عندما شرعتُ في قراءة يوميات تولستوي، لاحظتُ أنه يولي اهتمامًا بالغًا بشأن الكتابة بشكل يومي. دوّنت هنا بعض الملاحظات عن تولستوي والكتابة قد تُلهمكم أو تضيف إليكم شيئًا:
١- الكثير والكثير من الكتابة!
يكتب تولستوي بشكل يومي: يومياته وخطابات وروايات، ويقول أنه لا بد من الكتابة اليومية ”حتى لا تفارقني حالة الكتابة“. ويتحسر إن لم يكتب شيئًا خلال اليوم، فيدوّن هكذا في يومياته:
كتبتُ صفحة
كتبتُ صفحتين
لم أستطع كتابة أكثر من ربع صفحة
لابد أن أكتب
كتبتُ قليلًا
كتبتُ صباحًا ومساءً لكن بكمية قليلة
غدًا سوف أكتب
٢- إن الكتابة عند تولستوي هي وظيفة لابد من ممارستها باستمرار ”فالاستمرارية والحسم هما السمتان اللتان تضمنان النجاح في كل شيء“.
٣- قد تأتيك فكرة تكتب عنها، لكنك ما إن تصل إلى منتصف الموضوع حتى تجد أن هذا الأمر قد صعب عليك، وأن شغفك به قد خف ”من الصعب الاستمرار في الكتابة بنفس الشغف الذي بدأ به المرء ونفس الجودة“.
٤- احرص كل الحرص على الكتابة بوضوح وتناسق وأعد قراءة ماكتبته حتى تتأكد من وضوح أفكارك ”لابد أن أتعود أن أكتب دائمًا بوضوح وتناسق ولكن كثيرًا ما يحدث-دون وعي مني- أن أُخفي الغموض أو الأفكار الخاطئة عن نفسي بمناورات وانعطافات والتواءات“.
٥- عندما تصيبك قفلة الكاتب، لايوجد حل إلا أن تُجبر نفسك على الكتابة أو أن تُهمل المقطع الذي تكتبه وتمضي قدمًا في كتابة مقطع آخر. المهم أن تستمر في الكتابة ”كثيرًا ما يحدث أن أتوقف رغمًا عني عند مقاطع معينة في العمل الأدبي. من الضروري حينها إما أن أجبر نفسي على كتابة هذا المقطع أو مناورته وتنحيته جانبًا، وعدم السماح لنفسي بالتوقف عن الكتابة بدعوى التردد“.
٦- ضرورة المراجعة وحذف الزوائد والمقاطع غير الواضحة ”راجع كل عمل أدبي انتهيت من مسودته الأخيرة، واحذف كل ماتجده زائدًا ولا تضف شيئًا، هذه هي العملية الأهم. عليّ أن أمحو دون أسف كل ما هو غير واضح وممتد وغير مناسب، باختصار كل الأجزاء غير المرضية حتى وإن كانت جيدة في حد ذاتها“. لكن لابد الحذر من كثرة المراجعة لجزئية معينة والتي تؤدي إلى حذف الجيد منها، كالطالب في الاختبار عندما يراجع الحل كثيرًا ويشك فيه فيحذفه ويكتب حلًا آخر ”إن قرأ المرء جزءًا معينًا كثيرًا سيقوم بإصدار أحكام غير سليمة بشأنه وستختفي فتنة الكتابة واهتمامه ومفاجأته بهذه الجزء.
٧- من هم قراء محتواك؟ ”يتخيّل كل كاتب مجموعة معينة من القراء عندما يكتب. عليه أن يحدد بوضوح متطلبات هذه الفئة من القراء، وإن كانت الحقيقة أن العالم كله لا يضم سوى قارئين فقط، فعليه أن يكتب من أجلهما. أغلب القراء لا يألفون وصف الأشخاص أو المناظر الطبيعية، لا تبعدها عن نظرك أبدًا، بل قارن الأنواع المألوفة منها بغير المألوفة وصفها“.
٨- ماهي نقاط الضعف في شخصيات روايتك؟ ”حتى يتعرف القرّاء على البطل، لابد وأن يتعرفوا على مواطن الضعف بداخله، ومواطن الفضيلة، بالنسبة للأخيرة فهي أمر محتمل لكن الأولى أمر ضروري للغاية“.
٩- كيف تحصل على الإلهام؟ من الكتب، والناس! ”كان تشيلر على حق تمامًا عندما أدرك أنه لا يمكن لأي عبقري أن يتطور بينما يعيش في وحدة، فعامل الإثارة الخارجي أو الكتاب الجيد وحتى المحادثة هي الوسائل التي تدفعه إلى التأمل والتفكير أكثر من أعوام من العمل وحيدًا.. لابد أن تولد الفكرة في رحم المجتمع، أما العمل عليها والتعبير عنها فيقوم بها المرء في وحدته“.
كان تولستوي كثير النقاش مع من حوله في أمور شتى ويحب التأمل فيما تناقش به، انظر كيف استلهم فكرة من رواياته من خلال حديثه مع أحد الضباط ”تحدث معي أحد الضباط كبار السن وسألني: هل أنت من أولئك البائسين (الذين يُرسلون إلى الجبهة في القوقاز ليشتركوا في المعركة هناك)؟ لقد أوحى إلي بفكرة أني لابد وأن أقتبس من برنامج المدفعية وكتبها“.
١٠- احتفظ بدفتر ملاحظات بالقرب منك وابدأ في الكتابة فور أن تأتيك الأفكار ”ماتعهدت بفعله لا تؤجله بحجة شرود الذهن أو الرغبة في الترفيه، بل باشر العمل عليه فورًا حتى ولو بصورة ظاهرية. يمكن للأفكار أن تأتي. على سبيل المثال إن تعهدت بكتابة قاعدة، تناول دفتر الملاحظات واجلس على الطاولة ولا تنهض من مكانك عندما تبدأ الكتابة إلا حينما تنتهي منها“.
كذلك يُفيد دفتر الملاحظات في تدوين الأفكار الخاطفة التي تأتيك بعد قفلة الكاتب ”عند كتابة العمل الأدبي كثيرًا ماتتعطل كتابة فكرة جيدة، لذا ما إن تتشكل هذه الفكرة بصعوبة حتى أدونها في اليوميات دون أن أهتم بالموضع الذي سأضعها فيه تحديدًا، فسوف تجد مكانًا لها بنفسها“.
١١- الترجمة هي الوسيلة المثلى للتدريب على الكتابة بأساليب جديدة، فقد كان تولستوي يترجم بشكل مستمر الكثير من الروايات والمقالات مع زوجته إلى الروسية ”كتابة وترجمة نص ما من لغة أجنبية إلى الروسية من أجل تدريب الذاكرة واكتساب الأسلوب، وبعدها سأنخرط في الكتابة عن اليوم الماضي وعن كافة الانطباعات والأفكار التي مررت بها فيه“.
١٢- اُكتب دون أن تهتم بطريقة الكتابة أو شكلها أو صحة الإملاء والأسلوب، المهم أن تكتب أولًا وبعدها يأتي الترتيب والتعديل والحذف ”لابد أن أكتب الحبر لا بالقلم الرصاص دون التفكير في مكان وصحة التعبير عن الأفكار. عندما أعيد الكتابة ثانية سأستبعد كل ما هو زائد، وأضع كل فكرة في مكانها الصحيح. عند الكتابة للمرة الثالثة سأُعيد العمل على دقة التعبيرات، ولابد أيضًا من تجنب التكرار“.
١٣- اكتب بحيث لو تُرجم ما كتبته إلى لغة أخرى سيبدو رائعًا ”لابد وأن أكتب- أي أعبر عن أفكاري- بحيث تكون جيدة في جميع اللغات. هكذا هو الأمر مع الأناجيل ولاتسو وسقراط، بل إن الأناجيل ولاوتسو تبدو أفضل في اللغات الأخرى“.
١٤- إعادة الكتابة: تحدث تولستوي باستمرار في يومياته عن إعادة كتابته لفصول ومقاطع من رواياته، وكأنه يكتب للمرة الأولى:
أعدتُ كتابة الفصل الأول
سأجبر نفسي على إعادة الكتابة
أعدتُ قراءة وتصحيح..
١٥- الإجبار على الكتابة وبذل المجهود: مرة أخرى، يُجبر تولستوي نفسه على الكتابة ”بالأمس وصلني خطاب من والدة جرينيفتش بشأن التربية الدينية للأطفال. لابد أن أكتب عن الموضوع، على الأقل عليّ أن أبذل كافة قواي من أجل ذلك“.
2 thoughts on “نصائح تولستوي في الكتابة”