وما الخوفُ إلا ما تخوّفه الفتى: تدوينة عن الخوف

 

The Scream by Edvard Munch


يقال أن الإنسان يُولد ولديه خوف من أمرين فقط: الخوف من الصوت العالي، والخوف من السقوط، وكل خوفٍ بعد ذلك مُكتسب من بيئته.

في طفولتي كنت أخافُ من الظلام كثيرًا، لا أعلم كيف تكوّن هذا الخوف لديّ لكن من المؤكد أن القصص التي كنا نسمعها أو نرويها لبعضنا كأطفال في آخر الليل عن الجن والكائنات غير المرئية هي التي زرعت هذا الخوف في قلبي. كنت أعتقد دائمًا بأن هناك كائن ما ينتظرني في الظلام بتعابير وجهه المخيفة. أذكر جيدًا الأيام التي هربت فيها من سريري متجهة نحو أمي التي اعتادت أن تجدني نائمة تحتها عندما تستيقظ فجرًا. لكن نجلاء الصغيرة أيقنت بطريقة ما أن التغلب على الخوف يكمُن في مواجهته. فماذا فَعلَت؟ 
ذات يوم، وعندما استيقظَت هلعًا من النوم في منتصف الليل نزلت بمفردها إلى الدور السُفلي حيث الصوالين الواسعة الغارقة في الظلام الدامس. كانت تجربة رهيبة، دارت على الدور كله وهي تُضيء الأنوار لتُؤكد لنفسها أن لا أحد هناك. كررَت هذه التجربة يومًا بعد يوم حتى تلاشى خوفها من الظلام. أصبحت نجلاء الصغيرة أكثر حكمة، ألم يقل برتراند رسل ”بداية الحكمة أن تهزم الخوف“؟



الخوف تجربة نفسية أليمة، لذلك أهل الجنة (لا خوفٌ عليهم..)

كبرتُ قليلًا، وعندما حان الوقت لمشاركة المناسبات التي يجتمع فيها الكبار كنت دائمًا فيها الشخص الأصغر. وبما أن أصغر القوم خادمهم، ومبادرة مني تكريمًا للمديح الذي وصلني من أول القادمين بقولهم ”آه كم كبرتِ“، تطوعتُ للمرة الأولى لصب القهوة وليتني لم أفعل. كانت دلة أهلي المُذهّبة ثقيلة للغاية، ومن أجل أن أصب القهوة كان عليّ أن أرفع الغطاء قليلًا بالضغط على قطعة خلف الغطاء باصبعي أثناء الصب لترتفع إلى أعلى وبالتالي تُفتح كالفم – وليس بضغطة زر كما هو حال الدلال اليوم أو بإدارة الغطاء قليلًا لفتحه-، وبالتالي نتج عن ذلك سكب القهوة على يدي. 
اعتذرتُ بأن الدلة بها عيب ولم تكن حرارة القهوة بأشد من حرارة الخجل التي كنتُ أشعر به. حاولتُ للمرة الثانية أن أصب القهوة لكن النتيجة أيضًا باءت بالفشل. وهكذا أصبح لديّ خوف جديد: صب القهوة أمام الناس.
 أصبحتُ لا أحب الولائم أو التجمعات التي كانوا يُقيموها أهلي في منزلنا لأنني كنتُ الفرد الأصغر، وهذا يعني أنه يتحتم عليّ أن أساعد أمي في خدمة الجميع واضطر إلى تقديم القهوة. ومع حبي للناس، كنتُ أشعر بالضيق في اليوم الذي يُعلن فيه عن قدوم ضيفٍ جديد، ولكنني أشعر بالخفة عندما ننتقل إلى تقديم طعام العشاء ثم الشاي. إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه نجلاء المراهقة تقليد نجلاء الصغيرة بتجربة الحل الوحيد: مواجهة الخوف.

عندما قرر والدايّ إقامة طعام العشاء، ذهبتُ يومها إلى مطبخ الضيوف وتفحصتُ جميع الدلال الموجودة لأول مرة بعيدًا عن الدلة المشؤومة. هذه دلة جميلة فيها زر دائري كبير اضغط عليه ثم تخرج القهوة ..ببساطة. هكذا إذن! يا الله .. الدنيا بها حلول كثيرة لم نكن نتخيل بوجودها.. بالطبع لم أكن سأعرف هذا الحل لولا أنني لم أواجه المشكلة التي أجهل تفاصيلها، والإنسان دائمًا عدو ما يجهل.

كيف هي تجاربكم مع الخوف؟ يُقال أنكم تستطيعون التعرف على ذواتكم من خلال معرفة ما يخفيكم في هذه الحياة. أغلب الأمور التي نخافها نُدرك لاحقًا أو في مرحلة متأخرة مع الأسف أننا عظّمنا من شأنها.

”كانت لديّ الكثير من المخاوف في حياتي، معظمها لم تحدث“ -مارك توين 


هل واجهتهم مخاوفكم؟ وجدتُ بعض النصائح العملية من تيم فيريس قد تساعدكم في مواجهة الخوف خاصة في اتخاذ القرارات:

١- حدد كابوسك: حدد أسوأ أمر قد يحصل لك عندما تفعل ما تخافه. ما هي الشكوك والمخاوف والأمور التي ”قد“ تحدث عندما ترغب في اتخاذ قرار ما أو تغيير كبير؟ تصوّر ذلك في تفاصيل دقيقة ومؤلمة.
هل سيكون ذلك نهاية حياتك؟ 
ترى ما هو التغير الدائم الذي سيحدث، إذا كان هناك تغير أصلًا، على مقياس من ١ على ١٠؟

هل هذه الأمور المتغيرة هي حقًا دائمة؟
ما هي احتمالية حدوثها في نظرك؟

٢- ما هي الخطوات التي من الممكن أن تتخذها لإصلاح الضرر أو لإرجاع الأمور إلى نصابها حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت؟ 
إن الفرص أسهل مما تتوقع. كيف تستطيع أن تُعيد الأمور لتكون تحت السيطرة مرة أخرى؟

٣- ما هي النتائج أو الفوائد الدائمة والمؤقتة من السيناريوهات المتوقعة؟ أنت الآن قد حدّدت الكابوس، فما هي النتائج الإيجابية التي تحمل احتمالية عالية لوقوعها؟ سواء كانت النتائج داخلية (الثقة، أو تقدير الذات..الخ) أو خارجية. ما هو التأثير المتوقع الذي يمكن أن يحدث على مقياس من ١ على ١٠؟ كم هي احتمالية إنتاجك لنتيجة إيجابية؟ هل استطاع الآخرون الأقل ذكاء منك أن يفعلوه وينجحوا في ذلك؟

٤- إذا طُردت من عملك اليوم، ما الذي تستطيع أن تفعله لتجعل الأمور تحت السيطرة المادية؟ تخيّل هذا السيناريو واطّلع على الأسئلة الثلاثة السابقة. إذا استقلت من عملك لاختبار الخيارات الأخرى، كيف ستعود إلى طريقك المهني إذا وجب عليك ذلك؟

٥- ما الذي تؤجله بسبب الخوف؟ في العادة، الأمور التي نخاف أن نفعلها هي الأمور التي نحتاج أن نفعلها. تلك المكالمة الهاتفية، أو ذلك الحوار، أو غيرها من الأمور. إن الخوف من النتائج المجهولة هو ما يمنعنا من فعل ما نحتاج أن نفعله. حدد أسوأ حالة من الممكن أن تحدث لك وتقبّلها ثم افعلها. سوف أكرر عليك أمرًا تحتاج أن تُوشمه على جبينك: 
ما نخاف أن نفعله هو في العادة ما نحتاج أن نفعله.

وكما قيل إن نجاح المرء في الحياة يمكن أن يُقاس بعدد الحوارات غير المريحة التي يرغب في إجرائها. خطط في كل يوم أن تجرب أمرًا واحدًا تهابه. اكتسبتُ هذه العادة من خلال محاولتي في التواصل مع المشهورين في الأعمال وغيرهم لأجل أن اسألهم عن نصيحة يقدموها إليّ.

٦- ما الذي سيكلفك – ماديًا وعاطفيًا وجسديًا- إذا أجّلت العمل؟ لا تُقيّم الجانب السيء من العمل فقط. من المهم أن تقيس الثمن السيء لعدم العمل. إذا لم تُكمل الأمور التي تُثيرك، فأين ستكون بعد سنة، أو ٥ سنوات، أو ١٠ سنوات؟ كيف ستشعر لأنك سمحت للظروف أن تسيطر عليك ولأنك سمحت لعشر سنوات من حياتك أن تمر وأنت تفعل أمرًا تعلم جيدًا أنه لن يحقق لك شيئًا؟ إذا نظرت إلى ١٠ سنوات من خلال التيليسكوب وتأكدت ١٠٠٪ بأن هذا الطريق هو طريقٌ للخيبة والندم، وإذا عرّفنا الخطر بأنه ”احتمالية حدوث نتائج سلبية لا رجعة فيها“، فإنه يمكننا القول بأن ”عدم الفعل“ هو الخطر الأعظم على الإطلاق.

٧- ما الذي تنتظره؟ إذا لم تستطع إجابة هذه السؤال فإن الإجابة هي بسيطة: أنت خائف، مثل بقية الأشخاص في العالم. قِس تكلفة عدم العمل، وحاول أن تستوعب عدم احتمالية وقابلية إصلاح الخطوات المتعثرة، وطوّر العادة الأكثر أهمية لهؤلاء الذي ينجحون ويستمتعون بالنجاح: الفعل.

مخرج:
الهلع من إغلاق البوابة: كلمة ألمانية، وتعني  الخوف الذي يشعر به المرء عندما يتقدم بالسن، عندما يشعر أن الوقت يمضي بسرعة وبالتالي تفوته فرص كثيرة.
– رواية الخوف لستيفان زفايغ
– تدوينة: الخوف من الجراثيم
– تدوينة: الخوف من أن لايحتاجنا أحد

 

 

 

 

 

 

 

 

ما أحلى الرجوع إليه

كنت منشغلة خارج البيت طوال اليوم، وفي الطريق انتبهتُ إلى أنني تحسستُ حقيبتي وأخرجت منها مفاتيح المنزل قبل أن أدخل الحارة. راقبتُ مشاعري وأدركت جيدًا أنني بفعلي هذا سعيدة بترقبي العودة إلى المنزل. وكما تقول شانيا توين في أغنيتها Honey I’m home and I had a hard day!

تعجبني فكرة المنزل. أرض في مكان ما بُنيت عليها غرف وجدران وسقف، وعندما يُقفل الباب تُصبح في عزلة عن بقية البشر من حولك الذين لديهم غرف وجدران أيضًا وقصص خاصة بهم. في المنزل أشخاص تحبهم، وأغراض تملكها وتحبها، وهوايات تمارسها، وطعام شهي، وقصص وحكايات، وسرير تهجع إليه في المساء.

( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً )

يقول غاستون باشيلارد في كتابه شاعرية الفضاء أن المنزل هو ”طبوغرافيا -أو علم التضاريس- لذواتنا“. وله فلسفة جميلة عن المنزل إذا يقول ”لو طلب مني أن أحدد المنفعة الرئيسية للمنزل سأقول: إن المنزل هو ملجأ الأحلام، إذ يحمي الحالم ويدعه يحلم في سلام“. 

لا نرتدي الأقنعة في منازلنا، لذلك يُعرف المرء بتعامله في المنزل. ويُقال أن الشخص السعيد هو من يكون سعيدًا في منزله. كلنا نجد السعادة مع الأصدقاء وأحبابنا في المقاهي والمطاعم وأثناء السفر، لكن هل نجدها في منازلنا؟ تنبه الكثير إلى هذه النقطة أثناء الجائحة، ولذلك قرروا إعادة ترتيب منازلهم وتنظيمها، لكن الكثير تجاهلوا إن الفكرة كلها تكمن في إعادة ترتيب وتنظيم أنفسنا أولًا وعلاقاتنا مع من يشاركنا السكن. 

وإن كانت نجاة الصغيرة تتغنى في حبيبها بعد عراك ضده لتُنهي أغنيتها برجوعها إليه وتقول ”ما أحلى الرجوع إليه“ فالمنزل وحده هو الذي يخلق هذا الشعور: نحن نشعر بالسعادة عندما نغادر المنزل، ولكن نشعر بسعادة أكبر عندما نرجع إليه ”ما أحلى الرجوع إليه“. 

لكن تذكر:
وأنت تعود إلى البيت، بيتك.. فكّر بغيرك
لاتنسَ شعب الخيام 

اقتراحات ذات صلة:
– مسلسل سابع جار
– تدوينة غرفة تخص المرء وحده
– تدوينة الحياة الطيبة

اسمي مارجريت

Federica Bordoni

*مايا (مارغريت) آنجلو

سألتني امرأة بيضاء من تكساس، والتي تصف نفسها بأنها ليبرالية، عن مدينتي. عندما أجبتها بأن جدتي في ”ستامبس“ كانت تملك المتجر الوحيد لبضائع الزنوج منذ مطلع القرن، صرخت قائلة ”لماذا؟ كنتم الفتاة التي تخرج للمجتمع لأول مرة“.

سخيفة ومُضحكة. لكن بنات الزنوج في مدن الجنوب الصغيرة، سواء كن يعانين من الفقر أو لديهن بعض ضروريات الحياة، تُقدم لهن تجهيزات مكثفة غير مترابطة مثل تلك التجهيزات للفتيات البيض البالغات والتي تظهر في المجلات. 

بصراحة لم تكن التجهيزات ذاتها، فعندما تعلمت الفتيات البيض كيف يرقصن الفالتز ويجلسن بأناقة بينما يكون كوب الشاي متوازنًا على ركبهن، فإننا كنا متخلفات قياسًا بهن، نتعلم قِيم منتصف العصر الفيكتوري مع القليل جدًا من المال لننغمس فيه (تعالوا وشاهدوا إدنا لوماكس تصرف أموالها التي اكتسبتها من حصاد القطن لتكوين ٥ كرات من الخيط الأسود، لا بد وأن أصابعها تعيق العمل ولكن يجب عليها أن تعيد الغرز مرارًا وتكرارًا. لكنها تعرف كيف تشتري الخيوط). كان يجب علينا التطريز، وكانت لديّ أكوام من المناشف الملونة، وأكياس المخدات، وأغطية الطاولات ذات اللون الرملي. أتقنت مهارة الحياكة والتخريم، وكان لدي مخزون أبدي من المفارش الأنيقة والتي لن تستخدم أبدًا في أدراج التسريحة. كان واضحًا أن كل الفتيات يستطعن الكوي والغسيل، لكن اللمسات الأنيقة في المنزل مثل تجهيز الطاولة بفضيّات حقيقية، وشواء اللحوم، وطبخ الخضروات بدون اللحوم، يجب أن تُكتسب في مكان آخر، عادة في المكان التي صدرت عنه هذه العادات. خلال عامي العاشر، أصبح مطبخ النساء البيض هو مدرستي النهائية. 

كانت السيدة فيولا كولينان امرأة ممتلئة الجسم، تعيش في منزل يحتوي على ٣ غرف للنوم، في مكان ما خلف مكتب البريد. كانت غير جذابة بشكل ملحوظ حتى تبتسم، وبعدها تظهر الخطوط حول عينيها وفمها مما يعطى لمنظرها شكلًا متسخًا، ويصبح وجهها مثل قناع قزم شرير. كانت تُريح ابتسامتها في العادة إلى ما بعد الظهر عندما تزورها صديقاتها وتقدم لهن الآنسة جلوري، الطباخة، المشروبات الباردة في الشرفة المُغلقة. كان النظام في منزلها غير إنساني. هذه الكأس مكانها هنا فقط. وذلك الكوب لديه مكانه الخاص به وإذا وُضع في مكان آخر فذلك فن التمرد الوقح. 

في الساعة ال١٢ يجب أن تُعد الطاولة. وفي الساعة ١٢:١٥ تجلس السيدة كولينان على الطاولة (سواء وصل زوجها أم لا). في الساعة ١٢:١٦ تُحضِر الآنسة جلوري الطعام.

تطلّب مني أسبوعًا تمييز الفرق بين طبق السلطة وطبق الخبز وطبق الحلوى. 

حافظت السيدة كولينان على عادات والديها الثرييْن. كانت من فرجينيا. أما الآنسة جلوري، التي انحدرت من سلالة العبيد الذين عملوا لآل كولينان، أخبرتني بقصة السيدة كولينان، فقد تزوجت رجلًا أقل منها. لم يكن لدى عائلته أموالًا لفترة طويلة، وما امتلكوه لم يكن الشيء الكثير.

لكونها قبيحة، كما فكّرت، كانت محظوظة أصلًا لأنها حصلت على زوج سواء كان أقل منها أو أعلى منزلة. لكن الآنسة جلوري لا تدعني أقول شيئًا كهذا ضد سيدتها. لقد كانت صبورة جدًا معي خاصة فيما يتعلق بالأعمال المنزلية. شرحت لي الأطباق، والفضّيات وأجراس الخدم. لم يكن الوعاء المستدير كبير الحجم وعاءً روحانيًا، بل كان وعاء للسلطة. كانت هناك كؤوس وأكواب للشرب وأكواب للآيسكريم وأكواب نبيذ وأكواب قهوة خضراء اللون مع صحون مطابقة لها، وأكواب ماء. كان لدي كوبًا لأشرب منه، وكان يُوضع في الرف المنفصل الذي تضع فيه الآنسة جلوري كوبها. أيضًا ملاعق للحساء، ووعاء للصوص، وسكاكين الزبدة، وشوك للسلطة، كلها كانت إضافات إلى مخزون الكلمات لديّ، والتي أصبحت بدورها لغة جديدة. كنتُ مبهورة بالإبداع وبهيجان السيدة كولينان ومنزلها الذي يشبه منزل أليس في بلاد العجائب.

أما زوجها فمازال غير واضحًا في ذاكرتي. لقد جمعته مع كل الرجال البيض الذين قابلتهم في حياتي وحاولت أن لا أراهم. 

ذات مساء، وفي طريقنا إلى المنزل، أخبرتني الآنسة جلوري أن السيدة كولينان لا تستطيع إنجاب الأطفال. لقد قالت أن عظامها حساسة للغاية. لقد كان صعبًا علي أن أتخيل كل هذه العظام تحت أكوام من الشحوم. أخبرتني الآنسة جلوري أيضًا أن الطبيب قد أزال كل أعضاء سيدتها. أدركت أن أعضاء الخنزير تشمل الرئتين والقلب والكبد، لذلك إن كانت السيدة كولينان تتمشى بدون أعضائها، فإن ذلك يُفسر لِم كانت تشرب الكحول في قوارير غير مختومة، لأنها كانت تحنّط نفسها.

عندما تحدثتُ لبيلي عن هذا الأمر أخبرني بأنني كنتُ على حق، لكنه أخبرني أيضًا أن السيد كولينان لديه ابنتين من سيدة ملونة وبأنني أعرفهما جيدًا. أخبرني بأن البنتين كانتا صورة طبق الأصل من أبيهما. لم أستطع التذكر كيف كان شكله، على أنني تركته لبضع ساعات، لكني فكّرت في ابنتيه. كانتا ذات بشرة فاتحة للغاية، ولم يشبها أمهما ( لم يذكر أحد قط السيدة كولينان).

شفقتي على السيدة كولينان سبقتني في الصباح التالي مثل ابتسامة القط شيشاير في أليس في بلاد العجائب. كانت هاتان الفتاتان، واللتان من الممكن أن يكونا ابنتيها، جميلتان. لم يكن عليهما أن يفردا شعرهما، حتى وإن كانتا تحت المطر فإن الضفائر ظلت مفرودة مثل الثعابين المروّضة. أما ثغريهما، فقد كانا مثل قوس كيوبيد. لم تكن السيدة كولينان تدرك ما الذي فاتها، أو من الممكن أنها كانت تعرف. يا لبؤس السيدة كولينان.

لأسابيع بعدها، كنت أصل إلى المنزل مبكرًا، وأغادره متأخرًا، وبذلت كل مابوسعي من أجل أن أعوّض حاجتها. فإذا كان لديها أطفال لن تطلب مني بأن أؤدي مهامًا تمتد من باب منزل الخلفي إلى باب منزل صديقاتها. يا لبؤس السيدة كولينان.

ذات مساء أخبرتني الآنسة جلوري أن أخدم السيدات على الشرفة. بعد أن جهّزت الصينية وتوجهت إلى المطبخ، سألتني إحداهن ”ما اسمك يافتاة؟“ كان وجهها مرقطًا. أجابتها السيدة كولينان ”لا تتحدث كثيرًا، اسمها مارجريت“.

“هل هي بلهاء؟”-

“لا كما أفهم، لكنها تستطيع الكلام عندما ترغب في ذلك، لكنها في العادة هادئة مثل فأر صغير. أليس كذلك يا مارجريت؟”-

ابتسمت لها. يا لبؤسها. لا تمتلك أعضاء والآن لا تستطيع أن تنطق اسمي بشكل صحيح. 

“لكنها شيء صغير لطيف”-

“من الممكن أن تكون كذلك، لكن اسمها طويل للغاية. لو كنتُ مكانك لن أتعب نفسي، وسأناديها ماري”.-

اشتطتُ غضبًا إلى المطبخ. تلك المرأة المريعة لن يتسنى لها أن تناديني بماري ولو كنت أتضور جوعًا، لن أعمل لديها. قررتُ بأنني لن أتبول عليها إذا كان قلبها يحترق. أسمع صوت ضحكات في الشرفة وكذلك في قدور الآنسة جلوري. كنت أتعجب ما الذي يضحكهن؟

هؤلاء الأشخاص البيض عجيبون. هل يتحدثون عني؟ من المعلوم أنهم يتضامنون مع بعضهم أفضل من الزنوج. من الممكن أن السيدة كولينان لديها أصدقاء في سانت لويس سمعن عن فتاة من ستامبس في المحكمة، وكتبن لها ليخبرنها. من الممكن أنها تعرف السيد فريمان ”مُغتصب كاتبة القصة“.

كان الغداء في فمي للمرة الثانية، وذهبت للخارج لأستريح فوق سرير من زهور شب الليل.

ظنّت الآنسة جلوري أنني قد أُصاب بشيء ما، وطلبت مني أن أذهب إلى المنزل وأسال ماما أن تعطيني شاي بالأعشاب، وسوف تشرح الأمر للسيدة كولينان.

أدركتُ كم كنت حمقاء قبل أن أصل إلى بركة الماء. بالطبع لم تعرف السيدة كولينان بهذا الأمر، وإلا لم تكن لتعطيني فستانين جميلين قصّتهما ماما، ولم تكن لتناديني ب”الشيء الصغير اللطيف“. طابت معدتي، ولم أذكر أي شي لماما.

قررتُ في ذلك المساء أن أكتب قصيدة عن كوني بيضاء وسمينة وكبيرة في السن بدون أطفال. كانت ستصبح قصيدة مأساوية. وكان علي أن أراقبها بحذر حتى أقبض على جوهر وحدتها وألمها.

في اليوم التالي، نادت عليّ بالاسم الخاطئ. كنت أغسل الأطباق أنا والآنسة جلوري عندما جاءت السيدة كولينان للباب “ماري؟”

ردت الآنسة جلوري “مَن؟”

تراجعت السيدة كولينان وأدركت الأمر كما أدركته أنا وقالت “أريد من ماري أن تذهب إلى السيدة راندال وتأخذ معها بعض الحساء لأنها ليست بخير منذ بضعة أيام”.

كان وجه الآنسة جلوري متعجبًا “تقصدين مارغريت ياسيدتي، اسمها مارغريت”.

-“لكن اسمها طويل جدًا. من الآن فصاعدًا اسمها ماري. سخّني ذلك الحساء من الليلة الماضية وضعيه في الوعاء الصيني، وأنبّهك ماري أن تحمليه بحذر”.

كل شخص أعرفه كان لديه رعب جهنمي من أن يُنادى بغير اسمه. كان عملًا خطيرًا أن يُنادى على زنجي بأي شيء يمكن تفسيره بشكل فضفاض بأنه إهانة بسبب قرون من تسميتهم بالزنوج والأحذية والغربان والأشباح..

شعرت الآنسة جلوري بلحظة عابرة من الأسف تجاهي. بعدها قالت لي وهي تمرر لي الوعاء الساخن ”لا تنزعجي، حاولي أن تتجاهلي الأمر. إن العصي والحجارة قد تُكسر عظامك، لكن الكلمات.. كما تعرفين، أعمل لديها منذ ٢٠ عامًا“.

أمسكتْ الباب الخلفي من أجلي. أخبرتني ”عشرون عامًا. لم أكن أكبر منك سنًا وقتئذ. كان اسمي هاللويا. هذا ما كانت تناديني به أمي. لكن السيدة أعطتني اسم جلوري، والتصق بي. لقد أعجبني أكثر“.

كنتُ في المسار الصغير الذي يقع خلف المنازل عندما صرخت الآنسة جلوري ” وإنه أقصر أيضًا“.

لثواني معدودة، كان الأمر بمثابة قُرعة ما إذا كنت سأضحك (تخيّل أن يكون اسمك هللويا) أو أبكي (تخيل أن تدع امرأة بيضاء تعيد تسميتك من أجل راحتها). حماني غضبي من كلا الانفجارين. كان يجب عليّ أن أترك عملي، لكن المشكلة كانت كيف سأتركه. لن تدعني أمي أن أترك عملي لأي سبب.
أخبرتني عاملة السيدة راندال وهي تأخذ الحساء مني ”إنها عاهرتُن. تلك المرأة هي عاهرتُن حقيقية“، وكنت أتسائل ما هو اسمها الحقيقي وبماذا تُدعى الآن.

لمدة أسبوع وأنا أتأمل وجه السيدة كولينان وهي تناديني بماري. تجاهلتْ أمر قدومي إلى المنزل متأخرًا ومغادرتي مبكرًا. لكن الآنسة جلوري انزعجت قليلًا لأنني أصبحت أترك مُحّ البيض على الأطباق، ولم أبذل مجهودًا كافيًا لتلميع الفضّيات. كنت آمل أن تشتكي لرئيستنا، لكنها لم تفعل. 

لكن بيلي حلّ معضلتي. طلب مني أن أصف له محتوى الدولاب والأطباق المعينة التي تعجب السيدة. كانت قطعها المفضلة طبق خزفي على شكل سمكة، وأكواب القهوة الخضراء. حفظتُ تعليماته، لذلك في اليوم التالي عندما نشرت الآنسة جلوري الملابس وطُلب مني أن أخدم العجائز على الشرفة، أسقطتُ صينية التخديم الفارغة. عندما سمعت السيدة كولينان تصرخ ”ماري!“ التقطتُ الطبق الخزفي وكوبين من أكواب القهوة الخضراء باستعداد. وفي الوقت الذي دخلتْ فيه المطبخ، تركتهم يتساقطون على البلاط. 

لم أستطع أن أصف لبيلي ما الذي حصل فيما بعد، لأن كل مرة أصل فيها إلى الجزئية التي تسقط فيها السيدة على الأرض وأجعل وجهها القبيح يبكي، ننفجر من الضحك. تمايلتْ على الأرض والتقطت الأجزاء المكسورة من الأكواب وقالت باكية ”يا أماه، يا رباه، إنه خزف أمي من فرجينيا. أنا آسفة يا أمي!“.

اندفعت الآنسة جلوري من الحديقة وكذلك السيدات في الشرفة المزدحمة. كانت الآنسة جلوري مكسورة مثل سيدتها ”هل تعنين أنها كسرت أطباقنا التي من فرجينيا؟ ما العمل الآن؟ 

بكت السيدة كولينان بصوت مرتفع وقالت ”تلك الزنجية الخرقاء. الزنجية الصغيرة السوداء الخرقاء“

سألت العجوز المرقطة ”من فعلها يا فيولا؟ هل كانت ماري؟ مَن فعلها؟“

كل شيء حدث بسرعة للدرجة التي لا أستطيع التذكر هل سبق فعلها كلماتها، لكني أعرف أن السيدة كولينان قالت ”اسمها مارجريت، اللعنة عليه، اسمها مارجريت“ ورمت قطعة من الصحن المكسور علي. من الممكن أن الهستيريا أعاقت هدفها، لكن الصحن الطائر وقع فوق أذن الآنسة جلوري التي بدأت بالصريخ.

تركتُ الباب مفتوحًا على مصراعيه حتى يسمعها جميع الجيران. لقد كانت السيدة كولينان محقة بشأن أمر واحد، اسمي لم يكن ماري. 


 للكاتبة والشاعرة الأمريكية مايا (مارغريت) آنغلو – بترجمتي

عندما أنهينا أنا وزميلتي المكسيكية والتي تعمل جليسة أطفال، من قراءة القصة قالت معلقة عليها “الآن فهمت سبب غضبي المكبوت على السيدة التي أعمل لديها عندما تناديني في كل مرة باسم غير اسمي، زاعمة أن اسمي صعب عليها.. إنها تنزع هويتي”.

زميلتي هذه مُحقة، فاسم شخص ما هو هويته. 
جاء في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم غيّر من أسماء بعض الداخلين في الإسلام من الناس والقبائل مَن كانت أسمائهم فيها قبح أو غِلظة إلى أسماء أحسن منها تفاؤلًا واستبشارًا بمعناها. لكن الرسول الكريم لم يُجبر أحدًا على تغيير اسمه، إذ ورد في صحيح البخاري أن والد سعيد بن المسيب “حزن” جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له “أنت سهل” فرد عليه “لا أُغيّر اسمًا سمّانيه أبي” فقال ابن المسيب ” فما زالت الحزونة فينا بعد”. 

وفي قصة هايدي، تغضب هايدي الصغيرة من السيدة روتن ماير لأنها تناديها بأدلين بدلًا من هايدي بسبب أن الاسم لا يعجبها ولم تسمع به من قبل.  ما الغرض من كتابة هذه التدوينة؟ خطرت في بالي القصة وكل هذه الأفكار عندما سمعت إحدى صديقاتي تُنادي العاملة المنزلية باسمٍ عربي لأنه أسهل لها. احذروا، إن الاسم هوية وهي ذاكرته وماضيه فلا تنزعوها من البسطاء لديكم.

 

كيف تُعاش الحياة؟

أنهيتُ قبل فترة قراءة كتاب سارة بكويل (كيف تعاش الحياة) هذا الكتاب ممتع -ككتابها السابق في مقهى الوجودية- إذ تتبعت فيه بكويل حياة ميشيل دو مونتين من خلال كتابه ”المقالات“- لم تترجم إلى العربية إلى الآن- والتي كُتبت في ٣ مجلدات، ولخّصت كيف عاش ميشيل دو مونتين حياته في سلام بطريقة ذكية: أجوبة عن عشرين سؤالًا. 

من هو ميشيل دو مونتين؟

باختصار هو فيلسوف من فلاسفة النهضة الفرنسية (١٥٣٣-١٥٩٢م)، وهو مبتدع فن المقالة، كتب مقالاته عن تجاربه وآراءه في الحياة. قيل أن شكسبير كان من هؤلاء الذين تأثروا بكتابات مونتين، وكذلك فولتير وجان جاك وروسو وباسكال، وستيفان زفايج، وفرجينيا وولف وزوجها ليونارد، أما نيتشه فقد قال عنه “إن ما كتبه هذا الرجل قد زاد من بهجة العيش على هذه الأرض”.

”ليس كتابًا بقدر ماهو رفيق مدى الحياة“

هنا نقاط مختصرة للغاية عن الطرق التي تبعها ميشيل دو مونتين في حياته:

١- لا تقلق بشأن الموت:

كان مونتين في بداية حياته شديد القلق بشأن الموت إذ قرأ كتابات العديد من الفلاسفة المهووسون بالموت، إلى أن اقترب من الموت في ال٣٦ من عمره حين سقط من على جواده وفقد وعيه. يبدو أن مونتاني قد ازداد حكمة خلال فترة التعافي، إذ شبّه الموت بحلم اليقظة: ومن ذلك انطلق في مقالاته يدعو الناس إلى أن يعيشوا حياتهم بلا قلق من الموت، وقررّ أن الفلاحين يتعاملون مع الموت أفضل من الفلاسفة. 

Salvador Dali

٢- انتبه للحياة بدهشة:

 بعد بضع سنوات من حادث السقوط، بدأ مونتين بكتابة المقالات، إذ أنه أصبح أشد تركيزًا وانتباهًا للحياة، فكتب عن تجربة الاقتراب من الموت. وشعر بأن الكتابة تحرره وتجعله أكثر وعيًا وانتباهًا لما حوله.
“لن يسببب تذكيرك بسرعة مرور الحياة أي ارتباك.. فهي تنزلق بهدوء، ما النتيجة؟
أنت مهموم والحياة تمر سريعًا. وسيصل الموت في هذه الأثناء، ولا خيار لك في جعل نفسك متاحًا له“.

بل الغالب أنه هو من ابتكر التأمل:
”حين أسيرُ وحيدًا في البستان الجميل، إذا تطرّقت أفكاري إلى حوادث غريبة لبعض الوقت، فإني أعيد أفكاري إلى المشي، إلى البستان، إلى حلاوة هذه الوحدة، وإلى نفسي”.

”حين أرقص أرقص، وحين أنام أنام“.

من السهل أن نقرأ كلامًا مثل هذا، لكن التطبيق صعب للغاية، وإلا فما وُجدت الكثير من الكتب والمحاضرات التي تدعو إلى التأمل والتركيز ونبذ المشتتات.

٣- أن تُولد- من جديد-:

”إذا تمعّن الآخرون في فحص أنفسهم باهتمام كما أفعل، لوجدوا أنفسهم كما وجدتُ نفسي، مليئة بالتفاهة واللغو. ولا يمكنني التخلص منهما إلا بتخلصي من نفسي“. تعلّم مونتاني فلسفة أرسطو وقراءة الكتب الكلاسيكية. 

٤- اقرأ كثيرًا، انس معظم ما قرأت، ولا تكن سريع البديهة: 

تقول بكويل أن مونتاني كان شخص كسولًا في القراءة، ويهمه الكتاب المبهج، ولا يتوانى أن يرميه جانبًا إذا لم يستهويه.

”إذا لقيتُ صعوبة في القراءة، لا أقضم أظافري بسبب ذلك، بل أتركها جانبًا. لا أفعل شيئًا من دون بهجة“.

وكان يكره التعليقات في الكتب ”إنها وظيفة لتفسير التفسيرات أكثر منها تفسير الأشياء. نحن لا نفعل شيئًا إلا كتابة حواش عن بعضنا البعض“.

٥- الصداقة:
اعتبر مونتين أن الصداقة من متع الحياة، وكان صديقه في حياته لا بويتي إذ قال عنه “أخبرك عن سبب حبّي له: لأنه هو ولأني أنا”.

٦- استخدم حيلًا صغيرة: 

قلّد مونتين فلسفة الرواقيين والأبيقوريين في التعامل مع الحياة اليومية، بأن يعيش المرء حياة طيبة وأن يكون شخصًا طيبًا من خلال الاتزان بتدريبات ذهنية قاسية. كيف؟

-بالتحكم والانتباه: أن تتحكم في انفعالاتك، وأن تركز في الحاضر. 

 مثلا: بماذا تشعر الآن؟ هل أنت حيٌّ فعلا في هذه اللحظة؟

– بحيلة الخيال:
في وسط الحياة، تخيّل نفسك في لحظة الموت: هل عشت حياة طيبة؟
تخيّل أن تفقد شخصًا عزيزًا أو تخيل نفسك أنك لم تلتق به أبدًا. 

تظاهر بأنك فقدت كل شيء وأنك تفتقد أشيائك للغاية.

حب القدر: بأن تتقبل كل شيء على ماهو عليه.

 تشتيت الانتباه أفضل طريقة للتعامل مع الحزن. 

٧- شكّ في كل شيء:

لا يلزم أخذ أي شيء في الحياة بجدية، ولا تحاول الحصول على إجابة محددة لأي شيء. كما يقول مونتين ”وبصري لا يُعتمد عليه“. 

”كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئًا، بل إني حتى لست متأكدًا من ذلك“.

كل وجهة نظر عند مونتين لا بد أن تؤخذ في الاعتبار ”نحن وأحكامنا، وجميع الأشياء الفانية، نظل نتدفق ونتقلب في حالة من الشك. وهكذا، لا يمكن إثبات أي شيء يقيني عن شيء بواسطة شيء آخر، فالحاكم والمحكوم عليه في حالتي تغيّر وحركة مستمرين“.

٨- احتفظ بغرفة خاصة بك خلف الدكان:

تقول بكويل أن مونتاني سعى إلى العزلة والانفراد بالنفس حتى يمكنه من إقامة حرية حقيقية، ”الحاجز الذي يحتاجه ليفكّر ويتأمل في داخل نفسه“. 

٩- كن سهل المعشر.. عِش مع الآخرين:

– كان مونتاني اجتماعيًا ويحب الاختلاط بالناس، ويحب الحوار ”أنا أعيش في مكان مفتوح تمامًا..وُلدتُ للصحبة والصداقة“. وكان يفضل الكلام والحوار على قراءة الكتب، وكذلك الجدال، فقد كان يحب أن يعارضه الآخرون من أجل فتح المزيد من الحوارات ”لا يدهشني أي رأي، ولا يسيئني أي اعتقاد، مهما تعارض مع اعتقادي“.

  • كان يكره القسوة ورحيمًا حتى مع الحيوانات ”لا أقدر أن أرفض اللعب الذي يقدمه لي كلبي أو يطلبه مني في أوقات غير ملائمة“.

١٠- استيقظ من سُبات العادة:
كان مونتاني يولي الانتباه إلى الأشياء من حوله بطريقة مختلفة، ويحب الاطلاع على عادات الشعوب الغريبة والمختلفة عنه. 

١١- عش باعتدال: 
تقول بكويل أن مونتاني كان يترنم بالرصانة والاعتدال، وكان يثمن الصداقة أكثر من الغرام. وزعم بأن عظمة الروح الحقيقية توجد في التوسط.

١٢- احرس إنسانيتك: 
قارنت بكويل مونتاني بستيفان زفايج، حيث أن مونتاني حافظ على لا مبالاته أثناء الحروب، أما زفايج فقد انتحر أخيرًا رغم أنه تأثر بما كتبه مونتاني. دعا مونتين إلى تحرير النفس من الكبرياء وكذلك من الحزبيات. باختصار كن سيدًا لحياتك. 

١٣- افعل شيئًا لم يفعله أحد قبلك: 
”إني أوجه نظرتي إلى الداخل، وأثبتها هناك وأجعلها مشغولة. الجميع ينظرون أمامهم: أما أنا، فأنظر داخل نفسي، لا عمل لديّ إلا نفسي. أنا ألاحظ نفسي باستمرار، أنا أجرد مخزون نفسي. أنا أتذوق نفسي.. أنا أتقلب داخل نفسي“.

١٤- شاهِد العالم: 
سافر مونتاني في رحلات إلى فرنسا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا. وأكثر ما أحبه هو عدم التخطيط في السفر والتحرك مع التيار ”إذا بدا المشهد قبيحًا على اليمين فسأسلك طريق اليسار، وإذا وجدتُ نقسي غير ملائم لامتطاء حصاني، أتوقف“. وعلى الرغم أنه كان لا يحب التخطيط، كان أيضًا لا يحب أن يفوته شيء. ويحاول أن يتكلم بلغات البلدان التي يسافر إليها.

١٥- أدِّ وظيفتك جيدًا، لكن لا تسرف في إجادتها: 
لا تؤذي نفسك بالعمل. وسافر كثيرًا. 

١٦- تفلسف بالمصادفة فقط: 
الكثير تأثر بما كتبه مونتين. 

١٧- تأمل كل شيء بعمق، ولا تندم على شيء 

١٨- تخلّ عن التحكم

١٩- كن عاديًا ولا تكن كامل الأوصاف 

٢٠- دع الحياة تكون الإجابة عن السؤال عنها: 
”لا بد أن تكون الحياة هدفًا في حد ذاتها، غرضًا في حد ذاتها“.

وفي الليلةِ الظلماء..

Artist: Yan Qin Weng

هل سمعتم عن المطعم الذي يوّظف العميان لخدمة زبائنه؟

لأكثر من عامين، أجلّت تجربة الذهاب إلى هذا المطعم في مونتريال والذي يُدعى ”نوار“ أو السواد بالفرنسية، كانت الفكرة ثقيلة نوعًا ما. ولكنني في أحد الأيام حسمتُ الأمر وحجزت مقعدين لي وللصديقة جيهان. 

وصلنا مبكرًا قبل موعد الحجز حسب التعليمات. ثم فُتحت بوابة المطعم من قِبل النادل والذي اكتشفنا فيما بعد أنه أعمى. أوصانا بأن نصطف في طابور وأن يمسك كل منا كتف الشخص الذي أمامه بيده ثم نتقدم جميعًا. دخلنا في سواد دامس، ظلمات بعضها فوق بعض، لم يكن ذاك السواد الذي تراه عندما تغمض عينيك، لكنها تلك العتمة التي لا تستطيع معها رؤية يديك. جاءت النادلة -العمياء أيضًا- والتي كانت تمشي في المطعم بكل ثقة وأمسكت بيدي لتُشعرني بالأدوات الموجودة على الطاولة. هنا الملعقة، والسكينة، والشوكة. وهنا صحنك. ثم مضت لتحضر وجبتنا. صمتنا قليلًا أنا وجيهان، لكننا عندما بدأنا بالكلام انفجرنا بالحديث عن النِعم التي نغرق فيها وعن تفاهة المشاكل التي نواجهها.. إنما نحنُ جوقة العميان.

وإذا كانت غريزة البقاء تُجبر الإنسان على الالتفات ببصره لما حوله لتحديد أي خطر، فقد زاد توترنا إذ أننا كنا نحاول أن نُبصر بآذاننا. 

جاء الطعام. كيف أستطيع أن التقط الطعام بالملعقة؟ حاولتُ وأخفقت. تحسستُ الطعام بيديّ وأكلته بأصابعي. أدركت السبب الذي جعل طه حسين يُحرّم على نفسه الحساء والأرز، ولمِ ”كان يستحي أن يشرب على المائدة مخافة أن يضطرب القدح من يده“.

قبل ٣ أشهر قررت أن أُجري عملية تصحيح النظر. كرهتُ ارتداء النظارات واعتمادي الكليّ عليها وعلى العدسات. نجحت العملية بفضل من الله، ولكني ظللتُ حبيسة الفراش لأكثر من يوم ونصف لأنني كنتُ مغمضة العينين. لم أستطع القراءة، أو استخدام الجوال، ونمت مرارًا على حلقات بودكاسات مختلفة، وأكلتُ الطعام مرة أخرى بيديّ. كان قرار التخلي عن النظارة من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي، لكنني لن أنسى أبدًا أنني خضت مرتين تجربة بسيطة شبيهة بالعمى.

مُقترحات تساعد على إنارة البصائر:

– السيرة الذاتية ”الأيام“ لطه حسين
– مقالة هيلين كيلر ”لو أبصرتُ ٣ أيام“
ـ”مع أبي العلاء في سجنه“ لطه حسين

– رواية ”العمى“ لخوزيه ساراماغو
– رواية ”كل الضوء الذي لايمكننا رؤيته“ لأنتوني دوير

غرفة تخص المرء وحده

في طفولتي، كنت أتفكر كثيرًا في خلاء الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وهو مكان مرتفع بعيد عن الناس وصغير المساحة، وله فتحة كالنافذة تُطل على الكعبة. أصبحت فكرة البيت المنعزل أو الغرفة المعزولة تسيطر علي، حتى قررت أن أحجز زواية في فناء المنزل خلف شجرة، وأضفت إليه كرسي وبعض الأدوات ليصبح خلاءً لي. لكن العزلة كانت مقطوعة دائمًا بصوت أمي التي تنادي بضرورة إنهاء ما أفعله لأهرع إلى المائدة.

لم أدرك أهمية العزلة حتى استوليت على غرفة أخي الذي سافر إلى الخارج وأصبحت غرفتي. كنت محظوظة للغاية. أتذكر جيدًا الأيام التي كنت أستلقي فيها على ظهري وأنظر إلى السقف بدون أن أفكر في شيء. كنتُ أفعل مايشبه الآن بالتأمل. كما أتذكر الأيام التي قرأت بها كليلة ودمنة ومسرحيات شكسبير من دار نظير عبود، والليالي التي زيّنت فيها دفتر حصة ”التربية الفنية“ برسوماتي والأوراق الملونة، والأوقات التي استمعت فيها إلى شريط ”وست لايف“ مستظهرة الكلمات الإنجليزية الجديدة التي حفظتها.

أخبرتني زميلتي في المدرسة عن انتقالهم إلى منزلهم الجديد، وأن والدتها قد قررت أن تخصص لها ولأختها غرفة نوم مشتركة بدلا من غرفتين-رغم كبر مساحة المنزل- بدعوى أن ذلك يقوّي العلاقة بين الأختين. شعرت بالأسى على زميلتي، لكن العزلة والخصوصية واجبة، أليس هناك حديث بوجوب استئذان الشخص على أمه وإن كان معها في البيت؟

”إذا أرادت المرأة أن تكتب الأدب فيجب أن يكون لها غرفة تخصها وحدها، وبعض المال“ هكذا قالت فرجينيا وولف. فالحرية الفكرية ”تتوقف على الأشياء المادية“. ومن هذه الأشياء المادية غرفة أو مساحة خاصة للمرء. إذا استطعت أن توفر لنفسك مساحة خاصة في المنزل، فأنت محظوظ. تستطيع أن تهرب من الحشد -كما تقول حنة أرندت- لتصبح قادرًا على سماع أفكارك وتكوين رأيك. ”فإذا خسرنا قدرتنا على العزلة، أن نكون وحيدين بصحبة أنفسنا، فسوف نخسر قدرتنا على التفكير. سوف نخاطر بانغماسنا في الحشد، وسوف يجرفنا الناس بعيدًا بأفكارهم ومعتقداتهم.. العزلة ليست فقط حالة ذهنية من أجل تطوير وعي الفرد وضميره، بل أيضًا عمل يهيء المرء لأن يشارك في الحياة الإجتماعية“.

كيف هو شكل مساحتكم الخاصة؟ في طفولتي كنت أتمنى كثيرًا أن أحصل على بيت فوق الشجرة، هذا مستحيل، ليست هناك شجرة كبيرة في منزلنا المديني، لايوجد سوى النخل 😀 

  • مستقلة عن الناس: كما غار حراء، بعيد عن الناس، وهذا يعني أنه يمكنكم أن تغلقوا الباب على أنفسكم وتمارسوا العزلة.
  • نافذة مطلة: غار حراء مرتفع بنحو ٦٣٦ مترًا -هذا يعني أنه الجو هناك ألطف- ومطل على مكة، إذا كنتم محظوظين، فهناك نافذة مطلة على الشارع أو على شجرة. 
  • المساحة غير مهمة: يقول الواصفون لغار حراء، أن مساحته يمكن لخمسة أشخاص أن يجلسوا بداخلها في وقت واحد. وهي أكبر من مساحتي الخاصة حاليًا- أو مكتبي لأكون أكثر دقة- والتي أكتب منها هذه التدوينة.

كان ستيف جوبز يقول ”كل ماتحتاجه هو كوب من الشاي، وإضاءة، وستيريو للموسيقى“. فماذا تحتاجون في مساحتكم الخاصة؟ بعض الأفكار: مقعد مريح، نباتات، إبريق ماء، آلة قهوة، صورًا شخصية في إطارات جميلة، تذكارات مختلفة، أقلام ودفاتر، كتب، تقويم، شموع، علبة مكسرات مثل الجوز واللوز، فوّاحة، بطانية دافئة.. أخبروني عنكم، ماهو شكل مساحتكم الخاصة؟

غرفة فرجينيا وولف الخاصة بها

المراحل الأربع من حياتنا

بقلم: مارك مانسن 

المرحلة الأولى: التقليد 

نولد عاجزين. لانستطيع المشي، أو الكلام، أو إطعام أنفسنا، ولا حتى دفع الضرائب.

تعلمنا في طفولتنا أن نراقب الآخرين ونقلدهم. نتعلم أولًا المهارات الجسدية مثل المشي والكلام. ثم المهارات الإجتماعية، ونتعلم في آخر طفولتنا كيف نتبنى ثقافتنا عن طريق ملاحظة القوانين والتقاليد من حولنا ومن ثم محاولة التصرف على النحو الذي يتقبله المجتمع. 

الهدف من المرحلة الأولى هو تعليمنا كيف نتأقلم مع المجتمع بحيث نكون أشخاصًا مستقلين ومكتفين ذاتيًا. تقوم الفكرة على أن البالغين حولنا يساعدونا في تخطي هذه المرحلة من خلال دعمنا في اتخاذ القرارات بأنفسنا. 

لكن قد يكون هؤلاء البالغين -وحتى المجتمع- غير أكفاء، فيعاقبوننا بسبب استقلالنا ولا يدعمون قراراتنا. وبالتالي لانستطيع أن نكون مستقلين. فنعلق في المرحلة الأولى، وبالتالي نستمر في تقليد من حولنا إلى مالانهاية، راجين أن نٌرضي الجميع حتى لاينتقدونا.

بالنسبة للشخص العادي، تستمر المرحلة الأولى في حياته حتى نهاية المراهقة وبداية الرشد. ومن الممكن أن تستمر عند بعض الأشخاص في مرحلة الرشد. قد يستيقظ البعض يومًا في عمر ال٤٥ مدركين أنهم لم يعيشوا الحياة لأنفسهم، متسائلين أين كانوا طوال هذه السنوات.

هذه هي المرحلة الأولى. التقليد. البحث عن رضا الآخرين وموافقتهم. واختفاء الفكر المستقل والقيم الذاتية.

يجب أن نكون واعين بالمعايير والتوقعات التي يضعها الناس من حولنا. لكننا يجب أيضًا أن نكون أقوياء بما فيه الكفاية لأن نتصرف رغمًا عن هذه المعايير والتوقعات عندما نشعر بضرورة ذلك. يجب أن نطور من قدرتنا على التصرف بأنفسنا لأنفسنا.

المرحلة الثانية: اكتشاف الذات

في المرحلة الأولى، نتعلم أن نتعايش مع الناس والعادات من حولنا. أما المرحلة الثانية فنحن نتعلم كيف نكون مختلفين عن الآخرين. تتطلب منا المرحلة الثانية أن نبدأ باتخاذ القرارات لأنفسنا، وأن نختبر أنفسنا، وأن نفهم ذواتنا جيدًا مما يجعلنا ذلك مميزين عن الغير. 

تتضمن المرحلة الثانية الكثير من التجارب والأخطاء. نحن نختبر الحياة في أماكن جديدة، والخروج مع ناس جدد. 

في المرحلة الثانية، زرتُ أكثر من ٥٠ دولة. أما المرحلة الثانية بالنسبة إلى أخي فكانت الانخراط في النظام السياسي في واشنطن دي سي. المرحلة الثانية مختلفة لأن كل شخص مختلف عن الآخر. 

المرحلة الثانية هي مرحلة اكتشاف الذات. نجرب أمورًا قد تنجح وقد تفشل. لكن الهدف هو الاستمرار مع الأمور التي نجحت معنا. 

تدوم المرحلة الثانية حتى نبدأ بالجري خارج حدودنا. وهذا لايناسب الكثير من الناس، وقد تخبرك أوبرا وينفري أو ديباك تشوبرا بهذا، لكن اكتشاف حدودك الخاصة هو أمر جيد وصحي.

في هذه المرحلة سوف تكون سيئًا في بعض الأمور مهما حاولت. وتحتاج أن تعرف هذه الأمور. لا أميل إلى التفوق في أي أمر رياضي بسبب جيناتي، وكان هذا أمرًا مزعجًا لأدركه، لكني أدركت ذلك. 

توجد العديد من الأمور العظيمة لكنها تبدأ في ”الانتاجية الناقصة“ بعد عدة سنوات. مثل السفر حول العالم على سبيل المثال.

حدودك أو قيودك هي مهمة لأنك في النهاية سوف تدرك أن وقتك في هذا العالم هو محدود، وبالتالي يجب أن تقضيه على الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليك. وهذا يعني أن تستوعب أن مقدرتك على فعل شيء ما لا يعني أنه يجب عليك أن تفعله. وهذا يعني أيضًا أن تدرك أن محبتك لأشخاص معينين لا يعني أنه يجب أن تكون معهم. وهذا يعني تفهم أن هناك تكلفة بديلة لكل شيء ولاتستطيع أن تنتهز كل الفرص.

بعض الأشخاص لايسمحون لأنفسهم بأن يشعروا بوجود القيود لأنهم إما يرفضون الاعتراف بفشلهم، أو لأنهم يوهمون أنفسهم بأنه لايوجد هناك أي قيود. هؤلاء سيعلقون في المرحلة الثانية.

هؤلاء هم “رواد الأعمال” الذين يبلغون ال٣٨ من العمر ويعيشون مع أمهاتهم، وليست لديهم القدرة على جني المال بعد ١٥ سنة من المحاولة. هؤلاء هم “الممثلون الملهمون” الذين مازالوا ينتظرون طاولاتهم ولم يستطيعوا تقديم أي دور خلال عامين. هؤلاء هم الأشخاص الذين لايستطيعوا الاستقرار في علاقة طويلة لأنهم مازالوا يشعرون دائمًا أن هناك شخصًا آخر أفضل. هؤلاء هم الأشخاص الذين يكنسون أخطائهم على جنب وينتجون سلبية في الكون.

يجب أن ندرك حقيقة حتمية مفادها أن الحياة قصيرة، وليست كل أحلامنا ستصبح واقعًا. لذلك يجب أن نختار بعناية ماهو الأفضل لنا ونلتزم به.

لكن الناس يعلقون في المرحلة الثانية في أغلب أوقاتهم في محاولة إقناع أنفسهم بأن الأمر هو عكس ذلك: أنهم بلاقيود، ويستطيعون تجاوز هذا كله، وأن حياتهم عبارة عن نمو مستمر، مع أن غيرهم يرون بوضوح بأنهم بالكاد يركضون في مكانهم فقط.

بالنسبة للشخص العادي، تبدأ المرحلة الثانية في منتصف الرشد إلى آخره، وتستمر إلى منتصف العشرينات أو الثلاثينات. نستطيع تصنيف الأشخاص الذين يبقون في المرحلة الثانية ب “بيتر بان” بسبب الشباب اللانهائي، يكتشفون أنفسهم بشكل دائم لكن لايجدون شيئًا.

المرحلة الثالثة: الالتزام

في اللحظة التي تضغط فيها على حدوك وتكتشف قيودك (الرياضية أو فنون الطهو مثلًا)، أو تكتشف فيها إنتاجيتك المتناقصة لبعض النشاطات مثل (الحفلات، أو ألعاب الفيديو، أو ممارسة العادة السرية) ستجد أن لديك شيء مهم، أو ستكتشف الشيء الذي لست سيئًا فيه. حان الوقت لأن تضع بصمتك في العالم. 

المرحلة الثالثة هي التعزيز الحقيقي للشخص في الحياة. ستتخلى عن الأصدقاء الذين استهلكوك أو منعوك من الاستمرار. وستترك النشاطات والهوايات التي تضيع من وقتك. وستستغنى عن الأحلام القديمة التي لن تصبح واقعًا.

بعد ذلك، ستبذل جهدك في الأمور التي تتفوق فيها والتي تحبها. وستبذل طاقتك في العلاقات الأكثر أهمية بالنسبة إليك. وستعطي كل اهتمامك لمهمة واحدة في الحياة، سواء كان ذلك العمل على مشكلة الطاقة في العالم، أو أن تصبح مصمم جرافيك، أو تكون خبيرًا في الدماغ، أو أن يصبح لديك أطفالًا. إذن، فالمرحلة الثالثة هي أن تفعلها.

المرحلة الثالثة أن تزيد من احتمال وجودك في هذه الحياة، عن بناء الإرث. مالذي ستتركه خلفك بعد وفاتك؟ ما الذي سيتذكرك الناس به؟ سواء كان ذلك بدراسة مهمة أو بمنتج جديد أو حتى بالإهتمام بعائلتك. المرحلة الثالثة هي أن تجعل العالم مختلفًا عما هو عليه الآن.

تنتهي المرحلة الثالثة بمزيج من أمرين: 

١- تشعر أنه ليس هناك الكثير لإنجازه،
٢- تشعر بأنك كبير في السن ومرهق وتحتاج إلى الراحة واللهو طوال اليوم.

بالنسبة للشخص العادي، فإن المرحلة الثالثة تدوم مابين الثلاثينات حتى يصل المرء إلى مرحلة التقاعد. والأشخاص الذين يظلون في هذه المرحلة لايعلمون كيف يتحررون من طموحاتهم أو طمعهم في الحصول على المزيد. فانعدام القدرة على التخلي عن القوة والتأثير الذي يريدونه يجعلهم جوعى حتى سن ال٧٠ أو ال٨٠ من أعمارهم. 

المرحلة الرابعة: الإرث 

يصل الكثير من الناس إلى المرحلة الرابعة بعد أن قضوا نصف قرن مستثمرين فيما اعتقدوا أنه مهم وذو معنى. فعلوا أشياء عظيمة، عملوا بجد، زرعوا ماحصدوه، من الممكن أنهم كوّنوا عائلة أو عملا خيريًا أو سياسيًا، لكنهم الآن قد انتهوا. بلغوا من العمر الذي لاتسمح به طاقاتهم وظروفهم بأن يستمروا بمقاصدهم لأبعد من ذلك. 

الهدف من المرحلة الرابعة ليس خلق إرث بمقدار التأكد من أن هذا الإرث سيستمر لما بعد الموت. وهذا قد يكون بسيطًا مثل تشجيع ونصح أطفالهم (الذين كبروا الآن). وقد يعني أيضًا تمرير مشاريعهم وأعمالهم إلى خلفائهم. وقد يعني كذلك أن يكونوا نشطاء أكثر ليحافظوا على القيم في مجتمعهم الذي لم يصبح مألوفًا كما السابق.

المرحلة الرابعة هي مهمة نفسيًا لأنها تجعل من واقع فناء الشخص أمرًا محتملًا. كبشر، لدينا احتياج عميق لأن نشعر بأن حياتنا تعني شيئًا. هذا يعني بأننا نواصل البحث عن حيل الدفاع النفسية ضد الحياة المبهمة وحتمية موتنا. 

حسنًا، ما المقصود من هذا كله؟

إن النمو خلال هذه المراحل يضمن لنا تحكم أفضل بسعادتنا وصحتنا. 

ففي المرحلة الأولى، يعتمد الشخص بشكل كلي على تصرفات الناس ورضاهم ليكون سعيدًا. وهذه استراتيجية بائسة لأن الآخرين لايُعتمد عليهم ولانتوقع أفعالهم.

أما المرحلة الثانية، يصبح الشخص معتمدًا على نفسه، لكنه يظل معتمدًا على النجاح الخارجي ليكون سعيدًا -جني المال، الأوسمة، الانتصارات.. الخ- كل هذا متحكم فيه أكثر من الناس، لكنه غير متوقع على المدى البعيد.

المرحلة الثالثة تعتمد على العلاقات والتجارب التي أثبتت أنها قوية خلال المرحلة الثانية. أما المرحلة الرابعة فتتطلب أن نتمسك بما أنجزناه لأطول فترة ممكنة.

في كل مرحلة، توجد السعادة بشكل أكبر في القيم الداخلية التي تحكّمنا بها، وبشكل أقل في الأمور الخارجية للعالم المتغير دائمًا.

الصراع خلال المراحل:

المراحل الأخيرة لا تُعوض المراحل الأولى. بل تتجاوزها. فالأشخاص في المرحلة الثانية مازالوا مهتمين برضا المجتمع. ومهتمين كذلك بشيء أكثر من رضا المجتمع. أما أشخاص المرحلة الثالثة فهم مازالوا مهتمين بتجربة حدودهم، وكذلك مهتمين أكثر بالتزاماتهم التي صنعوها لأنفسهم.

تقدم كل مرحلة عرضًا بأولويات المرء. لهذا السبب تتداعى العلاقات والصداقات بسبب انتقال الشخص من مرحلة إلى أخرى. فإذا كنت في المرحلة الثانية، وفجأة أردت الاستقرار والالتزام بالعمل في المرحلة الثالثة، بينما أصدقائك مازالوا في المرحلة الثانية، فسوف يكون هناك فجوة بين قيمك وقيمهم والتي ستجد صعوبة في تجاوزها. 

يستعرض الناس هذه المراحل الأربعة أمام غيرهم. فالأشخاص في المرحلة الأولى سوف ينتقدون غيرهم من خلال قدرتهم على الحصول على موافقة المجتمع. والأشخاص في المرحلة الثانية سوف ينتقدون غيرهم من خلال قدرتهم على تخطي الحدود وتجربة أمور جديدة. أما الأشخاص في المرحلة الثالثة فسوف ينتقدون غيرهم من خلال الالتزامات التي تعهدوا بها وكذلك من خلال إنجازاتهم. والأشخاص في المرحلة الرابعة سوف يحكمون على غيرهم من خلال القيم التي اتخذوها لحياتهم. 

أهمية الصدمة:

غالبا مايُصور التطور الذاتي بأنه أمر إيجابي مثل مرحلة وردية تتضمن الكثير من المتعة والتجول في حقول الأزهار. لكن الحقيقة أن الانتقال بين مراحل الحياة تسببه المصائب أو الصدمات في حياة الشخص. مثل تجربة الطلاق، أو علاقة صداقة فاشلة، أو موت شخص مقرب. 

الصدمات تجعلنا نرجع إلى الوراء ونقيّم أعمق محفزاتنا وقراراتنا. فهي تسمح لنا بأن نفكر جيدًا في مدى جدوى الطرق التي اتخذناها في البحث عن السعادة.

ما الذي يجعلنا عالقين؟

هناك أمر واحد يجعلنا عالقين في كل مرحلة: الشعور بالقصور الذاتي

يعلق الناس من حولنا في المرحلة الأولى لأنهم يشعرون بأنهم متخلفون عن الناس، وبذلك يضعون كل جهدهم في استيفاء الشروط التي يضعها غيرهم من أجل أن يراها الناس. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون أن ذلك ليس كافيًا.

يعلق الناس في المرحلة الثانية لأنهم يشعرون بأنه يجب عليهم أن يفعلوا المزيد، والأفضل، والجديد، والأكثر إثارة. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون دائمًا أن مايفعلونه ليس كافيًا. 

أما المرحلة الثالثة، فيعلق الناس فيها لأنهم يشعرون بأنهم لم ينتجوا التأثير الكافي في هذا العالم. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون دائمًا أن مايفعلونه ليس كافيًا. 

ويستطيع الشخص أن يقول أن الأشخاص العالقين في المرحلة الرابعة يشعرون بعدم الأمان لأن إرثهم لن يدوم وينتقل إلى الأجيال القادمة. فيروجوا لإرثهم حتى الرمق الأخير، ومع ذلك يشعرون أن ذلك غير كافيًا. 

الحل في كل مرحلة هو العودة إلى الوراء. فإذا أردت أن تتجاوز المرحلة الأولى يجب عليك أن تتقبل أنك لن تكون مرضيًا للناس طوال الوقت، وبالتالي يجب أن تتخذ قراراتك بنفسك. 

ولتجاوز المرحلة الثانية، يجب أن تتقبل فكرة أنك لن تفعل كل شيء تحلم به وترغب فيه، وبالتالي يجب أن تركز في مايهمك بشكل أساسي وتلتزم به. 

ولتجاوز المرحلة الثالثة، يجب أن تدرك أن الوقت والطاقة هما محدودان، وبالتالي يجب أن تعيد تركيزك في لمساعدة الناس بدلًا من بدء مشاريع جديدة.

أما بالنسبة للمرحلة الرابعة، فتجاوزها يعني أن تفهم جيدًا أن التغيير هو أمر حتمي، وأن تأثير شخص ما – مهما كان عظيمًا وقويًا ورائعًا- سيتلاشى في النهاية. 

وتستمر الحياة.


مقالة مترجمة بتصرف عن مارك مانسن
Four Stages of Life

نصطبر على الحياة بالفنون

Victoria Semykina
 

في طفولتي، كنت أبدي استغرابي من هؤلاء الذين يرتادون المتاحف، وينظرون إلى اللوح الفنية ويتأملونها جيدًا، ثم أعلق في نفسي ماهذا الملل؟

تغيّر رأيي هذا بالطبع عندما كبرت، وبعدما حاولت مرارًا أن أرسم مثل الفنانين. الرسم ليس سهلًا، ويتطلب الكثير من الصبر والمحاولات حتى أستطيع أن أرسم الشَعر أو العين بإتقان، وهذه هي البداية فقط. فأغلب اللوحات الشهيرة لاتدور حول الإتقان بقدر ما تكون عن الموضوع والسياق والإحساس الذي يحاول أن يوصله الرسام من خلالها. 

في اللغة الإنجليزية هناك كلمة تصف الشخص الذي ينظر ويتأمل اللوحة الفنية ويحاول أن يفهمها

 To appreciate

والكلمة العربية الأقرب لها هي التقدير، فتقدير الشخص للفن تكون بتأمله ومحاولة فهمه. وقد أصبحت أقدر اللوحات الجميلة، وأحب أن أتأملها وأجدها من متع الحياة.  

يقول برتراند رسل أن الإنسان يستعين على مصاعب الحياة بممارسة الهوايات، فكلما كثرت هواياته واهتماماته كلما أصبحت ملاذًا له يهرب إليها عندما تحل به المصائب، والفنون تعد من الاهتمامات. ونحن نصطبر على الحياة بالفنون، نستمع إلى أغنية جميلة في الصباح، نقرأ فصًلا من رواية في العصر، ثم نشاهد فيلمًا أو حلقة من مسلسل في المساء. هذا هو اليوم المثالي. 

الكتب، والأغاني، والأفلام والمسلسلات، ,والشعر، واللوح الفنية، والأعمال اليدوية، والخط العربي، والصور الفوتوغرافية، وواجهات البيوت الجميلة التي نراها في يوم ممل ونحن بداخل سياراتنا كلها من الفنون. أحسد السحرة الذين يحولون ورقة بيضاء مملة إلى صورة في غاية الجمال باستخدام الأقلام، وأغبط هؤلاء الذين يصفون أحاسيسنا المتناثرة بجُمل مركبة، ويُدهشني الشخص الذي يُظهر لنا جمال منظر اعتدنا على رؤيته في صورة التقطها بكميرته. تترجم الفنون المبهمات، وفي ذلك يقول ألبير كامو ”إذا كانت الحياة مفهومة، فلن يكون هناك فن“.

تكمن أهمية الفنون كذلك أنها تُشعرنا بأننا غير منفردون بالألم، فهناك من يشاركنا الألم ذاته. فعندما تغمرك الوحدة آخر الليل، قد يصلك قول أم كلثوم وهي تصدح ”نام الوجود من حواليا وأنا سهرت في دنيايا“. أما إذا شعرت بالعجز وانفضاض الناس من حولك فقد يعزيك جريجوري في مسخ كافكا، ولو أحسست بالضيق فقد يهون عليك قول الطغرائي:

أعلل النفس بالآمال أرقبها .. ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ    

في مسلسل الأطفال الشهير”بيبا بيق أو الخنزيرة بيبا“ يظهر السيد بطاطس وهو يقول ”تذكروا دائمًا بأن تأكلوا الخمسة“ وهو ينصح الأطفال بأن يتناولوا ٥ أنواع من الخضروات والفاكهة بشكل يومي. أما نصيحتي هي أن تكتشفوا وتتذقوا ٥ ألوان جديدة من الفنون بشكل أسبوعي، وبهذا يكون اصطباركم على الحياة.

مخرج:  

رواية “صورة دوريان غراي” لأوسكار وايلد، اقرأوها، فهي تحكي عن الفن

تجارب ومباهج – نسخة أغسطس

bettnorrisillustration.com

مرحبا يا أصدقاء، كيف حالكم؟

 مر وقت طويل على آخر تدوينة لي هنا. عدتُ إليكم بتدوينة تجارب ومباهج لأتدرب قليلًا على الكتابة قبل الانطلاق، أو على الأقل هذا ما أحدث به نفسي.  

بعض الأمور التي جربتها والمباهج التي حصلت في الفترة السابقة وتستحق الكتابة عنها:

في القراءة:

– خارج المكان: سيرة ذاتية لادوارد سعيد. تتسم السيرة بالصراحة والصدق خاصة عندما تحدث ادوارد سعيد عن طفولته وعن والديه. تحدث ادوارد في هذا الكتاب عن طفولته وبدايات شبابه، وعن القاهرة والمدارس الأمريكية والإنجليزية مثل فيكتوريا كولج، وحتى عن الموسيقى. خرجت بقناعة كنت أؤمن بها قبل قراءتي للسيرة- أن تعامل الوالدين لأطفالهم يشكل ٥٠٪ من شخصية الإنسان، وهذا مااستوحيته من سيرة ادوارد سعيد الذي كان يعاني من نقص الثقة بجسمه وشكله، ويسرد بعض المواقف القاسية التي تعرض لها من قبل والديه.    

سيرة هيرمان هيسه: الكتاب عبارة عن مقالات متفرقة كتبها هسه في فترات مختلفة من حياته. أعجبتني السيرة في بداياتها للغاية.

– كتاب العادات الذرية: قرأت هذا الكتاب بعد توصية فؤاد الفرحان في تويتر له. من أجل تكوين عادات حسنة أو التخلص من العادت السيئة، يقدم لك الكتاب بعض الأفكار التي قد تعرفها مسبقًا لكن بطريقته، كذلك بعض الأفكار في هذا الكتاب جديدة. وبالطبع في كل كتب تطوير الذات، يعتمد الأمر بشكل كبير عليك في تطبيقها. الكتاب ممتع ولطيف وأنصح به.  

– مجلة الفيلسوف الجديد: صدر منها نسختين للآن، لاتفوتوها! المجلة رائعة رائعة شكلًا ومضمونًا!

الأفلام والوثائقيات والسمعيات:

محاضرة من آلان دو بوتون عن الحب يتحدث فيها بسخرية عن الحب، وكيف تشكلت مفاهيم الحب والزواج في العصر الحالي من المفاهيم الخاطئة للمدرسة الرومانسية.


بودكاست كتبيلوجي: كيف أكون قارئ منهجي؟

أشياء غيرتنا: إخوانيات غازي القصيبي

الحديقة الصغيرة: 

ترددت كثيرًا قبل شرائي لهذه الحديقة من كليك آند جرو، أعجبني مفهوم الزراعة المنزلية بأقل مجهود ممكن. فالجهاز العصري الجميل يحتاج إلى مكان فقط وإلى كهرباء، أما الزرعات فتحتاج إلى ماء فقط. طلبت هذا الجهاز من الموقع البريطاني سلفردج ب٨٤٨ مع الضريبة (وبشحن مجاني حيث أنني مشتركة مع موقع سلفردج بشكل سنوي)، الجهاز متوفر في متاجر فيرجن ستور في السعودية لكن بتكلفة أعلى.

“إذا كنت تود أن تكون سعيدًا لمدة شهر فتزوج، أما إذا رغبت في أن تكون سعيدًا لبقية عمرك فلتكن بستانيًا”

التغليف جميل يذكرني بمنتجات آبل. يحتوي الجهاز على ٩ أصيصات، ويأتي معه ٩ أتربة تحتوي على بذور مختلفة (٣ أتربة تحتوي على بذور للطماطم الصغيرة، ٣ أتربة للخس، و٣ أتربة للريحان). 

كل أصيص يحمل قبة في أعلاه تُوضع لتركيز الضوء على التربة من أجل نمو سريع، وتُزال القبة حينما تظهر الأوراق على سطح التربة (حتى لا تحترق كما فهمت). التعليمات واضحة وسهلة للغاية.
هنا تطور المحصول مع مرور الأيام:

هل جربتِ المحصول؟ جربت الخس وكان لذيذًا. إلا أن طعمه أصبح مرًا بسبب سفري، إذ أنني قرأت أن المرارة في الخس تظهر بسبب العطش أو بسبب النضوج الزائد.

هل يستحق هذا الجهاز ثمنه؟ المحاصيل الورقية رخيصة في السوبر ماركت مقارنة بالمحصول الذي ينتجه هذا الجهاز (ثمن ٣ أصيصات من بذور الخس مثلا ب٥٠ ريال تقريبًا).

لكنني أعتقد أن الجهاز يستحق ثمنه في التجربة اللطيفة نفسها أولًا، وكذلك إذا وُجدت حديقة خارج المنزل. لماذا؟ لأنك تستطيع نقل التربة إلى الحديقة الخارجية بعد أن ينمو المحصول بسرعة في هذا الجهاز. أعيش في شقة وليس لديّ حديقة خارجية لكنني سعيدة بهذا الجهاز وبمراقبة المحاصيل وتذوقها وأعتقد أنها خطوة بدائية للزراعة المنزلية فيما بعد.

جهاز نوفا سيمونيلي أوسكار ٢ للقهوة: 

في أيام الحظر المنزلي والتي امتدت طويلًا، كنتُ أتوق كثيرًا إلى شرب قهوة من المقاهي المختصة. لا أشرب القهوة بشكل يومي أو شبه يومي وإن كنت أود ذلك لكنني أحجم عن شربها بسبب ارتفاع سعرها. كنت أرغب في كثير من الأوقات شراء آلة بريفيل\سيج من أجل تحقيق هذه الرغبة، وحيث أن هذه الآلة منخفضة السعر نسبيًا مقارنة بغيرها، وتحتوي على الطاحونة قررت القراءة عنها بشكل موسع، والبحث عن آراء المجربين. وبما أن مشاكل بريفيل كثيرة، والأداء الذي تقدمه يتدنى مع كثرة الاستخدام شجعتني الصديقة لبنى على شراء أوسكار والتعديل عليها وكذلك شراء طاحونة ممتازة منفصلة (باراتزا سيتي)، وكان هذا من أجمل القرارات الشرائية التي اتخذتها منذ وقت طويل. 

لكن يظهر أن الكثير من الناس في فترة الحظر كان لديهم نفس التفكير، إذ أن الآلة قد بيعت في جميع المواقع! لذلك اضطررت إلى الانتطار حتى تتوفر مرة أخرى. وبالفعل اشتريتها بعد انتظار من موقع كافا شوب. 

اشتريت طاحونة Barazza Sette 270w وميزان من الموقع الاسترالي Alternative Brewing وكان الشحن سريعًا (أسبوعين أو أكثر قليلًا) إذا أخذنا في عين الاعتبار البطء الذي حل بشركات الشحن في ذلك الوقت. أما التعديلات التي قمت بها فقد أضفت قطعة opv لتعديل الضغط، وشاور سكرين، وربلة سيلكون، وأيضًا تعديل المسمار بحيث يكون مسطحًا، وقد جربت ذلك من متجر محصول حيث قاموا بأخذ الآلة وإضافة التعديلات عليها ومن ثم إرجاعها إلى المنزل في اليوم التالي، وكانت خدمتهم سريعة. 

هل تستحق هذه الآلة ثمنها؟ بالطبع! الشعور الذي أشعر به وأنا أعد كوب القهوة رائع للغاية، وبالتأكيد الشعور وأنا أتذوق القهوة التي أعددتها بنفسي. بإمكانكم تصفح حساب حنين آل باحص في انستقرام حيث أنها تكلمت كثيرًا عن آلة أوسكار. 

أحببت قهوة القدية من محمصة الرياض كثيرًا، هل هناك بن توصون بتذوقه؟ 

شاركوني في التعليقات بالأسفل وأكون لكم شاكرة!

تحميص القهوة العربية: 

أدرك جيدًا أن القهوة العربية تكون ألذ بكثير إذا كانت حُمّصت ثم طُحنت قبيل وقت شربها مباشرة. لذلك، وفي أيام الحظر أيضًا، ابتعت محمصة هوائية Joya لتحميص القهوة العربية. صوت الجهاز مزعج للغاية، لذاأضع بداخله كمية قليلة نسبيًا من البن (هرري أو خولاني) – حتى لا يحترق إذا كانت الكمية كبيرة- وأشغله في الغرفة المجاورة. بعد مرور ٦ دقائق من التحميص وثم التبريد، أجد بداخل الغطاء قشر البن المحمص.

أقوم بطحن البن ومن ثم تحضير القهوة العربية مع الهيل المطحون والقليل من الزعفران، وبهذا حصلت على قهوة عربية وطازجة! 

ايميل Hey 

لديّ ٤ عناوين بريد إلكترونية، استخدم ٣ منها بشكل يومي لأغراض مختلفة وواحدة منها للعمل. هذا يعني أنني أتصفح بريدي الكتروني على مدار اليوم، وبالطبع تزعجني الطريقة التقليدية التي يقدمها البريد الإلكتروني والتي تسبب توترًا وإضاعة للوقت ولكن ما الحيلة. وجدت هذا الفيديو أثناء تصفحي لتويتر من الشركة التي تقدم خدمة بيسكامب وكم كان هذا عظيمًا وكم شعرت أن مشاكلي التي تنتمي إلى العالم الأول قد حُلت بطريقة ما بسبب هذه الشركة! 

لكن الحصول على ايميل ”هي“ وقتها كان محدودًا للأشخاص، فلاتستطيع الحصول على بريد الكتروني إلا عن طريق توصية شخص يستخدم هذا الايميل، أو عن طريق إرسال قصة تعبر فيها عن حكايتك مع البريد الإلكتروني أو لماذا تحتاج إلى بريد من هي. أرسلت قصتي المطولة إلى ”هي“، لاحقًا وفي نفس اليوم وجدت جهاد في تويتر قد وضع الكود الخاص به في تغريدة لأحدهم فاستخدمتها :]

تستطيع استخدام الايميل لمدة 14 يومًا كتجربة، أما الاشتراك السنوي فقيمته 99 دولارًا في السنة. هل يستحق؟ بالنسبة لي وللآن نعم- لابد أن تشاهدوا الفيديو لإدراك ذلك- فقد أضفت خاصية إرسال جميع الايميلات والتي كانت تُرسل إلى عناويني المختلفة إلى هذا العنوان الجديد. وأصبح ايميلي مميزًا يحتوي على اسمي فقط، وهذه نقطة رائعة أيضًا najla@hey 😀

موقع راكوتن Rakuten

في أيام الحظر المنزلي، ازدادت نسبة التسوق الإلكتروني حول العالم، وكنت أنا من ضمن الأشخاص الذين تسوقوا كثيرًا على الإنترنت. تعرفت من الصديقة وسم على موقع راكوتين، وندمت على أنني لم أعرفه مسبقًا. 

فكرة الموقع أنه يقدم لك نقودًا مسترجعة Cash Back في كل مرة تتسوق فيها من المتاجر الإلكترونية وتستخدم فيها الرابط الموجود في موقعهم بسبب ”الدلالة“. على سبيل المثال، إذا رغبت في الشراء من موقع ايهرب يجب أن تدخل أولًا موقع راكوتين ومن ثم تبحث في خانة البحث عن ايهرب وتضغط عليه وستُفتح صفحة ايهرب من موقعهم. هذه الطريقة تعمل مثل طريقة الكوبونات أو الأكواد التي يقدمها الأشخاص المختلفين ومن ثم يأخذون نسبة على تسوقك من الموقع. 

كم ثمن النقود المسترجعة؟ تختلف من ٢ إلى ٦٪ أو أكثر/ هذا يعني أنه إذا تسوقت من موقع قاب ب١٠٠ ريال وكان عرض الكاش باك في قاب ٦٪ فهذا يعني أنك سوف تحصل على ٦ ريالات. بالطبع سيفيدك هذا الموقع إذا كنت تتسوق كثيرًا. حصلت على ٧٠ دولارًا حتى الآن من مواقع مختلفة. 

هل الموقع آمن؟ صاحب شركة راكوتن هو المليونير الياباني هيروشي ميكيتاني  وشركة راكوتن متخصصة في التجارة الإلكترونية وإن كنت تشاهد المباريات، فسوف تجد إعلانات راكوتن بكثرة لأنهم الراعي الرسمي لنادي برشلونة. 

هنا رابط للاستخدام سوف يقدم لكم ٣٠ دولارًا – لفترة محدودة- في المحفظة فور استخدامكم له وشرائكم بواسطته. أو انسخوا هذا الرابط:
https://www.rakuten.com/r/NAJLA43?eeid=28187

تسوق ممتع!

بعض التجارب والمباهج الصغيرة الأخرى:

– صندوق القهوة من سورس: لذيذة، دلتني عليها الصديقة شهد وطلبتها مرتين، جربوها!

-تشيز كيك لذيذ وسهل التحضير: على طريقة أروى العمراني

-سلمون على طريقة رنين جودة: لم أكن أحب السلمون، وكنت أُجبر نفسي على تناوله بسبب فوائده العظيمة. تعلمت هذه الطريقة في أيام الحظر، وكانت رائعة إذ أحببت السلمون بعدها.

-مدونة العنود الزهراني: اكتشفت مؤخرًا هذه المدونة الرائعة والتي تحتوي على مواضيع ممتعة. 

-من الزيوت الأساسية اسمه Good Morning Sunshine من شركة ناو في ايهرب، استخدمه كرائحة منعشة في فترة الصباح

-شاي قبل النوم من يوقي تي Yogi Tea Bedtime خال من الكافيين ولاحاجة إلى إضافة السكر على الإطلاق. لم أحس بالاسترخاء قبل النوم لأنني لم أكن اشربه بشكل يومي، ولكن فكرة شرب الشاي قبل النوم لطيفة للغاية.

إذا أعجبتكم هذه التدوينة فشاركوها مع غيركم، ولاتنسوا الاطلاع على سلسلة تدوينات (تجارب ومباهج) الأخرى. 

فلنبني جسورًا

كيف حالكم يا أصدقاء؟
أرغب بشدة في أن أدوّن بشكل أسبوعي حتى أتدرب على الكتابة، ولذلك دخلت في تحدي مع نفسي. سأكتب تدوينة أسبوعيًا كل يوم أربعاء إلى شهر رمضان – هذا يعني أقل من شهرين-!
لكن لماذا يوم الأربعاء بالتحديد؟ ليس هناك سبب غير أنني تشجعت في كتابة هذه التدوينة اليوم، فأعينوني مااستطعتم 🙂

عندما قَدِمت الفرقة الكورية الشهيرة إلى السعودية، استغرب الكثير من الناس مدى إعجاب الآخرين بهم. ”من أين خرج لنا كل هؤلاء المعجبون؟“

هذا السؤال يجعلك تتفكر كثيرًا بمدى جهلك بمن هم حولك واهتماماتهم. ويعيد لي النقاش المميز الذي خضناه أنا وصديقتي العزيزة مرام عن ال”قاب” أو الفجوة بين الأجيال في مجتمعنا. فمن المعلوم أن الجيل القديم لايستطيع التواصل مع جيلنا بشكل ما لأنه يجهل بشكل نسبي أمرين مهمين للغاية: اللغة الإنجليزية والحاسوب (أو استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل عام).

ويحضرني في ذلك كبار السن الذين شاهدتهم في كندا ممن تخطوا سن الثمانين (جيل الأجداد) والذين يستطيعون استخدام الإيميل بشكل محترف، والتواصل مع أحفادهم بأحدث التقنيات دون الرجوع إلى أحدهم لمساعدتهم. 

بالطبع لانستطيع المقارنة بسبب اختلاف الظروف، فالجدة الكندية قد تعلمت وتخرجت في الجامعة وأُتيح لها الخروج من منزلها وقيادة السيارة وتعلم استخدام الأجهزة الإلكترونية بلغتها مبكرًا. لكني كتبت هذه التدوينة من أجل التركيز على جيلنا الحالي. 

ما هو الإهمال الذي قد يُحدث فجوة بيننا وبين الأجيال القادمة؟ 

  •  اللغة الإنجليزية أولًا وأخيرًا: فإذا لم تكن تجيد اللغة الإنجليزية فأنت في خطر. فبالإضافة إلى الفُرص الوظيفية الحالية، والتطوير الذاتي، والمحتوى الإلكتروني وغير الإلكتروني الذي ستفوته، سيُتقن أطفالك اللغة الإنجليزية بشكل لاتستطيع مواكبته بسبب تداخلها مع كل شيء تقريبًا.
  • البرمجة: البرمجة هي لغة المستقبل -إن لم تكن لغته الآن- وستكون هي الفن الذي سيُمارس مثل الرسم والتصميم. وسُتضاف إلى المتطلبات الوظيفية كونها مهارة تفكير وإبداع وحل المشكلات. إذا لم تتعلم البرمجة الآن ستكون الجد الذي يطلب من أحفاده أن يُضبطوا له برنامجًا في المستقبل. ومن الخطط المستقبلية التي أتمنى أنها لا تؤجل كثيرًا هي إجادة البرمجة إلى حد ما.
  • استخدام الشبكات الإجتماعية: الكثير منا قد يتحدث فقط عن سلبيات استخدام الشبكات الإجتماعية، إلا أنها أصبحت مثل الصحف الورقية قديمًا تُطلعك على ما يُشغل التيار العام خاصة تويتر. ومن الشبكات الإجتماعية تستطيع الإطلاع على أحدث الميمز، والأخبار الموسيقية، وأخبار الموضة، والألعاب الإلكترونية بشكل سريع. تخيل إعراضك عن هذه المعلومات التافهة والمتراكمة بشكل يومي عبر السنين، هل تستطيع حينها التواصل مع الجيل الصغير المُدمن لهذه الأمور؟ هل نستطيع القول بأن الإطلاع عليها هي من الثقافة العامة؟

برأيكم ماهي الأمور التي يجب علينا تعلمها أو الإطلاع عليها من أجل مواكبة أطفالنا حتى لا نبدو لهم أننا نعيش في كوكب آخر؟

لماذا لا نستطيع أن نثق بأنفسنا؟

Soter Art


”مشكلة العالم أن الأغبياء والسذج يبدون واثقين للغاية من أنفسهم، بينما الأشخاص الأكثر حكمة مليئو بالشكوك“ – برتراند رسل

على مر السنوات، أصبحتُ معتادًا على الارتياب والشك، وعلى التشكك في كل المعتقدات الراسخة، وممارسة الشك في كل شيء، وبالأخص الشك في الذات.

أدمغتنا لايُعتمد عليها بالأساس، وليس لدينا أدنى فكرة عما نتحدث عنه حتى وإن ظننا ذلك. هذه ٨ أسباب توضح لك- اعتمادًا على علم النفس- لماذا لا تستطيع أن تثق بنفسك.

١- لأنك شخص منحاز وأناني دون أن تعي ذلك:

في علم النفس هناك مُصطلح يُدعى بتحيّز الفاعل-المراقب، باختصار يخبرنا بأننا جميعنا أغبياء. 

على سبيل المثال، إذا كنت تقود سيارتك في تقاطع وهناك شخص ما اجتاز الإشارة الحمراء، في الغالب ستعتقد أنه أناني ويعرض الآخرين في خطر من أجل ثوان معدودة.

لكن في الجهة المقابلة، إذا كنت أنت من اجتاز الإشارة الحمراء فستعتقد في الغالب أنك بريء وارتكبت خطأ بسبب عدم رؤيتك للإشارة المحجوبة من أغصان الشجرة، وأن اجتياز الإشارة الحمراء لم يؤذِ أي شخص. 

الفعل هو ذاته، لكن عندما يقوم به الآخرون فإنهم سيئون، وعندما تقوم به أنت فإنه خطأ. 

كلنا نفعل هذا الأمر، خاصة في الخلافات. عندما يتحدث الناس عن شخص ما أغضبهم لسبب أو لآخر، فإنهم يصفون أفعاله بالهراء، وأن ورائها نية خبيثة. 

لكن، عندما يتحدث الناس عن المرات التي آذوا فيها شخص ما، فإنهم يبررون ذلك لأسباب منطقية وعادلة، وأنهم لم يكن لديهم الخيار فيما فعلوه. 

كلا الرأيين قد يكونا مخطئين. هناك دراسات أُجريت من قبل علماء النفس وجدوا فيها أن كلا من الضحية والجاني يشوهان الحقائق لتصبح مناسبة لرواياتهما.

يطلق ستيفن بنكر على هذا الأمر ب“الفجوة الأخلاقية“ والتي تعني أنه عندما يكون هناك خلاف ما، فإننا نبالغ في تقدير نياتنا الطيبة ونقلل من تقدير نيات الآخرين. وهذا مايخلق دوامة تجعلنا نؤمن بأن الآخرين يستحقون أشد العقاب وأننا نستحق عقابًا أقل.

وكل هذا يصدر منا بلا وعي، بالطبع. إن الناس عندما يفعلون ذلك يعتقدون بأنهم منطقيون وحيادون تمامًا. لكنهم ليسوا كذلك.

٢- ليس لديك أدنى فكرة عما يجعلك سعيدًا أو تعيسًا!

في كتاب(التعثر بالسعادة) لدانييل قلبرت، عالم النفس في هارفارد، يوضّح لنا كيف أننا نفشل في تذكر الأحاسيس التي شعرنا بها في الماضي بسبب أمر ما، ونفشل في تخمين كيف سيجعلنا هذا الأمر نشعر في المستقبل.

على سبيل المثال، إذا خسر فريقك الرياضي المفضل البطولة الكبرى، فإنك ستشعر بالسوء. لكن ذاكرتك لم تجعلك تشعر بالسوء الذي شعرت به في ذلك الوقت. في الواقع، إنك تتذكر الأمور السيئة بشكل أسوأ مما كانت والأمور الجيدة بشكل أفضل مما كانت.

وهذا الأمر ينطبق على المستقبل، فإننا نبالغ في تقدير الشعور الذي ستؤثر به علينا بعض الأمور الجيدة، والشعور الذي ستتركه علينا بعض الأمور السيئة.. لكننا في الحقيقة لا نلقي بالًا لما نشعر به في ذلك الوقت.

وهذه الحجة تجعلنا لا نطارد السعادة من أجل ذاتها. فكل المعلومات المتوفرة تدل على أننا لا نعرف ماهي السعادة، وليس باستطاعتنا أن نتحكم فيها إذا بلغناها.

٣- من السهل التلاعب بك حتى تتخذ قرارات سيئة: 

عندما تشاهد أشخاصًا في الشارع يوزعون أشياءً مجانية، فإنك تهرع إليهم لأخذ واحدة. وستكتشف عاجلًا أنهم يرغبون في إلقاء بعض الأسئلة عليك من أجل أن تنضم إليهم أو لإعطائهم بعض الأموال. ستشعر بعدها بالإحراج لأنك لا ترغب في قول ”لا“ لهم خاصة إنهم أعطوك شيئًا مجانيًا وبالطبع لا تود أن تكون شخصًا أخرقًا. 

نعم، مافعلوه كان عن قصد.

من السهل التلاعب بالناس عند اتخاذهم للقرارات بواسطة حيل عديدة، ومنها إعطائهم الهدايا قبل المباشرة في السؤال.

يمكنك أن تجرب هذه الحيلة: إذا رغبت في قطع الطابور على أحدهم، اسألهم إذا ماكان باستطاعتك ذلك وأعطهم سببًا، أي سبب:

أنا مريض، أو إنني في عجلة من أمري

وسيتضح لك، وفق التجارب، أنه سيكون بإمكانك قطع الطابور بشكل أكبر بمقدار ٨٠٪ وأن يسمحوا لك بذلك إذا سألت فقط دون أن تقدم لهم أي توضيح. لأن التوضيح لا يحمل لهم أي معنى.

أوضح علماء الاقتصاد السلوكي أنه بالإمكان ”تجهيزك“ لأن تفضّل سعرًا لمنتج ما على الآخر دون سبب منطقي. على سبيل المثال:

mm.net

 

على اليسار، تجد أن الفرق بين السعرين كبير وغير منطقي. لكن لو أضفت خيارًا ثالثًا – كما في الصورة اليمين- ستجد أن خيار العلبة ذات ال٣٠ دولارًا أصبح منطقيًا وتبدو أنها صفقة ممتازة لك. 

مثال آخر: إذا أخبرتك أنه باستطاعتك السفر بألفين دولار إلى باريس ويتضمن ذلك طعام الإفطار، أو رحلة إلى روما مع طعام الإفطار، أو رحلة إلى روما بدون طعام الإفطار؟ اتضح أن الكثير اختاروا رحلة إلى روما بدلا من باريس. لماذا؟ لأنه عندما كان هناك خيار رحلة روما بدون طعام الإفطار، اعتقدوا أن روما مع طعام الإفطار تبدو صفقة ممتازة ونسوا تمامًا أمر باريس. 

٤- لأنك تستخدم المنطق والعقل فقط لدعم معتقداتك الموجودة سابقًا:

وجد الباحثون أن بعض الأشخاص المصابين بتلف في الأجزاء البصرية من أدمغتهم، مازالوا ”يرون“ ولا يدركون أنهم يرون. هؤلاء عُمي وسيُخبرونك بأنهم لايستطيعون رؤية أيديهم التي أمامهم. لكنك إذا أضئت نورًا صغيرًا على جهة اليمين أو اليسار من الرؤية، سيتمكنون من تخمين أي جهة كان النور بشكل صحيح. 

ولكنهم سيظلوا يخبرونك بأن هذا مجرد تخمين!

ليس لديهم أية فكرة واعية عن لون حذائك، لكنهم يعرفون من أي جهة صدر النور.

وهذا يوضح فكرة عن دماغ الإنسان: أن المعرفة والشعور بمعرفة المعرفة هما شيئان مختلفان. 

وكما هؤلاء الأشخاص العُمي، فإنه بإمكاننا الحصول على كل المعرفة بدون أن نشعر بالمعرفة. لكن العكس أيضًا صحيح: تستطيع أن تشعر بأنك تعرف شيء ما حتى ولو كنت في الحقيقة لا تعرف. 

وهذا هو أساس كل أنواع الحياز والمغالطات المنطقية. فالمنطق المتحفز والإنحياز التأكيدي يبتعدان كثيرًا عندما لا نعترف بالفرق بين ما نعرفه في الحقيقة وبين مانشعر بأننا نعرفه. 

٥- مشاعرك تُغيّر من تصوراتك بطريقة أكثر مما تتخيل: 

إذا كنت مثل أغلب الناس، فإنك تميل إلى اتخاذ قرارات سيئة للغاية بناء على مشاعرك. زميلك في العمل مازحك بشأن حذائك، وشعرت بالإنزعاج لأن هذا الحذاء أُهدي إليك من جدتك المتوفاة، لذلك فإنك تفكر ”تبًا لهؤلاء الأشخاص“ وتقرر أن تستقيل من وظيفتك لتعيش على الشؤون الاجتماعية. بالطبع كان قرارًا غير منطقيًا لكنه يسوء مع مرور الوقت. 

اجتناب اتخاذ القرارات المهمة عندما تثار مشاعرنا ليس بالأمر الكافي. وُجد أن المشاعر تؤثر على اتخاذ القرارات لأيام، ولأسابيع، بل وحتى لشهور لاحقة، حتى وإن كنت هادئًا وحللت الموضوع من جميع الجوانب. وما يثير الاستغراب أكثر أن المشاعر قصيرة الأجل من الممكن أن تؤثر على قراراتك على مدى أطول.

دعنا نقول بأن هناك شخص من أصدقائك يود مقابلتك لشرب القهوة. لسبب ما، فإن هناك شيء ما بداخلك يخبرك بأن تحذر أكثر على الرغم من أنه يعجبك هذا الشخص وتود الخروج لمقابلته. أنت حذر لكنك لا تعلم لماذا.

ما نسيته هو أنه كان لديك صديق آخر تحبه في الماضي ثم تجاهلت صداقته لوقت طويل. ليس هناك سبب كبير، لكن الشخص كان منفعلًا في مواقف صغيرة قد حصلت في الماضي. تمر الأشهر ونسيت صداقته بسبب مشاغل الحياة. لكن هذه المواقف الصغيرة أزعجتك وقد جرحتك قليلًا. أما الآن فإنك لست متأكدًا من حذرك تجاه الصديق الجديد، على الرغم من أنه مختلف تماما والأحوال قد تغيرت.

إنك في الأصل تتأثر بذكرياتك في لحظة اتخاذك للقرارات بشكل ما إما بشهور أو سنوات بعدها. وتفعل ذلك دائمًا بدون وعي منك. حتى المشاعر التي لاتتذكرها والتي مضى عليها أكثر من ٣ سنوات تستطيع أن تؤثر في اتخاذ قرار مثل إما أن تشاهد التلفاز أو تخرج مع أصدقائك اليوم. 

٦- ذاكرتك سيئة للغاية:

تُعد إليزابيث لوفتوس من أكبر الباحثين في مجال الذاكرة، وأول شيء ستُخبرك به أن ”ذاكرتك سيئة للغاية!“

وجدت اليزابيث أن ذكرياتنا عن الأحداث الماضية تُعدل بسهولة بتجارب سابقة أو جديدة، وبمعلومات خاطئة أيضًا. جعلتنا ندرك أن الشهادة التي يُدلي بها شهود العيان لا يُعتمد عليها.

ماوجدته اليزابيث كان كالتالي:

  • ليست فقط ذكرياتنا للأحداث هي التي تختفي مع مرور الوقت، وإنما أيضًا تصبح أكثر عرضة للتضليل كلما تقدم بنا الزمن.
  • تحذير الناس بأن ”ذكرياتهم من الممكن أن تحمل معلومات مضللة“ لا يساعد دائمًا على محو المعلومات المضللة.
  • كلما كنت شخصًا متعاطفًا أكثر، كلما كنت أكثر قابلية لدمج المعلومات المضللة بذكرياتك.
  • ليست فقط الذكريات هي التي قد تُعدل بمعلومات مضللة، وإنما هناك احتمالية أن تُنشأ هذه الذكريات من الأساس بشكل كامل. بل نصبح سريعين التأثير خاصة عندما يكون أفراد العائلة أو الأشخاص الآخرين الذين نثق بهم هم الذين يضعون لنا هذه الذكريات.

لذلك فإن ذاكرتنا لا يُعتمد عليها كما نظن. حتى بالنسبة للذكريات التي نظن أننا نعلم بصحتها.

في الواقع فإن علماء الأعصاب يستطيعون التخمين عما إذا كنت ستفشل في تذكر حدثٍ ما بناء على نمط نشاط دماغك. فدماغك ليس حاسوبًا تستطيع أن تخزن عليه الملفات التي تود تخزينها. إن ذاكرتنا تساعدنا على التعلم من الأمور الماضية من أجل اتخاذ قرارات صحيحة في المستقبل. لكن الذاكرة لديها وظيفة أخرى بالكاد أن نفكر بها، وهي الوظيفة الأكثر أهمية وتعقيدًا من تخزين المعلومات.

إننا كبشر نحتاج إلى هوية، الإحساس ب“من نحن“، حتى نستطيع التنقل بين الأوضاع الاجتماعية المعقدة. إن ذاكرتنا تساعدنا على خلق هوياتنا عن طريق تزويدنا بحكاية لماضينا.

وبهذه الطريقة، لا يهم مدى صحة المعلومات التي تقدمنا لنا ذاكرتنا. كل مايهم أننا نحمل فينا قصة لماضينا تخلق لنا شعورًا بمن نحن، إحساسًا بالذات. وبدلًا من استخدام ١٠٠٪ من الذكريات الدقيقة لفعل ذلك، فمن الأسهل استخدام ذكريات مشوشة ومن ثم ملئها بتفاصيل بطريقة أو بأخرى حتى تصبح متناسقة مع ذواتنا من أجل أن نرضى عنها.

قد تتذكر أن أخوك وأصدقاؤه قد أساؤوا إليك في الطفولة واستهزئوا بك كثيرًا. وهذا يفسر لك سبب شعورك الآن بالقلق والخجل. لكنه من المحتمل أنه لم يؤذيك بالقدر الذي تظنه. من الممكن أنك عندما تتذكر أخوك وهو يسخر منك، فإن مشاعرك التي تشعر بها الآن – مشاعر القلق والخجل- تتكوم على هذه الذكريات وربما تكون هذه المشاعر ليست لها صلة بما فعله أخوك. 

لكن هذه الذكرى تُشعرك بالسوء طوال الوقت، وسواء كانت حقيقية أم لا، لكنها تُناسب هويتك كإنسان خجول وقلق بعض الشيء، وتمنعك من فعل الأشياء التي قد تسبب لك الإحراج والألم في حياتك. بشكل أساسي، إنها تبرر لك الأسلوب الذي تتبعه خلال يومك.

وربما تتساءل: ”حسنًا..هل تخبرني بأن (الشخص الذي أظنه أنه أنا) عبارة عن أفكار مُختلقَة في عقلي؟

نعم!

٧- أنت لست الشخص الذي تظنه أنه أنت!

فكر في الأمر التالي: الطريقة التي تعبر عن نفسك من خلالها، مثلا في فيسبوك، ليست الطريقة ذاتها التي تعبر عن نفسك خلالها خارج فيسبوك. الطريقة التي تتصرف بها وأنت مع جدتك مختلفة تمامًا عن الطريقة التي تتصرف بها مع أصدقائك. لديك ”ذات للعمل“ و ”ذات للبيت“ و ”ذات للعمل“ وأخرى ”ذات لوحدك“ بالإضافة إلى العديد من الذوات التي تتقمصها من أجل أن تتنقل وتنجو في عالم اجتماعي معقد.

لكن أي من هذه الذوات هي ذاتك الحقيقية؟

ربما تعتقد أن إحدى هذه الذوات أكثر واقعية من غيرها، لكن كل ماتفعله أنت هو أنك تعيد قراءة قصتك عن نفسك في مخيلتك، وهو أمر مصنوع من معلومات غير كاملة.

خلال العقود الأخيرة، بدأ علماء النفس الاجتماعي بالكشف عن أمر يصعب على الكثير منا تقبله: إن فكرة ”صميم الذات“ أو ذاتك الدائمة وغير المتغيرة عبارة عن وهم. كذلك هناك دراسة جديدة بدأت بالكشف عن كيف أن الدماغ من الممكن أن يؤسس إحساسًا بالذات، وكيف أن المخدرات قد تغير الدماغ بشكل مؤقت حتى يتلاشى إحساسنا بالذات، وهذا يبين لنا كيف أن هوياتنا وهمية وعابرة. 

لكن المضحك في كل ذلك هو أن هذه التجارب الفاخرة والمنشورة في الكتب والمجلات الدورية الفاخرة من قبل علماء بارعون يخطون أسمائهم عليها .. أنهم يخبرونا بما قاله الرهبان في التقاليد الفلسفية الشرقية، وكل ماكان عليهم فعله هو الجلوس في الكهوف والتفكير بااللاشيء لمدة سنوات. 

ففي الغرب، فكرة الذات الفردية هي فكرة محورية للكثير من المؤسسات الثقافية – ولاننسى ذكر مجال الدعايات- ومازلنا نحاول أن نخمن من نحن لدرجة أننا لانتوقف إلا فيما ندر حتى نفكر ما إذا كانت أصلا مفهومًا نافعًا لنبدأ به. من الممكن أن فكرة ”الذات“ أو ”ابحث عن نفسك“ تعيقنا أكثر مما تساعدنا. من المحتمل أنها تقيدنا أكثر مما أنها تحررنا. نعلم أنه من المفيد معرفة ماذا ترغب به أو ما الذي يُمتعك، لكنك مازالت تستطيع أن تسعى وراء أحلامك وأهدافك بدون الاعتماد على مفهوم صارم لذاتك.

أو كما قال بروس لي: 

٨- تجاربك المادية عن العالم أيضًا ليست حقيقية!

لديك جهاز عصبي معقد ورائع يُرسل المعلومات بشكل دائم إلى دماغك. وعلى حسب بعض التقديرات، فإن أنظمة الحواس لديك – السمع والبصر والتذوق واللمس والشم والتوازن- تُرسل حوالي ١١ مليون جزء من المعلومات لدماغك كل ثانية!

لكن هذا عبارة عن عينة صغيرة غير محدودة وغير مُدركة من عالم المادة حولك. فالضوء الذي نراه هو نطاق صغير من الطيف الكهرومغناطيسي. بإمكان الطيور والحشرات أن ترى أجزاء منها لانستطيع بدورنا أن نراها. تستطيع الكلاب أن تسمع وتشم أشياء لا نعرف أصلا أنها موجودة. نظامنا العصبي ليس مجرد أجهزة لجمع للمعلومات بل بالأحرى أجهزة لفرز المعلومات. 

وفوق كل هذا، فإن عقلك الواعي يبدو أنه يستطيع فقط أن يتحمل حوالي ٦٠ جزءا من المعلومات كل ثانية عندما تكون مشغولًا بالنشاطات العقلية (مثل القراءة، والعزف..).

لذلك، فإنه في أفضل حالاتك، تكون واعيًا لحوالي ٠.٠٠٠٠٠٥٤٥٤٪ من المعلومات الثقيلة والمُعدلة والتي يستقبلها دماغك كل ثانية أثناء يقظتك. 

هذا يشبه أن تتخيل أنه في كل كلمة رأيتها وسمعتها في هذه المقالة، هناك ٥٣٦،٣٠٣،٦٣٠ كلمات أخرى مكتوبة لكنك لم تراها!


مقالة مترجمة بتصرف عن مارك مانسون: 
Why you can’t trust yourself

الخوف من الجراثيم

لا أعد نفسي من طائفة الموسوسين والموسوسات، ولكني أؤمن أن الأغلبية منا في هذا الزمان يمتلكون مقدارًا ولو ضئيلًا من الوسوسة تجاه الجراثيم والبكتيريا.. ومع انتشار برامج وصور عن النظافة بهدف الوعي ومستحضرات التنظيف التي تحرص على ذكر نسبة ٩٩.٩٪ في قضاءها على الجراثيم، كبُر خيالنا وأصبحنا نتخيل الجراثيم تترصد لنا في كل مكان. إحدى صديقاتي تأخذ معها مفرشًا للسرير إذا ذهبت إلى فندق – وإن كان ذو ٥ نجوم- لتنام فوقه. الأكيد أنها تخيّلت نوعية الأشخاص -الذين ناموا قبلها فوق السرير- ونشاطاتهم ومدى نظافة شعرهم وأجسادهم. أما الأخرى فإنها لاتلمس أطفالها الصغار إذا كانت مرتدية شرشف الصلاة حتى لا يتنجّس لأنها تتخيل الجراثيم الصادرة عنهم كما تقول. أما أنا فلم أقع ضحية لهذه الوسواس إلا فيما يتعلق بغسل اليدين كل عدة دقائق والتي أتخيلها تكومت على يديّ بعد لمس أغراض عادية في المنزل، لحسن حظي استمرت هذه الوسوسة لفترة قصيرة تخلصت منها بقوة الإرادة والتي نادرًا ماتقف معي.

هنا بعض من الوساوس الخفيفة والمعتدلة عن الجراثيم التي أواجهها يوميًا والشروط التي أضعها لنفسي ويتفق الكثير معي فيها وأحببت أن أشاركها معكم. هذه النقاط تتعلق عن مواقفي تجاه جراثيم الآخرين بشكل خاص وليست عن نظافة المنزل أو النظافة الشخصية:

١- السرير والكنب منطقة محرمة لا يوضع فوقها أي ملابس مخصصة لخارج البيت مثل العباءة والجاكيت والبناطيل. قد يستفزني منظر مثل هذا وأنا لا دخل لي- أحمد مكي في دور جوني في مسلسل الكبير أوي يجلس فوق السرير مرتديًا حذاء-:

٢- الضغط على أزرار المصعد الخارجية (الطلوع والنزول) والداخلية (أرقام الأدوار) بأي شيء عدا اليدين. مفتاح البيت فكرة ممتازة (يُستبعد الطرف الحاد حتى لا يخدش الأزرار).

 

٣- عدم لمس أبواب الحمامات العامة في المطاعم وغيرها خاصة عند الخروج منها. أحببت هذا المنظر في الحمامات التابعة لإحدى الأسواق -نوردستروم-، مناديل صغيرة عند باب الحمام تُستخدم من أجل تغطية مقبض الباب. أو هذا ماظننته!

أما هذه القطعة فوجدت شبيهة لها في إحدى الحمامات العامة، مفيدة جدًا لتفادي مسك مقابض الأبواب والإكتفاء بفتح الباب بواسطة القدم.

٤- المحاولة على قدر الإمكان على تجنب لمس مقابض المواصلات العامة كالمترو والباص والتي تجعلك متوازنًا خاصة إذا لم تجد مكانًا للجلوس واضطررت حينها إلى الوقوف. تعلمت كيف أقف متوازنة في المترو السريع عند الإنطلاق والتوقف بدون أن أتمسّك بشيء. إذا حدث واضطررت إلى التمسك بالمقابض أو الأعمدة، فلابد لي من أن استخدم عند نزولي من الباص أو المترو معقم اليدين. لكن هذا لا يكفي لأن الجراثيم كما قرأت تموت في مكانها -أي في يدي- فإذا أردت تناول الطعام بعدها لابد أن أغسل يدي للتخلص من الجراثيم العالقة في اليد.

٥- أعد نفسي قنوعة ومحظوظة مقارنة ببعض الأشخاص الموسوسين لأنني استخدم الحمامات العامة التابعة للجامعة أو الأسواق ولو كان استخدامي هذا بلا أريحية. في نفس الوقت استخدم الكثير من المناديل لوضعها فوق المرحاض إذا لم يتوفر هذا:

كذلك لا أستخدم مطلقًا المنديل الأول أو بالأصح اللفة الأولى من المنديل (اتخيّل منظر آخر شخص استخدم المنديل بيد ملوثة ولمس طرفًا من المنديل الحالي).

٦- أتجنب لمس ”ريموت“ التلفاز في الفنادق والذي دائمًا مايكون مليء بالجراثيم ومن أقذر الأغراض الموجودة في الغرفة كما قرأت في إحدى المقالات لأنهم بطبيعة الحال لا ينظفونها. إذا أردت مشاهدة التلفاز – وهذا في النادر- لا ألمس الريموت إلا بمنديل أو ألمسه وأغسل يدي بعدها.

في أحد الفنادق وجدتُ مايُسمى بال“ريموت النظيف“.. كما تلاحظون فالريموت مُسطّح ولا توجد فتحات دائرية حول الأزرار تتجمع بداخلها الأوساخ، لذلك يسهل تنظيفه. (الصورة من موقع ترب ادفايزر)

Tripadvisor

 

٧- لا أحب شراء أو قراءة الكتب المستعملة، ولا أحب رائحتها. ولا أفضّل حمل النقود الورقية أو العملات واذا اضطررت إلى ذلك فإني أغسل يدي بعدها.

٨- إذا عطس شخص ما حولي، فإنني أكتم أنفاسي لبعض الوقت حتى أتعداه – إن كنت أمشي- أو حتى تهبط الأشياء الخارجة من فمه إلى الأرض وتستقر -هكذا أتخيل؟- بإمكانكم تخيّل ما أقصده بوضوح عندما يكون أحدهم تحت أشعة الشمس. انتظروا حتى يفتح فمه ويتكلم!

هذه بعض النقاط التي تذكرتها خلال كتابتي لهذه التدوينة. هناك برنامج للموسوسين ممتع إلى حد ما، تتلخص فكرته في إحضار شخص موسوس بالنظافة إلى منزل شخص قذر (جلطة نفسية) ليتبرع الموسوس حينها بالتنظيف! هنا إحدى الحلقات في يوتوب:
https://www.youtube.com/watch?v=ScLmBiJgdGc

ماذا عنكم؟ هل هناك بينكم من هو موسوس بالنظافة؟

 

٣ أنواع من الأجندة اليومية -مقارنة


قبل أكثر من سنتين، بدأت الإلتزام في استخدام الأجندة بشكل يومي. كان استخدامي للأجندة قبل ذلك روتين يحكمه المزاج، وكانت خططي ومهامي اليومية تُدوّن في مفكرة الجوال بشكل غير مرتب حتى تعرفت على الكتاب الأسود. أصبحتُ أدون خططي اليومية وأراجع خطة الأسبوع الماضي كل يوم أحد -نهاية الأسبوع هنا- وأراجع المهام المخصصة كل يوم بيومه، بل وأضيف يومياتي وأفكاري وبعضًا من الصور التي التقطتها خلال هذا الأسبوع من كاميرا الجوال. (ألق نظرة على هذه التدوينة).

في هذه التدوينة، سوف أقارن ٣ أنواع من الأجندة اليومية التي استخدمتها أو بصدد استخدامها. وسوف أذكر مميزاتها وعيوبها.


هوبونيتشي:
هذا الدفتر الأسود هو مُنتج ياباني لكن بنسخة إنجليزية. الغلاف أسود فاخر نقش عليه باللون الذهبي عبارة ”تيكو“ باليابانية بالإضافة إلى رمز الفنون والعلوم.


أجندة يومية تحتوي على التاريخ وأوجه القمر، ومخططة حتى يسهل الرسم فيها، ومقسمة لساعات اليوم، كما يوجد اقتباس يومي جميل. وعلى اليمين يوجد رقم الشهر بلون غامق حتى يسهل تصفح الدفتر والوصول إلى الشهر. وعند فتح الدفتر، لا تحتاج إلى الإرتكاز عليه بيدك أو بوضع شيء ثقيل عليه حتى تحتفظ به مفتوحًا طوال الوقت، بل يظل مفتوحًا أمامك. 

أوراق الدفتر خفيفة ولكن جودتها ممتازة، استخدمت أقلام الحبر في التدوين ولم أواجه مشكلة تسريب الحبر من صفحة إلى صفحات أخرى ملاصقة.

في بداية الكتاب الأسود يوجد تقويم شهري تستطيع أن تدون فيه أهم الأحداث، أما في آخر الكتاب توجد صفحات لمساحة حرة من أجل تدوين أفكارك أو حتى الرسم. هناك أيضًا بعض الصفحات في آخر الكتاب والتي تحتوي على معلومات عامة عن اليابان كأبرز التواريخ والأحداث في اليابان، وصفحات لتدوين معلوماتك الشخصية وبعض جهات الإتصال.

من أجمل مميزات هذه الأجندة هي الحجم، حجمها صغير ووزنها خفيف- يرجى الملاحظة أن هناك حجم كبير يختلف عن هذا الصغير- لذلك فهي سهلة التنقل أستطيع حملها من مكان لآخر في شنطتي اليدوية. كما أن لكل يوم صفحة مستقلة خاصة به- وإن كانت صغيرة- وليست محشورة ضمن الأيام الأخرى في الأسبوع كما سنرى في الأجندة القادمة.

بإمكانكم الإطلاع على مزيد من المعلومات وشراء الأجندة من موقعهم

إرن كوندرن- Erin Condren- Life Planner

هذا منتج أمريكي جميل ذو أوراق فاخرة استخدمته لهذه السنة ٢٠١٧، دلتني صديقتي ريم عليها (ألق نظرة على هذه التدوينة). المميز في أجندة إرن كوندرن أنها تُصنع مخصوصة لك كما تريد ابتداء من الغلاف (شكله ولونه)، ومرورًا بالصفحات (عمودية أم أفقية، ولونها)، وحتى لون السلك الملفوف. وتستطيع أيضًا أن تضع اسمك أو عبارة صغيرة من سطرين تختارها بالحجم واللون الذي تريده.
تستطيع أن تختار غلافك من قائمة مليئة بالأغلفة الجميلة، كما يمكنك أن تجعل الغلاف يحتوي بشكل أساسي أو جزئي على صور شخصية لك ولمن تحب.

داخل الأجندة متسع كبير للكتابة، مقسمة على أيام الأسبوع، وهناك هوامش جانبية أيضًا لقوائم أخرى كما تريد مساحة بالأسفل. ومربع في أقسى اليسار عند بداية الأسبوع لكتابة جملة تُعبّر عن امتنانك لهذا الأسبوع. كل شهر يمتاز بلون معين، وهناك فواصل ملونة بأسماء الشهور حتى يسهل عليك الوصول إلى صفحات الأجندة.

أما بداية كل شهر فيحتوي أولًا على صفحة حرة لكتابة مخططاتك أو أي شيء آخر، وبعدها تقويم من أجل كتابة المواعيد المهمة.

وفي نهاية الأجندة توجد أيضًا صفحات حرة من أجل الكتابة والتخطيط أو حتى الرسم، و٤ صفحات من الملصقات التي تساعدك على التخطيط،

وشبه ملف من أجل حمل بعض الأوراق، والغلاف من الداخل يمكنك الكتابة عليه بقلم سبورة. هناك دفتر شهري صغير وخفيف يمكنك حمله معك، ومسطرة من أجل التنظيم، ومقلمية شفافة من أجل وضع الأوراق أو الأقلام.

ويمكنك أيضًا طلب بعض الإكسسوارات الإضافية، كلوحة إضافية ذات سطح يمكنك الكتابة عليه بقلم السبورة ومسحه بمنديل مفيدة لكتابة قائمة المهام اليومية أو حتى الأسبوعية عليها.

الأوراق فاخرة ولاتسرب الحبر السائل، والأجندة هذه محبوبة لدى الكثير من الناس. تستطيع تصفح اليوتوب وانستقرام حتى تجد مراجعات كثيرة عليها، بل وطرق كثيرة لتزيين الصفحات وتقسيمها. هناك أيضًا متاجر كثيرة في موقع ”اتسي“ تبيع ملصقات بثيمات مختلفة مخصوصة لكل شهر من شهور السنة.

من عيوب هذه الأجندة أنها غالية الثمن (٢٥٠ ريال بدون الإكسسوارات والشحن)، وأيضًا حجمها الضخم. لا أستطع التنقل بهذه الأجندة فهي دائمًا في المنزل، ولا أستطيع وضعها في شنطتي اليومية كما كنت أفعل مع أجندة هوبونتشي، كما أنها تأخذ مكانًا كبيرًا فوق المكتب. 
هناك إصدار جديد صغير الحجم من إرن كوندرن لعام ٢٠١٨ يمكنكم الإطلاع عليه.
هنا الموقع إذا أردتم شراء الأجندة.

Passion Planner – باشن بلانر

الأجندة التي سوف استخدمها للسنة القادمة ٢٠١٨ بحول الله، وهي في الأصل مشروع ريادي قُدّم في موقع ”كك ستارتر“ الشهير وحصل على مساهمات بمبلغ يتجاوز ال ٦٠٠ ألف دولار، ولاقى إقبالًا ونجاحًا كبيرين.

الأوراق معادة التدوير لكن جودتها ممتازةـ صاحبة الشركة صرحت أن هدفها من تأسيس هذه الأجندة هو مساعدة الناس حتى يصبحوا أكثر تركيزًا في أفكارهم.
الذي أعجبني في هذه الأجندة هي الأوراق الداخلية، منظمة للغاية ومقسمة بطريقة تفصيلية سوف أشرح عنها أكثر:

في بداية الأجندة هناك صفحات مخصوصة يجب عليك قراءتها لتعرف الهدف من تصنيع هذه الأجندة (مساعدة الناس على بلوغ مايريدون)، وكيفية عملها، ومن ثم تدوين ماتود أن تحققه في هذه السنة. هناك بعض النصائح العملية الجميلة أيضًا.

كل شهر يحتوي على صفحة بها تقويم يومي لأيام الشهر. ومربعات من أجل كتابة ماتود التركيز عليه خلال هذه الشهر، والأشخاص الذين تود رؤيتهم، والأماكن التي تحب أن تزورها، وقائمة ليست للمهام، ومساحة من أجل كتابة مشاريعك الخاصة- ابتداء بالأكثر أهمية- وتواريخ تسليمها، ومشاريع الشغل– ابتداء بالأكثر أهمية- وتواريخ تسليمها أيضًا.

ومساحة بالأسفل من أجل عمل خريطة ذهنية لهذا الشهر.

أما صفحات الأسبوع والتي تحتوي على الأيام، فتبدأ بمربع لكتابة ماتود التركيز عليه خلال هذا الأسبوع، ومن ثم مربع لكتابة الأشياء الجيدة التي حصلت لك في هذا الأسبوع، واقتباس، ومن ثم مساحة لكتابة المهام الشخصية والوظيفية. وفي نهاية الأسبوع هناك مساحة حرة من أجل كتابة ماتريد.

الجميل في الأيام أنها مقسمة إلى ساعات – من الساعة ٦ صباحًا وحتى الساعة ال١٠ مساءً، وهذه ميزة لمن يريد أجندة نظامية بالساعات.

في نهاية الشهر هناك صفحتان بهما بعض الأسئلة من أجل كتابة أفكارك والتفكير بشكل إيجابي بما فعلته خلال هذا الشهر:


ماهو الأمر الذي لايُنسى| يستحق الذكر خلال هذا الشهر؟ اشرحه.
– ٣ دروس كبيرة تعلمتها خلال هذا الشهر.
راجع صفحات الشهر الماضي وقيّم أولوياتك. هل أنت سعيد لأنك قضيت وقتًا عليها؟ إذا لم تكن كذلك، ماهي الخطوات التي سوف تتخذها الشهر القادم من أجل تعديل أولوياتك؟

كيف تجد نفسك مختلفًا هذا الشهر عن الشهر الماضي؟
هل تجد نفسك ممتنًا لشخص أو أمر ما خلال الشهر الماضي؟
اكتب ٣ أمور تستطيع العمل عليها وتحسينها خلال هذا الشهر. ما الذي ستقدم عليه|ماالذي سوف تفعله بالضبط من أجل تحسين هذه ال٣ أمور؟

من ١-١٠، كيف تشعر تجاه الشهر الماضي؟
ثم مساحة صغيرة من أجل التذكير بالتالي:
ضع علامة على إنجازاتك: اذهب إلى الخريطة الذهنية التي دوّنتها في بداية الشهر وضع علامة على الأهداف التي حققتها أو حتى الخطوات التي نجحت في اجتيازها.
تقويم: دوّن خريطة ذهنية لهذا الشهر القادم وقسّم المهام إلى مهام صغيرة وتواريخ الإنتهاء منها.

استخدم النقاط وانقلها إلى الأسابيع حتى تتمكن من تتبع إنجازاتك.

وهناك أيضًا أسئلة من هذا القبيل في نهاية العام:

ماهو شعورك تجاه هذه السنة؟ ما النصيحة التي تقدمها لنفسك في السنة القادمة؟ ماهي الدروس الكبرى التي تعلمتها؟ راجع الأجندة وقيّم أولوياتك، هل أنت سعيد بالوقت الذي أمضيته من أجلها؟ …

وفي آخر الأجندة، هناك صفحات فارغة بيضاء أو مسطّرة من أجل الكتابة عليها. الإصدار الذي اشتريته هو الإصدار المحدود ذا اللون الذهبي. 

الجميل في هذه الأجندة أنك تستطيع تحميل وطباعة بعض الأوراق الإضافية من موقع الشركة بالمجان وتلصقها على الأجندة، كصفحة تتبع العادات اليومية (التي تود اكتسابها أو التخلص منها)، وصفحة تعقب عدد كاسات المياه التي تشربها في اليوم، وصفحة اقتصادية من أجل دخلك والتحكم في مصاريفك، وصفحة من أجل الريجيم لتعقب الكالوريز، وصفحة من أجل ممارسة الرياضة اليومية وغيرها.


لاتوجد فواصل شهرية من أجل سرعة تصفح الأجندة، ولكن يوجد فاصل شريط قماشي لونه أخضر. لا أستطيع فتح الأجندة بشكل ١٨٠ درجة دون أن أضع يدي أو شيئًا ثقيلًا فوقها حتى تظل مفتوحة. غير ملونة (بالأبيض والأسود فقط) كما كتاب هوبونيتشي.
تستطيعون تجربة الأجندة عن طريق تحميل بعض الصفحات المتوفرة في الموقع بالمجان قبل الشراء.
هنا موقعهم

إن أعجبتكم التدوينة فشاركوها مع غيركم للإستفادة. نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله.

ابعتلي جواب وطمنّي – عن الرسائل البريدية

“S.W.A. K “(nod to Cassatt) 3” x 5” Spray “Paint, Gouache, Ink, Graphite on Antique Envelope from 1896 sold. Photo by Amy Rice on flickr”

ذات يوم جميل من أيام الطفولة، اقترحت أمي علينا أنا وأختي بفكرة المراسلة البريدية وتبادلها مع بنات خالاتي. كنا نشتاق كثيرًا إليهن لأنهن كن يسكن في مدينتين مختلفة من المملكة ولم نستطع رؤيتهن إلا في إجازة الصيف، فكانت فكرة رائعة.

بدأنا أنا وأختي بكتابة الرسائل الكثيرة، رسالة لكل واحدة منهن. كانت الرسالة رسمية تبدأ بالتسمية والسلام ثم نعرج فيها إلى السؤال عن الأحوال، ثم نكتب سطرًا أو سطرين فيهما بعض الأخبار. نستخدم أجود أنواع الورق الملون عندنا ونجود بالملصقات المتنوعة والكروت الملونة التي لدينا ونضع آخر الصور الفوتوغرافية لنا فنكتب ورائها قصة الصورة وتاريخ إلتقاطها. ثم نرسل الرسائل بالبريد. قد يمر أكثر من شهر دون أن تصل الرسائل إليهن (حال البريد السعودي) فنتصل عليهن هاتفيًا ونسألهن ”ها وصلت لكم الرسائل؟“

كان يوم استلام الرسائل منهن جميلًا للغاية. نقرأ الرسالة الواحدة مرات كثيرة، ونحكي لأمي ثم لصديقاتنا في المدرسة عنها. ثم نخطط متى نكتب إليهن مرة أخرى.

أعجبتنا الفكرة كثيرًا، لدرجة أننا تطورنا وبدأنا نسجّل أشرطة ال”كاسيت“ بالإضافة إلى الرسائل. فكنت أضع برنامجًا كاملًا مدته كامل الشريط أو نصفه، فابدأ مع أختي بسرد أخبارنا، ثم أنشّد آخر الأناشيد التي حفظتها من المدرسة، بل وأضفت فقرة ”توب ٢٠“ للأغاني المحببة إلى نفسي فابدأ من الأغنية العشرين وأغنّيها ثم الأغنية الحاصلة على المركز ال١٩ لديّ وأغنّيها وهكذا حتى أصل إلى الأغنية رقم واحد. أخبرتني ابنة خالتي في وقت قريب أنها كانت تؤخر هذه الفقرة بلف الشريط حتى تصل إلى نهايتها 😐

أما في المدرسة، وبالإضافة إلى الكتابة في الأوتوغرافات، فكنت أتبادل مع صديقاتي الرسائل. أكتب رسالة أو أكثر في منزلي ثم أعطيها في الغد لإحدى صديقاتي اللواتي كن يحرصن على كتابة الرسائل لي، وأجد في ذلك متعة كبيرة. كانت الملصقات ”الستيكرز“بأنواعها والأوراق الجميلة الملونة لها قيمة عالية لدينا، وكنا نكتب على كل شيء، على المناديل، وعلى البطاقات، وحتى على أظرف الرسائل. تكوّنت لدي مجموعة ضخمة من الرسائل على مدى سنوات المدرسة.
كانت لدي صديقتان أحبتا مثلي هواية تبادل الرسائل فكانت أكثر رسائلي منهن وإليهن، إحداهن تدعى هنادي في السنة الخامسة-السادسة الإبتدائية. كانت فتاة مرحة وظريفة، لكنها تركتنا فيما بعد وسافرت إلى تبوك ثم انقطعت أخبارها عنا. ولذلك كانت رسائلها تتحدث فيها عن الوداع.
هنا رسالة منها تعاتبني فيها، فلقد “صال” لها يومين تتصل على هاتف المنزل ولا أجيب. وللأسف لعبن من دوني في يوم غيابي.

ويظهر أنها من معجبين كاظم الساهر، فقد كتبت لي إحدى أغانيه، بل ورسمته شخصيًا.
يُرجى ملاحظة مكان الدموع في الرسالة*

هنا إحدى وصاياها لي بعدم النسيان:
أما صديقتي شهد، فقد غمرتني بالرسائل أيضًا، وبرسوماتها وأعمالها الفنية-مازالت صديقتي إلى الآن وتحب الرسم-. هنا بطاقة صنعتها على شكل شمس ملتهبة، وبجانبها تعليقة بلاستيك وكتبت عليه حرفها:
أما هنا فرسالة منها بعد أن أعرتها إحدى الكتب المدرسية لتنقل منه حسبما فهمت، وتعتذر كثيرًا لأن أختها قد فعلت شيئًا بالكتاب وعوضتني بملصق لشيطان جميل:
أما رسائلي اليوم فلم أجدها إلا عند شهد، فبنات خالاتي اعترفن لي أنهن تخلصن منها 🙂 ! وهنادي انقطعت أخبارها تمامًا. فلم أحصل على صورة من رسائلي القديمة إلا عن طريق شهد. هنا رسمة لزميلات الفصل الخامس الإبتدائي:
وهنا رسالة تهنئة بمناسبة السنة الهجرية الجديدة:
أما هذه الورقة فورقة مليئة بالشم:

ليست شهد فقط هي الكريمة بالستيكرز، فقد أهديتها بطاقة تخفيض من تيفال:
ثم واكبت التكنولوجيا فيما بعد واستخدمت ال”فلوبي ديسك” في تحميل البطاقات الإلكترونية لشهد:
بعد ذلك، تعرفت في عام ٢٠٠١ في منتدى لفرقة أجنبية مشهورة على فتاة ماليزية. تبادلنا البريد الإلكتروني واتفقنا على كتابة الرسائل الإلكترونية باللغة الإنجليزية. وهكذا أصبحت الماليزية بالنسبة إلي كما يقولون:
my pen pal
أو صديقة القلم، فكنا نتبادل قصصنا في المدرسة ودرجاتنا المدرسية وأيام الإجازات وصورنا وأخبار الفرق الموسيقية التي نحبها، وأيضًا أخبار كأس العالم في عام ٢٠٠٢.

خلال فترة غربتي خارج المملكة، تعرفت على صديقات وزميلات من دول مختلفة. اتفقنا على مراسلة بعضنا البعض عن طريق البطاقة البريدية. بطاقة من الورق المقوى غير مكلفة على الإطلاق وكذلك إرسالها بالبريد غير مكلف.
هنا بطاقات “بوست كاردز” من المكسيك، وألمانيا، اسكتلندا-بريطانيا، وتايلندهنا آخر بطاقة بريدية استلمتها من صديقتي غادة في نيويورك- الولايات المتحدة:

مخرج:
بمناسبة موضوع التدوينة، هناك فيلمين لطيفين اقترحهما عليكم
Mary and Max
فيلم “ستوب موشن” عن فتاة استرالية فقيرة ووحيدة تتعرف على شخص في نيويورك تختار اسمه من دليل الهاتف وتقرر أن تراسله، ويصبحان صديقان بالمراسلة. الفيلم لطيف للغاية، من النوع الكوميدي-الدرامي

You’ve Got Mail
فيلم رومانسي كوميدي من بطولة ميق رايان وتوم هانكس يقعان في الحب عن طريق المراسلة بالبريد الإلكتروني.

وأنتم ماذا عنكم؟ هل كانت لكم تجارب مع المراسلات البريدية أو الرسائل اليومية؟
أراكم في تدوينة قادمة !

كم بيضًا للحمام؟

قوديتاما.. البيضة الكسولة الأشهر

لاأدري كيف بدأتُ الكتابة في هذا الموضوع، لكنها مجرد خواطر من الماضي تذكرتها حين كنت أسلق البيض فأردت تدوينها لتكون تدوينة عبثية:

بدأت علاقتي مع البيض منذ أن كانت أمي تجبرنا على تناوله كطعام للإفطار قبل أن نذهب للمدرسة. وحيث أنها قرأت في مكان ما أن تناول البيض يوميًا غير صحي فقد قررت أن نتناوله يومًا بعد يوم، ”يوم بيض ويوم كورن فليكس“. بجانب البيض كان هناك كأسٌ من الحليب فُرض علينا وإن استيقظنا متأخرين. أذكر أن المراقبة سألتني حين وصلت المدرسة متأخرة بعد الطابور عن سبب تأخيري، فما كان جوابي إلا أن أخبرتها ”كنت أشرب الحليب“. العجيب أن المراقبة دوّنت هذا السبب وسمحت لي بالذهاب إلى الفصل.

في إحدى الأيام كنت أتساءل عن السبب الذي يجعلنا تناول البيض دون أن يكون هناك فرخ صغير بداخل البيضة. استنتجت نجلاء الصغيرة أن البيض يُؤخذ من الدجاجة الأم فورًا ولا تستطيع أن توفّر له حضنًا دافئًا فيعجز عن النمو ويصبح بيضًا. لذلك، أخذتُ بيضة من المطبخ خلسة وقررت أن أكون الدجاجة الأم ووضعتها على الأرض وجلست عليها برفق. وكفتاة نشيطة تحب اللعب، مرت الساعة والساعتين ومللت من جلوسي هكذا ولكني استمريت في الصمود إلى أن جاءت الخادمة أخيرًا حاملة المكنسة وتأمرني أن أتحرك من مكاني حتى تُكمل التنظيف، تركت لها المكان والبيض ولم أنس وجهها إلى يومي هذا.

تمر الأيام حتى نقرر أنا وأخي الصغير أن نشتري ”كتاكيت“ ونرعاها فتكبر معنا وتجلب لنا البيض. اشترى أخي بواسطة خالي كتكوتين خلسة دون علم أمي التي كانت تحظر علينا إدخالهم من باب الرفق بالحيوان. بالطبع تفاجئت أمي فيما بعد ورضخت لوجودهما، فرحنا كثيرًا وأطلقنا على المشاكس منهما اسم طقوعي وتركناهما في ”حوش“ البيت يسرحان ويلعبان. تمر الأيام ويصبحان مفجوعيْن شرهيْن يأكلان الأخضر واليابس ويستوليان على زرع أمي التي تعبت في العناية به ويتبرزان في كل مكان. غضبت أمي بالطبع فأرسلتهما إلى المزرعة. للأسف لم نهنأ بالبيض.

بعد سنوات قليلة، قرأت في مجلة المجلة عن اختراع ياباني اسمه ”تاماجوتشي“ غزا اليابان وبيوت الأطفال والمراهقين

وهي بيضة الكترونية تتوسطها شاشة عليها مخلوق يجب أن تعتني به فتغذيه ليكبر ولا يموت. ومن شدة إعجابي بهذا الإختراع العجيب حفظت اسم التا -ما- جوتشي هذا وودت لو أنني ذهبت إلى اليابان كي اشتريه. بعد أسابيع قليلة جاءت صديقتي بلعبة الكترونية اشترتها من جدة من (تويز ار اص) وأرادت أن تشرح لي كيفية اللعب بها، صرخت ”تاماجوتشي!“ كفيتها الشرح إلا أن تاماجوتشي هذه كانت طفلة صغيرة على الشاشة وليست مخلوقًا. اقترحت علي عرضًا كريمًا لم أستطع أن أرفضه ”ما رأيك أن تأخذيها معكِ المنزل إلى الغد؟“. أخذتها معي وعندما أردت النوم وضعتها بجانبي لأستيقظ وأجد أنها ماتت. كيف ماتت؟ لا أدري.. لابد أنني أطلت النوم فجاعت ولم أطعمها. خفت كثيرًا من ردة فعل صديقتي الكريمة، لكني تصرفت بسرعة وضغطت على زر الإعادة الصغير الموجود خلف الآلة بداخل حفرة صغيرة بواسطة القلم فعادت الطفلة إلى الحياة وكأن شيئًا لم يكن. بالطبع لم أخبر صديقتي بهذا الأمر.

أما الآن فتحضرني قصة لبطوط الذي أصبح في إحدى حكايات مجلة ميكي ذوّاقة طعام يكتب عن المطاعم وأطباقها ويقيّمها في زاوية لجريدة مشهورة ويعتمد الناس بشكل كبير على آرائه، فأصبحت المطاعم تهابه وتستعد لمجيئه ويأتيهم متنكرًا في بعض الأحيان. ففي إحدى المرات زار بطوط مطعمًا راقيًا وقدموا إليه طبقًا فاخرًا تحتوي مكوناته على البيض، أكل من هذا الطبق وفجأة صرخ لأن هناك قشرة صغيرة من البيض يبدو أنها وقعت بالخطأ عند كسر الطبّاخ للبيض. ورغم محاولة أصحاب المطعم وتوسلاتهم إلى بطوط أنها قشرة صغيرة يجب أن لاتؤثر على رأيه، رفع منقاره قائلًا أن هذا الأمر من أساسيات الطبخ!

أصبحت الآن أتذكر هذه القصة جيدا كلما هممت بطبخ ”الشكشوكة“ أو أي طبق آخر يحتوي على البيض، أخاف من وقوع قشرة صغيرة من البيض فأذكر صراخ بطوط ”من أساسيات الطبخ“!

تفاجئت كثيرًا وضحكت عندما ذهبت مؤخرًا إلى إحدى المطاعم المشهورة في مونتريال لتناول ”الأومليت“ ووجدت قشرة بيض.
أليس هذا من أساسيات الطبخ؟

قبل أن ترافق الآخرين، تعلم كيف تكون برفقة نفسك أولًا

Victoria Semykina

Victoria Semykina

مقال مترجم*
في عام ١٨٤٠، وصف إدغار آلان بو رجلًا عجوزًا يطوف شوارع لندن من الغسق إلى الفجر ب”الطاقة الغاضبة”. كان الرجل يريد التخفيف من بؤسه الموجع بشكل مؤقت عن طريق انغماسه بين حشود سكان المدينة. ”كان يرفض أن يكون وحيدًا، إنه نموذج فريد لجريمة عميقة.. إنه رجل الحشد“.

Man of the Crowd / Poe

مقارنة بالعديد من الشعراء والفلاسفة عبر التاريخ، شدد بو على أهمية العزلة واعتقد أن فقدان الشخص القدرة على أن يكون مع نفسه هي ”مصيبة كبرى“، أن يقع في شرك الحشد، أن يتنازل عن تفرده ويخدر عقله بمطابقته مع غيره.

بعد عقدين من الزمان، حازت فكرة العزلة على خيال رالف والدو امرسون لكن بطريقة مختلفة: فكتب مقتبسًا فيثاغورس ”في الصباح، وبوجود العزلة.. تتحدث الطبيعة إلى الخيال على نحو لا تفعله في وجود الناس“. شجّع امرسون المعلمين أن يأكدوت لطلابهم أهمية ”أوقات وعادات العزلة“، العادات التي جعلت من ”التفكير الجاد والمجرد“ ممكنًا.

في القرن العشرين، شكّلت فكرة العزلة محور أفكار حنة آرنت، وهي مهاجرة ألمانية يهودية هربت من النازية ووجدت اللجوء في الولايات المتحدة-. قضت آرنت معظم حياتها في دراسة العلاقة بين الفرد والمدينة. بالنسبة إليها، فإن الحرية مقيّدة إلى الحيز الخاص
-vita contemplativa –
والحيز العام
-vita activa-
فهمت آرنت أن الحرية تتطلب أكثر من قدرة الإنسان على أن يتصرف بعفوية وبإبداع أمام العامة، لأنها تتطلب أيضًا القدرة على التفكير وتكوين الرأي في خصوصية، فتدعم العزلة الفرد على تأمل أفعاله وتطوير وعيه، ليهرب من ضجيج الحشد، حتى يصبح قادرًا على سماع أفكاره.

في عام ١٩٦١، كلّفت مجلة ذا نيويوركر آرنت بتغطية محاكمة أدولف ايخمان، زعيم نازي ساعد على تنفيذ الهولوكوست.

أرادت آرنت أن تفهم كيف يستطيع أي شخص أن يفعل شيئًا شنيعًا مثل هذا؟ الأكيد أن الشخص المعتل والشرير هو الذي يشارك في المحرقة. لكن آرنت تفاجئت من فقر ايخمان إلى الخيال، وبممارساته التقليدية المتكررة. علّقت آرنت بأن أفعال ايخمان كانت شيطانية، لكن ايخمان نفسه – الإنسان- ”كان شخصًا عاديًا، ليس بإنسان وحشي أو شيطاني. لا توجد هناك أي علامة تدل على أن لديه أي قناعة ايدولوجية راسخة“. أوعزت أفعاله -قدرته ولهفته على ارتكاب الجرائم- إلى ”انعدام التفكير“. فكان انعدام قدرته على التوقف والتفكير هو ماسمح لايخمان على المشاركة في هذه الجريمة.

وكما ظن بو أن هناك شيئًا شيطانيًا عميقًا في ”رجل الحشد“، أدركت آرنت أن ”الإنسان الذي لا يعرف أن التفاعل الصامت (والذي يجعلنا في داخلنا نختبر ما الذي نريد أن نقوله أو نفعله) لن يبالي ما إذا ناقض نفسه، وهذا يعني أنه لن يصبح قادرًا أو راغبًا أن يتحمل مسؤولية أفعاله وأقواله، ولن يبالي بارتكاب الجريمة لأنه سوف يعتمد على نسيانها في اللحظة القادمة“. تجنب ايخمان التأمل الذاتي على الطريقة السقراطية، وفشل في الرجوع إلى ذاته، وإلى حالة العزلة. لقد نبذ ايخمان الحيز الخاص
vita contemplativa
ولهذا فشل في طرح الأسئلة الهامة على نفسه والإجابة عليها والتي كانت ستسمح له باختبار معاني الأشياء حتى يميز بين الحقيقة والخيال، والحق والباطل، والخير والشر.

كتبت حنة آرنت ”من الأفضل أن تعاني بشكل خاطئ على أن تفعل شيئًا خاطئًا، لأنك تظل صديق الضحية، لكن من يريد أن يكون الصديق ويعيش مع القاتل؟ ليس إلا قاتلًا آخر“. هذا لا يعني أن الأشخاص الغير مفكرين هم وحوش، أو أنهم سيرتكبون جرائمًا على أن يجدوا أنفسهم في عزلة. مارأته آرنت في ايخمان هو أن المجتمع يستطيع أن يتصرف بحرية وديمقراطية فقط إذا كان مؤلفا من أفراد يمارسون عملية التفكير، وهي عملية تتطلب العزلة. آمنت آرنت أن ”التعايش مع الآخرين يبدأ مع تعايش الشخص مع نفسه“.

لكن ماذا يحدث إذا أصبحنا وحيدين في عزلتنا؟ أليس هذا أمرًا خطيرًا يحرمنا من متعة الصحبة والأصدقاء؟ تنبه الفلاسفة إلى الفرق الدقيق والمهم بين العزلة والوحدة، ففي كتاب الجمهورية، قص أفلاطون حكاية الكهف الرمزية والتي يحتفي فيها سقراط بالفيلسوف المعتزل: يهرب الفيلسوف من ظلام عرين تحت الأرض ومن صحبة الناس ويلجأ إلى نور التفكير التأملي. منعزلًا وليس وحيدًا، يتناغم الفيلسوف مع ذاته ومع العالم. في العزلة، يكون الحوار الصامت ”الذي تسيطر فيه الروح على نفسها“ ليُصبح مسموعًا.

مقلدة أفلاطون، لاحظت آرنت أن ”التفكير – بالتعريف الوجودي- هو أمر منعزل ولكنه ليس منفصلًا عن الناس. العزلة هي عمل بشري يحدث عندما أكون برفقة نفسي، أما الوحدة فهي عندما أكون لوحدي وأرغب في الرفقة ولكن لا أجدها“. في العزلة، لم تتلهف آرنت على إيجاد صحبة أو تبحث عن صداقة حميمة لأنها لم تكن حقًا وحيدة. كانت صديقة لذاتها تتحدث معها بصوت غير مسموع، وهو الصوت نفسه الذي حثّ على طرح السؤال السقراطي ”ماذا تقصد عندما تقول..؟“
فالنفس، كما تقول آرنت، ”هي الكائن الوحيد الذي لا تستطيع أن تهرب منه إلا إذا توقفت عن التفكير“.

تحذير آرنت يجب أن نتذكره في عصرنا هذا. ففي عالم متصل نستطيع أن نتواصل فيه بسهولة مع بعضنا البعض من خلال الإنترنت، نادرًا مانتذكر أن نجعل لنا مجالًا لعزلة تأملية. نتصفح بريدنا الإلكتروني مئات المرات في اليوم، ونرسل الآلاف من الرسائل كل شهر، ونتصفح تويتر وفيسبوك وانستقرام من أجل أن نتواصل مع المقربين والمعارف. نبحث عن أصدقاء أصدقائنا، أحبابنا السابقين، أشخاصًا بالكاد أن نعرفهم، وآخرين لانعرفهم. نتلهف دومًا لأن نكون برفقة الناس.

لكن آرنت تذكّرنا بأنه إذا خسرنا قدرتنا على العزلة، أن نكون وحيدين بصحبة أنفسنا، فسوف نخسر قدرتنا على التفكير. سنخاطر ”بانغماسنا في الحشد“، وسوف يجرفنا الناس بعيدًا بأفكارهم ومعتقداتهم حتى نصبح غير قادرين على تمييز الحق من الباطل، والجمال من القبح.

العزلة ليست فقط حالة ذهنية أساسية من أجل تطوير وعي الفرد وضميره، بل أيضًا عمل يهييء المرء لأن يشارك في الحياة الإجتماعية والسياسية. قبل أن نحافظ على رفقتنا مع الآخرين، يجب أن نتعلم كيف نحرص على رفقتنا مع ذواتنا.


مقال مترجم: كتبته جنيفر ستيت قمتُ بترجمته إلى العربية*
Before you can be with others, first learn to be alone

اتخاذ القرارات

قرأت كتاباً عن اتخاذ القرارات لتشب هيث ودان هيث، وأحببت أن انقله لكم باختصار شديد وبتصرف في هذه التدوينة 🙂
decis


اتخاذ القرارات
عندما نتخذ أي قرار، سواء كان قرارا يومياً بسيطاً كشرب القهوة، أو قراراً صعباً كاختيار التخصص، نمر بهذه الخطوات الأربعة:
1-تصادف خيارات متعددة: الإنتهاء من الثانوية العامة ووجود تخصصات كثيرة كالعلوم الحاسب والهندسة والطب.
2تحلل الإختيارات المتاحة: ماهو أفضل تخصص بالنسبة لك؟
3- تتخذ قراراً: تختار أن تدرس الهندسة.
4- تعيش مع هذا القرار: تدرس الهندسة ثم تتوظف كمهندس لأنك اخترت أن تكون كذلك.

مع هذه الخطوات الأربعة يبدو أن الأمر بسيط للغاية، لكن عملية اتخاذ القرارات شاقة لدرجة أن الكثير منا يتهرب من إتخاذ القرارات أو يتخذ قرارات غير مناسبة. سوف نتعلم سوية كيف يمكننا أن نتخذ قراراً مناسباً. لكن قبل ذلك، لابد أن نتعرف على بعض المشاكل التي تواجه البعض عند إتخاذ أي قرار:

1- تصادف خيارات: لكن “التأطير الضيق” يجعلك تضيّق الخيارات عليك فترى خياراً واحداً تفكر حينها إما بأخذه أو تركه. على سبيل المثال، عندما تتخصص في الجامعة، تفكّر: هل أدرس الهندسة أم لا؟ مع أن خيارات التخصص غير الهندسة كثيرة.
هل تشتري سيارة أم لا؟ رغم أنك تسكن في الجامعة، ولديك وسيلة مواصلات أخرى.

عندما تحصر نفسك بين خيارين دون أن تفكّر في الخيارات الواسعة التي لديك، حينها أنت تؤطّر خياراتك بشكل ضيق، وقد تتخذ قراراً غير مناسباً بسبب ذلك.

2- تتفحص الإختيارات التي لديك: لكن “الإنحياز التأكيدي” يجعلك تنحاز إلى الخيارات التي تميل إليها بدون أن تتأكد أو تجمع معلومات كافية عنها تدعم تحليلك. الإنحياز التأكيدي يعني أنك تميل إلى جمع المعلومات التي تؤكد صحة ماتؤمن به مُسبقاً. على سبيل المثال، هناك مدينة لم تزرها من قبل، وتؤمن بأنها سيئة للعيش فيها، ثم تُعرض عليك وظيفة في هذه المدينة، فتبحث حينها عن الآراء السلبية التي تدعم وجهة نظرك نحو هذه المدينة دون أن تأخذ في عين الإعتبار آراء الناس المؤيدة لها. هنا، أنت تنحاز إلى معلومات تؤكد إيمانك المسبق.

3-تتخذ قراراً: لكن مشاعرك المؤقتة( كالغضب، السعادة أو الحزن) تجعلك تتخذ القرار الخاطئ.
فقد تتردد في إتخاذ خطوة جريئة كالطلاق بسبب عدم اتفاقك مع شريك حياتك، لكن لأنك تنفعل كثيراً لا تستطيع التركيز في القرار حتى ولو الحقائق واضحة أمام عينيك. قد تتخذ قراراً بقبول وظيفة ما بسبب سعادتك بالراتب الأعلى من وظيفتك الحالية، ثم تكتشف أن هذه الوظيفة لديها سلبيات كثيرة.

4-تعيش مع هذا القرار: لكنك تحمل ثقة عمياء بما يخفيه المستقبل، فليس لديك خططاً بديلة عند فشل القرار.

الحل:
1- وسّع خياراتك بدلاً من تأطيرها:
هناك العديد من الخيارات، خيارات كثيرة أكثر مما نتصور. إذا استطعت أن تدرس عدة خيارات في وقت واحد، عن مزاياها ومساوئها، حينها ستتخذ القرار المناسب. عندما تؤطر خياراتك “هل أشتري هذه السيارة أم لا؟”، ستضيّق تفكيرك عند هذه النقطة بدلاً من التفكير في الخيارات المتاحة. الأفضل من ذلك، تفكيرك في خيارات أخرى يجعلك تتخذ خططاً بديلة إذا اكتشفت أن القرار غير مناسب.

* تحدث مع شخص كانت لديه هذه المشكلة وتجاوزها: بالتأكيد، لست أول من واجه هذه المعضلة في التاريخ، هناك أشخاص غيرك واجهوا نفس الحيرة عند هذا القرار وتجاوزوه، فتحدث إليهم.

2- اختبر الإفتراضات:
عندما يعجبك خيار ما، اختبر الإفتراضات المتعلقة به حتى تتخلص من الإنحياز التأكيدي. ابحث بشكل كافي عن الآراء المخالفة عن هذا الخيار.
عادة نكون واثقين من أنفسنا أو متفائلين عندما نتخذ أحد الخيارات، ومن أجل ذلك يجب أن تتحدث إلى خبير حتى يوضّح لك بشكل أفضل ما الذي تجهله.

3- ابتعد لمسافة كافية قبل اتخاذ القرار:
عندما تواجه خياراً صعباً، لابد أن تبتعد عنه مسافة (زمنية ومكانية) كافية حتى تتخذ قرارا مناسباً. ابتعادك عن الموضوع بشكل كافي يجعلك ترى أبعاده بشكل أوضح بعيداً عن المشاعر المؤقتة (الغضب، الشهوة، الحزن، الخوف..)، ويجعلك ترى الغابة وليس فقط الأشجار. مانراه أو نسمعه قبل أن نتخذ قرارا ماً، يؤثر حتماً على قرارتنا، فالحل هو الإبتعاد.

هناك نظرية في علم النفس الإجتماعي  Construal level theory
توّضح بأنه عندما تكون المسافة عن الموضوع أكبر، كلما استطعنا أن نرى بوضوح الأبعاد الأكثر أهمية من الموضوع الذي نواجهه.

سوزي ويلش ابتكرت نظاما للتفكير 10|10|10 في إتخاذ أي قرار، تقول:
عندما تريد أن تتخذ قراراً، يجب أن تفّكر في الأوقات التالية، بمعنى: كيف ستشعر بعد 10 دقائق من الآن؟ بعد 10 أشهر من الآن؟ بعد 10 سنوات من الآن؟
هذه الطريقة توسع مداركك من ناحية اتخاذ القرار بعيداً عن المشاعر التي من الممكن أن تقيّدنا، فتجعلك تفكر كيف يبدو قرارك مستقبلاً.

تذكّر أن المشاعر المؤقتة ليست عدو لك، وإنما هي سلاح ذو حدين تجعلنا إما أن نتخذ قراراتنا بسرعة أو تجعلنا نتردد في إتخاذ القرارت، وهذه الطريقة تساعدك على رؤية خياراتك بوضوح.

اسأل نفسك: إذا حدثت هذه المعضلة لصديقي، كيف سأنصحه؟
نصيحتك لصديقك غالباً ما تكون صادقة لأنك تعيش خارج الموضوع|المشكلة التي يعاني منها، فحينها ترى الأمر بشكل أوضح من الشخص الذي بداخل الدائرة. حاول أن تفكر كما يفكر الأصدقاء، بعيداً عن الموضوع وبحيادية تامة.

4- استعد لأن تكون مخطئاً!
يوجد احتمال كبير أن نكون مخطئين ولهذا يجب أن نكون مستعدين. من المفترض أن تجهز خططا بديلة تفيدك في حال فشل القرار الذي اتخذته.

نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله مع تمنياتي لكم بقرارات ناجحة في حياتكم :]

متعة الشيخوخة (ليست مزحة) – مقال مُترجم

تُوفي بالأمس أوليفر ساكس، عالم وطبيب الأعصاب البريطاني، عن عمر يناهز ال٨٢ عاماً. أوليفر كان كاتباً ألّف العديد من الكتب -والتي أصبحت من الكتب الأكثر مبيعاً- تحول بعضها إلى أفلام سينمائية. كتب أوليفر ساكس هذه المقالة في نيويورك تايمز في عام 2013 استعداداً لبلوغه سن الثمانين، وقمتُ بترجمتها لكم:

في الليلة الماضية، حلمت بالزئبق: كريات ضخمة ومشعة ترتفع وتسقط. الزئبق هو العنصر الكيمائي رقم 80، وحلمي هذا ذكّرني بأنه في يوم الثلاثاء سيكون عمري ثمانون سنة.

منذ أن تعلمت الأعداد الذرية في طفولتي، والعناصر الكيميائية وأعياد الميلاد بالنسبة لي مترابطة. في عمر الحادي عشر، قلت عن نفسي “أنا صوديوم (العنصر الكيميائي رقم 11)”، والآن في سن ال79 أنا ذهب. خلال السنوات القليلة الماضية، أهديتُ لصديقي بمناسبة عيدميلاده الثمانين قارورة من الزئبق- قارورة مميزة لا تنكسر ولا يتسرب مافيها-، رمقني حينها بنظرات غريبة، لكنه لاحقاً أرسل لي رسالة رائعة كتب فيها مازحاً “أشرب القليل من هذه القارورة كل صباح من أجل الحفاظ على صحتي”.

ثمانون عاماً! بالكاد أصدق! غالباً ما أشعر بأن الحياة على وشك أن تبدأ فأدرك أنها قاربت النهاية. أمي كانت الطفلة ال16 من بين 18 طفلاً، وكنتُ أنا آخر العنقود لها، وأصغر الأطفال سناً في عائلتها. كنتُ دائماً أشعر بأنني أصغر طالب في الفصل في الثانوية العامة. هذا الشعور بأنني الأصغر سناً مازال يلازمني إلى الآن على الرغم من أن أكبر شخص أعرفه حالياً هو أنا.

كنتُ أظن بأنني سأموت في عمر ال41 عندما سقطت وكُسرت ساقي في أحد الرحلات لتسلق الجبال التي خضتها وحدي. حاولت بقدر استطاعتي أن أجبر ساقي بنفسي، ونزلت من الجبل بإستخدام يديّ فقط. في الساعات الطويلة هذه، هاجمتني ذكرياتي الجيدة والسيئة. أغلبها كانت في مزاج العرفان بالجميل: الإمتنان لما قدمه لي الآخرون، ولما استطعت أن أقدمه لهم. بعد هذه الحادثة بسنة، نشرت كتاب Awakenings

اقتربت من سن الثمانين، مع مشاكل صحية وجراحية لم تعرقلني، أشعر بأنني سعيد لأنني على قيد الحياة “ أنا سعيد لأنني لستُ ميتاً!”، في بعض الأحيان تخرج مني هذه الجملة عندما يكون الجو جميلاً. وحالتي هذه عكس الحكاية التي سمعتها من أحد الأصدقاء الذي كان يتمشى في باريس مع صمويل باكيت في جو ربيعي جميل، والذي سأله “ألا يجعلك هذا اليوم تشعر بالسعادة لأنك على قيد الحياة؟” فأجاب صمويل” ليس لهذا الحد!”.

أشعر بالإمتنان لأنني جربت العديد من الأمور، بعضها رائع، والآخر مأساوي، وأشعر بالإمتنان لأنني كتبتُ درزناً من الكتب، ووصلتني رسائل لا تعد ولا تحصى من الأصدقاء والزملاء والقراء، واستمتعتُ بما يسميه ناثانيال هوثورن بعلاقة حميمية مع العالم.

أشعر بالأسف لأنني ضيّعت (ومازلت) أوقاتاً كثيرة، أشعر بالأسف لأنني مازلت أشعر بالخجل بطريقة مؤلمة في سن ال80 وكأنني في سن ال20، أشعر بالأسف لأنني لا أتكلم لغات أخرى غير لغتي الأم وبأنني لم أسافر ولم أتعرف على ثقافات مختلفة كما يجب بطريقة أكثر انفتاحاً.

أشعر بأنه لابد أن أجرب حتى أُكمل حياتي، بغض النظر عن معنى “إكمال الحياة”. بعض مرضاي في أعمارهم ال90 أو ال100 يقولون (وكأنهم يتمتمون بالنشيد الديني لشمعون، الذي يُغنى به في نهاية الصلوات) : “عشتُ حياة كاملة، والآن أنا على استعداد للرحيل”. للبعض، يبدو هذا الكلام وكأنهم ذاهبون إلى الجنة، الجنة موجودة أكثر مما تُوجد النار، على الرغم من أن كلاً من صمويل جونسون وجيمس بوزويل ارتجفا من فكرة الذهاب إلى النار وغضبا من ديفيد هيوم الذي لم يكن مؤمناً. ليس لديّ اي إيمان (أو رغبة) في الوجود بعد الموت أكثر من إيماني بذكريات الأصدقاء والأمل بأن بعض كتبي “ستتحدث” إلى الناس بعد وفاتي.

الشاعر وستان أودين أخبرني بأنه يظن أنه سوف يعيش إلى عمر ال80 وبعدها سيهرب من الحياة (تُوفيّ وعمره 67 سنة). وعلى الرغم من أنه مضى أربعون عاماً على وفاته، إلا أنني أراه في منامي، وأرى والديّ ومرضاي السابقين، كلهم مضوا ولكني مازلت أحبهم ومازالوا مهمين بالنسبة لي.

في عمر الثمانين، شبح الخرف أو السكتة الدماغية يحومان حول الشخص في هذا العمر. ثلثُ الأشخاص المعاصرين للشخص في هذا العمر وغيرهم الكثير قد ماتوا بضرر نفسي وجسدي عميق، أو حوصروا في وجود مأساوي. في عمر الثمانين، آثار الإضمحلال تبدو واضحة جداً. ردود فعل الشخص تبدو بطيئة قليلاً، والأسماء تتهرب من ذاكرته، ولابد له أن يسترشد في إستخدام طاقاته، لكن على الرغم من ذلك، يشعر الشخص وكأنه مليء بالحياة وبالطاقة وأنه ليس كبيراً في العمر. من الممكن، مع الحظ، أن أعيش لسنوات قليلة وأُمنح الحرية لمواصلة العمل والحب اللذان يقول عنهما فرويد بأنهما الأكثر أهمية في الحياة.

عندما تحين ساعة وفاتي، آمل بأن أموت وأنا في روتين العمل كما حدث لفرانسيس كريك، عندما قيل له بأن سرطان القولون قد عاد إليه، لم يقل شيئاً في البداية، لكنه أطال النظر ثم عاد إلى تفكيره. بعدها بعدة أسابيع قال “كل أمر له بداية لا بد وأن يكون له نهاية”. عندما تُوفي، في عمر ال88، كان مايزال يمارس أكثر أعماله إبداعاً.

والدي، الذي عاش إلى سن ال94، كان يقول لي بأن عقد الثمانين كانت من أكثر السنين بهجة في حياته. كان يشعر، كما بدأت أشعر، بإتساع – وليس بإنكماش- حياته الذهنية وباتساع أفكاره. في هذه السن، يكون الشخص قد حظى بتجارب عديدة في الحياة، وشاهد العديد من الإنتصارات والمآسي، العديد من الإزدهارات والإنتكاسات، الثورات والحروب، الإنجازات العظيمة، والشكوك العميقة أيضاً. في هذه السن، يكون الشخص قد شاهد نهوض نظريات عظيمة أطاحت بها الحقائق. يكون الشخص واعياً أكثر بسرعة زوال الحياة، وربما الجمال أيضاً. في سن الثمانين، يستطيع الشخص أن يطيل النظر وأن يحظى بتاريخ مشرق لم يستطع أن يحصل عليه في عمر أقل. أستطيع أن أتخيل، وأشعر بعظامي، كيف يكون القرن من الزمان، وهذا أمر لم أستطع أن أشعر به عندما كنت في سن الأربعين أو الستين. لا أعتقد بأنه في هذا السن يوجد وقت مزعج يجب أن أتحمله، بل هناك وقت للحرية والإسترخاء، وقت متحرر من الإلتزامات المتكلفة التي واجهتها في سن أصغر، وقت أكون فيه حراً لأن أكتشف ما أريد، ولأن أربط الأفكار والمشاعر، التي خضتها في حياتي، ببعضها.

أتطلّع إلى أن يكون عمري ثمانون سنة!

كيف نقرأ؟

لا داعي لكتابة مقدمة عن فوائد القراءة وأهميتها، فجميعنا يعرفها. في هذه التدوينة، كتبت بعض النصائح في القراءة وأظنها قد تكون مفيدة لكم:

تعرف على الكاتب ودار النشر:
من المهم أن تعرف جهة النشر التي أصدرت هذا الكتاب، هل هي حكومية أم جهة تعتني بثقافة معينة ولها توجهات فكرية محددة؟ هل هي دار تعني بالفكر أم بالربح والإنتشار فقط؟ هذا سيساعدك على تقييم مبدئي للكتاب قبل أن تقرأه. ثم تعرّف على الكاتب، ماهو تخصصه؟ ما الذي جعله يكتب هذا الكتاب؟ ماهو توجهه الديني أو السياسي؟ ثم اربط موضوع الكتاب بالكاتب، على سبيل المثال، إذا كان الكتاب عن قضية نسائية، فماهو جنس الكاتب ولماذا – إن كان ذكراً- اختار أن يكتب عنها؟ إذا كان الكتاب عن الحرية، فهل سُجن مؤلفه قبل ذلك ليكتب عن الحرية؟
ليس صحيحاً بأن الكتاب الجيّد يصدر عن المؤلف الجيّد فقط، فقد تجد كاتباً مغموراً يكتب كتاباً ممتازاً، لكن الكثير منا لا يريدون أن يضيعوا أوقاتاً ثمينة في استكشاف المؤلف الجيّد بقراءة الكتاب، لذلك تعرّف على الكاتب أولاً قبل أن تقرأ كتابه.

ابحث عن الأفكار:
الكتاب يقدم لك الكثير من حياة وعلم وتجارب الكاتب في أفكاره المدونة. لا تقرأ الكتاب بحثاً عن المعلومات فقط، تستطيع أن تفعل ذلك باستخدام محرك البحث قوقل للبحث عن أي معلومة كانت. ابحث عن الأفكار، اسأل نفسك ماذا يريد مؤلف الكتاب أن يوضّح عندما ألف كتابه؟ كيف توصّل إلى أفكاره المدوّنة في هذا الكتاب؟ هل استند على براهين دعمت أفكاره ؟ إلى من يريد الكاتب أن يصل بكلماته هذه؟
كثيرون هم ديدان الكتب، لكن لا تظهر عليهم أي تطورات واضحة في أفكارهم لأنهم يقرأون بحثاً عن القصة أو المعلومة. تخيّل أن هناك شخصاً مفكّراً دَرَس ودرّس وسافر واختلط بالناس وواجه العديد من المصاعب، ثم ألف كتاباً، قراءتك لكتابه تعني أنك حصلت على فرصة عظيمة ليخاطبك هذا الشخص لمدة ساعات ويعرض عليك أفكاره، فلا تفوّتها بحثاً عن المعلومات.

اقرأ بعين ناقدة:
اسأل نفسك في أي زمان ومكان كُتب هذا الكتاب؟ قد يكون الكاتب منحازاً إلى جماعة معينة، أو إلى أفكار معينة ويظهر انحيازه هذا في كتاباته. ابحث عن حجج المؤلف في الكتاب وقيّمها، هل هي مخالفة أو موافقة لما قرأته مسبقاً؟ وإن كانت مخالفة فهل هي أقوى من حجج السابقين؟
تستطيع أن تربط الكتاب بالأحداث الحالية أو بتجاربك الشخصية، لأن الكتاب أحياناً مرآة لقارئه. إذا كان الكتاب رواية، فكيف هي لغة الكاتب الأدبية؟ هل استطاع أن يجعلك تشعر بشخصيات الرواية؟ ماهي فلسفة المؤلف في هذه الرواية؟

اقرأ في الكتب المخالفة لأفكارك:
من غير الممكن أن تتطور شخصيتك وأنت تقرأ لأشخاص يوافقون تفكيرك منذ نشأتك. إلى أي الفريقين كنا سننتمي عندما منعت قريش الناس من استماعهم لكلام يُخالف ما اعتادوا عليه؟ اقرأ وفكّر بعقلك وتذكّر أن الله تعالى خاطب (أولي الألباب) أو أصحاب العقول في القرآن ست عشرة مرة، وابن حزم يقول (لولا العقل لم يعرف اللهَ أحدٌ)، ولولا تعقّل ابراهيم عليه السلام ونبذه للأفكار التي نشأ عليها قومه لما استدل على رب العالمين. لا تقلق من الذين يخبرونك بأن هذه الكتب تلوث أفكارك، فمادمت لست متكبراً و تبحث عن الحق فسوف تجده وإن ضللت قليلاً، كما اهتدى ابراهيم عليه السلام بعد أن قال عن الشمس والقمر (هذا ربّي).
ثم إن قراءتك في الكتب المخالفة لأفكارك تجعلك تعتاد على تقبّل الآخرين وتوجهاتهم المختلفة عنك من غير أن تتبناها.

اقرأ الروايات الكلاسيكية:
مارك توين يقول ” لا يوجد فرق بين الأمّي والشخص الذي لا يقرأ كتباً جيدة”، والكلاسيكيات تُعتبر من الكتب الجيّدة. تستطيع أن تتعرف على العديد من المشاعر تجاه المواقف المختلفة والتي لم تجربها من خلال الكلاسيكيات، وبمساعدتها، ستتفهم أوضاع البشر وتقلباتهم بين الخير والشر. المؤلفون الكبار أبدعوا في تصوير مشاعر الشخصيات ونفسياتهم ولذلك رواياتهم|مسرحياتهم هذه خالدة. ستشعر بالأب المقهور في الملك لير، وبطعنة الأصدقاء في يوليوس قيصر، وبأنانية المرأة – سكاريت أوهيرا- في ذهب مع الريح، وبالوحدة بمعناها الحقيقي في روبنسون كروزو، وبذُلّ الملوك في مسرحية ريتشارد الثالث، وبحب الأم في آنا كارنينا، وحتى مشاعر الحب المختلفة كحب جين آير لرجل في سن والدها

الكلاسيكيات مهمة تجعلك تحس بالإنسان وإن أخطأ بعيدا عن القيم المطلقة وكتب الأخلاق والمثاليات لأنك ستتفهم جيداً لماذا أخطأ. نحن نكبر مع فكرة أن في العالم لونين فقط  هما الأبيض والأسود، لكن مع تجارب الحياة نكتشف بأن هناك ألواناً عديدة غير هذين اللونين- رواية البؤساء لفيكتور هيغو بالمناسبة مفيدة في التعرف على هذه الألوان-. العلم وحده ليس كفيلاً بأن يجعلك انساناً، لابدّ من الإطلاع على الأعمال الأدبية والفلسفة. انظر إلى من يشتغل في الطب أو الهندسة أو غيرها من العلوم وانضم إلى الجماعات الإرهابية، فهؤلاء لايرون العالم إلا بلونين فقط

اقرأ التاريخ:
“من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس إلى قلبه أبداً، وسوف يرى الدنيا أياماً يدوالها الله بين الناس”.
اقرأ التاريخ بأقلام المنتصرين والمهزومين. إن استطعت أن تجد كتاباً في التاريخ كُتب بيد المهزوم أو من أشخاص ليس لهم علاقة بالمنتصرين أو المهزومين فاقرأه. مع انتشار وسائل التواصل الإجتماعية، ستتفاجئ بوجود الكثير من التدليس في الأخبار التي تعايشها، فكيف تحكم على تاريخ كُتب من مصدر واحد – المنتصر- قبل ظهور الإنترنت؟
اقرأ عن الدول العظيمة التي تسمع عنها و تتفاخر بها، وسوف تتفاجئ أن عظمتها بُنيت على عظام المساكين والفقراء.

تفاعل مع الكتاب:
لا تقرأ الكتاب دون أن تتفاعل معه. احمل في يدك قلماً تخط به الجُمل التي أثارت انتباهك، و دوّن رأيك وتعليقاتك في هوامش وصفحات الكتاب. استخدم رموزك الخاصة بك، على سبيل المثال تستطيع أن ترسم نجمة بجانب جملة مهمة، قلباً بجانب اقتباس يعجبك، أو علامة تعجب بجانب جملة تود الرجوع إليها لاحقاً. إذا واجهت كلمة دون أن تعرف معناها فابحث عنها في قوقل. تحدث عن الكتاب مع أصدقائك، وشاركهم رأيك عنه وعن مؤلفه. بإمكانك أن تشارك بمقتطفات من الكتاب معنا عبر وسائل التواصل الإجتماعية المختلفة. عند الإنتهاء من قراءة الكتاب، افتح مذكرة في جهاز الكمبيوتر لديك ثم اكتب الإقتباسات التي أحببتها في هذا الكتاب، هذه الطريقة تجعلك تعود إليها بين حين وآخر باستخدام خاصية البحث. لديّ مجلد اسمه (ملخصات) أضع فيه بعض الإقتباسات التي أعجبتني خلال قراءتي للكتاب، وأستطيع أن أبحث عن أي كلمة أو مصطلح يهمني لاحقاً .

ملخصات
إن استطعت أن تنضم إلى نادي للقراءة فأنت محظوظ، هنا تدوينة جميلة كتبها سلطان العامر بعنوان (كيف تؤسس مجموعة قراءة؟) تفيدك بهذا الشأن.

اشترك في موقع goodreads
فهناك أشخاص مثلك مهتمون بالقراءة، ستُعجب حتماً بالحماس للقراة الذي يسود هذا الموقع. تستطيع أن تطّلع على آراء الآلاف من القرّاء حول الكتب التي قرأوها وتقييمهم لها.

غيّر قراءتك للكتاب من مجرد فهم واستمتاع إلى تطبيق عملي: مثلاً إذا عرفت معنى الحرية من أدب السجون فلا تصادر حرية غيرك، إذا عرفت معنى الصهيونية فلا تطبّع.

تمهل في القراءة:
اقرأ الكتاب بتركيز حتى تستوعبه، يجب أن يهضم عقلك الكتاب، من المفترض أنك لست في سباق لتتفاخر أمام الناس بكمية الكتب التي قرأتها. كلنا نستطيع أن نقرأ كتاباً في يوم واحد، لكن من الصعب أن تقرأ كتاباً يحتوي على أفكار كثيرة في يوم أو يومين. علي عزت بيجوفتش يقول أنه لابد من وجود فاصل للتفكير الضروري عند القراءة “لكي يُهضم المقروء ويُبنى ويتبنى ويُفهم”.

هذه النصائح عن تجاربي الشخصية مع القراءة، أرجو أن أكون قد وُفقّت في توضيحها. نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله

الحقيقة البشعة وغير العادلة عن الجمال – مقال مترجم

قمت بترجمة هذا المقال الذي كتبه وليام ليث ونُشر في التليغراف البريطانية منذ عامين تقريباً:

لماذا، بعد عقود من تأسيس النسوية، لازلنا نطالب بأن تبدو النساء جميلات أمام العامة بينما يستطيع أقرانهن من الرجال أن يتملصوا من هذه المطالبة إذا كانت ملامحهم عادية؟

الناقد الفني “جون بيرجر” قال مرة أن “الرجال بأفعالهم، والنساء بأشكالهن”. لم يقصد بأن النساء لم يفعلن شيئاً، أو أن الرجال لم يكونوا وسيمين، كانت وجهة نظره تفيد بما نتصوره عن النساء والرجال. من المفترض من الرجال أن يكونوا فعّالين، ومن المفترض من النساء أن يكن جذابات. وكان على حق، لكنه قال ذلك منذ زمن في عام 1972

هل كان ذلك صحيحاً؟ مرت أربعة عقود على النسوية حتى قرأت في مدونة الكوميدية إنجيليا بارنز تقول فيها “أنا قبيحة، وأفتخر بذلك”. تمضي في قولها “في الحقيقة لا أرى أشخاصاً في المجلات يشبهونني، لا أرى أشخاصاً مثلي يلعبن أدواراً عاطفية، أو لديهم حياة عاطفية”.

وفي أعلى المدونة توجد صورتها، ولكنها ليست قبيحة كما قالت. كما أنها ليست جميلة. هي امرأة متوسطة الجمال: في منتصف المعيار الجمالي، كالكثير من النساء اللاتي نراهن يومياً.

هذا الأمر جعلني أفكر في لاعبات التنس في ويمبلدون، المباراة النهائية بين سابين لسكي و ماريون بارتولي. عندما فازت بارتولي، قال مذيع قناة البي بي سي جون إنفيردل “ هل تظنون أن والد بارتولي أخبرها عندما كانت صغيرة (لن تصبحين جميلة المنظر، ولن تصبحي شارابوفا (لاعبة تنس جميلة)، لذلك يجب أن تدافعي وتقاتلي؟”

أول فكرة خطرت في بالي: هذه المرأة التي فازت بالمباراة النهائية في التنس، ويُحكم عليها من خلال منظرها! وفكرت مرة أخرى: لكن بارتولي جذابة. الأكيد أنها ليست جميلة بالمعايير السائدة التي تجعلها من أشهر عارضات الأزياء. لكنها جميلة، وعلى أي حال، لماذا يجب أن يكون موضوع الجمال هنا مهما؟ هي رياضية مشهورة، وهذا الأهم.

معلق رياضي يصف امرأة جميلة بأنها ليست جميلة المنظر. امرأة عادية تعتقد بأنها قبيحة. لماذا؟

لأنه حتى في هذا العالم المليء بالعاديات والجميلات، العالم الذي نرى فيه التلفاز والأفلام والمجلات والمواقع كلها مليئة بالجميلات ذوات  المعايير الجمالية العالية.

والآن، في نصف العقد الثاني من القرن ال21، أصبحت الظاهرة أشد مما كانت عليه في السابق. فإذا كنتِ امرأة، هناك الكثير من الجميلات. لذلك، إذا كنتِ امرأة عادية، فستشعرين بالقبح. ولو كنتِ تُعتبرين بالكاد جميلة، فهناك رجال سوف يحكمون بدون تردد بأنك لستِ كذلك.

وكرجل عادي الملامح، أجد نفسي بأنني في موقف آخر تماماً. كوني عادياً يجعلني أشعر بأنني عادي. وهذا شيء جيّد. لأن شكلي لا يُعد قضية. وهذا لأنه ليس قضية من الأساس.

كرجل عادي الملامح، أنا في حالة جيدة. أكيد أن هناك ممثلين وسيمين ومشاهير وسيمين كبراد بت وجورج كلوني ورسل براند.

لكن العديد من مشاهير هوليوود الكبار هم مثلي أنا، يشبهون الرجال الذين تراهم يومياً في الحياة الواقعية. رسل كرو، كيفن سبيسي، بروس ويليز، جاك بلاك، سيث روقان، مارتن فريمان، توم هانكس، ستيف كارل، جيم كاري، ول فرل، فينس فاوجن، برندان فريسر.. في الحقيقة، من الممكن أن تقول أن المشاهير الكبار من الرجال هم رجال ذو ملامح عادية.

هذه حقيقة في التلفاز أيضاً. براين كرانستون، والذي يلعب دوراً مهما في مسلسل (بريكنق باد)، هو شخص ذو ملامح عادية. جيمس جاندولفيني، كان عادياً ويميل إلى السمنة. كيفين ويتلي، رجل عادي. بن ميلر، عادي أيضاً. حتى رجال الشرطة في التلفاز، كلهم عاديون. ري ونستون عادي، تيم روث رجل عادي. كلهم يحملون صورة أشخاص مهمون بسبب ما يفعلونه، لا لما يبدون عليه.

آه، وفكّروا أيضاً في المسلسلات. مسلسل (بنق بانق ثيري) فيه 4 رجال ذوو ملامح عادية وامرأة جميلة. مسلسل (نيو قيرل) عبارة عن رجال ذوو ملامح عادية، ورجل وسيم، وامرأتان.. جميلتان بالطبع!

عندما أشاهد الأخبار، في أي قناة، فإنها تُقدّم عن طريق شخصين: رجل ذو ملامح عادية، وامرأة جميلة. وبعد الأخبار، أشاهد النشرة الجوية: الرجال الذين يُقدمون النشرة الجوية يبدون رجالاً كالرجال العاديين. أما النساء اللواتي يقدمن النشرة الجوية فهن أشبه بعارضات الأزياء.

لاعبو كرة القدم ملامحهم عادية، ولكن زوجاتهم جميلات. مقدمو البرامج الصباحية: رجال يشبهون فيليب سكوفيلد، والنساء يُشبهن هولي ويلوبي.

وبرنامج ليلة السبت الذي يتضمن لجنة تحكيم يحتوي على نوعين من الناس: رجال في منتصف العمر، ونساء صغيرات جميلات. أحياناً امرأة ذات ملامح عادية أو كبيرة في السن تكون موجودة، لكن أيامها ستكون معدودة كأرلين فيليبس.

البرنامج التلفزيوني (كاونت داون) كانت تُقدمه مذيعة جميلة، ورجل كبير في السن. وعندما بدأت هذه المرأة تكبر، اُستبدلت بامرأة صغيرة وجميلة.

من يُقدم الوثائقيات التاريخية؟ رجال مثل ديفيد ستاركي. عاديون. وماذا يحدث عندما تُقدم امرأة عادية الملامح كماري بيرد حلقات عن العالم القديم؟ اُستهزيء بها لأنها ليست جذابة بما فيه الكفاية.

في مقابلة أُجريت مؤخراً مع دستن هوفمان، رجل عادي آخر، علّق فيه على مظهره عندما تنكّر بزي امرأة في فيلم (توتسي)، “ذهبت إلى المنزل وبكيت” لماذا؟ “لأنني كنت أظن بأنني كنت أُمثّل امرأة مثيرة للإنتباه حتى نظرت إلى نفسي في الشاشة. وعرفتً حينها أنه إذا قابلت نفسي هكذا في حفلة ما، لن أتكلم إلى هذه المرأة، لأنها لم تتوفر فيها شروط الجمال المطلوبة التي وضعناها لنسأل النساء في الخروج معهن في موعد.. لقد غُسل دماغي”.

الرسالة التي أريد إيصالها بصفتي رجلاً: ما تفعله هو الأهم، ليس ما تبدو به.. لكن كيف يشعر النساء؟ أستطيع أن أتخيّل ذلك.

في الحقيقة، أحمل بعض التصورات عن كيف تشعر النساء. ذهبت إلى إحدى سهرات الجمال النسائية، هناك النساء، والعديد منهن أردن أن يجعلن من أنفسهن أجمل مما هن عليه بالبحث عن منتجات التجميل المخصصة لذلك. تستطيع أن تحصل على إبر لتحقن نفسك بال”بوتكس” أو “الفيلر”، من الممكن أن تشد وجهك، أو تحصل على الدهن من بطنك لتحقنها في شفتك.

صناعة “التدخلات التجميلية” هذه أصبحت تنمو بسرعة هائلة: في عام 2005 كانت تساوي 720 مليون جنيه استرليني، بعد خمسة سنوات أصبحت 2.3 مليار جنيه استرليني، أكثر من 90٪ من الزبائن هم من النساء.

شاهدت امرأة حقنت شفتيها ب”ريستلين”، وهي مادة جلدية صُنعت لتجعل الوجه أكثر انتفاخاَ، والشفة أكثر امتلاءً. وجهها كان يُوسع ويُحقن، يُوسع ويُحقن. بشرتها كانت تُشد وتُنتزع، وأشياء أخرى كانت تُنفخ فيها. كان الأمر بالنسبة لي أشبه بالطبيخ. كان الأمر سيئاً للغاية.

بعد ذلك، استيقظت هذه المرأة من العملية. وسارت على قدميها بخطوات مرتعشة. لقد تحملت آلام العملية كشخص أًصيب في حادث. مع ذلك، قبل وبعد العملية كانت ومازالت تبدو امرأة عادية.

“هناك شيء ما بشأن هذه التدخلات التجميلية” علق دانيال هاميرمش البرفسور في جامعة تكساس، والخبير في الإقتصاد التجميلي. “ بإمكان هذه التدخلات أن تساعد النساء قليلاً، لكن لا تتوقع أن تحصل معجزات. التغييرات قليلة ليس إلا”.

لكن النساء يبحثن بشغف عن الجمال، ولديهن سبب جيد لذلك: في هذا العالم الذي يُخبر النساء الجميلات أنهن عاديات، والنساء العاديات أنهن قبيحات، يُصبح الحل المتطرف هذا هو أمر طبيعي.

في مقابلة أُجريت عام 2013، أعلن قسم الصحة بأن الناس الذين كانوا متحفظين بشأن العمليات التجميلية أصبحوا يُعرفون بها.

هذه الأيام الجمال ليس من الكماليات، إنه أمر ضروري. لذلك تتقبل الآلاف من النساء الآلام، والخوف، والتقشير الكيميائي، وأشعة الضوء الشديدة الموجهة لبشرتهن.

يحاولن أن لا يفكرن في المضاعفات أو الأخطاء التي من الممكن أن تحدث جراء العملية، والتي من الممكن أن تجر بسببها عمليات أخرى. في المرآة، ينظرن إلى أنفسهن بمساعدة خبراء التجميل، الذين يشيرون إلى خدودهن الشاحبة، أو إلى ضمور الكولاجين، فيقمن بتوفير المال، وبحجز موعد للعملية. فتُنزع بشرتهن وتُحقن، وفي النهاية لا يزلن غير جميلات.

أنصار المرأة كنعومي وولف، يخبرننا بأنهن يعلمن جيداً ما يجري الآن: عندما أصبحت النساء أكثر تحرراً لما كن عليه في السابق، وفي اللحظة التي بدأن يعملن فيها- ويظهرن فيها أيضاً- رجعت المعايير السابقة لتسيطر من جديد. في كتابها (أكذوبة الجمال) تقول: كل ما أصبحت النساء أكثر قوة، كل ما كان هناك ضغط عليهن ليُصبحن جميلات.. وسلبيات.

“في ثقافة الرجال، النساء مجرد جمال فقط، لذلك يجب أن تُحفظ هذه الثقافة.. لا توجد بطلة جميلة – أمر متناقض- لأن البطولة عادة تتحدث عن الفردية، والتشويق، والتغيير، لكن الجمال عام، ممل، وخامل”.

في العقود الماضية، كثيراً ما تناقش العلماء -أغلبهم من الرجال- هذه النقطة. ما الذي يخبرونا به؟ إن الضغط على النساء ليُصبحن جميلات ليست ضغوطاً رجالية، لأنها موجودة منذ قديم الزمان، وفي أنحاء العالم، سواء كنتُ في دولة فقيرة أو غنية. يشبه الأمر المدن التي تحتوي على ناطحات سحاب والقبائل التي لم تتغير منذ العصر الحجري. هذا يجعلهم يقولون بأنه جزء مهم من ظروف الإنسان.

في كتابه (تطور الرغبات)، يخبرنا ديفيد بوس بروفسور علم النفس في جامعة تكساس، بأن هذا الأمر يرجع إلى أساسيات الجنس. الرجال ينجذبون نحو المرأة التي تبدو ولوداً. والنساء ينجذبن نحو الرجل المُعيل (القائم على أمور الحياة المادية). لذلك يُريد الرجال من نسائهن أن يكُن أصغر منهن، ولذلك أيضاً تنجذب النساء إلى الرجال الأكبر سناً منهن.

ومنذُ التاريخ كانت النساء اللواتي يبدون أكثر صحة وكمالاً هن المرغوبات من قبل الرجال. الملامح المتوازنة هي علامة للصحة: خصر دقيق وردف واسع دليلان على الخصوبة. حتى النساء تعجبهن الملامح المتوازنة، لكنهن لا ينزعجن من الشعر الأبيض أو التجاعيد، وفي العصور الماضية إذا كان هناك رجل ذو شعر أبيض، فبياض شعره يدل على بقاءه.

لم أسمع أي امرأة علقت بسلبية على شعر جورج كلوني. ولا أستطيع أن أتخيل جون انفيردل يعلق على اندي موراي بأنه رجل عادي.

ولكنني إذا كنت شخصاً مثل البروفسور ديفيد بوس، لأجريت مقابلات مع 10 آلاف شخص من 37 دولة ذات ثقافة مختلفة، وسوف أجد بأن في كل هذا العالم تريد النساء من الرجال أن يُصبحوا معيلين أقوياء، سواء كانوا بشعور بيضاء أم لا، ولن أتفاجئ بذلك.

اكتشف الكاتبة إيفا وايزمان مؤخراً عنصر صحفي جديد، سمّته “الشخص الجميل”: وهو عبارة عن مقالات كتبنها نساء جذابات (أو كما أحست هي)، ولكن جاذبيتهن كانت سلاح ذو حدين، كانت تجذب الغيرة والحقد. تقول “هذه المقالات تُظهر لنا من الداخل قلقنا بشأن أجسادنا، والحقد المخفي الموجه ضد النساء”. لماذا أصبحنا هكذا؟ ولماذا أصبحت هذه الظاهرة متطرفة؟

قرأت مؤخراً عن الدعارة في الإنترنت نقاشاً جاء فيه “لماذا تبدو النساء اللاتي يمتهن الدعارة أجمل من الرجال الذين يعملون في نفس المهنة؟ لماذا تُظهر الأفلام الإباحية رجالاً عاديين يمارسن الجنس مع نساء جميلات؟” هذا بسبب أن مستهلكي الأفلام الإباحية هم من الرجال العاديين. وبعبارة أخرى، تأتي الأموال من هؤلاء الرجال العاديين. النظرة الذكورية تقودهم من المال إلى الجمال الأنثوي، اقتصاد وحشي.

مضت أربعين سنة، ومازال دور الرجال أن يعملون وعلى النساء أن يظهرن. والفرق بين الرجال والنساء يزداد حدة. وقوة الرجل المثالية وجمال المرأة المثالي يعود إلى الألفية، عندما تحدتها النسوية في القرن الأخير، لكنها حاربتهن. نعومي وولف كانت مُحقة.

منذ ذلك الحين، وفي المجتمع المادي الذي تزداد ماديته، هذه الأفكار أصبحت أكثر حدة وصلابة. صناعة الإعلانات ورعاة التسويق يدعمون القيم المُحافظة: جلب لنا الإنترنت الإباحية تحت الطلب، والتي جذبت إليها أنظار الرجال، وهذه الإباحية هي المحور الذي يشع نحو الخارج بإتجاه الأزياء والموسيقى والأفلام والروايات.

وكما أشارت الكاتبة النسوية آريل ليفي في كتابها (أنثى الخنازير المتعصبة) أن الكثير من النساء يردن أن يصبحن كالعاهرات لأن ذلك يُجدي نفعاً، ويجعلهن يتوسطن الثقافة المُسيطرة. يشعرن بأنهن لا يستطعن التغلب على الرجال، لذلك يرغبن في الإنضمام إليهم. وبعضهن يلبسن تي شيرتات تحمل تلك الرموز الإباحية. “30 عاماً مضت كانت أمهاتنا يحرقن حمالات الصدر (إشارة إلى إحدى المظاهرات النسوية في الستينات، حيث قامت النساء بحرق حمالات الصدر مطالبة بحقوق المساواة مع الرجل في الوظائف وغيرها) ويُرابطن في الإحتجاجات أمام شركة بلاي بوي .. وها نحن نُجري عمليات التجميل ونضع رمز الأرنب (رمز البلاي بوي) كما لو كان رمزاً للحرية”.

كاثرين حكيم، باحثة في علم الإجتماع توافق على هذه النقطة عندما قالت في كتابها (عزيزي المال) أنه في المجتمعات الذكورية يُسيطر الرجال على لبس المرأة، لذلك تظهر بعض النسويات “ لماذا لا نحتفي بالأنوثة بدلاً من أن نلغيها؟ لماذا لا نجد شخصاً يشجع النساء على أن يستفدن من الرجال كلما استطعن ذلك؟”.

في أحد الأيام، رجل قال لي “انظري، النساء لديهن المال هذه الأيام، إنهن مستقلات، ولا يرغبن بأن يُحكم عليهن من منظرهن. فلماذا لا يُدرن ظهورهن إلى كل هذه الملابس المغرية، و كل مستحضرات التجميل، وأحذية الكعب العالي، وبقية المُجمّلات؟”

والإجابة هي لا أعرف، أنا رجل. أنا أعيش في عالم لا يُحكم عليّ من مظهري الخارجي. أو في عالم يجعل من الشخص العادي يبدو قبيحاً، أو في عالم يجعلني أزيد قوتي بالطريقة التي أرتدي فيها الملابس.

ما يبدو معقداً للنساء هو أمر بسيط للرجال. فكّر في جون مالكوفتش، رجل عادي آخر، عندما سُئل عن الشيء الذي يكرهه في مظهره فأجاب “لا أفكر في هذا الموضوع.. أنا رجل، من يهتم أصلاً؟” 

ما رأيكم؟