امتازت قراءاتي لهذه السنة بوجود مؤلفات عبدالفتاح كيليطو بينها- وهو كاتب مغربي- تعرّفت على كتبه من خلال الصديقة أروى، وكم كنت محظوظة بذلك، فقد التهمت كتبه الواحدة تلو الأخرى!
يقول بورخيس “أن تجد قارئًا جيّدًا أصعب من أن تجد كاتبًا جيّدًا”، وهكذا كان كيليطو في كتبه، فمِن قصص ألف ليلة وليلة وبحثه عن شهريار الذي لم يكن ينام أبدًا -واستنتج من ذلك أن أرقه كان سببًا لجنونه القاتل- إلى مطالعاته لكتب الجاحظ ومقامات الحريري وفلسفة ابن رشد وغيرها والتي ندرك منها أنه بالفعل قارئٌ جيد في التراث العربي.
تأثر بورخيس بقصص التراث العربي كثيرًا كما كيليطو. وكلاهما شُغف بقصص ألف ليلة وليلة منذ الصغر، فنلاحظ أن قائمة بورخيس المفضلة للكتب تحتوي على قصص ألف ليلة وليلة، ونجد أن كيليطو في كتبه يتحدث كثيرًا عن الليالي وقصص شهرزاد، وله كتاب لطيف بعنوان “العين والإبرة” وهو دراسة في قصص ألف ليلة وليلة. أما بورخيس، فلشغفه بقصص الليالي حاول أن يتعلم اللغة العربية في سن السابعة والثمانين، لكنه توفي “وفي نفسه شيء من حكايات شهرزاد“.
يولّي كيليطو نصوص التراث جلّ اهتمامه في مؤلفاته ومقالاته، ويتعجّب من هؤلاء الذين يتعالون على الأدب الكلاسيكي “فللأدب الكلاسيكي شفراته الخاصة، ومجموعة معيّنة من الأعراف. وعلى المرء أن يتعب لكي يقرأه”. ويقرأ كيليطو في نصوص التراث العربي فينتقدها جادّا أو ساخرًا ويعلّق عليها ويمنحنا نظرة نقدية وملاحظات جديدة وممتعة، فهو يؤمن بأن النص يخفي سرًا دفينًا يجب أن يكون قارئه مُرتابًا في نوايا المؤلف. استمتعتُ كثيرًا بملاحظاته هذه ووجدتها لذيذة للغاية! وجعلتني بالطبع متلهفة لقراءة التراث. ندمتُ على أنني لم اقرأ ألف ليلة وليلة كاملة رغم وجودها شامخة في مكتبة أبي وعلى أنني اكتفيت في صغري بمطالعات قصيرة، لكنني جعلتها مع نصوص تراثية أخرى في قائمة الكتب التي أود قراءتها، وآمل أن أكون حينها قارئة من نوع خاص كالمتحرّي البوليسي المُراقب لهذه النصوص كما يفعل كيليطو.
كان بورخيس قارئًا جيّدا بلغات كثيرة، وكيليطو أيضًا يقرأ بالفرنسية ويكتب بها، والطريف أنه يغار على اللغة العربية فيكره أن يتكلم الأجانب بها “تكلم بلساني وإلا فاصمت”، ويسرد قصة أبي زيد السروجي عندما تقدّم هو وابنه إلى القاضي وخاطباه بكلام غير مفهوم فقال لهما “إما أن تبينا، وإلا فبينا” إما أن تتكلما بوضوح وإلا فاغربا عن وجهي.
أودّ إنهاء هذه التدوينة القصيرة بقائمة كتب كيليطو التي أعجبتني كثيرًا وفيها آراءه في نصوص التراث وقصصه والتي ” لو كُتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر”:لن تتكلم لغتي، أبو العلاء المعرّي أو متاهات القول، لسان آدم، الأدب والإرتياب، والكتابة والتناسخ. لا يكرر فيها كيليطو نفسه، فإذا أعجبتك هذه المؤلفات تذكّر قول بورخيس والذي يردده كيليطو “ليفخر البعض بكتاباتي، أما أنا فأفتخر بقراءاتي”.
0 thoughts on “كيليطو.. بورخيسنا العربي”