عندما حملتُ بطفلتي، فإن أول الأمور التي فكرت فيها هي الرضاعة الطبيعية. لذلك قرأت عنها كتابًا ضخما، وسألت العارفات من الأمهات، وابتعت كل مايشجعني عليها من مخدة وشفاطة كهربائية ويدوية وقوارير وملابس، ثم قررت أن هذا أمر سهل يمكنني تدبيره.
بعد الولادة مباشرة، ضممتُ طفلتي إلى صدري وأرضعتها بكل سهولة. أهذه هي الرضاعة الطبيعية التي يُهولون من شأنها؟
اتضح لي لاحقًا أنني لم أدخل المعركة بعد.
فخلال أقل من ساعتين، لم أعرف كيف أضم طفلتي إلى صدري لترضع. كنتُ مُجهَدة للغاية. بكت طفلتي الجائعة كثيرًا، ولم أدري ما أفعل. تدخلت الممرضة الخبيرة في الرضاعة، ونجحَت بعد صعوبة. كان هناك ألم شديد. بعد ثواني أفلت فم طفلتي من صدري، وبكت مرة أخرى. ناديتُ على الممرضة وحاولَت جاهدة، ونجحنا بعد صعوبة. ولكم أن تتخيلوا تكرار هذا الموقف خلال ذلك اليوم واليوم الذي تلاه.
نقص من وزن طفلتي ٣٠٠ غرام عن وزنها بعد الولادة. تحجر صدري وأصبح الألم لا يُطاق. وبالطبع كان هناك الكثير من الدموع.
وماذا عن مئات الأوراق من الكتاب الضخم الذي قرأته؟ كنتُ أعرف كل معلومة تخبرني بها الممرضة أو خبيرة الرضاعة، لكن التطبيق يختلف عن النظرية تمام الإختلاف! وكأني حفظت كتابًا عن كيفية الطيران، ثم عيّنوني فورًا كابتنًا لأقود الطائرة!
أرشدني الطبيب إلى إدخال الحليب الصناعي مع مواصلة الرضاعة الطبيعية، وأن أبدأ في شفط الحليب حتى يدّر المزيد منه. لا بأس لديّ شفاطة اشتريتها مع الأدوات لتشجعني على الرضاعة. كنتُ أُرضع طفلتي وأشفط الحليب في آن واحد. وكان الشفط في بداية الأيام مُرهقًا للغاية ويستغرق وقتًا، فكل قطرة كانت كنز ثمين! أذكر أننيصرخت باكية عندما رأيتُ قارورة مليئة بالحليب-٥٠ مل– نسيتها على الطاولة لساعات، إذ أنها من المفترض أن تكون في الثلاجة، وبالطبع كان مصيرها البالوعة!
تحسّنت الرضاعة الطبيعية خلال أيام وزال الألم، وجاء دور الإيقاظ الدوري كل ساعتين تقريبًا. يرضع الطفل في أول الأيام من ١٠ إلى ١٢ مرة في اليوم، وتستغرقالرضاعة من ٣٠ إلى ٤٠ دقيقة. وبما أن طفلتي تراجع وزنها في الأيام الأولى، كنتُ مضطرة إلى إرضاعها كل ساعتين وإن كانت نائمة وأن أحرص على تغيير حفّاظتها بشكل مستمر لتدوين عدد الحفّاظات المبللة في قائمة أُسلمها لاحقًا إلى طبيبة الأطفال.
كان المنبه صديقي، وكنتُ مرعوبة من القصص التي تحكي عن وفاة طفل في المهد بسبب اختناقه من المخدة أو البطانية أو من أمه! فاستعنتُ بلعبة الشطرنج على جوالي والتي كانت تُبقيني مشدوهة العينين أثناء رضاعتي لطفلتي. أتذكر جيدًا عدد المرات التي استيقظت فيها مرعوبة ظانّة أنني نمت على ابنتي أثناء الرضاعة لأجدها نائمة بجانبي على سريرها.
مع مرور الأشهر، أصبحت الرضاعة روتين سهل، إلا أنه من الصعب أن تبتعد ابنتي عني، أو أن ابتعد أنا عنها. كنتُ أشعر بالاطمئنان والسعادة عند إرضاعي لها،لاتستطيع ابنتي النوم بدون أن أضمها إليّ وبعد أن ترضع مني، وكنت مسرورة من ذلك. عانيتُ كثيرًا من عدم انتظام نومها، والجميع كان يخبرني أنه ”الطفل الأول“، لكن لم ينتظم نومها إلا قبل أسابيع قليلة فقط من كتابة هذه التدوينة.
عندما اقترب عمر ابنتي من السنتين، سألني الجميع عن موعد فطامها. لم أكن أرغب في ذلك. قد يبدو كلامي فيه الكثير من المبالغة، إلا أنني رغبت في إرضاعها للأبد. كانت تأتيني بعض النصائح من شاكلة ”استخدمي المُرّة“ لكني لم أود إطلاقًا في أن أُنهي تجربة رائعة بطريقة مقرفة وسخيفة. لا أرغب في أن أجعل ابنتي تتقرف من الحيّز الذي كان يمنحها الحنان والدفء.
قللت عدد الرضعات بشكل تدريجي، وغيّرت الروتين والأماكن، وبقيت فترتان كانتا الأصعب: قبل النوم وأول الصباح فور الاستيقاظ. تخليتُ عن رضعة بعد الاستيقاظ ببعض الحيلة، إذ أنني قدمتُ لها الحليب الصناعي وشتّتُ انتباهها بفضل الألعاب، لكن المعاناة كانت تكمن في رضعة قبل النوم. أدخلتُ تدريجيًا روتين الحكاية وتهويدات قبل النوم إلى أن نستها تمامًا، وانتهى بذلك عهد جميل 🙁
بفضل الرضاعة الطبيعية تعلمت عدة دروس:
- كل أم هي أم محبة ورائعة سواء كانت تُرضع طفلها طبيعيًا أو صناعيًا.
- الحليب الصناعي ليس سُمًّا!
- الأم التي ترضع طفلها طبيعيًا ليست أفضل من الأم التي تُرضع طفلها صناعيًا. وليس هناك أم أفضل من أم بسبب الرضاعة أو عدمها، من نحن حتى نقرر؟
- الحليب الصناعي ليس سُمًّا!
- كل أم لديها ظروف خاصة بها (سواء صحية أو نفسية أو أسلوب حياة أو ليس لها ظروف على الإطلاق!) ليس علينا نُصحها بأن ترضع طفلها طبيعيًا وليس لنا دخل بذلك!
وفي النهاية، أختم التدوينة بهذه الصورة –والتي أبكتني وكأنها تُجسد حالي– للمُدوِنة ”مايا فورديرستراس“ وهي ترضع طفلتها في أول يوم، وآخر يوم .. والحمدلله على البلاغ.
كأنكِ تصفينني بتدوينتك هذه ،عانيتُ كثيرًا وأنا أحاول إرضاع ابنتي ، وساعدتني والدتي الحبيبة جزاها الله عني كل خير وكانت تطمئنني ضاحكة ” سنة أولى أمومة ، سوف تتعلمي” لم ينقص من وزن طفلتي والحمدلله والسبب غالبًا عنايتهم بها في المستشفى حيث لم يبقوها بجواري أكثر من نصف ساعة قبل أن يأخدوها ويرضعوها الحليب الصناعي، كنت أعد نفسي لاستخدامه لو طالت الأزمة لكن بحمدالله بعد انتهاء ثالث يوم من إنجابي وهي الفترة التي قضيتها في المستشفى رضعت طفلتي مني لأول مرة .
بالطبع كان هنالك آلام الرضاعة تنتظرني والرعب من اختناق طفلتي أيضًا فكنت أصحو كل بضعة دقائق متحققة من تنفسها المنتظم ، سبحان الله لا أحد يدري عن فيلم الرعب هذا عدا الأمهات الجدد!
الحليب الصناعي أرضعتناه إياه أمي جميعنا مع الرضاعة الطبيعية لذا لم يكن لدي مخاوف منه ، بعد أن اعتدت وطفلتي على الرضاعة ظهرت مشكلة المغص وعاتبني الطبيب لإرضاعي لها في كل وقت دونما انتظام ومثل ذلك مشكلة أخرى كبرى لدي،حيث لم أعرف استراتيجية أخرى لإسكاتها..
مدونتكِ متنفسٌ لي نجلاء .. شكرًا لكِ.
كثيرًا ما أفكر أننا لو حُظينا بطفل آخر فيما بعد سنكون مستعدين فعلا من نواحي عديدة وإن كانت فكرة العناية بطفلين مرهقة، لكننا أصبحنا ندرك جيدًا معنى أن تكون أم لطفل مولود.
شكرًا لكِ رقية على مرورك الدائم لمدونتي، الله يسعد أيامك
يا حلوك يا نجم، كل هذا الجمال والتدوينات الرائعة وكذلك أنتِ أم ❤️
وياحلوك أسماء على لطافتك وتعليقك الحلو .. شكرًا على مرورك
أكبر نعمة منحها الله لي خلال حياتي كلها هي هذه الصغيرة التي لم يتعلق قلبها بعد بشيء في هذه الدنيا غيري.💕
وأحسن قرار اتخذته في حياتي هو الرضاعة الطبيعية الصرفة، صحيح أننا لا نزال في الشهر السادس من هذه الرحلة، إلا أنها ورغم ألمها أول الوقت والفزع الليلي الذي لا زلت أعاني منه؛ فهي أسمى ارتباط وأقوى التصاق. 💞
شكرًا لكِ نجلاء، استمتعت جدًا مع هذه التدوينة ووجدتها قريبةً مني ومن تجربتي. 🌸
ماشاء الله تبارك الرحمن
الله يقويني واكمل حولين كاملين يارب ، بنتي عمرها ٧ اشهر وماقدرت ادخل لها صناعي ابدا ليش وانا معها طول الوقت مع كورونا والحجر 😆