قرأتُ تعليقًا لمهتمة بالتصميم الداخلي اشترت بابًا خشبيًا فخمًا لأنها ترغب في تعليقه من باب الزينة في وسط صالون المنزل ليكون بديلًا عن ألواح الرخام واللوح الفنية. كنت أفكر ”وهل سيظل الباب مغلقًا للأبد؟ ألم تُوضع الأبواب لكي تُفتح؟“.
أحب تأمل الأبواب، وأستطيع أن أميز الأبواب القديمة في المدينة المنورة وجدة من مقابضها المائلة وطريقة تصميمها. لكن اهتمامنا بالأبواب المنزلية ضئيل مقارنة بالأبواب التي أشاهدها في الخارج، أبواب خشبية مزخرفة وقد تكون ملونة ومُطعمة بالزجاج وتبدو غاية في الجمال. والأبواب من متاع الحياة الدنيا التي ذكرها الله تعالى ”وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا.. وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا“.
يصنع الباب خصوصية وعزلة خاصة للمنزل عن بقية المنازل، أو عزلة للغرفة عن بقية الغرف. ففي مسخ كافكا، يُقفل على غريغور الباب ليجعله في عزلة فعلية عن أهله وعن الناس، كما فعلت إلسا في فيلم فروزن عندما اعتزلت مَن حولها حتى أختها التي كانت تطرق الباب مرارًا وتكرارًا ليعطي لنا مشهدًا حزينًا عن علاقة الأختين. أما امرأةُ العزيز فقد (غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) لتختلي بيوسف عليه السلام، ويُلاحظ أن بيتها كان فيه أبوابًا وليس بابًا أو اثنين مما يعني أنه كان قصرًا. وقد يرمز الخروج من الباب إلى الانتقال من حال إلى حال، كما شربت أليس في بلاد العجائب الإكسير السحري حتى تصغر وتخرج من الباب المتضائل الحجم، فتنتقل من حال الواقع إلى حال الخيال، على العكس من ترومان (جيم كاري في فيلم The Trueman Show) الذي خرج من الباب في آخر الفيلم لينتقل من الخيال إلى الواقع. وفي علم النفس، هناك مصطلح يُدعى بتأثير الباب، ويعني أن ذاكرة الشخص تقل عند خروجه من الباب عندما ينتقل من مكان إلى آخر، وهذا مايجعلنا أحيانًا نقف فجأة أثناء مشينا في المنزل وننسى أننا أردنا شرب كوب من الماء، لنتسائل: لماذا نحن هنا؟
أما فتح الباب فهو دائمًا ما يكون كناية عن الخير والرزق كقوله تعالى ”فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ“. وفي دعاية افتحوا الأبواب الكئيبة إعلان بانتهاء مرحلة كورونا والرجوع إلى الحياة العادية. وفي فتح الباب قال شاعر تويتر:
سيفتح اللهُ بابًا كنت تحسبه .. من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاحِ
ولذلك نقول عن شخص لا نعرفه أنه خلوق إذا كان أمامنا وأمسك لنا الباب ليظل مفتوحًا. أما في غلق الأبواب غلق للشر، ففي الحديث (إن الشيطان لا يفتحُ بابًا مغلقًا)، وهذا يذكرني بالحوار الذي دار مع شيطان فاوست لغوته:
– الشيطان مفستوفليس: أتسمح لي هذه المرة بالذهاب؟
– فاوست: هذا هو الشباك، وهذا هو الباب.
– مفستوفليس: يمنعني من الخروج عقبة صغيرة. هذه النجمة المخمسة على عتبتك. (تستخدم في التعوذ من السحر والجنيات)
ـ فاوست: إذن قد صرت سجينًا عندي؟ هذه فرصة طيبة!
ـ مفستوفليس: إن الشيطان لا يستطيع أن يخرج من البيت.
ـ فاوست: لكن لماذا لاتخرج من الشباك؟
-مفستوفليس: إنه لقانون عند الشياطين والأشباح يقضي عليهم بأنهم من حيث دخلوا، فعليهم بالضرورة أن يخرجوا. لقد دخلتُ من الباب، ولابد أن أخرج من الباب.
وكانت المرأة في الجاهلية إذا أرادت تطليق زوجها غيّرت باب منزلها للجهة المقابلة، فإذا أتى زوجها ورأى الباب وقد تغيّر مكانه أدرك أنها قد طلقته. وللعرب أخلاقهم، فلا يدخل الشخص على آخر قبل طرق الباب والاستئذان وإن كانت أمه، وقد زجر أبو جهل من اقترح عليه أن يكسر باب الرسول صلى الله عليه وسلم عنوة فقال ”والله إنها لسُبة في العرب..“، ويسمون صوت الباب صريرًا.
أما الباب الأشهر فهو باب الكعبة المشرفة والذي يقع في الجزء الشرقي منها. وهذا ما يذكرني بقول إحداهن إن واجهة المنزل-والذي فيه بابه- ينبغي أن تكون شرقية!
هل تذكرون جيدًا كيف كان شكل باب منزلكم في الطفولة؟ أو أبواب الغرف؟ هذا باب غرفتي يشبه الباب الذي رسمه سلفادور دالي والذي وضعته في بداية التدوينة:
مخرج:
– أغنية أحبها لفايزة أحمد – يامّه القمر على الباب 🎶
– ما أحلى الرجوع إليه – تدوينة