أنهيتُ قبل فترة قراءة كتاب سارة بكويل (كيف تعاش الحياة) هذا الكتاب ممتع -ككتابها السابق في مقهى الوجودية- إذ تتبعت فيه بكويل حياة ميشيل دو مونتين من خلال كتابه ”المقالات“- لم تترجم إلى العربية إلى الآن- والتي كُتبت في ٣ مجلدات، ولخّصت كيف عاش ميشيل دو مونتين حياته في سلام بطريقة ذكية: أجوبة عن عشرين سؤالًا.
من هو ميشيل دو مونتين؟
باختصار هو فيلسوف من فلاسفة النهضة الفرنسية (١٥٣٣-١٥٩٢م)، وهو مبتدع فن المقالة، كتب مقالاته عن تجاربه وآراءه في الحياة. قيل أن شكسبير كان من هؤلاء الذين تأثروا بكتابات مونتين، وكذلك فولتير وجان جاك وروسو وباسكال، وستيفان زفايج، وفرجينيا وولف وزوجها ليونارد، أما نيتشه فقد قال عنه “إن ما كتبه هذا الرجل قد زاد من بهجة العيش على هذه الأرض”.
”ليس كتابًا بقدر ماهو رفيق مدى الحياة“
هنا نقاط مختصرة للغاية عن الطرق التي تبعها ميشيل دو مونتين في حياته:
١- لا تقلق بشأن الموت:
كان مونتين في بداية حياته شديد القلق بشأن الموت إذ قرأ كتابات العديد من الفلاسفة المهووسون بالموت، إلى أن اقترب من الموت في ال٣٦ من عمره حين سقط من على جواده وفقد وعيه. يبدو أن مونتاني قد ازداد حكمة خلال فترة التعافي، إذ شبّه الموت بحلم اليقظة: ومن ذلك انطلق في مقالاته يدعو الناس إلى أن يعيشوا حياتهم بلا قلق من الموت، وقررّ أن الفلاحين يتعاملون مع الموت أفضل من الفلاسفة.
٢- انتبه للحياة بدهشة:
بعد بضع سنوات من حادث السقوط، بدأ مونتين بكتابة المقالات، إذ أنه أصبح أشد تركيزًا وانتباهًا للحياة، فكتب عن تجربة الاقتراب من الموت. وشعر بأن الكتابة تحرره وتجعله أكثر وعيًا وانتباهًا لما حوله.
“لن يسببب تذكيرك بسرعة مرور الحياة أي ارتباك.. فهي تنزلق بهدوء، ما النتيجة؟
أنت مهموم والحياة تمر سريعًا. وسيصل الموت في هذه الأثناء، ولا خيار لك في جعل نفسك متاحًا له“.
بل الغالب أنه هو من ابتكر التأمل:
”حين أسيرُ وحيدًا في البستان الجميل، إذا تطرّقت أفكاري إلى حوادث غريبة لبعض الوقت، فإني أعيد أفكاري إلى المشي، إلى البستان، إلى حلاوة هذه الوحدة، وإلى نفسي”.
”حين أرقص أرقص، وحين أنام أنام“.
من السهل أن نقرأ كلامًا مثل هذا، لكن التطبيق صعب للغاية، وإلا فما وُجدت الكثير من الكتب والمحاضرات التي تدعو إلى التأمل والتركيز ونبذ المشتتات.
٣- أن تُولد- من جديد-:
”إذا تمعّن الآخرون في فحص أنفسهم باهتمام كما أفعل، لوجدوا أنفسهم كما وجدتُ نفسي، مليئة بالتفاهة واللغو. ولا يمكنني التخلص منهما إلا بتخلصي من نفسي“. تعلّم مونتاني فلسفة أرسطو وقراءة الكتب الكلاسيكية.
٤- اقرأ كثيرًا، انس معظم ما قرأت، ولا تكن سريع البديهة:
تقول بكويل أن مونتاني كان شخص كسولًا في القراءة، ويهمه الكتاب المبهج، ولا يتوانى أن يرميه جانبًا إذا لم يستهويه.
”إذا لقيتُ صعوبة في القراءة، لا أقضم أظافري بسبب ذلك، بل أتركها جانبًا. لا أفعل شيئًا من دون بهجة“.
وكان يكره التعليقات في الكتب ”إنها وظيفة لتفسير التفسيرات أكثر منها تفسير الأشياء. نحن لا نفعل شيئًا إلا كتابة حواش عن بعضنا البعض“.
٥- الصداقة:
اعتبر مونتين أن الصداقة من متع الحياة، وكان صديقه في حياته لا بويتي إذ قال عنه “أخبرك عن سبب حبّي له: لأنه هو ولأني أنا”.
٦- استخدم حيلًا صغيرة:
قلّد مونتين فلسفة الرواقيين والأبيقوريين في التعامل مع الحياة اليومية، بأن يعيش المرء حياة طيبة وأن يكون شخصًا طيبًا من خلال الاتزان بتدريبات ذهنية قاسية. كيف؟
-بالتحكم والانتباه: أن تتحكم في انفعالاتك، وأن تركز في الحاضر.
مثلا: بماذا تشعر الآن؟ هل أنت حيٌّ فعلا في هذه اللحظة؟
– بحيلة الخيال:
في وسط الحياة، تخيّل نفسك في لحظة الموت: هل عشت حياة طيبة؟
تخيّل أن تفقد شخصًا عزيزًا أو تخيل نفسك أنك لم تلتق به أبدًا.
تظاهر بأنك فقدت كل شيء وأنك تفتقد أشيائك للغاية.
حب القدر: بأن تتقبل كل شيء على ماهو عليه.
تشتيت الانتباه أفضل طريقة للتعامل مع الحزن.
٧- شكّ في كل شيء:
لا يلزم أخذ أي شيء في الحياة بجدية، ولا تحاول الحصول على إجابة محددة لأي شيء. كما يقول مونتين ”وبصري لا يُعتمد عليه“.
”كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئًا، بل إني حتى لست متأكدًا من ذلك“.
كل وجهة نظر عند مونتين لا بد أن تؤخذ في الاعتبار ”نحن وأحكامنا، وجميع الأشياء الفانية، نظل نتدفق ونتقلب في حالة من الشك. وهكذا، لا يمكن إثبات أي شيء يقيني عن شيء بواسطة شيء آخر، فالحاكم والمحكوم عليه في حالتي تغيّر وحركة مستمرين“.
٨- احتفظ بغرفة خاصة بك خلف الدكان:
تقول بكويل أن مونتاني سعى إلى العزلة والانفراد بالنفس حتى يمكنه من إقامة حرية حقيقية، ”الحاجز الذي يحتاجه ليفكّر ويتأمل في داخل نفسه“.
٩- كن سهل المعشر.. عِش مع الآخرين:
– كان مونتاني اجتماعيًا ويحب الاختلاط بالناس، ويحب الحوار ”أنا أعيش في مكان مفتوح تمامًا..وُلدتُ للصحبة والصداقة“. وكان يفضل الكلام والحوار على قراءة الكتب، وكذلك الجدال، فقد كان يحب أن يعارضه الآخرون من أجل فتح المزيد من الحوارات ”لا يدهشني أي رأي، ولا يسيئني أي اعتقاد، مهما تعارض مع اعتقادي“.
- كان يكره القسوة ورحيمًا حتى مع الحيوانات ”لا أقدر أن أرفض اللعب الذي يقدمه لي كلبي أو يطلبه مني في أوقات غير ملائمة“.
١٠- استيقظ من سُبات العادة:
كان مونتاني يولي الانتباه إلى الأشياء من حوله بطريقة مختلفة، ويحب الاطلاع على عادات الشعوب الغريبة والمختلفة عنه.
١١- عش باعتدال:
تقول بكويل أن مونتاني كان يترنم بالرصانة والاعتدال، وكان يثمن الصداقة أكثر من الغرام. وزعم بأن عظمة الروح الحقيقية توجد في التوسط.
١٢- احرس إنسانيتك:
قارنت بكويل مونتاني بستيفان زفايج، حيث أن مونتاني حافظ على لا مبالاته أثناء الحروب، أما زفايج فقد انتحر أخيرًا رغم أنه تأثر بما كتبه مونتاني. دعا مونتين إلى تحرير النفس من الكبرياء وكذلك من الحزبيات. باختصار كن سيدًا لحياتك.
١٣- افعل شيئًا لم يفعله أحد قبلك:
”إني أوجه نظرتي إلى الداخل، وأثبتها هناك وأجعلها مشغولة. الجميع ينظرون أمامهم: أما أنا، فأنظر داخل نفسي، لا عمل لديّ إلا نفسي. أنا ألاحظ نفسي باستمرار، أنا أجرد مخزون نفسي. أنا أتذوق نفسي.. أنا أتقلب داخل نفسي“.
١٤- شاهِد العالم:
سافر مونتاني في رحلات إلى فرنسا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا. وأكثر ما أحبه هو عدم التخطيط في السفر والتحرك مع التيار ”إذا بدا المشهد قبيحًا على اليمين فسأسلك طريق اليسار، وإذا وجدتُ نقسي غير ملائم لامتطاء حصاني، أتوقف“. وعلى الرغم أنه كان لا يحب التخطيط، كان أيضًا لا يحب أن يفوته شيء. ويحاول أن يتكلم بلغات البلدان التي يسافر إليها.
١٥- أدِّ وظيفتك جيدًا، لكن لا تسرف في إجادتها:
لا تؤذي نفسك بالعمل. وسافر كثيرًا.
١٦- تفلسف بالمصادفة فقط:
الكثير تأثر بما كتبه مونتين.
١٧- تأمل كل شيء بعمق، ولا تندم على شيء
١٨- تخلّ عن التحكم
١٩- كن عاديًا ولا تكن كامل الأوصاف
٢٠- دع الحياة تكون الإجابة عن السؤال عنها:
”لا بد أن تكون الحياة هدفًا في حد ذاتها، غرضًا في حد ذاتها“.