لماذا يجب عليك أن تقرأ الحرب والسلم لتولستوي؟

IMG_4895D1087808-1
أعتقد أن رواية الحرب والسلم لتولستوي هي أعظم رواية كُتبت، وأظن أنه لن يُكتب ما يعادلها ثانية – سومرست موم


فكّروا في الاعمال العظيمة التي أنتجتها البشرية خلال الأزمان كلها: الأهرامات، سور الصين العظيم، لوحة ليلة النجوم، معزوفة باخ: تشيلو سويت رقم ١ بريلود، البف المديني، تمثال ديفيد، الأجزاء الأولى من قيم أوف ثرونز.. لا بد وأن القائمة تضم رواية الحرب والسلم لتولستوي (بالإضافة إلى البؤساء بالطبع!)
في هذه التدوينة، لخّصت باختصار شديد بعض الأسباب التي تجعل من قراءة الحرب والسلم ضرورية خلال حياتكم:


١– لأنها تطوير للذات
دائمًا ما أفكر في الكلاسيكيات أنها كتب رائعة في تطوير الذات. ندرك منها كيف يتأمل المتألم، ونفكر في الأسئلة المهمة التي تطرحها المواقف، ونقارن مواضيعها ومشاكلها المختلفة بالأحداث التي تحصل في حياتنا الشخصية. هناك دراسة نُشرت في ساينس تلخّص فيها أن قراءة الكلاسيكيات تطور من نظرية العقل، أو قدرة الشخص على فهم الآخرين خاصة إذا كانوا يحملون معتقدات ورغبات مختلفة عنه. يقول آلان دو بوتون أن تولستوي في الحرب والسلم لم ينجح فقط في إمتاع قرائه بل وفي زيادة ذكائهم العاطفي ”تولستوي كان مؤمنًا بأن الرواية ليست فقط أداة للمتعة بل أداة للتعليم والإصلاح النفسي. كان يعتقد أنها المصدر الأعلى الذي نستطيع من خلاله معرفة الآخرين، خاصة هؤلاء ذوي المنظر غير الجذاب، وبالتالي ننشر إنسانيتنا ونتعاطف مع الآخرين”.


٢– لأنها ممتعة جدًا
ستقضي ساعات طوال تقلب فيها الصفحات رغبة في معرفة ما الذي حدث لبيير أو أندريه أو ناتاشا أو روستوف. ستفكر في الأحداث كثيرًا، وتتأمل تطور شخصياتهم وستتحدث لأصدقائك عنهم وكأنك تعرفهم جيدًا. سوف يمضي بك فضولك لأن تبحث عن الحروب النابليونية في روسيا، وعن زمهريرهم الشتوي، وستبحث عن تأثير فرنسا على روسيا – خاصة أن الطبقة الارستقراطية في روسيا تتحدث الفرنسية-، وسوف تكوّن رأيك الخاص حول نابليون القائد الفرنسي المثير للجدل، وسوف تبحث- كما بحثتُ أنا- عن المذنّب العظيم الذي كان يتأمله بيير فرحًا رغم تشاؤم الناس منه، والذي قال عنه أبو تمام عندما تشائم الناس منه ونصحوا المعتصم بالتراجع في معركة عمورية:
وخوّفوا الناس من دهياء مُظلمة.. إذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذنبِ


٣– لأن تولستوي عبقري لديه القدرة على ملاحظة النفس البشرية
الشخصيات واقعية للغاية، قد تجدهم حولك في مجتمعك. كذلك تطور الشخصيات واضح خلال أحداث القصة، تلاحظهم وتكبر معهم مع تقليب الصفحات – وهو شعور رائع بالمناسبة-. كان بيير بوزخوف يعظّم من شأن نابليون قبل اندلاع الحرب، ويدافع عنه في الحفلات الارستقراطية، حتى أصبح يتمنى أن يكون قاتل نابليون في نهاية الرواية. لم يكن بيير وحده من يعظّم من أمر نابليون والفرنسيين، بل كذلك الكثير من الروس في ذلك الوقت ”الأزياء فرنسية، والأفكار فرنسية، والعواطف فرنسية، كل شيء فرنسي!“، وانظر كيف تطورت آرائهم مع تطور أحداث الرواية. أما تصوير الصراعات الداخلية للشخصيات في الرواية عظيمة ”يُشبّه تولستوي العالم التقليدي الزائف في تعارض مستمر مع الطبيعة الإلهية الصادقة. فالأمير آندريه في صالون بطرسبرج، والأمير آندريه فوق أرض المعركة يصوب نظره إلى السماء المرصعة بالنجوم“. سوف تُدرك جيدًا كيف أن النفس البشرية لديها دوافع غير عقلانية في اتخاذ القرارات سواء كان ذلك في الحرب أو السلام.


٤– لأنك سوف تعيد قراءة الكثير من النصوص والحوارات من أجل تأملها لجماليتها وواقعيتها
انظر إلى الحوار الذي دار بين بيير والرجل الفرنسي عن موسكو وباريس ليوضح مدى غطرسة الفرنسيين وثقتهم بنابليون:
الرجل الفرنسي: لماذا الروسيات غادرن موسكو؟ يا لها من فكرة مضحكة! ماذا كان يخيفهن؟
فرد بيير: أمَا كانت النساء الفرنسيات يغادرن باريس لو احتلها الفرنسيون؟
فيجيب الفرنسي ”آه آه!! إن هذه قوية جدًا! باريس؟ ولكن باريس!! باريس ..“
فأعقب بيير ”باريس، عاصمة العالم..“



٥– لأنها للباحثين عن المعنى

من خلال يومياته، كان تولستوي يبحث عن المعنى طيلة حياته. ولذلك نجد أن الغني بيير وهو الشخصية الأقرب لتولستوي يائس يبحث عن السعادة رغم امتلاكه الأموال والأراضي ولديه زوجة في غاية الجمال. يفكر بيير كثيرًا أن زواجه الفاشل هو السبب الأساسي لتعاسته، ثم يعتنق الماسونية للبحث عن المعنى، ويذهب إلى الحرب لأنه يظن أن المعنى ينتظره هناك، ويرغب في قتل نابليون لأنه هو السبب الرئيسي لكل المشاكل. ولكنه يجد المعنى في النهاية بعد مروره بجميع هذه التجارب وبالمصائب التي واجهها في الحرب، ويُدرك أن السعادة هي أمر داخلي. وكذلك بقية الشخصيات في الرواية، يجدون المعنى بعد مرورهم بالكثير من المعاناة.


٦– لأنها عن الحرب وتجربة الاقتراب من الموت
في هذه الملحمة يمنحكم تولستوي رائحة الحرب ومذاقه. يصف تولستوي البيئة الفوضوية للحرب وكذلك الحرب من وجهة نظر نابليون. ويقص علينا بطريقة عظيمة شعور اقتراب الموت من الإنسان، خاصة عندما نجد آندريه الجريح في الحرب ممدًا على الأرض مستحقرًا الحياة حوله ولا يأبه بمرور نابليون جانبه، وكذلك عندما يصطف بيير في الطابور للإعدام ويموت زميله في السجن. أما ناتاشا فتتغير شخصيتها وتصبح أكثر نضوجًا. كما في العنوان ”الحرب والسلم“ نصفها يدور حول الحرب والنصف الآخر حول أبطال الحرب في فترة السلام، لذلك لا يصح أن تقرأ فترة السلام دون أن تقرأ فترة الحرب.


٧-آخر فصل في الرواية عظيم
أغلب القصص تحتوي على نهايات سعيدة -ما عدا دراميات شكسبير التي تنتهي بالموت بشكل عجيب- ويتزوج الحبيبان ويعيشان في سعادة وهناء. أما الرواية هنا؟ أخبرتكم في البداية أن الشخصيات واقعية للغاية، لكنها تظل كذلك حتى النهاية، ويخبرنا تولستوي أن الحبيبين قد تزوجا وأصبحت الزوجة ربة منزل وتعيش مع زوجها حياة هادئة وعادية جدًا “خبئتُ الأسماء عن قصد”. في آخر فصل من الرواية، يحلل تولستوي -المؤمن- الحرب اللي قادها نابليون لروسيا من خلال الإرادة والسلطة فيقول ”لانستطيع أن نعتبر السلطة سببًا للأحداث دون التسليم بالتدخل الإلهي في شؤون البشر“. وقوله هذا يشبه قول فيكتور هوغو عندما نسب خسارة نابليون في معركة واترلو إلى إرادة الله تعالى:
”أكان من الممكن أن يكسب نابليون هذه المعركة؟
لا.
لماذا؟ هل بسبب ولينغتون أو بلوخر؟
لا. بسبب من الله“
بيير بوزخوف هو ليو تولستوي نفسه، فرأي بيير هو رأي تولستوي، وهذا يعني أن تولستوي كان يمقت نابليون. كان يسخر من المؤرخين الذين يُرجعون سبب هزيمة نابليون في بوردينو إلى زكامه، ”وليس نابليون الذي كان يقود المعركة، إذ لم تُنفذ أي خطة من ترتيبه القتالي، ولم يكن يعلم أثناء المعركة ماكان يجري أمامه. فكون هؤلاء الناس قد اقتتلوا لم تحدده مشيئة نابليون، وإنما جرى خارج عنه، بإرادة آلاف الرجال الذين شاركوا في المعركة.

اترككم مع مقطع لنجيب الزامل رحمه الله وهو يقول أن الحرب والسلم “شيخ الكتب، وأعظم الكتب الغربية.. ويتصدر زعيمًا لكل ما كتبه الغرب في أدب الرواية..”

 

 

 

 

 

المازني في الكتابة

قضيتُ ساعات ممتعة بين صفحات كتاب ”العم الذاهب“ والذي ابتعته من معرض الكتاب الدولي في الرياض. يستعرض الكتاب رحلة ابراهيم المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة بمقالات كتبها في هذين الموضوعين. ومن اللافت أن أسلوب المازني ساخر ممتع، فعلى سبيل المثال عندما تحدث عن فرانسيس بيكون قال ”وكان بيكون رحمه الله أو صنع به ما شاء“! قيل أنه ترجم بيتين عن الألمانية، وأوصى أن يُكتبا على قبره:

أيها الزائر قبري .. اتل ما خُط أمامك
ها هنا فاعلم عظامي .. ليتها كانت عظامك! 

نقلت لهذه التدوينة بعض الأمور التي تحدث عنها المازني في الكتابة لعلها تفيدكم:

١- الخطوة الأولى هي العسيرة: امسك قلمك واكتب، لأن ”الكلام يفتح بعضه بعضًا“. وكما أن الصعوبة في ممارسة الرياضة تكمن في الذهاب للنادي، يقول المازني إن الصعوبة ”هي أن أبدأ.. والخطوة الأولى هي العسيرة والتي يكثر قبلها التردد، حتى إذا خطاها الإنسان صار ما بعدها سهلًا“. 

٢- التعود على مكان معين للكتابة: كأن تجعل لك ركنًا في المنزل تلتزم بالجلوس عليه والكتابة فيه، حتى إذا ما جلست عليه تجهزت نفسيًا للكتابة. يقول المازني في هذا الشأن ”وقد تعودت أن لا أكتب إلا على مكتبي في الجريدة.. كل ما هنالك أنني حين أعزم على كتابة قصة أجلس إلى مكتبي وأنا خالي الذهن إلا من هذا العزم، فإذا كتبت السطر الأول منها انحلت أمامي كل مشكلة“.

٣- هل اعتدت الكتابة في ضوضاء أم في مكان ساكن؟ يقول المازني ”يستوي عندي الآن أن تكون الغرفة خالية ساكنة وأن تكون كالسوق القائمة كلها ضوضاء، فإن في وسعي أن أنصرف عن الضجة وأن أحصر التفاتي في عملي بحيث لا أسمع ما يدور حولي من اللغط بالغًا ما بلغت ضجته.. وهذا فعل العادة“.

٤-من أين تستلهم الأفكار؟ يستخدم المازني كلمة ”الوحي“ للدلالة على الإلهام، فيقول إن ”الأديب يستوحي من كل إنسان وكل ما هناك من الفرق بين الأديب وغيره أن الأديب أسرع تلقفًا للوحي واستجابة له“.

٥- اهتم بالفكرة جيدًا: يقول المازني ”والكاتب يُعنى بالفكرة قبل أن يعنى بوقِعها، وهمه الأول جلاؤها وعرضها في أحسن حلاها وأقواها“، وشبه الكاتب بالممثل الذي يجب أن ينتبه جيدًا لتمثيله وأن ينصرف عن التفكير بما يفعله تمثيله على الجمهور.

٦- لا بأس أن تكتب من أجل المال! فالكتابة قد تكون حِرفة ومصدر رزق للبعض، وفي ذلك يقول المازني ”وإني لأكتب، ولكن للخبز لا للأدب.. وهو مُرتزقي وقوتُ عيالي“ ويقصد بذلك كتاباته الصحفية. 

٧- ولا بأس أن يصدر عنك بعض ”السخافات“، فهوّن عليك: يقول المازني في ذلك ”ولست أرى هذا عيبًا.. فليس أحد بمعصوم، وكل إنسان يعتريه الفتور والضعف والكلال، ويصدر عنه الطيب والقبيح.. وليس بإنسان من يسلم من النقص والقصور والضعف“.

٨- سرعته وكسله في الكتابة: كان المازني لا يراجع ما كتبه، ولا يُسود ما كتبه، وفي ذلك قال الطنطاوي ”إن المازني ممن يكتب المقالة في جلسة واحدة لا يعيد النظر في جملة“، وقد يكون هذا سببًا في غزارة مؤلفاته. أما كسله فقد ذكر مرارًا في مقالاته أنه لا يتناول القلم إلا في اللحظة الأخيرة قبل تسليم المقالات ”وأحسب أن عملي في الصحافة وضجري منها عوّداني على ذلك.. وقاعدتي في حياتي هي أن أخالف ما علمني أستاذي في المدرسة، فأنا أرجئ إلى الغد كل ما يسعني إرجاؤه“.

عادات الكتابة عند مؤلفي أعظم ١٠ روايات

 

أدرج سومرست موم في كتابه (روائيون عظام ورواياتهم) ١٠ روايات يعتقد بأنها أفضل ١٠ روايات في العالم. ثم كتب نبذة عن حياة كل من المؤلفين العشرة، لكن ”لم نبحث عن حياتهم الشخصية؟“ يؤكد موم أن ”نوع الكتب التي يكتبها الكاتب يعتمد على طبيعته، فإذا كان كاتبًا جيدًا فمن المستحسن أن نعرف ما يمكن معرفته حول تاريخه الشخصي“. 

لاحظت أنهم يتبعون نمطًا متشابهًا في العادات فيما يخص الكتابة، ورأيت أنه من الأفضل أن أنقلها هنا واختصرها لعلها تفيدكم: 

١- الكثير من القراءة: كل هؤلاء الكتاب كانوا يقرأون كثيرًا وبنهم. تولستوي كان يقرأ بشكل يومي وبلغات مختلفة. أما تشارلز ديكنز فقد قرأ في طفولته دون كيخوته، وتوم جونز، وقس ويكفيلد وغيرها وأعاد قراءتها. يقول موم أن جين أوستن كانت مثقفة وقرأت روايات مترجمة عن الفرنسية والألمانية وقد عرفت شكسبير جيدًا. أما ستندال فكان يحرص على قراءة صفحة من القانون المدني قبل أن يشرع في الكتابة حتى يهذب لغته. وقرأت ايميلي برونتي الكلاسيكيات الإنجليزية بشكل ممتاز. أما هيرمان ميلفيل صاحب موبي ديك فقد قرأ الكثير أيضًا كما هو واضح في روايته حيث ينثر الشخصيات فيها نثرًا. 

٢- كثرة الكتابة: كل هؤلاء كانوا يكتبون كثيرًا. جين أوستن بدأت الكتابة في عمر مبكر. أما ايميلي برونتي فقد كانت تكتب كثيرًا للهروب من الواقع. بل كان فلوبير يكرس نفسه للكتابة ”لا نعرف أحدًا من الكتاب كرس نفسه بتلك المثابرة لفن الأدب مثل فلوبير.. فهدف الحياة بالنسبة له هو الكتابة“. وكان ديكنز مجتهدًا في الكتابة بحيث أنه يبدأ بكتابة كتاب جديد قبل أن ينتهي من القديم.

٣- الإصرار: يبدو أن الحياة اقتضت أن لكل مجتهد نصيب، وبالطبع لم تصل لنا هذه الروايات إلا عندما جاهد أصحابها كثيرًا. يقول موم أن جين أوستن عندما كتبت لم تلق استحسانا لدى الجمهور، لأن ”الرأي العام كان كارهًا للتأليف النسائي“. وعندما كتب بلزاك مأساة عن كرومويل اتفقت عائلته والبروفسور الذي أرسل له المسودة أنها رواية لا قيمة لها، لكنه غضب وأصر على العمل وكتب نحو ٥٠ كتابًا ومسرحيات ”بعضها رُفض والبقية فشلت فشلًا ذريعًا“.

٤- تدوين الملاحظات والتأمل: كان فلوبير يعتقد بأنه ”كي يكتب المرء جيدًا، فعليه أن يشعر جيدًا، ويفكر جيدًا ويتكلم جيدًا“. أما جين أوستن فكانت تتمتع بأذن جيدة. أما تشارلز ديكنز فقد كان يتمتع بقوة ملاحظة هائلة. وكان بلزاك يحمل معه دفترًا يدون فيه الملاحظات حيثما ذهب ”وحين يجد شيئًا يراه ذا فائدة، أو يعثر مصادفة على فكرة نابعة منه، أو من شخص آخر يدونها“. وكان يزور الأماكن التي يرغب في وصفها.

٥- يكتبون عن تجاربهم وخبراتهم: كان فلوبير مدركًا أن الكتابة تحتاج إلى خبرة بالعالم من حوله، وأنه لا يستطيع أن يُبدع في الكتابة وهو معتزل عن العالم. لذلك ”قرر أن يذهب إلى باريس حيث يمضي ثلاثة أو أربعة أشهر من كل عام“. لكن ماذا عن جين أوستن؟ لقد كانت سيدة مُعتزلة مقارنة بفلوبير ولكنها كتبت عن تجاربها وخبراتها متمثلة في مجتمعها عن حفلات الرقص والأحاديث النسائية، ولاحظ موم أنها ”لم تحاول أبدًا إعادة خلق محادثة بين الرجال، لأنها لم تسمعها في الواقع“! 

أما ميلفيل فقد كان يكتب عن تجاربه ومغامراته في جنوب الباسيفيك من أجل أن يكسب المال. وكان هنري فيلدينغ يتعلم من الحياة ويكتب عنها في شخصياته.

٦- الكثير من التعديلات: كما تولستوي الذي كان يراجع كتاباته ويحذف الزوائد والمقاطع غير الواضحة، كان فلوبير أيضًا ”يكتب مسودة تقريبية لما يود قوله، ثم يعمل عليها، يطور ويحذف، ويعيد الكتابة إلى أن يحصل على التأثير المطلوب.. كان يخرج إلى التيراس ويقرأ بصوت عال الجمل التي كتبها ليكون على قناعة من أنها إن لم تكن جميلة الجَرس في الأذن أو أن نطقها ليس سهلًا، فلا بد أن هناك شيئًا خاطئًا فيها“. أما بلزاك فقد كان يعدل ويحذف كثيرًا ”إنه لا يضيف كلمات فقط، بل يضيف جملًا وليس فقط جملًا، بل فقرات، وليس فقرات فقط، بل فصولًا“.

تدوينات أخرى تتعلق بالكتابة: 
نصائح تولستوي في الكتابة 
روتين هنري ميللر الإبداعي في الكتابة

تجارب ومباهج – فبراير ٢٠٢٢

Rachel Hillis

هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي أعرفكم فيها على بعض تجاربي في الأسابيع الماضية في أمور شتى كقراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب والمباهج الصغيرة.

كيف حالكم يا أصدقاء؟ قررت أن أكتب هذه التدوينة السريعة عندما تذكرت أن اليوم هو ٢٢-٢-٢٠٢٢ لعلّي أفعل شيئًا مختلفًا عن سائر أعمال الروتين اليومي :]

الكتب:

يوميات تولستوي

بدأتُ في قراءة يوميات تولستوي منذ شهر أكتوبر، وأنهيتها قبل أسبوع تقريبًا. قضيتُ أيامًا جميلة بصحبة تولستوي عندما بدأ بكتابة يومياته في سن ال١٨ وحتى قبل ٥ أيام من وفاته في سن ال٨٢. كانت يومياته في أول الأيام تتسم بالصدق والصراحة، ثم أصبحت في آخر أيامه مع اقترابه من الموت وعظية. من المثير للاهتمام أن تولستوي كان يهتم ويحرص بشدة على الكتابة اليومية (تدوينة: نصائح تولستوي في الكتابة) وكذلك بالقراءة في شتى المواضيع (تدوينة: لماذا يكره تولستوي شكسبير؟)، وكان يحب لعب الشطرنج. أما نظرته إلى النساء  فقد تأثرت بعلاقته السلبية مع زوجته صوفيا والتي كان يذمها وأفعالها بين صفحات يومياته- ولا أجد ذلك مبررًا لهذه النظرة. 
هنا تدوينة جميلة لعبدالله الوهيبي عن يوميات تولستوي بعنوان محراب الاعتراف أنصحكم بقراءتها.

الحرب والسلم

قرأت الحرب والسلم عندما انتصفت في يوميات تولستوي، ووجدتُ أن بيير بزوخوف قد يكون هو نفسه تولستوي في شخصيته أفكاره وطريقة حياته. الرواية من الروائع ويعدّها نجيب الزامل رحمه الله “شيخ الكتب، يتسيد الحائط الغربي من مكتبتي، ويتصدر قائدًا زعيمًا لكل ما كتبه الغرب في الرواية”. 

اقرؤوها!

بعض المباهج والمسرات الأخرى: 

– قطة في حديقة المنزل: كانت هناك قطة ضخمة تحوم حول المنزل، وتنبش كيس النفايات من أجل البحث عن الطعام، ابتعنا لها طعامًا جافًا من السوبرماركت وأصبحت بعدها تأتينا دائمًا من أجل الطعام. في يوم من الأيام اللطيفة، أزحتُ الغطاء عن الكرسي في ساحة المنزل من أجل أن أجلس عليه لاستمتع بالجو اللطيف، وجدت القطة ذاتها وتحتها ٣ قطط صغيرة! كانت ضخامة القطة بسبب أنها حامل! ولدت القطة وأحضرت أطفالها الصغار تحت الغطاء الآمن في البرد وفي منزلنا الذي أحست بالأمان بداخله. والآن أصبحنا نُطعم القطة لأنها في مرحلة النفاس وتُرضع أطفالها الصغار ولتنتظر مرتبة الكرسي التي اتسخت بسببها إلى أن يكبر صغارها ويتركون العش. 
– ليلة المعازيم: كنت محظوظة للغاية لأن أكون معزومة من ضمن المعازيم في حفلة محمد عبده. إذ أنني استمعت إلى أغاني رائعة بصوته مثل (صوتك يناديني، وين أحب الليلة وين، من بادي الوقت، كل مانسنس، المعاناة، أنا وخلّي..). هنا صورة مع القمرا ورا الليل الضرير :]

– زراعة الكيل والكزبرة: أول تجربة لي في استخدام سمارت بوت وهو كيس زراعي ذكي مصنوع من القماش يوفر التهوية اللازمة ويخفض من درجة حرارة التربة، ويعمل على ايقاف نمو الجذور عند وصولها لحافة الكيس. لا ياخذ الكيس حيزًا يُذكر وباستطاعتكم نقله إلى أي مكان حسب احتياجه للشمس.

فادني حساب الزينة البابطين في انستقرام كثيرًا، أنصحكم بمتابعتها.

– مشروب الشوكولاتة الساخنة من نوماد: جربت طرقًا عديدة لتحضير الشوكولاتة الساخنة، واكتشفت أن إضافة القليل من الملح يجعل الطعم مركزًا ولذيذًا. 
– كوب جميل: أحب الشاي كثيرًا، وأشربه بشكل يومي مع طعام الإفطار. وأهدتني الصديقة عهود كوبًا لحزب الشاي

أليس لطيفًا؟ 
تقويم جداري وتقويم مكتبي من سين: أحب منتجات قرطاسية سين، وهذه هي السنة الثالثة التي ابتاع فيها التقاويم منهم. 
– شاي مسالا الهندي: على طريقة رنين جودة. منعش ودافئ لاحتوائه على الزنجبيل الطازج.
– بودكاست هبة حريري: حلقة مفيدة ومثرية عن عناد الأطفال
– مطعم مومو Momo: مطعم في الرياض يُقدم أطباق الدامبلنج اليابانية. نصحتنا به الصديقة لبنى وكانت نصيحتها لذيذة للغاية! 
عطر Don Son من Diptyque 

وأخيرًا هنا قائمة بالمسرات الصغيرة التي ترجمتها وعدلت منها وأضفت إليها، لعلها تبعث السرور فيكم:

  • – قضاء وقت في الطبيعة
  • – وضع طلاء الأظافر
  • – التخطيط ليوم بدون مهام
  • – إبداء رأي إيجابي عن شيء ما (مثلا إعطاء تقييم عن خدمة جيدة)
  • – إطعام الطيور أو القطط 
  • – قضاء أمسية مع الأصدقاء
  • – تحضير مربى أو مخلل
  • – تناول العشاء في مطعم
  • – شراء الهدايا
  • – غسل السيارة 
  • – مشاهدة التلفاز أو الأفلام
  • – إرسال بطاقة إلى شخص أحبه عبر البريد
  • – إعداد المخبوزات ومشاركتها مع الآخرين (الأصدقاء العائلة أو الجيران، زملاء العمل)
  • – حمام بخار
  • – التحدث مع شخص يعيش بعيدًا عبر مكالمة فيديو 
  • – ترتيب دولاب الملابس
  • – عزف آلة موسيقية 
  • – الذهاب إلى أوبرا أو حفلة باليه
  • – إشعال الشموع العطرية أو الزيوت العطرية أو البخور
  • – قضاء بعض الوقت منعزلًا 
  • – ممارسة الرياضة 
  • – ترتيب صورة مبروزة أو عمل فني 
  • – ركوب الدراجة
  • – مراقبة الطيور 
  • – مشروب شوكولاتة ساخن 
  • – تدليك اليدين بكريم اليد 
  • – تخيل المستقبل
  • – مشاهدة مسلسل كوميدي
  • – لعب التنس
  • – حذف الرسائل الالكترونية التي لاتحتاجها 
  • – زراعة الخضروات أو الفواكه
  • – الاستلقاء على العشب
  • – مشاهدة الصور القديمة
  • – الذهاب في رحلة حول المدينة 
  • – المشي أو الهرولة 
  • – الذهاب إلى الشاطئ 
  • – ترتيب الغرفة 
  • – حذف الصور المتراكمة من الجوال
  • – استنشاق اللافندر 
  • – فتح النوافذ والستائر ليدخل نور الشمس 
  • – الذهاب إلى حديقة الحيوان
  • – ترتيب قطع البازل 
  • – التبرع بالملابس القديمة إلى الجمعيات الخيرية 
  • – الاستلقاء تحت أشعة الشمس 
  • – تعلم خدعة سحرية 
  • – الثرثرة على الهاتف مع صديق
  • – الاستماع إلى بودكاست أو مسلسل على الراديو 
  • – التنزه حول المدينة واستطلاع المباني 
  • – التلوين
  • – ركوب الخيل
  • – غسل الصحون 
  • – الجلوس في الخارج والاستماع لزقزقة العصافير
  • – الاستماع إلى محاضرة شيقة 
  • – لعب الورق
  • – وضع الكريم المرطب على الوجه أو الجسم 
  • – التطوع لمساعدة الحيوانات 
  • – إعادة مشاهدة فيلم أو مسلسل مفضل 
  • – لعب الكرة الطائرة
  • – لعب الكلمات المتقاطعة 
  • – حضن الحيوان الأليف
  • – الاستماع إلى صوت الماء أو المطر
  • – إعداد وصفة خاصة 
  • – الانغماس في حمام الفقاعات
  • – يوم عناية في الصالون ( للوجه مثلا)
  • – إسداء معروف لشخص ما
  • – بناء بيت للعصافير
  • – النظر إلى صور مناظر خلابة 
  • – الجلوس مع العائلة 
  • – الاستماع إلى الموسيقى 
  • – تعلم لغة جديدة 
  • – تعلم كورس جديد على الإنترنت
  • – شراء كوب قهوة لصديقك
  • – الاستحمام بشامبو جديد
  • – الغناء بصوت عال في المنزل 
  • – إعادة استخدام الأغراض القديمة 
  • – لعب كرة القدم 
  • – شراء الملابس الجميلة
  • – الاستماع إلى كتاب صوتي
  • – مشاهدة عرض كوميدي
  • – احتضان بطانية ناعمة أثناء الاستلقاء في غرفة الجلوس
  • – كتابة قائمة بالأمور التي أشعر بالامتنان نحوها 
  • – تعليم مهارة معينة لشخص ما (الحياكة، الرسم، اللغة)
  • – لعب الشطرنج 
  • – إرسال رسالة نصية إلى صديق
  • – صيد السمك 
  • – وضع فازة مليئة بالأزهار الجديدة والمُنعشة في المنزل
  • – الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم 
  • – إعداد خبز منزلي
  • – المشي حافيًا على العشب
  • – النط على الحبل
  • – المشاركة في كاريوكي غنائي
  • – طبخ طعام لتناوله لاحقًا في فترة الغداء
  • – الاستماع إلى موسيقى كلاسيكية 
  • – التصوير
  • – مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة على يوتوب
  • – الصلاة 
  • – تجهيز السرير بملاءات نظيفة مُنعشة
  • – رفع الأثقال
  • – شرب القهوة الصباحية وقراءة الجريدة 
  • – التخطيط لحفلة بثيم معين 
  • – ارتداء ملابس مريحة 
  • – السباحة 
  • – التخلص من الأشياء غير المرغوبة أو غير المفيدة في المنزل
  • – التواصل مع صديق قديم 
  • – فن الخط 
  • – شراء الكتب
  • – اللعب مع حيوان أليف
  • – زراعة الأزهار أو الخضروات 
  • – شراء نباتات داخلية
  • – التبرع بالدم 
  • – ممارسة التأمل
  • – التخطيط ليوم جديد
  • – الاستيقاظ مبكرًا 
  • – شراء آيسكريم من سيارة الآيسكريم
  • – ترتيب وتنظيم مكان العمل 
  • – الكتابة (قصائد، مقالات، تدوينة، كتب..)
  • – قراءة الكتب الكلاسيكية 
  • – إرسالة رسالة مكتوبة بخط اليد 
  • – غرس أصابع القدم في الرمل 
  • – مقابلة أشخاص جدد 
  • – ممارسة التنفس العميق لمدة ٥ دقائق
  • – شراء أدوات قرطاسية جديدة 
  • – إغلاق الأجهزة الالكترونية لمدة ساعة (الجوال، التلفاز، الكمبيوتر..)
  • – ألعاب الكمبيوتر
  • – الذهاب لمشاهدة مباراة كرة القدم 
  • – التخطيط لمفاجأة جميلة لشخص ما
  • – بيع الأغراض التي لا تحتاجها أو التصدق بها
  • – قَول ”أحبك“
  • – إنشاء قائمة بالأغاني التي تحبها
  • – تقليم شجرة البونساي
  • – مشاهدة الطائرة وهي تقلع أو تهبط في المطار
  • – كتابة أغنية أو تلحين موسيقى
  • – استعارة الكتب من المكتبة 
  • – إعداد حفلة شواء 
  • – الخياطة 
  • – الرقص
  • – الغداء مع صديق
  • – التحدث مع الجيران أو التعرف عليهم 
  • – الغناء تحت دش الاستحمام
  • – زيارة الجد أو الجدة 
  • – ليلة هادئة 
  • – تصفح الكتب المستعملة 
  • – الكروشيه
  • – إعداد وتغليف هدية لشخص ما
  •   النقاشات مع الأصدقاء
  • – تجربة وصفة طبخ جديدة 
  • – تدليل النفس في المنزل (ماسك للوجه مثلا)
  • – مشاهدة الأطفال وهم يلعبون 
  • – صناعة المجوهرات أو الاكسسوارات
  • – قراءة قصيدة 
  • – تناول الطعام بالخارج خلال فترة الاستراحة 
  • – إعداد دلة قهوة أو ابريق شاي
  • – استخدام الأغراض الثمينة (طقم صيني، مجوهرات، ملابس غالية، كوب ثمين..)
  • – الذهاب للسوق والتفرج على المحلات دون الشراء
  • – الاعتناء بالنباتات
  • – مناقشة الكتب 
  • – الذهاب إلى مكان عام ومراقبة الناس 
  • – الإنصات إلى الآخرين 
  • – إعادة تنظيم الأثاث في المنزل
  • – مشاهدة شروق الشمس أو الغروب
  • – إعادة تدوير الأغراض القديمة 
  • – التنظيف
  • – قطف الفراولة أو التوت من المزرعة 
  • – الحصول على بديكير ومنيكير
  • – تجميع الأشياء (الأكواب، العملات، الأصداف..)
  • – كتابة تعليق إيجابي على مدونة أو تغريدة أو فيديو 
  • – التخطيط لإجازة قادمة
  • – بناء قصر من الرمل 
  • – إعداد بيتزا منزلية 
  • – فعل شيء يجلب الحنين مثل (تناول طعام من الطفولة، أو الاستماع إلى موسيقى قديمة..)
  • – قراءة مجلات ميكي وماجد
  • – تناول القهوة في مقهى جديد
  • – تجربة قصة شعر جديدة 
  • – الذهاب إلى متحف
  • – شراء وجبة من فود ترك
  • – لعب مونوبولي 
  • – شراء وبيع الأسهم 

لماذا يكره تولستوي شكسبير؟

 

 
اقرأ حاليًا يوميات تولستوي، ولاحظت أنه لم يكن مُعجبًا بمسرحيات شكسبير التي بلغت شهرتها الآفاق. وكمعجبة مخلصة لمسرحيات شكسبير – ربما أخصص لها تدوينة يومًا- حرصتُ على البحث عن السبب الذي يجعل تولستوي “يكره” شكسبير. 
 
ففي يومياته كتب تولستوي ”حُظي شكسبير بالتقدير عندما فقدنا معيارنا الأخلاقي“
وكذلك ”ثمة سمعات كثيرة زائفة نال أصحابها المجد مصادفة أمثال شكسبير“. 
وقد كتب في يومياته الأولى أنه قرأ لشكسبير “ولم يروق لي”. 
 
وجدت أن تولستوي كتب مقالة نقدية عن شكسبير والدراما، يقول أنه حاول فيها أن يفهم شكسبير خلال ٥٠ عامًا ومن خلال أفضل أعماله من خلال قراءته للمسرحيات باللغات الروسية والألمانية والإنجليزية: الملك لير، وعطيل، وهاملت لكنها مازالت في نظره ”أعمال وضيعة وغبية“!
 
وقبل أن يكتب مقالته هذه، قرر تولستوي أن يقرأ مرة أخرى أعمال شكسبير كاملة وهو في عمر ال٧٥، ثم كتب ”اليقين التام الذي لا ريب فيه..إن هذا المجد إنما هو شر عظيم“.
حلل تولستوي الملك لير في مقالته ثم عطيل وهاملت واختتمها بقوله ”إن شكسبير لم يكن فنانًا وأعماله ليست فنية“.
 
لكن لماذا ينبهر الناس بمسرحيات شكسبير؟ لدى تولستوي بعض التفسيرات:
  • الإيحاءات الوبائية التي سادت بين الناس بعظمة شكسبير، كالإيمان بالساحرات وحجر الحكمة كلها اعتقادات باطلة لكنها كالوباء سادت بين الناس، وكذلك عظمة شكسبير.
  • الحملات الصليبية، ومن بعدها انتشرت مسرحيات شكسبير. 
  • غوته! من أجل نسف الشعر الفرنسي، مدح غوته الألماني شكسبير وأعلن أنه شاعر عظيم بل وأعظم شاعر عرفته البشرية. ولأن غوته عظيم، فكل مايقوله عظيم ومُصدّق أمام الناس.
لم يكتف تولستوي بسرد رأيه، بل دعا الآخرين إلى قراءة مسرحيات شكسبير ليحكموا بأنفسهم ويقرروا:
”افتحوا أي كتاب من كتب شكسبير وستلاحظون أنكم لن تعثروا على عشرة أسطر متتالية مفهومة وطبيعية تخلق انطباعات فنية خاصة بالشخصية التي تقولها، بإمكان أي واحد منكم القيام بهذه التجربة“.
 
قابل الإيرلندي جورج برنارد شو هذه المقالة النقدية بحماس وصفق لها، وكتب رسالة قائلًا فيها ”لقد سعيت جاهدًا أن أفتح عيون الإنجليز على تفاهة فلسفة شكسبير“، ”سوف تعتبر الصحافة الإنجليزية أن تولستوي يعد أعماله أفضل من شكسبير“. بل إن برنارد شو كتب مسرحية قصيرة (مسرحية دُمى puppet play) أبطالها اثنين: هو نفسه جورج برنارد شو وشكسبير، يتحاوران أيهما أفضل ويفوز شو عليه. 
 
 
أما جورج أوريل فقد كتب مقالة قال فيها أن تولستوي كان حقودًا وأعمى بشكل متعمد ولم يكن محايدًا في نقده لشكسبير، ثم تطرق لشخصية تولستوي، لماذا اختار تولستوي الملك لير؟
”لأنه كان مدركًا بوعي أو غير وعي التشابه بين قصة لير وبين قصته“. انظروا:
– رجل عجوز بشعر أبيض ولحية ومعطف طويل مثل تولستوي.
– تولستوي مثل لير تصرف بناء على دوافع خاطئة وفشل فيها- التخلي عن السلطة والأراضي
– لم يكونا متواضعين.
– وملاحظتهما عن الزواج تتشابه، وكذلك نهايتهما: الموت في كوخ في قرية غريبة.
 
ثم إن ١٢ من مسرحيات شكسبير -والتي كُتبت بعد عام ١٦٠٠- كانت أخلاقية وذات معنى، وهذا عكس مايقوله تولستوي عن المعيار الأخلاقي. في نهاية المقالة استنتج أورويل أن تولستوي لابد وأنه قد فكّر أنه كلما ازداد استمتاع الناس بشكسبير، كلما قل اهتمامهم بتولستوي.. لا أحد سيقرأ هذه المقالة لولا أن تولستوي لم يكن هو مؤلف الحرب والسلام وآنا كارنينا. 
 
في النهاية، لاننس أن تولستوي قد انتقد تشيخوف وعدّ مسرحياته ”أسوأ من شكسبير“ -المسكين تشيخوف!- وأن طه حسين لم يعجبه المتنبي، وأن إدوارد سعيد لم تعجبه أم كلثوم. أظنها أذواق شخصية. 
 
 

فن عدم القراءة – شوبنهاور

Gürbüz Doğan Ekşioğlu

إن الجهل ليحط من شأن الرجل إذا كان غنيًا فقط، أما الرجل الفقير المقهور بفقره وبتعاسته فإن عمله يحل محل العلم ويشغل أفكاره. لكن الأثرياء الجاهلون، فهم يعيشون من أجل متعتهم، ويشبهون بذلك الحيوانات الذين نراهم بشكل يومي. يجب علينا أن نوبخهم لأنهم لم يستفيدوا من فراغهم وثروتهم والتي كان بإمكانها أن تضيف عليهم أكبر قيمة ممكنة. 

عندما نقرأ، فإن هناك شخص ما يفكر لنا. لا نفعل شيئًا سوى أن نكرر عملية التفكير الخاصة به. هذا يشبه الطالب الذي يتعلم الكتابة فيضع قلمه فوق الخطوط التي وضعها له المعلم. أثناء القراءة، تؤخذ منا عملية التفكير، وهذا مانلاحظه أننا عندما نرغب في الهروب من الأفكار نهرع إلى القراءة. 

عندما نقرأ تصبح أذهاننا ملعبًا لأفكار الآخرين، وعندما تغادر أفكارهم الملعب فما الذي يبقى؟

النتيجة هي أن الذي يقرأ كثيرًا طوال اليوم ويقطع ذلك بالترفيه عن نفسه بهوايات مجردة من الأفكار، سيخسر بشكل تدريجي قدرته على التفكير لنفسه. وهذا مثل الشخص الذي يركب العربة بشكل دائم وينسى كيف يمشي. هذه هي المشكلة مع الكثير من العلماء، لقد قرأوا إلى أن جعلوا من أنفسهم أغبياء.

إن القراءة المتواصلة هي معيقة للذهن أكثر من العمل اليدوي، لأننا في العمل اليدوي نستطيع أن نسرح بأفكارنا. القراءة المتواصلة تشبه الزنبرك الذي يخسر مرونته بسبب ضغط جسم غريب عليه، وهذا ينطبق على العقل الذي تضغط عليه أفكار الآخرين. وتُشبه أيضًا المعدة التي نملأها بالطعام الكثير الذي يؤذي الجسد، وهذا بالضبط مانفعله عندما نحشر العقل بالكثير من الغذاء العقلي.

إذا قرأنا كثيرًا فإننا سنترك القليل من الأثر على أذهاننا بما قرأناه مسبقًا. ستصبح أذهاننا مثل السبورة التي كتب عليها أشخاص كثيرون الواحد تلو الآخر. وبالتالي لانستطيع أن نفكر مليًا في ما قرأناه، لأن الطعام لايغذينا بمجرد تناوله ولكن فقط إذا هضمه الجسم. إذا قرأنا بدون أن نفكر جليًا بعدها عما قرأناه، سيضيع حتمًا. 

بشكل عام، فإن التغذية العقلية مثل الجسدية، يُهضم من الغذاء خُمسه أما الباقي فيضيع من خلال التبخر والتنفس والخ. بالإضافة إلى كل هذا، فإن الأفكار التي تُلخّص على الورق لا تعدو أكثر من مجرد آثار أقدام لشخص على الرمل، نستطيع أن نرى الطريق من خلال هذه الآثار لكن من أجل أن نرى ما الذي شاهده الشخص، يجب أن نستخدم أعيننا. 

كما تحافظ الأرض بين طبقاتها على الكائنات الحية في العصور الماضية، كذلك تحافظ أرفف المكتبات على أخطاء العصور الماضية وكذلك على شروحها. فمثل الكائنات الحية، كانت هذه الكتب حية في أيامها وقد أشغلت الناس في زمانهم، لكنها الآن متحجرة ولا يهتم بها إلا علماء الحفريات.

طبقًا لهيرودتس، فإن زركسيس|خشايارشا الأول بكى عند رؤيته لحشد جيوشه العظيم، لأنه فكّر أن كل هؤلاء، الآلاف منهم، لن يبقوا على قيد الحياة بعد مئة سنة. لكن من سيمتنع عن البكاء أيضًا عند رؤية القائمة الجديدة لدار لايبيزيغ للنشر عندما يفكر أن كل هذه الكتب لن تصبح حية بعد ١٠ أعوام؟

إن الكتابات مثل الحياة، كلما استدرنا صادفنا رعاعًا معوقًا من البشر نجدهم في كل الحشود، يملأون ويدنسون كل شيء، مثل الذباب في الصيف. ولذلك نجد عددًا كبيرًا من الكتب السيئة، كالأعشاب الضارة التي تحرم سنابل القمح من الغذاء. إن هذه الكتب تُضيّع كل الوقت والمال وانتباه العامة بادعائها حق الانتماء إلى الكتب الجيدة، لأنها كُتبت من أجل المال أو الحصول على المناصب. لذلك فهي ليست غير مفيدة فقط، بل مؤذية بشكل جاد. حوالي ٩ أعشار الكتب الموجودة في زماننا ليس لديها أي هدف غير استخراج المال من الجيوب. إن كل من المؤلف، والناشر، والناقد قد تآمروا بشكل جيد على ذلك. 

إن فن عدم القراءة هو فن مهم للغاية. فهو مبني على تجاهلنا لما يُشغل الجماهير في أي وقت، مثل الكتب في الأمور السياسية، أو المنشورات الثقافية، والروايات، والقصائد، والتي تُحدث ضجة ويصبح لها العديد من الإصدارات في السنوات الأولى والأخيرة من حياتها. وعلى العكس، فإننا يجب أن نبقي في أذهاننا أن أي شخص يكتب للحمقى سيجد دائمًا جمهورًا كبيرًا، وأننا يجب أن نكرس وقتنا الضئيل من أجل قراءة الأعمال العظيمة لكل الشعوب وفي كل الأزمنة.. هذه الأعمال فقط هي التي تُعلم وتوجه. .. إن الكتب الدخيلة هي سم فكري يدمر العقل.

هناك الكثير من الكتب التي أُلفت عن الأشخاص العظماء ويقرأها العامة، لكنهم لا يقرأون أعمالهم. لأنهم يقرأون فقط ماهو جديد ولأن الطيور على أشكالها تقع تجد أن كل هذا الهذيان هو أكثر قبولًا وإعجابًا من أفكار العقول العظيمة.

إنني ممتن للقدر الذي قدّم لي في شبابي الحكمة التي قالها ”أوغست فلهلم شليجل“ والتي أصبحت دليلي:

اقرأ للأقدمين بحذر، العظماء منهم والحقيقيون

لأن أغلب مايقوله المعاصرون عنهم ليس حقيقيًا 

أوه، كم تتشابه العقول مع بعضها البعض! كلها مصنوعة من نفس القالب! نفس الخواطر، وليس شيء آخر مختلف، تتوارد على كل واحد منهم في نفس الموقف! فضلًا عن ذلك، نحن نفهم مقاصدهم وأهدافهم الخسيسة. تُقرأ أعمالهم غير القيمة من قبل جمهور أحمق، أما أعمال العقول العظيمة فتُنحى جانبًا على أرفف المكتبات.

إن السلوك الأحمق للجماهير لهو مذهل، لأنه يترك أعمال العقول النبيلة والنادرة في كل فروع المعرفة من كل الدول والعصور غير مقروءة، وذلك من أجل قراءة خربشات عقول متشابهة والتي تظهر بشكل يومي، ومثل الذباب، تفقس سنويًا في أسراب. كل هذا يحدث بسبب أنها جديدة وطازجة من المطبعة. يجب أن نتجاهل هذا الإنتاج ونعامله بازدراء منذ ولادته لأنه سيكون كذلك بعد مضي بضعة أعوام. وبعد مرور الوقت سيغدو موضوعًا للضحك على الأجيال القديمة وتفاهاتها. 

في كل الأزمان، هناك نوعين من الأدب والذي يُنتج باندماج مع بعضه ولكن بشكل مستقل، هناك نوع حقيقي ونوع ظاهري: 

١-النوع الحقيقي ينمو إلى أن يُدرج تحت الأدب الدائم، والذي يُطور من قبل هؤلاء الذين ”يعيشون من أجل” التعلم أو الشعر، فهو ينمو بشكل جدي وهاديء لكن ببطء شديد، فأوروبا بالكاد تنتج كل قرن درزينة من الأعمال القابلة للعيش.

٢- أما النوع الآخر من الأدب فهو الذي يُطور من قبل هؤلاء الذين ”يقتاتون من“ التعلم أو الشعر. فهذا النوع يعدو سريًعا ويتميز بالصخب، فنرى سنويًا في الأسواق الآلاف من الكتب. لكن بعد سنوات قليلة، سيسأل شخص ما أين هذه الأعمال وكيف أصبحت بعد شهرتها والتي كانت صاخبة وغير ناضجة. نستطيع أن نصف هذه النوع الأخير الأدب الجارف أما الأول فبالأدب الباقي.

إن شراء الكتب لهو أمر جيد إذا استطعنا أن نشتري الوقت لقراءتها. عندما نشتري الكتب يجعلنا نشعر بشكل خاطيء بأننا امتلكنا محتواها.

إذا توقعت أن يتذكر الشخص كل ما قرأه فهذا يعني أنك تتوقع منه أيضًا أن يحمل في جسمه كل الطعام الذي تناوله. لأنه بالطعام قد عاش بجسده، أما بالقراءة فقد عاش بعقله وهكذا أصبح الشخص الذي هو عليه الآن. لكن الجسم سيندمج مع ماهو متجانس معه، وهكذا سيتذكر كل شخص الأشياء التي تستهويه وتناسب نظام أفكاره ومقاصده.

”إن التكرار هو المصدر الرئيسي للتعلم“. 

كل كتاب مهم يجب أن يُقرأ مرتين لأن المواضيع التي يتناولها ستكون مفهومة بشكل أفضل في القراءة الثانية، وعندما نعلم نهايات الكتاب سنفهم جيدًا بداياته. كذلك فإن مزاجنا في القراءة الثانية سيكون مختلفًا عن القراءة الأولى. وهكذا سيختلف انطباعنا عن الكتاب عن المرة السابقة وكأننا ننظر إلى قطعة ما تحت ضوء مختلف.

إن الأعمال هي خلاصة العقل، لذلك إذا كان المرء يملك عقلًا عظيمًا فإن أعماله ستكون أكثر قيمة من مصاحبته. حتى كتابات المرء ذو العقل المتواضع قد تكون ممتعة ومفيدة وتستحق القراءة، لأنها خلاصة عقله، نتيجة وثمرة كل أفكاره ودراساته، لكن مصاحبته قد لاترضينا. لذلك نستطيع قراءة كتب هؤلاء الذين لا تُمتعنا مرافقتهم، أما ثقافات العقول العظيمة فتساعدنا في إيجاد المتعة في الكتب وليس لدى الناس..

لا يوجد شيء يبعث العقل كما تفعل الكلاسيكيات القديمة. فحالما يقرأ المرء واحدة منها ولو لنصف ساعة، سيشعر بالإنتعاش وبالراحة وبالنقاء وبالعظمة والقوة، وكأنه يستجم عند جدول جبلي. هل يعزو هذا لكمال اللغات القديمة؟ أم إلى عظمة العقول التي ستبقى أعمالها سليمة لقرون؟ من الممكن أن يكون السبب خليط من هذا وذاك. 

فالذي أعرفه أننا عندما نتوقف عن تعلم اللغات القديمة كما في زمننا الحالي، فستظهر لنا طبقة جديدة من الأدب وستحتوي على الكتابات الأكثر همجية وغباء وعديمة النفع من أي وقت مضى. أما اللغة الألمانية على وجه الخصوص، والتي تتكون من بعض اللغات القديمة الجميلة، ستُخرب بشكل منهجي من قبل هذه الخربشات عديمة النفع حتى تصبح شيئًا فشيئًا لغة فقيرة ومُعاقة وبائسة.

إن نصف قرن من الزمن لهو وقت معتبر في تاريخ الكون لأن المادة التي تكونه تتغير بشكل دائم، هناك شيء ما يحدث دائمًا. لكن بالنسبة إلى الأدب، فإن نفس الفترة الزمنية ستذهب هباء على الأغلب، لأنه لم يحدث شيء، ولا تُحتسب المحاولات غير البارعة، لذلك نحن هنا بالضبط كما كنا قبل خمسين عامًا. 


آرثر شوبنهاور – مقالته عن “الكتب والقراءة” ترجمتها بتصرف

هل تفكر لنفسك وبنفسك؟ عن التفكير للذات- شوبنهاور

FRAN PULIDO

قد تكون المكتبة كبيرة للغاية، لكنها إن كانت غير منظمة، فهي ليست مفيدة كما هي المكتبة الصغيرة المنظمة. نفس الحال ينطبق على المرء صاحب المعلومات الواسعة، فإذا لم ينظم معلوماته من خلال تفكيره لنفسه فسوف تصبح أقل قيمة عما إذا كانت أقل ولكنها مُتأملة.

هذا يحدث عندما يتقصى معرفته من كل الجوانب، ويجمع الأشياء التي يعلمها من خلال مقارنة الحقيقة بالحقيقة، وحينها سوف يسيطر عليها ويسخرها لقوته. لا يستطيع المرء أن يُقلّب أي شيء في ذهنه حتى يعرفه، وبالتالي يتعلمه، وهذا لا يحدث إلا إذا تأمله جيدًا ثم يستطيع القول حينها أنه يعرفه.

إن القراءة والتعلم هما أمران يمكن لأي شخص أن يمارسهما بإرادته الحرة، لكن ليس التفكير. 

فالتفكير يجب أن يُشعل مثل النار مع الهواء، ويجب أن يُحافظ عليه باهتمامات معينة. هذه الاهتمامات من الممكن أن تكون محايدة أو متحيزة. فالاهتمامات المتحيزة تأتي من الأمور التي تهمنا بشكل شخصي. أما الاهتمامات المحايدة فهي مرتبطة بالرؤوس التي تفكر بشكل غريزي، وبهؤلاء الذين يكون التفكير لديهم أمر طبيعي مثل تنفسهم للهواء، وهم نادرون للغاية. وهذا هو السبب في أن أغلب الرجال المتعلمون يُظهرون ذلك بشكل قليل. 

إن الأمر الذي يُحدثه التفكير للذات على عقل المرء-مقارنة بالقراءة- لشيء عظيم. هناك فرق شاسع ما بين طبيعة عقلين تقود أحدهما إلى التفكير والآخر إلى القراءة. ما أقصده هو أن القراءة تفرض أفكارًا دخيلة على العقل.. أفكارًا غريبة على المزاج لدرجة أنها قد تصبح مثل الختم بالشمع. فيصبح العقل حينها مكرهًا من الداخل بشكل كامل، وهو مدفوع لأن يُفكر بهذا وذاك على الرغم أنه قد لايكون لديه أي دافع بسيط أو ميل لفعل ذلك.

لكن عندما يُفكر الشخص لنفسه، فهو يتبع دوافع ذهنه، والتي تُحدد له في ذلك الوقت إما من بيئته أو من ذاكرته. فالعالم المرئي المحيط له لا يطبع على ذهنه فكرة قاطعة، لكنه بالأحرى يزوده بالمادة والسبب اللذان يقودانه إلى التفكير بما هو مناسب لطبيعته ولمزاجه الحالي. لذلك فإن القراءة الكثيرة تحرم الذهن من كل المرونة، تماما مثل الزنبرك الذي يقع تحت الضغط بشكل متواصل. 

إن أفضل طريقة لدى المرء الذي ليس لديه أي أفكار هو أن يلتقط كتابًا. 

وهذه الممارسة تشرح لنا كيف تزيد سعة الإطلاع أغلب الرجال أكثر غباء مقارنة بطبيعتهم، وكيف تمنع كتاباتهم من الحصول على أي نجاح. فهم يبقون كما يقول الكسندر بوب: 

للأبد يقرأ، لكنه لا يقرأ 

إن الأشخاص المتعلمين هم الذين قرأوا في صفحات الكتب. أما المفكرين فهم هؤلاء العباقرة الذين توجهوا مباشرة إلى الطبيعة. هم الذين أناروا العالم وساقوا البشرية إلى ذلك. إذا كان من اللازم أن تتضمن أفكار المرء الحقيقة والحياة، فيجب أن تكون تلك هي أفكاره الأساسية الخاصة به والتي يستطيع أن يفهمها بشكل كامل. إن قراءة أفكار الآخرين تشبه أخذ بقايا وجبة طعام من عشاء لم نُدعى إليه، أو ارتداء ملابس ألقاها شخص زائر لا نعرفه.

إن القراءة ليست إلا بديل لأفكارنا. تخدمنا الكتب المتعددة فقط عندما تُرينا الطرق الخاطئة الموجودة فيها، وكيف تضلل المرء الذي يتبع أيًا منها. لكن المرء الذي يُرشده عقله، والذي يفكر لنفسه، والذي يفكر بشكل عفوي وصحيح، يملك البوصلة الوحيدة التي تدله على الطريق الصحيح. يجب على المرء أن يقرأ فقط عندما تكون أفكاره الخاصة راكدة في منبعها، وهذا سوف يحدث غالبًا مع أفضل العقول. عندما يلتقط المرء كتابًا من أجل أن يطرد أفكاره بعيدًا فإنه يرتكب ذنبًا عظيمًا. هذا يشبه الهروب من الطبيعة من أجل أن يرى متحفًا مليء بالنباتات المجففة. 

إن المرء ليكتشف أجزاء من الحكمة أو الحقيقة عندما يقضي وقتًا طويلًا ويبذل مجهودًا في التفكير لنفسه، ويجمع الفكرة مع الفكرة، -ومن الممكن أن يتجنب كل هذا العناء لو أنه التقط كتابًا- لكن هذه الطريقة هي أكثر قيمة بمئات المرات. لأننا عندما نكتسب معرفتنا بهذه الطريقة فإنها تُحفظ كعضو حي بداخل منظومة متكاملة في فكرنا، وسوف ترتبط في علاقة كاملة وحازمة مع مانعرفه، سوف تكون هذه المعرفة مفهومة مع كل ماتتعلق به وتتبعه، وسوف ترتدي نفس الشكل لطريقتنا في التفكير، وسوف نستعيدها في الوقت المناسب عندما نحتاجها، لأننا لن ننساها. وهذا هو التطبيق المثالي والترجمة المثالية لنصيحة ”غوته“ عندما أخبرنا باكتساب ميراثنا لأنفسنا بطريقة تجعلنا نمتلكه فعلًا:

”إن ماورثته من أجدادك كان ينبغي عليك أولًا أن تكسبه من أجل أن تمتلكه“

إن الشخص الذي يفكر لنفسه، يصنع آرائه الخاصة ويتعلم وضع المرجعيات الخاصة لها لاحقًا والتي ستقوي إيمانه بها وبنفسه. 

لكن فيلسوف الكتب يبدأ من مرجعيات الآخرين. فيقرأ كتب الآخرين، ويجمع آرائهم ويكوّن مجموعة لنفسه تشبه رجلًا آليًا مصنوع من أي شيء إلا من اللحم والدم. في المقابل، فإن الشخص الذي يفكر لنفسه يصنع عملًا يشبه رجلًا خلقته الطبيعة.

إن الحقيقة التي اُكتسبت من الآخرين تشبه العضو الصناعي، أو السن الصناعي، أو أنفًا خالي من الشعر، مثل أنف خُلق من لحم آخر. هذه الحقيقة تلتصق بنا لأنها فقط وُضعت لنا. لكن الحقيقة التي اُكتسبت بالتفكير للذات تشبه العضو الطبيعي، فهي منتمية لنا. وهذا هو الاختلاف الأساسي بين المفكر وبين مجرد شخص يتعلم. فالبلوغ الثقافي للمرء الذي يفكر لنفسه يشبه لوحة ممتازة يتوزع فيها الضوء والظل في المكان الصحيح، وتكون الألوان متناغمة، فيصبح شكلها واقعي. 

والعكس من ذلك، فالبلوغ الثقافي لمجرد شخص يتعلم يشبه لوحًا كبيرًا من الألوان من كل الأنواع، مرتبة بشكل ممنهج، لكنه مجرد من الانسجام والترابط والمعنى.

إن القراءة هي التفكير من خلال عقل شخص آخر بدلًا من التفكير الذاتي. فالتفكير الذاتي يهدف إلى تطوير منظومة متماسكة حتى وإن لم تكن كاملة، ولا يوجد شيء يعيقها إلا تيار أفكار شخص آخر والتي تأتي من القراءة المتواصلة. هذه الأفكار، تنبع من عقول مختلفة، تنتمي إلى أنظمة مختلفة، ومشوبة بألوان متنوعة، لكنها لا تصب مجتمعة في كيان ثقافي، ولا تُكوّن أبدًا وحدة معرفية أو بصيرة أو قناعة، لكنها بالأحرى تملأ الرأس بألسنة متبلبلة. إن الذهن الذي امتلأ بالأفكار الأجنبية هو ذهن محروم من البصيرة، وغير منظم. 

وهذا حال الأمور الظاهرة لدى أغلب الأشخاص المتعلمين، والذي يجعلهم في أدنى منزلة من المنطق والحكم الصحيح والدبلوماسية  مقارنة بالأشخاص غير المتعلمين الذين يكتسبون معرفة خارجية قليلة، ويجربون وسائل مختلفة يتعاملون بها مع الآخرين، وبقراءات قليلة يجسدونها مع أفكارهم.

إن الشخص المفكر حقًا يفعل نفس الأمر الذي يفعله هؤلاء غير المتعلمين لكن على نطاق واسع. فعلى الرغم أنه يحتاج إلى معرفة واسعة، ويجب عليه أن يقرأ كثيرًا، يجد أن عقله قوي بما فيه الكفاية لأن يتحكم به. فيستوعب ويدمج أفكاره، ويجعلها ملائمة لبصيرته، والتي تنمو بشكل مستمر. وأثناء عملية التطوير، فإن أفكاره الخاصة به، مثل الصوت العالي في آلة الآرغن، والذي يهيمن دائمًا على كل شيء ولا يغرق بسبب النغمات الأخرى كما يحدث في العقول المليئة بالمعارف الأثرية، والتي تختلط بها قصاصات من الموسيقى في كل مفتاح بشكل مشوش، ولا نستطيع سماع نوتة أساسية واحدة على الإطلاق.

هؤلاء الذين قضوا حياتهم في القراءة، وأخذوا الحكمة من الكتب، يشبهون الأشخاص الذين حصلوا على المعلومات عن دولة ما من تفاصيل أشخاص سافروا إليها. يستطيعون أن يصفوها، لكنهم في النهاية ليس لديهم أي روابط واضحة ومعلومات عميقة عن حالها الحقيقي. لكن الأشخاص الذين قضوا حياتهم في التفكير، يشبهون المسافرين أنفسهم، يدركون جيدًا ما الذي يتحدثون عنه، لأنهم على علم بالحالة الفعلية للأمور وهم في وطن الموضوع.

إن علاقة المفكرين بفلاسفة الكتب مثل شاهد العيان والمؤرخ. فشاهد العيان يتحدث من معرفة مباشرة خاصة به. وهذا مايجعل كل هؤلاء المفكرين يقدمون نفس الاستنتاجات. فالاختلافات تكون بسبب اختلاف آرائهم لكنها لا تؤثر في الأمر، فكلهم يتكلمون بشكل متشابه. فهم بالكاد يعبرون عن نتائج نظراتهم الخاصة إلى الأشياء. هناك العديد من الفقرات في أعمالي والتي قدمتها إلى الجمهور بتردد، بسبب طبيعتها المتناقضة، لكنني بعد ذلك اكتشفت وبشكل مفاجئ ورائع أنها تشبه بعض الآراء المسجلة لرجال عظماء عاشوا منذ زمن بعيد.

إن فيلسوف الكتب يخبرنا ماذا قال فلان وماذا كان يقصد شخص آخر. أو ما هي الاعتراضات التي قدمها شخص ثالث، وهكذا. هو يقارن آراء مختلفة، ويتأملها وينتقدها ويحاول أن يحصل على الحقيقة من الموضوع، ويشبه في ذلك المؤرخ الناقد. على سبيل المثال، هو ينطلق من بحث ما إذا كان ”ليبتنز“ لم يكن في وقت ما تابع لسبينوزا.. فالطالب الفضولي لهذه الأمور يمكن أن يجد أمثلة لافتة لما أقصده في كتاب هربرت ”التفسير التحليلي للأخلاق“ وكتابه الآخر ”رسالات في الحرية“. ستشعر بالغرابة عندما تجد أن هكذا شخصًا يضع نفسه في مشاكل كثيرة، لأنه لو اختبر الموضوع بنفسه، فسيحصل بسرعة على هدفه من خلال ممارسة التفكير. لكن هناك صعوبة ضئيلة في الطريقة. لأنها لا تعتمد على إرادته الحرة. يستطيع المرء دائمًا أن يجلس ويقرأ، لكنه لا يستطيع بسهولة أن يفكر. لأن التفكير لا يُستدعى بالمتعة، يجب علينا أن نجلس وننتظر الأفكار. فالفكرة عن موضوع ما يجب أن تظهر بنفسها، عن طريق مزيج سعيد ومتناغم من المحفزات الخارجية مع المزاج والانتباه، والذي يبدو أن هذا المزيج لايأتي أبدًا لهؤلاء الأشخاص. 

يمكننا أن نتصور هذه الحقيقة من خلال مايحدث في حال الأمور التي تؤثر على مصالحنا الشخصية. فعندما يكون من الضروري أن نصل إلى حل ما، لانستطيع أن نجلس في أي لحظة ونفكر بالوقائع ثم نغير رأينا. لأننا لو حاولنا ذلك، فإننا غالبًا سنجد أنفسنا في لحظة معينة، عاجزين على أن نُبقي أذهاننا ثابتة على هذا الموضوع، لأن أذهاننا سوف تسرح إلى أمور أخرى. فالنفور من الموضوع أمر يُلام عليه. وفي هذه الحالة لا ينبغي أن نجبر أنفسنا، لكن يجب أن ننتظر ظهور حالة مزاجية ملائم للذهن. وهي غالبًا ستظهر بشكل غير متوقع وستعاود الظهور لمرات ومرات. إن اختلاف المزاج في أوقات مختلفة يضع الموضوع تحت الضوء. إنها طريقة طويلة نستطيع أن نفهمها عن طريق مصطلح ”الحل الناضج“ وهذا يعني أنه أثناء عملية الوصول إلى حل ما، فإن المجهود الذي يُبذل يجب أن يكون متفرقًا، وحينها سيظهر لنا الكثير مما تجاهلناه في لحظة ما، وعندما نقترب أكثر سندرك أن الكثير من اشمئزازنا سيتلاشى عندما نجد أن الأمور ليست سيئة كما تبدو.

تنطبق هذه القاعدة على حياة العقول والممارسات، يجب على المرء أن ينتظر التوقيت المناسب. لا يستطيع أفضل عقل أن يفكر لنفسه في كل الأوقات. لذلك فإن العقل العظيم يفعل حسنًا عندما يقضي وقت فراغه في القراءة، لأنه كما قلت أن القراءة بديل للأفكار، إنها تدع شخص آخر يفكر بدلا عنه. لذلك يجب على المرء أن لايقرأ كثيرًا، حتى لا يعتاد ذهنه على البديل وبالتالي ينسى الواقع، وحتى لا يُكوّن عادة المشي في طرق مستهلكة، أو يتبع منهجًا غريبًا اختلقه شخص آخر لنفسه. يجب على المرء أن لايسحب نظراته من العالم الحقيقي لمجرد القراءة، لأن الدافع والمزاج اللذان يدفعانه إلى التفكير يأتيان من الواقع أكثر من الكتب. فالحياة الحقيقية التي يراها المرء أمامه هي مادة طبيعية للتفكير، وفي قوتها نجد العنصر الأساسي للوجود، وبإمكانها أن تصبح أكثر سهولة من أي شيء آخر يؤثر على العقل المفكر.

إن كلا من الخبرة المجردة والقراءة القليلة تزوّدان الفكر. فالعلاقة بينهما وبين الفكر مثل العلاقة التي بين الأكل والهضم. فعندما تفتخر الخبرة بأن اكتشافاتها وحدها هي نتيجة لتقدم الجنس البشري، يبدو وكأن الفم يفتخر ويدّعي الفضل لوحده بالحفاظ على صحة الجسم. 

نستطيع تمييز كل أعمال أصحاب العقول المبهرة بخاصيتين: الحسم والوضوح، هذا يعني أن هذه الأعمال واضحة وخالية من الغموض. فالعقل القادر بصدق يعلم جيدًا وبوضوح الشيء الذي يريد أن يُوضحه، وماهي الطريقة التي يستخدمها في التوضيح سواء كانت نثرًا أو شعر أو موسيقى. لكن العقول الأخرى تُعرف بأنها ليست واضحة وحازمة.

إن العلامة المميزة للعقل الراقي أنه يحكم بشكل مباشر. فكل شيء يقدمه إنما هو نتيجة للتفكير لنفسه، وهذا واضح في كل مكان يعبر فيه عن أفكاره. هذا العقل يشبه الأمير. ففي مملكة التفكير نجد أن سلطته امبراطورية، بينما نجد أن سلطة العقول الأقل مرتبة هي مهملة، ولا يوجد فيها أي استقلالية. فحشود العقول التي تعمل تحت كل أنواع الآراء والسلطات الجارية، مثل الناس، تطيع القوانين بهدوء وتتقبل الأوامر من فوقها. 

إن أولئك المتحمسون لتسوية الأسئلة الجدلية عن طريق الاستشهاد بالحكماء، سيكونون سعداء حقًا إذا تمكنوا من وضع إدراك وبصيرة الآخرين في مكان خاص لهم. وهؤلاء عددهم كبير. وكما يقول سينيكا، لا يوجد هناك شخص إلا ويفضل الإيمان على التفكير برأي. ففي خلافاتهم، سيستخدمون مرجعيات الآخرين كسلاح يضربون به. فإذا أُتيحت الفرصة لأي شخص لأن يتورط في منافسة ما، فلن يستخدم المنطق والجدال كوسيلة دفاع، لأنهم سيكونون مثل ”سيغورد“ مع بشرة من العاج، مغموسون في فيضان من عدم القدرة على التفكير والتحكيم، سوف يقابلون هجومه بمرجعيات السابقين ثم سيصرخون أنهم ربحوا المعركة.

ففي العالم الحقيقي، غير العادل وغير اللطيف، نعيش وفقًا لقانون الجاذبية الذي يجب أن نتغلب عليه باستمرار. أما في عالم العقل، فنفصل أرواحنا عن أجسادنا ولا نقيدها إلى ثمة قانون، فنحررها من البؤس والقلق. لذلك لاتوجد سعادة على الأرض، إلى هذه اللحظة، مثل تلك التي يجدها العقل المثمر في نفسه.

حضور الفكر مثل حضور المرأة التي نحب. لا نرغب في نسيان الفكرة أو أن نكون لا مبالين تجاه شخص عزيز. لكن البعيد عن القلب، هو بعيد عن العين! إن أفضل فكرة ستكون عرضة لخطر النسيان إذا لم نكتبها كما أن المرأة التي نحب قد تتركنا إذا لم نتزوجها. 

هناك العديد من الأفكار القيمة للمرء الذي يفكر بها، لكن قليل منها تصبح قوية إلى الدرجة التي تنتج عنها عملًا أو تعكس فعلًا من أجل أن تكسب عاطفة القارئ وذلك بعد أن تُدوّن على الورق. 

لكننا يجب أن لا ننسى أن القيمة الحقيقية تتعلق فقط بما يفكر به المرء في الوهلة الأولى ”في حالته الخاصة“. قد يُصنف المفكرون وفقًا لما يفكرون أساسًا لحالتهم الخاصة أو لأحوال غيرهم. فالنوع الأول هم مفكرون مستقلون، لأنهم يفكرون أنهم مستقلون حقًا، لذلك هم فلاسفة بشكل حقيقي، وحيدون في إخلاصهم. فالمتعة والسعادة لوجودهم تكمنان في تفكيرهم. أما الآخرون فهم صوفية، يرغبون في الظهور بشكل ليس لهم، ويبحثون عن سعادتهم على أمل أن يجدوها في العالم. هم مخلصون بشأن أي شيء آخر. من خلال أسلوب المرء وسلوكه، يمكننا رؤية إلى أي من هاتين الفئتين ينتمي. ينتمي ”ليتنبرغ“ إلى الفئة الأولى، أما “هردر” فينتمي -بدون شك -إلى الفئة الثانية.

عندما يفكر المرء في مدى ضخامة وقرب ”مشكلة الوجود“ منا- هذا الوجود المبهم، والمُعذب، والعابر، والشبيه بالحلم لنا- والذي ما إن  يحاول المرء اكتشافه حتى يجده يحجب جميع المشاكل والأهداف، وعندما يرى الشخص كيف أن كل الرجال مع استثناءات قليلة ونادرة، ليس لديهم أي وعي واضح عن المشكلة، وفوق ذلك يُظهرون أنهم غير واعين بحضورها، ويُشغلون أنفسهم بكل شيء عداها، ويعيشون حياتهم بدون أن يفكرون إلا في كيفية قضاء اليوم أو في مستقبلهم إما بتجاهل المشكلة بشكل واضح أو بتصالحهم معها من خلال تبني نظام شعبي ميتافيزيقي يُرضيهم. 

..

هناك ٣ مراحل في المسرح، وهو الانعكاس المثالي للوجود الإنساني، من أجل عرض موضوع ما:

في البداية، وهو أمر شائع، نجد أن المسرحية هي ليست أي شيء لكنها ممتعة. يحصل الناس على انتباهنا بمجرد أن نتبع مقاصدهم، والتي تشبه مقاصدنا، وتتوالى الأحداث من خلال الوسائل التي تكيد بها الشخصيات والوقائع بينما يكون هناك الضحك والمواقف الذكية. 

وفي المرحلة الثانية، تصبح المسرحية أكثر عاطفية. تُثار العاطفة مع البطل بشكل غير مباشر مع أنفسنا. تُدار الأحداث بشكل مثير للشفقة، لكن النهاية تكون مُرضية وسلمية. 

لكننا نصل إلى الذروة مع المرحلة الثالثة، والتي تكون الأصعب. تهدف المسرحية إلى أن تكون تراجيدية. نحن نقف وجهًا لوجه أمام معاناة عظيمة وعاصفة من القلق الوجودي، وهذا من أجل أن نستعرض كل الجهود الإنسانية المختلفة. تحركنا الأحداث من الداخل، وحينها إما أن نحاول أن نتجاهل رغبتنا في المعاناة، أو أن ننسجم معها فنشعر بصدى مشاعر متشابهة. 

إن البداية، كما قلنا، هي صعبة دائمًا. أما في المسرحية فهو العكس، لأن المصاعب تكمن في النهايات. وهذا مثبت في أغلب المسرحيات، فنجد المشهد الأول والثاني مريحًا، وبعد ذلك تصعب الأحداث خاصة في المشهد الرابع، وفي النهاية تكون غير مُرضية للجميع. لكن في بعض الأحيان، تكون النهاية إنقلابية بشكل إيجابي مثل مسرحية ليسينغ ”ايميليا جالوتي“ والتي بسببها يعود المتفرجون إلى منازلهم وقد فقدوا أعصابهم.

هذه الصعوبة تظهر في آخر المسرحية لأنه من السهل أن تتشابك الأمور من أن تُحل، كذلك لأننا في البداية نُعطي للبطل بطاقة بيضاء لأن يفعل ما يريد، ولأن يفعل أشياء معينة نطلبها منه في النهاية. لذلك نحن نرجو أن تكون النهاية إما سعيدة أو تراجيدية، بينما الأحداث الإنسانية لا تستطيع أن تتخذ قرار التحول بنفسها، ثم نتوقع أن تكون النهاية طبيعية وملائمة وغير ثقيلة وفي نفس الوقت ليست متوقعة.

هذه العلامات نستطيع تطبيقها على الملحمة والرواية، لكن الطبيعة المُحكمة للمسرح تزيد الصعوبة بشكل واضح.

لكن لاشيء ينبع من اللاشيء. هذه حكمة مأثورة في الفن كما في أي شيء آخر. إن الفنان الممتاز عند إبداعه لصورة تاريخية سيستخدم الرجال كنماذج، وسيستوحي رسم الوجوه من الأشخاص الذين حوله، ثم يمضي في تصويرها كرمز للجمال أو التعبير. وبطريقة مماثلة، هذا ما يفعله الروائيون. يستمدون الهيئة العامة لشخصياتهم من أشخاص حقيقين، ثم يصورون الشخصيات ويكملونها من أجل أن تناسب مقاصدهم.  

إن الرواية العظيمة تكمن في إظهارها الحياة الداخلية أكثر من الخارجية. والنسبة بين الإثنين سوف تحدد جيدًا الحكم على أي رواية كانت من ”تريسترام شانداي“ إلى أكثر الحكايات عاطفة أو إثارة. فرواية “تريسترام شانداي“ ليس فيها أي نشاط، ولا توجد كذلك أي أحداث في ”سنوات تعلم فلهلم مايستر“. حتى رواية ”دون كيخوته“ فيها أحداث صغيرة نسبيًا لكنها ليست مهمة واُختلقت للمتعة. وهذه الروايات الأربعة هي أفضل الروايات على الإطلاق. 

فكر في الرومنسيات الرائعة لجان بول، وكيف عُرضت الحياة الداخلية في أضيق نطاق من الأحداث. حتى في روايات والتر سكوت توجد سيطرة عظيمة على الحياة الجوانية مقارنة بالحياة الخارجية، ولا توجد أحداث باستثناء المهم منها لغرض المتعة أو إثارة المشاعر. لكن في الروايات السيئة نجد الأحداث من أجل اعتبارها الخاص. إن المهارة تتضمن في تنظيم الحياة الجوانية لتتحرك مع أصغر شعاع محتمل من الظروف، وهذه هي الحياة الجوانية التي تثير اهتمامنا بشكل حقيقي.

فعمل الروائي هو أن لا يكتب الأحداث العظيمة فحسب، بل ويجعل الأحداث الصغيرة ممتعة. 

أما التاريخ، والذي أحب أن أفكر به وكأنه نقيض الشعر، فهو للزمان كما أن الجغرافيا هي للمكان. ولا نستطيع أن نقول أن التاريخ هو علم، بأي منطق صارم لتلك الكلمة، كما هي الجغرافيا، لأنه لا يتعامل مع حقائق عامة، ولكن مع أحداث معينة. إن التاريخ هو مجال مفضل للدراسة بالنسبة إلى هؤلاء الذين يرغبون في تعلم شيء ما، وبدون مواجهة الجهود المطلوبة من قبل أي فرع للمعارف الحقيقية، والتي تختبر الذكاء. ففي زماننا، نجد أن التاريخ هو شاهد عيان على العديد من الكتب التي تظهر في كل عام.

يستطيع القارئ أن يتخيل معي أن التاريخ هو مجرد تكرار مستمر لأشياء متشابهة، كما في المشكال الذي يحتوي على قطع زجاجية صغيرة لكن في مجموعات مختلفة، عندها لن يكون باستطاعته أن يشارك كل الاهتمامات ولن يستنكر ذلك. لكن هناك ادعاء سخيف من قبل كثير من الناس، يفيد أن التاريخ هو جزء من الفلسفة، لا فلسفة بحد ذاتها، وهم يتصورون أن التاريخ يمكن أن يحل محلها. 

إن العقل في التاريخ مشغول بتفاصيل معينة، مثل كل محادثة جديرة بالاهتمام، أما في العلوم، فإن العقل يرتقي إلى البحث في الحقائق العامة.

إن هذا الاعتراض لا يسلب التاريخ قيمته. فإن حياة الإنسان قصيرة وعابرة، ويشاركها ملايين الأشخاص الذين اُبتلعوا من قبل وحش النسيان والذي ينتظرهم بفك واسع مفتوح. إنها لمهمة قيمة من أجل محاولة إنقاذ شيء ما: ذكريات أحداث مهمة وممتعة، أو سمات لشخصيات رائدة في حقبة ما من حطام سفينة العالم.

لكن من وجهة نظر أخرى، فإننا ننظر إلى التاريخ كنظرتنا إلى علم الحيوان. يمكننا أن نراقب وندرس البشر كما الحيوانات، لأن كل شخص لديه شخصية تستحق الدراسة. وبما أن عدد الأشخاص والأحداث كبير للغاية ولا نهاية له، فهنا نجد عيبًا أساسيًا في التاريخ. كل ما يتعلمه الإنسان لا يساهم في تقليل مابقي عليه من المعرفة التي يجب أن يتعلمها.  

عندما ندرس تاريخ الصين والهند، سنجد أمورًا كثيرة جدًا تكشف لنا العيوب في الدراسة، وتجبر المؤرخين على رؤية أن هدف العلم هو أن يدركوا أن الكثير في الواحد، وأن يميزوا المبادئ في أي نموذج، وأن يطبقوا المعرفة البشرية على حياة الأمم، وأن يتوقفوا عن عد الحقائق إلى مالا نهاية. 

هناك نوعين من التاريخ، تاريخ السياسة وتاريخ الآداب والفنون. فالأول هو تاريخ الإرادة، أما الثاني فهو تاريخ العقل. الأول هو حكاية المشاكل والرعب. هو سجل للمعاناة والكفاح والتزييف والقتل الجماعي المريع. أما الثاني فهو كل ماهو مريح وهادئ، مثل العقل في الخلوة حتى وإن كان طريقه خاطئًا. ففرعه الأساسي هو تاريخ الفلسفة.

إن الصحف هي ساعة التاريخ المستخدمة، وهي ليست فقط مصنوعة من معدن رديء ولكنها أيضًا تشير إلى التوقيت الخاطئ. أما المقال فيها هو جوقة لدراما الأحداث العبارة. إن المبالغة في كل شيء هي أساسية في الصحافة كما هو الحال مع الفن الدرامي، فهدف الصحافة هو أن تجعل الأحداث تذهب إلى أبعد ما يمكن. لذلك فإن كل الصحفيين مذعورين وهذه هي طريقتهم في إضافة الاهتمام إلى ما يكتبونه. هم مثل الجِراء الصغيرة، إذا حدثت هناك ضجة، فسينبحون على الفور. 

فلنحذر بعناية من بوق الخطر هذا حتى لا يزعج عملية الهضم لدينا. دعونا ندرك أن الصحف في أفضل أحوالها هي عبارة عن عدسة مكبرة، وفي كثير من الأحيان مجرد صورة على الحائط.

قد يُعتقد أن القلم مثل العصا للمشي، لكنك تمشي بسهولة عندما لا تعتمد على العصا، وتفكر بمثالية عندما لا تحمل قلمًا في يدك. لكن فقط عندما يتقدم المرء في السن يحب أن يستخدم العصا ويسعده أن يلتقط قلمه.

عندما تولد فرضية في العقل، أو تكتسب موطئًا هناك، فإنها تقود حياة مماثلة لحياة كائن حي حيث تستوعب المادة من العالم الخارجي عندما تتشابه معها وتفيدها والعكس عندما لا تشبهها وتؤذيها فإن الفرضية مثل الكائن الحي تقذف بها أو تتخلص منها إذا أُجبرت على أخذها. 

لاكتساب الخلود، يجب على المؤلف أن يمتلك عددًا كبيرًا من الامتيازات إلى درجة أنه لن يكون من السهل عليه أن يجد أي شخص يفهمها ويقدرها، سيوجد هناك العديد من الأشخاص في كل العصور والذين بإمكانهم أن يميزوا ويقدروا بعضها. في هذه الحالة سيحافظ على كتاباته خلال القرون الطويلة، على الرغم من أن اهتمامات البشر ستتغير دائمًا. 

فمؤلف كهذا، والذي يدعي استمرارية حياته مع الأجيال القادمة، يستطيع أن يكون رجلًا على هذه البسيطة الواسعة يبحث عن شبيهه بدون جدوى، ويُظهر تناقضًا ملموسًا مع أي شخص آخر بفضل تميزه الواضح عن الآخرين. وأكثر من ذلك، لو أنه عاش مثل اليهودي التائه عبر الأجيال المتعددة، فسوف يظل في نفس مكانه السامي. إذا لم يحدث ذلك، فسوف يكون من الصعب أن نفهم عدم هلاك أفكاره مثل أفكار الآخرين. 

إن الاستعارات والتشبيهات لها قيمة كبيرة، لأنها تشرح العلاقة المجهولة بالعلاقة المعروفة. حتى التشبيه المفصل والذي ينمو ليكون مثلًا أو قصة ليس أكثر من عرض لعلاقة ما بأبسط وأوضح شكل. إن نمو الأفكار يعتمد في الأساس على التشبيهات، لأن الأفكار تنشأ من خلال عملية الجمع بين المتشابهات وتجاهل الاختلافات بين الأشياء. إن الذكاء بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، يتألف من فهم العلاقات، وغالبًا ما تُفهم العلاقات بشكل واضح إذا أُجريت مقارنات بين الحالات المختلفة تمامًا. طالما أن العلاقة معروفة لي وتوجد في حالة واحدة، فليس لدي إلا فكرة واحدة عنها، أو بمعنى آخر، معرفة حدسية فقط عنها. لكن مجرد أن أرى العلاقة نفسها في حالتين مختلفتين، سيكون لدي فكرة عامة عن طبيعتها الكاملة، وهذه معرفة أكثر عمقًا وكمالًا. 

نظرًا لأن التشبيهات والاستعارات تُعد محركًا قويًا للمعرفة، فإنها دلالة على ذكاء عظيم من الكاتب خاصة إذا كانت تشبيهاته غير مألوفة، وفي نفس الوقت، دقيقة. لاحظ أرسطو أن أهم شيء بالنسبة للكاتب هو امتلاك قوة الاستعارة هذه، لأنها موهبة لاتستطيع أن تُكتسب، وهي علامة على العبقرية.

بالنسبة للقراءة، فإن اشتراط أن يتذكر المرء كل شيء قرأه يشبه اشتراطنا له على أن يحمل كل شيء قد أكله من قبل. فالنوع الثاني قد غذى جسده أما النوع الأول فقد غذى عقله، ومن خلال هذه الطريقتين أصبح الشخص الذي عليه. إن الجسم ليستوعب فقط ما يشبهه، وهكذا يحتفظ الإنسان في عقله ما يهتم به، أو بمعنى آخر، ما يناسب نظام أفكاره ومقاصده في الحياة.

إذا أراد المرء أن يقرأ كتبًا جيدة، فيجب أن يتنجب الكتب السيئة لأن الحياة قصيرة، وطاقة المرء ووقته محدودان.

أي كتاب مهم يجب أن يُقرأ مرتين، لأن في القراءة الثانية ستكون الأجزاء المختلفة من الكتاب مفهومة بشكل أفضل، ونستطيع فقط أن نفهم بداية الكتاب إذا كانت النهاية معلومة. ستكون رغباتنا رغباتنا وطباعنا في القراءة الثانية مختلفة عن القراءة الأولى، فنحصل على منظور جديد لكل قطعة نقرأها، وانطباع مختلف عن الكتاب ككل.

إن أعمال المرء هي خلاصة عقله، وحتى إذا كان يمتلك مقدرة عظيمة للغاية، فستكون هذه الأعمال أكثر قيمة من حواراته. لن تُعوض أعماله انعدام الحوار معه فقط، بل وستتفوق عليه بمزايا نافعة. حتى كتابات الشخص متوسط العبقرية قد تكون مفيدة وتستحق القراءة والتوجيه لأنها خلاصة ونتيجة كل أفكاره ودراساته، في حين أن الحوارات معه قد تكون غير مرضية.

لذلك يمكننا أن نقرأ كتبًا لأشخاص لا تُمتعنا مصاحبتهم، ولأن المرتبة العالية من الثقافة قد تقودنا إلى البحث عن المتعة بشكل كامل من الكتب وليس من الرجال. 


مقالة “عن التفكير للذات” من مقالات شوبنهاور، ترجمتها بتصرف

كتب أقل من١٠٠ صفحة

Grace Helmer

هذه التدوينة تحتوي على أسماء لكتب أعجبتني، عدد صفحاتها ١٠٠ صفحة أو أقل، وقد تزيد عن ذلك قليلًا أو كثيرًا على حسب طبعة الكتاب. الغرض من هذه التدوينة هو تشجيع البعض على القراءة اليومية، ومن الممكن أيضًا أن تكون هذه التدوينة ملهمة لآخرين يبحثون عن قائمة بكتب يودون قراءتها خلال العام القادم. سوف أقوم بتحديث هذه القائمة من وقت إلى آخر ان شاء الله.

روايات:
١- موت إيفان ايليتش: هذه رواية قصيرة لتولستوي، عن مصرع شخص اسمه ايفان ايليتش. الرواية عظيمة لأنها تُصوّر حكاية شخص في أيام احتضاره واستعداده للموت.
٢- الحمامة: لزوسكيند، وهو الذي ألف رواية “العطر” الرائعة. قصة الحمامة تدور حول شخص وحيد ومنعزل عن الناس، يعيش في غرفة صغيرة وحقيرة. كلما رأيت عيني حمامة أو نظرت إليها، تذكّرت هذه الرواية.
٣- الأمير الصغير: لأنطوان دو سان اكزوبيري، وهي من أكثر الكتب ترجمة ومبيعًا في التاريخ. الرواية هذه كُتبت للأطفال بطريقة فلسفية جميلة لكنها قد تُلامس روحك.
٤- مزرعة الحيوان: لجورج أورويل. أعجبتني هذه الرواية أكثر من روايته الشهيرة (١٩٨٤)، وهي تحكي عن قصة مجموعة من الحيوانات ثارت على صاحب المزرعة حتى تتولى إدارة المزرعة بنفسها. كتب جورج أورويل هذه الرواية الرمزية قاصدًا الثورة الروسية وأفكارها الشيوعية.
٥- رسائل من تحت الأرض أو الإنسان الصرصار: لدوستويفسكي، سوداوية! (١٣٦ صفحة).
٦- السقوط لألبير كامو: رواية فلسفية فيها الكثير من الثرثرة. أعجبتني أكثر من روايته الأشهر “الغريب”.
٧- الشيخ والبحر: لإرنست همنغواي، وهذه من أشهر رواياته وآخرها فقد حازت على جائزة بولتزر وحصل همنغواي على إثرها جائزة نوبل في الآداب. وهي تحكي عن صيّاد كبير السن ولكنه صبور – لم يصد أي سمكة لأكثر من ٨٠ يومًا- ثم عن حكايته في صيد سمكة.
٨- رحلة ابن فطومة: رواية فلسفية جميلة لنجيب محفوظ، وقد قرأتها بعد قراءتي لمقالة جورج طرابيشي وفيه يقول عنها “نحن لسنا أمام رواية، بل أمام هندسة روائية بكل ما في الكلمة من معنى. والمبدأ الموجه لتصميمها الهندسي هو التطابق ما بين الزمان والمكان، ومابين التاريخ والجغرافيا، وحتى ما بين تعاقب الفصول وأطوار العمر”. وبالفعل، كانت هندسة روائية.
٩- لاعب الشطرنج:  قصة قصيرة رائعة! كتبها زفايج قبل أن ينتحر عن لعبة شطرنج لم تُوثّق لأنها أُقيمت على متن باخرة، وعن كمية الإعجاب والإنبهار الذي يحظى به لاعب الشطرنج المحترف من قِبل الناس، وعن التوتر والحقد الذي يحدث بين لاعبي الشطرنج. إذا كنت من محبي لعبة الشطرنج فستعجبك هذه الرواية كثيرًا.
١٠-راوية الأفلام: قصة من تشيلي عن فتاة تشاهد الأفلام ثم ترويها لعائلتها التي أرسلتها لمشاهدة الفيلم لعدم توفر المال الكافي لشراء التذاكر لهم جميعًا.
١١- حكاية السيّد زومر: قصة قصيرة رائعة لزوسكند -مؤلف رواية العطر الشهيرة- عن السيّد زومر الذي لا يفعل شيئًا سوى المشي طوال الحكاية.
١٢- النعاس (أو النوم) : قصة قصيرة للروائي الياباني الشهير موراكامي، عن سيّدة بقيت مستيقظة دون أن تنام لأكثر من أسبوعين.
١٣- اللؤلؤة: قصة قصيرة لجون شتاينبك الحائز على جائزة نوبل. القصة عن صيّاد وجد لؤلؤة كبيرة جدًا، ماذا سيفعل بها؟ تدور الرواية عن الطمع والشر في الإنسان.
١٤- المعطف: لنيقولاي قوقول، قصة قصيرة للغاية ولكنها رائعة ستتفكرون بها كثيرًا وستؤثر فيكم. يقول دوستويفسكي ”كلنا خرجنا من معطف قوقول“.
١٥- الكتب التي التهمت والدي: حكاية مسلية من أفونسو كروس، عن قصة شخص ينغمس كثيرًا في القراءة ويدخل عالمًا آخر من المغامرات.
١٦- روايات ستيفان زفايغ: لن تندم أبدًا على قراءة روايات ستيفان زفايغ، فستيفان عبقري بحق، وكل الروايات تقع في ١٠٠ صفحة أو أقل أو أكثر بقليل. هنا بعض رواياته الرائعة: ”فوضى الأحاسيس، هل فعلها؟، السر الحارق، ٢٤ ساعة في حياة امرأة“.

مسرحيات:
١- روميو وجولييت: لوليام شكسبير، وهي من أشهر مسرحياته التراجيدية وأكثرها تمثيلًا في التاريخ. تحكي عن حبيبين – روميو وجولييت- من مدينة فيرونا الإيطالية، لكنهما من عائلتين عدوّتين لبعضهما.
٢- يوليوس قيصر: أيضًا من تراجيديات شكسبير الرائعة، وفيها مقولته الشهيرة على لسان يوليوس قيصر “حتى أنت يابروتوس!”. تدور أحداث هذه المسرحية حول امبراطور الروم يوليوس قيصر، كما أنها تدور حول المؤامرات والخيانة.
٣- أهل الكهف: لتوفيق الحكيم، وهي مستوحاة من قصة أهل الكهف في القرآن الكريم. عن فتية ناموا في الكهف لأكثر من ٣٠٠ عام ثم استيقظوا بعدها، ياترى كيف ستكون حياتهم بعد هذا النوم الطويل؟
٤- ثورة الموتى: لأروين شو الذي كتبها أثناء الحرب العالمية الثانية معبّرا عن رفضه للحرب. وهي عن ٦ جنود قد تُوفّوا بسبب الحرب ثم قاموا من موتهم ليثوروا.. لا يريدون أن يُدفنوا لأنهم لم يعيشوا حياتهم بعد!
٥- كوميديا الأخطاء: لوليام شكسبير أيضًا، ولكنها من ملهاته (كوميديّة)، قيل إنها من أول أعمال شكسبير. وهي تحكي عن زوجين من التوائم (سيدين وخادمين)، وكلا الزوجين يحملان نفس الإسم.. وخلال المسرحية تحصل الكثير من الأخطاء بسبب هذا الشبه.
٦- الملك أوديب: لسوفوكليس، وهي من الكلاسيكيات الشهيرة، إذ أن هناك مرض نفسي سمّاه “فرويد” ب”عقدة أوديب” على اسم بطل هذه المسرحية. هذه المسرحية تحكي عن نبوءة أن أوديبًا سوف يقتل أبيه ويتزوج من أمه.
٧- الملك أوديب: مسرحية ممتازة لتوفيق الحكيم اقتبسها من سوفوكليس، وهي من مسرحياته الشهيرة التي تقع في ١٣٠ صفحة.

في اللغة والتراث العربي:
وجدتُ أن كتب المغربي عبدالفتاح كيليطو هي أهم مايبتدئه القارئ إن أراد القراءة في التراث العربي. تحتوي كتبه على ملاحظات كيليطو وتعليقاته على نصوص من التراث، هذه الملاحظات شيّقة ولذيذة للغاية!
١- لن تتكلم لغتي: مقالات ماتعة لكيليطو.
٢- لسان آدم: محاضرات ألقاها في فرنسا عن الجاحظ وابن رشد وألف ليلة وليلة.
٣- الأدب والإرتياب.
٤- العين والإبرة: دراسة في ألف ليلة وليلة.
٥- الكتابة والتناسخ.
٦- أبو العلاء المعري.
٧- بحبر خفي.
٨- في جو من الندم الفكري.
٩- من نبحث عنه بعيدًا يقطن قربنا.

٢- مكتباتهم: كتاب لذيذ للغاية من تأليف محمد آيت حنّا الذي يظهر أنه مُتأثر بأسلوب كيليطو. مقالات متعددة عن الكتب بشكل عام (القراءة، الكُتّاب، المكتبات..) وكل مقالة مخصصة لشخصية أدبية مثل الجاحظ وشوبنهاور والمأمون وبورخيس يبدأها بقصة لهم أو اقتباس  عنهم أو أسلوب اُشتهروا به. أنصح به.

تاريخ وسياسة:
١البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدرك انجلز: هذا الكتاب- أو الكتيّب- من أكثر الكتب تأثيرًا في العالم. وهذا البيان كالخطاب للناس، وضّحا فيه ماركس وانجلز فكرة الشيوعية وعيوب الرأسمالية وأنهوها بمقولة شهيرة “يا عمّال العالم اتحدوا!”.

٢- المهدي والمهدوية: لأحمد أمين، عن عقيدة المهدي والتطور التاريخي لفكرة المهدوية في المذاهب الإسلامية بشكل مختصر.
٣- فن الحرب: كتاب صيني قديم جدّا (كُتب قبل الميلاد) لصن تزو، عن فنون واستراتيجات الحرب. ويقال أن الكتاب كان مُلهمًا للكثير من القادة كالطاغية”ماو تسي تونغ” رئيس الحزب الشيوعي الصيني، وهناك بعض الأفكار التي من الممكن أن تستفيد منها شخصيًا.
٤- الصعلكة والفتوة في الإسلام: للمفكر أحمد أمين. إذا كنت تتسائل عن أصل “البطلجية” في عصرنا، فهذا الكتاب يشرح لك كيف كانت العرب تستخدم لفظ (فتى) في الجاهلية، وكيف تغيّر استخدامها في صدر الإسلام إلى عصر المماليك، وكذلك ظهور الصعاليك، واختلاف مدلول الفتوة والصعلكة باختلاف العصور وباختلاف الواقع السياسي. كتاب يقع في ١١٠ صفحات تقريبًا.

فلسفة:
١- حي بن يقظان: للفيلسوف الأندلسي ابن الطفيل، وهي قصة شهيرة فلسفية عن شخص اسمه حي نشأ في جزيرة لوحده ربّته ظبية… فكيف تعلّم واكتشف وأدرك ذاته ووجوده وماحوله على هذه الجزيرة؟ هناك رواية فرنسية شهيرة اسمها “روبنسون كروزو” لدانيل ديفو قيل إنه استلهم قصتها عن ابن الطفيل.
٢- دين الفطرة- جان جاك روسو: كتاب رائع وهو نصّ مُقتطع من كتاب روسو الشهير “إيميل (أو التربية)”، وعلّق فولتير- والذي كان دائمًا يسخر من روسو وينتقده بشدة- على هذا النص بقوله”خمسون صفحة جيّدة.. استغرب أنها كُتبت من قبل هذا الوغد!”.
٣- مقال في المنهج: للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وقال فيه مقولته الشهيرة “أنا أفكّر، إذن أنا موجود”. اتبع أسلوب الشك في منهجه الفلسفي للتوصل إلى المعرفة.
٣- مرحبًا، هل من أحد هناك؟: لمؤلفه جوستاين جاردر، وهو مؤلف كتاب (عالم صوفي) الشهير. كتاب فلسفي بسيط موجّه للصغار، لكنه سيعجبك.
٤- فن الوجود: لإيريش فروم، يدور حول أسئلة فلسفية عن معنى الوجود وعن الحياة وكيف يعيش الإنسان وماهي مخاوفه في هذا العالم.
٥- مفهوم الحرية: للمفكّر المغربي عبدالله العروي، كتاب يشرح مفهوم الحرية في العالم الإسلامي والعالم الغربي.

اقتصاد:
١- خطوتك الأولى نحو فهم الإقتصاد: لجاسم سلطان، وهو كتاب صغير ومفيد بأسلوب بسيط عن المفاهيم والأفكار الأساسية للإقتصاد. أنصح بقراءته.
٢- التنمية.. الأسئلة الكبرى لغازي القصيبي: الكتاب لطيف ومفيد لكل من يجهل ماهية التنمية وأهميتها. 

قصص وسير ذاتية \ تراجم:
١- العودة سائحًا إلى كاليفورنيا: لغازي القصيبي، يروي فيها عن رحلته مع زوجته وأبنائه إلى كاليفورنيا ولكن كمجرد سائح بعد أن كان يدرس فيها الماجستير وهو شاب، ويتحدث في هذا الكتاب اللطيف عن خواطره وأفكاره.
٢- عبقريات العقّاد: لعباس محمود العقاد وهي سلسلة من العبقريات والتي يتحدث فيها عن شخصيات إسلامية بناء على عبقريتها: عبقرية محمد، وعبقرية الصدّيق، وذي النورين، وعمر، والإمام علي.. يتراوح عدد صفحات أغلب هذه العبقريات مابين ال١٠٠-١٥٠ صفحة.
٣- الشيخ الرئيس ابن سينا: للعقاد أيضًا، يتحدث فيها عن الفيلسوف والعالم ابن سينا. كتاب لطيف لمن أراد أن يتعرف على حياة ابن سينا وجانبه الفلسفي.
٤- أيام بين باريس وشيكاغو: لمحمد حامد الأحمري، يتحدث فيها عن رحلته لشيكاغو وباريس بأسلوب لطيف ويسرد فيها بعضًا من أفكاره والمواقف التي شاهدها خلال رحلته. نستطيع أن نُصنّف هذا الكتاب ضمن أدب الرحلات.
٥- شيءٌ من حتّى (سيبويه) : لأحمد خالد توفيق، وعنوان الكتاب هو الجملة التي قالها عالِم النحو الشهير سيبويه وهو يحتضر “أموتُ وفي نفسي شيءٌ من حتّى”. أسلوبه ممتع ولغته جميلة.
٦- نبت الأرض وابن السماء، الحرية والفن عند علي عزت بيجوفتش: لمحمد حامد الأحمري عن المفكر والرئيس البوسنوي بيجوفتش صاحب كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب)، كتاب جميل يصلح لأن يكون مقدمة لمن لم يقرأ قط لبيجوفتش. 

حكم ومواعظ:
١- الحكم العطائية: لابن عطاء السكندري، من الكتب الصوفية الجميلة في تهذيب النفوس، من أشهر اقتباساتها “ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع، صار المنع عين العطاء”.
٢- النبي: لجبران خليل جبران، وهذا الكتاب هو من أشهر كتبه حيث تُرجم إلى أكثر من ٤٠ لغة! يتحدث فيها النبي “المصطفى” إلى أهل مدينة أورفاليس في مواضيع كثيرة عن الحب والزواج والأطفال والعمل والألم والأخلاق وغيرها من مواضيع الحياة بشكل فلسفي.
٣- نقاش: للكاتب الليبي الصادق النيهوم، كتاب خفيف يتناول موضوعات عديدة عن الحياة والإسلام من وجهة نظر فلسفية إسلامية.