في التربية- جان جاك روسو

أودع جان جاك روسو أطفاله الخمسة في ملجإ للقطاء لأنه ”خاف من التربية“، وقال أن ”هذا التدبير موفق وحكيم وشرعي.. ولم أرَ في سلوكي هذا من سوء قط“، ثم ألّف كتابًا ضخمًا عن التربية، عدّه تولستوي من الكتب العظيمة التي يجب أن تُقرأ!

ولأن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها،  سنتحدث في هذه التدوينة عن تربية الأطفال قبل المراهقة وفقًا لفلسفة روسو في نقاط مختصرة، والتي جذبت انتباهي. إذ أن روسو قسّم كتابه (إميل) إلى ٥ أقسام: فالقسمان الأول والثاني والثالث يتحدث فيها عن الطفل إميل، أما الرابع فهو عن مرحلة المراهقة، والقسم الخامس والأخير عن صوفيا والتي من المفترض أن تكون زوجة إميل المستقبلية. يجدر الانتباه أن الكتاب كان عن تربية (الولد) والذي سمّاه روسو ب(إميل). 

لكن قبل أن نبدأ كيف بررّ روسو التخلي عن أطفاله وإيداعهم ملجأ اللقطاء؟

في الاعترافات (ص ٤٩٨) قال أنه تعذّر أن يربيهم بنفسه، ومن الأفضل لهم أن يصبحوا عمّالًا ومزارعين من أن يبيتوا أُولي مغامرة وطلاب ثراء!

بالطبع سخر فولتير منه كثيرًا، أما فيكتور هوغو فقد قال على لسان آنجولراس في البؤساء:
”إلزم الصمت أمام جان جاك! لقد أنكر أولاده ولكنه تبنّى الشعب“.

حسنًا هذه أبرز النقاط التي أثارت انتباهي:

المرحلة الأولى من عمر الطفل:
يولد الطفل ضعيفًا لايستطيع تناول الطعام أو الشراب، ويحتاج إلى شخص ما ليجعله قويًا معتمدًا على نفسه وإذا صار قويًا يُصبح خيّرًا، لأن الضعف هو الشر. والتربية تبدأ عند الولادة، فهو يتعلم قبل الكلام والفهم.

  • التخلي عن المهاد أو الكوفلة، أو القماط: ”يبقى التعس مصلوبًا هكذا“ فلا يصعد الدم إلى الرأس، فكيف يبقى كذلك لساعات طويلة؟ يقول روسو ”إذا ما خرج الولد فلا تسمحوا بحصره في الكمة ولا اللفائف ولا قمط، بل حزائم متدلية واسعة“
    ويقول أن نضعه في مهد كبير بحيث يستطيع أن يهتز بسهولة وينشر أعضاءه الصغيرة ويبسطها.
  • الرضاعة الطبيعية: حتى تستيقظ المشاعر الطبيعية في القلوب. فقد سخر من الأمهات اللواتي لا يُرضعن أولادهن. أما إذا وُجدت مرضعة فمن الأفضل أن تكون سليمة المزاج. وغذاء المُرضع أن تتناول الكثير من الطعام النباتي والخضروات المسلوقة وتتجنب القلي. الأم هي التي تُرضع الطفل وليس امرأة أخرى إذ أنه لا توجد أي صلة حميمة تجمعها بالطفل مثل الأم. أفضل مربي هو الأم وأفضل معلم هو الأب.
  • اتحاد الأبوين مع بعضهما: فالضجيج الذي يُصدره الأطفال هو أمر مستحب، ويقرب الزوجين من بعضهما ويجعل أحدهما أكثر قيمة لدى الآخر، ويشد الرابطة الزوجية بينهما. 
  • أهمية الهواء الطبيعي: يرى روسو أن يُرسل الطفل إلى الأرياف لاستنشاق الهواء الصالح (لاحظوا أن روسو سويسري 🙂 )
  • الامتناع عن الترف: من أجل إعداد الطفل للألم يُغسل بالماء البارد والجامد في فصل الصيف أو الشتاء.
  • اختيار المربي قبل أن يولد الطفل.
  • كونوا ضد العادة أو الروتين: العادة الوحيدة التي يجب أن تُسمح لأي طفل هو ألا تكون له أي عادة! فعلى سبيل المثال لا يُحمل طوال الوقت، أو يوضع له ساعات للطعام أو النوم، أو ينام لوحده أو مع أمه طوال الوقت، 
  • الحرص على أن يرى الأشياء الجديدة: فمن الجيد أن يرى الأشياء الجديدة وكذلك الأمور البشعة والكريهة بالتدريج حتى يألفها. على سبيل المثال يخاف الأطفال من الأقنعة، فيرى روسو أن الطفل يجب أن يعتاد عليها بالتدريج بأن يرى في البداية قناعًا جميلًا ثم يضعه المربي على وجهه أمامه ويضحك ثم يُعوده بالتدريج على الأقنعة الكريهة. وينطبق الأمر على الأصوات العالية مثل الرعد. 
  • انتبهوا من طلبات الطفل: فسوف تنشأ فكرة التسلط والسيطرة إذا لم ينتبه المربي لذلك. ودموع الأطفال – إن كانت في غير مرض أو حاجة- هي دموع عناد وعادة سببها في البداية الأمهات والآباء. لأنهم لم يرضوا أن يُزعجوا في البداية بصراخ الطفل فيُسكتوه بما يريد فورًا. فالوسيلة لذلك هي التغافل حتى وإن أصروا بالبكاء، فكونوا أكثر عنادًا منهم حتى تفتر همتهم.
  • الكلمات الأولى للطفل يجب أن تكون واضحة ومكررة وتدل على أشياء محسوسة تُعرض على الطفل. يقول روسو أن اللثغة قل أو تندر ماتكون عند أطفال القرى لأنهم يتكلمون بوضوح من غير همهمة، ولا يُلقنون الكلام فهم يقولون الكلام الذي يرغبون في قوله لا الذي يرغب فيه غيرهم. لايُستعجل الطفل على الكلام وكن صبورًا معه.

المرحلة الثانية من عمر الطفل: 

  • لا تمنع الطفل من إيذاء نفسه أثناء اللعب والاكتشاف: فمن الصعب أن يكبر من غير أن يعرف الألم. التعليم من العالم الحقيقي أكثر من الكتب.
  • من المفترض أن يقل بكاؤه: إذ أنهم يصبحون أكثر قوة ويقل التجاؤهم إلى الآخرين، ويعرفون الكلام الذي يحل محل البكاء. 
  • تجنب الترف: فالإنسان ضعيف، وعندما تستجاب احتياجاته يزداد ضعفًا. والشقاء لا يقوم على الحرمان من الأشياء، بل في الاحتياجات التي يشعر الإنسان أنه يحتاجها. ”ولا تعطوه ما يرغب فيه لأنه طلبه، بل لاحتياجه إليه“.
  • حرية الحركة والصراخ: يجب أن يصرخ الأطفال ويقفزوا ويركضوا متى شاءوا من أجل تقوية بنيتهم الجسدية. 
  • تجنبوا الإفراط في الشدة والتساهل: فتركهم يتألمون يعرض حياتهم للخطر ويجعلهم تعساء، وبذل الجهد الكبير من أجل حمايتهم من كل سوء يُعدهم لأعظم المصائب. فالذي لايعرف الألم لا يعرف حنان الإنسان ولا حلاوة الرحمة. 
  • هل تريد أن تجعل ابنك تعيسًا؟ عوّده نيل كل شيء! إذا تعوّد الطفل أن يرى كل شيء ينثني أمامه فسيندهش عند دخول العالم الحقيقي عندما يقاومه كل شيء وسيشعر أنهم مسحوق بأثقال هذا العالم الذي كان يظن أنه يتحرك عندما يشاء!
    لذلك لاتعطِ ابنك شيئًا لأنه يريده، بل لأنه يحتاج إليه.
  • سياسة المنع والعطاء: وماتمنحوه إياه امنحوه عند أول كلمة منه وبلا توسل ولا شروط، أما إذا قلت لا فلا يهزك أي رجاء. فالتربية السيئة تبدأ عندما يتمرجح الطفل بين عزيمتك وعزيمته.
  • لا للعقوبات: لأنه لا يعرف الفعل الخطأ الذي فعله. فكلما ضيقت على الطفل، سيكون أكثر طيشًا عندما تغيب عنه. ”لاتنهروه مطلقًا، ولا تُسمعوه كلمة تأنيب“. ودستور الطاعة هو الذي يؤدي إلى الكذب. 
  • إذا ضرب أحدًا فدعوا المعتدي عليه يرد الضربات مع الربا حتى لا يعود إلى ذلك أبدًا. ولو كان ذلك الشخص مساوي له أو دونه مثل الخادم. 
  • الطبيعة أكبر معلم: التعليم من العالم الحقيقي أكثر من الكتب، ويتلقى الطفل دروسه من الطبيعة لا من الناس.
  • الكذب عند الأطفال غير طبيعي، ولكن دستور الطاعة هو ما يجعل الطفل يكذب. فاحترز من اتهام الطفل بقول ”أأنت فعلت هذا؟“ حتى لايتهرب من الإقرار بالفعل ويكذب.
  • اللعب والحركة ضروريان للغاية، ويجب أن يُعطى الطفل الحرية لذلك.
  • مطالعة الكتب آفة! فيجب أن لايطالع الطفل الكتاب حتى يبلغ ال١٢ من العمر ماعدا استثناء رواية (روبنسون كروزو) لأنها أفضل رسالة في الطبيعة.
  • الكفاية: يجب أن يتعلم الطفل كيف يكفي نفسه بنفسه، ولا يلجأ للآخرين. و أن يحمي نفسه بنفسه: يجب تعليمه كيف يتلقى ضربات القدر، وكيف يتجاوز الأمور العسيرة، “والعيش في جليد ايسلندا وعلى صخرة مالطا المحترقة”.
  • الرياضة ضرورية. يجب أن تُقوى عضلاته من أجل تقوية روحه، وأن يتعوّد الخشونة والألم.
  • النوم الكافي في الليل أمر ضروري. لكن يجب أن يعتاد الطفل النوم في أي فراش. 
  • علموه السباحة، والركض حافيًا في الصباح وجميع الفصول وفي داخل المنزل وخارجه (ابعدوا عنه الخطر مثل الزجاج)، حتى تشحذ حاسة اللمس ويجعلها أكثر دقة ولطافة.
  • من الأفضل أن يكون الغذاء نباتيًا خاليًا من اللحوم.
  • لا تتعجلوا في تعليم الطفل الخط لأنه يتطلب انتباه شاق، وعلّموه ترديد الموسيقى البسيطة وتأليفها.

ماهي النقاط التي أثارت اهتمامكم؟