كيف نقرأ؟

لا داعي لكتابة مقدمة عن فوائد القراءة وأهميتها، فجميعنا يعرفها. في هذه التدوينة، كتبت بعض النصائح في القراءة وأظنها قد تكون مفيدة لكم:

تعرف على الكاتب ودار النشر:
من المهم أن تعرف جهة النشر التي أصدرت هذا الكتاب، هل هي حكومية أم جهة تعتني بثقافة معينة ولها توجهات فكرية محددة؟ هل هي دار تعني بالفكر أم بالربح والإنتشار فقط؟ هذا سيساعدك على تقييم مبدئي للكتاب قبل أن تقرأه. ثم تعرّف على الكاتب، ماهو تخصصه؟ ما الذي جعله يكتب هذا الكتاب؟ ماهو توجهه الديني أو السياسي؟ ثم اربط موضوع الكتاب بالكاتب، على سبيل المثال، إذا كان الكتاب عن قضية نسائية، فماهو جنس الكاتب ولماذا – إن كان ذكراً- اختار أن يكتب عنها؟ إذا كان الكتاب عن الحرية، فهل سُجن مؤلفه قبل ذلك ليكتب عن الحرية؟
ليس صحيحاً بأن الكتاب الجيّد يصدر عن المؤلف الجيّد فقط، فقد تجد كاتباً مغموراً يكتب كتاباً ممتازاً، لكن الكثير منا لا يريدون أن يضيعوا أوقاتاً ثمينة في استكشاف المؤلف الجيّد بقراءة الكتاب، لذلك تعرّف على الكاتب أولاً قبل أن تقرأ كتابه.

ابحث عن الأفكار:
الكتاب يقدم لك الكثير من حياة وعلم وتجارب الكاتب في أفكاره المدونة. لا تقرأ الكتاب بحثاً عن المعلومات فقط، تستطيع أن تفعل ذلك باستخدام محرك البحث قوقل للبحث عن أي معلومة كانت. ابحث عن الأفكار، اسأل نفسك ماذا يريد مؤلف الكتاب أن يوضّح عندما ألف كتابه؟ كيف توصّل إلى أفكاره المدوّنة في هذا الكتاب؟ هل استند على براهين دعمت أفكاره ؟ إلى من يريد الكاتب أن يصل بكلماته هذه؟
كثيرون هم ديدان الكتب، لكن لا تظهر عليهم أي تطورات واضحة في أفكارهم لأنهم يقرأون بحثاً عن القصة أو المعلومة. تخيّل أن هناك شخصاً مفكّراً دَرَس ودرّس وسافر واختلط بالناس وواجه العديد من المصاعب، ثم ألف كتاباً، قراءتك لكتابه تعني أنك حصلت على فرصة عظيمة ليخاطبك هذا الشخص لمدة ساعات ويعرض عليك أفكاره، فلا تفوّتها بحثاً عن المعلومات.

اقرأ بعين ناقدة:
اسأل نفسك في أي زمان ومكان كُتب هذا الكتاب؟ قد يكون الكاتب منحازاً إلى جماعة معينة، أو إلى أفكار معينة ويظهر انحيازه هذا في كتاباته. ابحث عن حجج المؤلف في الكتاب وقيّمها، هل هي مخالفة أو موافقة لما قرأته مسبقاً؟ وإن كانت مخالفة فهل هي أقوى من حجج السابقين؟
تستطيع أن تربط الكتاب بالأحداث الحالية أو بتجاربك الشخصية، لأن الكتاب أحياناً مرآة لقارئه. إذا كان الكتاب رواية، فكيف هي لغة الكاتب الأدبية؟ هل استطاع أن يجعلك تشعر بشخصيات الرواية؟ ماهي فلسفة المؤلف في هذه الرواية؟

اقرأ في الكتب المخالفة لأفكارك:
من غير الممكن أن تتطور شخصيتك وأنت تقرأ لأشخاص يوافقون تفكيرك منذ نشأتك. إلى أي الفريقين كنا سننتمي عندما منعت قريش الناس من استماعهم لكلام يُخالف ما اعتادوا عليه؟ اقرأ وفكّر بعقلك وتذكّر أن الله تعالى خاطب (أولي الألباب) أو أصحاب العقول في القرآن ست عشرة مرة، وابن حزم يقول (لولا العقل لم يعرف اللهَ أحدٌ)، ولولا تعقّل ابراهيم عليه السلام ونبذه للأفكار التي نشأ عليها قومه لما استدل على رب العالمين. لا تقلق من الذين يخبرونك بأن هذه الكتب تلوث أفكارك، فمادمت لست متكبراً و تبحث عن الحق فسوف تجده وإن ضللت قليلاً، كما اهتدى ابراهيم عليه السلام بعد أن قال عن الشمس والقمر (هذا ربّي).
ثم إن قراءتك في الكتب المخالفة لأفكارك تجعلك تعتاد على تقبّل الآخرين وتوجهاتهم المختلفة عنك من غير أن تتبناها.

اقرأ الروايات الكلاسيكية:
مارك توين يقول ” لا يوجد فرق بين الأمّي والشخص الذي لا يقرأ كتباً جيدة”، والكلاسيكيات تُعتبر من الكتب الجيّدة. تستطيع أن تتعرف على العديد من المشاعر تجاه المواقف المختلفة والتي لم تجربها من خلال الكلاسيكيات، وبمساعدتها، ستتفهم أوضاع البشر وتقلباتهم بين الخير والشر. المؤلفون الكبار أبدعوا في تصوير مشاعر الشخصيات ونفسياتهم ولذلك رواياتهم|مسرحياتهم هذه خالدة. ستشعر بالأب المقهور في الملك لير، وبطعنة الأصدقاء في يوليوس قيصر، وبأنانية المرأة – سكاريت أوهيرا- في ذهب مع الريح، وبالوحدة بمعناها الحقيقي في روبنسون كروزو، وبذُلّ الملوك في مسرحية ريتشارد الثالث، وبحب الأم في آنا كارنينا، وحتى مشاعر الحب المختلفة كحب جين آير لرجل في سن والدها

الكلاسيكيات مهمة تجعلك تحس بالإنسان وإن أخطأ بعيدا عن القيم المطلقة وكتب الأخلاق والمثاليات لأنك ستتفهم جيداً لماذا أخطأ. نحن نكبر مع فكرة أن في العالم لونين فقط  هما الأبيض والأسود، لكن مع تجارب الحياة نكتشف بأن هناك ألواناً عديدة غير هذين اللونين- رواية البؤساء لفيكتور هيغو بالمناسبة مفيدة في التعرف على هذه الألوان-. العلم وحده ليس كفيلاً بأن يجعلك انساناً، لابدّ من الإطلاع على الأعمال الأدبية والفلسفة. انظر إلى من يشتغل في الطب أو الهندسة أو غيرها من العلوم وانضم إلى الجماعات الإرهابية، فهؤلاء لايرون العالم إلا بلونين فقط

اقرأ التاريخ:
“من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس إلى قلبه أبداً، وسوف يرى الدنيا أياماً يدوالها الله بين الناس”.
اقرأ التاريخ بأقلام المنتصرين والمهزومين. إن استطعت أن تجد كتاباً في التاريخ كُتب بيد المهزوم أو من أشخاص ليس لهم علاقة بالمنتصرين أو المهزومين فاقرأه. مع انتشار وسائل التواصل الإجتماعية، ستتفاجئ بوجود الكثير من التدليس في الأخبار التي تعايشها، فكيف تحكم على تاريخ كُتب من مصدر واحد – المنتصر- قبل ظهور الإنترنت؟
اقرأ عن الدول العظيمة التي تسمع عنها و تتفاخر بها، وسوف تتفاجئ أن عظمتها بُنيت على عظام المساكين والفقراء.

تفاعل مع الكتاب:
لا تقرأ الكتاب دون أن تتفاعل معه. احمل في يدك قلماً تخط به الجُمل التي أثارت انتباهك، و دوّن رأيك وتعليقاتك في هوامش وصفحات الكتاب. استخدم رموزك الخاصة بك، على سبيل المثال تستطيع أن ترسم نجمة بجانب جملة مهمة، قلباً بجانب اقتباس يعجبك، أو علامة تعجب بجانب جملة تود الرجوع إليها لاحقاً. إذا واجهت كلمة دون أن تعرف معناها فابحث عنها في قوقل. تحدث عن الكتاب مع أصدقائك، وشاركهم رأيك عنه وعن مؤلفه. بإمكانك أن تشارك بمقتطفات من الكتاب معنا عبر وسائل التواصل الإجتماعية المختلفة. عند الإنتهاء من قراءة الكتاب، افتح مذكرة في جهاز الكمبيوتر لديك ثم اكتب الإقتباسات التي أحببتها في هذا الكتاب، هذه الطريقة تجعلك تعود إليها بين حين وآخر باستخدام خاصية البحث. لديّ مجلد اسمه (ملخصات) أضع فيه بعض الإقتباسات التي أعجبتني خلال قراءتي للكتاب، وأستطيع أن أبحث عن أي كلمة أو مصطلح يهمني لاحقاً .

ملخصات
إن استطعت أن تنضم إلى نادي للقراءة فأنت محظوظ، هنا تدوينة جميلة كتبها سلطان العامر بعنوان (كيف تؤسس مجموعة قراءة؟) تفيدك بهذا الشأن.

اشترك في موقع goodreads
فهناك أشخاص مثلك مهتمون بالقراءة، ستُعجب حتماً بالحماس للقراة الذي يسود هذا الموقع. تستطيع أن تطّلع على آراء الآلاف من القرّاء حول الكتب التي قرأوها وتقييمهم لها.

غيّر قراءتك للكتاب من مجرد فهم واستمتاع إلى تطبيق عملي: مثلاً إذا عرفت معنى الحرية من أدب السجون فلا تصادر حرية غيرك، إذا عرفت معنى الصهيونية فلا تطبّع.

تمهل في القراءة:
اقرأ الكتاب بتركيز حتى تستوعبه، يجب أن يهضم عقلك الكتاب، من المفترض أنك لست في سباق لتتفاخر أمام الناس بكمية الكتب التي قرأتها. كلنا نستطيع أن نقرأ كتاباً في يوم واحد، لكن من الصعب أن تقرأ كتاباً يحتوي على أفكار كثيرة في يوم أو يومين. علي عزت بيجوفتش يقول أنه لابد من وجود فاصل للتفكير الضروري عند القراءة “لكي يُهضم المقروء ويُبنى ويتبنى ويُفهم”.

هذه النصائح عن تجاربي الشخصية مع القراءة، أرجو أن أكون قد وُفقّت في توضيحها. نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله

0 thoughts on “كيف نقرأ؟

شاركني رأيك