المجد للورق

ines vilpi


في عام ٢٠١٤، وقع جوالي على الرصيف وانكسرت شاشته. كنتُ حينها في سان فرانسسكو، وكنت أخالني محظوظة لأن زوجي أحضر اللاب توب الخاص به إذ نقلتُ الصور والفيديوهات جميعها على ملف في كمبيوتره. لكني لم أُسمّه لاستعجالي وجعلت الملف كما هو New Folder، أعطيت جوالي لمتجر آبل بعد مسح البيانات واستبدلوا جهازي بواحد جديد. 

رجعت إلى مدينتي ومضت الأسابيع واحتجتُ إلى صورة كانت في جوالي القديم، لكن المفاجأة أنني لم أجد الصور بأكلمها على الكمبيوتر. أغلب الظن أن هناك ملف جديد لم يُسمى أيضًا نُسخ على الملف الذي كان بداخله الصور والفيديوهات الخاصة بجوالي. 

لحسن الحظ أنني بين فترة وأخرى أنسخ صورًا احتياطية من جوالي إلى جهازي اللاب توب، لكن هناك فترة من الزمن قبل كسر الجوال – بضعة أشهر- اختفت تماما بسبب تكاسلي في نسخ الصور والفيديوهات. صور لرحلة إلى مدينة جديدة ولنزهات ولأشخاص ولمطاعم ولمقاهي كلها مُسحت بسبب هذا الخطأ غير المتوقع.. ضغطة زر!

أصبحت مهووسة بعدها في الاحتفاظ بالصور عن طريق نسخها إلى أجهزة متعددة أو باستخدام الآي كلاود. بعد وفاة والدي رحمه الله، حرصت على طباعة الصور المفضلة لديّ، وحرصت أكثر على استخدام الورق في أغلب الأمور. 

لديّ طابعة صغيرة بدون حبر من أجل طباعة الصور للأجندة اليومية- ذكرتها في تدوينة سابقة-. ومؤخرًا بعد تردد استمر لأكثر من عامين، اشتريتُ طابعة كانون جميلة من أجل طباعة الصور المفضلة كل بضعة أشهر. المجد للورق. الصور المطبوعة المحسوسة باليدين تبعث الشجون وتجلب الذكريات عند ملامستها.

قرأتُ سلسلة أحمد أمين (فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام..)، إلا أن الجزء الأول منها ”فجر الإسلام“ قرأته الكترونيًا، وكم ندمت لذلك، إذ أنني أحرص على تخطيط الاقتباسات وكتابة الأفكار في هوامش الكتب الورقية ولم أفعل ذلك مع فجر الإسلام سوى التقاط صور للشاشة. احتجت في كثير من الأحيان للعودة إلى الكتاب، ولأن دواء نسيان العلم الكتابة، فلا يوجد دواء لي في هذه الجزئية من السلسلة. 

الكتاب الورقي -غير الروايات- إذا كان مثريًا، فإنك في الغالب ستعود إليه وستقرأ الاقتباسات والملاحظات التي قمت بتخطيطها وتدوينها. لكن ماذا تفعل إذا وجدت بشكل الكتروني صعب التنظيم والوصول؟

وبالحديث عن الورق، تذكرت هذه التغريدة عن المرأة العراقية التي تدوّن يومياتها منذ أكثر من ٦٠ عامًا إلى الوقت الحالي:

أليس هذا جميلًا؟ تخيل نفسك تحاول أن تتذكر ماذا فعلت في ١٨ أو ١٩ مارس قبل ٤٠ أو ٥٠ سنة؟

هذا أرجعني إلى مقالة لسوزان أورلين حين كتبت:
”يقول الكاتب أمادو همباتي با: “في إفريقيا عندما يرحل رجلٌ مُسن، فإنَّ ذلك يكون بمنزلة احتراقِ مكتبةٍ بالكامل”. لم أفهم المقولة حينما سمعتها لأول مرة، ولكن مع مرور الوقت، بدأت في استيعاب المقصود بشكلٍ كامل. إن عقولنا وأرواحنا تحتوي على مجلداتٍ مكتوبة بواسطة تجاربنا وعواطفنا، ووعي كل فردٍ هو مجموعةٌ من الذكريات المفهرسة والمخزنة بالداخل، إنه أشبه بمكتبة خاصة بالمرء وحده والتي يستحيل مشاركة كامل محتواها مع الآخرين، إنها تحترق بمجرد رحيلنا، ولكن إن كان بإمكانك أخذ شيءٍ منها ومشاركته مع أحدهم أو مع العالم الأكبر. على صفحةٍ أو كقصةٍ تُحكى، فإنها ستعيش للأبد.“

0 thoughts on “المجد للورق

  1. ياه كنت متشوقة جداً لان أقراء تدوينة جديدة لك وأخيرا ، احب مدونتك كثيرا 💗 ، أما بخصوص التدوينة فأنا مع قراءة الكتب الورقية اكثر خصوصاً اذا كانت الكتب مفيدة لان الكتب الالكترونية لا تصلح لان تكون مرجع ، انا لا استمتع فعلا الا بقراءة الكتب الورقية 🌻

  2. جميل جدا اتفق مع التدوينة لكن حاولي قدر الامكان الاحتفاظ بنسخ الكترونية ايضا
    بسبب احتلال داعش والنظام لمدينتي في سوريا فقدنا منزلنا ,, في البداية قاموا بسرقة كل الممتلكات المادية حتى الابواب والشبابيك
    ثم دمروا الممتلكات العاطفية كالصور وشهادات التخرج وكروت معايده بسيطه كتبناها لامي ونحن صغار ومكتبة غنية بمئات الكتب.. واشياء جميلة جدا كلها اختفت تماما
    بالكاد امتلك صورة لي في سن العاشره وكل شئ منذ بداية تكوين عائلتي الى وقت احتلالهم للمدينة فقدناه صور ممتلكات ذكريات وغيرها
    لذلك التخزين الالكتروني له ايجابياته ايضا
    ولا اراكم الله مكروه في بلادكم واحبابكم وذكرياتكم 🙂

  3. Koko leanzy says:

    ذكرتِني كثيرًا بنفسي قبل قرابة العقد من الزمان ، كانت تثير دهشتي رؤيتي لأي شخص يقرأ من جهاز لوحي ، لم أكن أتصور أن أستطيع التخيل بحرية أو الإحساس بالكلمات أو عيش تجارب الكتاب دون أن أمسكه بين يدي ، دون أن أقلب صفحاته ،أو ألمس بنفسي حروفه ، ثم كبرت وتغيرت الكثير من الأمور واعتدت القراءة على الهاتف الجوال ، قبل أن أدمن ذلك تمامًا ، لماذا؟ ببساطة لأنني نادرًا ما أزور مكتبة أو أشتري كتابًا لأسباب خارج إرادتي ، وعلى الشبكة العنكبوتية وجدت كل ما أهوى من كتب ، فلم لا إذن؟

    لكنني لازلت أتفق معكِ ، بالفعل .. المجد للورق ، معي بضع كتب قد حال لونها وأصر على الاحتفاظ بها ، فمجرد وجودها جعلها تصبح قطعًا من الذكرى ، لا بأس أن نعشق الورق لكن مجيرون نحن على الاعتراف بأهمية الأجهزة الرقمية .

    شكرًا لكلمكِ وروحك العذبة المتوارية من ورائه ، أستمتع كثيرًا بالقراءة لكِ .

شاركني رأيك