خلال عشر سنوات، قرأتُ مئات الكتب وأجريت مقابلات وظيفية لأكثر من ٧٠٠ شخص. كانت الدوافع الأساسية في وظيفتي هي أنني أبحث عن الأجوبة. لدينا نكتة نتداولها في مقر عملي- بودكاست (انمستيكبل كرييتف)- أن اختياراتي للمواضيع عادة ماتكون انعكاسًا لمشاكل أحاول حلها في حياتي. لحسن حظي، يبدو أن أغلب المستمعين لنا هم أشخاص مهتمون بنفس هذه المشاكل.
لكن إن كان هناك أمر أجده واضحًا بالنسبة لي، فهو أن العديد من المهارات الحياتية التي كان يجب علينا أن نتعلمها في المدرسة، لم نتعلمها للأسف. لا أستطيع أن أتجاهل فكرة كيف كان سيختلف وضعي عندما كنت أدرس في الجامعة، أو في وظيفتي أو في علاقاتي لو كانت لدي نفس المهارات الحياتية التي أحملها الآن في عمر ال٣٩ سنة.
نموذجنا الحالي في التعليم ليس قديمًا، لكنه ليس مفيدًا. ففي عالم تستطيع أن تحصل فيه على المعلومات من كل مكان، تكون قيمة حفظ المعلومة هي اجترارها: اجتياز الإمتحانات ومن ثم الحصول على درجات ممتازة، وهذا كله يقلل من قيمة المعلومات. يقول (تشايس جارفيز) أننا نعيش في عالم يتجه فيه الناس إلى العمل في عدة وظائف، عالم يكبر فيه الأطفال ليعملوا في ٥ وظائف في آن واحد. لكن النموذج الحالي للتعليم من أجل إعدادهم لهذا المستقبل ليس له وجود. فإذا كان الهدف من التعليم هو جعلنا أشخاصًا نافعين، سعداء وأصحاء، فهذا الهدف فاشل إلى درجة بعيدة.
عندما بدأتُ في كتابة هذا المقال، سألت الناس في حسابي على فيسبوك عن المهارات الحياتية التي كان يجب أن نتعلمها في المدرسة، ولكننا لم نفعل. لم أحصل فقط على إجابات لهذا السؤال، بل واتضح لديّ أن هناك ٣ محاور تدور حولها هذه الإجابات:
١- الإهتمام بصحتك النفسية:
في مطلع عام ٢٠٠٧، قامت الفتاة التي أواعدها خلال شهرين بالإجهاض بعد علاقة عاصفة تعبت فيها نفسيتي كثيرًا حتى كدت أن أطرد من وظيفتي، ورُفضت من قبل كليات الأعمال التي قدّمت عليها للدراسة فيها. كانت هذه الفترة من أقسى الفترات في حياتي.
لم تتحسن نفسيتي عندما حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (بيبرداين)، فقد وجدت نفسي بعدها عاطلًا عن العمل، وأعيش مع والديّ في سن ال٣١، بينما كانت أختي تدرس الطب بعد حصولها على معدل دراسي مرتفع. شعرتُ بأن أختي كانت مصدر فخر لعائلتي بينما كنتُ بالنسبة إليهم مصدر إحباط وخيبة. كان هذا اختبارًا كبيرًا لقدرتي على الإهتمام بصحتي النفسية وكان أيضًا محفزًا لمسيرتي في بناء مشروعي بودكاست (انمستيكبل كرييتف) خلال العشر سنوات الماضية وجعل هذا المشروع على ماهو عليه الآن.
الإهتمام بصحتنا النفسية أمر مهم حتى نتمكن من العيش في هذا العالم الزائل -كما يسميه أحد أساتذتي-. يجب علينا أن ندرك كيف نتعامل جيدًا مع أوقات الشدة والرخاء، وأن لانقيّد أنفسنا بالأحداث والظروف الخارجية، وأن نظهر في وسط العالم كأشخاص فعّالين، غير متحطمين من الداخل.
لكن لاشيء من هذا تعلمناه في المدرسة. بل على العكس، فإننا نحكم على الطلاب من درجاتهم وقبولهم في الجامعات القوية. وهذا الحكم يلاحقنا كأشخاص بالغين. نطارد أنفسنا من أجل الحصول على وظائف ممتازة، وعلى المزيد من المال، وعلى شركاء أفضل. لكننا لا نبذل جهدًا في تعليم الآخرين كيف يديرون علاقاتهم مع أنفسهم، وهي العلاقة الأكثر أهمية في حياتهم.
مهما كان الأمر الذي تود بلوغه، سواء كان البدء في مشروع أو الدخول في علاقة عاطفية، أو الإنتهاء من عمل إبداعي، يجب عليك أن تتعلم كيف تهتم بصحتك النفسية. في هذه المقالة، قسّمت إدارة الصحة النفسية إلى التصنيفات التالية:
تقدير الذات واحترام الذات:
كيف؟ احترام وتقدير الذات يتشكلان بسبب عنصر خارجي. فبعض الناس يشعرون بتقدير الذات عندما يترقون في الوظيفة، أو بتصدر كتابهم لأن يكون الأكثر مبيعًا، أو ببيع مشروعهم الريادي. وعند البعض الآخر، يشعرون بتقدير الذات مع شريك الحياة. لكن طالما أنك تحاول أن تملأ الفراغ بشيء خارجي، فإنك بذلك تحاول أن تملأ حفرة لا قعر لها: عندما تحل مشكلة، تظهر مشكلة أخرى.
في السنوات اللي كنت أبني فيها مشروع (انمستيكبل كرييتف)، انتقلتُ من منزل والديّ أخيرًا، والذي كان بالنسبة إليّ مشكلة واضحة ينصب تركيزي عليها. انتقلتُ إلى مسكن يبعد عن الشاطيء بحوالي دقيقتين – وهذا أمر كنت أرغب به منذ أن حصلت على فرصة هناك قبل ٩ سنوات. حصلت على وظيفة جعلتني متحدثًا أسافر بين المدن، ومنحتني الفرصة لأن أدوّن كتابي الثاني مع توفر ناشر له. لشهرين، كنت في سعادة غامرة، فمشكلة الوظيفة قد حُلت أخيرًا ولكن ظهرت مشكلة أخرى، العلاقات العاطفية.
فعندما كان عيدميلادي ال٤٠ يقترب، شعرتُ بضغط هائل من أجل البحث عن امرأة مناسبة. لكن خلال هذه العملية، سلّمت تقديري الذاتي إلى شأن خارجي، وهو تقبل الجنس الآخر لي. هذا النمط سيتكرر كثيرًا في حياتنا حتى نتوصل أخيرًا إلى حقيقة مفادها أن تقدير الذات يجب أن لا نحصل عليه من العوامل الخارجية. فطالما أننا نبحث عن احترامنا لذواتنا عن طريق أمر خارجي، فسيكون هذا الإحترام متذبذبًا على الدوام.
”الثقة الحقيقية هي أن تستثمر في إدراكك لذاتك بدلًا من إدراك الآخرين لك“ – مارك مانسون
يجب أن لا يكون ”كيف ينظر الآخرون لنا“ هو العامل المحدد في تقديرنا لذواتنا. وكما قال أستاذي، نك نوتاس، عندما سألته عما إذا كانت مقابلة فتاة أخرى تجعلني أنسى النساء اللواتي لم تنجح علاقتي معهن ”نعم ستنسى، لكنك ستظل تجري وراء تقدير الذات من خلال عامل خارجي، وسيصبح ذلك مثل إدمان المخدرات. فإذا لم ينجح الأمر، فإنك ستعود حتمًا إلى نقطة البداية“.
هناك أشياء قليلة في الحياة أكثر تحررًا من التخلي عن حاجتك إلى أن تكون محبوبًا من الجميع. هذا الأمر ليس مستحيلًا فقط وخارج عن إرادتك، بل مرهق للغاية.
عندما تتخلى عن هذه الفكرة، سيحدث أمران:
١- ستتوقف عن إضاعة وقت ومجهود كبيرين.
٢- ستصبح علاقاتك مع الناس في حياتك أكثر عمقًا وجودة بشكل كبير.
ستصبح شخصًا لايعتذر كثيرًا ويبرر للناس ماتفعله، شخصًا أفضل مما عليه الآن. وهذا في المقابل سيزيد من تقديرك لذاتك لأن قيمتك لا تعتمد على ما الذي يتقبله أو لا يتقبله الناس منك. سيصبح سلوكك ”هذا أنا، تقبلوني أو ارفضوني. إذا رفضتوني فذلك لأن الوظيفة ليست مناسبة لي، وكذلك تلك العلاقة وذلك الشخص الخ.
تقبل ذاتك وكونك شخص ممل بالنسبة للناس:
”عندما يكون مظهرنا الظريف أمام الناس أهم بالنسبة إلينا من إظهار ذواتنا الشغوفة والساذجة والمحبة، حينها نحن نخون أنفسنا“.
تقبل الذات يعني التحلي بالشجاعة لأن تظهر كشخص غير مزيف، قابل لأن تكون مخطئًا. كما يعني أنك لا تختبئ خلف أقنعة تخفي سلوكياتك الغريبة. حينها ستجد العالم أصبح أكثر خفة. أما الناس الذين لا يتقبلونك فهم ليسوا مهمين لأن تقبلهم لك لايحدد ماتعتقده عن نفسك. أنت تختار من ترى رأيه مهمًا بالنسبة لك.
لانتعلم هذا الأمر في المدرسة. والنتيجة هي أن الأطفال الذي لايحسون أنفسهم محبوبين من قبل الناس يجدون أنفسهم مضطرين للإستمرار في المدرسة.
ستتعجب كثيرًا من كمية المجهود الذي نبذله من أجل أن نكون ”ظريفين“ ومقبولين أمام الناس. نختار صورنا في انستقرام بعناية، وكذلك كلماتنا في فيسبوك. نحن حذرون في اختياراتنا حتى لا نُتهم بأننا أشخاص عاديون. لكن المجهود الذي نبذله حتى نكون جذابين، هو مجهود كبير للغاية. وللأسف، لا نتعلم في المدرسة كيف نتقبل قصصنا التي من الممكن أن تكون مملة. في الحقيقة، تعلمنا المدرسة كيف نبحث عن رضا الناس الذين لا تتربط آرائهم بحياتنا.
أدركت الآن أننا كلنا أشخاصًا مملين. سواء كنتِ أجمل فتاة في المدرسة، أفضل لاعب في الفريق، أو أكثر شخص يحصل على ترقية في وظيفته، كلنا ذلك الشخص الممل.
سيتطلب الأمر إلى مزيد من الشجاعة لتكون مملًا في نظر الناس، عندما تسقط الأقنعة التي نلبسها. كونك شخص ظريف أمام الناس له ضريبة كبيرة، تحتاج لأن تعيش وفق توقعات الآخرين عنك. لكن كونك شخصًا مملًا تأتي معه الخفة التي تحررك من هذه التوقعات.
”عندما تتقبل نفسك ستجذب الآخرين ليتقبلوك كما أنت. لكن عندما تحمل عن نفسك فكرة تقلل من ذاتك، سيوافقك الآخرون على ذلك“.
الحدود:
الخوف من إزعاج الآخرين أو إحباط شخص ما، يجعلنا نزيل حدودنا أمام الناس، فنتحمل تصرفات لانحبها، ونجعل الآخرين يتعرضون لنا ويحتقرونا. عندما لا تضع حدودًا للآخرين هذا يعني أنك تفتقد إلى احترام الذات. الحدود القوية تغيظ بعض الناس، لكن تجعلنا في مواقف أقل ضررًا لصحتنا. الحدود القوية تدعم تقديرنا للذات.
القناعة:
في ثقافتنا، نجد أنفسنا مهووسين بفكرة أن هناك شيء نفتقده في حياتنا، ويجب علينا حينئذ أن نصل الفراغ بين توقعاتنا والحقيقة حتى نكون على مايرام وهذا ينبع من اعتقادنا أننا ناقصين وهناك أمور تنقصنا، فتصبح النتيجة أننا نحاول أن نملأ الفراغ في حياتنا والحفر التي في قلوبنا بأمور خارجية. عندما تكون نظرتنا إلى العالم أن هناك شيئًا ما يجب أن نغيره من أجل أن نصبح أفضل، سيحركنا النقص بدلًا من القناعة، لنكتشف بعدها أنه ليس هناك شيء أو شخص ما يستطيع أن يملأ هذا الفراغ. سنشعر دائمًا بالنقص بطريقة أو أخرى.
لكن عندما تتغير نظرتنا واعتقاداتنا إلى فكرة أننا مكتفين بذواتنا، ولدينا مانحتاجه، وليس هناك أي شيء ينقصنا، سندرك حينها أن ليس هناك مصدر نستطيع أن نكتفي منه.
أعطي الأولوية لسعادتك:
عندما نقدّم سعادة الآخرين على سعادتنا، فإننا نقدم لنا ولهم خدمة سيئة للغاية. لسنا على حقيقتنا، وهذا الاستنزاف سيقودنا إلى طريق مسدود. عندما نضحي بقيمنا ومبادئنا في الوظيفة التي نتقدم لها، أو الشخص الذي نحبه، أو الصداقات في حياتنا، أو حتى المشاريع فإننا نخسر طاقاتنا ونفقد سعادتنا. وفي بعض الأحيان، يصبح التخلي عن الأمور أو الأشخاص الذين لايستحقونا هو مايجلب لنا السعادة الحقيقية ويجعلنا نكتشف ذواتنا الحقيقية. إن إرادة التخلي ليس له علاقة بالعناد لكنه إلتزام بالقيم والمبادئ. إذا لم نكن واعيين، فإن تضحياتنا ستتحول في النهاية إلى غضب حقيقي.
عالج سلوكك:
لا نتعلم في المدارس معالجة السلوك أو الطرق التي نتخذها. فالعلامات المدرسية هي التي تقرر أنك طالب متفوق في مادة معينة. وهذا القرار المؤقت يصبح قرارًا دائمًا، وينتج عنه فيما بعد توقعات وحسرات وتعلقات غير صحيحة. وفي أسوأ الحالات، يجعل الأشخاص لا يتخذون أي قرار على الإطلاق. وحدهم الأشخاص الناجحون هم من يركزون على الطريقة لا على النتيجة.
عندما تعمل على معالجة السلوك، فإن النتائج تتفوق على توقعاتك لأنها تسمح لك بمعاينة التقدم الذي تحرزه، فترفع من معنوياتك، وتخلق لك دائرة من النشاط تعطيك طاقة دائمة.
حب الذات والإهتمام بالذات:
حب النفس والإهتمام بها يبدأ من تقبل الشخص لذاته والتسليم لظروف الحياة. بالطبع هناك فرق بين التسليم والاستسلام، فالتسليم يأتي بسبب التقبل والإكتفاء. أما الاستسلام فإنه بسبب المقاومة والنقص. عندما يكون نقد الذات مؤلمًا ودائمًا، فإنه يجعلنا نعيش في حياة غير منجزة. يجب أن ندرك السؤال الذي قالته ”آنا يوسم“ في كتابها ”مُنجز“:
”هل نتج عن هذا النقد الذاتي أي تغييرات إيجابية دائمة في حياتك؟“
عندما تفعل ماتستطيعه لتجعل علاقتك مع ذاتك رائعة، فإن هذا يعزز من تقديرك ولإحترامك لذاتك. وهذا يعني أننا يجب أن نضع الإهتمام بالنفس أولوية في حياتنا ونستثمر في ذواتنا.
الإهتمام بالذات لايرتكز فقط على الطعام الصحي والرياضة المستمرة. لكنه أيضًا يدور حول فعل أمور تجلب السعادة لنفسك. سمعت مرة من المعلم الروحي أنه قد يصبح تدخين سيجارة وشرب كأس من الويسكي من الإهتمام بالذات عندما تقرر ذلك. بالطبع لا أشجع على فعل هذا الأمر، لكن في بعض الأوقات قد يكون الإهتمام بالذات يعني أن تصرف ٢٠٠ دولار على بنطلون جينز أعجبك، أو الذهاب إلى صالون للحلاقة، أو لقص الشعر.. الإهتمام بالذات هو مزيج من الأنانية النافعة.
أعرف جيدًا أنني شخص أسعد عندما أمارس رياضة ركوب الأمواج أو التزلج على الجليد. عندما أتحدث عن الإهتمام بالذات، فهاتين الهوايتين هما أمران غير قابلين للتفاوض. وبسببهما، أقدمت على مغامرة هذه السنة: حجزت رحلات متعددة من أجل التزلج على الجليد وكذلك رحلة لركوب الأمواج في سيرلانكا.
علاقتك مع ذاتك هي الأساس المتين لمقدرتك على التحكم بنفسيتك. اجعلها من أولوياتك وأحبب ذاتك كأن حياتك تعتمد على ذلك.
المرونة:
تمر عليك أوقات في حياتك تفشل فيها في اختبار ما، أو يخرج من حياتك شخص لم تتوقعه، أو أن تُفصل من عملك، أو تخسر شخصًا تحبه. هناك مرات قليلة في الحياة يكون فيها من الضروري أن تحب نفسك. عندما تقع في مصيبة، أو تصاب بخيبة أمل، أو تمر بنكسة، وقتئذ تكون في أسوأ الظروف وأصعبها، لأن نقدك لذاتك حينها يكون قاسيًا- تتفكر كثيرًا ماالذي كان بإمكانك أن تغيره في الماضي. في النهاية تتعلّم من أخطائك، لكن يجب عليك أن تدرك أن فشلك لايحدد من أنت. فطالما ترى أن الفشل هو من يحدد الشخص، ستعاني كثيرًا.
نعتقد دائمًا أن الفشل هو من يحدد من نحن.. نحن من نجعل هذا الأمر المؤقت أمرًا دائمًا. نحن من نتخذ الرأي السلبي عن أنفسنا ونتخيله حقيقة.
-إذا كان هناك شخص لايحبنا، نعتقد أن كل الأشخاص كذلك.
-إذا كانت هناك وظيفة لم نحصل عليها، نعتقد أننا لن نحصل على أي وظيفة بعدها.
-إذا أخذنا درجات سيئة، نعتقد بأننا أغبياء.
يجب علينا أن نتذكر الدرس الذي علمني إياه أستاذي والذي أتذكره على الدوام ”ظروفك المؤقتة هي ليست شخصيتك الدائمة“.
المصيبة هي واحدة من الإختبارات المهمة لتقدير الذات.
لحسن الحظ، نستطيع أن نتخلص من مصائبنا في النهاية. قبل أيام قليلة قرأت هذه المعادلة التي ألفها ”دان هاريس“ في كتابه ”التأمل، للمتشككين المتململين“
المعاناة= الألم x المقاومة
وأدركت حينها أنني وبشكل دائم أفعل كل شيء من أجل مقاومة الألم الذي أحس به كأن أخدّره عن طريق الكحول أو المخدرات. لكن مع الألم والمصيبة، يكون العلاج في بعض الأحيان هو العبور من خلالهما. أحبب ماسيؤدي بك الطريق، ابحث عن الفرص في الخسارة، واعتبر النهايات هي بدايات جديدة. تجبرك المصيبة على الإعتراف بالحقائق المؤلمة، لكنك في النهاية ستخرج منها أقوى وبشكل أكمل.
٢- التعامل مع الجنس الآخر:
في الصف الخامس الدراسي، يتعلم الأطفال كيف تسبح البويضة من خلال المايكروسكوب. وهنا فقط تتعلم كيف تتعامل مع الجنس الآخر. أما إذا كنت محظوظًا، فلديك والدان يتحدثان عن هذا الموضوع.
أما إذا لم تكن كذلك، فسوف تجد نفسك وحيدًا خاصة عندما تعجبك الأستاذة أو تنجذب لشخصية مشهورة مثل سندي كروفورد. إذا كبرت في التسعينات، فسوف تتذكر كيف كان مرجعك هو ثقافة فن ال“بوب“ من خلال الإعلام.
كنت هذا الشخص لأنني لم أجد مثالًا للعلاقات العاطفية. تزوج والديّ زواجًا تقليديًا. لم يعلمني والدي الرومانسية، لذلك اعتمدت على أفلام دزني ونسختها عن الرومانسية. وبالطبع لم يقودني ذلك إلى علاقات مثمرة.
التعامل مع الجنس الآخر أمر مهم لبقائنا ولصحتنا، ومن العجيب أننا لا نتعلم ذلك في المدرسة. بل على العكس، نُترك هكذا نتعلم من التجارب والأخطاء أو نجرب وسائل أخرى لحل مشكلاتنا.
في آخر المقابلات التي أجريتها، سألني صديقي ”كي هي“ عن مراهقتي، وأيام الكلية، والسنوات الأولى من عمري في العشرين. أخبرته أنه ليس هناك ما أقصه عليه، لم يكن لدي صديقة في المدرسة، أو في الجامعة أو حتى في السنوات الأولى من عشرينياتي. عندما سألني كيف شخّصت ذاتي أخبرته بأنه كان لدي مشكلة ما، وقلت له: قضيت ٤ سنوات في الجامعة بين طائفة أصبحت تُعرف فيما بعد بالذئاب البشرية هدفهم فقط التعرف على الفتيات لإقامة علاقات جنسية معهن. هذا الأمر جعلني أشعر بالعار لفترة طويلة.
لكنني كلما أتحدث إلى رجال آخرين، كلما اكتشفت أن هذه الطائفة كانت بطاقة دخولهم إلى التطور الذاتي. من المحتمل أن هؤلاء الرجال هم أشخاص كانت لديهم نية حسنة، فالعديد منهم يريدون أن يصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، ويدخلوا في علاقات عاطفية مثمرة، وليس اصطياد أكبر عدد من النساء. لكن قائد المجموعة هذه كان ذو كاريزما على الرغم من كونه إنسان متلاعب، وحينها تتحول النوايا الحسنة إلى سلسلة من العواطف المدمرة.
لايستطيع شخص أن يلوم الرياضي باستعانته بمدرب الرياضة من أجل تطوير لعبه. ولايستطيع إنسان أن يلوم رجل أعمال بتوظيفه شخصًا من أجل أن يساعده في زيادة دخله. لكن عندما يتعلق الأمر بتطوير عاداتنا الإجتماعية أو قدرتنا على التعامل مع الجنس الآخر، فهناك مقدار كبير من العار نشعر به. الإعتراف بأنك تحتاج إلى مساعدة شخص في حياتك يجعلك تشعر بأنك إنسان عاجز. نميل إلى التغاضي عن نتائج الإستثمار الحياتية بسبب الشعور بالعجز والخجل وبدلًا من ذلك، نلوم القدر وسوء الحظ والخ.
أن تفعل شيئًا مماثلًا لعدة مرات ثم تتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة فهذه حماقة. فبعد مرور سنة على مواعدة نساء لم أفلح في التقرب إليهن، استعنت بشخص يُدعى ”نيكي نوتاس“ في إدارة صحتي النفسية والتعرف على قيمة ذاتي في مختلف الظروف.
وبما أننا ندرك أن علاقاتنا الإجتماعية هي خير مؤشر على سعادتنا وصحتنا، لماذا لا نطلب مساعدة الآخرين؟ ولماذا لا يعلّمونا ذلك في المدرسة؟
أنصحك بمشاهدة الفيلم الوثائقي لمايكل مور ”وير تو انفيد نكست، ماهو المكان القادم الذي سنغزوه؟“ وركزّ جيدًا كيف تُعلّم المدرسة الفرنسية الأطفال عن الجنس. فبدلًا من مشاهدة حيوانات منوية تسبح في الشاشة، يتعلمون كيف تكون تجربتهم الجنسية الأولى ممتعة. تناقشت مع ليلى مارتن حول بيولوجية وسيكولوجية الجنس، وقالت لي الآتي:
”بالنسبة إلي، فإن لدينا وباء جنسي شائع لا يتحدث عنه الناس. لدينا الإدمان على الإباحية، وخلل في ممارسة الجنس، وتجد أن بعضهم لا يمارسون الجنس خلال فترة زواجهم الطويل، صدمات جنسية، عنف جنسي.. الخ. الإنزعاج من ذلك هو مجرد جزء بسيط يظهر لنا، ليس لدينا أمثلة صحية عن الجنس. وليس لدينا أشخاص يتناقشون عن هذه الأمثلة وكيف يمارس الشخص الجنس بطريقة صحية. بل وإننا أيضًا نقمع الحديث عنه في مجتمعنا. ليس بإمكانك الحديث عن الجنس والإعلان عن هذا الحديث في فيسبوك مثلًا، وليس بإمكانك أن تتحدث عنه وتحصل على وظيفة في السي إن إن. من الجنون أن يكون هذا الأمر تحت القمع رغم احتياجنا له“.
وكنتيجة لعدم تعلم هذا الأمر في المدرسة أو تعلمه بطريقة خاطئة، نجد رجالًا يتصرفون بحماقة، ونساءً يعاملونهن باحتقار، ونحصل بعدها على أزواج غير متكافئين.
٣- المال
ماهي الحكاية التي تخبرها لنفسك عن المال؟
”المال هو حكاية الفلاحين الذين يجنون ٣ دولارات في اليوم، وموظفي البنوك الذين يحصلون على ٣ دولارات في الثانية“.
سيث جودن
هناك أمور ضئيلة في الحياة تُحدث تغييرًا عاطفيًا في الناس كما يُحدثه المال. ندرك أن المال ضروري من أجل مقومات الحياة الأساسية، نحتاجه لابتياع الطعام والمسكن. لكن لا نفكر في المال كحكاية، فإذا سألت الناس عن المال، فستكتشف فورًا أن لهم حكايات معه. كبرنا أنا وأختي بحكايات مختلفة مع المال بسبب اختلاف وظائف والديّ عندما كنت طفلًا ثم بعدها عندما أصبحت أختي طفلة. كان يُقال لي أنني لا أستطيع شراء أمور معينة لأنه ليس لدينا المال الكافي لشرائه. في المقابل، زوّدني والديّ بكل شيء استطاعا أن يشتريناه في حدود قدرتهم المادية (باستثناء لوح تزلج). عندما كبرت أختي، تحسّنت أمورهما المادية وبالتالي أُعطي لها أكثر قليلًا مما اشتريا لي عندما كنت في عمرها. هذه الحكاية قادتني إلى عادات استهلاكية مدمرة للغاية في بداية العشرين من عمري. استهلكت الكثير من المال. أردت تعويض كل شيء لم يستطع والداي أن يشترياه لي عندما كنت صغيرًا. اشتريت زوجين من الحذاء من ”اير جوردان“ لأنني لم استطع الحصول عليه في طفولتي. كنت سيئًا في لعب كرة السلة، ولم ألعبها مرة أخرى في الصيف بعدما اشتريت الحذاء. كانت حياتي تدور حول تراكمات سابقة وفضّلت أن أحصل على الأكثر بدلًا من أن اهتم بالجودة. مررت ببعض المحن وبذلت الكثير من المجهود حتى أغيّر هذه الحكاية مع المال. أما هذه الأيام فأستطيع أن أقول أنني بشكل ما شخصٌ يكتفي بالحد الأدنى من الماديّات ”مينمالست“، لكن عندما أشتري أغراضًا فإنني أضع حدودًا للكمية التي اشتريها ولا أمانع إن بذلت المزيد من المال من أجل الحصول على جودة ممتازة.
هناك مفارقة غريبة عندما تُفضّل الجودة على الكمية. فالأشياء التي تشتريها قد تكون غالية الثمن، لكنك في النهاية تبذل مالًا أقل لأنك تشتري لمرة واحدة وليس لمرات عديدة ولفترة طويلة. على سبيل المثال، قد تشتري حذاء غاليًا من فيراجامو ب٥٠٠ دولار. تشتريه لمرة واحدة ولكنه يظل معك ل١٠ سنوات قبل أن تحتاج إلى حذاء آخر. هذا يعني ٥٠ دولارًا لكل سنة خلال ١٠ سنوات. تفضيلك للجودة يسمح لكل غرض حولك لأن يصبح شيئًا مقدسًا له قيمة.
في أحد المقاطع المفضلة لديّ من المحاضرات الصوتية لسيث جودن، عندما تحدث فيها عن كيفية تبسيط حكاية المال التي تخبرها لنفسك، وذلك عن طريق أن تصبح فاعلًا للخير. تصدّق في كل مرة تُسأل فيها للتبرع بمالك، اعطِ المال للمتسولين في الشارع. وكما يقول سيث ”كيف تستطيع أن تصبح ذلك الشخص الذي يُعطي بخشيشًا مقداره ٢٠٪ من أجل كوب قهوة يكلف ٦ دولارات وتتحدث عن المال؟“.
- تبرعت بشرى أزهر ب١٠٪ من مالها عندما أصبح دخلها ١٠ دولارات في الشهر، وحافظت على هذه النسبة حتى بعد أن ارتفع دخلها ليُصبح ١٠ آلاف دولار في الشهر.
- اعتقد براين كوهن أنه من أجل الحصول على المال يجب علينا أن نهدر الدم ونذرف الدموع ونتصبب عرقًا، ولكنه لم يحدث شيء من هذا القبيل. بل ذهب إلى أحد المكاتب المرموقة وخرج منها حاصلًا على شيك ب٥٠٠ دولار خلال أسبوع لأنه أتى بفكرة تجارية متميزة.
الحكاية التي تحكيها لنفسك عن المال ستؤثر في مقدار المال الذي ستحصله، والمقدار الذي تود بذله، والكيفية التي ستصبح من خلالها كريمًا بما تملك، وكيف ستكافئ نفسك بهذا المال. قد يكون سخيفًا لدى البعض أن فكرة السعي وراء المال هي فكرة روحية، لكنها بالتأكيد هي رحلة داخلية أكثر من كونها مادية فقط.
إذن، ماهي الحكاية التي ستخبر بها نفسك عن المال؟
الشعور بالنقص:
نجد أن من بين كل تفاعلاتنا -المتشكلة بسبب المجتمع- مع الحياة، هناك التفاعل الأكثر سُمِّية: الشعور بالنقص. الشعور بالنقص يجعلنا نتخذ قرارات سيئة في كل أنماط حياتنا:
- إذا شعرنا بأن المال ينفد، سنفقد صبرنا. وفقداننا للصبر ينتج عنه عواقب وخيمة. يحدث هذا كل مانتقدم في العمر، نشعر بأن الوقت يضيع من بين أيدينا. لن نستطيع أن نتخذ قرارات ممتازة في الحياة إذا شعرنا بالقلق من نفاد الوقت.
- إذا شعرنا بأن الفرص الوظيفية شحيحة، سنقبل بوظيفة نكرهها ونكون تحت رحمة أصحاب عمل لايقدروننا.
- إذا شعرنا بأن الأشخاص المتاحين أمامنا من الجنس الآخر هم قلة، سيكون خيارنا ناتج عن اليأس. سوف نقايض بقيمنا التي رسمناها لأنفسنا، ونصبح في علاقات مسمومة يغلب فيها التنازل والتضحية بدلًا من الإستقرار. نجري وراء الأشخاص عندما يكون من الأفضل لنا أن نتركهم ونذهب بعيدًا عنهم.
أما العلاقة التي نتعامل فيها مع المال هي نتيجة مايسميه دان كيندي ”الشعور بالفقر“.
عندما نرى العالم من خلال عدسة النقص، تصبح الطريقة التي نرى بها العالم محدودة للغاية. من المستحيل أن نعيش حياة سعيدة عندما يكون النقص هو الشعور الذي نحس به عند رؤيتنا للعالم.
التحول من الشعور بالنقص إلى الوفرة والإكتفاء: يحدث هذا عندما نعرف كيف نتعامل مع المال:
طريقة دان كينيدي
في كتابه (No BS Wealth Attraction)، ينصح دان كنيدي بتتبع طريقة ال٩٠ يومًا:
- افتح حسابًا جديدًا في البنك، وسمّه بحساب الثراء. بعدها اتخذ قرارًا بتخصيص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لإيداعه في حساب الثراء. من الممكن أن تكون النسبة المئوية رقمًا ما بين ١٪ إلى ١٠٪، تظن أنك لاتستطيع فعل ذلك، لأنك تصرف كل أموالك على الفواتير، فكيف يتبقى لديك مبلغًا من المال لإيداعه؟ حاول أن تجرب، اختر نسبة مئوية، أودع المال، ولا تلمسه مهما حصل. وافعل ذلك كلما يأتيك دولارًا واحدًا. حتى لو كان هذا الأمر يوميًا. الطريقة التي تجعلك تودع مالًا في حساب الثراء تؤثر على اللاوعي لديك، لا يهمنا مقدار المال المُودع بقدر فعل الإيداع.
والآن يأتي فعل العطاء: وهذا شيء مهم، لأن كل الأغنياء يعطون. العطاء له تأثير عظيم على صحتك النفسية. لذلك افتح حسابًا آخر وسمّه حساب العطاء، وخصص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لتودعه في حساب العطاء.
اتبعتُ نصيحة كينيدي منذ أن قرأت الكتاب، ووجدت أنه في كل مرة أتبرع فيها بمبلغ من المال يأتيني المال أضعافًا مضاعفة. لا أعرف لماذا، لكنني توقفت عن التساؤل.
بخشيش ال١٠ دولار:
قدم لي صديقي جوزيف لوقان نصيحة بسيطة قبل عدة أشهر عندما كنا نتناقش كيف أن الإنسان يتغيّر من الشعور بالنقص إلى الشعور بالوفرة.
من الممكن أن يبدو هذا التمرين مُهدرًا للمال، لكنه من أسرع الطرق لحل فكرة أن المال يجب أن يكون متوفرًا لنا بكميات محددة. خذ من مالك مبلغ ١٠٠ دولار ثم قرر كيف ستوزعه كبخاشيش مقسمة إلى ١٠ دولارات. في البداية، سوف تلاحظ السعادة على الأشخاص الذين حصلوا على ١٠ دولار كإكرامية. عندما أُعطي النادلة ١٠ دولارات على كوب من القهوة في ستاربكس قيمته ٦ دولارات أجدها سعيدة للغاية.
بعد ذلك، سوف تشعر بإحساس جميل لأن هؤلاء الأشخاص أصبحوا سعداء، وبالتالي سوف يمتلئ الإحساس بالوفرة لديك. وكلما تعزز هذا الإحساس سوف تجد الفرص متوفرة في كل مكان لتعويض هذا المال. إذا أحسست بأن هذا الأمر صبياني، جربه بنفسك. من الممكن أن تصرف ١٠٠ دولار أو حتى ألف دولار.
تكلفة الفرصة البديلة (ثمن اختيار خيار واحد على حساب ترك الخيارات الأخرى):
في مقالة شرحت فيها عن ”خمسة أمور تخليت عنها حتى أكون ناجحًا“، كتبت أن هناك ”تكلفة فرصة بديلة“ لكل شيء. خلال أولى السنوات التي قضيتها في عملي ”انميستيكبل كرييتف“ كان ثمن الفرصة البديلة هو مقدار ماكنت أجنيه من الأرباح في اليوم الواحد حتى أتمكن من زيادة دخلي خلال فترة معينة… لكن هذا لاينطبق على الوظائف فقط. هناك تكلفة الفرصة البديلة لكل شيء في حياتنا.
- تتفكر ما إذا كان يجب عليك دفع التأمين على سيارتك الجديدة. فال١٠٠ دولار لاتجعلك مطمئن البال فحسب، بل قد توفر عليك أموالًا طائلة قد تصرفها فيما بعد.
- البحث في كل المحلات التجارية من أجل توفير دولار واحد يجعلك تشعر بأنك مستهلك واعي، لكن تكلفة الفرصة البديلة هي وقتك والبنزين معًا.
- قد يكون من الأرخص لك أن تركب بنفسك رف الكتب من ايكيا، لكن إذا كان هناك شخص يستطيع أن يركبه لك في ساعة واحدة بدلًا من أن تقوم بتركيبه أنت خلال يوم كامل، فتكلفة الفرصة البديلة ليست وقتك فحسب، بل وراحة بالك أيضًا.
إن أردت أن تُدير وقتك بطريقة أكثر كفاءة، اشتره بالمال!
إذا كنت مثل أغلب الناس، فإنك لم تتعلم معظم هذه الأشياء في المدرسة. لكنك وبفضل الإنترنت- تستطيع أن تتعلم التالي:
- الإستماع إلى بودكاست يعلمك كيف تنظم حياتك النفسية من أحد أفضل العلماء في العالم..
- توظيف مدرب يساعدك في تطوير حياتك الإجتماعية وقدرتك على التعامل مع الجنس الآخر.
- التعلم كيف تدير مالك من مدونات اقتصادية رائعة على الإنترنت.
هذه هي الأمور الأساسية التي كان بإمكاننا أن نتعلمها عن الحياة في المدرسة ولكننا للأسف لم نحظى بذلك التعليم. هذا لا يعني أنك تأخرت في تعلمها، تستطيع أن تبدأ وتطور نفسك.
ترجمت هذه المقالة عن الإنجليزية:
What We Should Have Learned in School But Never Did