بيئتك: اليد الخفية في تحديد فرص نجاحك

هذه مقالة نُشرت في الهافنتغتون بوست عن دور البيئة المهم في تشكيل سلوك الإنسان، وأحببت أن أترجمها لكم
من الأسهل لنا أن ننسب الفشل إلى نقص في الإرادة أو الموهبة، وأن نعزو النجاح إلى العمل المتواصل والجهد والإصرار. لاشك في أن هذه الأمور مهمة، لكننا إذا أردنا أن نعرف كيف يتشكل سلوك الإنسان خلال فترة من الزمن سنكتشف أن الدوافع (وحتى الموهبة) مُبالغ في تقديرها. لأن البيئة تشكل أهمية أكبر في كثير من الأحوال.

دعوني أشارككم بمثال أدهشني:
تشكيل سلوك الإنسان: في كتابه الحاصل على جوائز “الأسلحة، الجراثيم، والفولاذ” يُشير العالم جارد دايموند إلى حقيقة واضحة: القارات المختلفة على الكرة الأرضية لها أشكال مختلفة. قد يبدو هذا الأمر من الوهلة الأولى غير مهمًا، لكنه في الحقيقة يحمل تأثيرًا عميقًا على سلوك الإنسان. كيف ذلك؟
على سبيل المثال، الشكل العام للقارتين الأمريكيتين هو الشمال والجنوب. هذا يعني أن الأرض الواسعة لشمال وجنوب أمريكا تميل لأن تكون ذات شكل طويل ونحيف (كما على الخريطة). ومثل ذلك بالنسبة لقارة أفريقيا، المحور الأساسي لشكلها على الخريطة هو من الشمال إلى الجنوب.
continent-orientation
لكن الأمر يختلف بالنسبة لأوروبا، وآسيا والشرق الأوسط. هذا التمدد الضخم من الأراضي يميل لأن يكون ذا شكل شرقي-غربي.
من المثير في الموضوع، أن شكل كل منطقة يلعب دورًا هامًا في سلوك الإنسان خلال القرون. فعندما بدأت الزراعة حول العالم بالإنتشار، كان أسهل على المزارعين التوسع من خلال طرق الشرق-الغرب أكثر من طرق الشمال-الجنوب، وذلك لأن مواقع الأراضي التي تقع على نفس خطوط العرض تشترك في نفس المناخ، وكميات الأمطار ومساحة التعرض للشمس، ولديها تغيرات مشابهة في الفصول. هذا الأمر سمح للمزارعين في أوروبا وآسيا بنقل بعض المحاصيل معهم وزراعتها خلال البقعة الواسعة من الأراضي من فرنسا إلى الصين.

لكن المناخ يختلف بشدة عندما تسافر من الشمال إلى الجنوب. فلتتخيل كيف يختلف الجو في فلوريدا عن كندا. العديد من المحاصيل التي تنمو بشكل ممتاز في الأجواء الدافئة لا تنمو في الأجواء الباردة. ومن أجل نشر المحاصيل بين الشمال والجنوب، يحتاج المزارعون إلى إيجاد نباتات جديدة محلية كلما تغير المناخ.

وكنتيجة لهذه الإختلافات البيئية، انتشرت الزراعة بشكل أسرع بضعفين أو ثلاثة أضعاف في آسيا وأوروبا عن القارتين الأمريكيتين. وكان لهذا الأمر أثر كبير خلال القرون، إذ أن الطعام المنتشر في أوروبا وآسيا سمح لعدد السكان فيها أن ينمو بشكل أسرع في هذه المنطقة. وبوجود عدد سكاني أكبر، كانت الحضارات الإنسانية في أوروبا وآسيا تستطيع أن تبني قوة عسكرية، وتطور تقنيات واختراعات جديدة.

هذه التغييرات بدأت صغيرة – بمحصول انتشر بسرعة أسهل، وعدد سكان ازداد بشكل أكبر- لكنها أصبحت مع مرور الوقت اختلافات جوهرية. وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى، إلا أننا نستطيع القول أن شكل القارات كان سببًا مهمًا في جعل الأوروبيين أكثر قوة، وفي استعمارهم لأمريكا الشمالية والجنوبية.

اليد الخفية:
البيئة هي اليد الخفية التي تشكل سلوك الإنسان. نميل إلى الإعتقاد بأن عاداتنا هي نتاج دوافعنا، مهاراتنا، ومجهوداتنا. بالطبع هذه الميزات مهمة، لكن المفاجأة أن البيئة حولك -خاصة بعد مرور وقت طويل- تسيطر على الصفات المميزة لشخصيتك.
تخيّل أنك تريد أن تزرع الطماطم في شتاء كندا، تستطيع أن تكون من أمهر المزارعين في العالم لكن هذا سوف لا يشكل أي فرق، إذ أن الثلج غذاء سيء للتربة.

ليس هناك دليل على أن المزارعين في أوروبا وآسيا كانوا أفضل أو لديهم دوافع أكبر من المزارعين في بقية العالم. لكنهم استطاعوا أن ينشروا الزراعة بشكل أسرع -بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف- عن بقية المزارعين. إذا أردت أن تزيد من فرص نجاحك، فلابد أن تعمل في بيئة تزيد من سرعة إنتاجك بدلًا من أن تعيقها.

كيف تخلق بيئة أفضل؟
1- اتخذ قرارات جيّدة
على سبيل المثال، شراؤك لأطباق أصغر يساعدك على خسارة الوزن لأنها تحمل كميات أقل من الطعام. هناك دراسة من جامعة كورنل تقول بأن الناس يأكلون الطعام بشكل أقل بحوالي 22٪ عندما يستبدلون أطباقهم -ذات 12 إنشًا- بأطباق أصغر، 10 إنشات.
وبشكل مشابه، فإن التطبيقات التي تحظر|تقلل من استخدامك لوسائل الشبكات الإجتماعية قد تساعدك في التغلب على تسويفك للمهام.

2- اجعل عاداتك الجيدة تسير مع تيار نظامك اليومي
قبل أعوام قليلة، قامت شركة “بت سمارت” بتغيير إجراءات إنهاء عملية الشراء. فبعد أن يمرر العميل بطاقته الإئتمانية، تظهر شاشة تسأله إذا ماكان يريد أن يتبرع من أجل “إنقاذ الحيوانات المشردة”. بفضل هذه الإستراتيجية، ارتفعت تبرعات بت سمارت إلى 40 مليون دولار أمريكي في السنة.

تستطيع أن تطبق استراتيجية شبيهة بأن تخلق بيئة تلائم فيها عاداتك اليومية مع سلوكيات مفيدة. على سبيل المثال، إذا أردت أن تتمرن على آلة موسيقية، ضعها في منتصف غرفة الجلوس. تستطيع أن ترتاد النادي الرياضي إذا كان يقع على الطريق المؤدي من العمل لمنزلك بشكل أكبر من إذا كان يبعد عن منزلك ب5 دقائق فقط. اجعل عاداتك تسير مع نظام يومك.

3- اطرح التأثيرات السلبية جانبًا
لم يكن لدى المزارعين القدماء الفرصة لأن يتغلبوا فيها على العقبات، لكنك تستطيع. على سبيل المثال، قام مصنع ياباني للتلفزيونات بإعادة تنظيم مساحات أماكن العمل للحفاظ على وقت الموظفين وذلك بإزالة الأشياء التي تعيق تحركاتهم وتعيق وصولهم إلى الأدوات خلال عملهم.
تستطيع أن تتجنب الطعام غير الصحي وذلك بوضعه في أماكن غير ظاهرة وذلك لأن الطعام الذي يكون متوفرًا أمام الأعين على الدوام ينال فرصة أكبر في شرائه وتناوله.

حظ البيئة:
نًسرع في إلقاء اللوم على بيئتنا عندما نفشل. إذا خسرت وظيفتك، فذلك لأن الأوضاع الإقتصادية متردية. إذا خسرت في مسابقة، هذا بسبب أن التحكيم سيء. إذا كنت متأخرًا عن العمل، فذلك بسبب أن الشوارع مزدحمة.
لكننا عندما ننتصر، فإننا نتجاهل البيئة تمامًا. حينها، إذا حصلت على وظيفة، فهذا بسبب أنك موهوب ومحبوب. إذا فزت في مسابقة، فهذا لأنك تلعب بشكل أفضل. إذا وصلت إلى اجتماع مبكرًا، فذلك لأنك شخص نظامي.

من المهم أن نتذكر بأن البيئة هي من يقود سلوكنا الجيد والسيء. الأشخاص الذين اكتسبوا عادات جيّدة يستفيدون من البيئة بشكل أفضل، والأشخاص الذين يكافحون من أجل النجاح هم أيضًا يقاتلون في حرب ضد البيئة. ما يبدو للجميع أنه نقص في الإرادة هو في الواقع بيئة سيئة.

الحياة مثل مسابقة، إذا أردت أن تضمن حصولك على نتائج أفضل خلال فترة من الزمن، فإن أفضل طريقة لذلك أن تلعب في البيئة المناسبة لك. الفائزون ينتصرون بسبب أن بيئتهم جعلت الفوز أسهل. 

0 thoughts on “بيئتك: اليد الخفية في تحديد فرص نجاحك

  1. hessah11 says:

    بالضبط! هذا الي جاء في بالي وأنا أقرء تدوينتك
    احياناً بس لما الواحد يتمعن بحياته ويشوفها بنظرة مجردة وايش الي يناسبه هو من العادات تتغير أشياء كثير
    شكراً لك

شاركني رأيك