قصة الشتاء

11
في الصف الرابع الإبتدائي، سألتنا مدرسة اللغة العربية عن أمنياتنا. تراوحت الأمنيات ما بين الألعاب والتطلعات المستقبلية. أما نجلاء الصغيرة فقالت أنها تتمنى أن ترى الثلج يتساقط وتمسكه بيدها. أخفت مدرسة اللغة العربية ضحكتها على هذه الأمنية بلطف. تمر السنوات وتعيشُ نجلاء سنوات طويلة في مدن يتساقط فيها الثلج بكثافة، نهاية سعيدة؟

أكتبُ هذه التدوينة خلال شتاء الرياض وأنا سعيدة بالأمطار والجو البارد. أحبُ فصل الشتاء كثيرًا لأنني أستطيع أن أمشي بالخارج دون اتقاء لهيب أشعة الشمس. السُحب ضيف عزيز علينا، وثقيل على الأجانب. وفي هذا أذكر بطوط عندما كان يستيقظ فرحًا من النوم ويقول ”اليوم مشمس!“ وأتعجب. لم أدرك هذا المعنى إلا عندما عشتُ بالخارج. أما نحن هنا فنقول ”السماء مُلبّدة بالغيوم!“ ونستبشر بالأمطار

وأحبُّ ما يكونُ إلى العربِ الغيثُ، فلهذا يتذكرون به الأحبابَ، ويحنّون عنده إلى الأوطان، ويتمنونه حتى لرممهم وأمواتهم، وإن كان لا يُسمنهم ولا يُغنيهم من جوع، غير أنهم يحبون لهم ما يحبون لأنفسهم، وذلك بهم غاية الأماني. وقد قال شاعرهم


وَمَا السُّقْيَا لِتَبْلُغَهُ وَلَكِنْ .. أُحِسُّ لَهَا بَرَاداً فِيْ فُؤَادِيْ

هل لنا طقوس في فصل الشتاء؟

لدى الأوروبيين تصنيف للروايات الطويلة باسم روايات المدفأة، وهذا يعني في غياب الأنشطة والُملهيات الخارجية في ذلك الوقت كان البعض يختار روايات طويلة يقرأها في فصل الشتاء أمام المدفأة. كذلك يزينون الشوارع لديهم استعدادًا للكريسمس (متعة بصرية)، وتسمع دندنة الأغاني المخصصة لها في كل المحلات (متعة سمعية)، وتشم رائحة كعك الزنجبيل (متعة شمية) ويتناولون الكوكيز واللحم الرومي (متعة تذوقية).ه

أما العرب فيستعدون لفصل الشتاء ويعدون له العدة، وفي هذا يتحسّر ابن الرومي بقوله ”جاء الشتاء ولم يعدد أخوك له..“.
نُفرز الملابس ونرفع القطع الصيفية عن ناظرنا، ونُجهز الشتوية ذات الأكمام الطويلة والخامة الثقيلة والفرو والبطانيات الدافئة. نجتمع حول الحطب (متعة حسية وشمية)، ونشرب السحلب والشاي العدني والشوكولاتة الساخنة والحليب بالزنجبيل ونأكل القشد والكستناء والفقع (متعة تذوقية)، والبعضُ يستمع إلى أنشودة المطر (متعة سمعية)

ومنذُ أن كُنّا صغارًا، كانت السماءُ تغيمُ في الشتاء.. ويهطلُ المطر

لكن بعيدًا عن شاعرية المتع الحسية، من الملاحظ أن قسوة الشتاء لدى الأجانب كقسوة الصيف لدينا، فمن الطبيعي أن يكسو التشكي من الشتاء أدبهم وأغانيهم بأسلوب درامي. وإذا كانوا يقولون
you warmed my heart

أدفئتَ صدري، فإن تعبيرنا لهذه الجملة قد تُرجم إلى أثلجتَ صدري. انظر إلى فانتين في البؤساء وهي تقول


فصلٌ مريع! إن الشتاء يحول قلب المرء إلى حجر!ا



أو روستوف في الحرب والسلم عندما جاء الشتاء الروسي في الحرب وهو بعيدٌ عن منزله، نظر إلى حبات الثلج وهي تتساقط فوق الماء وتذكر الشتاء الروسي في منزله الدافئ مرتديًا معطف الفرو.. ثم تعجّب ”لماذا أنا هنا؟“؟

أما جورج آر آر مارتن مؤلف أغنية الجليد والنار والتي تحوّلت إلى مسلسل قيم أوف ثرونز، فكان يحذّر بشكل درامي من أن الشتاء قادم. والشاعر الفرنسي تشارل بودلير كان يعتزل الناس ويكتب

عندما يضع الشتاء وجهه العجوز أمام النافذة، سوف أغلق كل النوافذ، وأقفل الستائر، وأبني قصوري من ضوء الشموع.ا

أما نحنُ فيقول عبدالمجيد عبدالله: حيّ الشتا وحيّ ما جابه، ويرقص الناس عليها وكأنها طقس من طقوس الترحيب بالشتاء.ه

مخرج:
قصة المعطف لغوغول
بودرة الشوكولاتة لمشروب شوكولاتة ساخنة من نوماد
أغنية Let it Snow: Dean Martin

مجلات ميكي وماجد

 

”يمكننا القول إن تزجية أوقات الفراغ في الطفولة السعيدة تتلخص في قراءة مجلات ميكي وماجد، ومشاهدة أفلام الكرتون، وتناول آيسكريم كرز بالفانيليا“. 

مجلة ماجد 

في طفولتي، كانت أمي تبتاع لنا مجلات ميكي المصرية -وأعني بالمصرية، التي تصدر من مصر- وكانت المجلات تُباع بشكل غير منتظم، أي أنك تستطيع أن تشتري مجلدات بتواريخ قديمة وجديدة. وكانت أمي في بعض الأحيان تشتري لنا مجلة ماجد. وعندما علمتُ بأن مجلة ماجد تصدر بانتظام كل يوم أربعاء وسعرها ٤ ريالات، ادّخرت من مصروفي اليومي- ٣ ريالات- ريالًا واحدًا كل يوم حتى أتمكن من شراء المجلة يوم الأربعاء. كنتُ أعطي السائق ٤ ريالات فيذهب إلى بقالة (ميد) ويشتري لي المجلة. كانت فرحة الانتظار جميلة وكأنني أترقّب مسلسلي المفضل. اقرأ المجلة من الغلاف للغلاف، واحرص على قراءة مشاركات الأصدقاء كما القصص. كنت أحب حكايات شمسة ودانة اللتين كانتا تسكنان جزيرة لوحدهما مع السلحفاة سلمى، والصقر منصور. كانت دانة تحب الرسم والفنون:

أما شمسة فكانت تحب الطبخ:

وهنا تتعلم دانة استخدام الكمبيوتر لأنها ستكون في حالة تخلف إذا لم تستعد وتتعلم، تمامًا كما الدعوات إلى تعلم البرمجة في هذا الوقت:

كنت أدخل في تحدي مع نفسي وأنا اقرأ القصص لأبحث عن فضولي، ثم أشارك بقلمي في حل الكلمات المتقاطعة. كانت مجلة ماجد تقطع لنا وقت فراغنا في أيام كانت مسلسلات الكرتون محددة بوقت العصر. 

مع ذلك، كنتُ أفضّل كثيرًا مجلات ميكي المصرية عليها. ففي قصص بطوط وأبناء أخيه الثلاثة والعم دهب وكل عائلة البط من الإبداع والمرح ما يجعلني أقرأ القصة الواحدة مرات عديدة من حين إلى آخر. وكنتُ في طفولتي أتمنى أن أعيش في مدينة البط 🙂
وبينما كان والدي رحمه الله وأمي يجدان في مجلات ميكي وماجد مضيعة للوقت، كنتُ أحاول أن أشرح لهما بأنني بالفعل استفدتُ الكثير من هذه المجلات. ففي سن صغيرة، عرفتُ من خلال هذه القصص وحدها معالم وأماكن حقيقية مثل ماتشو بيتشو والأهرامات الثلاثة وبرج بيزا المايل وبركان فيزوف في إيطاليا -والتي كانت الساحرة سونيا ترغب في رمي قرش الحظ فيه- وتعرفتُ من خلال مغامرات عم دهب والكشّافة على المومياءات المتحنطة وأشخاصًا مثل الكسندر جراهام بل -عندما كان بندق يمثله- ودافنشي وغيرهم، وأمورًا أخرى كثيرة من تجارب الحياة، هذا غير أن مشاركات الأصدقاء كانت تحوي على الكثير من المعلومات التاريخية والعلمية، ثم أنها جعلتني أحب القراءة. 

هنا مثلًا قصة لأنطوان تشيخوف باسم موت موظف (أو الرجل الذي عطس مرتين)

أما هنا فقصة مستوحاة من الليلة الثانية عشر لشكسبير كما أعتقد:

وهنا قصة جميلة عن أهمية القراءة والكتابة:
وقصة حقيقية دارت أحداثها في ليبيا أيام الإحتلال الإيطالي لها:

ثم قصص مثل هذه تجعلك تحرص على إدراك طبيعة الأشخاص من حولك:

ثم انظروا كيف كانت تجعلنا مجلة ماجد على اطلاع مع أخبار العالم، هنا بعض من أخبار مونديال كأس العالم ١٩٩٤:

مجلة ميكي الإماراتية

في يوم من الأيام، دخلت أمي علينا بالعدد الأول أو الثاني من مجلة ميكي قائلة أنها مجلة جديدة الإصدار من الإمارات. كم سعرها؟ ٦ ريالات! كان سعر مجلة ماجد ٤ ريالات فقط. أما القصص فقليلة، وكانت الصفحة الواحدة تحتوي على مربعات كبيرة من الحوارات وبالتالي عددها قليل (بينما الإصدار المصري يحتوي على مربعات أكثر في الصفحة الواحدة). أُعجبت بالمجلة لأن الورق كان فاخرًا وملونًا، بينما الإصدار المصري كان يحتوي على صفحتين ملونة وصفحتين بالأبيض والأسود وهكذا. أما بعض الشخصيات فقد تغيّرت أسمائها، فزيزي أصبحت بطوطة، وسوسو ولولو وتوتو أصبحوا كركور وفرفور وزرزور، وميمي أصبحت ميني. لا بأس. صرتُ اقرأ المجلة من الغلاف للغلاف، حتى كلمة مديرة التحرير نجوى آل رحمة.

مع مرور الأيام أصبحت المجلة ب٧ ريالات، ومع النجاح الذي حققته هذه المجلة في الخليج، أصبحت هناك إصدارات عديدة مثل إجازة مع ميكي، ومدينة البط (التي كانت تحتوي فقط على قصص البط مثل بطوط والعم دهب مع عصابة القناع وزيزي ومحظوظ وعبقرينو)، والتي كانت ب٢٠ ريالًا! يُرجى الملاحظة أن المجلات مثل سيدتي في ذلك الوقت كان سعرها ١٠ ريالات فقط، وكانت مجلة “هي” والتي تُعتبر مجلة تتحدث عن آخر أخبار الأزياء الفاخرة تصدر مرة في الشهر ب٣٠ ريالًا. 

مجلة ميكي المصرية

أحببتُ الإصدارات القديمة من مجلة ميكي المصرية، والتي كانت تحتوي على قصص مطولة. أما قصصها فالكثير منها كان الحوار فيه يدور بالفصحى مع إدخال اللهجة المصرية أحيانًا، فكانت الحوارات “خفيفة دم” للغاية.

هنا بطوط مع جاره:

 وهنا مع زيزي:


مع زيزي مرة أخرى:

ومن خلال القصص كانت تُغنّى الأغاني المصرية مثل يا ليلة العيد آنستينا لأم كلثوم:

غني لي شوية شوية لأم كلثوم، وزوروني في السنة المرة لفيروز: 
 

وهنا أبو حنفي يُغني أهواك وأتمنى لو أنساك لعبدالحليم حافظ

ياوردة الحب الصافي لمحمد عبدالوهاب:

أثّرت هذه القصص على نجلاء الصغيرة بالطبع، هنا تدوينة (مذكراتي العزيزة..) والتي أقتبستها من زيزي عندما كانت تكتب يومياتها:

كنت أتأمل صور اللوحات الفنية الموجودة في صفحات مجلات ميكي وماجد، ولم أدرك أنني سوف أشاهد بعضها على الطبيعة يومًا، هنا مثال للوحة أوجست رينوار:


 

وهنا اللوحة الأصلية في متحف الفن في شيكاغو:

وأنتم.. هل كنتم محظوظون وقرأتم مجلات ميكي وماجد؟ حدثوني في التعليقات عن شخصياتكم وقصصكم المفضلة.

مخرج – تدوينات سابقة تتحدث عن مجلات ميكي وماجد وتأثيرها على نجلاء الصغيرة:
كتابي الأول
كم بيضًا للحمام؟
ما الذي تريد أن تراه في منامك؟ 
لستُ صغيرة