وفي الليلةِ الظلماء..

Artist: Yan Qin Weng

هل سمعتم عن المطعم الذي يوّظف العميان لخدمة زبائنه؟

لأكثر من عامين، أجلّت تجربة الذهاب إلى هذا المطعم في مونتريال والذي يُدعى ”نوار“ أو السواد بالفرنسية، كانت الفكرة ثقيلة نوعًا ما. ولكنني في أحد الأيام حسمتُ الأمر وحجزت مقعدين لي وللصديقة جيهان. 

وصلنا مبكرًا قبل موعد الحجز حسب التعليمات. ثم فُتحت بوابة المطعم من قِبل النادل والذي اكتشفنا فيما بعد أنه أعمى. أوصانا بأن نصطف في طابور وأن يمسك كل منا كتف الشخص الذي أمامه بيده ثم نتقدم جميعًا. دخلنا في سواد دامس، ظلمات بعضها فوق بعض، لم يكن ذاك السواد الذي تراه عندما تغمض عينيك، لكنها تلك العتمة التي لا تستطيع معها رؤية يديك. جاءت النادلة -العمياء أيضًا- والتي كانت تمشي في المطعم بكل ثقة وأمسكت بيدي لتُشعرني بالأدوات الموجودة على الطاولة. هنا الملعقة، والسكينة، والشوكة. وهنا صحنك. ثم مضت لتحضر وجبتنا. صمتنا قليلًا أنا وجيهان، لكننا عندما بدأنا بالكلام انفجرنا بالحديث عن النِعم التي نغرق فيها وعن تفاهة المشاكل التي نواجهها.. إنما نحنُ جوقة العميان.

وإذا كانت غريزة البقاء تُجبر الإنسان على الالتفات ببصره لما حوله لتحديد أي خطر، فقد زاد توترنا إذ أننا كنا نحاول أن نُبصر بآذاننا. 

جاء الطعام. كيف أستطيع أن التقط الطعام بالملعقة؟ حاولتُ وأخفقت. تحسستُ الطعام بيديّ وأكلته بأصابعي. أدركت السبب الذي جعل طه حسين يُحرّم على نفسه الحساء والأرز، ولمِ ”كان يستحي أن يشرب على المائدة مخافة أن يضطرب القدح من يده“.

قبل ٣ أشهر قررت أن أُجري عملية تصحيح النظر. كرهتُ ارتداء النظارات واعتمادي الكليّ عليها وعلى العدسات. نجحت العملية بفضل من الله، ولكني ظللتُ حبيسة الفراش لأكثر من يوم ونصف لأنني كنتُ مغمضة العينين. لم أستطع القراءة، أو استخدام الجوال، ونمت مرارًا على حلقات بودكاسات مختلفة، وأكلتُ الطعام مرة أخرى بيديّ. كان قرار التخلي عن النظارة من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي، لكنني لن أنسى أبدًا أنني خضت مرتين تجربة بسيطة شبيهة بالعمى.

مُقترحات تساعد على إنارة البصائر:

– السيرة الذاتية ”الأيام“ لطه حسين
– مقالة هيلين كيلر ”لو أبصرتُ ٣ أيام“
ـ”مع أبي العلاء في سجنه“ لطه حسين

– رواية ”العمى“ لخوزيه ساراماغو
– رواية ”كل الضوء الذي لايمكننا رؤيته“ لأنتوني دوير