لماذا يجب عليك أن تقرأ الحرب والسلم لتولستوي؟

IMG_4895D1087808-1
أعتقد أن رواية الحرب والسلم لتولستوي هي أعظم رواية كُتبت، وأظن أنه لن يُكتب ما يعادلها ثانية – سومرست موم


فكّروا في الاعمال العظيمة التي أنتجتها البشرية خلال الأزمان كلها: الأهرامات، سور الصين العظيم، لوحة ليلة النجوم، معزوفة باخ: تشيلو سويت رقم ١ بريلود، البف المديني، تمثال ديفيد، الأجزاء الأولى من قيم أوف ثرونز.. لا بد وأن القائمة تضم رواية الحرب والسلم لتولستوي (بالإضافة إلى البؤساء بالطبع!)
في هذه التدوينة، لخّصت باختصار شديد بعض الأسباب التي تجعل من قراءة الحرب والسلم ضرورية خلال حياتكم:


١– لأنها تطوير للذات
دائمًا ما أفكر في الكلاسيكيات أنها كتب رائعة في تطوير الذات. ندرك منها كيف يتأمل المتألم، ونفكر في الأسئلة المهمة التي تطرحها المواقف، ونقارن مواضيعها ومشاكلها المختلفة بالأحداث التي تحصل في حياتنا الشخصية. هناك دراسة نُشرت في ساينس تلخّص فيها أن قراءة الكلاسيكيات تطور من نظرية العقل، أو قدرة الشخص على فهم الآخرين خاصة إذا كانوا يحملون معتقدات ورغبات مختلفة عنه. يقول آلان دو بوتون أن تولستوي في الحرب والسلم لم ينجح فقط في إمتاع قرائه بل وفي زيادة ذكائهم العاطفي ”تولستوي كان مؤمنًا بأن الرواية ليست فقط أداة للمتعة بل أداة للتعليم والإصلاح النفسي. كان يعتقد أنها المصدر الأعلى الذي نستطيع من خلاله معرفة الآخرين، خاصة هؤلاء ذوي المنظر غير الجذاب، وبالتالي ننشر إنسانيتنا ونتعاطف مع الآخرين”.


٢– لأنها ممتعة جدًا
ستقضي ساعات طوال تقلب فيها الصفحات رغبة في معرفة ما الذي حدث لبيير أو أندريه أو ناتاشا أو روستوف. ستفكر في الأحداث كثيرًا، وتتأمل تطور شخصياتهم وستتحدث لأصدقائك عنهم وكأنك تعرفهم جيدًا. سوف يمضي بك فضولك لأن تبحث عن الحروب النابليونية في روسيا، وعن زمهريرهم الشتوي، وستبحث عن تأثير فرنسا على روسيا – خاصة أن الطبقة الارستقراطية في روسيا تتحدث الفرنسية-، وسوف تكوّن رأيك الخاص حول نابليون القائد الفرنسي المثير للجدل، وسوف تبحث- كما بحثتُ أنا- عن المذنّب العظيم الذي كان يتأمله بيير فرحًا رغم تشاؤم الناس منه، والذي قال عنه أبو تمام عندما تشائم الناس منه ونصحوا المعتصم بالتراجع في معركة عمورية:
وخوّفوا الناس من دهياء مُظلمة.. إذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذنبِ


٣– لأن تولستوي عبقري لديه القدرة على ملاحظة النفس البشرية
الشخصيات واقعية للغاية، قد تجدهم حولك في مجتمعك. كذلك تطور الشخصيات واضح خلال أحداث القصة، تلاحظهم وتكبر معهم مع تقليب الصفحات – وهو شعور رائع بالمناسبة-. كان بيير بوزخوف يعظّم من شأن نابليون قبل اندلاع الحرب، ويدافع عنه في الحفلات الارستقراطية، حتى أصبح يتمنى أن يكون قاتل نابليون في نهاية الرواية. لم يكن بيير وحده من يعظّم من أمر نابليون والفرنسيين، بل كذلك الكثير من الروس في ذلك الوقت ”الأزياء فرنسية، والأفكار فرنسية، والعواطف فرنسية، كل شيء فرنسي!“، وانظر كيف تطورت آرائهم مع تطور أحداث الرواية. أما تصوير الصراعات الداخلية للشخصيات في الرواية عظيمة ”يُشبّه تولستوي العالم التقليدي الزائف في تعارض مستمر مع الطبيعة الإلهية الصادقة. فالأمير آندريه في صالون بطرسبرج، والأمير آندريه فوق أرض المعركة يصوب نظره إلى السماء المرصعة بالنجوم“. سوف تُدرك جيدًا كيف أن النفس البشرية لديها دوافع غير عقلانية في اتخاذ القرارات سواء كان ذلك في الحرب أو السلام.


٤– لأنك سوف تعيد قراءة الكثير من النصوص والحوارات من أجل تأملها لجماليتها وواقعيتها
انظر إلى الحوار الذي دار بين بيير والرجل الفرنسي عن موسكو وباريس ليوضح مدى غطرسة الفرنسيين وثقتهم بنابليون:
الرجل الفرنسي: لماذا الروسيات غادرن موسكو؟ يا لها من فكرة مضحكة! ماذا كان يخيفهن؟
فرد بيير: أمَا كانت النساء الفرنسيات يغادرن باريس لو احتلها الفرنسيون؟
فيجيب الفرنسي ”آه آه!! إن هذه قوية جدًا! باريس؟ ولكن باريس!! باريس ..“
فأعقب بيير ”باريس، عاصمة العالم..“



٥– لأنها للباحثين عن المعنى

من خلال يومياته، كان تولستوي يبحث عن المعنى طيلة حياته. ولذلك نجد أن الغني بيير وهو الشخصية الأقرب لتولستوي يائس يبحث عن السعادة رغم امتلاكه الأموال والأراضي ولديه زوجة في غاية الجمال. يفكر بيير كثيرًا أن زواجه الفاشل هو السبب الأساسي لتعاسته، ثم يعتنق الماسونية للبحث عن المعنى، ويذهب إلى الحرب لأنه يظن أن المعنى ينتظره هناك، ويرغب في قتل نابليون لأنه هو السبب الرئيسي لكل المشاكل. ولكنه يجد المعنى في النهاية بعد مروره بجميع هذه التجارب وبالمصائب التي واجهها في الحرب، ويُدرك أن السعادة هي أمر داخلي. وكذلك بقية الشخصيات في الرواية، يجدون المعنى بعد مرورهم بالكثير من المعاناة.


٦– لأنها عن الحرب وتجربة الاقتراب من الموت
في هذه الملحمة يمنحكم تولستوي رائحة الحرب ومذاقه. يصف تولستوي البيئة الفوضوية للحرب وكذلك الحرب من وجهة نظر نابليون. ويقص علينا بطريقة عظيمة شعور اقتراب الموت من الإنسان، خاصة عندما نجد آندريه الجريح في الحرب ممدًا على الأرض مستحقرًا الحياة حوله ولا يأبه بمرور نابليون جانبه، وكذلك عندما يصطف بيير في الطابور للإعدام ويموت زميله في السجن. أما ناتاشا فتتغير شخصيتها وتصبح أكثر نضوجًا. كما في العنوان ”الحرب والسلم“ نصفها يدور حول الحرب والنصف الآخر حول أبطال الحرب في فترة السلام، لذلك لا يصح أن تقرأ فترة السلام دون أن تقرأ فترة الحرب.


٧-آخر فصل في الرواية عظيم
أغلب القصص تحتوي على نهايات سعيدة -ما عدا دراميات شكسبير التي تنتهي بالموت بشكل عجيب- ويتزوج الحبيبان ويعيشان في سعادة وهناء. أما الرواية هنا؟ أخبرتكم في البداية أن الشخصيات واقعية للغاية، لكنها تظل كذلك حتى النهاية، ويخبرنا تولستوي أن الحبيبين قد تزوجا وأصبحت الزوجة ربة منزل وتعيش مع زوجها حياة هادئة وعادية جدًا “خبئتُ الأسماء عن قصد”. في آخر فصل من الرواية، يحلل تولستوي -المؤمن- الحرب اللي قادها نابليون لروسيا من خلال الإرادة والسلطة فيقول ”لانستطيع أن نعتبر السلطة سببًا للأحداث دون التسليم بالتدخل الإلهي في شؤون البشر“. وقوله هذا يشبه قول فيكتور هوغو عندما نسب خسارة نابليون في معركة واترلو إلى إرادة الله تعالى:
”أكان من الممكن أن يكسب نابليون هذه المعركة؟
لا.
لماذا؟ هل بسبب ولينغتون أو بلوخر؟
لا. بسبب من الله“
بيير بوزخوف هو ليو تولستوي نفسه، فرأي بيير هو رأي تولستوي، وهذا يعني أن تولستوي كان يمقت نابليون. كان يسخر من المؤرخين الذين يُرجعون سبب هزيمة نابليون في بوردينو إلى زكامه، ”وليس نابليون الذي كان يقود المعركة، إذ لم تُنفذ أي خطة من ترتيبه القتالي، ولم يكن يعلم أثناء المعركة ماكان يجري أمامه. فكون هؤلاء الناس قد اقتتلوا لم تحدده مشيئة نابليون، وإنما جرى خارج عنه، بإرادة آلاف الرجال الذين شاركوا في المعركة.

اترككم مع مقطع لنجيب الزامل رحمه الله وهو يقول أن الحرب والسلم “شيخ الكتب، وأعظم الكتب الغربية.. ويتصدر زعيمًا لكل ما كتبه الغرب في أدب الرواية..”