وما الخوفُ إلا ما تخوّفه الفتى: تدوينة عن الخوف

 

The Scream by Edvard Munch


يقال أن الإنسان يُولد ولديه خوف من أمرين فقط: الخوف من الصوت العالي، والخوف من السقوط، وكل خوفٍ بعد ذلك مُكتسب من بيئته.

في طفولتي كنت أخافُ من الظلام كثيرًا، لا أعلم كيف تكوّن هذا الخوف لديّ لكن من المؤكد أن القصص التي كنا نسمعها أو نرويها لبعضنا كأطفال في آخر الليل عن الجن والكائنات غير المرئية هي التي زرعت هذا الخوف في قلبي. كنت أعتقد دائمًا بأن هناك كائن ما ينتظرني في الظلام بتعابير وجهه المخيفة. أذكر جيدًا الأيام التي هربت فيها من سريري متجهة نحو أمي التي اعتادت أن تجدني نائمة تحتها عندما تستيقظ فجرًا. لكن نجلاء الصغيرة أيقنت بطريقة ما أن التغلب على الخوف يكمُن في مواجهته. فماذا فَعلَت؟ 
ذات يوم، وعندما استيقظَت هلعًا من النوم في منتصف الليل نزلت بمفردها إلى الدور السُفلي حيث الصوالين الواسعة الغارقة في الظلام الدامس. كانت تجربة رهيبة، دارت على الدور كله وهي تُضيء الأنوار لتُؤكد لنفسها أن لا أحد هناك. كررَت هذه التجربة يومًا بعد يوم حتى تلاشى خوفها من الظلام. أصبحت نجلاء الصغيرة أكثر حكمة، ألم يقل برتراند رسل ”بداية الحكمة أن تهزم الخوف“؟



الخوف تجربة نفسية أليمة، لذلك أهل الجنة (لا خوفٌ عليهم..)

كبرتُ قليلًا، وعندما حان الوقت لمشاركة المناسبات التي يجتمع فيها الكبار كنت دائمًا فيها الشخص الأصغر. وبما أن أصغر القوم خادمهم، ومبادرة مني تكريمًا للمديح الذي وصلني من أول القادمين بقولهم ”آه كم كبرتِ“، تطوعتُ للمرة الأولى لصب القهوة وليتني لم أفعل. كانت دلة أهلي المُذهّبة ثقيلة للغاية، ومن أجل أن أصب القهوة كان عليّ أن أرفع الغطاء قليلًا بالضغط على قطعة خلف الغطاء باصبعي أثناء الصب لترتفع إلى أعلى وبالتالي تُفتح كالفم – وليس بضغطة زر كما هو حال الدلال اليوم أو بإدارة الغطاء قليلًا لفتحه-، وبالتالي نتج عن ذلك سكب القهوة على يدي. 
اعتذرتُ بأن الدلة بها عيب ولم تكن حرارة القهوة بأشد من حرارة الخجل التي كنتُ أشعر به. حاولتُ للمرة الثانية أن أصب القهوة لكن النتيجة أيضًا باءت بالفشل. وهكذا أصبح لديّ خوف جديد: صب القهوة أمام الناس.
 أصبحتُ لا أحب الولائم أو التجمعات التي كانوا يُقيموها أهلي في منزلنا لأنني كنتُ الفرد الأصغر، وهذا يعني أنه يتحتم عليّ أن أساعد أمي في خدمة الجميع واضطر إلى تقديم القهوة. ومع حبي للناس، كنتُ أشعر بالضيق في اليوم الذي يُعلن فيه عن قدوم ضيفٍ جديد، ولكنني أشعر بالخفة عندما ننتقل إلى تقديم طعام العشاء ثم الشاي. إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه نجلاء المراهقة تقليد نجلاء الصغيرة بتجربة الحل الوحيد: مواجهة الخوف.

عندما قرر والدايّ إقامة طعام العشاء، ذهبتُ يومها إلى مطبخ الضيوف وتفحصتُ جميع الدلال الموجودة لأول مرة بعيدًا عن الدلة المشؤومة. هذه دلة جميلة فيها زر دائري كبير اضغط عليه ثم تخرج القهوة ..ببساطة. هكذا إذن! يا الله .. الدنيا بها حلول كثيرة لم نكن نتخيل بوجودها.. بالطبع لم أكن سأعرف هذا الحل لولا أنني لم أواجه المشكلة التي أجهل تفاصيلها، والإنسان دائمًا عدو ما يجهل.

كيف هي تجاربكم مع الخوف؟ يُقال أنكم تستطيعون التعرف على ذواتكم من خلال معرفة ما يخفيكم في هذه الحياة. أغلب الأمور التي نخافها نُدرك لاحقًا أو في مرحلة متأخرة مع الأسف أننا عظّمنا من شأنها.

”كانت لديّ الكثير من المخاوف في حياتي، معظمها لم تحدث“ -مارك توين 


هل واجهتهم مخاوفكم؟ وجدتُ بعض النصائح العملية من تيم فيريس قد تساعدكم في مواجهة الخوف خاصة في اتخاذ القرارات:

١- حدد كابوسك: حدد أسوأ أمر قد يحصل لك عندما تفعل ما تخافه. ما هي الشكوك والمخاوف والأمور التي ”قد“ تحدث عندما ترغب في اتخاذ قرار ما أو تغيير كبير؟ تصوّر ذلك في تفاصيل دقيقة ومؤلمة.
هل سيكون ذلك نهاية حياتك؟ 
ترى ما هو التغير الدائم الذي سيحدث، إذا كان هناك تغير أصلًا، على مقياس من ١ على ١٠؟

هل هذه الأمور المتغيرة هي حقًا دائمة؟
ما هي احتمالية حدوثها في نظرك؟

٢- ما هي الخطوات التي من الممكن أن تتخذها لإصلاح الضرر أو لإرجاع الأمور إلى نصابها حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت؟ 
إن الفرص أسهل مما تتوقع. كيف تستطيع أن تُعيد الأمور لتكون تحت السيطرة مرة أخرى؟

٣- ما هي النتائج أو الفوائد الدائمة والمؤقتة من السيناريوهات المتوقعة؟ أنت الآن قد حدّدت الكابوس، فما هي النتائج الإيجابية التي تحمل احتمالية عالية لوقوعها؟ سواء كانت النتائج داخلية (الثقة، أو تقدير الذات..الخ) أو خارجية. ما هو التأثير المتوقع الذي يمكن أن يحدث على مقياس من ١ على ١٠؟ كم هي احتمالية إنتاجك لنتيجة إيجابية؟ هل استطاع الآخرون الأقل ذكاء منك أن يفعلوه وينجحوا في ذلك؟

٤- إذا طُردت من عملك اليوم، ما الذي تستطيع أن تفعله لتجعل الأمور تحت السيطرة المادية؟ تخيّل هذا السيناريو واطّلع على الأسئلة الثلاثة السابقة. إذا استقلت من عملك لاختبار الخيارات الأخرى، كيف ستعود إلى طريقك المهني إذا وجب عليك ذلك؟

٥- ما الذي تؤجله بسبب الخوف؟ في العادة، الأمور التي نخاف أن نفعلها هي الأمور التي نحتاج أن نفعلها. تلك المكالمة الهاتفية، أو ذلك الحوار، أو غيرها من الأمور. إن الخوف من النتائج المجهولة هو ما يمنعنا من فعل ما نحتاج أن نفعله. حدد أسوأ حالة من الممكن أن تحدث لك وتقبّلها ثم افعلها. سوف أكرر عليك أمرًا تحتاج أن تُوشمه على جبينك: 
ما نخاف أن نفعله هو في العادة ما نحتاج أن نفعله.

وكما قيل إن نجاح المرء في الحياة يمكن أن يُقاس بعدد الحوارات غير المريحة التي يرغب في إجرائها. خطط في كل يوم أن تجرب أمرًا واحدًا تهابه. اكتسبتُ هذه العادة من خلال محاولتي في التواصل مع المشهورين في الأعمال وغيرهم لأجل أن اسألهم عن نصيحة يقدموها إليّ.

٦- ما الذي سيكلفك – ماديًا وعاطفيًا وجسديًا- إذا أجّلت العمل؟ لا تُقيّم الجانب السيء من العمل فقط. من المهم أن تقيس الثمن السيء لعدم العمل. إذا لم تُكمل الأمور التي تُثيرك، فأين ستكون بعد سنة، أو ٥ سنوات، أو ١٠ سنوات؟ كيف ستشعر لأنك سمحت للظروف أن تسيطر عليك ولأنك سمحت لعشر سنوات من حياتك أن تمر وأنت تفعل أمرًا تعلم جيدًا أنه لن يحقق لك شيئًا؟ إذا نظرت إلى ١٠ سنوات من خلال التيليسكوب وتأكدت ١٠٠٪ بأن هذا الطريق هو طريقٌ للخيبة والندم، وإذا عرّفنا الخطر بأنه ”احتمالية حدوث نتائج سلبية لا رجعة فيها“، فإنه يمكننا القول بأن ”عدم الفعل“ هو الخطر الأعظم على الإطلاق.

٧- ما الذي تنتظره؟ إذا لم تستطع إجابة هذه السؤال فإن الإجابة هي بسيطة: أنت خائف، مثل بقية الأشخاص في العالم. قِس تكلفة عدم العمل، وحاول أن تستوعب عدم احتمالية وقابلية إصلاح الخطوات المتعثرة، وطوّر العادة الأكثر أهمية لهؤلاء الذي ينجحون ويستمتعون بالنجاح: الفعل.

مخرج:
الهلع من إغلاق البوابة: كلمة ألمانية، وتعني  الخوف الذي يشعر به المرء عندما يتقدم بالسن، عندما يشعر أن الوقت يمضي بسرعة وبالتالي تفوته فرص كثيرة.
– رواية الخوف لستيفان زفايغ
– تدوينة: الخوف من الجراثيم
– تدوينة: الخوف من أن لايحتاجنا أحد