كيف حالكم يا أصدقاء؟ مؤخراً قرأتُ كتاباً للفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل عن السعادة وأعجبني فأحببت أن أنقل لكم بعض النقاط الأساسية التي وردت فيه بتلخيص شديد. اسم الكتاب “غزو السعادة” |للتحميل|. أرجو أن تكون هذه التدوينة سببًا في قراءتكم لهذا الكتاب.
في البداية من هو برتراند رسل ولماذا يكون حديثه عن السعادة بهذه الأهمية فيُؤخذ بكلامه؟
هو عالم رياضيات وفيلسوف إنجليزي حاز على جائزة نوبل في الآداب، وله مؤلفات عديدة في الفلسفة والمنطق والرياضيات، على سبيل المثال كتب ورقة بحثية في أكثر من 300 صفحة مع أستاذه الفرد وايتهيد يُثبت فيها بأن 1+1=2
عانى من الإكتئاب في فترة المراهقة لدرجة أنه كان يفكر كثيراً بالإنتحار ولكنه لم يفعل “لأنه أراد أن يتعلم المزيد من الرياضيات”. في هذا الكتاب يعترف رسل بأنه من الأشخاص السعداء في هذا العالم، ويضع فيه فلسفته الشخصية التي يراها عن السعادة.
يستهل رسل كتابه بقوله “الحيوانات تظل سعيدة مادامت في صحة جيدة، ويتوفّر لها الطعام الكافي. ويساورنا الشعور بأن الكائنات البشرية ينبغي أن تكون سعيدة أيضًا ولكن تلك ليست حال الأكثرية في عالمنا الحديث”.
فيقترح حينها بعض التغييرات التي يمكن بواسطتها أن يحقق الفرد سعادته، ويجب التنبيه على أن كلامه موجه للناس الذين يتمتعون بدخل كاف لتأمين الغذاء والسكن ولديهم صحة جيدة يمارسون بها النشاطات الطبيعية العادية، ويستثني منهم من ذاقوا المصائب الكبيرة كالوالدين الذين فقدوا أحد أو كل أولادهما.
يبدأ رسل بسرد أسباب التعاسة، وأولها:
الإهتمام المفرط بالنفس: الإهتمام الذاتي أو الأناني الذي لا يستطيع المرء أن يُحرز تقدمًا بسببه – إلا إذا كتب يومياته من باب مراقبة النفس وتحليلها- هو سبب من أسباب التعاسة. فمن صور هذا الإهتمام هو الشعور الدائم بالخطيئة والشعور بالذنب (تفسير أن كل مصيبة هي غضب من الله تعالى)، عشق الذات أو النرجسية المفرطة، مرض العظمة.
روح المنافسة “أو الصراع من أجل الحياة”: فالتشديد على أن السعادة تأتي من النجاح في المنافسة هو مصدر للشر بالنسبة لبرتراند رسل. وهذه الأيام يُقاس الذكاء للأسف بالنسبة إلى المال الذي يكسبه المرء; فالشخص الذي يكسب كثيرًا هو امرؤ ذكي، والشخص الذي لا يفعل ذلك ليس ذكيًا.
السأم: يقول رسل أن السأم في التاريخ كانت قوة مُحركة للإنسان، ففي عصر الصيد كان الإنسان يجد الإثار في الصيد، وكانت الحرب أخّاذة بالنسبة له. وظهرت الرتابة مع ظهور الزراعة وازدادت مع عصر الآلة.
“تصوّر سأم الشتاء في القرون الوسطى. لم يكن البشر آنذاك يعرفون القراءة أو الكتابة، ولم يكن لديهم سوى الشموع لكي يستضيئوا بها لدى هبوط الليل، ودخان نارهم كان يملأ القاعة الواحدة التي لم تكن باردة. وكانت الطرق تقريبًا غير سالكة، ومن حسن الحظ أن الناس نادرًا ما كانوا يختلفون إلى القرية المجاورة. ولا يدهشنّ أحد إذا ماكان هذا السأم وعوامل أخرى قد دفعت الناس إلى مطاردة الساحرات، ذلك بأن تلك كانت التسلية الوحيد التي استطاعت إدخال البهجة إلى سهرات الشتاء… نحن نسأم أقل مما كان يسأم أجدادنا، ولكننا نخشى السأم أكثر”.
لكن السأم ليس كله شر، فهناك النوع المثمر الذي يجلب الأنشطة الحيوية. ويجب أن يكتسب الإنسان منذ الطفولة القدرة على تحمل الحياة الروتينية، ويقع اللوم على الوالدين في تقديمها لأولادهما الكثير من التسليات السلبية .. فحياة اللهو لا تُثمر مشاريع بنّاءة، بل تجعل أفكار المرء تتوجه نحو نيل لذة مباشرة بدلًا من تحديد هدف بعيد.
التعب: فالتعب الجسدي يوفّر نومًا سليمًا وشهية جيّدة، لكن التعب المفرط خطير ويجعل الحياة لاتُطاق. والتعب العصبي يمثّل أكثر الأخطار في المجتمعات المتقدمة، فالخوف من الطرد من العمل والهموم والقلق أمثلة على ذلك. يخبرنا رسل أنه كان يتهيّب الجمهور عند إلقاء خطاب أمامهم:”كنت أشعر لدى انتهاء الخطاب بأنني مُنهك من فرط التوتر العصبي.. لكنني علّمت نفسي التفكير في أنه لا أهمية مطلقًا لتحدّثي بصورة جيدة أو سيئة، فالعالم سيبقى هو إياه في الحالتين” ومن أحد أعراض التعب النفسي هو أن يعتقد الإنسان أن عمله مهم جدًا ولا يستطيع تأجيله وأنه إذا توقف عن العمل وذهب في عطلة فإن هناك مصيبة سوف تحدث “ولو كنتُ طبيبًا لوصفت العطلة لكل مريض يعتبر عمله مهمًا”. إن خطر التعب العصبي يكمن في كونه حاجزًا بين الإنسان والعالم الخارجي، ويجعله يميل إلى التركيز على بعض الأمور النادرة، فيصبح لا مباليًا بالنسبة إلى سائر الأشياء.
الحسد: هو أقوى أسباب الألم. “هل اتفق لك أن أشدت يومًا بفنان أمام فنان آخر؟ هل أشدت قط بسياسي أمام سياسي آخر من الحزب نفسه؟ هل أطريت يومًا عالِمًا بالآثار المصرية أمام عالِم آخر؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فإنك لا ريب قد أحدثت تفجّرًا للغيرة”. فالحاسد يجعل نفسه تعسًا بسبب حسده، وبدلًا من أن يجد السرور فما يملك، تراه يجني الألم أكثر من الآخرين.
ماسبب الحسد؟ “يقيني أن التعاسة التي تصيب المرء يفي الطفولة تُساهم في حدّ كبير في تنمية الحسد.. والقلب البشري كما شكّلته الحضارة العصرية ميّال أكثر إلى الحقد منه إلى الصداقة”
وماعلاج الحسد؟ “التربية الذهنية وعادة عدم خلق المرء لنفسه أفكارًا لا طائل منها.. قدّر المباهج التي تُعرض لك، وقم بالعمل المطلوب منك
الشعور بالإثم: “فالشعور بالإثم أبعد من أن يُحدث السعادة. إنه يجعل الإنسان تعسًا ويُولّد فيه شعورًا بالدونية
مس الاضطهاد (او الإحساس بأنك محور الكون): “فإذا كان شخص ما يدّعي أنه لا يلقى إلا معاملات سيئة، فإن من المحتمل جدًا أن يكمن السبب في هذا الشخص نفسه، أو أن يكون هو من يخلق إهانات وشتائم ما كان ينبغي في الحقيقة أن يشكو منها” وهؤلاء الذين يفعلون الخير مع الناس ويندهشون من عقوقهم.
هناك أربعة مبادئ تُعالج مس الاضطهاد هذا:
1- لاتنسَ أن دوافعك ليست دائمًا نزيهة
2- لا تستهن مطلقًا بمزاياك الشخصية: فالكاتب المسرحي الذي لا تحظى مسرحياته بالنجاح، يجب أن يواجه الافتراض بأن مسرحياته رديئة ولا ينبذ هذا الإحتمال.
3-لا تتوقع أن يهتم بك الآخرون كما تهتم أنت بهم
4- لا تتصوّر أن غالبية الناس تفكر فيك كفاية لكي يكون لها رغبة خاصة في اضطهادك..فالحكومة البريطانية انهمكت طوال السنوات في التصدى لنابليون، فلو كان هناك شخص أقل أهمية يتصور أن الآخرين يفكرون فيه دومًا، فإنه يكون على طريق الجنون.
الخوف من الرأي العام: إن الخوف من الرأي العام يُوقف التطور، و”قلة هم الذين يسعهم أن يكونوا سعداء إذا لم تكن حياتهم أو تصوّرهم للعالم يحظيان بموافقة أولئك الذين يختلطون بهم، وبخاصة أولئك الذين يحيون معهم”. الجميع يحتاج إلى محيط متعاطف لكي يسعدوا، ولكن يستحيل على الكثيرين التخلص من النقد.
أسباب السعادة:
في اعتقاد رسل بأن هناك نوعين من السعادة:
سعادة بسيطة،حيوانية،انفعالية
وسعادة مرهفة، روحية وفكرية
فالسعادة الأولى هي في متناول كل كائن بشري، والأخرى ليست متاحة إلا لهؤلاء الذين يُتقنون القراءة. وتقدير المرء لذاته أمر ضروري للسعادة، كما أن الإيمان بقضية ما- أو بمعتقد ما- هو مصدر سعادة لكثير من الناس. أيضًا ينصح برتراند رسل بتوسيع الإهتمامات والهوايات الشخصية لكونها مصدر من مصادر السعادة.
لذة العيش: يخبرنا رسل بالخاصية الأكثر شمولية لدى الإنسان السعيد وهو استمتاعه بالعيش. فيعطينا مثالًا جميلًا على ذلك، وهو جلوس الناس على مائدة الطعام. فتجد أن هناك من لايُثير اهتمامه الطعام الشهي، وتجد هؤلاء المحرومين من أنواع معينة من الأطعمة، ثم تجد الذوّاقة الذين يدركون على الفور النقص في أحد الأطعمة، وهناك النهمون الذين ينقضون على الأكل انقضاض الطيور ويكثرون من الطعام، وأخيرًا هناك الذين يبتدأون وجبتهم بشهية جيدة ويأكلون ثم يتوقفون. فالناس الذين يجلسون على مائدة الحياة لهم ردود الفعل نفسها.
يتميّز الشخص الذي يحب الحياة من ذاك الذي لا يحبها، لأنه يعرف كيف يجني فائدة من الاختبارات غير السارة.
المحبة: المحبة التي نتلقى، لاتلك التي تُمنح، توفر لنا الشعور بالأمن الذي يساعد الإنسان على تجنب المخاطر، والاطمئنان تجاه الحياة مصدره بصورة خاصة المحبة.والطفل المحروم-لسبب أو آخر- من محبة والديه سوف يكون مستعدًا للخوف من كل الأشياء ولن يكون بمقدوره مجابهة العالم بروح مرحة ومغامرة وسيشرع باكرًا جدًا في تأمل الحياة والموت والمصير البشري.
الأسرة: محبة الأهل لأولادهم ومحبة الأولاد لذويهم قد تكون من أحد أكبر مصادر السعادة وقد تكون أيضًا مصدر شقاء بالنسبة إلى أحد الطرفين. فأسباب فقدان السعادة في الحياة العائلية في أيامنا الحاضرة مختلفة: لها طابع سيكولوجي، واقتصادي، واجتماعي وتربوي وسياسي.
العمل: إن العمل يستغرق حوالي نصف ساعات اليقظة، ويتوقف عملك على كونك تشعر بالنجاح أو الفشل. فهو يؤمن لك المعيشة، ويمنح حياتك غاية واضحة وينقذك من السأم
الاهتمامات غير الشخصية: الاهتمامات الصغيرة هي التي تملأ ساعات الفراغ وتوفّر استرخاء للتوتر. فأحد مصادر التوتر العصبي والشقاء الأخلاقي والتعب هو العجز عن الاهتمام بكل ما ليس ذا أهمية في الحياة. “ولتحمّل المصيبة بشجاعة عندما تقع ينبغي أن يكون المرء قد كرس نفسه لاهتمامات أوسع، بحيث يستطيع الفكر أن يحضّر للألم مكانًا هادئًا يدعو إلى تداعي أفكار وانفعالات أخرى غير تلك التي تجعل الحاضر صعب الإحتمال”
نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله
قام بإعادة تدوين هذه على Lama The Polyglot .
شكرا لمجهودك في نقل وتلخيص الكتاب
حقيقة ارى ان الكاتب مصيب في اغلب اسباب السعادة واساليب جلبها للنفس .
ممتن لك واتابعك بشغف واستقبل جميع تدويناتك عبر الايميل
الشكر لك على المتابعة وقراءتك لتدويناتي، ممتنة لذلك
اهتيك على السرد المميز..
أسامه القريشي ..تمنياتي لك بالتوفيق
شكرًا لك على أمنياتك الطيبة وعلى مرورك الكريم
جميل جدا.. بارك الله في جهودكي
الله يجمّل أيامك، شكرًا لك على المرور