في طفولتي، وبعد أن يعتريني التعب من اللعب في حوش المنزل أثناء المساء، كنت أتمدد على ظهري فوق الأرجوحة الطويلة، وأتأمل السماء. كان منظر النجوم اللامعة القليلة يبهرني. وكنت أجد هذا التأمل مشهدًا مقدسًا، حتى شاهدت تيمون وبومبا في فيلم الأسد الملك وهما يتأملان السماء المرصعة بالنجوم مع سيمبا:
– تيمون؟
– ايوا؟
– عمرك في مرة فكرت النقط المنورة اللي فوق دي تطلع إيه؟
– بومبا، أنا مابفكرش .. أنا عارف!
– طيب يطلعوا إيه؟
– دبان منور! دبان منور لازق في السجادة الزرقا اللي فوق ديه!
– عجبي .. دانا كنت زي انا ماحسبها كور غاز مولعة على بعد بلاييين الأميال!
كنت أتمنى أن أشاهد نجومًا كثيرة مثل تيمون وبومبا. لكنني تعلمتُ لاحقًا أن العيش في المدينة يحجب نور النجوم عنّا. سافرتُ بعد سنوات طويلة إلى إحدى جزر هاواي، وفي طريق السيارة في المساء في العتمة، نظرت إلى السماء فتعجبت من المنظر المهيب للسماء المتزينة بالنجوم.. سجادة زرقاء وكور غاز مولعة.
ما زلت أجدُ ذلك المنظر في ذاكرتي مهيبًا، ومع أنني سكنتُ الرياض منذ أكثر من ٣ سنوات إلا أنه لم تواتني فرصة الذهاب إلى البر بعيدًا عن أضواء المدينة حتى أشاهد النجوم الكثيرة مرة أخرى.
نجد أن تأمل النجوم في السماء هو أمر شائع في الروايات العظيمة. وأنا هنا بصدد الحديث عن روايتين، البؤساء والحرب والسلم. ففي رواية البؤساء، نلاحظ أن جان فالجان قد رافقته النجوم منذ بداية البؤساء إلى نهايتها. وفي الحرب والسلم، نجد أن النجوم كثيرًا ما تطل علينا في أرض المعركة.
لكن متى استخدم كلا من فيكتور هوغو وتولستوي مشهد التأمل في السماء والنجوم؟
١- كدليل على الحكمة من خلال التعبد لله والتأمل في ملكوته: انظروا كيف وصف فيكتور هوغو تأمل الأسقف في السماء بكلماته البديعة:
كان يجلس على مقعد خشبي مسند إلى عريشة مكسورة، وينظر إلى النجوم من خلال أشباح شجراته المثمرة.. وأي شيء أكثر من هذا كان يحتاج إليه ذلك الرجل العجوز الذي وزع ساعات فراغه بين البستنة في النهار، والتأمل في الليل؟ ألم تكن هذه الحظيرة الضيقة التي تؤلف السماوات سمكها، كافية لأن تمكنه من عبادة الله بالتناوب في مبتدعاته الأكثر جمالا وفي مخلوقاته الأكثر سموًا؟ أليس هذا كل شيء في الواقع؟ وأي شيء يُبتغى وراء ذلك؟ جُنينة يتمشى خلالها، وفضاء يتأمل فيه. فعند قدميه شيء يمكن أن يُزرع ويُجنى وفوق رأسه شيء يمكن أن يُدرس ويُطلق سرح التأمل فيه، بضع زهرات على الأرض، وجميع الكواكب في السماء.
وعندما أصبح ماريوس رجلًا، تأمل السماء:
”إنه يتأمل السماء، والمدى، والنجوم..“.
٢- عند التشاؤم والخوف والصراع مع الأفكار: خاصة في البؤساء، فعندما كانت الشخصية تنظر إلى السماء ولا تجد النجوم فهذا نذير شؤم. انظروا إلى جان فالجان كيف كانت نفسه مضطربة عندما كانت تغيب النجوم عنه. طرق في بداية الرواية باب الأسقف ليسأله المبيت قائلًا له:
ثم مضيتُ إلى الحقول كي أنام تحت النجوم، فلم يكن ثمة نجوم.
وعندما كان جان فالجان يتصارع مع أفكاره:
“كان دماغه يغلي. لقد مضى إلى النافذة، ففتحها على مصراعيها، لم يكن ثمة نجم واحد في السماء“.
وفي فصل آخر يليه ”ونهض، ومضى إلى النافذة، كانت السماء لا تزال عاطلة عن النجوم“.
وعندما غابت النجوم من سماء باريس قال فيكتور هوغو:
”لقد حجب النجوم سقف من السحب، ولم تكن السماء غير عمق مشؤوم“.
وفي فصل ”نظرة بوم على باريس“ تختفي النجوم:
كانت النجوم قد اختفت، وكانت سحب ثقيلة قد ملأت الأفق كله بطياتها الكئيبة.
٣- عند الحب! يتأمل المُحب السماء كثيرًا. ففي رواية الحرب والسلم، وبعد أن خرج بيير من عند ناتاشا، تأمل السماء في لحظة وجود مذنب ١٨١٢:
كان الجو جميلا وبارداً. ومن فوق الشوارع القذرة العاتمة، انبسطت سماء مزدانة بالنجوم. لم يكن بيير يحس بالدناءة المخزية للأمور الأرضية بالقياس إلى الأعالي التي كانت ترفرف فيها روحه إلا حين ينظر إلى هذه السماء. وبينما كان يدلف إلى ساحات الأربات، انكشفت لعينيه مساحة عريضة من السماء المنجمة..
وكذلك ماريوس في البؤساء:
وذات ليلة، كان وحده في غرفته الصغيرة القائمة تحت السطح.. وكان يقرأ متكئًا على طاولته إلى جانب النافذة المفتوحة. أي مشهد هو الليل! نحن نسمع أصواتًا مبهمة لسنا ندري من أين تقبل. نحن نرى جوبيتير وهو أكبر من الأرض ألفا ومئتي مرة يتلمع مثل جمرة. القبة السماوية زرقاء، النجوم تتلألأ، ذلك شيء مخيف!
وفي موضع آخر:
”لم تكن السماء في أيما وقت مضى أحفل بالنجوم ولا أكثر فتنة“.
٤- مع الأمل. فالأمل كالنجوم في الأدب، وعند فيكتور هوغو أيضًا:
”كانت هذه النجوم قد أحدثت تألقات صغيرة لا سبيل إلى إدراكها في الفضاء الرحب. كان المساء ينشر فوق رأس جان فالجان جميع ملاطفات اللانهاية“.
وعند تولستوي، عندما تأمل نابليون السماء في أرض المعركة على هضبة بولكونايا:
”وتصبح الليالي أكثر دفئًا، وتهوي من المساء في هذه الليالي الحالكة الدافئة، النجوم الذهبية التي تبعث الخوف والفرح“.
وعندما دخل بيير السجن “التمعت في السماء نجوم مضيئة..“
وعندما كان بيتيا في أرض المعركة:
”نظر إلى السماء. كانت السماء أيضًا مسحورة كالأرض، وقد أخذت تنجلي. وكانت الغيوم أيضًا تركض مسرعة كأنها تريد أن تكشف عن النجوم..“.
وكذلك ”كانت النجوم ترتع في السماء كأنها علمت أن لن يراها أحد، وكانت وهي تبرق حينًا وتخبو حينًا آخر وتتلألأ في كثير من الأحيان، إنما تتحدث فيما بينها هامسة بشدة عن أمر مفرح لكنه خفي“.
٥- عند الموت. فكما قلنا قبل ذلك، أن جان فالجان رافقته النجوم منذ بداية الرواية، وحتى نهايتها. فعندما مات كتب فيكتور هوغو:
”كان الليل عاطلًا من النجوم، وكان دامسًا..“.
مخرج:
– وأنتم هل تتأملون السماء المزينة بالنجوم؟ يقول ماركوس أوريليوس في التأملات: ”تأمل مسارات النجوم كما لو أنك تسير معها حيث تسير، وتأمل دومًا تحولات العناصر بعضها إلى بعض. جديرة هذه التأملات أن تغسل عنك أدران الحياة الأرضية“.
ـ توصية: رواية الأمير الصغير لأنطوان دو سان إكزوبيري “النجوم.. هذه الأشياء الصغيرة المذهبة التي تُغري الكسالى بالأحلام!”.
دائما النجوم تضىء الليل فى سرابه ولكن أحيانا عتمة قلوبنا لا ترى نوره
يالله لا أجد أجمل وأبهى وأكثر مهابة من لحظة رأيت فيها سماء صحراء مزينة بالنجوم
ومما زاد جمال هذا المنظر اقتران القمر والزهرة والمشتري في ذلك المساء
شعرت أنني من القلائل المحظوظين في هذا الكوكب 🤍
شكرا لك نجم تدوينة رائعه كعادتك