بقلم: مارك مانسن
المرحلة الأولى: التقليد
نولد عاجزين. لانستطيع المشي، أو الكلام، أو إطعام أنفسنا، ولا حتى دفع الضرائب.
تعلمنا في طفولتنا أن نراقب الآخرين ونقلدهم. نتعلم أولًا المهارات الجسدية مثل المشي والكلام. ثم المهارات الإجتماعية، ونتعلم في آخر طفولتنا كيف نتبنى ثقافتنا عن طريق ملاحظة القوانين والتقاليد من حولنا ومن ثم محاولة التصرف على النحو الذي يتقبله المجتمع.
الهدف من المرحلة الأولى هو تعليمنا كيف نتأقلم مع المجتمع بحيث نكون أشخاصًا مستقلين ومكتفين ذاتيًا. تقوم الفكرة على أن البالغين حولنا يساعدونا في تخطي هذه المرحلة من خلال دعمنا في اتخاذ القرارات بأنفسنا.
لكن قد يكون هؤلاء البالغين -وحتى المجتمع- غير أكفاء، فيعاقبوننا بسبب استقلالنا ولا يدعمون قراراتنا. وبالتالي لانستطيع أن نكون مستقلين. فنعلق في المرحلة الأولى، وبالتالي نستمر في تقليد من حولنا إلى مالانهاية، راجين أن نٌرضي الجميع حتى لاينتقدونا.
بالنسبة للشخص العادي، تستمر المرحلة الأولى في حياته حتى نهاية المراهقة وبداية الرشد. ومن الممكن أن تستمر عند بعض الأشخاص في مرحلة الرشد. قد يستيقظ البعض يومًا في عمر ال٤٥ مدركين أنهم لم يعيشوا الحياة لأنفسهم، متسائلين أين كانوا طوال هذه السنوات.
هذه هي المرحلة الأولى. التقليد. البحث عن رضا الآخرين وموافقتهم. واختفاء الفكر المستقل والقيم الذاتية.
يجب أن نكون واعين بالمعايير والتوقعات التي يضعها الناس من حولنا. لكننا يجب أيضًا أن نكون أقوياء بما فيه الكفاية لأن نتصرف رغمًا عن هذه المعايير والتوقعات عندما نشعر بضرورة ذلك. يجب أن نطور من قدرتنا على التصرف بأنفسنا لأنفسنا.
المرحلة الثانية: اكتشاف الذات
في المرحلة الأولى، نتعلم أن نتعايش مع الناس والعادات من حولنا. أما المرحلة الثانية فنحن نتعلم كيف نكون مختلفين عن الآخرين. تتطلب منا المرحلة الثانية أن نبدأ باتخاذ القرارات لأنفسنا، وأن نختبر أنفسنا، وأن نفهم ذواتنا جيدًا مما يجعلنا ذلك مميزين عن الغير.
تتضمن المرحلة الثانية الكثير من التجارب والأخطاء. نحن نختبر الحياة في أماكن جديدة، والخروج مع ناس جدد.
في المرحلة الثانية، زرتُ أكثر من ٥٠ دولة. أما المرحلة الثانية بالنسبة إلى أخي فكانت الانخراط في النظام السياسي في واشنطن دي سي. المرحلة الثانية مختلفة لأن كل شخص مختلف عن الآخر.
المرحلة الثانية هي مرحلة اكتشاف الذات. نجرب أمورًا قد تنجح وقد تفشل. لكن الهدف هو الاستمرار مع الأمور التي نجحت معنا.
تدوم المرحلة الثانية حتى نبدأ بالجري خارج حدودنا. وهذا لايناسب الكثير من الناس، وقد تخبرك أوبرا وينفري أو ديباك تشوبرا بهذا، لكن اكتشاف حدودك الخاصة هو أمر جيد وصحي.
في هذه المرحلة سوف تكون سيئًا في بعض الأمور مهما حاولت. وتحتاج أن تعرف هذه الأمور. لا أميل إلى التفوق في أي أمر رياضي بسبب جيناتي، وكان هذا أمرًا مزعجًا لأدركه، لكني أدركت ذلك.
توجد العديد من الأمور العظيمة لكنها تبدأ في ”الانتاجية الناقصة“ بعد عدة سنوات. مثل السفر حول العالم على سبيل المثال.
حدودك أو قيودك هي مهمة لأنك في النهاية سوف تدرك أن وقتك في هذا العالم هو محدود، وبالتالي يجب أن تقضيه على الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليك. وهذا يعني أن تستوعب أن مقدرتك على فعل شيء ما لا يعني أنه يجب عليك أن تفعله. وهذا يعني أيضًا أن تدرك أن محبتك لأشخاص معينين لا يعني أنه يجب أن تكون معهم. وهذا يعني تفهم أن هناك تكلفة بديلة لكل شيء ولاتستطيع أن تنتهز كل الفرص.
بعض الأشخاص لايسمحون لأنفسهم بأن يشعروا بوجود القيود لأنهم إما يرفضون الاعتراف بفشلهم، أو لأنهم يوهمون أنفسهم بأنه لايوجد هناك أي قيود. هؤلاء سيعلقون في المرحلة الثانية.
هؤلاء هم “رواد الأعمال” الذين يبلغون ال٣٨ من العمر ويعيشون مع أمهاتهم، وليست لديهم القدرة على جني المال بعد ١٥ سنة من المحاولة. هؤلاء هم “الممثلون الملهمون” الذين مازالوا ينتظرون طاولاتهم ولم يستطيعوا تقديم أي دور خلال عامين. هؤلاء هم الأشخاص الذين لايستطيعوا الاستقرار في علاقة طويلة لأنهم مازالوا يشعرون دائمًا أن هناك شخصًا آخر أفضل. هؤلاء هم الأشخاص الذين يكنسون أخطائهم على جنب وينتجون سلبية في الكون.
يجب أن ندرك حقيقة حتمية مفادها أن الحياة قصيرة، وليست كل أحلامنا ستصبح واقعًا. لذلك يجب أن نختار بعناية ماهو الأفضل لنا ونلتزم به.
لكن الناس يعلقون في المرحلة الثانية في أغلب أوقاتهم في محاولة إقناع أنفسهم بأن الأمر هو عكس ذلك: أنهم بلاقيود، ويستطيعون تجاوز هذا كله، وأن حياتهم عبارة عن نمو مستمر، مع أن غيرهم يرون بوضوح بأنهم بالكاد يركضون في مكانهم فقط.
بالنسبة للشخص العادي، تبدأ المرحلة الثانية في منتصف الرشد إلى آخره، وتستمر إلى منتصف العشرينات أو الثلاثينات. نستطيع تصنيف الأشخاص الذين يبقون في المرحلة الثانية ب “بيتر بان” بسبب الشباب اللانهائي، يكتشفون أنفسهم بشكل دائم لكن لايجدون شيئًا.
المرحلة الثالثة: الالتزام
في اللحظة التي تضغط فيها على حدوك وتكتشف قيودك (الرياضية أو فنون الطهو مثلًا)، أو تكتشف فيها إنتاجيتك المتناقصة لبعض النشاطات مثل (الحفلات، أو ألعاب الفيديو، أو ممارسة العادة السرية) ستجد أن لديك شيء مهم، أو ستكتشف الشيء الذي لست سيئًا فيه. حان الوقت لأن تضع بصمتك في العالم.
المرحلة الثالثة هي التعزيز الحقيقي للشخص في الحياة. ستتخلى عن الأصدقاء الذين استهلكوك أو منعوك من الاستمرار. وستترك النشاطات والهوايات التي تضيع من وقتك. وستستغنى عن الأحلام القديمة التي لن تصبح واقعًا.
بعد ذلك، ستبذل جهدك في الأمور التي تتفوق فيها والتي تحبها. وستبذل طاقتك في العلاقات الأكثر أهمية بالنسبة إليك. وستعطي كل اهتمامك لمهمة واحدة في الحياة، سواء كان ذلك العمل على مشكلة الطاقة في العالم، أو أن تصبح مصمم جرافيك، أو تكون خبيرًا في الدماغ، أو أن يصبح لديك أطفالًا. إذن، فالمرحلة الثالثة هي أن تفعلها.
المرحلة الثالثة أن تزيد من احتمال وجودك في هذه الحياة، عن بناء الإرث. مالذي ستتركه خلفك بعد وفاتك؟ ما الذي سيتذكرك الناس به؟ سواء كان ذلك بدراسة مهمة أو بمنتج جديد أو حتى بالإهتمام بعائلتك. المرحلة الثالثة هي أن تجعل العالم مختلفًا عما هو عليه الآن.
تنتهي المرحلة الثالثة بمزيج من أمرين:
١- تشعر أنه ليس هناك الكثير لإنجازه،
٢- تشعر بأنك كبير في السن ومرهق وتحتاج إلى الراحة واللهو طوال اليوم.
بالنسبة للشخص العادي، فإن المرحلة الثالثة تدوم مابين الثلاثينات حتى يصل المرء إلى مرحلة التقاعد. والأشخاص الذين يظلون في هذه المرحلة لايعلمون كيف يتحررون من طموحاتهم أو طمعهم في الحصول على المزيد. فانعدام القدرة على التخلي عن القوة والتأثير الذي يريدونه يجعلهم جوعى حتى سن ال٧٠ أو ال٨٠ من أعمارهم.
المرحلة الرابعة: الإرث
يصل الكثير من الناس إلى المرحلة الرابعة بعد أن قضوا نصف قرن مستثمرين فيما اعتقدوا أنه مهم وذو معنى. فعلوا أشياء عظيمة، عملوا بجد، زرعوا ماحصدوه، من الممكن أنهم كوّنوا عائلة أو عملا خيريًا أو سياسيًا، لكنهم الآن قد انتهوا. بلغوا من العمر الذي لاتسمح به طاقاتهم وظروفهم بأن يستمروا بمقاصدهم لأبعد من ذلك.
الهدف من المرحلة الرابعة ليس خلق إرث بمقدار التأكد من أن هذا الإرث سيستمر لما بعد الموت. وهذا قد يكون بسيطًا مثل تشجيع ونصح أطفالهم (الذين كبروا الآن). وقد يعني أيضًا تمرير مشاريعهم وأعمالهم إلى خلفائهم. وقد يعني كذلك أن يكونوا نشطاء أكثر ليحافظوا على القيم في مجتمعهم الذي لم يصبح مألوفًا كما السابق.
المرحلة الرابعة هي مهمة نفسيًا لأنها تجعل من واقع فناء الشخص أمرًا محتملًا. كبشر، لدينا احتياج عميق لأن نشعر بأن حياتنا تعني شيئًا. هذا يعني بأننا نواصل البحث عن حيل الدفاع النفسية ضد الحياة المبهمة وحتمية موتنا.
حسنًا، ما المقصود من هذا كله؟
إن النمو خلال هذه المراحل يضمن لنا تحكم أفضل بسعادتنا وصحتنا.
ففي المرحلة الأولى، يعتمد الشخص بشكل كلي على تصرفات الناس ورضاهم ليكون سعيدًا. وهذه استراتيجية بائسة لأن الآخرين لايُعتمد عليهم ولانتوقع أفعالهم.
أما المرحلة الثانية، يصبح الشخص معتمدًا على نفسه، لكنه يظل معتمدًا على النجاح الخارجي ليكون سعيدًا -جني المال، الأوسمة، الانتصارات.. الخ- كل هذا متحكم فيه أكثر من الناس، لكنه غير متوقع على المدى البعيد.
المرحلة الثالثة تعتمد على العلاقات والتجارب التي أثبتت أنها قوية خلال المرحلة الثانية. أما المرحلة الرابعة فتتطلب أن نتمسك بما أنجزناه لأطول فترة ممكنة.
في كل مرحلة، توجد السعادة بشكل أكبر في القيم الداخلية التي تحكّمنا بها، وبشكل أقل في الأمور الخارجية للعالم المتغير دائمًا.
الصراع خلال المراحل:
المراحل الأخيرة لا تُعوض المراحل الأولى. بل تتجاوزها. فالأشخاص في المرحلة الثانية مازالوا مهتمين برضا المجتمع. ومهتمين كذلك بشيء أكثر من رضا المجتمع. أما أشخاص المرحلة الثالثة فهم مازالوا مهتمين بتجربة حدودهم، وكذلك مهتمين أكثر بالتزاماتهم التي صنعوها لأنفسهم.
تقدم كل مرحلة عرضًا بأولويات المرء. لهذا السبب تتداعى العلاقات والصداقات بسبب انتقال الشخص من مرحلة إلى أخرى. فإذا كنت في المرحلة الثانية، وفجأة أردت الاستقرار والالتزام بالعمل في المرحلة الثالثة، بينما أصدقائك مازالوا في المرحلة الثانية، فسوف يكون هناك فجوة بين قيمك وقيمهم والتي ستجد صعوبة في تجاوزها.
يستعرض الناس هذه المراحل الأربعة أمام غيرهم. فالأشخاص في المرحلة الأولى سوف ينتقدون غيرهم من خلال قدرتهم على الحصول على موافقة المجتمع. والأشخاص في المرحلة الثانية سوف ينتقدون غيرهم من خلال قدرتهم على تخطي الحدود وتجربة أمور جديدة. أما الأشخاص في المرحلة الثالثة فسوف ينتقدون غيرهم من خلال الالتزامات التي تعهدوا بها وكذلك من خلال إنجازاتهم. والأشخاص في المرحلة الرابعة سوف يحكمون على غيرهم من خلال القيم التي اتخذوها لحياتهم.
أهمية الصدمة:
غالبا مايُصور التطور الذاتي بأنه أمر إيجابي مثل مرحلة وردية تتضمن الكثير من المتعة والتجول في حقول الأزهار. لكن الحقيقة أن الانتقال بين مراحل الحياة تسببه المصائب أو الصدمات في حياة الشخص. مثل تجربة الطلاق، أو علاقة صداقة فاشلة، أو موت شخص مقرب.
الصدمات تجعلنا نرجع إلى الوراء ونقيّم أعمق محفزاتنا وقراراتنا. فهي تسمح لنا بأن نفكر جيدًا في مدى جدوى الطرق التي اتخذناها في البحث عن السعادة.
ما الذي يجعلنا عالقين؟
هناك أمر واحد يجعلنا عالقين في كل مرحلة: الشعور بالقصور الذاتي
يعلق الناس من حولنا في المرحلة الأولى لأنهم يشعرون بأنهم متخلفون عن الناس، وبذلك يضعون كل جهدهم في استيفاء الشروط التي يضعها غيرهم من أجل أن يراها الناس. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون أن ذلك ليس كافيًا.
يعلق الناس في المرحلة الثانية لأنهم يشعرون بأنه يجب عليهم أن يفعلوا المزيد، والأفضل، والجديد، والأكثر إثارة. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون دائمًا أن مايفعلونه ليس كافيًا.
أما المرحلة الثالثة، فيعلق الناس فيها لأنهم يشعرون بأنهم لم ينتجوا التأثير الكافي في هذا العالم. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون دائمًا أن مايفعلونه ليس كافيًا.
ويستطيع الشخص أن يقول أن الأشخاص العالقين في المرحلة الرابعة يشعرون بعدم الأمان لأن إرثهم لن يدوم وينتقل إلى الأجيال القادمة. فيروجوا لإرثهم حتى الرمق الأخير، ومع ذلك يشعرون أن ذلك غير كافيًا.
الحل في كل مرحلة هو العودة إلى الوراء. فإذا أردت أن تتجاوز المرحلة الأولى يجب عليك أن تتقبل أنك لن تكون مرضيًا للناس طوال الوقت، وبالتالي يجب أن تتخذ قراراتك بنفسك.
ولتجاوز المرحلة الثانية، يجب أن تتقبل فكرة أنك لن تفعل كل شيء تحلم به وترغب فيه، وبالتالي يجب أن تركز في مايهمك بشكل أساسي وتلتزم به.
ولتجاوز المرحلة الثالثة، يجب أن تدرك أن الوقت والطاقة هما محدودان، وبالتالي يجب أن تعيد تركيزك في لمساعدة الناس بدلًا من بدء مشاريع جديدة.
أما بالنسبة للمرحلة الرابعة، فتجاوزها يعني أن تفهم جيدًا أن التغيير هو أمر حتمي، وأن تأثير شخص ما – مهما كان عظيمًا وقويًا ورائعًا- سيتلاشى في النهاية.
وتستمر الحياة.
مقالة مترجمة بتصرف عن مارك مانسن
Four Stages of Life
نجلاء، احب كتابتك تدويناتك وكل مرة اتعلم شيء جديد يخليني اتفكر وأتأمل. شكراً لك .. ودائماً افرح برسائل التنبيه لتدويناتك الجديدة ✨♥️
شكرًا غادة ❤️ أتمنى لكِ انشراح الصدر مثلماأسعدتيني بتعليقك اللطيف هذا
مبدعةٌ انتي ، دخلت بالصدفة على مدونتك و يبدو إن ايامي القادمة ستكون عبارة عن تكية هنا 🤍🤍
ممتنة للصدفة التي جعلتكِ تقرأين تدويناتي