تجارب ومباهج – ٢

هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي أعرفكم فيها على بعض تجاربي في الأسابيع|الشهور السابقة في أمور شتى كقراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب والمباهج الصغيرة.

التعليم الذاتي – ماستر كلاس MasterClass

بإلهام من هيفاء القحطاني، تشجعت أن تكون هذه السنة هي سنة التعليم الذاتي عن طريق الدروس والمحاضرات الموجودة أون لاين من كورسيرا وغيرها.

أنهيت مادة في كورسيرا، واشتركت في ماستر كلاس ب١٨٠ دولار في السنة. أستطيع القول أنه يستحق كل دولار دفعته. أتممت دورة مالكوم قلادويل في الكتابة- رائعة وملهمة- والآن قاربت الإنتهاء من محاضرات مارقريت آتوود عن الكتابة الإبداعية.

لكن، ما الفرق بين ماستر كلاس ومواقع مثل كورسيرا وإد إكس ويوداستي؟
بما أنني أنهيت مادتين في كورسيرا وتابعت العديد من المواد في مواقع MOOCs الأخرى -لم أنهها للأسف- أستطيع أن أدوّن أبرز الاختلافات بشكل سريع:
– كورسيرا يمتاز بالطابع الأكاديمي – هناك مهام ومشاريع دراسية يجب العمل عليها بعد الإنتهاء من المحاضرة، كذلك لابد من التعاون في تصحيح الواجبات للطلبة الآخرين حتى يتمكنوا من تصحيح واجباتك، وفي نهاية الدورة هناك اختبارات وأسئلة.
بينما ماستركلاس هو أقرب لفيديوهات يوتوب التعليمية. هناك ملف تستطيع تحميله بعد كل فيديو للمراجعة إذا أردت.
– مقدمو محاضرات كورسيرا وإد إكس هم دكاترة وأساتذة جامعات مختلفة لهم خبرة في السلك الأكاديمي والتدريس، بينما مقدمو محاضرات ماستركلاس هم أشخاص مميزون في مجالهم. على سبيل المثال: مارقريت آتوود الفائزة بجوائز في الأدب تقدم دورة في الكتابة، قاري كاسباروف بطل العالم في الشطرنج له دورة في تعليم الشطرنج، قوردن رامزي الحاصل على ١٦ نجمة ميشلان يقدم دورة في الطبخ، نتالي بورتمان الفائزة بأوسكار تتحدث عن التمثيل.. وهكذا.
– لا توجد شهادة إكمال الدورة في ماستركلاس بخلاف كورسيرا وغيرها، حيث تستطيع أن تأخذ شهادات معتمدة في الكثير من الجهات مثل نانو ديقري، وتستطيع أيضًا أن ترفق رابط إنهاء الدورة في مواقع مثل لنكدإن.
– تستطيع مشاهدة كل المحاضرات في ماستر كلاس ب١٨٠ دولار في السنة، بينما في كورسيرا والمواقع المختلفة فإن السعر يختلف باختلاف الدورة ونوع الشهادة، وبعض المحاضرات مجانية.

دورة مالكوم قلادويل عن الكتابة كانت مسلية وممتعة. فهو لا يتحدث عن الكتابة فقط، وإنما عن قصص وتجارب مر بها وعن خبرته ونصائح مختلفة مما يجعلها مميزة وتستحق المشاهدة مرة أخرى.

عالم الأمس – سيرة حياة ستيفان زفايج 

زفايج أديب كبير وروائي عبقري، كانت بداية قراءتي له (ماري انطوانيت) من كتب والدي رحمه الله، ثم قرأت بعد ذلك لاعب الشطرنج والتي اعتبرها من أجمل قصصه. 

أما هذه السنة فقد اشتريت جميع قصصه القصيرة أو النوفيلا من إصدار دار مسكيلياني من معرض الكتاب وقرأتها كلها. وبالرغم قصرها، فإن القصص مليئة بالمشاعر التي أستطاع زفايغ وصفها بكل دقة. لذلك، وبعد توصية من الصديقة إحسان، تشجعت على قراءة سيرته الذاتية (عالم الأمس).

في عالم الأمس، يتحدث زفايج عن النمسا الجميلة وفنونها المسرحية والموسيقية قبل الحرب العالمية، ثم كيف أثرت الحربة العالمية وأهوالها – خاصة هتلر- عليها وعليه شخصيًا. فقد انتحر مع زوجته بعد كتابته لعالم الأمس! 

من أجمل السير الذاتية، صادقة ومؤثرة للغاية. اقرأوها.

مسلسل تشيرنوبل 

لم أكن أعرف عن تشرنوبل إلا بعد قراءتي لكتاب الفائزة بنوبل للآداب، سفيتلانا ألكيسيفيتش ”صلاة تشرنوبل“. المسلسل يحكي في ٦ حلقات عن كارثة انفجار مفاعل تشرنوبل وكيف غيّر مجرى التاريخ بسبب آثاره الوخيمة على الناس والحيوانات والأطعمة والمياه والهواء، بل وحتى على الاتحاد السوفييتي. عظيم ويستحق المشاهدة.

 

غداء تحت أشجار الليمون

في ربيع هذا العام، زرتُ مدينة كابري الإيطالية. وهو الوقت المناسب لاعتدال الجو، والأهم من ذلك نضج الليمون الأصفر على الأشجار. تكثر أشجار الليمون على سواحل الأمالفي الإيطالية، وجزيرة كابري تشتهر بالليمون!

لذلك خططت لزيارة مطعم اُشتهر بأنه حديقة لأشجار الليمون، ويقدم أطباقه الطازجة من ليمون الحديقة، وكانت تجربة حالمة بحق!
طلبت رافيولي على الطريقة الكابرية، مع صوص الليمون.

وايسكريم الليمون بداخل ليمونة!

صندل حسب الطلب

وبالحديث عن جزيرة كابري، تقع بوسيتانو -والتي كانت لوحة فنية رائعة- بالقرب منها.

وحين كانت تمطر بالخارج، دخلت إلى محل Artigianato Rallo لبيع الصنادل حسب الطلب، وهو ماتشتهر به هذه المدينة الصغيرة، وماتشتهر به كابري أيضًا- هناك محل صنادل شهير في كابري قد ابتاعت منه الأميرة ثريا وغريس كيلي وجاكلين كينيدي صنادل اُشتهرت بسببهم-.
أما في هذا المحل الصغير الذي تشغله عائلة إيطالية منذ سنوات عديدة فالجلود إيطالية، والمقاس والتصميم والألوان على حسب الطلب. 

هذه أول مرة أجرب فيها شراء صندل بالطريقة التي أريدها. أُخذ مقاس قدمي من خلال عدة نعال جلدية وضعت قدمي عليها، واخترت تصميم الصندل ولون الجلد. وفي أقل من نصف ساعة كان الصندل الإيطالي الصنع والمريح جاهزًا للمشي!

شوكولاتة Z:

ترددت لسنوات كثيرة في تجربة هذه الشوكولاتة وتراجعت بسبب سعرها، ولكنني قررت أخيرًا وعزمت على شرائها في عيد الفطر كعيدية لذيذة لي. توفر لي كوبون بزيادة كمية الشوكولاتة إلى الضعف، فاستخدمته. وقرأت أن الشوكولاتة ستكون مغلفة بألواح من الثلج، لذلك لم أتردد في طلبها في شهر يونيو.

لكنها وصلتني قبل العيد بيومين هكذا:

تواصلت معهم واعتذروا مني على الفور في رسالة الكترونية مطولة، وأخبروني بأنهم سيرسلون إليّ كمية جديدة لكن ستكون بعد العيد. انتهزت الفرصة لأن اتذوق الشوكولاتة المجانية هذه – وإن كانت ذائبة- في انتظار الشوكولاتة القادمة.
وصلتني الشوكولاتة (علبتين منها بسبب العرض) في عبوات مضاعفة من الثلج من أجل حفظ حرارتها، وكانت مغلفة بداخل كيس قماشي فخم ومعها كتيب يحتوي على وصف لجميع أنواع الشوكولاتة. كان طلبي هو الشوكولاتة ”التقليدية“ والتي تحتوي على شوكولاتة بنكهات مختلفة. حجم الشوكولاتة صغير للغاية، قد يكون أكبر قليلًا من حجم رأس الإبهام. كل شوكولاتة مرقمة من الصفر إلى رقم ١١، بالإضافة إلى الحرف z، وكل رقم له طعم مختلف عن غيره. قررت أن أتناول قطعة واحدة يوميًا بالترتيب.
هل أعجبتني؟
الشوكولاتة ممتازة، لكن سعرها مرتفع للغاية (١٥٦ ريال + بالإضافة إلى سعر الشحن من فرنسا إلى السعودية عبر دي اتش ال). من الممكن أن أعيد التجربة لكن باختيار النكهات التي أعجبتني.

معالج نوف المطلق: 

سمعتُ كثيرًا بين أوساط السوشال ميديا عن هذا المعالج. يعتبر شعري ناعمًا (ويفي) ولكن به نفشة، لذلك أحتاج إلى تصفيفه إن أردت الذهاب إلى المناسبات الكبيرة أو بعض المناسبات الأخرى- ليس لدي ”سشوار“ ولكني استخدم في بعض الأحيان السيراميك-. وبما أنه يُسوق له بأنه طبيعي من مكونات طبيعية ولا يفرد الشعر كما البروتين البرازيلي -وتستطيع حتى الحامل والمرضع استخدامه-تحمست لتجربته. انتظرت لبعض الوقت حتى حصلت على خصم واشتريت الحجم الكبير منه. 

وصلني في خلال أسبوعين، الطرد كان مرتبًا والتعليمات واضحة. كل ما أحتاجه هو توزيعه على شعري والانتظار حسب المدة المطلوبة ومن ثم استخدام السيراميك وعدم غسله بعدها ل٣ أيام. اتفقت مع إحدى مصففات الشعر أخبرتني أنها خبيرة في تطبيق البروتين وغيره من المعالجات.

لم أجرب معالج على شعري من قبل، كما أنني لم أصبغ شعري ولا أستخدم الحناء. لا أستخدم سوى شامبو وبلسم من ايهرب. لذلك كانت مفاجأة لي عند خروج دخان كثيف من شعري له رائحة مزعجة وكذلك مسيل للدموع. للجمال ضريبة؟

كانت النتيجة جيدة في أول الأيام، تلاشت أغلب النفشة، حرصت على استخدام شامبو وبلسم مخصصين للبروتين. لكن بعد أسبوعين بدأت النفشة السابقة في الظهور وبدأ البروتين بالتلاشي، حتى اختفت نتيجته خلال ٦ أسابيع.

هل سأجربه مرة أخرى؟
قد يكون مناسبًا لغيري. لكن مع السعر المرتفع ومع مدة بقائه، لا.

وأخيرًا، أود أن أُريكم عيديتي لصديقاتي ولأهلي أخذتها من متجر فستق. نبات البوتس بداخل كوب مع كرت معايدة وبطاقة لكيفية العناية بها! أليست لطيفة؟

لماذا لا نستطيع أن نثق بأنفسنا؟

Soter Art


”مشكلة العالم أن الأغبياء والسذج يبدون واثقين للغاية من أنفسهم، بينما الأشخاص الأكثر حكمة مليئو بالشكوك“ – برتراند رسل

على مر السنوات، أصبحتُ معتادًا على الارتياب والشك، وعلى التشكك في كل المعتقدات الراسخة، وممارسة الشك في كل شيء، وبالأخص الشك في الذات.

أدمغتنا لايُعتمد عليها بالأساس، وليس لدينا أدنى فكرة عما نتحدث عنه حتى وإن ظننا ذلك. هذه ٨ أسباب توضح لك- اعتمادًا على علم النفس- لماذا لا تستطيع أن تثق بنفسك.

١- لأنك شخص منحاز وأناني دون أن تعي ذلك:

في علم النفس هناك مُصطلح يُدعى بتحيّز الفاعل-المراقب، باختصار يخبرنا بأننا جميعنا أغبياء. 

على سبيل المثال، إذا كنت تقود سيارتك في تقاطع وهناك شخص ما اجتاز الإشارة الحمراء، في الغالب ستعتقد أنه أناني ويعرض الآخرين في خطر من أجل ثوان معدودة.

لكن في الجهة المقابلة، إذا كنت أنت من اجتاز الإشارة الحمراء فستعتقد في الغالب أنك بريء وارتكبت خطأ بسبب عدم رؤيتك للإشارة المحجوبة من أغصان الشجرة، وأن اجتياز الإشارة الحمراء لم يؤذِ أي شخص. 

الفعل هو ذاته، لكن عندما يقوم به الآخرون فإنهم سيئون، وعندما تقوم به أنت فإنه خطأ. 

كلنا نفعل هذا الأمر، خاصة في الخلافات. عندما يتحدث الناس عن شخص ما أغضبهم لسبب أو لآخر، فإنهم يصفون أفعاله بالهراء، وأن ورائها نية خبيثة. 

لكن، عندما يتحدث الناس عن المرات التي آذوا فيها شخص ما، فإنهم يبررون ذلك لأسباب منطقية وعادلة، وأنهم لم يكن لديهم الخيار فيما فعلوه. 

كلا الرأيين قد يكونا مخطئين. هناك دراسات أُجريت من قبل علماء النفس وجدوا فيها أن كلا من الضحية والجاني يشوهان الحقائق لتصبح مناسبة لرواياتهما.

يطلق ستيفن بنكر على هذا الأمر ب“الفجوة الأخلاقية“ والتي تعني أنه عندما يكون هناك خلاف ما، فإننا نبالغ في تقدير نياتنا الطيبة ونقلل من تقدير نيات الآخرين. وهذا مايخلق دوامة تجعلنا نؤمن بأن الآخرين يستحقون أشد العقاب وأننا نستحق عقابًا أقل.

وكل هذا يصدر منا بلا وعي، بالطبع. إن الناس عندما يفعلون ذلك يعتقدون بأنهم منطقيون وحيادون تمامًا. لكنهم ليسوا كذلك.

٢- ليس لديك أدنى فكرة عما يجعلك سعيدًا أو تعيسًا!

في كتاب(التعثر بالسعادة) لدانييل قلبرت، عالم النفس في هارفارد، يوضّح لنا كيف أننا نفشل في تذكر الأحاسيس التي شعرنا بها في الماضي بسبب أمر ما، ونفشل في تخمين كيف سيجعلنا هذا الأمر نشعر في المستقبل.

على سبيل المثال، إذا خسر فريقك الرياضي المفضل البطولة الكبرى، فإنك ستشعر بالسوء. لكن ذاكرتك لم تجعلك تشعر بالسوء الذي شعرت به في ذلك الوقت. في الواقع، إنك تتذكر الأمور السيئة بشكل أسوأ مما كانت والأمور الجيدة بشكل أفضل مما كانت.

وهذا الأمر ينطبق على المستقبل، فإننا نبالغ في تقدير الشعور الذي ستؤثر به علينا بعض الأمور الجيدة، والشعور الذي ستتركه علينا بعض الأمور السيئة.. لكننا في الحقيقة لا نلقي بالًا لما نشعر به في ذلك الوقت.

وهذه الحجة تجعلنا لا نطارد السعادة من أجل ذاتها. فكل المعلومات المتوفرة تدل على أننا لا نعرف ماهي السعادة، وليس باستطاعتنا أن نتحكم فيها إذا بلغناها.

٣- من السهل التلاعب بك حتى تتخذ قرارات سيئة: 

عندما تشاهد أشخاصًا في الشارع يوزعون أشياءً مجانية، فإنك تهرع إليهم لأخذ واحدة. وستكتشف عاجلًا أنهم يرغبون في إلقاء بعض الأسئلة عليك من أجل أن تنضم إليهم أو لإعطائهم بعض الأموال. ستشعر بعدها بالإحراج لأنك لا ترغب في قول ”لا“ لهم خاصة إنهم أعطوك شيئًا مجانيًا وبالطبع لا تود أن تكون شخصًا أخرقًا. 

نعم، مافعلوه كان عن قصد.

من السهل التلاعب بالناس عند اتخاذهم للقرارات بواسطة حيل عديدة، ومنها إعطائهم الهدايا قبل المباشرة في السؤال.

يمكنك أن تجرب هذه الحيلة: إذا رغبت في قطع الطابور على أحدهم، اسألهم إذا ماكان باستطاعتك ذلك وأعطهم سببًا، أي سبب:

أنا مريض، أو إنني في عجلة من أمري

وسيتضح لك، وفق التجارب، أنه سيكون بإمكانك قطع الطابور بشكل أكبر بمقدار ٨٠٪ وأن يسمحوا لك بذلك إذا سألت فقط دون أن تقدم لهم أي توضيح. لأن التوضيح لا يحمل لهم أي معنى.

أوضح علماء الاقتصاد السلوكي أنه بالإمكان ”تجهيزك“ لأن تفضّل سعرًا لمنتج ما على الآخر دون سبب منطقي. على سبيل المثال:

mm.net

 

على اليسار، تجد أن الفرق بين السعرين كبير وغير منطقي. لكن لو أضفت خيارًا ثالثًا – كما في الصورة اليمين- ستجد أن خيار العلبة ذات ال٣٠ دولارًا أصبح منطقيًا وتبدو أنها صفقة ممتازة لك. 

مثال آخر: إذا أخبرتك أنه باستطاعتك السفر بألفين دولار إلى باريس ويتضمن ذلك طعام الإفطار، أو رحلة إلى روما مع طعام الإفطار، أو رحلة إلى روما بدون طعام الإفطار؟ اتضح أن الكثير اختاروا رحلة إلى روما بدلا من باريس. لماذا؟ لأنه عندما كان هناك خيار رحلة روما بدون طعام الإفطار، اعتقدوا أن روما مع طعام الإفطار تبدو صفقة ممتازة ونسوا تمامًا أمر باريس. 

٤- لأنك تستخدم المنطق والعقل فقط لدعم معتقداتك الموجودة سابقًا:

وجد الباحثون أن بعض الأشخاص المصابين بتلف في الأجزاء البصرية من أدمغتهم، مازالوا ”يرون“ ولا يدركون أنهم يرون. هؤلاء عُمي وسيُخبرونك بأنهم لايستطيعون رؤية أيديهم التي أمامهم. لكنك إذا أضئت نورًا صغيرًا على جهة اليمين أو اليسار من الرؤية، سيتمكنون من تخمين أي جهة كان النور بشكل صحيح. 

ولكنهم سيظلوا يخبرونك بأن هذا مجرد تخمين!

ليس لديهم أية فكرة واعية عن لون حذائك، لكنهم يعرفون من أي جهة صدر النور.

وهذا يوضح فكرة عن دماغ الإنسان: أن المعرفة والشعور بمعرفة المعرفة هما شيئان مختلفان. 

وكما هؤلاء الأشخاص العُمي، فإنه بإمكاننا الحصول على كل المعرفة بدون أن نشعر بالمعرفة. لكن العكس أيضًا صحيح: تستطيع أن تشعر بأنك تعرف شيء ما حتى ولو كنت في الحقيقة لا تعرف. 

وهذا هو أساس كل أنواع الحياز والمغالطات المنطقية. فالمنطق المتحفز والإنحياز التأكيدي يبتعدان كثيرًا عندما لا نعترف بالفرق بين ما نعرفه في الحقيقة وبين مانشعر بأننا نعرفه. 

٥- مشاعرك تُغيّر من تصوراتك بطريقة أكثر مما تتخيل: 

إذا كنت مثل أغلب الناس، فإنك تميل إلى اتخاذ قرارات سيئة للغاية بناء على مشاعرك. زميلك في العمل مازحك بشأن حذائك، وشعرت بالإنزعاج لأن هذا الحذاء أُهدي إليك من جدتك المتوفاة، لذلك فإنك تفكر ”تبًا لهؤلاء الأشخاص“ وتقرر أن تستقيل من وظيفتك لتعيش على الشؤون الاجتماعية. بالطبع كان قرارًا غير منطقيًا لكنه يسوء مع مرور الوقت. 

اجتناب اتخاذ القرارات المهمة عندما تثار مشاعرنا ليس بالأمر الكافي. وُجد أن المشاعر تؤثر على اتخاذ القرارات لأيام، ولأسابيع، بل وحتى لشهور لاحقة، حتى وإن كنت هادئًا وحللت الموضوع من جميع الجوانب. وما يثير الاستغراب أكثر أن المشاعر قصيرة الأجل من الممكن أن تؤثر على قراراتك على مدى أطول.

دعنا نقول بأن هناك شخص من أصدقائك يود مقابلتك لشرب القهوة. لسبب ما، فإن هناك شيء ما بداخلك يخبرك بأن تحذر أكثر على الرغم من أنه يعجبك هذا الشخص وتود الخروج لمقابلته. أنت حذر لكنك لا تعلم لماذا.

ما نسيته هو أنه كان لديك صديق آخر تحبه في الماضي ثم تجاهلت صداقته لوقت طويل. ليس هناك سبب كبير، لكن الشخص كان منفعلًا في مواقف صغيرة قد حصلت في الماضي. تمر الأشهر ونسيت صداقته بسبب مشاغل الحياة. لكن هذه المواقف الصغيرة أزعجتك وقد جرحتك قليلًا. أما الآن فإنك لست متأكدًا من حذرك تجاه الصديق الجديد، على الرغم من أنه مختلف تماما والأحوال قد تغيرت.

إنك في الأصل تتأثر بذكرياتك في لحظة اتخاذك للقرارات بشكل ما إما بشهور أو سنوات بعدها. وتفعل ذلك دائمًا بدون وعي منك. حتى المشاعر التي لاتتذكرها والتي مضى عليها أكثر من ٣ سنوات تستطيع أن تؤثر في اتخاذ قرار مثل إما أن تشاهد التلفاز أو تخرج مع أصدقائك اليوم. 

٦- ذاكرتك سيئة للغاية:

تُعد إليزابيث لوفتوس من أكبر الباحثين في مجال الذاكرة، وأول شيء ستُخبرك به أن ”ذاكرتك سيئة للغاية!“

وجدت اليزابيث أن ذكرياتنا عن الأحداث الماضية تُعدل بسهولة بتجارب سابقة أو جديدة، وبمعلومات خاطئة أيضًا. جعلتنا ندرك أن الشهادة التي يُدلي بها شهود العيان لا يُعتمد عليها.

ماوجدته اليزابيث كان كالتالي:

  • ليست فقط ذكرياتنا للأحداث هي التي تختفي مع مرور الوقت، وإنما أيضًا تصبح أكثر عرضة للتضليل كلما تقدم بنا الزمن.
  • تحذير الناس بأن ”ذكرياتهم من الممكن أن تحمل معلومات مضللة“ لا يساعد دائمًا على محو المعلومات المضللة.
  • كلما كنت شخصًا متعاطفًا أكثر، كلما كنت أكثر قابلية لدمج المعلومات المضللة بذكرياتك.
  • ليست فقط الذكريات هي التي قد تُعدل بمعلومات مضللة، وإنما هناك احتمالية أن تُنشأ هذه الذكريات من الأساس بشكل كامل. بل نصبح سريعين التأثير خاصة عندما يكون أفراد العائلة أو الأشخاص الآخرين الذين نثق بهم هم الذين يضعون لنا هذه الذكريات.

لذلك فإن ذاكرتنا لا يُعتمد عليها كما نظن. حتى بالنسبة للذكريات التي نظن أننا نعلم بصحتها.

في الواقع فإن علماء الأعصاب يستطيعون التخمين عما إذا كنت ستفشل في تذكر حدثٍ ما بناء على نمط نشاط دماغك. فدماغك ليس حاسوبًا تستطيع أن تخزن عليه الملفات التي تود تخزينها. إن ذاكرتنا تساعدنا على التعلم من الأمور الماضية من أجل اتخاذ قرارات صحيحة في المستقبل. لكن الذاكرة لديها وظيفة أخرى بالكاد أن نفكر بها، وهي الوظيفة الأكثر أهمية وتعقيدًا من تخزين المعلومات.

إننا كبشر نحتاج إلى هوية، الإحساس ب“من نحن“، حتى نستطيع التنقل بين الأوضاع الاجتماعية المعقدة. إن ذاكرتنا تساعدنا على خلق هوياتنا عن طريق تزويدنا بحكاية لماضينا.

وبهذه الطريقة، لا يهم مدى صحة المعلومات التي تقدمنا لنا ذاكرتنا. كل مايهم أننا نحمل فينا قصة لماضينا تخلق لنا شعورًا بمن نحن، إحساسًا بالذات. وبدلًا من استخدام ١٠٠٪ من الذكريات الدقيقة لفعل ذلك، فمن الأسهل استخدام ذكريات مشوشة ومن ثم ملئها بتفاصيل بطريقة أو بأخرى حتى تصبح متناسقة مع ذواتنا من أجل أن نرضى عنها.

قد تتذكر أن أخوك وأصدقاؤه قد أساؤوا إليك في الطفولة واستهزئوا بك كثيرًا. وهذا يفسر لك سبب شعورك الآن بالقلق والخجل. لكنه من المحتمل أنه لم يؤذيك بالقدر الذي تظنه. من الممكن أنك عندما تتذكر أخوك وهو يسخر منك، فإن مشاعرك التي تشعر بها الآن – مشاعر القلق والخجل- تتكوم على هذه الذكريات وربما تكون هذه المشاعر ليست لها صلة بما فعله أخوك. 

لكن هذه الذكرى تُشعرك بالسوء طوال الوقت، وسواء كانت حقيقية أم لا، لكنها تُناسب هويتك كإنسان خجول وقلق بعض الشيء، وتمنعك من فعل الأشياء التي قد تسبب لك الإحراج والألم في حياتك. بشكل أساسي، إنها تبرر لك الأسلوب الذي تتبعه خلال يومك.

وربما تتساءل: ”حسنًا..هل تخبرني بأن (الشخص الذي أظنه أنه أنا) عبارة عن أفكار مُختلقَة في عقلي؟

نعم!

٧- أنت لست الشخص الذي تظنه أنه أنت!

فكر في الأمر التالي: الطريقة التي تعبر عن نفسك من خلالها، مثلا في فيسبوك، ليست الطريقة ذاتها التي تعبر عن نفسك خلالها خارج فيسبوك. الطريقة التي تتصرف بها وأنت مع جدتك مختلفة تمامًا عن الطريقة التي تتصرف بها مع أصدقائك. لديك ”ذات للعمل“ و ”ذات للبيت“ و ”ذات للعمل“ وأخرى ”ذات لوحدك“ بالإضافة إلى العديد من الذوات التي تتقمصها من أجل أن تتنقل وتنجو في عالم اجتماعي معقد.

لكن أي من هذه الذوات هي ذاتك الحقيقية؟

ربما تعتقد أن إحدى هذه الذوات أكثر واقعية من غيرها، لكن كل ماتفعله أنت هو أنك تعيد قراءة قصتك عن نفسك في مخيلتك، وهو أمر مصنوع من معلومات غير كاملة.

خلال العقود الأخيرة، بدأ علماء النفس الاجتماعي بالكشف عن أمر يصعب على الكثير منا تقبله: إن فكرة ”صميم الذات“ أو ذاتك الدائمة وغير المتغيرة عبارة عن وهم. كذلك هناك دراسة جديدة بدأت بالكشف عن كيف أن الدماغ من الممكن أن يؤسس إحساسًا بالذات، وكيف أن المخدرات قد تغير الدماغ بشكل مؤقت حتى يتلاشى إحساسنا بالذات، وهذا يبين لنا كيف أن هوياتنا وهمية وعابرة. 

لكن المضحك في كل ذلك هو أن هذه التجارب الفاخرة والمنشورة في الكتب والمجلات الدورية الفاخرة من قبل علماء بارعون يخطون أسمائهم عليها .. أنهم يخبرونا بما قاله الرهبان في التقاليد الفلسفية الشرقية، وكل ماكان عليهم فعله هو الجلوس في الكهوف والتفكير بااللاشيء لمدة سنوات. 

ففي الغرب، فكرة الذات الفردية هي فكرة محورية للكثير من المؤسسات الثقافية – ولاننسى ذكر مجال الدعايات- ومازلنا نحاول أن نخمن من نحن لدرجة أننا لانتوقف إلا فيما ندر حتى نفكر ما إذا كانت أصلا مفهومًا نافعًا لنبدأ به. من الممكن أن فكرة ”الذات“ أو ”ابحث عن نفسك“ تعيقنا أكثر مما تساعدنا. من المحتمل أنها تقيدنا أكثر مما أنها تحررنا. نعلم أنه من المفيد معرفة ماذا ترغب به أو ما الذي يُمتعك، لكنك مازالت تستطيع أن تسعى وراء أحلامك وأهدافك بدون الاعتماد على مفهوم صارم لذاتك.

أو كما قال بروس لي: 

٨- تجاربك المادية عن العالم أيضًا ليست حقيقية!

لديك جهاز عصبي معقد ورائع يُرسل المعلومات بشكل دائم إلى دماغك. وعلى حسب بعض التقديرات، فإن أنظمة الحواس لديك – السمع والبصر والتذوق واللمس والشم والتوازن- تُرسل حوالي ١١ مليون جزء من المعلومات لدماغك كل ثانية!

لكن هذا عبارة عن عينة صغيرة غير محدودة وغير مُدركة من عالم المادة حولك. فالضوء الذي نراه هو نطاق صغير من الطيف الكهرومغناطيسي. بإمكان الطيور والحشرات أن ترى أجزاء منها لانستطيع بدورنا أن نراها. تستطيع الكلاب أن تسمع وتشم أشياء لا نعرف أصلا أنها موجودة. نظامنا العصبي ليس مجرد أجهزة لجمع للمعلومات بل بالأحرى أجهزة لفرز المعلومات. 

وفوق كل هذا، فإن عقلك الواعي يبدو أنه يستطيع فقط أن يتحمل حوالي ٦٠ جزءا من المعلومات كل ثانية عندما تكون مشغولًا بالنشاطات العقلية (مثل القراءة، والعزف..).

لذلك، فإنه في أفضل حالاتك، تكون واعيًا لحوالي ٠.٠٠٠٠٠٥٤٥٤٪ من المعلومات الثقيلة والمُعدلة والتي يستقبلها دماغك كل ثانية أثناء يقظتك. 

هذا يشبه أن تتخيل أنه في كل كلمة رأيتها وسمعتها في هذه المقالة، هناك ٥٣٦،٣٠٣،٦٣٠ كلمات أخرى مكتوبة لكنك لم تراها!


مقالة مترجمة بتصرف عن مارك مانسون: 
Why you can’t trust yourself

المناقشات المشّاءة

هل جربتم الثرثرة مع صديقكم المفضل خلال المشي لمسافات طويلة؟

في هذه الأيام التي يصعب فيها مواجهة الشمس تستثيرني بعض الذكريات، منها ذكريات المشي لساعات طويلة مع صديقتي غادة. كنتُ أقابل غادة في ساحة جامعة ميغيل أو كونكورديا، ومن ثم ننطلق على أقدامنا إلى شرق مونتريال ونحن نتحدث في أي موضوع يتبادر إلى الذهن. قد تبدأ النقاشات حول الدراسة وعن خططنا مستقبلية، لكننا مانلبث أن نعرج على معنى السعادة ونظرتنا إلى الوجود. ليس هناك أي قواعد لهذه الرحلة. أستطيع مقاطعة غادة وهي تتكلم معي في أمر مهم لأقول لها ”شوفي كيف هذه البناية شكلها حلو“ ومن ثم نتحدث متحسرين عن عدم اهتمامنا بتصاميم المباني وننسى موضوع غادة المهم. تستطيع هي أن تضحك على طريقة كلامي فجأة وبعدها نعود إلى موضوع كنا نتناقش فيه قبل ساعة لأننا أصبحنا لاندري عما كنا نتحدث عنه قبل قليل. من الممكن أن تشرح لي بإسهاب مطوّل في نصف ساعة عن أمر تستطيع أن تقوله في ٥ دقائق، لكنني أصغي إليها جيّدًا. قد ندخل فجأة إلى محل قهوة لنجربه، أو إلى محل آخر لنتحدث مع صاحبه، أو قد نقف قليلًا لنلتقط صورة لعبارة مكتوبة على الجدار.

سقراط كان ”من أعظم المشائين“ كما يقول جبرا ابراهيم جبرا، بل وإن “الكثير من الأفكار الفلسفية اليونانية تبلورت في أذهان أصحابها وهم يتمشون ساعات طوالا في أكاديمية أفلاطون وأرسطو”. لا أقول أنني وغادة قد أصبحنا فلاسفة بمجرد المشي- مع أنني أؤكد حصول هذا الأمر بمعناه الشعبي المتداول- لكن هذه الرحلات الجميلة أثْرتني كثيرًا. فقد نتج عنها زيارات لمسجد صوفي، ومعبد يهودي، ومحاضرات، ومحلات عربية، ومقاهي متنوعة، وبالطبع أسئلة ونقاشات مفيدة ومخططات والكثير الكثير من الضحك.

”كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي“ هكذا يقول نيتشه، لكن لابد أن تكون أفكار المرء عظيمة إذا كان يمشي مثل نيتشه في ربوع سويسرا. عمومًا، هناك دراسة تُفيد بأن المشي يُنتج الأفكار الإبداعية وإن كان ذلك على جهاز السير الكهربائي، لكن أين توجد الصحبة أثناء المشي على السير؟

هنا بعض الصور التي التقطتها أثناء رحلات المشي مع غادة

سنة أولى أمومة 

The Three Ages of Woman by Gustav Klimt

في طفولتي، وعندما كانت تدار الأحاديث والنقاشات مع زميلات الدراسة حول الأمومة و”كم طفلا تريدين أن تنجبي في المستقبل؟“ كان جوابي دائمًا ”١٢ طفلًا!“ 

تأخر هذا المشروع كثيرًا بسبب الغربة والدراسة، وما إن حصلت على الماجستير حتى قررت أن أدخل عالم الأمومة. قرأت الكثير من الكتب عن الحمل والرضاعة والولادة والتربية وكيفية تهدئة الطفل الباكي وغيرها. حمّلت تطبيقات مختلفة حتى أراقب مراحل حملي وتطور الجنين، وعملتُ جاهدة على تحسين مزاجي ونفسيتي”حتى لا يولد الطفل كثير البكاء“. تناولت ٤٠ غرامًا من البروتين بشكل يومي (هذا الحد الأدنى من البروتين للحامل كما يوصي به أطباء مايو كلينيك في الكتاب) وكنت أُحصي عدد الغرامات في البيض واللوز والحليب والدجاج.. حرصتُ على لعب الشطرنج بشكل دائم، والتحدث إلى بطني المنتفخة، وقراءة رسالة الغفران في بعض الأيام بصوت مرتفع. وبالطبع، اشتريت كل ما وجدته مناسبا لطفلي.

ظننت أنني مستعدة، لكنني لم أكن كذلك. 

وُلدت طفلتي سارة في شهر مارس، وكان قدومها إلى حياتي مثل شهر الربيع الذي وُلدت فيه. وفي خلال السنة التي كبُرت فيها، كبرتُ أنا أيضًا. أدركت أن النظريات والأمور التي تعلمتها من الكتب عن الأمومة والطفل مختلفة تماما عن التطبيق. فقد قرأتُ كتابًا ضخما عن الرضاعة الطبيعية وأعلنتُ أمام الجميع بأن الرضاعة أمر أستطيع تدبيره، لكنني في الأيام الأولى عانيتُ كثيرًا، وكأنني تعلمت من الكتب قيادة الطائرة ثم وجدتُ نفسي فجأة أقود طائرة. على الرغم من ذلك، أستطيع أن أقول الآن أن قراءتي في الكتاب الضخم قد أثمرت نتائجه.

الأمومة عالم جميل، لكنني لم أدرك جماله حتى استقرت هرموناتي وانتظم نومي بعض الشيء (مازلت لا أنام ٤ ساعات متواصلة حتى اليوم). وفي عالم الشبكات الإجتماعية المادية التي تتغنى بجمال الأمومة، لايحدثوننا عن الليالي الطويلة التي تمضيها لوحدك مع طفلك حتى تنقض عليكِ الأفكار الوجودية، ولا عن الخوف الذي يعتري إحدانا من موت المهد- فقد يختنق الطفل بسبب وضعية نومه أو ميل الأم النائمة والمحرومة من النوم عليه-. في الأيام الأولى، يرضع الطفل كل ساعتين لمدة تصل إلى ٣٠-٤٠ دقيقة (هذا يعني أن الأم بالكاد تنام أكثر من ساعة تقريبًا!). كنت أحتاج إلى شيء يُبقيني مستيقظة حتى لا أُفلت طفلتي من يديّ أو أنام في وقت الرضاعة، فكان رفيقي تطبيق الشطرنج Chess. خسرتُ نقاطًا كثيرة وتراجع مركزي فيها لأنني كنت أنسحب منها وإن كنتُ متقدمة في اللعب حالما تنام طفلتي حتى أخلد إلى النوم فورًا. أذكرُ أنني كثيرًا مااستيقظتُ مفجوعة ظانة أنني استغرقت في النوم وفي يدي طفلتي فأجدها نائمة بجانبي في سريرها.

نضجتُ كثيرًا. 

في المتوسطة، تُوفي شقيق صديقتي. ذهبت إلى منزلها لأعزيها، وعندما علمتُ أنه كان صغير السن -في الإبتدائية- أخبرتها من باب المواساة ”الحمدلله إنه صغير..“. كانت تحرك رأسها من قبيل الموافقة. لكني كلما أذكر جملتي هذه أجدني أحرك رأسي حنقًا على نفسي. أدركتُ الآن معنى أن يظهر شخص في حياتك لبضعة أسابيع أو أشهر فيُصبح حياتك كلها. أستطيع الآن أن أفهم الحزن في عينيّ أمي عندما يُنطق اسم أخي الصغير أمامها رغم مرور أكثر من ٢٥ عامًا على وفاته.

كبرتُ فعلًا، وأصبحت لديّ ٥ شعرات بيضاء!

أفكر في طفلتي كثيرًا حتى أثناء كتابتي لهذه السطور. عندما تتحرك طفلتي في اتجاه ما، تتحول صورة المكان في مخيلتي فورًا إلى خارطة أحدد فيها أماكن الخطر فأسرع إليها.. طرف طاولة، درج، شيء ما يلمع في الأرض، حافة الأثاث.. أمازح صديقتي بأن هذا النشاط أصبح رياضتي اليومية. بل كان الاستحمام في الأيام الأولى وسيلة ممتازة للترفيه عن النفس خاصة مع لزوم البيت.

لديّ حلم ثابت يراودني في المنام منذ طفولتي: أحلم بأنني أفتح نافذة غرفتي في المدينة وأقفز منها حتى أطير. هذا الحلم تغيّر الآن بعض الشيء، أصبحتُ أحمل طفلتي وأنا أطير. هل مازلت أود إنجاب١٢ طفلا يطيرون معي؟ لا أعتقد بالطبع.

كبرت طفلتي وكبرت معها، وأصبحَت في شهر مارس عامًا واحدًا. كل عام وأنتِ بخير ياصغيرتي!

المجد للورق

ines vilpi


في عام ٢٠١٤، وقع جوالي على الرصيف وانكسرت شاشته. كنتُ حينها في سان فرانسسكو، وكنت أخالني محظوظة لأن زوجي أحضر اللاب توب الخاص به إذ نقلتُ الصور والفيديوهات جميعها على ملف في كمبيوتره. لكني لم أُسمّه لاستعجالي وجعلت الملف كما هو New Folder، أعطيت جوالي لمتجر آبل بعد مسح البيانات واستبدلوا جهازي بواحد جديد. 

رجعت إلى مدينتي ومضت الأسابيع واحتجتُ إلى صورة كانت في جوالي القديم، لكن المفاجأة أنني لم أجد الصور بأكلمها على الكمبيوتر. أغلب الظن أن هناك ملف جديد لم يُسمى أيضًا نُسخ على الملف الذي كان بداخله الصور والفيديوهات الخاصة بجوالي. 

لحسن الحظ أنني بين فترة وأخرى أنسخ صورًا احتياطية من جوالي إلى جهازي اللاب توب، لكن هناك فترة من الزمن قبل كسر الجوال – بضعة أشهر- اختفت تماما بسبب تكاسلي في نسخ الصور والفيديوهات. صور لرحلة إلى مدينة جديدة ولنزهات ولأشخاص ولمطاعم ولمقاهي كلها مُسحت بسبب هذا الخطأ غير المتوقع.. ضغطة زر!

أصبحت مهووسة بعدها في الاحتفاظ بالصور عن طريق نسخها إلى أجهزة متعددة أو باستخدام الآي كلاود. بعد وفاة والدي رحمه الله، حرصت على طباعة الصور المفضلة لديّ، وحرصت أكثر على استخدام الورق في أغلب الأمور. 

لديّ طابعة صغيرة بدون حبر من أجل طباعة الصور للأجندة اليومية- ذكرتها في تدوينة سابقة-. ومؤخرًا بعد تردد استمر لأكثر من عامين، اشتريتُ طابعة كانون جميلة من أجل طباعة الصور المفضلة كل بضعة أشهر. المجد للورق. الصور المطبوعة المحسوسة باليدين تبعث الشجون وتجلب الذكريات عند ملامستها.

قرأتُ سلسلة أحمد أمين (فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام..)، إلا أن الجزء الأول منها ”فجر الإسلام“ قرأته الكترونيًا، وكم ندمت لذلك، إذ أنني أحرص على تخطيط الاقتباسات وكتابة الأفكار في هوامش الكتب الورقية ولم أفعل ذلك مع فجر الإسلام سوى التقاط صور للشاشة. احتجت في كثير من الأحيان للعودة إلى الكتاب، ولأن دواء نسيان العلم الكتابة، فلا يوجد دواء لي في هذه الجزئية من السلسلة. 

الكتاب الورقي -غير الروايات- إذا كان مثريًا، فإنك في الغالب ستعود إليه وستقرأ الاقتباسات والملاحظات التي قمت بتخطيطها وتدوينها. لكن ماذا تفعل إذا وجدت بشكل الكتروني صعب التنظيم والوصول؟

وبالحديث عن الورق، تذكرت هذه التغريدة عن المرأة العراقية التي تدوّن يومياتها منذ أكثر من ٦٠ عامًا إلى الوقت الحالي:

أليس هذا جميلًا؟ تخيل نفسك تحاول أن تتذكر ماذا فعلت في ١٨ أو ١٩ مارس قبل ٤٠ أو ٥٠ سنة؟

هذا أرجعني إلى مقالة لسوزان أورلين حين كتبت:
”يقول الكاتب أمادو همباتي با: “في إفريقيا عندما يرحل رجلٌ مُسن، فإنَّ ذلك يكون بمنزلة احتراقِ مكتبةٍ بالكامل”. لم أفهم المقولة حينما سمعتها لأول مرة، ولكن مع مرور الوقت، بدأت في استيعاب المقصود بشكلٍ كامل. إن عقولنا وأرواحنا تحتوي على مجلداتٍ مكتوبة بواسطة تجاربنا وعواطفنا، ووعي كل فردٍ هو مجموعةٌ من الذكريات المفهرسة والمخزنة بالداخل، إنه أشبه بمكتبة خاصة بالمرء وحده والتي يستحيل مشاركة كامل محتواها مع الآخرين، إنها تحترق بمجرد رحيلنا، ولكن إن كان بإمكانك أخذ شيءٍ منها ومشاركته مع أحدهم أو مع العالم الأكبر. على صفحةٍ أو كقصةٍ تُحكى، فإنها ستعيش للأبد.“

تصفيات

لستُ من أنصار الحركة التقليلية minimalism أو من أتباع كون ماري، لكني أقوم بين فترة وأخرى بعمل تصفيات لأغراض متنوعة لديّ لأتخلص منها. هذه التصفيات لاتشمل الملابس والأوراق فقط، بل أيضًا الملفات الموجودة على جهازي مثل الصور والمستندات وغيرها. 

تراكم بعض الأغراض الملموسة والرقمية يخلق التوتر. وجود قطعة من الملابس في دولابي لم ألبسها منذ زمن قد يُشعرني بالإسراف، أما كثرة المفضلات في تويتر أو الصور التي التقطتها عن طريق تصوير الشاشة في جهازي يجعلني أشعر بأنه ليس لديّ وقت كافي للإطلاع أو البحث عنها فأحس بالضيق. لذلك، منذ فترة طويلة قررت أن أخصص وقتًا لتصفية هذا كله حتى يوفّر علي وقتي مستقبلًا. إليكم طريقتي: 

الملابس:

http://jujusprinkles.com


القطعة التي توقفت عن لبسها خلال سنة كاملة أتصدّق بها.
لماذا سنة وليس ٦ أشهر مثلا أو أكثر من ذلك؟ 

لأن سنة مدة كافية لتُخبرك بأن هذه القطعة لابد أن تجد منزلًا آخرًا لها. قد تكون قطعة شتوية فتُصبح مدة ال٦ أشهر غير حاسمة حتى يجيء فصل الشتاء القادم، لكن إن انتهى فصل الشتاء دون أن ارتديها فهذه إشارة إلى أنها يجب أن تخرج من الدولاب. هذا يشمل الأحذية والاكسسوارات أيضًا. 

ماذا عن مساحيق التجميل؟
كنت أتخلص من المكياج الذي مضى عليه فترة طويلة (حسب الصلاحية:عدد الأشهر المكتوبة على أيقونة فتح العلبة)

مؤخرًا تعرفت على هذا الموقع:
www.checkfresh.com 

فبمجرد أن أنسخ عليه رقم ال”باتش” الموجود على علبة المكياج (رقم صغير يوجد عادة في أسفل العلبة أو أعلاها)، يعطيني تاريخ إنتاج هذه العلبة. الفرق أن تاريخ الصلاحية  يُؤقت عند فتح العلبة، أما تاريخ صناعة المكياج فهو من أجل الحفاظ على طراوة المكياج من الجفاف  -على حسب الموقع- فيكون ٥ سنوات للعطور، و٣ سنوات على الأقل لمنتجات العناية، و٣ (للماسكرا) إلى أكثر من ٥ سنوات (للبودرة) لمساحيق التجميل. حتى لو كانت العلبة مُغلقة ولم يتم استخدامها ومر عليها وقت طويل، فإنها مكوناتها ستصبح جافة.
في الغالب لا أتبع هذه الطريقة، فكمية المكياج الموجودة لديّ قليلة وأستطيع التعرف على المساحيق التي مر عليها وقت طويل منذ استهلاكها وقليلا ما أتخلص من إحداها بسبب جفافها، لكن تستطيعون الاستفادة من الموقع. 

صور الجوال:
سُعدت كثيرًا عندما أصبح للصور المُلتقطة عن طريق تصوير الشاشة ملفا خاصا بها – أتحدث عن نظام الآيفون-. أصبحت لا أحفظ الصور- إذا كانت مثلا عن طريق تويتر- حتى لاتضيع بين الصور العادية، وإنما أصور الشاشة حتى تذهب إلى هذا الملف ويكون إيجادها أمرًا سهلًا. 

 في الكثير من الأحيان التقط صورًا للشاشة لاقتباسات، أو لاقتراحات متنوعة في شتى وسائل الشبكات الإجتماعية. هذه الصور تسبب لي ازدحاما في الجوال خاصة وجودها بين الصور الأخرى. لذلك، أتفرغ لها في أوقات الانتظار وأدوّن ماعليها في مفكرة في الجوال جعلتها خصيصًا للاقتراحات وأعود إليها:

إذا كان فيلمًا فأضعه في قائمة الأفلام التي أود مشاهدتها، وإذا كانت مُنتجًا من ايهرب فأضعه في قسم المنتجات التي أود شراؤها، وإذا كان كتابًا فأضعه كذلك في قائمة الكتب.. ثم أمسح الصور. 

لا أفعّل خاصية حفظ الصور المُتلقاة على تطبيق الواتساب، فهذه الخاصية تُدمّر ذاكرة الجهاز. أما الصور التي أفتحها في القروبات التي تهمني فإني أقرر سريعًا إما الإبقاء عليها أو حذفها. فإن كانت صورًا عائلية فإنني أحتفظ بها، أما إذا كانت صورة لخبر أو فيديو فإني أمسحها فورًا. 

http://jujusprinkles.com

أما في استديو الصور (الجاليري أو الكاميرا رول)، فالصور التي أحبها أضعها في قائمة المفضلة حتى أستطيع العودة إليها أو طباعتها لاحقًا.  كثيرًا ما أقوم بحذف التطبيقات التي لم أستخدمها منذ فترة طويلة.

جهاز الكمبيوتر:
لديّ ملفات منظمة ودائمة على جهازي، أقوم بعمل ملف جديد وأُسميه تبعًا لما سأضعه بداخله من مستندات وغيرها. بعض الملفات أضع عليها التاريخ. أما المستندات أو الصور المؤقتة احتفظ بها على سطح المكتب لأنه أسرع في الوصول لاحقًا من أجل التعديل عليه أو نقله إلى الملفات الدائمة أو حذفه في آخر الأمر.  

الشبكات الإجتماعية:
سُعدت بوجود خاصية المفضلة في تويتر مؤخرًا، وهي خاصية لاتتيح للجميع مشاهدتها سواك، وتختلف عن خاصية التفضيل (اللايك- القلب) والتي يجدها الناس في بروفايلك. سبق لانستقرام أن وضع هذه الخاصية بطريقة أكثر انتظامًا وترتيبًا، فتستطيع أن تخصص ملفًا تُسمّيه ماشئت ثم تنقل إليه الصور التي أعجبتك، فيُصبح لديك ملفات متعددة للفن وللمقاطع الموسيقية ولوصفات الطبخ وغيرها دون أن يطّلع عليها غيرك. 

لكن هذه الخاصية إن أدمنت عليها، فستكتشف أن لديك الكثير من التغريدات أو الصور المتراكمة التي قررت أن تعود إليها لاحقًا لكنك لم تفعل وستشعر حينها بالتوتر أو بأنك مغبون ليس لديك وقت – أو أنك تضيّع وقتك في غير المفيد- وهذه الصور المتراكمة إنما هي دليل على ذلك. لذلك، أصبحت أزور هذه المفضلات بين حين وآخر حتى أقوم بعمل تصفية. فالمقترحات التي أجدها لأفلام أو وثائقيات أو كتب أنقلها لمفكرة الجوال التي ذكرتها سابقًا. مقاطع الفيديو أشاهدها ثم أحذفها. هناك القليل من التغريدات والصور (أو البوستات) التي أُبقي عليها. 

نوتة-مفكرة الجوال:
أحب أن أجعل هذه المفكرة خفيفة لا يوجد بها إلا الأمور التي أحتاجها في الوقت الحالي، هذه المفكرة تتزامن مع المفكرة الموجودة في جهاز اللاب توب لديّ، لذلك أقوم بتصفيتها بين وقت وآخر.

مابداخل الحقيبة:
أقوم بتصفية سريعة بين فترة وأخرى لمحتويات الحقيبة. فواتير، قصاصات، مناديل وأغراض استغرب من بقائها وتزحم حقيبتي. 

ماذا عنكم.. ماهي طريقتكم في التصفية؟

عند الإشارة.. تكون الساعة الثانية مساءً

هل تذكرون أول مرة استخدمتم الساعة في حياتكم؟

  • كانت أول ساعة معصم اقتنيتها هي الساعة التي اشترتها لي أمي عندما كنت بصحبتها في سوق المدينة الدولي. كنتُ في السنة الرابعة الإبتدائية أي أن عمري كان حينها ٩ سنوات. الساعة فضية اللون، وبداخلها عقارب ذهبية. كانت بسوار مطاطي، سهلة اللبس. أما شكل المينا فأذنيّ ميكي ماوس، وبداخلها رسمة ميني ماوس. كانت الساعة رائعة بحق-مازلت أحتفظ بها-، وكنت انتبه للوقت من خلالها بالأخص أوقات الحصص المدرسية ووقت الطابور والانصراف.
    كنتُ ألبس الساعة في اليمين وكنتُ أعدّه أمرًا طبيعيًا لأنني استخدم يدي اليمين في الكتابة، حتى نادتني أبلة القرآن وأخبرتني أن أضعها في معصمي اليسار “لأن الساعة تُلبس في هذا المكان”. بعدها أصبحتُ ألبس الساعة على معصمي اليسار دون أن أعرف الحكمة من ذلك.

  • كانت لدينا ساعة حائط من سيكو في صالة الجلوس تدّق كل ساعة بنغمة مطولة، وكل نصف ساعة بنغمة خاطفة سريعة. حركات عقارب هذه الساعة ودقاتها تجلب لي العديد من الذكريات السعيدة: وقت المسلسلات الكرتونية، قرب رجوع أبي من خارج المنزل، اقتراب موعد طعام الغداء، الوقت الذي أصبح فيه متأخرة عن المدرسة، وأوقات الصلوات… 
  • عندما كنت أتجهز في أيام المدرسة لمذاكرة اختبار مادة تعيسة تتطلب الكثير من الصبر، كنتُ أضع ساعة أمامي وأقول لنفسي ”سأنتهي من هذه الجزئية- قد تكون صفحة أو أقل- بعد ٢٠ دقيقة بالضبط، عندما يُشير عقرب الساعة الكبير إلى ٤“ وابدأ في المذاكرة بتركيز شديد ومتواصل دون انقطاع.بعد سباق مع الزمن انتهي من الجزء الذي حددته وانتقل إلى الجزء الذي بعده فأتبين مدى صعوبته وأحدد الوقت المناسب له وهكذا، أكرر هذه الطريقة حتى إذا أخذني الإرهاق حددت لنفسي راحة مدتها نصف ساعة بالضبط. إلى أن انتهي من مذاكرة المادة.هذه الطريقة حفظت لي الكثير من الوقت أيام الاختبارات، وكذلك خلصتني من التوتر. إذ أنني كنتُ أشعر بأن الوقت سيداهمني فلابد من التركيز، على خلاف صديقتي التي كانت تذاكر اليوم كله لكن كان وقتها يضيع بسبب المُشتتات خلال اليوم. أما أنا فيومي كان مابين المذاكرة والراحة وأحيانا اللهو.عندما كبرت تعلمتُ أنه عندما ترغب في كتابة هدف ما تود تحقيقه، فإنه يجب أن يكون هذا الهدف:
    ١- قابل للقياس
    ٢- واقع من الممكن تحقيقه
    ٣- وأن يكون محدد بزمن معيّن
    فمثلا، لايصحّ قول ”أود أن اقرأ الكثير من الكتب هذه السنة“ إذ أن الكثير هنا غير قابل للقياس من الممكن أن يكون الكثير ١٠ أو ١٠٠، ولا يصحّ ”أود أن اقرأ ٣٠٠ كتاب في السنة“ إذ أنه لايمكن تحقيقه- من يقرأ أصلا ٣٠٠ كتاب في السنة؟!- ، ولا قول ”أود قراءة ٥٠ كتابًا“ لأنه غير محدد بزمن، فيجب تحديد كمية الكتب المقروءة. أما عبارة ”أود أن اقرأ ١٢ كتابًا في السنة“ فهذه هي الصيغة المثالية.

    بالطبع كان الهدف في مذاكرتي أمر من الممكن تحقيقه، قابل للقياس (صفحة أو أقل)، ومحدد بزمن معين (نصف أو ٢٠ دقيقة).

    انتقل سباقي مع الساعة إلى يومي هذا ولكن بشكل آخر، فحين يداهمني أمر يقلقني وأرغب بشدة في التخلص منه – كموعد لطبيب الأسنان – فإني أضع المنبه على وقت خروجي من العيادة. فإذا حل اليوم التالي وانتهيت من زيارة طبيب الأسنان وكنت في السيارة عائدة إلى المنزل إذ فجأة أسمع صوت المنبه، فأتذكر أنني تخلصت مما كان يقلقني وأشعر بسعادة بالغة. مع توتري، أنسى في كل مرة أنني وضعت المنبه.
    اتبع هذه الطريقة في أمور مختلفة: اجتماع، مقابلة، اختبار، نهار مليء بالمشاغل.. جربوها وتذكروا عند كل أمر يقلقكم أن هذا الوقت سيمضي ويمضي الأمر معه.

  • كنتُ أهاتف أبي رحمه الله يوميًا لسنوات على الساعة ال١٠ مساءً بتوقيت السعودية (أما بتوقيت كندا فالساعة ٢ أو ٣ ظهرًا على حسب التوقيت الصيفي أو الشتوي)، وكان أبي رحمه الله ينتظر اتصالي عند الهاتف في ذلك الوقت، فإذا مر يوم دون أن أتصل عليه يخبرني في اليوم التالي أنه انتظرني عند الهاتف طويلا. عندما مرض أبي ثم تُوفي، احتجتُ لأن أُشغل نفسي ما بين الساعة ٢-٣ حتى أتناسى وقت المكالمة. مرت شهور طويلة، ومازلتُ أشعر بالحزن كلما حلّت الساعة ٢ ظهرًا. 

عن التغيرات العقلية التي تحدث للمرأة بسبب الأمومة

Illustration by Lotta Niemenen


بعد أسبوع من ولادة ابني، أضعت ساعات ثمينة من نومي انحني فوق سريره لأتحقق ما إذا كان يتنفس أم لا، أو أبحث في قوقل عن الأخطار المحتملة .. من بينها: اكتشفت أنا وزوجي وجود طلاء في منزلنا يحتوي على مادة الرصاص، فأعلنتُ حالة الطوارئ.  نظفت المنزل جيدا، لكنني مازالت أتخيل وجود سحابة من الذرات السامة تطوف حول المنزل كلما حملت طفلي من غرفة إلى أخرى.

عندما كشفت عليّ الدكتورة بعد الولادة ب٦ أسابيع من أجل تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة، لاحظت بأن ردودي على أسئلتها كانت مشوشة نوعًا ما على الرغم من أن إجاباتي كانت تقع في نطاق المعدل الطبيعي. سألتني عما إن كنت أريد أن أؤذي نفسي أو طفلي فأجيبها ب“لا“، لكني كنت أعاني. فقبل ولادة طفلي، كان مستوى القلق لدي يعتبر منخفضًا، أما الآن فكأن المستوى ارتفع كثيرًا، وأكبر الأمور المقلقة التي واجهتها هو القلق نفسه. 

الأمومة جعلتني أشعر هكذا، وسأكون أمًا طوال حياتي. فهل سيستمر قلقي للأبد؟ وهل سيعاني طفلي من هذا القلق؟ أخشى أن هناك شيء عميق بداخلي – نظامي، نظرتي إلى الحياة، ذاتي- قد تغيّر. 

في الحقيقة، هناك شيء عميق للغاية قد تغيّر بالفعل: عقلي. 

مالم أكن أعرفه حينها- وتمنيت أن عرفته وقتئذ- هو أنني كنت في وسط أكثر التغيرات العصبية في حياتي سرعة ودرامية. فالارتباك الذي شعرت به، وشعرن به الكثير من الأمهات، ماهو إلا مجرد جزء من تغيرات الدماغ الهيكلية والوظيفية والتي توارثتها الأمهات منذ آلاف السنين من أجل أن تجعلني أما جُل اهتمامها هو حماية طفلها وسلامته.

في العقدين الأخيرين، بدأ الباحثون في توثيق التحول العقلي الذي يحدث للأمهات. ولكن مازال موضوع العقل مغيبًا بشكل كامل تقريبًا عن النقاشات التي تدور حول معنى أن تكون أمًا، حتى جسم الأم – حالة كيت مدلتون زوجة الأمير وليام- على سبيل المثال يسلط عليه الضوء ويُناقش.

دخول مرحلة الأمومة هو حدث كبير بالنسبة للعقل- كما تقول جودي باولسكي، باحثة في جامعة رين في فرنسا والتي تلقي الضوء على ماتسميه هي وزميلاتها بال“الجزء المهمل من علم الأعصاب: دماغ الأم، هو أكبر حدث بيولوجي مهم يحدث في حياتك“.

تتعرض النساء إلى طوفان من الهرمونات خلال فترة الحمل والولادة والرضاعة والتي تُمهّد جميعها الدماغ للتغيرات الدراماتيكية في المناطق التي يُظن أنها تشكل دائرة الأمومة.

فالمناطق المتاثرة من الدماغ، حتى التي تجعل من المرأة متعددة المهام لتخدم احتياجات طفلها، تساعدها على التعاطف مع آلام طفلها ومشاعره، وتنظم كيفية ردها على تنبيهات إيجابية صادرة من طفل (يغاغي على سبيل المثال) أو توقع المخاطر. ففي الأشهر الأولى بعد الولادة، يخدم تفاعل الأم مع طفلها كمثير إضافي يربط دماغها بدماغ الطفل.

تهدأ بعض هذه التغيرات العقلية مع مرور الوقت. اكتشف الباحثون أن القلق أو اليقظة المفرطة التي تشعر بها الأمهات الجدد – على سبيل المثال- ترتفع حدتها خلال الشهر الأول بعد الولادة ثم تخف. لكنهم يشككون في بقاء أثرها إلى أن يكبر أطفالهن، ومن الممكن أنها قد تؤثر على علاقاتهن المستقبلية مع أحفادهن.

ففي إحدى هذه الدراسات، استخدم فريق من الباحثين التصوير بالرنين المغناطيسي التشريحي للنظر إلى أدمغة النساء اللواتي لم يحملن ولكنهن كن يتمنين ذلك. تابع الباحثون هذه الصور بعد الولادة مباشرة ثم بعد الولادة بسنتين. وللمقارنة، قاموا بتصوير أدمغة النساء اللواتي لم يحملن على الإطلاق.

فبعد الولادة، تغيّرت كمية المادة الرمادية في أدمغة النساء بشكل كبير وبخاصة في المناطق التي اشتركت في العمليات الإجتماعية و“نظرية العقل“، أو القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين- وهذا مفتاح لتربية الإنسان. فدرجة التغيير كانت كافية لدرجة أن الباحثين استطاعوا بسهولة أن يميزوا النساء اللواتي حملن عن اللواتي لم يحملن. علّقت الباحثة إلسلين هويكزيما التي أجرت البحث في عام ٢٠١٦ على الحمل والدماغ في جامعة ليدن في هولندا بقولها ”لم أشاهد شيئًا مثل هذا من قبل. لاعجب أن المرأة تتعرض  لفيضانات من الهرمون خلال هذه الفترة، لكنني لم أتوقع أن أجد نتائج بمثل هذا الوضوح وبهذه الدرجة من التمييز“.

فكلما تعرضت أدمغة الأمهات إلى المزيد من التغيرات، كلما ازداد حجم إتصالهن العاطفي بأطفالهن، كما أخبرت الدراسات السابقة. وهذه التغييرات في الأدمغة تستمر نحو عامين لاحقًا. 

كما صوّر الباحثون أدمغة الرجال، الذين أصبحوا آباءً خلال فترة الدراسة، وأدمغة هؤلاء الذين لم يصبحوا آباء أيضًا، ولكنهم لم يجدوا أي تغيير يُذكر في المادة الرمادية (وهناك دراسات وجدت أن الآباء -ومن بينهم الآباء الشواذ جنسيًا- الذين يربون الأطفال بأنفسهم بدون وجود الأم يواجهون نفس التغييرات الهامة في النشاط العقلي، لكن هذه التغييرات تعتمد على مدى تربيتهم المستمرة للطفل. فكلما قضى الأب وقتًا أطول مع الطفل، كلما كانت الشبكة الأبوية في دماغه مفعلّة، وكذلك الأمر بالنسبة للآخرين الذين يؤدون دور الأبوة).

يبدو أن اختبارات مسح الدماغ هذه أكدت وجود التغييرات السريعة و الدائمة للأمهات. فبعد مراجعة عدد كبيرة من الدراسات متعددة، كتبت باولوسكي مع باحثين آخرين في ورقة بحثية عام ٢٠١٦ تفيد أن فترة الحمل هي فترة نمو|تطور كما هي فترة البلوغ تمامًا ”تحت ظروف صحية، يتحول دماغ الأنثى إلى آلة أمومة“. 

مازال هناك شوط كبير أمام الباحثين حتى يتمكنوا من الإجابة على أسئلة مثل: ما الذي تعنيه تغييرات الدماغ التي تحدث لكل امرأة تخوض تجربة الأمومة؟ أو كيف تتفاعل الأمهات مع المتطلبات الفيسيولجية لهذه المرحلة كالرضاعة وقلة النوم؟
بدأ الباحثون في دراسة مدى تأثير الصدمات كالعنف والفقر على دماغ الأم أو تأثير استخدام المواد عليه. لكن الأهم من ذلك، مازالوا لايستطيعون أن يعرفوا ما إذا كانت اضطرابات المزاج بعد الولادة هي نتيجة لتغييرات في الدماغ تتعرض لها الأم بسبب هذه المرحلة أم إنها من آثار الشبكات العصبية الأخرى للدماغ.

يحذّر الأطباء وكذلك كتب الحمل ومدونات الأمهات من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة- وبعض الأحيان من اضطرابات المزاج بعد الولادة- مثل القلق الشديد أو الوسواس القهري. يشجع هؤلاء النساء على طلب المساعدة إذا واجهن بعض الأعراض كاليأس، والقلق الزائد، ووجود مشكلة في علاقتهن بأطفالهن، أو فقدان الإهتمام بالعائلة والأصدقاء، خاصة عندما تتصادم هذه الأعراض مع قدراتهن على العناية بأنفسهن أو بأطفالهن. هناك امرأة من بين كل ٥ نساء تتعرض لاضطرابات المزاج بعد الولادة، لذلك نشر الوعي بين الناس عن هذا الموضوع هو أمر ضروري. لكن المصادر التي تتحدث عن هذه الأعراض لاتبذل إلا وقتًا ضئيلًا في التحدث عن التغييرات العصبية التي قد تواجه كل الأمهات. 

ما الذي سوف يحدث لو زوّدنا الأمهات بمفاهيم أساسية توضح لهن لِمَ وكيف تتغير أدمغتهن؟

هل سيساعدهن في تحمل التغييرات العاطفية غير المعتادة التي تكون في الغالب جزء من تغيير صحي من مرحلة الأمومة؟

هل سيفتح ذلك بابًا لهؤلاء الأمهات اللواتي يواجهن أعراضًا لايستطعن أن يصرحن عنها أمام أحبابهن أو أمام الأطباء؟ 

هل سيساعد ذلك بعض النساء ليشعرن بالقوة؟

عندما بحثتُ وقرأت، شعرت بأنني بدأت أسيطر على قلقي. لكن إحباطي قد زاد. العديد من النساء يشعرن بالتغيير بسبب الأمومة من خلال طرق قد تبدو محيرة ومقلقة. هذه معلومة قد تُريح الكثير منهن: في بعض الحالات، هذه التغييرات ليست طبيعية وحسب، بل إنها من الممكن أن تكون مفيدة لأنها تساعد النساء على أن يُصبحن أمهات بالطريقة التي يحتاجهن أطفالهن. لماذا لم أكن أعلم ذلك؟

في الأسابيع الأولى والسريعة من الأمومة لأول مرة، تصفحتُ العديد من الكتب عندما كان طفلي نائمًا. كنت أبحث عن شيء ما يساعدني في تفسير كيف كنت أشعر. ففي إحدى هذه الكتب (الرضع والأمهات: الإختلافات في النمو..) والذي كتبه طبيب الأطفال والمتخصص في نمو الطفل ”بيري برازيلتن“، قرأت جزئية يقول فيها ”القلق بشأن التربية يساعد في تعلم الأمومة“.

العديد من الأمهات يشعرن بالحاجة إلى البكاء ”في أغلب الأوقات“ ويتسائلن إذا كان هذا يعني توقفهن عن أداء دور الأمومة، كما يقول برازلتن. ”من المريح أن يعرفن أن هذا هو نتيجة عامة للتعديلات الفيسيولوجية والسايكولوجية التي تعقب الولادة. هذه الأمور سوف تمضي لأنها جزء مهم من قدرة المرأة لتصبح شخصًا مختلفًا، أن تصبح أمًا”.

فكرت في هذه العبارة خلال أشهر الحمل عندما كنتُ أتصفح تطبيق الحمل لأرى كيف يتغير جسدي خلال الحمل. لكن برازيلتن الذي توفي في شهر مارس، تنبأ بما توصل به الباحثون اليوم عبر صور الدماغ بأن الأمهات يصبحن ”شخصا آخر“.

أجاب برازلتن، والذي كان من المفترض أن يصبح ٩٨ عامًا، على اتصالي به في عام ٢٠١٦ عندما كان طفلي يبلغ عامًا من العمر. قابلته على الغداء، … وأخبرته بحكايتي، وعن الجزئية التي استوقفتني من كتابه خلال أيامي المظلمة، وكيف أنها جذبت اهتمامي نحو علم الأعصاب في دماغ الأم، ومنها بدأت رحلة العلاج.

القلق الذي كنت أشعر به كان يبدو منطقيًا، قال لي ”أنتِ مرعوبة، ولا تشعرين بالرضا وتحاولين جاهدة أن تستجمعي قواكِ، أن تواجهي هذا الطفل الذي تحبينه بشدة ولأول مرة في حياتك، ثم تدركين أن هذه مسؤولية عظيمة وأن هذا الطفل هو نقطة تحول في حياتك.. أعتقد بأن وقوعك في هذه الفوضى هو فرصة كبيرة حتى تنظمي فيها نفسك وتتشجعي بأن تصبحي إنسانة جديدة تودي أن تكونيها“.

”كل شيء سيء يحدث للطفل يوجه فيه اللوم إلى الوالدين الذين يشعرون أصلًا بالذنب وعدم الرضا، وبالتالي يعزز من الشعور بالفشل. يبدو لي أن هذا الأمر هو عكس مايجب أن نفعله. يجب أن نرفع من ثقة الأم بنفسها حتى تتمكن بالتالي من زرع الثقة في طفلها“.

أوصى برازلتن كل النساء الحوامل أو اللواتي أصبحن أمهات مؤخرًا بأن يجرين اختبارًا للكشف عن الإكتئاب، آملًا في أن يشارك أطباء الأطفال بشكل أكبر في الصحة النفسية للأمهات.

أشعر وأن برازلتن يتفق مع استنتاجي: أليس من الأفضل لنا أن نعدّ الأمهات للتغيرات العقلية التي من الممكن أن يواجهنها، قبل أن يلدن أطفالهن؟

”لاأعتقد أن أغلب الأمهات مستعدات لهذا النوع من التعليم. لأن ذلك يخيف الكثير من الناس. لا أعتقد أيضًا أنهم يريدن أن يعرفن أن أدمغتهن ستتغير. سيُصبن بالرعب“.

لذلك، إذا بدأن النقاش معه عن هذا الموضوع، فإنه يتجاوب معهن بكل سرور. لكنه لايبدأ هذا النقاش معهن اجتنابًا لزيادة مخاوفهن. 

شعرت بالإرتباك والتخبط عندما بدأت النقاش معه…

أجده موضوعًا ثقيلًا على النفس عندما لاتطيق النساء تحمل فكرة تغيير أجسادهن، وأدمغتهن. سألت برازلتن ”أليس هذه فكرة قديمة وثقيلة للغاية؟“ 

لكنه أعتقَدَ بأنني أقصد شيئًا آخر، فتحدّث معي عن التحديات التي تواجه الأمهات العاملات اللواتي يفتقدن إلى دعم المجتمع. انتهى غداءنا بسرعة.

كان برازلتن طبيبًا مجتهدًا، يُنصت إلى الأمهات في وقت كان غيره من الأطباء يهملون ذلك. وهذا ماجذب الناس إلى كتاباته وبرنامجه الشهير ”مايعرفه كل طفل“. لكن تعليقاته بالنسبة إلي كانت متمركزة حول فكرة أن الأمومة – أو النساء بشكل عام- تتطلب معاملة حذرة، وهذه فكرة قديمة مازالت منتشرة. 

في الحقيقة إنه من الأسهل لنا أن نتحدث عن كم هو جميل أن نرعى طفلًا على أن يكون نقاشنا حول كمية الرعب الذي يسببه خروج الطفل بصحبتنا لأول مرة إلى البقالة. من المريح أكثر أن نتجادل في اختيار أسماء الأطفال أو أسماء عربات الأطفال على أن نتناقش حول الوحدة الشديدة التي نشعر بها الساعة ٢ فجرًا عندما تستيقظين مجددًا بسبب بكاء طفلك.

تخبرنا ليز فردمان – مؤسسة ”المرأة الأم“ والتي تنظم شبكة من مجموعات الدعم للأمهات الجدد في ماساشوستس- ”يُعد الأمر عيبًا عندما نتحدث عن التحديات، لانريد أن نخبر الأمهات الحوامل عن صعوبات الولادة. بالأحرى، نريد أن نستمر في تصوير الأمومة وكأنها حلم كل امرأة، وأن نجعل من الحمل أمرًا في منتهى السعادة.. نشعر بأننا نُهوّل من معاناتنا الخاصة ونخيف الآخرين عندما نتحدث عن التحديات فنتجنب ذلك“

”يجب أن نتحدث عنها“.

الحواجز التي تحول بيننا وبين الحديث عن التحديات هي حواجز متجذرة بل وقديمة للغاية. على سبيل المثال الإعتقاد بأن رحم المرأة يعرضها للإصابة بالهستريا هو اعتقاد عمره ٤ آلاف سنة. أما اليوم، فإن الإعتقاد أن دماغ المرأة مضطرب بسبب الأمومة يشحن العنصرية ضد الحمل في أماكن العمل. الأبحاث حول ”دماغ الأم“، النسيان أو التشوش بشكل عام والتي تعاني منها بعض الأمهات، هي أبحاث متفاوتة. فالعجز في الذاكرة والوظيفة المعرفية هو أمر بسيط، يختفي مع مرور الوقت، وربما يكون له دور في اكتساب الدماغ وظيفة جديدة. 

وعلى الرغم من أننا قد تعلمنا أكثر عن مدى تأثير الجينات وعلم الأعصاب على الصحة العقلية للشعوب، لكن مازال أمام الباحثين شوطًا كبيرًا فيما يتعلق بالصحة العقلية للأمهات. أجيال من الباحثين كانوا غير مهتمين بهذا الموضوع، كما قال الدكتور بيتر شمت، رئيس قسم الغدد الصماء السلوكية في المعهد الوطني للصحة العقلية والذي يدرس مشاكل بعد الولادة منذ عام ١٩٨٦. تتمحور دراسات شمدت على تحديد المحفزات التي تسبب اكتئاب او اضطراب مابعد الولادة.

لم يهتم أحد لأنها مشاكل النساء. ليست أمرًا مهمًا بالنسبة إلى الصحة العامة. أما الباحثون من الرجال الذين اهتموا بالموضوع، فذلك من أجل نساء قلقن لأجلهن.. هذا الاضطهاد ضد النساء هو ماجعلهن ضعيفات بسبب نظامهن التناسلي“.

انتشر هذا التخصص في السنوات الأخيرة كما يقول شميت. وبتزايد الإهتمام بدراسة دماغ الأم ظهرت تقنيات  جديدة وأبحاثًا بارزة أثتبت للباحثين أن دراسة دماغ الأم ليست مضيعة للوقت، وازداد عدد الباحثات أيضًا. 

كما أدرك الباحثون العجز في فهم الإختلاف بين النساء والرجال، حيث نادت كلية الأطباء الأمريكية في عدد مايو الأطباء إلى سد هذا العجز بتضمين المزيد من النساء كمواضيع دراسة في الأبحاث الإكلينيكية …

إذا كانت النساء غائبات عن الدراسات العلمية، فإن ”الأم“ كذلك غائبة، كما يقول الدكتور ألكسندر ساكس- طبيب نفسي في نيويورك ومؤلف كتاب سيصدر قريبًا ”دليل مشاعر الحمل والأمومة“. 

وكما يظهر لنا أن أبحاث الأبوة والأمومة عادة ماتركز على الطفل. أخبرني باحثون قد التقيت بهم أنهم يحصلون على هذا الرد عندما يبحثون عن تمويل لأبحاثهم بخصوص الصحة النفسية للأم: ماذا عن الأطفال؟
التركزي على الأطفال هو أمر مفهوم كما يقول ساكس، لكن حان الوقت للتعرف على التاريخ المرضي للأم. 

أخبرتني الدكتورة سمانثا ملتزر-برودي- مديرة برنامج الصحة النفسية لفترة الولادة في جامعة شمال كارولاينا ورئيسة ميرس في شمال أمريكا- أن هناك مجموعة تؤيد أبحاث وتعليم والدراسة السريرية للصحة النفسية. أخبرتني أنها ولفترة طويلة، كانت تشعر بأنها من القلة في تخصصها، تشجع الأمهات اللواتي يعانين من اضطرابات المزاج بعد الولادة أن يحصلن على الدعم الذي يريدنه. لكن الأبحاث الآن قدمت تغييرا كبيرًا وإن كانت لاتزال في بدايتها. 

كما ازدادت المشاركة في مجموعات دعم الأمهات بعد الولادة. على سبيل المثال، نصحت كلية أطباء النساء والولادة الأمريكية بإعادة تصميم برنامج عناية لما بعد الولادة من أجل تقييم كامل لمزاج ومشاعر الأم. نتوقع صدور أول دواء في معالجة الحالات الشديدة لاكتئاب مابعد الولادة قريبًا في الصيدليات.
وجدت مالتزر برودي – والتي كانت باحثة أكاديمية أساسية في التجارب الإكلينيكية- البريكسنولون، المصنّع من قبل حكماء سيجيت العلاجية ومقرها كامبريدج، والذي أُعطي عن طريق الوريد لمدة يومين ونص اليوم، بالتخفيف من أعراض الحالات الشديدة لاكتئاب مابعد الولادة.

لكن بالرغم من أن أمراض مابعد الولادة جذبت الانتباه اللازم من الناس، إلا أن الوقت المبذول لمساعدة النساء في فهم ماذا يعني أن يعشن حياة صحية بعد الولادة وأن الأمومة ليست بالأمر الرومانسي. ”يجب أن ننتقل إلى هذه المرحلة“. 

بدأت في التفكير بخارطة لدماغ الأم وكأنه أداة يمر عبر التفسير الرومانسي للأمومة، وتاريخ الإهمال العلمي، والأمهات المخفيات. هذه الخارطة ستكون أداة قياس محسوسة لمدى عمق الأمومة الجديدة، والتي ستوضح التغييرات التي تحدث للأمهات ”وهي تغييرات بيولوجية وليست تشريعية“، كما تقول لينا ميتال، رئيسة قسم الطب النفسي الجنسي في مستشفى بريجهام للنساء. 

مانعرفه عن دماغ الأم يحتاج إلى المزيد من الدراسة كما تقول ميتال. نقلق على النساء اللواتي يشعرن بالضفط لفعل كل شيء خلال الحمل، وكيف يدركون أن الجهاز العصبي لدى المرأة الذي يتكون مع ارتباطها بالطفل يزيد من هذا الضغط. ليس هناك أية استنتاجات أن الأطباء باستنتاجهم من البحوث عن الدماغ يستطيعون مساعدة أم لتتخذ قرارًا بكيفية الاعتناء بنفسها وبطفلها. 

”مانعرفه الآن هو مثير لكنها البداية فقط..“

الكثير من النساء يتعلمن عن كل أعراض الحمل الشائعة-على سبيل المثال الانفصال العضلي (انفصال عضلات البطن في وقت الحمل التي يُعزى سببها إلى آلام الظهر السفلى وضعف قاع الحوض) – ليس من أطبائهن، لكن من أفراد العائلة أو الصديقات. من الممكن أن يكون موضوع دماغ الأم مثل ذلك، يُصبح موضوعا يُتناقش فيه أكثر من الرضاعة الطبيعية بين مجموعات الدعم للأمهات.

هل يعد هذا الأمر كافيا؟ لكن الكثير من الأمهات ليس لديهن مجموعات الدعم أو لايبدأن في الحديث عن هذا الموضوع إلا إذا وقعوا فيه. 

لاتتذكر ”كيت ورال“ في خلال فترة الحمل أو الولادة أنها تحدثت مع الفريق الطبي عن موضوع الدماغ أو عن السياق العاطفي للأمومة الجديدة. تخبرنا أنها كانت غير مستعدة لطوفان المشاعر التي أحست بها عندما نقلت مولودها من المستشفى إلى المنزل، أو عندما أصبحت لاتنام في ليالي الشتاء الطويلة.

”شعرت بأنني ضائعة أكثر مما توقعت“
لم تعاني ”كيت“ من القلق من قبل ذلك، لكن التحديات التي ظهرت في تهدئة طفل يصرخ أو جعله ينام، جعلتها تبحث عن المساعدة “لقد صُدمت من ذلك!“
تفاجئت كيت بأن صديقاتها قلن أنهن مررن بنفس التجربة. لكنها عندما حملت بطفلها الثاني، شعرت بأنها أكثر استعدادا. تقول بأنها تود الحديث مع الحوامل الجدد عن التحديات النفسية والعقلية التي تصاحب الأمومة. وأن هذا الواجب ليس محصورا على الأمهات، بل يجب أن يحصل على وعي وعناية طبية.

تدفق الاوكستوسين في الولادة يُحدث تغيرات للأم يجعل علاقتها بالطفل قوية من الأيام الأولى. 

مازالت الأبحاث عن دماغ الأم في بداياتها، والحديث عنها يجعلها محورا للإهتمام. تجهزت لطوفان المشاعر عندما كنت حاملا بطفلي الثاني، فعندما عرفت ماكان ينتظرني، أصبح الأمر أقل رهبة. اتسائل عما إذا كنت مستعدة هكذا في أول حملي كيف ستتغير الأمور. من الممكن أن أكون أكثر تحملا لو كنت أفهم بعض التغييرات العقلية التي مررت بها.


مقالة مترجمة من بوسطن قلوب بتصرف.
Motherhood brings the most dramatic brain changes of a woman’s life

تجارب ومباهج

هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي أعرفكم فيها على بعض تجاربي في الأسابيع|الشهور السابقة في أمور شتى كقراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب والمباهج الصغيرة.

كيف حالكم يا أصدقاء؟ مر وقت طويل على آخر تدوينة لي وخاصة في سلسلة تجارب. قررت تسميتها بتجارب ومباهج – أضفت اسم مباهج أسوة بتدوينات مها البشر الممتعة عن المباهج الصغيرة-. قد تكون هذه التدوينة أطول من تدوينات تجارب السابقة نظرا لأنها تتحدث عن تجارب ومباهج شهور كثيرة.

أصبحتُ أُمّا!
انشغلت عن التدوين كثيرًا بسبب حملي وولادتي بطفلة جميلة سميتها سارة. بعيدًا عن كونها من المباهج الكبيرة، تجربة الأمومة من أصعب التجارب التي مرت علي في حياتي، أمر لايشبه الدراسة ولا العمل ولا كلاهما معًا. قد أكتب تدوينات عن تجاربي في الحمل والأمومة لاحقًا، وإن أردتم ذلك فاكتبوا إلي في تعليقاتكم على هذه التدوينة.

نقل الأفلام القديمة (بيتا ماكس وفي اتش اس Betamax & VHS) إلى يو اس بي أو جهاز الكمبيوتر:
لدى أهلي الكثير من أفلام البيتاماكس التي تحمل فيديوهات عائلية لمناسبات شتى في الثمانينات الميلادية. أستطيع القول بأن الأجهزة المُشغلة لهذه الأفلام قد انقرضت تقريبا أو أنها توقفت عن التشغيل. اشترت أمي جهاز لتشغيل أفلام سوني بيتا ماكس حصلت عليه من ”الميناء“ في جدة واشتريت أنا بدوري من أمازون جهازا صغيرا يعمل كدور الوسيط بين جهاز الكمبيوتر وبين مشغل الفيديو.

ياللذكريات! يستحق كل دولار أنفقته إذ أنني نقلت أغلب الفيديوهات العائلية إلى اليو اس بي وقمنا بتشغليها ومشاهدتها.  بإمكانكم شراؤه من أمازون على هذا الرابط.

أرمينيا:
تعرفت على زميلة أرمينية حدثتني عن بلادها كثيرًا: عن جمالها ومدى تشابه تقاليد أهلها بتقاليد العرب، وعن المذابح التي تعرضوا لها من قبل الأتراك، وعن موسيقاها وأغانيها ورقصاتها، وعن الطعام الأرميني اللذيذ، وعن هذا البخور الورقي ذو الرائحة المعتقة:

أرسلت إليّ من أرمينيا كتابًا مترجم إلى الإنجليزية عن شاعر يُدعى اويديك اسحاقيان:

العجيب أن هذا الشاعر قد كتب قصيدة جميلة عن أبي العلاء المعري!

إذا أردتم التعرف على مزيد من الثقافة الأرمينية، فهنا قائمة بالفيديوهات الممتعة نصحتني هي شخصيًا بمشاهدتها:

طباعة الصور:
لا أذكر متى آخر مرة طبعت فيها صوري على الورق. عادة جميلة انتهت بإنتشار الكاميرات الرقمية ومن ثم الإعتماد على كاميرات الجوال. أصبح الخوف من فقدان الصور بسبب توقف الأجهزة عن العمل هو هاجسي مؤخرًا. لذلك، قررت طباعة بعض صوري وصورًا عائلية التقطتها بواسطة الجوال. اخترت صورًا لها ذكريات جميلة، واخترت هذا التطبيق: 

وهو تطبيق يتيح لك خيار طباعة الصور من الجوال على أوراق ذات جودة عالية. يمكنكم طباعة صورًا صغيرة أو كبيرة لتعليقها على الحائط، أو كمغناطيس على الثلاجة، أو كملصق (بوستر) كبير. كما يمكنكم طباعة الصور على ورق قماشي (كانفاس) أو حتى بداخل برواز. 

ليس لديّ طابعة للصور ولم أكن باستطاعتي شرائها -كما أرغب دائمًا ثم أعدل عن هذه الرغبة- لأنني كنت بصدد النقل من كندا ولاأريد المزيد من الحِمْل الثقيل فكان هذا التطبيق مناسبًا. 

حمّلت التطبيق واخترت الصور مباشرة من استديو الصور في الآيفون، دفعت عن طريق التطبيق وانتظرت أسبوعًا أو أكثر بقليل حتى وصلتني هذه الشحنة الجميلة:

الصور جميلة وجودتها جيدة لأنها صور من الجوال(لا تُقارن بالطبع بجودة الكاميرات الإحترافية)، وسعر الصور لايعتبر رخيصا مقارنة بالخيارات الأخرى المتاحة. 

التبرع بشعري:
كعادة كل مرة أقص فيها شعري، أشعر بالذنب تجاه الشعر المقصوص بعد فوات الأوان. وأعني هنا تفكيري بأنه كان من الممكن أن يستفيد شخص آخر منه. قررت هذه المرة أن أجمع شعري في بكلة ومن ثم أقصه (مصففة الشعر هي من فعلت ذلك عني) ليكون كتلة واحدة أستطيع حينها التبرع به. بحثتُ في الإنترنت فوجدت مركزًا يستقبل التبرع بالشعر لمرضى السرطان من الأطفال بشرط أن يكون ملمومًا في ضفيرة أو ذيل حصان، وأن يكون طوله على الأقل ١٥ سنتيمترا.

تملّكني شعور جميل ومريح بعد قص شعري والتبرع به. بحثتُ في الإنترنت عن مكان يمكنكم التبرع من خلاله بشعركم ووجدت جمعية زهرة في مدينة الرياض، وهي جمعية خيرية لنشر الوعي ضد سرطان الثدي.

صندوق الطعام:
عندما دخلت في الأشهر الأخيرة من الحمل، اضطر زوجي للسفر لبضعة أيام وتركي وحيدة مع شتاء كندا. كانت تلك فرصة من أجل تجربة صندوق الطعام بدلًا من طلب الأكل الجاهز من المطاعم (ليست هناك مطاعم جيدة في أوتاوا)، أو التبضع من السوبر ماركت مثقلة بحملي مرتدية جاكيت وبوت شتوي ثقيل عابرة أكوام من الثلج. 

فكرة الصندوق هي عبارة عن اشتراك شهري أو أسبوعي، يحتوي الصندوق على المكونات اللازمة لطبخ ٣ أطباق معينة – أو حتى طبقين أو أكثر-، تستطيعون اختيار نوعية الطعام ( إذا كنتم من النباتيين مثلا أو اختيار نوعية اللحوم). الفكرة هي توفير وقتك في شراء هذه المكونات من السوبر ماركت وكذلك عناء التفكير. تشجعت على الإشتراك خاصة أنني حصلت على كوبون خصم من الصديقة فاطمة. 

هذا هو الصندوق:

كل صندوق يحتوي على ٣ وصفات بالخطوات والصور على الورق:

أرسلوا معه مغناطيس هدية:

وهذه هي النتائج اللذيذة لبعض الأيام: كانت تجربة لذيذة خاصة أنني تشجعت على طبخ بعض الأطباق التي لم أكن أتوقع أنني سوف أعدها. لا أتوقع تكرار التجربة في المدى القريب، ولكني سمعت بوجود أكثر من نسخة سعودية من هذا الصندوق. 

مسلسلات:
الحرب والسلام: المسلسل عظيم مقتبس عن رواية تولستوي الشهيرة، ومن إنتاج بي بي سي. يستحق المشاهدة.

نساء صغيرات:

مسلسل قصير لرواية .. الشهيرة من إنتاج بي بي سي مكون من ٦ حلقات. المسلسل بشكل عام لطيف ولكنني أفضل الفيلم القديم لنساء صغيرات من بطولة وينونا رايدر وكريستيان بيل. 

روايات:
الأشياء تتداعى:

هذه الرواية العظيمة من أفريقيا ستأخذك مع ”أوكونونو“ إلى قبيلته وستتعرف على عاداتها ومعتقداتها وأساطيرها لتتداعى جميعها تحت سيطرة الرجل الأبيض. أنصح بقراءتها.  بإمكانكم قراءة المزيد عنها وعن صاحبها هنا.

مباهج أخرى صغيرة: 

– لطالما رغبت في تجربة التشيزكيك الياباني، وها قد جربته أخيرا. يُقال أن طعم كيكة سان سباستيان الشهيرة حاليا لها طعم يشبهها.
– جربت أيضا البطيخ الأصفر، له نفس طعم البطيخ العادي لكنه أكثر حلاوة.
أحب الرمان، وتعلمت كيف أفتحه بالسكين بطريقة احترافية.
شاهدوا الطريقة في هذا الفيديو.

تعرفت على موقع (قلوب ان) الذي يحمل منتجات يدوية من تجارة عادلة  من أصحاب حرف يدوية حول العالم، وصلني هذا الكوب الجميل من صُنع مليكة التونسية:

 

عن الهدايا


لأهل المدينة مَثَل جميل ” أنا غنيّة وأحب الهديّة“ ويعني أنه مهما كان لديّ ثمن الهدية إلا أنني أحب أن يُهدى إليّ. ومن لا يحب أن يُهدى إليه؟

كان أبي رحمه الله دائمًا مايذكرنا بعزة النفس والاستغناء عن الناس، ومن ضمن الاستغناء هذا موضوع الهدايا. أذكر أن أهدتني صديقتي في الصف الثالث الإبتدائي مقلمة فما كان من أبي إلا سألني عن سبب الهدية، وإذ لم يكن لها مناسبة فقد أمرني بأن أردها إلى صديقتي حتى لايصبح لها ”جميلٌ“ عليّ. تدخلت أمي وأوضحَت له أن أطفال ”اليومين هذه“ هم هكذا يُهدون بعضهم بعضًا بمناسبة ومن دون مناسبة، وأن الهدية بسيطة ليس لها قيمة تُذكر، وبعد محاولات منها أنقذت نجلاء الصغيرة التي تعلق قلبُها بالمقلمة.

كنتُ من أطفال ”اليومين هذه“ فقد أحببتُ إهداء الهدايا بمناسبة وبدون مناسبة.
كان مصروفي اليومي ٣ ريالات، أمر في كل صباح بالبقالة المجاورة لمنزلي قبل أن أذهب إلى المدرسة، واشتري عصيرًا، وتشيبسًا، وهدية (نسر ورقي، بالون صغير، ملصقات، أو حلوى..). ثم إذا حان وقت الفسحة ناديتُ زميلاتي بصوت عال ”مين تجاوب على سؤالي تاخذ هدية؟“ وأكرر ذلك، اسألهن فزورة قرأتها في إحدى مجلات ميكي أو من مجلدات شريف العلمي وأُهدي الفائزة جائزة قيمتها ثلث مصروفي.

لي زميلة إلى الآن تذكرني لأنني أهديتها في الصف الثالث الإبتدائي ألوانًا خشبية صغيرة للغاية (لم أرها منذ تلك الأيام لكني تواصلت معها عبر الشبكات الإجتماعية). بالطبع لا أذكر الهدية.

مرت سنوات عديدة حتى تزوجت وأُهديت إلي هدايا قيّمة من الأهل والمقربين، ولذلك نصحني أبي رحمه الله بكتابة أسماء هؤلاء الذين أهدوني وهداياهم في دفترٍ صغير أحتفظ به حتى أتذكر أن أرد لهم”الجميل“ مستقبلًا. كان أبي رحمه الله يرى الهدايا -خاصة الثمينة- عبئًا، فقد نشأ يتيمًا لايريد أن يتفضّل أحد عليه بشيء، ولذلك كان يُقيّم الهدية وعندما تحين الفرصة يُهدي لصاحبها هدية أجمل منها. جميلٌ يجب أن يُرد بأفضل منه.

أعتقد أن العديد منا أُهديت إلينا هدايا لانحتاجها، أو لاتناسبنا، أو لم تعجبنا. لانريد أن نحتفظ بهدية لن نستخدمها وستأخذ حيزًا من منزلنا. ما العمل؟ فلنُعيد تدويرها.
أهدتني صديقتي الأمريكية عطرًا –فلاور بومب– من فيكتور اند رولف، وهو عطر غال الثمن نسبيًا، يبلغ ثمنه حوالي 165 دولارًا أمريكيًا، وهو بالمناسبة أعلى ثمنًا من عطر شانيل نمبر فايف بحجم ١٠٠ مل- نستطيع أن نقارنه بعطور توم فورد غير المركّزة-. كانت صديقتي كريمة للغاية لدرجة أنها وضعت مع العطر فاتورة الشراء من محلات ميسيز الأمريكية حتى أتمكن من استبدال العطر. لايعجبني العطر إطلاقًا، ولم أكن لأُهديه لو أنها لم تترك معه الفاتورة. لا أحب أن أُهدي شخصًا عطرًا لا يُعجبني. لذلك أخذته مع الفاتورة إلى ميسيز واستبدلته بعطر من شانيل- أهديته فيما بعد- وحصلت بباقي المبلغ على واحد او اثنين من مستحضرات التجميل.
أعجبني التصرف هذا للغاية، فأصبحت فيما بعد أضع مع الهدية فاتورة الشراء (لا يظهر عليها السعر) يستطيع الشخص أن يستبدلها بشيء آخر يحبه.

تناقشت مع صديقتي عن موضوع الهدايا، وأخبرتني عن ساعة أُهديت إليها بمناسبة تخرجها ويبلغ ثمنها حوالي ال٣ آلاف ريال ، قد يكون سعر الساعة معقولًا بالنسبة إلى البعض، ولكنه رقم كبير في حيز الهدايا. هذا يعني أن هناك شخص أهدى إليك (أعطاك) ٣ آلاف ريال. لم تعجبها الساعة، ولاتستطيع بيعها أو استبدالها في المحل (لاتوجد معها فاتورة شراء). حاولت أن تلبسها مرة ولكنها لم تطق منظرها الكبير على رسغها الصغير. لا تريد أن تُهديها لأنها لاتُمثّل ذوقها. كل هذا ليس مهمًا فهي قد تتبرع بها، إلا أنها تُدين بثمن الساعة لزميلتها السخيّة مستقبلًا. فإذا حلت مناسبة لها، فلن تستطيع أن تُهديها هدية بأقل من ٣ آلاف ريال- أو على الأقل حول هذا المبلغ. تخيّل أن تأتيك هدية قيّمة نسبيًا لا تعجبك، ثم تضطر أن تُهدي مستقبلًا هدية فوق ميزانيتك.

لاتُهدي هدايا مرتفعة الثمن إلا لأهلك، ثم للمقربين من أصدقائك في المناسبات الكبيرة. أنت تعرف ذوقهم جيّدا. ولن تتورط-غالبًا- في شراء هدية لن تعجبهم أو لم يُلمحوّا مسبقًا عن قصد أو دون قصد بإعجابهم بها. ماذا عن البقية؟
إن كانت المناسبة بسيطة فاقترح أن تجعل الهدية كذلك، وإن لم يكن هناك مناسبة. أما إن كانت كبيرة (كالتخرج، والزواج، والولادة..) فلتبحث عن أشخاص يُشاركونك قيمة الهدية. ليس هناك هدية أفضل من المال. ولتقديمه كهدية بطريقة جميلة، اشترِ به جنيهًا أو أكثر من الذهب وقدّمه، أو ضع مبلغًا من المال في بطاقة بنكية هدية (ماستر كارد) يشتري به المُهدى إليه مايشاء.

أفكار لهدايا بسيطة:
كوب. كفر آيفون. شمعة معطرة. كتاب. فاصل كتاب. جوارب دافئة للمنزل. دفتر. نبتة. قسيمة لقص الشعر أو لعمل الأظافر أو جلسة مساج. شاحن متنقل. قسيمة شراء من مقهى أو مكتبة. بيجاما. اشتراك شهري في نتفلكس. رصيد آيتونز. بن أو شاهي فاخر. كبسولات قهوة. قاعدات أكواب. بطانية صغيرة تُستخدم في المنزل في الشتاء. حافظ حرارة للقهوة أو الشاي. مجموعة صوابين عطرية أو كرة الرغوة من محل لش. لعبة اجتماعية ”سعودي ديل مثلًا“. كريم يد بزبدة الشيا من لوكسيتان. لعبة بازل للوحة الموناليزا أو إحدى لوحات فان جوخ. دفتر تلوين لرسومات معقدة. شرشف صلاة. مخدة مريحة. صحن صغير للمجوهرات اليومية أو حامل الخواتم. أجندة. مجموعة الإعتناء بالأظافر مع مناكير. شبشب منزلي دافئ مع كريم للأرجل. مجموعة عناية للوجه (صابون، مقشر، كريم). ألواح شوكولاتة.

لاتتورط في شراء الهدايا لأشخاص بالكاد تعرفهم. سوف تُحمّلهم ونفسك عبئًا ثقيلًا . نفس الصديقة أخبرتني باعتيادها في شراء الهدايا لكافة الزميلات في العمل. ”على الأقل مائة أو مائتين ريال تذهب شهريًا في (قطة) الهدايا لزميلات العمل. زميلات في الأقسام الأخرى بالكاد أعرفهن. أخجل من قول ”لا“ فيظنوني بخيلة. أحيانًا أشعر بأنني لاأحب رؤية مائة ريال تذهب لإنسانة بالكاد أراها بسبب المجاملة!“.

خاتمة: في مسلسل بريكنق باد، يُهدي ”مستر وايت“ صديقه الثري هدية متواضعة للغاية في عيد ميلاده، كيس صغير من الرامن (نودلز ياباني شبيه بالأندومي)، يفتح الصديق الهدايا الثمينة أمام أصدقائه الأغنياء ثم يأتي دور هدية مستر وايت الذي يكاد يذوب خجلًا بسبب هديته. هذا التقليد المتأمرك أصبح منتشرًا لدى  البعض الذين يفتحون الهدايا أمام الجميع في نهاية المناسبة، ولدى هؤلاء الذين يستعرضون بهداياهم في وسائل الشبكات الإجتماعية -سنابتشات بالأخص- ويذيلون الصورة بعبارات الشكر.

ما لم نتعلمه في المدرسة: عن صحتنا النفسية، والجنس الآخر، والمال

خلال عشر سنوات، قرأتُ مئات الكتب وأجريت مقابلات وظيفية لأكثر من ٧٠٠ شخص. كانت الدوافع الأساسية في وظيفتي هي أنني أبحث عن الأجوبة. لدينا نكتة نتداولها في مقر عملي- بودكاست (انمستيكبل كرييتف)- أن اختياراتي للمواضيع عادة ماتكون انعكاسًا لمشاكل أحاول حلها في حياتي. لحسن حظي، يبدو أن أغلب المستمعين لنا هم أشخاص مهتمون بنفس هذه المشاكل. 

لكن إن كان هناك أمر أجده واضحًا بالنسبة لي، فهو أن العديد من المهارات الحياتية التي كان يجب علينا أن نتعلمها في المدرسة، لم نتعلمها للأسف. لا أستطيع أن أتجاهل فكرة كيف كان سيختلف وضعي عندما كنت أدرس في الجامعة، أو في وظيفتي أو في علاقاتي لو كانت لدي نفس المهارات الحياتية التي أحملها الآن في عمر ال٣٩ سنة. 

نموذجنا الحالي في التعليم ليس قديمًا، لكنه ليس مفيدًا. ففي عالم تستطيع أن تحصل فيه على المعلومات من كل مكان، تكون قيمة حفظ المعلومة هي اجترارها: اجتياز الإمتحانات ومن ثم الحصول على درجات ممتازة، وهذا كله يقلل من قيمة المعلومات. يقول (تشايس جارفيز) أننا نعيش في عالم يتجه فيه الناس إلى العمل في عدة وظائف، عالم يكبر فيه الأطفال ليعملوا في ٥ وظائف في آن واحد. لكن النموذج الحالي للتعليم من أجل إعدادهم لهذا المستقبل ليس له وجود. فإذا كان الهدف من التعليم هو جعلنا أشخاصًا نافعين، سعداء وأصحاء، فهذا الهدف فاشل إلى درجة بعيدة. 

عندما بدأتُ في كتابة هذا المقال، سألت الناس في حسابي على فيسبوك عن المهارات الحياتية التي كان يجب أن نتعلمها في المدرسة، ولكننا لم نفعل. لم أحصل فقط على إجابات لهذا السؤال، بل واتضح لديّ أن هناك ٣ محاور تدور حولها هذه الإجابات:

١- الإهتمام بصحتك النفسية:

في مطلع عام ٢٠٠٧، قامت الفتاة التي أواعدها خلال شهرين بالإجهاض بعد علاقة عاصفة تعبت فيها نفسيتي كثيرًا حتى كدت أن أطرد من وظيفتي، ورُفضت من قبل كليات الأعمال التي قدّمت عليها للدراسة فيها. كانت هذه الفترة من أقسى الفترات في حياتي. 

لم تتحسن نفسيتي عندما حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (بيبرداين)، فقد وجدت نفسي بعدها عاطلًا عن العمل، وأعيش مع والديّ في سن ال٣١، بينما كانت أختي تدرس الطب بعد حصولها على معدل دراسي مرتفع. شعرتُ بأن أختي كانت مصدر فخر لعائلتي بينما كنتُ بالنسبة إليهم مصدر إحباط وخيبة. كان هذا اختبارًا كبيرًا لقدرتي على الإهتمام بصحتي النفسية وكان أيضًا محفزًا لمسيرتي في بناء مشروعي بودكاست (انمستيكبل كرييتف) خلال العشر سنوات الماضية وجعل هذا المشروع على ماهو عليه الآن.

الإهتمام بصحتنا النفسية أمر مهم حتى نتمكن من العيش في هذا العالم الزائل -كما يسميه أحد أساتذتي-. يجب علينا أن ندرك كيف نتعامل جيدًا مع أوقات الشدة والرخاء، وأن لانقيّد أنفسنا بالأحداث والظروف الخارجية، وأن نظهر في وسط العالم كأشخاص فعّالين، غير متحطمين من الداخل. 

لكن لاشيء من هذا تعلمناه في المدرسة. بل على العكس، فإننا نحكم على الطلاب من درجاتهم وقبولهم في الجامعات القوية. وهذا الحكم يلاحقنا كأشخاص بالغين. نطارد أنفسنا من أجل الحصول على وظائف ممتازة، وعلى المزيد من المال، وعلى شركاء أفضل. لكننا لا نبذل جهدًا في تعليم الآخرين كيف يديرون علاقاتهم مع أنفسهم، وهي العلاقة الأكثر أهمية في حياتهم.

مهما كان الأمر الذي تود بلوغه، سواء كان البدء في مشروع أو الدخول في علاقة عاطفية، أو الإنتهاء من عمل إبداعي، يجب عليك أن تتعلم كيف تهتم بصحتك النفسية. في هذه المقالة، قسّمت إدارة الصحة النفسية إلى التصنيفات التالية:

 تقدير الذات واحترام الذات:

 كيف؟ احترام وتقدير الذات يتشكلان بسبب عنصر خارجي. فبعض الناس يشعرون بتقدير الذات عندما يترقون في الوظيفة، أو بتصدر كتابهم لأن يكون الأكثر مبيعًا، أو ببيع مشروعهم الريادي. وعند البعض الآخر، يشعرون بتقدير الذات مع شريك الحياة. لكن طالما أنك تحاول أن تملأ الفراغ بشيء خارجي، فإنك بذلك تحاول أن تملأ حفرة لا قعر لها: عندما تحل مشكلة، تظهر مشكلة أخرى. 

في السنوات اللي كنت أبني فيها مشروع (انمستيكبل كرييتف)، انتقلتُ من منزل والديّ أخيرًا، والذي كان بالنسبة إليّ مشكلة واضحة ينصب تركيزي عليها. انتقلتُ إلى مسكن يبعد عن الشاطيء بحوالي دقيقتين – وهذا أمر كنت أرغب به منذ أن حصلت على فرصة هناك قبل ٩ سنوات. حصلت على وظيفة جعلتني متحدثًا أسافر بين المدن، ومنحتني الفرصة لأن أدوّن كتابي الثاني مع توفر ناشر له. لشهرين، كنت في سعادة غامرة، فمشكلة الوظيفة قد حُلت أخيرًا ولكن ظهرت مشكلة أخرى، العلاقات العاطفية.

فعندما كان عيدميلادي ال٤٠ يقترب، شعرتُ بضغط هائل من أجل البحث عن امرأة مناسبة. لكن خلال هذه العملية، سلّمت تقديري الذاتي إلى شأن خارجي، وهو تقبل الجنس الآخر لي. هذا النمط سيتكرر كثيرًا في حياتنا حتى نتوصل أخيرًا إلى حقيقة مفادها أن تقدير الذات يجب أن لا نحصل عليه من العوامل الخارجية. فطالما أننا نبحث عن احترامنا لذواتنا عن طريق أمر خارجي، فسيكون هذا الإحترام متذبذبًا على الدوام.

”الثقة الحقيقية هي أن تستثمر في إدراكك لذاتك بدلًا من إدراك الآخرين لك“ – مارك مانسون 

يجب أن لا يكون ”كيف ينظر الآخرون لنا“ هو العامل المحدد في تقديرنا لذواتنا. وكما قال أستاذي، نك نوتاس، عندما سألته عما إذا كانت مقابلة فتاة أخرى تجعلني أنسى النساء اللواتي لم تنجح علاقتي معهن ”نعم ستنسى، لكنك ستظل تجري وراء تقدير الذات من خلال عامل خارجي، وسيصبح ذلك مثل إدمان المخدرات. فإذا لم ينجح الأمر، فإنك ستعود حتمًا إلى نقطة البداية“. 

هناك أشياء قليلة في الحياة أكثر تحررًا من التخلي عن حاجتك إلى أن تكون محبوبًا من الجميع. هذا الأمر ليس مستحيلًا فقط وخارج عن إرادتك، بل مرهق للغاية. 

عندما تتخلى عن هذه الفكرة، سيحدث أمران:

١- ستتوقف عن إضاعة وقت ومجهود كبيرين. 

٢- ستصبح علاقاتك مع الناس في حياتك أكثر عمقًا وجودة بشكل كبير.

ستصبح شخصًا لايعتذر كثيرًا ويبرر للناس ماتفعله، شخصًا أفضل مما عليه الآن. وهذا في المقابل سيزيد من تقديرك لذاتك لأن قيمتك لا تعتمد على ما الذي يتقبله أو لا يتقبله الناس منك. سيصبح سلوكك ”هذا أنا، تقبلوني أو ارفضوني. إذا رفضتوني فذلك لأن الوظيفة ليست مناسبة لي، وكذلك تلك العلاقة وذلك الشخص الخ.

تقبل ذاتك وكونك شخص ممل بالنسبة للناس:

”عندما يكون مظهرنا الظريف أمام الناس أهم بالنسبة إلينا من إظهار ذواتنا الشغوفة والساذجة والمحبة، حينها نحن نخون أنفسنا“.

تقبل الذات يعني التحلي بالشجاعة لأن تظهر كشخص غير مزيف، قابل لأن تكون مخطئًا. كما يعني أنك لا تختبئ خلف أقنعة تخفي سلوكياتك الغريبة. حينها ستجد العالم أصبح أكثر خفة. أما الناس الذين لا يتقبلونك فهم ليسوا مهمين لأن تقبلهم لك لايحدد ماتعتقده عن نفسك. أنت تختار من ترى رأيه مهمًا بالنسبة لك.

لانتعلم هذا الأمر في المدرسة. والنتيجة هي أن الأطفال الذي لايحسون أنفسهم محبوبين من قبل الناس يجدون أنفسهم مضطرين للإستمرار في المدرسة.

ستتعجب كثيرًا من كمية المجهود الذي نبذله من أجل أن نكون ”ظريفين“ ومقبولين أمام الناس. نختار صورنا في انستقرام بعناية، وكذلك كلماتنا في فيسبوك. نحن حذرون في اختياراتنا حتى لا نُتهم بأننا أشخاص عاديون. لكن المجهود الذي نبذله حتى نكون جذابين، هو مجهود كبير للغاية. وللأسف، لا نتعلم في المدرسة كيف نتقبل قصصنا التي من الممكن أن تكون مملة. في الحقيقة، تعلمنا المدرسة كيف نبحث عن رضا الناس الذين لا تتربط آرائهم بحياتنا. 

أدركت الآن أننا كلنا أشخاصًا مملين. سواء كنتِ أجمل فتاة في المدرسة، أفضل لاعب في الفريق، أو أكثر شخص يحصل على ترقية في وظيفته، كلنا ذلك الشخص الممل. 

سيتطلب الأمر إلى مزيد من الشجاعة لتكون مملًا في نظر الناس، عندما تسقط الأقنعة التي نلبسها. كونك شخص ظريف أمام الناس له ضريبة كبيرة، تحتاج لأن تعيش وفق توقعات الآخرين عنك. لكن كونك شخصًا مملًا تأتي معه الخفة التي تحررك من هذه التوقعات.

”عندما تتقبل نفسك ستجذب الآخرين ليتقبلوك كما أنت. لكن عندما تحمل عن نفسك فكرة تقلل من ذاتك، سيوافقك الآخرون على ذلك“.

الحدود:

الخوف من إزعاج الآخرين أو إحباط شخص ما، يجعلنا نزيل حدودنا أمام الناس، فنتحمل تصرفات لانحبها، ونجعل الآخرين يتعرضون لنا ويحتقرونا. عندما لا تضع حدودًا للآخرين هذا يعني أنك تفتقد إلى احترام الذات. الحدود القوية تغيظ بعض الناس، لكن تجعلنا في مواقف أقل ضررًا لصحتنا. الحدود القوية تدعم تقديرنا للذات.

القناعة:

في ثقافتنا، نجد أنفسنا مهووسين بفكرة أن هناك شيء نفتقده في حياتنا، ويجب علينا حينئذ أن نصل الفراغ بين توقعاتنا والحقيقة حتى نكون على مايرام وهذا ينبع من اعتقادنا أننا ناقصين وهناك أمور تنقصنا، فتصبح النتيجة أننا نحاول أن نملأ الفراغ في حياتنا والحفر التي في قلوبنا بأمور خارجية. عندما تكون نظرتنا إلى العالم أن هناك شيئًا ما يجب أن نغيره من أجل أن نصبح أفضل، سيحركنا النقص بدلًا من القناعة، لنكتشف بعدها أنه ليس هناك شيء أو شخص ما يستطيع أن يملأ هذا الفراغ. سنشعر دائمًا بالنقص بطريقة أو أخرى. 

لكن عندما تتغير نظرتنا واعتقاداتنا إلى فكرة أننا مكتفين بذواتنا، ولدينا مانحتاجه، وليس هناك أي شيء ينقصنا، سندرك حينها أن ليس هناك مصدر نستطيع أن نكتفي منه.

أعطي الأولوية لسعادتك:
عندما نقدّم سعادة الآخرين على سعادتنا، فإننا نقدم لنا ولهم خدمة سيئة للغاية. لسنا على حقيقتنا، وهذا الاستنزاف سيقودنا إلى طريق مسدود. عندما نضحي بقيمنا ومبادئنا في الوظيفة التي نتقدم لها، أو الشخص الذي نحبه، أو الصداقات في حياتنا، أو حتى المشاريع فإننا نخسر طاقاتنا ونفقد سعادتنا. وفي بعض الأحيان، يصبح التخلي عن الأمور أو الأشخاص الذين لايستحقونا هو مايجلب لنا السعادة الحقيقية ويجعلنا نكتشف ذواتنا الحقيقية. إن إرادة التخلي ليس له علاقة بالعناد لكنه إلتزام بالقيم والمبادئ. إذا لم نكن واعيين، فإن تضحياتنا ستتحول في النهاية إلى غضب حقيقي.

عالج سلوكك:
لا نتعلم في المدارس معالجة السلوك أو الطرق التي نتخذها. فالعلامات المدرسية هي التي تقرر أنك طالب متفوق في مادة معينة. وهذا القرار المؤقت يصبح قرارًا دائمًا، وينتج عنه فيما بعد توقعات وحسرات وتعلقات غير صحيحة. وفي أسوأ الحالات، يجعل الأشخاص لا يتخذون أي قرار على الإطلاق. وحدهم الأشخاص الناجحون هم من يركزون على الطريقة لا على النتيجة.

عندما تعمل على معالجة السلوك، فإن النتائج تتفوق على توقعاتك لأنها تسمح لك بمعاينة التقدم الذي تحرزه، فترفع من معنوياتك، وتخلق لك دائرة من النشاط تعطيك طاقة دائمة.

حب الذات والإهتمام بالذات:
حب النفس والإهتمام بها يبدأ من تقبل الشخص لذاته والتسليم لظروف الحياة. بالطبع هناك فرق بين التسليم والاستسلام، فالتسليم يأتي بسبب التقبل والإكتفاء. أما الاستسلام فإنه بسبب المقاومة والنقص. عندما يكون نقد الذات مؤلمًا ودائمًا، فإنه يجعلنا نعيش في حياة غير منجزة. يجب أن ندرك السؤال الذي قالته ”آنا يوسم“ في كتابها ”مُنجز“:

”هل نتج عن هذا النقد الذاتي أي تغييرات إيجابية دائمة في حياتك؟“

عندما تفعل ماتستطيعه لتجعل علاقتك مع ذاتك رائعة، فإن هذا يعزز من تقديرك ولإحترامك لذاتك. وهذا يعني أننا يجب أن نضع الإهتمام بالنفس أولوية في حياتنا ونستثمر في ذواتنا. 

الإهتمام بالذات لايرتكز فقط على الطعام الصحي والرياضة المستمرة. لكنه أيضًا يدور حول فعل أمور تجلب السعادة لنفسك. سمعت مرة من المعلم الروحي أنه قد يصبح تدخين سيجارة وشرب كأس من الويسكي من الإهتمام بالذات عندما تقرر ذلك. بالطبع لا أشجع على فعل هذا الأمر، لكن في بعض الأوقات قد يكون الإهتمام بالذات يعني أن تصرف ٢٠٠ دولار على بنطلون جينز أعجبك، أو الذهاب إلى صالون للحلاقة، أو لقص الشعر.. الإهتمام بالذات هو مزيج من الأنانية النافعة. 

أعرف جيدًا أنني شخص أسعد عندما أمارس رياضة ركوب الأمواج أو التزلج على الجليد. عندما أتحدث عن الإهتمام بالذات، فهاتين الهوايتين هما أمران غير قابلين للتفاوض. وبسببهما، أقدمت على مغامرة هذه السنة: حجزت رحلات متعددة من أجل التزلج على الجليد وكذلك رحلة لركوب الأمواج في سيرلانكا.

علاقتك مع ذاتك هي الأساس المتين لمقدرتك على التحكم بنفسيتك. اجعلها من أولوياتك وأحبب ذاتك كأن حياتك تعتمد على ذلك. 

المرونة:
تمر عليك أوقات في حياتك تفشل فيها في اختبار ما، أو يخرج من حياتك شخص لم تتوقعه، أو أن تُفصل من عملك، أو تخسر شخصًا تحبه. هناك مرات قليلة في الحياة يكون فيها من الضروري أن تحب نفسك. عندما تقع في مصيبة، أو تصاب بخيبة أمل، أو تمر بنكسة، وقتئذ تكون في أسوأ الظروف وأصعبها، لأن نقدك لذاتك حينها يكون قاسيًا- تتفكر كثيرًا ماالذي كان بإمكانك أن تغيره في الماضي. في النهاية تتعلّم من أخطائك، لكن يجب عليك أن تدرك أن فشلك لايحدد من أنت. فطالما ترى أن الفشل هو من يحدد الشخص، ستعاني كثيرًا.

نعتقد دائمًا أن الفشل هو من يحدد من نحن.. نحن من نجعل هذا الأمر المؤقت أمرًا دائمًا. نحن من نتخذ الرأي السلبي عن أنفسنا ونتخيله حقيقة. 

-إذا كان هناك شخص لايحبنا، نعتقد أن كل الأشخاص كذلك.
-إذا كانت هناك وظيفة لم نحصل عليها، نعتقد أننا لن نحصل على أي وظيفة بعدها.
-إذا أخذنا درجات سيئة، نعتقد بأننا أغبياء.

يجب علينا أن نتذكر الدرس الذي علمني إياه أستاذي والذي أتذكره على الدوام ”ظروفك المؤقتة هي ليست شخصيتك الدائمة“.

المصيبة هي واحدة من الإختبارات المهمة لتقدير الذات.
لحسن الحظ، نستطيع أن نتخلص من مصائبنا في النهاية. قبل أيام قليلة قرأت هذه المعادلة التي ألفها ”دان هاريس“ في كتابه ”التأمل، للمتشككين المتململين“
المعاناة= الألم x المقاومة

وأدركت حينها أنني وبشكل دائم أفعل كل شيء من أجل مقاومة الألم الذي أحس به كأن أخدّره عن طريق الكحول أو المخدرات. لكن مع الألم والمصيبة، يكون العلاج في بعض الأحيان هو العبور من خلالهما. أحبب ماسيؤدي بك الطريق، ابحث عن الفرص في الخسارة، واعتبر النهايات هي بدايات جديدة. تجبرك المصيبة على الإعتراف بالحقائق المؤلمة، لكنك في النهاية ستخرج منها أقوى وبشكل أكمل. 

٢- التعامل مع الجنس الآخر: 

في الصف الخامس الدراسي، يتعلم الأطفال كيف تسبح البويضة من خلال المايكروسكوب. وهنا فقط تتعلم كيف تتعامل مع الجنس الآخر. أما إذا كنت محظوظًا، فلديك والدان يتحدثان عن هذا الموضوع. 

أما إذا لم تكن كذلك، فسوف تجد نفسك وحيدًا خاصة عندما تعجبك الأستاذة أو تنجذب لشخصية مشهورة مثل سندي كروفورد. إذا كبرت في التسعينات، فسوف تتذكر كيف كان مرجعك هو ثقافة فن ال“بوب“ من خلال الإعلام.

كنت هذا الشخص لأنني لم أجد مثالًا للعلاقات العاطفية. تزوج والديّ زواجًا تقليديًا. لم يعلمني والدي الرومانسية، لذلك اعتمدت على أفلام دزني ونسختها عن الرومانسية. وبالطبع لم يقودني ذلك إلى علاقات مثمرة. 

التعامل مع الجنس الآخر أمر مهم لبقائنا ولصحتنا، ومن العجيب أننا لا نتعلم ذلك في المدرسة. بل على العكس، نُترك هكذا نتعلم من التجارب والأخطاء أو نجرب وسائل أخرى لحل مشكلاتنا. 

في آخر المقابلات التي أجريتها، سألني صديقي ”كي هي“ عن مراهقتي، وأيام الكلية، والسنوات الأولى من عمري في العشرين. أخبرته أنه ليس هناك ما أقصه عليه، لم يكن لدي صديقة في المدرسة، أو في الجامعة أو حتى في السنوات الأولى من عشرينياتي. عندما سألني كيف شخّصت ذاتي أخبرته بأنه كان لدي مشكلة ما، وقلت له: قضيت ٤ سنوات في الجامعة بين طائفة أصبحت تُعرف فيما بعد بالذئاب البشرية هدفهم فقط التعرف على الفتيات لإقامة علاقات جنسية معهن. هذا الأمر جعلني أشعر بالعار لفترة طويلة. 

لكنني كلما أتحدث إلى رجال آخرين، كلما اكتشفت أن هذه الطائفة كانت بطاقة دخولهم إلى التطور الذاتي. من المحتمل أن هؤلاء الرجال هم أشخاص كانت لديهم نية حسنة، فالعديد منهم يريدون أن يصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، ويدخلوا في علاقات عاطفية مثمرة، وليس اصطياد أكبر عدد من النساء. لكن قائد المجموعة هذه كان ذو كاريزما على الرغم من كونه إنسان متلاعب، وحينها تتحول النوايا الحسنة إلى سلسلة من العواطف المدمرة. 

لايستطيع شخص أن يلوم الرياضي باستعانته بمدرب الرياضة من أجل تطوير لعبه. ولايستطيع إنسان أن يلوم رجل أعمال بتوظيفه شخصًا من أجل أن يساعده في زيادة دخله. لكن عندما يتعلق الأمر بتطوير عاداتنا الإجتماعية أو قدرتنا على التعامل مع الجنس الآخر، فهناك مقدار كبير من العار نشعر به. الإعتراف بأنك تحتاج إلى مساعدة شخص في حياتك يجعلك تشعر بأنك إنسان عاجز. نميل إلى التغاضي عن نتائج الإستثمار الحياتية بسبب الشعور بالعجز والخجل وبدلًا من ذلك، نلوم القدر وسوء الحظ والخ.

أن تفعل شيئًا مماثلًا لعدة مرات ثم تتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة فهذه حماقة. فبعد مرور سنة على مواعدة  نساء لم أفلح في التقرب إليهن، استعنت بشخص يُدعى ”نيكي نوتاس“ في إدارة صحتي النفسية والتعرف على قيمة ذاتي في مختلف الظروف.

وبما أننا ندرك أن علاقاتنا الإجتماعية هي خير مؤشر على سعادتنا وصحتنا، لماذا لا نطلب مساعدة الآخرين؟ ولماذا لا يعلّمونا ذلك في المدرسة؟

أنصحك بمشاهدة الفيلم الوثائقي لمايكل مور ”وير تو انفيد نكست، ماهو المكان القادم الذي سنغزوه؟“ وركزّ جيدًا كيف تُعلّم المدرسة الفرنسية الأطفال عن الجنس. فبدلًا من مشاهدة حيوانات منوية تسبح في الشاشة، يتعلمون كيف تكون تجربتهم الجنسية الأولى ممتعة. تناقشت مع ليلى مارتن حول بيولوجية وسيكولوجية الجنس، وقالت لي الآتي:

”بالنسبة إلي، فإن لدينا وباء جنسي شائع لا يتحدث عنه الناس. لدينا الإدمان على الإباحية، وخلل في ممارسة الجنس، وتجد أن بعضهم لا يمارسون الجنس خلال فترة زواجهم الطويل، صدمات جنسية، عنف جنسي.. الخ. الإنزعاج من ذلك هو مجرد جزء بسيط يظهر لنا، ليس لدينا أمثلة صحية عن الجنس. وليس لدينا أشخاص يتناقشون عن هذه الأمثلة وكيف يمارس الشخص الجنس بطريقة صحية. بل وإننا أيضًا نقمع الحديث عنه في مجتمعنا. ليس بإمكانك الحديث عن الجنس والإعلان عن هذا الحديث في فيسبوك مثلًا، وليس بإمكانك أن تتحدث عنه وتحصل على وظيفة في السي إن إن. من الجنون أن يكون هذا الأمر تحت القمع رغم احتياجنا له“.

وكنتيجة لعدم تعلم هذا الأمر في المدرسة أو تعلمه بطريقة خاطئة، نجد رجالًا يتصرفون بحماقة، ونساءً يعاملونهن باحتقار، ونحصل بعدها على أزواج غير متكافئين. 

٣- المال
ماهي الحكاية التي تخبرها لنفسك عن المال؟

”المال هو حكاية الفلاحين الذين يجنون ٣ دولارات في اليوم، وموظفي البنوك الذين يحصلون على ٣ دولارات في الثانية“.
سيث جودن

هناك أمور ضئيلة في الحياة تُحدث تغييرًا عاطفيًا في الناس كما يُحدثه المال. ندرك أن المال ضروري من أجل مقومات الحياة الأساسية، نحتاجه لابتياع الطعام والمسكن. لكن لا نفكر في المال كحكاية، فإذا سألت الناس عن المال، فستكتشف فورًا أن لهم حكايات معه. كبرنا أنا وأختي بحكايات مختلفة مع المال بسبب اختلاف وظائف والديّ عندما كنت طفلًا ثم بعدها عندما أصبحت أختي طفلة. كان يُقال لي أنني لا أستطيع شراء أمور معينة لأنه ليس لدينا المال الكافي لشرائه. في المقابل، زوّدني والديّ بكل شيء استطاعا أن يشتريناه في حدود قدرتهم المادية (باستثناء لوح تزلج). عندما كبرت أختي، تحسّنت أمورهما المادية وبالتالي أُعطي لها أكثر قليلًا مما اشتريا لي عندما كنت في عمرها. هذه الحكاية قادتني إلى عادات استهلاكية مدمرة للغاية في بداية العشرين من عمري. استهلكت الكثير من المال. أردت تعويض كل شيء لم يستطع والداي أن يشترياه لي عندما كنت صغيرًا. اشتريت زوجين من الحذاء من ”اير جوردان“ لأنني لم استطع الحصول عليه في طفولتي. كنت سيئًا في لعب كرة السلة، ولم ألعبها مرة أخرى في الصيف بعدما اشتريت الحذاء. كانت حياتي تدور حول تراكمات سابقة وفضّلت أن أحصل على الأكثر بدلًا من أن اهتم بالجودة. مررت ببعض المحن وبذلت الكثير من المجهود حتى أغيّر هذه الحكاية مع المال. أما هذه الأيام فأستطيع أن أقول أنني بشكل ما شخصٌ يكتفي بالحد الأدنى من الماديّات ”مينمالست“، لكن عندما أشتري أغراضًا فإنني أضع حدودًا للكمية التي اشتريها ولا أمانع إن بذلت المزيد من المال من أجل الحصول على جودة ممتازة. 

هناك مفارقة غريبة عندما تُفضّل الجودة على الكمية. فالأشياء التي تشتريها قد تكون غالية الثمن، لكنك في النهاية تبذل مالًا أقل لأنك تشتري لمرة واحدة وليس لمرات عديدة ولفترة طويلة. على سبيل المثال، قد تشتري حذاء غاليًا من فيراجامو ب٥٠٠ دولار. تشتريه لمرة واحدة ولكنه يظل معك ل١٠ سنوات قبل أن تحتاج إلى حذاء آخر. هذا يعني ٥٠ دولارًا لكل سنة خلال ١٠ سنوات. تفضيلك للجودة يسمح لكل غرض حولك لأن يصبح شيئًا مقدسًا له قيمة.

في أحد المقاطع المفضلة لديّ من المحاضرات الصوتية لسيث جودن، عندما تحدث فيها عن كيفية تبسيط حكاية المال التي تخبرها لنفسك، وذلك عن طريق أن تصبح فاعلًا للخير. تصدّق في كل مرة تُسأل فيها للتبرع بمالك، اعطِ المال للمتسولين في الشارع. وكما يقول سيث ”كيف تستطيع أن تصبح ذلك الشخص الذي يُعطي بخشيشًا مقداره ٢٠٪ من أجل كوب قهوة يكلف ٦ دولارات وتتحدث عن المال؟“.

  • تبرعت بشرى أزهر ب١٠٪ من مالها عندما أصبح دخلها ١٠ دولارات في الشهر، وحافظت على هذه النسبة حتى بعد أن ارتفع دخلها ليُصبح ١٠ آلاف دولار في الشهر. 
  • اعتقد براين كوهن أنه من أجل الحصول على المال يجب علينا أن نهدر الدم ونذرف الدموع ونتصبب عرقًا، ولكنه لم يحدث شيء من هذا القبيل. بل ذهب إلى أحد المكاتب المرموقة وخرج منها حاصلًا على شيك ب٥٠٠ دولار خلال أسبوع لأنه أتى بفكرة تجارية متميزة. 

الحكاية التي تحكيها لنفسك عن المال ستؤثر في مقدار المال الذي ستحصله، والمقدار الذي تود بذله، والكيفية التي ستصبح من خلالها كريمًا بما تملك، وكيف ستكافئ نفسك بهذا المال. قد يكون سخيفًا لدى البعض أن فكرة السعي وراء المال هي فكرة روحية، لكنها بالتأكيد هي رحلة داخلية أكثر من كونها مادية فقط. 

إذن، ماهي الحكاية التي ستخبر بها نفسك عن المال؟

الشعور بالنقص:

نجد أن من بين كل تفاعلاتنا -المتشكلة بسبب المجتمع- مع الحياة، هناك التفاعل الأكثر سُمِّية: الشعور بالنقص. الشعور بالنقص يجعلنا نتخذ قرارات سيئة في كل أنماط حياتنا:

  • إذا شعرنا بأن المال ينفد، سنفقد صبرنا. وفقداننا للصبر ينتج عنه عواقب وخيمة. يحدث هذا كل مانتقدم في العمر، نشعر بأن الوقت يضيع من بين أيدينا. لن نستطيع أن نتخذ قرارات ممتازة في الحياة إذا شعرنا بالقلق من نفاد الوقت.
  • إذا شعرنا بأن الفرص الوظيفية شحيحة، سنقبل بوظيفة نكرهها ونكون تحت رحمة أصحاب عمل لايقدروننا. 
  • إذا شعرنا بأن الأشخاص المتاحين أمامنا من الجنس الآخر هم قلة، سيكون خيارنا ناتج عن اليأس. سوف نقايض بقيمنا التي رسمناها لأنفسنا، ونصبح في علاقات مسمومة يغلب فيها التنازل والتضحية بدلًا من الإستقرار. نجري وراء الأشخاص عندما يكون من الأفضل لنا أن نتركهم ونذهب بعيدًا عنهم. 

أما العلاقة التي نتعامل فيها مع المال هي نتيجة مايسميه دان كيندي ”الشعور بالفقر“.

عندما نرى العالم من خلال عدسة النقص، تصبح الطريقة التي نرى بها العالم محدودة للغاية. من المستحيل أن نعيش حياة سعيدة عندما يكون النقص هو الشعور الذي نحس به عند رؤيتنا للعالم.

التحول من الشعور بالنقص إلى الوفرة والإكتفاء: يحدث هذا عندما نعرف كيف نتعامل مع المال: 

طريقة دان كينيدي
 في كتابه (No BS Wealth Attraction)، ينصح دان كنيدي بتتبع طريقة ال٩٠ يومًا: 

  • افتح حسابًا جديدًا في البنك، وسمّه بحساب الثراء. بعدها اتخذ قرارًا بتخصيص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لإيداعه في حساب الثراء. من الممكن أن تكون النسبة المئوية رقمًا ما بين ١٪ إلى ١٠٪، تظن أنك لاتستطيع فعل ذلك، لأنك تصرف كل أموالك على الفواتير، فكيف يتبقى لديك مبلغًا من المال لإيداعه؟ حاول أن تجرب، اختر نسبة مئوية، أودع المال، ولا تلمسه مهما حصل. وافعل ذلك كلما يأتيك دولارًا واحدًا. حتى لو كان هذا الأمر يوميًا. الطريقة التي تجعلك تودع مالًا في حساب الثراء تؤثر على اللاوعي لديك، لا يهمنا مقدار المال المُودع بقدر فعل الإيداع.

والآن يأتي فعل العطاء: وهذا شيء مهم، لأن كل الأغنياء يعطون. العطاء له تأثير عظيم على صحتك النفسية. لذلك افتح حسابًا آخر وسمّه حساب العطاء، وخصص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لتودعه في حساب العطاء. 

اتبعتُ نصيحة كينيدي منذ أن قرأت الكتاب، ووجدت أنه في كل مرة أتبرع فيها بمبلغ من المال يأتيني المال أضعافًا مضاعفة. لا أعرف لماذا، لكنني توقفت عن التساؤل.

بخشيش ال١٠ دولار: 

قدم لي صديقي جوزيف لوقان نصيحة بسيطة قبل عدة أشهر عندما كنا نتناقش كيف أن الإنسان يتغيّر من الشعور بالنقص إلى الشعور بالوفرة. 

من الممكن أن يبدو هذا التمرين مُهدرًا للمال، لكنه من أسرع الطرق لحل فكرة أن المال يجب أن يكون متوفرًا لنا بكميات محددة. خذ من مالك مبلغ ١٠٠ دولار ثم قرر كيف ستوزعه كبخاشيش مقسمة إلى ١٠ دولارات. في البداية، سوف تلاحظ السعادة على الأشخاص الذين حصلوا على ١٠ دولار كإكرامية. عندما أُعطي النادلة ١٠ دولارات على كوب من القهوة في ستاربكس قيمته ٦ دولارات أجدها سعيدة للغاية. 

بعد ذلك، سوف تشعر بإحساس جميل لأن هؤلاء الأشخاص أصبحوا سعداء، وبالتالي سوف يمتلئ الإحساس بالوفرة لديك. وكلما تعزز هذا الإحساس سوف تجد الفرص متوفرة في كل مكان لتعويض هذا المال. إذا أحسست بأن هذا الأمر صبياني، جربه بنفسك. من الممكن أن تصرف ١٠٠ دولار أو حتى ألف دولار. 

تكلفة الفرصة البديلة (ثمن اختيار خيار واحد على حساب ترك الخيارات الأخرى):

في مقالة شرحت فيها عن ”خمسة أمور تخليت عنها حتى أكون ناجحًا“، كتبت أن هناك ”تكلفة فرصة بديلة“ لكل شيء. خلال أولى السنوات التي قضيتها في عملي ”انميستيكبل كرييتف“ كان ثمن الفرصة البديلة هو مقدار ماكنت أجنيه من الأرباح في اليوم الواحد حتى أتمكن من زيادة دخلي خلال فترة معينة… لكن هذا لاينطبق على الوظائف فقط. هناك تكلفة الفرصة البديلة لكل شيء في حياتنا. 

  • تتفكر ما إذا كان يجب عليك دفع التأمين على سيارتك الجديدة. فال١٠٠ دولار لاتجعلك مطمئن البال فحسب، بل قد توفر عليك أموالًا طائلة قد تصرفها فيما بعد.
  • البحث في كل المحلات التجارية من أجل توفير دولار واحد يجعلك تشعر بأنك مستهلك واعي، لكن تكلفة الفرصة البديلة هي وقتك والبنزين معًا.
    • قد يكون من الأرخص لك أن تركب بنفسك رف الكتب من ايكيا، لكن إذا كان هناك شخص يستطيع أن يركبه لك في ساعة واحدة بدلًا من أن تقوم بتركيبه أنت خلال يوم كامل، فتكلفة الفرصة البديلة ليست وقتك فحسب، بل وراحة بالك أيضًا. 

إن أردت أن تُدير وقتك بطريقة أكثر كفاءة، اشتره بالمال! 

إذا كنت مثل أغلب الناس، فإنك لم تتعلم معظم هذه الأشياء في المدرسة. لكنك وبفضل الإنترنت- تستطيع أن تتعلم التالي: 

  • الإستماع إلى بودكاست يعلمك كيف تنظم حياتك النفسية من أحد أفضل العلماء في العالم..
  • توظيف مدرب يساعدك في تطوير حياتك الإجتماعية وقدرتك على التعامل مع الجنس الآخر. 
  • التعلم كيف تدير مالك من مدونات اقتصادية رائعة على الإنترنت.

هذه هي الأمور الأساسية التي كان بإمكاننا أن نتعلمها عن الحياة في المدرسة ولكننا للأسف لم نحظى بذلك التعليم. هذا لا يعني أنك تأخرت في تعلمها، تستطيع أن تبدأ وتطور نفسك. 


ترجمت هذه المقالة عن الإنجليزية:
What We Should Have Learned in School But Never Did

كيف حالُك يا أبي؟

كنتُ أسخر من هؤلاء الذين يؤكدون أن شهر شعبان هو شهر تكثر فيه حوادث الوفاة وأخبرهم بأن الموت يحوم حول أشهر السنة، ولكنهم يُثبتون تركيزهم على شعبان فتظهر لهم العجائب. سخرت مني الأيام ومات والدي في هذا الشهر قبل عام.

أمضى عام على وفاتك يا أبي؟ كيف كان عامك؟
هكذا كان عامي، ثقيلًا مُتعِباً.

ثقيلة تلك الأيام التي تُذّكرنا بأنها الأُولى بدونك: أول رمضان لم تصمه معنا، أول عيدٍ لم تكن فيه بيننا، أول اجتماع عائلي من غيرك ..

مُتعبة تلك الليالي التي ما إن اتخذ فيها مضجعي حتى تداهمني الذكريات، فأبحث عنك بينها لعل لقاءً في المنام يكونُ. 

أمسيتُ أسمعك تناديني في أحلامي فأركض إليك قبل أن يتلاشى صوتك فانتبه لأجدني غارقة في دموعي. أراك في منامي أخيرًا لكني ما ألبث أن استيقظ لأجد نفسي متضاربة بين الفرح والحزن، الفرح برؤيتك والحزن لأنه كان حلمًا. أصبحتَ حلمًا فقط يا أبي كما كنت حقيقة قبل عام. كنتَ تخبرني “أمي صارت حلم، والفيروزية حلم، وحياتي كلها حلم وبكرة أبوكي حيصير حلم” وها أنت الآن وقد صرتَ حُلمًا.

استحضر يومًا من أيامنا الروتينية في ذلك المنزل الجميل لأجدها أوقاتًا في غاية الروعة. لمِ لم أكن أدرك قيمة تلك الأيام؟

كيف حالُك يا أبي؟  

أصبحت لدي ابنة جميلة يا أبي. ألاعبها وأخبرها بأن جدها لو رآها لأحبها. أخبروني بأنها تشبهني. كنت ستُسر كثيرًا برؤية حفيدتك التي تشبه ابنتك. أغبط إخوتي لأنك رأيت أبنائهم.  

أفتش عن صورك لأتأمل في ملامحك بعد أن كُنت أمامي طيلة الوقت، وأندم على أنني لم ألتقط صورًا لك بما فيه الكفاية. لديّ كاميرا في جوالي الذي أحمله معي دائمًا، لم يكن بالأمر الشاق، فلِم لم أفعل؟ أُنقّب عن صور لك بين الأجهزة لعل هناك صورة منسية. تخيلت يومًا السيناريو الذي يخبرنا عن توقف الأجهزة الإلكترونية عن العمل، فسارعت إلى طباعة صورًا لك خوفًا من ضياعها.  

احتفظت بآخر رسالة صوتية منك إليّ ووزعتها بين حساباتي الإلكترونية خشية التلف، وحفظتها بصيغ متعددة.  

استحضر دومًا مواقف لك وحركات كنت تقوم بها، ضحكك وغضبك وطريقة كلامك بل وحتى قرائتك لسورة الفاتحة. دوّنت كلمات لك كنت ترددها خشية الضياع. لا أريد أن أنساك. النسيان يبدأ من التفاصيل الصغيرة، وأنا أخشى أن أنساك يا أبي. “وعينا أبي ملجأٌ للنجومِ.. فهل يذكرُ الشرقُ عيني أبي؟”

أُسّر كثيرًا بهطول المطر على المدينة رغم أنني لستُ فيها، كنت تحب المطر يا أبي. كيف حالُك؟ هل يصلك المطر؟ 

يتملكني الحزن عندما أتناول الرُطب. في الصيف تذكرتُ حبك له فصرت أدعو الله أن يُطعمك من رُطب الجنة. يتمزق قلبي حزنًا كلما تذكرت أن جسدك الرقيق تحت الأرض. كيف تجرأوا أن يحثوا فوق وجهك الجميل التراب؟

هكذا كان بعضُ حالي لهذا العام، وأنت كيف حالك ياأبي؟ كيف مضى عامك؟ كيف هو حر المدينة؟ كيف هو القبر؟ هل أنت وحيد؟ كنت تخبرنا أنك يتيم لا تذكر أباك وتحكي لنا عن أمك كثيرًا، فهل أنت معهما الآن؟ كنتُ أخشى الموت لأنه مجهول، أصبحت لا أخشاه لأنك هناك. 

صدق من قال”الأبناء نيام، فإذا مات الآباء انتبهوا“. انتبهتُ قبل عام من حلم رائع. كنتَ حلمًا رائعًا يا أبي. رحمك الله وجمعني بك في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

فيا قبرَ الحبيب وددتُ أني .. حملتُ ولو على عيني ثراكا

 

كيف يؤثر الإنحياز التأكيدي في نظرتك إلى العالم؟


أنتِ الآن في النادي تشاركين في أول تمرين من تمارين اليوقا. تشعرين بعدم الثقة تجاه وزنك، وكيف تُظهر ملابس اليوقا التي تلبسيها عيوب جسدك. أنتِ متوترة لأنك تشعرين بالحمق أمام الجميع. تجولين بناظريك لتكتشفي أن هناك مجموعة ذات أجسام رشيقة يتحدثن مع بعضهن في أحد الأركان، وعندما تمرين من هذه المجموعة تسمعينهن يضحكن.

”يا إلهي! هل يسخرن مني؟“. تتخذين مكانًا في آخر الصف حتى لا يراكِ أحد. تسأل المدربة الجميع بأن يتخذن وضعية ”السمكة المنحنية“. هل يعرف الجميع هذه الوضعية؟

تتعثرين عندما تحاولين أخذ هذه الوضعية، وتنظرين بسرعة إلى من حولك لتتأكدي أن لا أحد رآكِ. ياللحماقة! هناك شخص بجانبكِ يبتسم. ”كنت أعرف ذلك! الجميع يسخر مني!“.

بعد انتهاء التمرينات، تتجنبين النظر إلى الجميع، وتهربين من النادي، ثم تقسمين أنك لن تمارسي اليوقا مرة أخرى.

الإنحياز التأكيدي يظهر مجددًا:

في تمرين اليوقا، بحثتِ عن الأمثلة التي أكّدت مخاوفك- الأشخاص الذين سخروا منك، الشخص الذي ابتسم لك عندما سقطتِ، ولكنك تجاهلتي أن هذه الأمثلة لم تُثبت مخاوفك- وفي الحقيقة أن كل هؤلاء بالكاد لاحظك.

الإنحياز التأكيدي هو رغبة الإنسان في بحث وتفسير وتذكُّر المعلومات التي تؤكد معتقداته التي كونها مسبقًا. هذا أمر في غاية الخبث، لأنه يؤثر في كل اختيار تتخذيه. في كل يوم! في الأغراض التي تودين شرائها، وفي صحتك، وفي قرار من تريدين الزواج منه، وفي وظيفتك، ومشاعرك، وفي قراراتك المادية أيضًا. كل هذا يحدث بدون أن تشعرين. 

كيف يتكون الإنحياز التأكيدي؟
١- في كيفية بحثك عن المعلومات: وهذا يؤثر على نظرتك إلى العالم. فعندما تكونين وحيدة في المنزل، فإنك تسارعين إلى تصفح فيسبوك أو انستقرام. تشاهدين صورًا جميلة لأشخاص مسافرين، أو في حفلة، أو صورًا لزواجاتهم، ثم تفكرين كيف أن كل شخص لديه حياة عظيمة! فتقولين لنفسك ”أما أنا، فشخص تافه!“.

كل هذا لأنكِ بحثت عن معلومات تؤكد هذه المشاعر. تدركين في أعماق نفسك جيدًا أن رؤية هذه الصور تُشعركِ بالسوء، لكنكِ رأيتِها على أية حال.

٢- في كيفية تفسير المعلومة التي أمامك: والتي تجعلكِ تنحازين إلى اعتقادك! 

عندما تقعين في الحب، فإن كل ماترينه في شريكك جميل، أدونيس مثالي! لا تجدين عيبًا واحدًا. لكن عندما تسوء العلاقة، فإن كل مايظهر فجأة هو عيوب- رائحة أنفاسه بسبب القهوة، ميله للتحدث في موضوع لايهمك، بقايا شعره في الحوض- هو نفس الشخص السابق، لكن نظرتك تجاه الأشياء التي يفعلها تغيّرت بسبب مشاعرك.

٣- في كيفية تذكرك للأشياء: حتى ذكرياتك تتأثر من الإنحياز التأكيدي. فتفسرين وتغيرين الذكريات والمعلومات في رأسكِ بناء على ماتؤمنين به. 

في تجربة كلاسيكية، اشترك طلاب برنستون ودارتموث في مباراة بين الجامعتين. وفي النهاية، تذكّر طلاب برنستون الأخطاء التي ارتكبها طلاب دارتموث، أما طلاب دارتموث فتذكروا بشكل أكبر الأخطاء التي ارتكبها طلاب برنستون. اعتقد كلٌ من الفريقين أن فريقه هو الأفضل. لذلك انحازوا إلى تذكر أمثلة أكثر توضّح أن فريق الجامعة كان الأفضل بينما فريق الجامعة المنافس هو الأسوأ.

لماذا أبدو هكذا؟

أنت تبحثين عن البراهين التي تؤكد اعتقاداتك لأنك لا تريدين أن تكوني على خطأ. كونك مخطئة يعني أنك لستِ ذكية كما ظننتِ، فبالتالي ينتهي بكِ الأمر إلى البحث عن معلومات تؤكد ماتؤمنين به مسبقًا. 

في تجربة شهيرة، عندما عُرض على المشاركين برهانًا يخالف اعتقاداتهم السياسية، نشطت أجزاء من دماغهم تنشط عادة عند وجود آلام جسدية! أي أن كون الإنسان مخطئًا يجعله يتألم جسديًا!

من السهل أن نتقبل آراء مخالفة عندما تكون متعلقة بأمور لانهتم بها. لكن عندما تصبح لديكِ معتقدات تكوّن جزءًا مهمًا من شخصيتك (مثال: أنتِ شخص لطيف، آرائك السياسية صحيحة) فإن البراهين التي تُعارض معتقداتك هذه تسبب تنافرًا معرفيًا- شعور بالقلق وبالضغط الشديد. 

فالتنافر المعرفي يجعلك إما أن تهاجمين أو تتهربين. إما أن تغرقي في التثبت بمعتقدك فتثوري بشدة في سبيل الدفاع عنه، أو تتهربين بعيدًا عن الحقيقة المنفرة. هدف عقلك الأساسي هو حماية الذات. وهذا ينطبق على ذاتك النفسية والجسدية. فعندما تتحدى الحقائق ذاتك، يتعرض دماغك لتهديد نفسي فيحميك وكأنك تتعرضين لتهديد جسدي.

هناك معلومات أكثر مما نستطيع أن نستوعبه:

عندما تحاولين أن تتبني آراءً معاكسة وتقيّمين البراهين التي تؤيدها أو تخالفها، فإن ذلك يحتاج إلى بذل مجهود كبير للغاية. سيبحث دماغك عن أقصر الطرق للوصول إلى حل. من الصعب تقييم معلومات معارضة لك وأن تفكري ماهو الصحيح لأنه يتطلب مجهودًا كبيرًا. ولذلك من الأسهل لك أن تبحثين عن معلومتين أو ثلاثة تدعم وجهة نظرك.

حسنًا، ما الذي يمكنني عمله؟

١- تعاملي مع الحياة بفضول وليس عن إعتقاد راسخ:
عندما تحاولي أن تثبتي صحة وجهة نظرك في كل مرة، فإنك ستصبحين خاضعة للإنحياز التأكيدي.

درس الباحثون مجموعتين من الأطفال في المدرسة. اجتنبت المجموعة الأولى مشاكلًا كان فيها نوع من التحدي لأنها من الممكن أن تجعلهم عرضة للخطأ. أما المجموعة الأخرى، فإنهم قبلوا تلك المشاكل مع استعدادهم لكونهم على خطأ. تفوقت هذه المجموعة الأخيرة على الأولى. 

اهتمي قليلًا بكونك على صواب، وركزي أكثر على ممارسة الحياة بفضول وتعجب. عندما تستعدين لأن تكون مخطئة فإنك تفتحي لنفسك آفاقًا جديدة. 

٢-  ابحثي عن نقاط الإختلاف وتفهّميها

تفهمك لآراء معارضة لك يساعدك على تكوين وجهة نظر خاصة بك. وفقًا للباحثين، فإنك تستطيعين تغيير اعتقاداتك الراسخة. كيف؟ أحيطي نفسك بأشخاص مختلفين لديهم وجهات نظر مختلفة عنك.

على سبيل المثال، عندما تريدين شراء منزل، وتعجبك إحدى المنازل، اطلبي من صديقتك أن تلعب دور محامي الشيطان فتقدّم لك أسبابًا تجعلك ترفضين شراء هذا المنزل. بهذه الطريقة، تستطيعين أن تتأكدي أنك قد اطّلعت على أكثر من وجهة نظر واحدة، وحينها سيكون قرارك عقلانيًا.

٣- فكّري في عملية التفكير:

من أجل محاربة الإنحياز التأكيدي، تحتاجين إلى تقييم ردات فعلك الغريزية. في المرة القادمة التي تتعرضين فيها إلى حقائق تؤكد لكِ رأيك، توقّفي. فكّري في الإفتراضات التي تكوّنت لديكِ وابحثي عن طرق تؤكد أنك مخطئة بالفعل.

على سبيل المثال، أنتِ شخص محب للقهوة، وتحتاجين في العادة إلى قهوتك الصباحية حتى يبدأ يومك. فإنك عندما تتصفحين حسابك في فيسبوك وتجدين أشخاصًا وضعوا مقالات تتحدث فيها عن فوائد القهوة، فإنها ستجذب نظرك فورًا. من السهل أن تقرأي هذه المقالات فتقولي حينها” اها! هذه المقالات تؤكد اختياراتي في الحياة!“. في المرة القادمة التي تجدي فيها نفسك تفعلين هكذا، ابحثي حينها عن معلومات تعارض ماتعتقدينه.

الخلاصة

الإنحياز التأكيدي هو أمر من الصعب أن تتجنبيه عند اتخاذك لأي قرار، فهو يُلوّن نظرتك إلى الحياة وليس بالأمر الهين فتستطيعين التخلص منه. لكن عندما تتخذين قرارًا كبيرًا- يتعلق بصحتك، أمورك الإقتصادية، حب حياتك- فإنك تودين أن تتخلصي من تأثيره بأفضل طريقة ممكنة. تعلمي كيف يعمل الإنحياز التأكيدي حتى تتمكني حينها أن تتخذي قرارات أكثر منطقية. لذلك، في المرة القادمة التي تنتقلين فيها من ”وضعية السمكة المنحنية“ إلى ”وضعية الشواوا الطائر“ – تأكدي جيدًا واطمئني، ليس هناك أي شخص ينظر إليكِ!


*المقالة مترجمة عن موقع Quiz كتبها
Nir Eyal 
والرسومات  Lakshmi Mani

الخوف من الجراثيم

لا أعد نفسي من طائفة الموسوسين والموسوسات، ولكني أؤمن أن الأغلبية منا في هذا الزمان يمتلكون مقدارًا ولو ضئيلًا من الوسوسة تجاه الجراثيم والبكتيريا.. ومع انتشار برامج وصور عن النظافة بهدف الوعي ومستحضرات التنظيف التي تحرص على ذكر نسبة ٩٩.٩٪ في قضاءها على الجراثيم، كبُر خيالنا وأصبحنا نتخيل الجراثيم تترصد لنا في كل مكان. إحدى صديقاتي تأخذ معها مفرشًا للسرير إذا ذهبت إلى فندق – وإن كان ذو ٥ نجوم- لتنام فوقه. الأكيد أنها تخيّلت نوعية الأشخاص -الذين ناموا قبلها فوق السرير- ونشاطاتهم ومدى نظافة شعرهم وأجسادهم. أما الأخرى فإنها لاتلمس أطفالها الصغار إذا كانت مرتدية شرشف الصلاة حتى لا يتنجّس لأنها تتخيل الجراثيم الصادرة عنهم كما تقول. أما أنا فلم أقع ضحية لهذه الوسواس إلا فيما يتعلق بغسل اليدين كل عدة دقائق والتي أتخيلها تكومت على يديّ بعد لمس أغراض عادية في المنزل، لحسن حظي استمرت هذه الوسوسة لفترة قصيرة تخلصت منها بقوة الإرادة والتي نادرًا ماتقف معي.

هنا بعض من الوساوس الخفيفة والمعتدلة عن الجراثيم التي أواجهها يوميًا والشروط التي أضعها لنفسي ويتفق الكثير معي فيها وأحببت أن أشاركها معكم. هذه النقاط تتعلق عن مواقفي تجاه جراثيم الآخرين بشكل خاص وليست عن نظافة المنزل أو النظافة الشخصية:

١- السرير والكنب منطقة محرمة لا يوضع فوقها أي ملابس مخصصة لخارج البيت مثل العباءة والجاكيت والبناطيل. قد يستفزني منظر مثل هذا وأنا لا دخل لي- أحمد مكي في دور جوني في مسلسل الكبير أوي يجلس فوق السرير مرتديًا حذاء-:

٢- الضغط على أزرار المصعد الخارجية (الطلوع والنزول) والداخلية (أرقام الأدوار) بأي شيء عدا اليدين. مفتاح البيت فكرة ممتازة (يُستبعد الطرف الحاد حتى لا يخدش الأزرار).

 

٣- عدم لمس أبواب الحمامات العامة في المطاعم وغيرها خاصة عند الخروج منها. أحببت هذا المنظر في الحمامات التابعة لإحدى الأسواق -نوردستروم-، مناديل صغيرة عند باب الحمام تُستخدم من أجل تغطية مقبض الباب. أو هذا ماظننته!

أما هذه القطعة فوجدت شبيهة لها في إحدى الحمامات العامة، مفيدة جدًا لتفادي مسك مقابض الأبواب والإكتفاء بفتح الباب بواسطة القدم.

٤- المحاولة على قدر الإمكان على تجنب لمس مقابض المواصلات العامة كالمترو والباص والتي تجعلك متوازنًا خاصة إذا لم تجد مكانًا للجلوس واضطررت حينها إلى الوقوف. تعلمت كيف أقف متوازنة في المترو السريع عند الإنطلاق والتوقف بدون أن أتمسّك بشيء. إذا حدث واضطررت إلى التمسك بالمقابض أو الأعمدة، فلابد لي من أن استخدم عند نزولي من الباص أو المترو معقم اليدين. لكن هذا لا يكفي لأن الجراثيم كما قرأت تموت في مكانها -أي في يدي- فإذا أردت تناول الطعام بعدها لابد أن أغسل يدي للتخلص من الجراثيم العالقة في اليد.

٥- أعد نفسي قنوعة ومحظوظة مقارنة ببعض الأشخاص الموسوسين لأنني استخدم الحمامات العامة التابعة للجامعة أو الأسواق ولو كان استخدامي هذا بلا أريحية. في نفس الوقت استخدم الكثير من المناديل لوضعها فوق المرحاض إذا لم يتوفر هذا:

كذلك لا أستخدم مطلقًا المنديل الأول أو بالأصح اللفة الأولى من المنديل (اتخيّل منظر آخر شخص استخدم المنديل بيد ملوثة ولمس طرفًا من المنديل الحالي).

٦- أتجنب لمس ”ريموت“ التلفاز في الفنادق والذي دائمًا مايكون مليء بالجراثيم ومن أقذر الأغراض الموجودة في الغرفة كما قرأت في إحدى المقالات لأنهم بطبيعة الحال لا ينظفونها. إذا أردت مشاهدة التلفاز – وهذا في النادر- لا ألمس الريموت إلا بمنديل أو ألمسه وأغسل يدي بعدها.

في أحد الفنادق وجدتُ مايُسمى بال“ريموت النظيف“.. كما تلاحظون فالريموت مُسطّح ولا توجد فتحات دائرية حول الأزرار تتجمع بداخلها الأوساخ، لذلك يسهل تنظيفه. (الصورة من موقع ترب ادفايزر)

Tripadvisor

 

٧- لا أحب شراء أو قراءة الكتب المستعملة، ولا أحب رائحتها. ولا أفضّل حمل النقود الورقية أو العملات واذا اضطررت إلى ذلك فإني أغسل يدي بعدها.

٨- إذا عطس شخص ما حولي، فإنني أكتم أنفاسي لبعض الوقت حتى أتعداه – إن كنت أمشي- أو حتى تهبط الأشياء الخارجة من فمه إلى الأرض وتستقر -هكذا أتخيل؟- بإمكانكم تخيّل ما أقصده بوضوح عندما يكون أحدهم تحت أشعة الشمس. انتظروا حتى يفتح فمه ويتكلم!

هذه بعض النقاط التي تذكرتها خلال كتابتي لهذه التدوينة. هناك برنامج للموسوسين ممتع إلى حد ما، تتلخص فكرته في إحضار شخص موسوس بالنظافة إلى منزل شخص قذر (جلطة نفسية) ليتبرع الموسوس حينها بالتنظيف! هنا إحدى الحلقات في يوتوب:
https://www.youtube.com/watch?v=ScLmBiJgdGc

ماذا عنكم؟ هل هناك بينكم من هو موسوس بالنظافة؟

 

٣ أنواع من الأجندة اليومية -مقارنة


قبل أكثر من سنتين، بدأت الإلتزام في استخدام الأجندة بشكل يومي. كان استخدامي للأجندة قبل ذلك روتين يحكمه المزاج، وكانت خططي ومهامي اليومية تُدوّن في مفكرة الجوال بشكل غير مرتب حتى تعرفت على الكتاب الأسود. أصبحتُ أدون خططي اليومية وأراجع خطة الأسبوع الماضي كل يوم أحد -نهاية الأسبوع هنا- وأراجع المهام المخصصة كل يوم بيومه، بل وأضيف يومياتي وأفكاري وبعضًا من الصور التي التقطتها خلال هذا الأسبوع من كاميرا الجوال. (ألق نظرة على هذه التدوينة).

في هذه التدوينة، سوف أقارن ٣ أنواع من الأجندة اليومية التي استخدمتها أو بصدد استخدامها. وسوف أذكر مميزاتها وعيوبها.


هوبونيتشي:
هذا الدفتر الأسود هو مُنتج ياباني لكن بنسخة إنجليزية. الغلاف أسود فاخر نقش عليه باللون الذهبي عبارة ”تيكو“ باليابانية بالإضافة إلى رمز الفنون والعلوم.


أجندة يومية تحتوي على التاريخ وأوجه القمر، ومخططة حتى يسهل الرسم فيها، ومقسمة لساعات اليوم، كما يوجد اقتباس يومي جميل. وعلى اليمين يوجد رقم الشهر بلون غامق حتى يسهل تصفح الدفتر والوصول إلى الشهر. وعند فتح الدفتر، لا تحتاج إلى الإرتكاز عليه بيدك أو بوضع شيء ثقيل عليه حتى تحتفظ به مفتوحًا طوال الوقت، بل يظل مفتوحًا أمامك. 

أوراق الدفتر خفيفة ولكن جودتها ممتازة، استخدمت أقلام الحبر في التدوين ولم أواجه مشكلة تسريب الحبر من صفحة إلى صفحات أخرى ملاصقة.

في بداية الكتاب الأسود يوجد تقويم شهري تستطيع أن تدون فيه أهم الأحداث، أما في آخر الكتاب توجد صفحات لمساحة حرة من أجل تدوين أفكارك أو حتى الرسم. هناك أيضًا بعض الصفحات في آخر الكتاب والتي تحتوي على معلومات عامة عن اليابان كأبرز التواريخ والأحداث في اليابان، وصفحات لتدوين معلوماتك الشخصية وبعض جهات الإتصال.

من أجمل مميزات هذه الأجندة هي الحجم، حجمها صغير ووزنها خفيف- يرجى الملاحظة أن هناك حجم كبير يختلف عن هذا الصغير- لذلك فهي سهلة التنقل أستطيع حملها من مكان لآخر في شنطتي اليدوية. كما أن لكل يوم صفحة مستقلة خاصة به- وإن كانت صغيرة- وليست محشورة ضمن الأيام الأخرى في الأسبوع كما سنرى في الأجندة القادمة.

بإمكانكم الإطلاع على مزيد من المعلومات وشراء الأجندة من موقعهم

إرن كوندرن- Erin Condren- Life Planner

هذا منتج أمريكي جميل ذو أوراق فاخرة استخدمته لهذه السنة ٢٠١٧، دلتني صديقتي ريم عليها (ألق نظرة على هذه التدوينة). المميز في أجندة إرن كوندرن أنها تُصنع مخصوصة لك كما تريد ابتداء من الغلاف (شكله ولونه)، ومرورًا بالصفحات (عمودية أم أفقية، ولونها)، وحتى لون السلك الملفوف. وتستطيع أيضًا أن تضع اسمك أو عبارة صغيرة من سطرين تختارها بالحجم واللون الذي تريده.
تستطيع أن تختار غلافك من قائمة مليئة بالأغلفة الجميلة، كما يمكنك أن تجعل الغلاف يحتوي بشكل أساسي أو جزئي على صور شخصية لك ولمن تحب.

داخل الأجندة متسع كبير للكتابة، مقسمة على أيام الأسبوع، وهناك هوامش جانبية أيضًا لقوائم أخرى كما تريد مساحة بالأسفل. ومربع في أقسى اليسار عند بداية الأسبوع لكتابة جملة تُعبّر عن امتنانك لهذا الأسبوع. كل شهر يمتاز بلون معين، وهناك فواصل ملونة بأسماء الشهور حتى يسهل عليك الوصول إلى صفحات الأجندة.

أما بداية كل شهر فيحتوي أولًا على صفحة حرة لكتابة مخططاتك أو أي شيء آخر، وبعدها تقويم من أجل كتابة المواعيد المهمة.

وفي نهاية الأجندة توجد أيضًا صفحات حرة من أجل الكتابة والتخطيط أو حتى الرسم، و٤ صفحات من الملصقات التي تساعدك على التخطيط،

وشبه ملف من أجل حمل بعض الأوراق، والغلاف من الداخل يمكنك الكتابة عليه بقلم سبورة. هناك دفتر شهري صغير وخفيف يمكنك حمله معك، ومسطرة من أجل التنظيم، ومقلمية شفافة من أجل وضع الأوراق أو الأقلام.

ويمكنك أيضًا طلب بعض الإكسسوارات الإضافية، كلوحة إضافية ذات سطح يمكنك الكتابة عليه بقلم السبورة ومسحه بمنديل مفيدة لكتابة قائمة المهام اليومية أو حتى الأسبوعية عليها.

الأوراق فاخرة ولاتسرب الحبر السائل، والأجندة هذه محبوبة لدى الكثير من الناس. تستطيع تصفح اليوتوب وانستقرام حتى تجد مراجعات كثيرة عليها، بل وطرق كثيرة لتزيين الصفحات وتقسيمها. هناك أيضًا متاجر كثيرة في موقع ”اتسي“ تبيع ملصقات بثيمات مختلفة مخصوصة لكل شهر من شهور السنة.

من عيوب هذه الأجندة أنها غالية الثمن (٢٥٠ ريال بدون الإكسسوارات والشحن)، وأيضًا حجمها الضخم. لا أستطع التنقل بهذه الأجندة فهي دائمًا في المنزل، ولا أستطيع وضعها في شنطتي اليومية كما كنت أفعل مع أجندة هوبونتشي، كما أنها تأخذ مكانًا كبيرًا فوق المكتب. 
هناك إصدار جديد صغير الحجم من إرن كوندرن لعام ٢٠١٨ يمكنكم الإطلاع عليه.
هنا الموقع إذا أردتم شراء الأجندة.

Passion Planner – باشن بلانر

الأجندة التي سوف استخدمها للسنة القادمة ٢٠١٨ بحول الله، وهي في الأصل مشروع ريادي قُدّم في موقع ”كك ستارتر“ الشهير وحصل على مساهمات بمبلغ يتجاوز ال ٦٠٠ ألف دولار، ولاقى إقبالًا ونجاحًا كبيرين.

الأوراق معادة التدوير لكن جودتها ممتازةـ صاحبة الشركة صرحت أن هدفها من تأسيس هذه الأجندة هو مساعدة الناس حتى يصبحوا أكثر تركيزًا في أفكارهم.
الذي أعجبني في هذه الأجندة هي الأوراق الداخلية، منظمة للغاية ومقسمة بطريقة تفصيلية سوف أشرح عنها أكثر:

في بداية الأجندة هناك صفحات مخصوصة يجب عليك قراءتها لتعرف الهدف من تصنيع هذه الأجندة (مساعدة الناس على بلوغ مايريدون)، وكيفية عملها، ومن ثم تدوين ماتود أن تحققه في هذه السنة. هناك بعض النصائح العملية الجميلة أيضًا.

كل شهر يحتوي على صفحة بها تقويم يومي لأيام الشهر. ومربعات من أجل كتابة ماتود التركيز عليه خلال هذه الشهر، والأشخاص الذين تود رؤيتهم، والأماكن التي تحب أن تزورها، وقائمة ليست للمهام، ومساحة من أجل كتابة مشاريعك الخاصة- ابتداء بالأكثر أهمية- وتواريخ تسليمها، ومشاريع الشغل– ابتداء بالأكثر أهمية- وتواريخ تسليمها أيضًا.

ومساحة بالأسفل من أجل عمل خريطة ذهنية لهذا الشهر.

أما صفحات الأسبوع والتي تحتوي على الأيام، فتبدأ بمربع لكتابة ماتود التركيز عليه خلال هذا الأسبوع، ومن ثم مربع لكتابة الأشياء الجيدة التي حصلت لك في هذا الأسبوع، واقتباس، ومن ثم مساحة لكتابة المهام الشخصية والوظيفية. وفي نهاية الأسبوع هناك مساحة حرة من أجل كتابة ماتريد.

الجميل في الأيام أنها مقسمة إلى ساعات – من الساعة ٦ صباحًا وحتى الساعة ال١٠ مساءً، وهذه ميزة لمن يريد أجندة نظامية بالساعات.

في نهاية الشهر هناك صفحتان بهما بعض الأسئلة من أجل كتابة أفكارك والتفكير بشكل إيجابي بما فعلته خلال هذا الشهر:


ماهو الأمر الذي لايُنسى| يستحق الذكر خلال هذا الشهر؟ اشرحه.
– ٣ دروس كبيرة تعلمتها خلال هذا الشهر.
راجع صفحات الشهر الماضي وقيّم أولوياتك. هل أنت سعيد لأنك قضيت وقتًا عليها؟ إذا لم تكن كذلك، ماهي الخطوات التي سوف تتخذها الشهر القادم من أجل تعديل أولوياتك؟

كيف تجد نفسك مختلفًا هذا الشهر عن الشهر الماضي؟
هل تجد نفسك ممتنًا لشخص أو أمر ما خلال الشهر الماضي؟
اكتب ٣ أمور تستطيع العمل عليها وتحسينها خلال هذا الشهر. ما الذي ستقدم عليه|ماالذي سوف تفعله بالضبط من أجل تحسين هذه ال٣ أمور؟

من ١-١٠، كيف تشعر تجاه الشهر الماضي؟
ثم مساحة صغيرة من أجل التذكير بالتالي:
ضع علامة على إنجازاتك: اذهب إلى الخريطة الذهنية التي دوّنتها في بداية الشهر وضع علامة على الأهداف التي حققتها أو حتى الخطوات التي نجحت في اجتيازها.
تقويم: دوّن خريطة ذهنية لهذا الشهر القادم وقسّم المهام إلى مهام صغيرة وتواريخ الإنتهاء منها.

استخدم النقاط وانقلها إلى الأسابيع حتى تتمكن من تتبع إنجازاتك.

وهناك أيضًا أسئلة من هذا القبيل في نهاية العام:

ماهو شعورك تجاه هذه السنة؟ ما النصيحة التي تقدمها لنفسك في السنة القادمة؟ ماهي الدروس الكبرى التي تعلمتها؟ راجع الأجندة وقيّم أولوياتك، هل أنت سعيد بالوقت الذي أمضيته من أجلها؟ …

وفي آخر الأجندة، هناك صفحات فارغة بيضاء أو مسطّرة من أجل الكتابة عليها. الإصدار الذي اشتريته هو الإصدار المحدود ذا اللون الذهبي. 

الجميل في هذه الأجندة أنك تستطيع تحميل وطباعة بعض الأوراق الإضافية من موقع الشركة بالمجان وتلصقها على الأجندة، كصفحة تتبع العادات اليومية (التي تود اكتسابها أو التخلص منها)، وصفحة تعقب عدد كاسات المياه التي تشربها في اليوم، وصفحة اقتصادية من أجل دخلك والتحكم في مصاريفك، وصفحة من أجل الريجيم لتعقب الكالوريز، وصفحة من أجل ممارسة الرياضة اليومية وغيرها.


لاتوجد فواصل شهرية من أجل سرعة تصفح الأجندة، ولكن يوجد فاصل شريط قماشي لونه أخضر. لا أستطيع فتح الأجندة بشكل ١٨٠ درجة دون أن أضع يدي أو شيئًا ثقيلًا فوقها حتى تظل مفتوحة. غير ملونة (بالأبيض والأسود فقط) كما كتاب هوبونيتشي.
تستطيعون تجربة الأجندة عن طريق تحميل بعض الصفحات المتوفرة في الموقع بالمجان قبل الشراء.
هنا موقعهم

إن أعجبتكم التدوينة فشاركوها مع غيركم للإستفادة. نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله.

ابعتلي جواب وطمنّي – عن الرسائل البريدية

“S.W.A. K “(nod to Cassatt) 3” x 5” Spray “Paint, Gouache, Ink, Graphite on Antique Envelope from 1896 sold. Photo by Amy Rice on flickr”

ذات يوم جميل من أيام الطفولة، اقترحت أمي علينا أنا وأختي بفكرة المراسلة البريدية وتبادلها مع بنات خالاتي. كنا نشتاق كثيرًا إليهن لأنهن كن يسكن في مدينتين مختلفة من المملكة ولم نستطع رؤيتهن إلا في إجازة الصيف، فكانت فكرة رائعة.

بدأنا أنا وأختي بكتابة الرسائل الكثيرة، رسالة لكل واحدة منهن. كانت الرسالة رسمية تبدأ بالتسمية والسلام ثم نعرج فيها إلى السؤال عن الأحوال، ثم نكتب سطرًا أو سطرين فيهما بعض الأخبار. نستخدم أجود أنواع الورق الملون عندنا ونجود بالملصقات المتنوعة والكروت الملونة التي لدينا ونضع آخر الصور الفوتوغرافية لنا فنكتب ورائها قصة الصورة وتاريخ إلتقاطها. ثم نرسل الرسائل بالبريد. قد يمر أكثر من شهر دون أن تصل الرسائل إليهن (حال البريد السعودي) فنتصل عليهن هاتفيًا ونسألهن ”ها وصلت لكم الرسائل؟“

كان يوم استلام الرسائل منهن جميلًا للغاية. نقرأ الرسالة الواحدة مرات كثيرة، ونحكي لأمي ثم لصديقاتنا في المدرسة عنها. ثم نخطط متى نكتب إليهن مرة أخرى.

أعجبتنا الفكرة كثيرًا، لدرجة أننا تطورنا وبدأنا نسجّل أشرطة ال”كاسيت“ بالإضافة إلى الرسائل. فكنت أضع برنامجًا كاملًا مدته كامل الشريط أو نصفه، فابدأ مع أختي بسرد أخبارنا، ثم أنشّد آخر الأناشيد التي حفظتها من المدرسة، بل وأضفت فقرة ”توب ٢٠“ للأغاني المحببة إلى نفسي فابدأ من الأغنية العشرين وأغنّيها ثم الأغنية الحاصلة على المركز ال١٩ لديّ وأغنّيها وهكذا حتى أصل إلى الأغنية رقم واحد. أخبرتني ابنة خالتي في وقت قريب أنها كانت تؤخر هذه الفقرة بلف الشريط حتى تصل إلى نهايتها 😐

أما في المدرسة، وبالإضافة إلى الكتابة في الأوتوغرافات، فكنت أتبادل مع صديقاتي الرسائل. أكتب رسالة أو أكثر في منزلي ثم أعطيها في الغد لإحدى صديقاتي اللواتي كن يحرصن على كتابة الرسائل لي، وأجد في ذلك متعة كبيرة. كانت الملصقات ”الستيكرز“بأنواعها والأوراق الجميلة الملونة لها قيمة عالية لدينا، وكنا نكتب على كل شيء، على المناديل، وعلى البطاقات، وحتى على أظرف الرسائل. تكوّنت لدي مجموعة ضخمة من الرسائل على مدى سنوات المدرسة.
كانت لدي صديقتان أحبتا مثلي هواية تبادل الرسائل فكانت أكثر رسائلي منهن وإليهن، إحداهن تدعى هنادي في السنة الخامسة-السادسة الإبتدائية. كانت فتاة مرحة وظريفة، لكنها تركتنا فيما بعد وسافرت إلى تبوك ثم انقطعت أخبارها عنا. ولذلك كانت رسائلها تتحدث فيها عن الوداع.
هنا رسالة منها تعاتبني فيها، فلقد “صال” لها يومين تتصل على هاتف المنزل ولا أجيب. وللأسف لعبن من دوني في يوم غيابي.

ويظهر أنها من معجبين كاظم الساهر، فقد كتبت لي إحدى أغانيه، بل ورسمته شخصيًا.
يُرجى ملاحظة مكان الدموع في الرسالة*

هنا إحدى وصاياها لي بعدم النسيان:
أما صديقتي شهد، فقد غمرتني بالرسائل أيضًا، وبرسوماتها وأعمالها الفنية-مازالت صديقتي إلى الآن وتحب الرسم-. هنا بطاقة صنعتها على شكل شمس ملتهبة، وبجانبها تعليقة بلاستيك وكتبت عليه حرفها:
أما هنا فرسالة منها بعد أن أعرتها إحدى الكتب المدرسية لتنقل منه حسبما فهمت، وتعتذر كثيرًا لأن أختها قد فعلت شيئًا بالكتاب وعوضتني بملصق لشيطان جميل:
أما رسائلي اليوم فلم أجدها إلا عند شهد، فبنات خالاتي اعترفن لي أنهن تخلصن منها 🙂 ! وهنادي انقطعت أخبارها تمامًا. فلم أحصل على صورة من رسائلي القديمة إلا عن طريق شهد. هنا رسمة لزميلات الفصل الخامس الإبتدائي:
وهنا رسالة تهنئة بمناسبة السنة الهجرية الجديدة:
أما هذه الورقة فورقة مليئة بالشم:

ليست شهد فقط هي الكريمة بالستيكرز، فقد أهديتها بطاقة تخفيض من تيفال:
ثم واكبت التكنولوجيا فيما بعد واستخدمت ال”فلوبي ديسك” في تحميل البطاقات الإلكترونية لشهد:
بعد ذلك، تعرفت في عام ٢٠٠١ في منتدى لفرقة أجنبية مشهورة على فتاة ماليزية. تبادلنا البريد الإلكتروني واتفقنا على كتابة الرسائل الإلكترونية باللغة الإنجليزية. وهكذا أصبحت الماليزية بالنسبة إلي كما يقولون:
my pen pal
أو صديقة القلم، فكنا نتبادل قصصنا في المدرسة ودرجاتنا المدرسية وأيام الإجازات وصورنا وأخبار الفرق الموسيقية التي نحبها، وأيضًا أخبار كأس العالم في عام ٢٠٠٢.

خلال فترة غربتي خارج المملكة، تعرفت على صديقات وزميلات من دول مختلفة. اتفقنا على مراسلة بعضنا البعض عن طريق البطاقة البريدية. بطاقة من الورق المقوى غير مكلفة على الإطلاق وكذلك إرسالها بالبريد غير مكلف.
هنا بطاقات “بوست كاردز” من المكسيك، وألمانيا، اسكتلندا-بريطانيا، وتايلندهنا آخر بطاقة بريدية استلمتها من صديقتي غادة في نيويورك- الولايات المتحدة:

مخرج:
بمناسبة موضوع التدوينة، هناك فيلمين لطيفين اقترحهما عليكم
Mary and Max
فيلم “ستوب موشن” عن فتاة استرالية فقيرة ووحيدة تتعرف على شخص في نيويورك تختار اسمه من دليل الهاتف وتقرر أن تراسله، ويصبحان صديقان بالمراسلة. الفيلم لطيف للغاية، من النوع الكوميدي-الدرامي

You’ve Got Mail
فيلم رومانسي كوميدي من بطولة ميق رايان وتوم هانكس يقعان في الحب عن طريق المراسلة بالبريد الإلكتروني.

وأنتم ماذا عنكم؟ هل كانت لكم تجارب مع المراسلات البريدية أو الرسائل اليومية؟
أراكم في تدوينة قادمة !

كم بيضًا للحمام؟

قوديتاما.. البيضة الكسولة الأشهر

لاأدري كيف بدأتُ الكتابة في هذا الموضوع، لكنها مجرد خواطر من الماضي تذكرتها حين كنت أسلق البيض فأردت تدوينها لتكون تدوينة عبثية:

بدأت علاقتي مع البيض منذ أن كانت أمي تجبرنا على تناوله كطعام للإفطار قبل أن نذهب للمدرسة. وحيث أنها قرأت في مكان ما أن تناول البيض يوميًا غير صحي فقد قررت أن نتناوله يومًا بعد يوم، ”يوم بيض ويوم كورن فليكس“. بجانب البيض كان هناك كأسٌ من الحليب فُرض علينا وإن استيقظنا متأخرين. أذكر أن المراقبة سألتني حين وصلت المدرسة متأخرة بعد الطابور عن سبب تأخيري، فما كان جوابي إلا أن أخبرتها ”كنت أشرب الحليب“. العجيب أن المراقبة دوّنت هذا السبب وسمحت لي بالذهاب إلى الفصل.

في إحدى الأيام كنت أتساءل عن السبب الذي يجعلنا تناول البيض دون أن يكون هناك فرخ صغير بداخل البيضة. استنتجت نجلاء الصغيرة أن البيض يُؤخذ من الدجاجة الأم فورًا ولا تستطيع أن توفّر له حضنًا دافئًا فيعجز عن النمو ويصبح بيضًا. لذلك، أخذتُ بيضة من المطبخ خلسة وقررت أن أكون الدجاجة الأم ووضعتها على الأرض وجلست عليها برفق. وكفتاة نشيطة تحب اللعب، مرت الساعة والساعتين ومللت من جلوسي هكذا ولكني استمريت في الصمود إلى أن جاءت الخادمة أخيرًا حاملة المكنسة وتأمرني أن أتحرك من مكاني حتى تُكمل التنظيف، تركت لها المكان والبيض ولم أنس وجهها إلى يومي هذا.

تمر الأيام حتى نقرر أنا وأخي الصغير أن نشتري ”كتاكيت“ ونرعاها فتكبر معنا وتجلب لنا البيض. اشترى أخي بواسطة خالي كتكوتين خلسة دون علم أمي التي كانت تحظر علينا إدخالهم من باب الرفق بالحيوان. بالطبع تفاجئت أمي فيما بعد ورضخت لوجودهما، فرحنا كثيرًا وأطلقنا على المشاكس منهما اسم طقوعي وتركناهما في ”حوش“ البيت يسرحان ويلعبان. تمر الأيام ويصبحان مفجوعيْن شرهيْن يأكلان الأخضر واليابس ويستوليان على زرع أمي التي تعبت في العناية به ويتبرزان في كل مكان. غضبت أمي بالطبع فأرسلتهما إلى المزرعة. للأسف لم نهنأ بالبيض.

بعد سنوات قليلة، قرأت في مجلة المجلة عن اختراع ياباني اسمه ”تاماجوتشي“ غزا اليابان وبيوت الأطفال والمراهقين

وهي بيضة الكترونية تتوسطها شاشة عليها مخلوق يجب أن تعتني به فتغذيه ليكبر ولا يموت. ومن شدة إعجابي بهذا الإختراع العجيب حفظت اسم التا -ما- جوتشي هذا وودت لو أنني ذهبت إلى اليابان كي اشتريه. بعد أسابيع قليلة جاءت صديقتي بلعبة الكترونية اشترتها من جدة من (تويز ار اص) وأرادت أن تشرح لي كيفية اللعب بها، صرخت ”تاماجوتشي!“ كفيتها الشرح إلا أن تاماجوتشي هذه كانت طفلة صغيرة على الشاشة وليست مخلوقًا. اقترحت علي عرضًا كريمًا لم أستطع أن أرفضه ”ما رأيك أن تأخذيها معكِ المنزل إلى الغد؟“. أخذتها معي وعندما أردت النوم وضعتها بجانبي لأستيقظ وأجد أنها ماتت. كيف ماتت؟ لا أدري.. لابد أنني أطلت النوم فجاعت ولم أطعمها. خفت كثيرًا من ردة فعل صديقتي الكريمة، لكني تصرفت بسرعة وضغطت على زر الإعادة الصغير الموجود خلف الآلة بداخل حفرة صغيرة بواسطة القلم فعادت الطفلة إلى الحياة وكأن شيئًا لم يكن. بالطبع لم أخبر صديقتي بهذا الأمر.

أما الآن فتحضرني قصة لبطوط الذي أصبح في إحدى حكايات مجلة ميكي ذوّاقة طعام يكتب عن المطاعم وأطباقها ويقيّمها في زاوية لجريدة مشهورة ويعتمد الناس بشكل كبير على آرائه، فأصبحت المطاعم تهابه وتستعد لمجيئه ويأتيهم متنكرًا في بعض الأحيان. ففي إحدى المرات زار بطوط مطعمًا راقيًا وقدموا إليه طبقًا فاخرًا تحتوي مكوناته على البيض، أكل من هذا الطبق وفجأة صرخ لأن هناك قشرة صغيرة من البيض يبدو أنها وقعت بالخطأ عند كسر الطبّاخ للبيض. ورغم محاولة أصحاب المطعم وتوسلاتهم إلى بطوط أنها قشرة صغيرة يجب أن لاتؤثر على رأيه، رفع منقاره قائلًا أن هذا الأمر من أساسيات الطبخ!

أصبحت الآن أتذكر هذه القصة جيدا كلما هممت بطبخ ”الشكشوكة“ أو أي طبق آخر يحتوي على البيض، أخاف من وقوع قشرة صغيرة من البيض فأذكر صراخ بطوط ”من أساسيات الطبخ“!

تفاجئت كثيرًا وضحكت عندما ذهبت مؤخرًا إلى إحدى المطاعم المشهورة في مونتريال لتناول ”الأومليت“ ووجدت قشرة بيض.
أليس هذا من أساسيات الطبخ؟

قبل أن ترافق الآخرين، تعلم كيف تكون برفقة نفسك أولًا

Victoria Semykina

Victoria Semykina

مقال مترجم*
في عام ١٨٤٠، وصف إدغار آلان بو رجلًا عجوزًا يطوف شوارع لندن من الغسق إلى الفجر ب”الطاقة الغاضبة”. كان الرجل يريد التخفيف من بؤسه الموجع بشكل مؤقت عن طريق انغماسه بين حشود سكان المدينة. ”كان يرفض أن يكون وحيدًا، إنه نموذج فريد لجريمة عميقة.. إنه رجل الحشد“.

Man of the Crowd / Poe

مقارنة بالعديد من الشعراء والفلاسفة عبر التاريخ، شدد بو على أهمية العزلة واعتقد أن فقدان الشخص القدرة على أن يكون مع نفسه هي ”مصيبة كبرى“، أن يقع في شرك الحشد، أن يتنازل عن تفرده ويخدر عقله بمطابقته مع غيره.

بعد عقدين من الزمان، حازت فكرة العزلة على خيال رالف والدو امرسون لكن بطريقة مختلفة: فكتب مقتبسًا فيثاغورس ”في الصباح، وبوجود العزلة.. تتحدث الطبيعة إلى الخيال على نحو لا تفعله في وجود الناس“. شجّع امرسون المعلمين أن يأكدوت لطلابهم أهمية ”أوقات وعادات العزلة“، العادات التي جعلت من ”التفكير الجاد والمجرد“ ممكنًا.

في القرن العشرين، شكّلت فكرة العزلة محور أفكار حنة آرنت، وهي مهاجرة ألمانية يهودية هربت من النازية ووجدت اللجوء في الولايات المتحدة-. قضت آرنت معظم حياتها في دراسة العلاقة بين الفرد والمدينة. بالنسبة إليها، فإن الحرية مقيّدة إلى الحيز الخاص
-vita contemplativa –
والحيز العام
-vita activa-
فهمت آرنت أن الحرية تتطلب أكثر من قدرة الإنسان على أن يتصرف بعفوية وبإبداع أمام العامة، لأنها تتطلب أيضًا القدرة على التفكير وتكوين الرأي في خصوصية، فتدعم العزلة الفرد على تأمل أفعاله وتطوير وعيه، ليهرب من ضجيج الحشد، حتى يصبح قادرًا على سماع أفكاره.

في عام ١٩٦١، كلّفت مجلة ذا نيويوركر آرنت بتغطية محاكمة أدولف ايخمان، زعيم نازي ساعد على تنفيذ الهولوكوست.

أرادت آرنت أن تفهم كيف يستطيع أي شخص أن يفعل شيئًا شنيعًا مثل هذا؟ الأكيد أن الشخص المعتل والشرير هو الذي يشارك في المحرقة. لكن آرنت تفاجئت من فقر ايخمان إلى الخيال، وبممارساته التقليدية المتكررة. علّقت آرنت بأن أفعال ايخمان كانت شيطانية، لكن ايخمان نفسه – الإنسان- ”كان شخصًا عاديًا، ليس بإنسان وحشي أو شيطاني. لا توجد هناك أي علامة تدل على أن لديه أي قناعة ايدولوجية راسخة“. أوعزت أفعاله -قدرته ولهفته على ارتكاب الجرائم- إلى ”انعدام التفكير“. فكان انعدام قدرته على التوقف والتفكير هو ماسمح لايخمان على المشاركة في هذه الجريمة.

وكما ظن بو أن هناك شيئًا شيطانيًا عميقًا في ”رجل الحشد“، أدركت آرنت أن ”الإنسان الذي لا يعرف أن التفاعل الصامت (والذي يجعلنا في داخلنا نختبر ما الذي نريد أن نقوله أو نفعله) لن يبالي ما إذا ناقض نفسه، وهذا يعني أنه لن يصبح قادرًا أو راغبًا أن يتحمل مسؤولية أفعاله وأقواله، ولن يبالي بارتكاب الجريمة لأنه سوف يعتمد على نسيانها في اللحظة القادمة“. تجنب ايخمان التأمل الذاتي على الطريقة السقراطية، وفشل في الرجوع إلى ذاته، وإلى حالة العزلة. لقد نبذ ايخمان الحيز الخاص
vita contemplativa
ولهذا فشل في طرح الأسئلة الهامة على نفسه والإجابة عليها والتي كانت ستسمح له باختبار معاني الأشياء حتى يميز بين الحقيقة والخيال، والحق والباطل، والخير والشر.

كتبت حنة آرنت ”من الأفضل أن تعاني بشكل خاطئ على أن تفعل شيئًا خاطئًا، لأنك تظل صديق الضحية، لكن من يريد أن يكون الصديق ويعيش مع القاتل؟ ليس إلا قاتلًا آخر“. هذا لا يعني أن الأشخاص الغير مفكرين هم وحوش، أو أنهم سيرتكبون جرائمًا على أن يجدوا أنفسهم في عزلة. مارأته آرنت في ايخمان هو أن المجتمع يستطيع أن يتصرف بحرية وديمقراطية فقط إذا كان مؤلفا من أفراد يمارسون عملية التفكير، وهي عملية تتطلب العزلة. آمنت آرنت أن ”التعايش مع الآخرين يبدأ مع تعايش الشخص مع نفسه“.

لكن ماذا يحدث إذا أصبحنا وحيدين في عزلتنا؟ أليس هذا أمرًا خطيرًا يحرمنا من متعة الصحبة والأصدقاء؟ تنبه الفلاسفة إلى الفرق الدقيق والمهم بين العزلة والوحدة، ففي كتاب الجمهورية، قص أفلاطون حكاية الكهف الرمزية والتي يحتفي فيها سقراط بالفيلسوف المعتزل: يهرب الفيلسوف من ظلام عرين تحت الأرض ومن صحبة الناس ويلجأ إلى نور التفكير التأملي. منعزلًا وليس وحيدًا، يتناغم الفيلسوف مع ذاته ومع العالم. في العزلة، يكون الحوار الصامت ”الذي تسيطر فيه الروح على نفسها“ ليُصبح مسموعًا.

مقلدة أفلاطون، لاحظت آرنت أن ”التفكير – بالتعريف الوجودي- هو أمر منعزل ولكنه ليس منفصلًا عن الناس. العزلة هي عمل بشري يحدث عندما أكون برفقة نفسي، أما الوحدة فهي عندما أكون لوحدي وأرغب في الرفقة ولكن لا أجدها“. في العزلة، لم تتلهف آرنت على إيجاد صحبة أو تبحث عن صداقة حميمة لأنها لم تكن حقًا وحيدة. كانت صديقة لذاتها تتحدث معها بصوت غير مسموع، وهو الصوت نفسه الذي حثّ على طرح السؤال السقراطي ”ماذا تقصد عندما تقول..؟“
فالنفس، كما تقول آرنت، ”هي الكائن الوحيد الذي لا تستطيع أن تهرب منه إلا إذا توقفت عن التفكير“.

تحذير آرنت يجب أن نتذكره في عصرنا هذا. ففي عالم متصل نستطيع أن نتواصل فيه بسهولة مع بعضنا البعض من خلال الإنترنت، نادرًا مانتذكر أن نجعل لنا مجالًا لعزلة تأملية. نتصفح بريدنا الإلكتروني مئات المرات في اليوم، ونرسل الآلاف من الرسائل كل شهر، ونتصفح تويتر وفيسبوك وانستقرام من أجل أن نتواصل مع المقربين والمعارف. نبحث عن أصدقاء أصدقائنا، أحبابنا السابقين، أشخاصًا بالكاد أن نعرفهم، وآخرين لانعرفهم. نتلهف دومًا لأن نكون برفقة الناس.

لكن آرنت تذكّرنا بأنه إذا خسرنا قدرتنا على العزلة، أن نكون وحيدين بصحبة أنفسنا، فسوف نخسر قدرتنا على التفكير. سنخاطر ”بانغماسنا في الحشد“، وسوف يجرفنا الناس بعيدًا بأفكارهم ومعتقداتهم حتى نصبح غير قادرين على تمييز الحق من الباطل، والجمال من القبح.

العزلة ليست فقط حالة ذهنية أساسية من أجل تطوير وعي الفرد وضميره، بل أيضًا عمل يهييء المرء لأن يشارك في الحياة الإجتماعية والسياسية. قبل أن نحافظ على رفقتنا مع الآخرين، يجب أن نتعلم كيف نحرص على رفقتنا مع ذواتنا.


مقال مترجم: كتبته جنيفر ستيت قمتُ بترجمته إلى العربية*
Before you can be with others, first learn to be alone

حيّات المعرّي


عندما كان أبو القارح في ”رسالة الغفران“ يتنقل في الجنة ويقابل شعراء الجن والإنس يحاورهم ويناقشهم في الشعر واللغة، وجد حيّات يسرحن ويمرحن، فتعجّب لذلك أشد العجب وقال ”لا إله الله.. وماتصنع حيّة في الجنة؟“ فأجابته حية تُدعى بذات الصفا بفخر عن وفائها في الدنيا، وكيف أن النابغة الذبياني أنشد فيها شعرًا جرى ذكره بعد ذلك على ألسنة العرب. فماذا كانت حكايتها؟

يُحكى أن أخوين كانا فيما مضى في إبلٍ لهما، فأجدبت بلادهما وكان قريباً منهما وادٍ، يقال له: عبيدان فيه حية قد أحمته فقال أحدهما لصاحبه: هل لك في وادي الحية، فإنه ذو كلأ؟ فقال أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحداً لم يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته؟ فقال: والله لأفعلنّ!
فهبط ذلك الوادي فرعى فيه إبله، فبينما هو ذات يومٍ في آخر الإبل نائمٌ إذ رفعت الحية رأسها فأبصرته، فأتته فقتلته، ثم دخلت جحرها، وأبطأت الإبل على أخيه فعرف أنه قد هلك، فقال: ما في الحياة بعد أخي خيرٌ، ولأطلبن الحية، ولأقتلنها، أو لأتبعن أخي.
فهبط ذلك الوادي فطلب الحية، ليقتلها، فقالت له: ألست ترى أني قد قتلت أخاك، فهل لك في الصلح، فأدعك ترعى الوادي فتكون فيه، وأعطيك ما بقيت ديناراً يوماً ويوماً لا؟ قال: أو فاعلة أنت؟ قالت: نعم. قال: فإني أقبَل. فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها، وجعلت تعطيه ما ضمنت له، فكثر ماله ونبتت إبله، حتى صار من أحسن الناس حالاً.
ثم إنه ذكر أخاه ذات يوم فدمعت عيناه، وقال: كيف ينفعني العيش، وأنا أنظر إلى قاتل أخي؟ فعمد إلى فأس فأحدها، ثم قعد، فمرت به، فتبعها، وضربها فأخطأها، ودخلت جحرها، ووقعت الفأس فوق جحرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فعل، قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه.
فلما رأى ذلك تخوف شرها وندم، فقال لها: هل لك أن نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه؟ فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك، وأنت ترى قبر أخيك، وأنت فاجر لا تبالي بالعهد؟.
وفي رواية أنها قالت “أبى الصلح القبر الذي بين عينيك، والضربة التي فوق رأسي. فلن تحبني أبداً ما رأيت قبر أخيك، ولن أحبك ما كانت الضربة برأسي. إنا لن نحبكم ما ذكرنا ما صنعتم بنا، ولن تحبونا ما ذكرتم ما صنعنا بكم“. .
*خزانة الأدب- البغدادي*

ماتت حية ذات الصفا ودخلت جنة أبي العلاء المعري. الجدير بالذكر أن الحية كانت قاتلة في بادئ الأمر فكيف جعلها المعرّي في الجنة؟ يظهر أن هذا الوادي يُنسب إلى هذه الحية فهو مسكن لها، والمقتول اقتحم الوادي وانتهك حرمته وبالتالي ماكان الإعتداء من الحيّة إلا دفاعًا منها. ولكنها وفّت لأخيه عندما اتفقت معه وظلت كذلك على العهد حتى ضربها على رأسها بالفأس.

وإذا تذكرنا المثل العربي الشهير ” لايُلدغ المؤمن من جحره مرتين“، نجد أن الحية المؤمنة هذه تأبى أن تُلدغ مرة أخرى فرفضت الصلح وأشارت إلى الضربة التي فوق رأسها ”إنا لن نحبكم ماذكرنا ماصنعتم بنا، ولن تُحبونا ما ذكرتم ماصنعنا بكم“.

انتشرت الأسطورة بين العرب الذين -مع ذلك- جعلوا من الحية رمزًا للخيانة والغدر. ففي الموروث القديم، يشير كيليطو أن الحية أغوت آدم وحواء بالأكل من شجرة المعرفة ”لكن المفسرين لم يتوانوا في إسناد دور إلى الحية. ولمّا حُظر على إبليس دخول الجنة، قصد الحية فأغواها بأن وعدها بالخلود. تحوّل إلى ريح وجعل نفسه بين أنياب الحية (لم تكن آنئذٍ حية: كانت لها أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله) يستقرّ إبليس إذن في فم الحية التي تدخل به سرًا إلى الجنة. وبواسطة لسان الحية يفتن الرجل والمرأة… عقابها سيكون شديدًا، ففي سفر التكوين يلعنها الرب وينطق في حقها عقوبة مزدوجة (على بطنك تزحفين، وترابًا تأكلين طول أيام حياتك).. ويُعدّد عقوبات أخرى، فقد شق الله لسان الحية جاعلًا منها حيوانًا مشطورًا.. حيوانًا ذا لسانين“.

يذكر كيليطو أن الجاحظ استنتج في كتابه الحيوان أن الحية ”لما يهاجمها الإنسان، تُخرج لسانها المشقوق كما لو كانت تُذكّره بتواطؤ قديم وبالعقوبة التي أصابتها بعد تورطّها في المأساة الأصلية“.

إذن فالحية رمز للخيانة، وقد جعل محمد بن سيرين (أو في كتابه المنحول إليه) من الحية عدوًا، فالذي يرى حية في منامه إنما يرى عدوًا، فإن قتلها في المنام ظفر بعدوه في الحقيقة.
نعود إلى أبي القارح، لنجده يتحدث مع حيّة أخرى تخبره أنها كانت تسكن في دار الحسن البصري- التابعي إمام أهل البصرة- وأنها قد حفظت القرآن من تلاوته، بل أنها سافرت من البصرة إلى الكوفة لتُقيم في جوارِ أحد القرّاء السبعة. لكنها أنكرت عليه بعض القراءات وجاءت بأقوالٍ للنحويين منهم سيبويه حتى تعجب منها أبو القارح أشد العجب، حيّة أديبة!

الأعجب من ذلك أن هذه الحيّة بدأت تغوي صاحبنا وتقارن نفسها بغواني الجنة فتسأله ”ألا تقيم عندنا بُرهة من الدهر؟
فلو ذُقت ريقي لوجدته أفضل من الخمر التي ذكرها ابن مقبل في قوله:
سقتني بصهباء درياقة .. متى ما تُليّن عظامي تلنِ
(الدرياقة هي الخمر)
ولو تنفسّتُ في وجهك لأدركت أن عبلة صاحبة عنترة كانت ذات رائحة فم كريهة (تقصد قول عنترة:
وكأن فارة تاجر بقسيمة .. سبقت عوارضها إليك من الفمِ

(فارة=وعاء العطر)
ولو أدنيتَ وسادتك إلى وسادتي، لفضّلتني على ليلى (تقصد ليلى صاحبة المجنون).. ولو أقمتَ عندنا إلى أن تخبر وُدّنا لندمتَ إن كنت في الدنيا قتلت حيّة!

بالطبع يُذعر صاحبنا، ويهرب منها.

فالحيّة هنا تُقارن نفسها بعبلةٍ وليلى، وكأنها امرأة مثلهم. وهذا يذكّرنا بهؤلاء الذين ربطوا بين لفظتي الحية وحواء وكأن بينهما علاقة في إخراج آدم من الجنة، وبالشعراء الذين ربطوا بين الحية والمرأة في تشبيهات كثيرة، بل وبالمستظرفين الذين وصفوا المرأة بالحية لمكرها وخبثها فيروى عن أحدهم أنه قال ابني حيّ يُرزق، وزوجتي حيّة تسعى.

تنبغي الإشارة إلى أنه لايوجد من الحيوانات في جنة المعرّي غير هذه الحيّات، وأسد، وأيضًا ذئب كان قد كلّم الأسلمي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. هناك أيضًا طاووس وإوزة، لكنهما طعامان لأهل الجنة. ليس هناك خيل، أو ناقة وهما من الحيوانات التي كانت تفتخر بهما العرب، بل أسد وذئب وحيّات يسرحن ويمرحن كما الإنس والجن المتمتعون في جنات النعيم.

وهم الثقة

في إحدى الأيام من عام ١٩٩٥، وفي وضح النهار، سرق رجل ضخم في منتصف عمره بنكين في مدينة بتسبرغ. لم يلبس أي قناع ولم يتخف، بل ابتسم لكاميرات المراقبة قبل أن يخرج من كلا البنكين. ألقت الشرطة القبض على المُتفاجِئ ماك آرثر وييلر لاحقًا وعرضت عليه الفيديوهات التي سُجلت على كاميرات المراقبة. لم يكن يصدّق ذلك وقال ”ولكنني دهنتُ نفسي من العصير!“. يبدو أن وييلر اعتقد بأن فرك عصير الليمون على جسده يجعله شخصًا غير مرئيًا أمام كاميرات المراقبة. بعد هذا كله، فإن عصير الليمون كان يُستخدم كحبر سري، فطالما أن وييلر لا يقترب من مصدر حراري كان يجب أن يكون متخفيًا تمامًا!

استنتجت الشرطة بعدها أن وييلر لم يكن مجنونًا ولم يكن تحت تأثير المخدرات، لكنه كان مخطئًا بدرجة كبيرة.

اجتذبت هذه الحكاية اختصاصي علم النفس ديفيد دانينق في جامعة كورنيل، والذي كلّف تلميذه جستن كروقر بالتحقق عما يجري. استنتجا أن كل شخص لديه تصورًا إيجابيًا عن قدراته في مجالات اجتماعية وثقافية متعددة، وأن بعض الناس يخطئون في تقييم هذه القدرات بشكل كبير، أكبر بكثير من الحقيقة. ف“وهم الثقة“- والذي يُدعى الآن ب“تأثير دانينق كروجر“- يصف كيف يقوم الإنحياز المعرفي بالرفع من التقييم الذاتي.

من أجل التحقق من هذه الظاهرة، صمم دننق و كروجر بعضًا من التجارب الذكية. وفي إحدى الدراسات، سألا طلبة جامعيين مجموعة من الأسئلة عن القواعد، والمنطق والنكت، ثم سألا كل طالب وطالبة أن يُخمّنوا نتيجتهم ثم يصنفوها بالنسبة إلى نتائج الطلاب الآخرين. الطلاب الذين أحرزوا نقاطًا ضعيفة في هذه الأسئلة هم هؤلاء الذين بالغوا -وبشدة- في تخمينهم بالحصول على نتائج ممتازة! الطلاب الذين حصلوا على أدنى الدرجات هم هؤلاء الذين اعتقدوا بأنهم أدّوا الاختبار بشكل أفضل من ثلثي الطلاب الآخرين!

وهم الثقة هذا يمتد إلى خارج الفصول الدراسية فنجده في حياتنا اليومية. في دراسة لاحقة خارج المعامل التجريبية، اتجه دانينج و كروجر نحو نطاق الأسلحة، وسألا هواة الأسلحة عن مدى الأمان في استخدام السلاح. وبالتشابه مع النتائج السابقة، فإن هؤلاء الذين أجابوا على أسئلة قليلة فقط هم الذين بالغوا في تقدير معرفتهم بالأسلحة. وبعيدا عن الحقائق، تستطيع أن تلاحظ تأثير دانينق-كروجر في تقييم الناس لمقدراتهم الأخرى بشكل كبير. إن شاهدت أي برنامج تلفزيوني للمواهب هذه الأيام، فسوف ترى وجوه المتسابقين المندهشة لعدم اجتيازهم التقييم ورفضِهم من قبل حكام المسابقة. قد يكون ذلك الأمر مضحكًا بالنسبة إلينا، إلا أن هؤلاء المتسابقين غير واعيين بأن تفوقهم الوهمي هذا قد ضللهم إلى حد كبير.

من الطبيعي أن الناس يبالغون في تقييم قدراتهم الشخصية. في إحدى الدراسات، قيّم ٨٠٪ من السائقين أنفسهم أنهم فوق المتوسط، وهذا أمر مستحيل إحصائيًا. دراسة أخرى وجدت أنه عندما يقيّم الناس شعبيتهم وقدراتهم المعرفية، فإنهم يجعلون أنفسهم فوق المعدل الطبيعي. المشكلة تكمن عندما يكون الناس غير أكفاء، فإنهم لايستنتجون بطريقة خاطئة فقط ويختارون خيارات سيئة، بل إنهم يفتقدون المقدرة على استيعاب أخطائهم.

في دراسة امتدت فصلًا دراسيًا كاملًا على طلاب الكلية، فإن الطلاب المتفوقون يستطيعون التنبؤ بأدائهم في الإختبارات المستقبلية بطريقة أفضل عندما يُقدّم إليهم تقييمًا حول نتائجهم ودرجاتهم. لكن الطلاب ضعيفو المستوى لم يظهروا أي تميّز على الرغم من وجود تقييمات متكررة على أدائهم. فبدلًا من أن يتفكروا في أدائهم وطرقهم الخاطئة، أو يشعروا بالحيرة والإرتباك تجاهها، فإن هؤلاء الناس دائمًا مايصرون بأن طرقهم هي الصحيحة. هذا يذكرنا بما كتبه تشارلز داروين في نشأة الإنسان، عام ١٨٧١: ”إن الجهل يُولد الثقة على نحو أكثر مما تفعل المعرفة“.

من المثير أن نعرف بأن الأذكياء يفشلون أيضًا في تقييم مقدراتهم. فكما أن الطلاب الحاصلين على درجات (دي) و(إف) بالغوا في الرفع من قدراتهم، فإن الطلاب المتفوقين الحاصين على (اي) استخفوا بقدراتهم. وجدا دننق وكروقر أن الطلاب المتفوقين- الحاصلين على أعلى الدرجات المعرفي.- قد بخسوا من كفائتهم النسبية. ظن هؤلاء المتفوقون بما أن هذه المهام المعرفية كانت سهلة بالنسبة إليهم فإنها لابد أن تكون كذلك أو أسهل بالنسبة إلى الآخرين.
وهذا مايُسمى ب“متلازمة المخادع“ وهي عكس تأثير دننق كروقر: حين يفشل المتفوقون في إدراك مهاراتهم فيظنون أن الآخرين لديهم نفس القدر من الكفاءة. يكون الإختلاف هنا أن المتفوقين أو الأكفاء هم أشخاص يستطيعون تغيير هذا التقدير الذاتي عندما يُقدم إليهم تقييمًا مناسبًا لهم، بعكس هؤلاء غير الأكفاء الذين لا يستطيعون ذلك.

العبرة من هذه المقالة أننا لا نريد أن نصبح مثل سارق البنك. في بعض الأحيان نحاول تجربة أمور تقودنا إلى نتائج ممتازة، لكن أحيانًا- مثل فكرة عصير الليمون- تكون طرقنا غير مجدية، غير عقلانية، أو حتى غبية. الحل أن لانسمح لأنفسنا بأن نكون مخدوعين بأوهام التفوق، وأن نتعلم إعادة تقييم كفاءاتنا بطريقة صحيحة. كونفوشيوس قال ذات مرة ”المعرفة الحقيقية هي معرفة مدى جهلنا“.


تدوينة ترجمتها عن مقالة كتبتها Kate Fehlhaber
بعنوان

Studies find high achievers underestimate their talents, while underachievers overestimate theirs