي. لن تستطيع أن تكون على طبيعتك بعض الشيء عندما يخبرك شخص تقابله لأول مرة برأيه الذي يُخالف رأيك، ستكون مهذبًا وصبورًا، ولذلك اللقاءات الأولى قد تكون مُنهكة، فيها الكثير من الطاقة وكذلك بعض المجاملة. لكنني في بعض الأوقات أحن إلى حماس اللقاء الأول، والقصص الجديدة.

شاي الظهيرة


في إحدى سنوات الطفولة، زارنا بعض الأقارب ومعهم ابنتهم الصغيرة والتي كانت في مثل عمري. كنتُ سعيدة للغاية بهذه الزيارة إلى الحد الذي قررت فيه أن أدعوها إلى تناول كوب شاي حقيقي. أخرجتُ كوبًا من طقم الشاي من الألعاب، ثم توجهتُ إلى المطبخ ووضعتُ كيسًا من الشاي وبعض السكر فيه. ماذا عن الماء المغلي؟ لدينا برادة ماء تقدم الماء الساخن! 

وهكذا صنعتُ أول كوب شاي في حياتي. 

ستمر سنوات طويلة قبل أن تُذكرني قريبتي بكوب الشاي هذا في بوسطن، المدينة الأمريكية التي نهضت فيها حركة حزب الشاي ضد سياسات الاستعمار الإنجليزي.

كنتُ أجد شرب الشاي فرصة لذيذة لتبادل الأحاديث مع صديقاتي – إن اخترنا الجلوس– أو عندما أقابل صديقات جدد. تعرفت على صديقة عزيزة في أحد المحلات التي تقدم الشاي في مونتريال، والتي دارت فيها الكثير من المواضيع الشيقة أثناء شرب شاي الظهيرة قبل أن يُغلق تمامًا. وعندما أنجبتُ ابنتي، فإن أول خروج لي بدونها كان لشرب شاي الظهيرة مع أمي. ومع الموجة الحالية للمقاهي المتنوعة، لم يعد يدعوك أحد إلى شرب كوب من الشاي خارج المنزل. 

الإنجليز يحبون الشواهي كثيرا، لدرجة أن ذلك انعكس على كلامهم. عندما سألت موظفة إنجليزية عن رأيها في بوريس جونسون (رئيس الوزراء الحالي)، قالت “هيز نت ماي كوب اوف تي” He’s not my cup of tea أو لا أجده مناسبًا بالنسبة لي.

اشتريتُ لابنتي طقمًا للشاي.

وقبل أن يتناثر في كل مكان على الأرض، نتظاهر أحيانًا بشرب شاي الظهيرة سوية. أسكب لها بعضًا منه في الأكواب، لكنها تصر على شرب الشاي مباشرة من فم الإبريق.

وفي هذا العام، جربت نوعًا جديدًا من الشاي أثناء زيارتي للندن، من شركة Fortnum & Mason الإنجليزية. كانت تجربة رائعة، ندمت على أنني لم ابتاع المزيد من الشواهي، لكنني استدركت الأمر، فمن يندم الآن في زمن التسوق الإلكتروني؟

لعنة المعرفة


قبل سنوات، كنتُ أتمشى مع زميلتي التي تعرفت عليها مؤخرًا، مررنا بمقهى عربي يصدح منه صوت كاظم الساهر وهو يغني ”زيديني عشقًا“، فما كان لي إلا أن أغني معه وألتفت إليها قائلة ”هذه الأغنية جميلة للغاية“.
أخبرتني أنها لا تعرفها

فقلت ”لكاظم الساهر؟“ 

ردت ”لا أعرفه“

لا أعرفه!

تسبب ردها لي بصدمة أضحك منها اليوم. فكيف لها أن لا تعرف كاظم الساهر؟ فبالنسبة لي -وقتها-، أن تقول أنك لاتعرف كاظم الساهر كقولك اليوم أنك لا تعرف محمد عبده (بغض النظر عن كونك تسمع أغانيه، أو تسمع الأغاني بشكل مطلق أم لا). هذا يعني أنك تعيش في عالم آخر منعزل عمن حولك. لكن مع مرور الأيام، أدركت أن الكثير من الأمور المُسلمة التي أعرفها قد لا يعرفها غيري، ليس لي الأفضلية بمعرفتها، ولكن الظروف التي مررت بها جعلتني أتعرف عليها بشكل أو بآخر. وكذلك بالطبع بالنسبة لغيري، يدركون أمورًا لا أعرفها ويظنون أنني أعرفها بطبيعة الحال.

هناك تعبير يُسمى ب Curse of knowledge أو لعنة المعرفة 

وهو ”إنحياز معرفي يجعلك تفترض بأن الآخرين يفهمون ما تقوله“ وهذا نجده شائعًا عند دكاترة الجامعات وخاصة أساتذة اللغة، عندما يفترضون أن الطلاب يفهمون مايقولونه، وهنا يفشل المُحاضر في إيصال المعلومة.

كان هذا ماحدث في المحاضرة الأولى لإحدى الكورسات التي حضرتها، كان الدكتور يشرح كلامه ليس فقط مستخدمًا مصطلحات معقدة بل وبأسلوب وكأنه يقرأ من ورقة أكاديمية. كان الجميع يهز رأسه موافقًا لما يقوله، وهذا ما ردّني إلى البيت خائبة ومذعورة! فكان ينبغي على طالبة الماجستير أن تدرك كل هذه المصطلحات وتفهم كل البحوث الجديدة التي جرت بشأن الموضوع الذي يتكلم عنه. 

درست جيدًا لأستوعب ما سيقوله في المحاضرات القادمة، وكنت أتجهز للدروس من قبل أن تُلقى. اكتشفت لاحقًا أن الجميع كانوا مثلي. كانوا يهزون رؤوسهم متظاهرين بالفهم، ولكنهم لم يكونوا كذلك. وغدت المشكلة من الدكتور المتحذلق بمصطلحاته. بالطبع لم يكن متحذلقًا، ولكنها لعنة المعرفة. 

كيف أصبحتُ الآن؟
بعيدًا عن أجوبة قوقل، عندما يكون لديّ سؤالًا أحتاج إجابته من مختص، فإنني أطرح العديد من الأسئلة الصغيرة. مررتُ بهذه التجربة عندما كنت أزور طبيبتي خلال الحمل، أطرح العديد من الأسئلة حول موضوع معين. كنتُ أستغرب أحيانًا من ظنها بأنني أدرك ماتقوله -لعنة المعرفة مرة أخرى- فأعود إلى طرح الأسئلة مجددًا حتى أفهم النقطة التي أخبرتني بها. وكذلك الموضوع نفسه مع الأمهات، يعتقدن بأن الأمهات الجدد يعرفن بالضرورة ما مررن به مسبقًا. أذكر خلال حملي بأن مجموعة من الأمهات ضحكن عليّ عندما سألتهن هل يلبس الطفل البيجاما على جلده أو لابد من شراء شيء مثل البلوزة الداخلية؟ افترضن بأنني أعرف هذا الأمر رغم تفاهته.

أما بالنسبة إليّ، فأصبحت أتقبل هذه الاختلافات المعرفية وإن كانت تافهة مثل أغنية زيديني عشقًا.

هنا فيديو جميل لستيفن بنكر يشرح عن لعنة المعرفة