تعتبر رواية دون كيخوته لمؤلفها ميغيل دي ثيربانتس هي أول رواية بمفهومها الحديث. تُعد من أفضل الروايات التي كُتبت في التاريخ ومن أكثرها مبيعًا حول العالم فقد ترُجمت إلى أكثر من ٥٠ لغة. تأثير الرواية كان عظيما، فقد تأثر بها الكسندر دوماس، وكافكا، ومارك توين، ودوستويفسكي وسلفادور دالي.. أما شوبنهاور فقد قال:
”يجب أن تُمثل الرواية الممتازة العالم الداخلي أكثر من الخارجي.. ورواية دون كيخوته من أفضل ٤ روايات على الإطلاق“.
من هو دون كيخوته؟
دون كيخوته رجل في الخمسين، شخص مثقف هدفه نبيل يرغب في مساعدة الضعفاء والمحرومين. فينطلق على حصانه ”روثينانته“ مع مساعده ”سنشو“ على حماره ، فيجوب البلاد كفارس جوّال ويحارب طواحين الهواء لأنه يراها أعداء عمالقة.
حسنًا، لماذا يجب عليك أن تقرأ هذه الرواية بالتحديد؟
باختصار شديد:
١- لأنها تدور عن شخص لم يكن راضيًا عن العالم ورغب في تغييره إلى الأفضل، فغيّر نفسه أولًا:
ولادة الفارس دون كيخوته دي لامنشا، كانت من اختراع رجل يُدعى ألونسو كيخانو في الخمسين من عمره، وكما يقول البروفسور جوميز أن الشخص في الخمسين من عمره في ذلك الوقت كان يُعد عجوزًا. إننا لانعرف من أي مدينة أتى، أو مَن أمه وأباه، ليس هناك أي أثر لذكرهم، ”لأنك عندما تكون في الخمسين فمن يكثرت لمعرفة والديك؟ شخص بعيد عن ضغط العائلة ولذلك اخترع نفسه“. هل تعرف بطلا مشهورًا في الخمسين من عمره؟ لن تفكر في غير دون كيخوته!
وهل كان ”دون“؟ كلا، كان شخصًا نبيلًا لكن بدون لقب. لايهم، اختلق شخصيته وأطلق على نفسه لقب دون كيخوته من اسمه كيخانو. وقرر أن يصلح الأخطاء ويساعد الضعفاء والمحرومين ويخوض المغامرات فانطلق ليجوب أسبانيا.
٢- لأنك خليط من دون كيخوته وسانشو
يقول جورج أوريل أن عقلك مزيج من شخصية دون كيخوته وسانشو. أنت عبارة عن جزئين ”هناك جزء منك يتمنى أن يكون بطلًا أو قديسًا، لكن الجزء الآخر هو رجل بدين كسول يحاول استغلال كل فرصة ممكنة. هو ذاتك المخفية، صوت البطن الذي يعارض صوت الروح. هو الجزء الذي يميل للأمان، وللسرير المريح، الشهواني الذي يقول لا للعمل.. هو الجزء الذي يثقب السلوك الحميد، الأناني، الذي يحرضك أن تكون غير مخلصًا لزوجك، ويُقحمك في الديون.. سواء سمحت له أن يؤثر فيك أم لا، فمن الكذب أن تقول أنه ليس جزءًا منك“.
٣- لأنك ستضحك كثيرًا: هناك كتب معدودة أضحكتني، ودون كيخوته منها. الفصل السادس عشر كان جنونيًا، وكذلك الفصل الرابع عشر من الكتاب الثاني. أما مشهد حرق الكتب فكان رائعًا، وهناك المشهد الذي قصه سنشو على دون كيخوته عندما جعله يعدّ الأغنام. ثربانتس عبقري!
٤- لأن الرواية عن القراءة والقراء: دون كيخوته قارئ ومُطّلع لديه مكتبة ذات مجلدات ضخمة- وفي الحقيقة فإن القراءة هي التي جعلته دون كيخوته- ” ”كان غارقًا في قراءة الكتب حتى كانت تمر عليه لياليه من الصباح حتى الصباح، وأيامه من الغسق إلى الغسق دون توقف عن القراءة، وهكذا من قلة النوم وكثرة القراءة جف منه المخ حتى إنه مضى يفقد التمييز“.
وكذلك كل الشخصيات الموجودة كانت قارئة، الكاهن والقسيس والخادمة والحلاق. يقول البروفسور روبيرتو اتشافاريا ”الرواية تشجع القارئ على البحث عن الحكايات التي لم تروى، أو التي رُويت بشكل غير مباشر عن طريق قصص أخرى“.
٥- لأن الرواية كلها تدور حول تشبث البطل بإيمانه القوي: يُتهم دون كيخوته بالجنون، فلا يبالي. ويُشكك الناس في فروسيته، فيغضب ويحاول أن يبرهن لهم. المهم لديه أن يُكمل واجباته الفروسية التي يؤمن بها مهما لقي من الصعاب.
٦ – لأنك يجب أن تتراجع عن اعتقادك الخاطئ حتى وإن أدركت ذلك متأخرًا جدًا :).
٧ – لأنها رواية تسخر من الأوضاع السائدة في المجتمع بشكل كوميدي: سوف تعلم كيف وظّف سرفانتس ”دون كيخوته“ بطريقة كوميدية من أجل السخرية من روايات الفروسية التي انتشرت بشكل كبير في ذلك الوقت. وعندما ملّ سانشو من تأخر شهرته والصعاب التي يجدها في الفروسية، اقترح على دون كيخوته أن يصبحا قديسين ”فنحصل بسرعة على السمعة الطيبة!“. ومن المثير للسخرية أيضًا أننا نجد الشخصيات-في مشهد حرق الكتب- يتحدثون عن مؤلف الرواية بشكل كوميدي، ولم يحرقوا كتابه.
٨ – لأنها تخبرك أن ميزان الأفضلية بين البشر هو الأخلاق وليس المراتب الإجتماعية: يعتقد دون كيخوته أن ”الفضائل تهب النبالة“ فكل شخص بإمكانه أن يكون إنسانًا نبيلًا من خلال أخلاقه، وأننا يجب أن لا نحكم على الأشخاص بسبب ظروفهم المحيطة بهم منذ الولادة.
٩- لأنها عن إدراك الذات والرغبة في تحقيق الأحلام: إذا كان سقراط يقول ”اعرف نفسك“، فإن دون كيخوته يدرك ذلك ويقول ”أنا أعرف من أكون، وأعرف ماذا يمكن أن أكون“. وأدرك أيضًا ما الذي يريده بالضبط، وسعى إلى تحقيقه ”كل امرئ هو صانع حظه، وقد كنتُ صانع حظي“.
١٠- لأنها عن الحرية، حرية الخيال وحرية تكوين الذات: ”لأن الحرية ياسانشو هي واحدة من أنفس العطايا التي أُعطيت للإنسان“ ومن أجل الحرية ”يستطيع المرء -ويجب عليه- أن يخاطر بحياته“ دون كيخوته لم يقبل عادات مجتمعه المورثة من الأسلاف فهرب من واقعه بمساعدة خياله، وأصبح فارسًا حرًا بسبب خياله.
قرأتُ الرواية بترجمة عبدالرحمن بدوي، واطّلعت على ترجمة سليمان العطار والتي أنصحكم بها. من الجدير بالذكر أن استهلال ثربانتس للرواية كان من أجمل المقدمات التي قرأتها. وإن كنتم ترغبون في معرفة المزيد عن دون كيخوته وثربانتس فهذا كورس رائع من جامعة ييل- ٢٤ محاضرة- يقدمه البروفسور روبرتو اتشافاريا:
:وفي النهاية اترككم مع هذا الفيديو اللطيف