في طفولتي كنت أتعجب من الكبار الذين يوجهون الكلام إلي باعتباري طفلة صغيرة في السن، فكيف استنتجوا أصلًا أني صغيرة؟
لم أكن أدرك ببساطة أن جسدي حينها صغير الحجم، وأن ملامحي-بالطبع- طفولية. كنت أرى نفسي كالكبار، فأنا لا أصرخ كالأطفال ولا أتصرف مثلهم كما أعتقدت، وتغيظني جملة “عندما تكبرين سوف تعرفين معنى..” لأني مثلكم أيها الكبار لستُ صغيرة، وأعرف كل شيء، ولديّ معلومات قيّمة تعلمتها من صفحة الأصدقاء في مجلات ميكي وماجد، بل واقرأ من كتب أبي أحيانًا.
حتى العين السحرية على الأبواب، كنتُ أؤمن بأنها صُنعت لطوال القامة! اعتقدت بأنني قصيرة فقط ولم يخطر في بالي يومًا أنني سوف (أكبُر) وأتمكن من الرؤية خلالها. ماهذا؟ ألم أنظر إلى نفسي في المرآة؟ لا أدري، لم أكن استخدم المرآة إلا من أجل تنظيف أسناني!
كانت لدينا طاولة حمراء صغيرة وكراسي نستخدمها أنا وأختي في اللعب والرسم، كما كنا نستعرض الحلويات عليها ونقسمها أو نتبادلها فيما بيننا.
كان منظر الحلويات رائعًا وكنا نستلذ برؤيتها مرصوصة فوق الطاولة. كنت أدعو البالغين إلى الجلوس على الطاولة عندما يلعبون معي، فيخبرونني بأن الكرسي صغير عليهم. صغير؟ أعتقدتُ بأن المشكلة كانت بالأحرى مع أوزانهم. بعد سنوات عديدة، كانت دهشتي عظيمة عندما اكتشفت بأن الكرسي ضاق بي ولم أستطع الجلوس عليه كما اعتدت، لقد كبرتُ حقًّا!
ذات يوم وبعد أن دهنت أمي رأسيْنا بالزيت من أجل أن نستحم لاحقًا، اشتهينا أنا وأختي حلوى كانت تُباع في البقالة الملاصقة لبيتنا. توفر لدينا مبلغ من المال تبقى من مصروف المدرسة. قرارنا كان سريعًا إذ ذهبنا إلى البقالة على الفور بصحبة السائق الجديد، وبشعورنا المُزيّتة والمرفوعة. وضعت أمي يدها على رأسها عندما رأتنا قادمتيْن ومحملتيْن بأكياس هزيلة من البقالة.
أين كنتما!؟
في البقالة! اشترينا بعض الحلويات!
بالطبع استمعنا إلى محاضرة طويلة من أمي وأبي. فكيف نخرج هكذا بدون استئذان وبصحبة رجل غريب؟ كان استغرابنا الأشد أنه ما الحاجة إلى كل هذا، وكيف نستأذن والبقالة قريبة من البيت؟ لسنا صغارًا!
مع مرور الأعوام، توقّفت عن الإدعاء بأنني كبيرة في السن، لم أعد صغيرة. لستُ صغيرة، لم أعد استعرض حلوياتي، ولا أعرف كل شيء كما كنت أعتقد في طفولتي. وبت أفهم جيّدا لم يتضايق بعض الأطفال عندما يتجاهلهم الكبار ويستصغرونهم.
قبل أيام استخدمت تطبيق “أوبر”، وكم كانت فرحة السائق الجزائري كبيرة عندما علم بأنني عربية، إذ أخذ يُحدّثني عن مساوئ الغربة، وأخبرني بأنه لايستطيع أن يقيم حوارًا مع كندي غريب عنه بسهولة -فيما عدا الحوارات السطحية التي تدور حول الطقس-، بينما يستطيع أن يتحدث إلى أي عربي لاشتراكه معه في الثقافة والعروبة والإسلام. أراد أن يُقرّب لي المعنى ليقول أنه على الرغم من الفارق الكبير بين عمره وعمري، إلا أنه يستطيع أن نتحدث في مواضيع مشتركة بسهولة، فسألني:
-كم عمرك يانجلاء؟ ٢٢ سنة؟
-شيء زي كذا
-زي كذا؟ ااه قالوا ماتسأل المرأة عن عمرها، سبحان الله.. المرأة مخلوق عجيب! هاها
مخلوق عجيب؟ غفرت له، فقد قدّر أنني أبلغ من العمر ٢٢ سنة!
استمتعت بقراءة هذه التدوينة بشدة!
يبدو انك متفردة في تفكيرك منذ الصغر ماشاء الله
كنت أشبهكِ عندما كنتِ صغيرة..لكني تغيرت أصبحت سيئة جداً عندما كبرت سيئة من الداخل وغير مرئيّة من الخارج ،رغم اني عندما كنت صغيرة كنت لا اخجل ان اظهر نفسي رغم ان الجميع كانوا يتظاهرون باني غير مرئيّة او ربما كانوا لايروني لقصر قامتي ونحول جسدي .
لا أعرف لماذا ،ولكني أردتك أن تعرفي .
كل الودّ والحب 😪💛💛💛.
جميلة هي الذكريات و الأجمل إسلوبك السلس في الكتابة حقا رائع. ذكرني بقصص الأطفال.
رافقني هذا الشعور احيانا عندما كنت طفلة اعتقد ان الاطفال لا يفهمو كم من الممتع كونك صغير حتى تكبر
نومت وصحيت وباقي اقرء في تدويناتك انا كانت تستفزني لمن تكبري تفهمي ولين دحين لمن تكبري تفهمي احس الفهم بالتجارب بالقراءه مو بالعمر يعني الناس المنغلقه ع نفسها حتى لو زادت في العمر ما زادت في المعرفه