بالأمس حضرت ليلة صوفية جميلة من باب الفضول والإطّلاع. قد كنت كتبتُ مسبقاً عن مغامرتي الأولى في عالم الصوفية تدوينة بعنوان عالم صوفي إن أردتم قراءتها.
بدايةً جلسنا في حلقة دائرية كبيرة، وبدأت الليلة بتلاوة من القرآن الكريم، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبترتيل بعض الأذكار. بعدها، بدأنا نمارس التأمل، طلبت منا المُختصّة بأن نغمض أعيننا وأن نتنفس بعمق، و روت لنا حكاية ببطء شديد حتى نستطيع أن نتخيلها ونعيش أجوائها (وأرجو أن أُوّفق في تذكرها وسردها) :
“لنذهب سوية إلى مصر، إلى الأهرامات… نحن أمام أكبر هرم، ستدخل الهرم وستجد أمامك درجاً تصعده، وفي هذا الدرج تجد صوراً لك فيها حياتك السابقة وحياتك الآن.. الآن أمامك غرفة كبيرة بها حوض سباحة كبير وفي آخر الحوض توجد مرآة ضخمة.. تستشعر مياه الحوض بإحدى قدميك فتقرر أن تغوص في حمام السباحة.. شعور غريب ينتاب كل جسدك.. كل المتاعب والمصاعب تخرج منك بسبب هذا الماء، تجد شخصاً في آخر حمام السباحة عند المرآة.. هذا الشخص يحبك كثيراً ولديه الكثير من مشاعر الحب تجاهك.. ثم تقرر أن تخرج من حمام السباحة وقد خرجت منك كل متاعبك وهمومك وتودّع هذا الشخص.. تعود أدراجك لتنزل من الدرج وترى مرة أخرى صوراً لحياتك.. تُوّدع هذا المكان الجميل مع إمكانية العودة إليه مرة أخرى”.
أخبرتنا بأنه من الممكن أن نفتح أعيننا عندما نكون جاهزين لذلك فقد انتهت رحلتنا. سألتنا عن التجربة، وحيث أن لا أحد قام بالرد عليها بادئ الأمر أجبتها بأن الأمر مشابه للحلم. وكنت قد محقة، فكأنه أحد أحلامي الضبابية والغير واضحة التفاصيل. لم أشعر بشيء خارق، ولم تلامس التجربة وجداني. تعاقب الجميع بعدها على سرد ما أحسوا به خلال التأمل، فإحداهن تخبرنا وبشيء من التأثر بأنها شعرت أنها كانت في الجنة، وأخرى تُخبرنا بأن الإنسان الواقف عند المرآة و الذي لديه كل هذا الحب هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وآخر يخبرنا بأنه تخيّل نبي الله يوسف لأنه قرأ قصة يوسف مؤخراً.
وبعد ذلك، قامت المُنشدة بترديد بعض الأناشيد الصوفية الجميلة، هذه إحداها قمت بتحميلها لكم على اليوتوب:
سردت لنا المُنشدة قصة جلال الدين الرومي وهو يبحث عن عالِم يستطيع أن ينهل منه العلوم الروحانية، وفي مكان آخر كان العالِم شمس الدين التبريزي وقتها يبحث عن طالب يلقنه كل العلوم الروحية التي في جعبته. وعندما وجد الرومي شمساً جلس معه زمناً استقى منه علومه العظيمة، وهجر فيه أهله وطلاّبه، وقيل أن هذا الأمر أثار غيرة طلّابه والمقربين إليه. اختفى شمس التبريزي فجأة وقيل أنه مات مقتولاً، وأصبح الرومي شاعراً صوفياً مشهوراً حتى للعجم يبحث في قصائده عن شمسه. أخبرتنا المُنشدة بأن الرومي يظل محظوظاً لأنه وجد شمسه، في حين أننا ما زلنا نبحث عن شمسنا.
ما يُستفاد من القصة أعلاه، أنك قد تُصبح إنساناً مُبدعاً بسبب مصائبك.. المُعاناة تُخرج الإنسان الشاعري فيك.
انتهت السهرة بالرقصة الدرويشية، والتي من المُفترض أن يبلغ بها الصوفي أعلى درجات الروحانية بدورانه حول نفسه -عكس عقارب الساعة- مع الموسيقى، فقد أخبرتنا المُنشدة بأن للدوران حول الذات سر عجيب، فنحن نطوف حول الكعبة، والأرض تدور حول نفسها -وهو ما ينتج عنه الليل والنهار بالمناسبة- أثناء دورانها حول الشمس.
مااستفدته من هذه التجربة هي الموسيقى الجميلة التي ظلت في ذاكرتي ومن حسن الحظ أنني قمت بتسجيلها، لم أبلغ أي درجة من الروحانية، ولم آتي لهذا السبب لأنني أؤمن تماماً أن في الصلاة بخشوع والدعاء تتجلى فيهما قمة الروحانية. في خلال لحظات التأمل لاحظت بأن قولنا (يا سلام) كتعبير لإعجابنا عن شيء هو مجرد ذكر اسم من أسماء الله تعالى (السلام)! أيضاً بسبب كلمات إحدى الأناشيد الصوفية تنبهت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تُهامي وليس حجازي إن صح كلام الأصمعي الذي يذكر بأن مكة تُهامية والمدينة حجازية.
أهنئك على التجربة
وفي وهلة صوفية من منحنيات هذه التدوينة دمعت عيني
المعلومات بخصوص الحجاز وتهامة فيها لبس وخلط كثير حتى في الكتب المتخصصة
أشكرك على المرور إبراهيم، التجربة فيها شيء من الروحانية
إذا أعجبتك قصة الرومي فينبغي لك قراءة كتاب قواعد العشق الأربعون للكاتبة التركية أليف شفق.
شكراً لك على مرورك، الكتاب في قائمة الكتب التي أود قراءتها
قام بإعادة تدوين هذه على فاطِم ..