إن همّي قد نفى النوم عنّي .. وحديثُ النفس شيءٌ ولوع
تتجه إلى سريرك بعد أن يسكن الليل وينصرف الناس إلى فرشهم آملًا أن تحظى مثلهم بنوم عميق، لكنك تتقلب في فراشك وتتفكر في أحداث النهار وتباغتك همومك، فتقلبها في رأسك وتتذكر حماقاتك في إتيانك بأقوال أو تركك لأفعال. عندما تكون مرهقًا بعد يوم طويل، ووحيدًا مع نفسك فوق السرير حينها فقط تتكابل عليك الهموم والأحزان، وقد تصرعك فتمزق قلبك وتتسائل “ما الذي أفعله في حياتي؟” “هل لوجودي معنى أو فائدة؟” “لماذا أنا هنا؟ ولماذا صرت هكذا؟” العجيب أن هذا كله يختفي عندما تستيقظ، فهل كانت حاجتك إلى النوم هي السبب؟ يالضعف الإنسان!
في هذه التدوينة القصيرة سأستعرض باختصار بعض الطرق المفيدة للهروب من الأفكار الوجودية قبل النوم. قد يقول البعض أن هذه الأفكار التي تُعرض علينا قبل النوم مفيدة حتى يُراجع الشخص يومه ويُحاسب نفسه، أما أنا فأقول أنها طريقة عقيمة لأن التفكير قبل النوم لا يؤدي إلا إلى القلق والأرق، كما أن محاسبة النفس لاتصلح عندما يكون المرء في أضعف حالاته. يستطيع الإنسان أن يُقيّم أمسه في أول النهار عندما يكون مستعدًا وواعيًا في كامل قواه.
القراءة قبل النوم: وهذه من أجدى الطرق نفعًا للحصول على نوم هادئ وعميق. أما تصفّح الشبكات الإجتماعية من جوالك قبل النوم بحجة القراءة فهي وسيلة غير مجدية وقد تسبب الأرق إذ أنك تُركّز على الإنتقال مابين صفحة إلى أخرى والبحث عن أمر معيّن يُجذبك مما يعني القيام بمجهود صغير- وإن كان هذا المجهود صغيرًا للغاية فهو يظل مجهودًا-. الحل هو القراءة: قراءة رواية أو قصة صغيرة. قراءة الكتب الأخرى تحثك على التفكير وهذا مانريد أن نتجنبه، أما الروايات والقصص فإنها تُذكّرنا بالحكايات التي تُروى للصغار قبل النوم. قرأتُ العديد من الكتب على شاشة جوالي- أكثر من ٢٠ كتابًا- قبل أن أقرر أخيرًا شراء جهاز كندل. الجهاز صغير وخفيف ومُزوّد بإضاءة تجعلك تقرأ الكتب في الظلام بسهولة ووضوح. نصحتُ إحدى صديقاتي، والتي اشتكت من غزو الأفكار الوجودية قبل النوم، بأن تقرأ قبل أن تنام حتى يسقط لوح كندل من يدها، فلئن تقضي ساعة تقرأ خير لك من أن تخسرها في أفكار سلبية تضرك ولا تنفعك.
بعض النصائح التي قد تساعدك على النوم: – الإبتعاد عن شرب القهوة والشاي قبل ٨ ساعات من موعد نومك: لستُ من أصحاب القهوة، فقد يكون عدم اعتيادي على شرب القهوة هو السبب الأساسي للأرق لديّ عند تناولها في وقت متأخر. لكننا لا نختلف على أن مادة الكافيين هي منبه يجعلك متيقظًا شئت أم أبيت. حتى النوم بعد نهار قد شربت فيه قهوة لايشبه النوم الذي تحظى به في يوم خال من الكافيين.
– التوقف عن ممارسة أي مثير/نشاط عقلي قبل النوم: مشاهدة فيلم حزين أو فيلم رعب، الكتابة، الإنخراط في جدال.. كلها مثيرات تجعل عقلك نشيطًا من الصعب تهدأته، فكيف بممارستها قبل النوم؟ أذكر أن أنيس منصور كان يُعاني من الأرق -كتب مقالات في ذلك- إلا أن سبب أرقه في ظني هو تفكيره المستمر في الكتابة حتى أنه كان يضع قلمًا بجانب سريره يستخدمه في الكتابة كلما أتته فكرة نهض وكتبها.
– الرياضة | الحركة المستمرة خلال اليوم: ذكر ديل كارنيجي في كتابه الشهير “دع القلق وابدأ الحياة”، أن مجموعة من المصابين بالقلق قد وُضعوا في مزرعة ليمارسوا نشاط المزارع من الصباح الباكر، فلا يحل المساء إلا وهم يغطون في نوم عميق. لا أقصد أن تتجه إلى مزرعة وتبدأ في مباشرة العمل كمزارع حتى تظفر بنوم عميق، لكن الشاهد من ذلك أن الجسد النشيط هو أكثر قابلية للحصول على النوم هادئ من الجسد الكسول. وممارسة الرياضة قد تساعدك على التخلص من الأرق.
– الإستغناء عن القيلولة: من أكثر مسببات الأرق في الليل هي القيلولة وإن قصرت مدتها. لست بحاجة إلى قيلولة إلا إذا أردت أن تبقى متيقظًا آخر الليل، وهذا يحدث عادة إذا كان لديك أمرًا هامًا تعمل عليه في المساء، أو في إجازة نهاية الأسبوع وأيام العطل.
هناك بعض الوسائل الأخرى للحصول على نوم مريح، كالحصول على دش دافئ قبل النوم، والتأكد من مدى نعومة الفراش وبرودة الغرفة، بل أن بعضهم ينصح بالاستماع إلى “الإزعاج الأبيض (أو غير الضار؟)” للتخلص من القلق وهو إزعاج شبيه بصوت المكيف وعندما تكون بداخل الطائرة أو السيارة. هنا رابط مدته ١٠ ساعات على اليوتوب من هذا الإزعاج الأبيض:
عاش في بلاد الهند فنان شهير أحبه الناس بسبب لوحاته الرائعة اسمه (رانجا تشيلري)، واسم تشيلري في اللغة الهندية يعني سيد الألوان. كان يُلقّب برانجا جورو “المعلم رانجا”.
كان لدى المعلم رانجا تلميذ يُدعى راشيتشي، الذي بعدما انتهى من دراسته رسم لوحة رائعة وأحضرها إليه حتى يُقيّم أستاذه لوحته
“أستطيع القول بأنك فنان مبدع حقًا، لكن الناس في هذه المدينة هم من سيُقيم لوحتك. لذلك، أريد منك أن تأخذ هذه اللوحة إلى وسط المدينة فتضعها في أشد الأماكن ازدحامًا ثم تترك بجانبها قلمًا أحمرًا. اكتب ملاحظة بجانب اللوحة تسأل الناس فيها عن رأيهم تجاه عملك بأن يُحددوا بالقلم الأحمر المواضع التي لم تُعجبهم في اللوحة”.
فعل راشيتشي ما قاله أستاذه، وبعد أيام قليلة ذهب إلى وسط المدينة ليجد لوحته وقد امتلأت بالعلامات الحمراء حتى يكاد من المستحيل رؤية اللوحة. لم يكن بوسع راتشيشي الحزين أن يفعل شيئًا، لذلك قرر أن يأخذ اللوحة لأستاذه ويعلمه عن مدى إحباطه. نصحه المعلم رانجا أن يكف عن الشعور بالإحباط وأن يرسم لوحة أخرى، ثم يأخذها مرة ثانية إلى وسط المدينة في مكان مزدحم بالناس، ولكن من دون أن يضع بجانبها قلمًا أحمرًا بل فرشاة رسم ولوحة ألوان وألوانًا زيتية. أخبره أن يضع ملاحظة بجانب اللوحة
“أصلح المواضع التي لم تعجبك في اللوحة”. فعل راشيتشي ما نصح به أستاذه.
بعد أيام قليلة ذهب راشيتشي ليتفقد اللوحة، كان سعيدًا عندما رأى أن لا أحد قام بالتعديل على لوحته، أما الأدوات التي وضعها بجانب اللوحة فقد وجدها كما تركها. أخذ راتشيشي اللوحة وذهب بها إلى أستاذه الذي قال:
“عزيزي راشيتشي، في المرة الأولى منحت للناس فرصة لأن ينتقدوك. وعندما فعلت، انتقدوك بحدة أكثر مما تصورت. على الرغم من أن بعضهم لا يستطيع الرسم فقد انتقدوا لوحتك. لكنك في المرة الثانية أردتَ من الناس أن يُقيّموا أخطائك. بمعنى آخر، أردت أن يكون نقدهم بنّاء. ولكي يكون نقدك كذلك، تحتاج إلى أن تتعلم. لم يحاول أحد أن يصحح لك اللوحة، لم يتجرأوا لأنهم لا يستطيعون الرسم.
عزيزي راشيتشي، لايكفي أن تكون أستاذا في مهنتك فقط، بل يجب عليك أن تكون حكيمًا أيضًا. فلا يُعقل أن تتوقع ردودًا عادية من أشخاص لا يفهمون ما الذي سيقولونه لك. فبالنسبة إليهم، عملك هذا ليس له قيمة. لا تعرض عملك على الأشخاص الذين لا يعرفون شيئًا. لا تناقش أعمالك معهم”.
اشتكت الزوجة حديثة السن يلينا في مسرحية تشيكوف (العم فانيا) من الملل قائلة “لا أدري ماذا أفعل”.
إذا كانت يلينا حية اليوم، فبالتأكيد سوف تخفف من مللها هذا بالعبث في جوالها: تبحث عن أمر مسلي في تويتر أو بزفيد أو لعبة “كلاش أوف كلانس”. إذا أصبحت لديك مُسليّات لاتُحصى في جيبك، فمن السهل أن تدفع عنك الملل. لكن ماذا سيكون الوضع لو كان الملل تجربة مفيدة تحثنا على عرض إبداعنا أو أفكارنا العميقة؟
هنا ملخص لدراستين حديثة: في الدراسة الأولى، سأل الباحثون أشخاصًا تحت الدراسة أن يفعلوا شيئًا مملّا، كأن ينسخوا الأرقام من دليل الهاتف، وبعدها يخضعون إلى اختبارات تقيس التفكير الإبداعي لديهم كابتكار استخدامات جديدة لكوبين على سبيل المثال. ماذا كانت النتيجة؟ المجموعة التي أصابها الملل قدّمت أفكارًا أكثر من المجموعة التي لم تُصاب بالملل، وكانت أفكارهم أكثر إبداعية. وفي الدراسة الثانية، اتضّح أن الأفراد الذين خضعوا لإختبار كلمات من “التفكبر الترابطي” قدّموا إجابات أكثر عندما أُجبروا على مشاهدة شاشة تعرض صُورًا مملة.
من الممكن أن يُولد الإبداع من الملل وذلك لأن العقل القلق يتعطّش للمحفزّات والأنشطة. ربما تخلق فسحة الملل هذه حركة تدفعك نحو المعرفة. يقول هيثر لنش، عالم النفس في جامعة تكساس أي اند أم، أن “الملل يتحول إلى حال من البحث والسعي، لأن ماتفعله الآن ليس مُرضيًا بالنسبة إليك، فبالتالي أنت تبحث.. أنت منشغل”.
تقول ساندي مان، عالمة النفس في جامعة سنترال لانكاشير، والتي أجرت الدراسة، أن الذهن المضجر يتحرك نحو وضعية “أحلام اليقظة”. سيُخبرك والداك بأن الأطفال الذين لايفعلون شيئًا يخترعون ألعابًا غريبة ومسلية ليتسلوا بها مثل استخدامهم لصندوق الكرتون، ومفتاح كهرباء وغيرها. فهِم الفلاسفة هذا الأمر منذ قرون، كيركيغارد قال بأن “الآلهة أحسوا بالضجر، فلذلك خَلقوا البشر”. لكن المشكلة، والتي تُقلق علماء النفس، أننا في هذه الأيام لا نتعارك مع اللحظات البطيئة. نحن نمحوها! تقول مان “نحن نحاول أن نمحي كل لحظة ملل في حياتنا بالإستعانة بهواتفنا الذكية”. من الممكن أن يُريحنا هذا الأمر مؤقتًا، لكنه يحبس عنا التفكير العميق والذي يمكن أن يأتي من تحديقنا في الحزن. فالعبث بجوالك يُشبه “تناولك لطعام غير صحي”.
لذلك هنا فكرة نقدمها لك: في بعض الأحيان بدلًا أن تهرب من الملل، اعتمد عليه. تقول مان أن أفضل أفكارها تأتي عندما تقود سيارتها فلا تستطيع أن تمسك بجوالها.
عندما يتحدّث الكُتّاب عن استخدام برنامج “فريدوم”- برنامج الكمبيوتر الذي يحجب شبكة الإنترنت عنه أثناء عملك فلا تستطيع إستخدام الإنترنت- فإنهم يقولون أنه لمنع التشتت الذهني. لكنني أشك في أنه يُستخدم لفرض مستوى معين من الضجر في يومهم، رتابة إنتاجية مفيدة.
وهناك بالطبع ملل سيء. فالملل الجيّد يُحفزّك على رؤية نتاج ما سمّاه الفيلسوف برتراند رسل ب“الملل المثمر”. لكن النوع السيء منه، وبالعكس، يجعلك مرهقًا للدرجة التي تشعر فيها أنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء (يُسمّى بالملل البليد).
الجزء الحاسم في عصرنا هو أن نتعلم كيف نقيّم هذه النكهات المختلفة من الملل وذلك حتى نُميّز بين الملل النافع والمضر، فالنظر إلى هاتفك في لحظة ملل ليس على الإستمرار أمر سيء!
كانت جدتي تلح على جدي بترك المدينة والسفر إلى الشام خاصة أن والدتها تركت المدينة وسكنت هناك -والظاهر أن أحوال المعيشة في الشام كانت أفضل بكثير من المدينة في ذلك الوقت- وبما أن ظروف السفر في تلك الأيام كانت قاسية للغاية صار طلبها صعبًا. ومازالت جدتي تبكي وتلّح على زوجها بقولها ”ودّيني الشام! ما أبغى المدينة!” حتى رأت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام يقول لها “والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون”.
كانت لهذه القصة – والتي قصّها عليّ أبي- في طفولتي وقع غريب على نفسي. وتحت تأثيرها، شرعتُ في قراءة كتابٍ من مكتبة أبي كان قد أُهدي إليه بعنوان “كيف ترى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؟” كان الكتاب يستعرض حكايات لصالحين رأوا الرسول في أحلامهم. يحتوي الكتاب أيضًا على تجاربهم في تلاوة آيات وأدعية مخصوصة قبل النوم مكّنتهم بعد ذلك من الرؤية. أنهيتُ الكتاب بحماس وقرأتُ كل الأدعية والآيات والسور التي فيه- القصيرة بالطبع- ورددتها كثيرًا (كقراءة قل هو الله أحد مائة مرة، والصلاة على الرسول ألف مرة..)، ولم أر النبي في منامي. كررت ذلك في الليلة التي بعدها ولم أره حتى أصابني الملل وفترت عزيمتي فتركتها.
أصبحت الأحلام في طفولتي عالمًا مُشوّقًا للغاية. ولكي أتذكّر أحلامي الجميلة، أقوم بتدوينها فور استيقاظي حتى لا أنساها. تكوّنت لدي أوراق كُتبت بخط رديء مع العجلة حتى لا تطير أحلامي، واحتوت على خربشاتٍ عن الأحلام التي رأيتها. كنتُ أتلذذ بقراءة هذه الأوراق، أما الآن فأجدها سخيفة للغاية.
قرأتُ مرة في صفحة الأصدقاء في مجلة “ميكي” المصرية عن اختراع تسجيل الأحلام يُمكّنك من تسجيلها أثناء نومك ثم مشاهدتها عندما تستيقظ، وكم كان هذا الخبر رائعًا! فقد نشرته بين صديقاتي في المدرسة واتبعته قائلة أن الجهاز قد يأخذ وقتًا كعادة الأجهزة الحديثة في الوصول إلينا، لكن المهم أنهم اخترعوه على أي حال! بالطبع كانت صفحة الأصدقاء هذه كأخبار ال”برودكاست” الآن 🙂
ومع سكرة الأحلام، ابتعتُ من إحدى المكاتب القريبة من الحرم النبوي كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين. كان الكتاب قاموسًا يحتوي على كلمات مرتبة ترتيبًا أبجديًا، وكل كلمة لها تفسيرها. أصبحت أتصفحه كلما رأيت حلمًا ما وأقرأه بنهم، بل تطوّعت لتفسير أحلام صديقاتي في المدرسة، فالولادة تعني انفراج هم والخاتم رزق والحمل هم وهكذا. العجيب أن إحدى صديقاتي والتي تتصل بي عند رؤيتها لحلم غريب أخبرتني أن تفسيري لها يتحقق. والأعجب من ذلك أن ابن سيرين لم يُؤلف هذا الكتاب، وإنما جُمع عنه.
ثم دهشتُ لقراءة قصص عن صالحين -في كتاب “الروح” لابن قيم الجوزية- قد تواصلوا مع الأموات عن طريق أحلامهم. أخبرتُ صديقتي عن حكاية الشخصيْن الذين تواعدا في الحقيقة، ثم رأيا بعضهما في المنام. تواعدتُ أنا وصديقتي في المدرسة أن نتقابل في الحلم، تاركتيْن صديقاتنا يضحكن علينا. تقابلنا في اليوم التالي وضحكنا نحن على خيبتنا.
بعد ذلك، قرأتُ في مقدمة ابن خلدون عن “الحالومية” وهي كلمات أعجمية تُرددها قبل النوم إن أردت أن ترى شيئًا ما في منامك: تماغس بعد أن يسواد وغداس نوفنا غادس
وسرعان ماتوجهتُ إلى صديقتي وأخبرتها أن نُطبق الحالومية لهذه الليلة. قرأتُ الأذكار ثم رددت الحالومية مرارًا حتى غلبني النعاس. لم أر شيئًا وكذلك صديقتي.
في السنوات الأخيرة خفّ اهتمامي بالأحلام كثيرًا. قرأتُ كتابًا لفرويد “عن الأحلام”، ورغم أن هناك بعض المنطق في الكثير من تفسيراته، إلا أنني عجبتُ من إصراره على تفسير الأحلام وإرجاعها إلى الدافع الجنسي. قرأتُ أيضًا لعلي الوردي كتابه “الأحلام بين العمل والعقيدة” وأعجبني تحليله لتأثير الأحلام في المجتمعات خاصة العربية. وأوضح أن الكثير من الناس استغلوا أحلامهم لأغراض شخصية، وكيف أن الكثير من الأحلام هي رغبات ومشاعر مدفونة تظهر للمرء عند نومه. ومن كلامه الذي استوقفني:
“إن الأستاذ سلامة موسى ينصح القارئ بأن لا يروي حلمه -مهما ظنه بريئًا- لأحد إلا إذا وثق بأخلاقه. فالحلم قد يخفي رغبة دنيئة لا يجوز الكشف عنها، بينما هو في ظاهر بريء كل البراءة”.
وبالحديث عن الأحلام، لاحظتُ وجود “صائدة الأحلام” في الأسواق الشعبية هنا: وهي شبكة من الخيوط والريش يعود تاريخها إلى السكان الأصليين الذي كانوا يصنعونها لأطفالهم حتى يصطادوا لهم أحلامًا جميلة طائرة في الليل، فتقع في الشبكة وتخرج من خلال الريش وتذهب للنائم. أما الكوابيس فإنها تبقى عالقة في الشبكة حتى تشرق الشمس وتتبخر كما الندى*.
أما الآن فأستطيع في كثير من الأحيان تغيير مجرى أحلامي لأني أُدرك أنني أحلم – قيل أنها تُسمى بالأحلام الواعية-. ولا أذكر متى كانت آخر مرة رأيتُ فيها كابوسًا دون أن انتبه أنني أحلم، فأُقرر حينها أن استيقظ وأوفّر على نفسي عناء تحمّل هذا الكابوس. لابد أن تاريخي مع الأحلام قد أثمرت نتائجه، فلا كوابيس بعد اليوم.
أختم هذه التدوينة بهذا الفيديو اللطيف بعنوان “لماذا نحلم؟” مدته ٥ دقائق، وبه ترجمة عربية:
https://youtu.be/2W85Dwxx218
مقال مترجم*
في أمريكا، البحث عن الجمال هو أمر مكلف للغاية. ففي كل سنة، تصرف النساء مليارات الدولارات من أجل الحصول على شعر جميل، ورموش رائعة، وبشرة حريرية ناعمة. لكن في ثقافات مختلفة، لم تكن الكثير من طرق التجميل هذه موجودة قبل قرن من الزمان. في الحقيقة إن نظرتنا للجمال الأنثوي تشكّلت بشكل أساسي من خلال الدعايات الحديثة. ولذلك، رصدنا تأريخ أكثر “العيوب” التي تواجهها المرأة الحديثة والحكايات المدهشة التي تقبع خلف كل “علاج” لهذه العيوب.
هنا قائمة بأكثر الحيل النفسية التي تُستخدم ضد النساء وتُغذى من قِبل شركات التسويق: ١- لون شعرك الطبيعي ليس جميلًا بما فيه الكفاية Does she.. or doesn’t she?
استخدمت شركة “كليرول” والتي أطلقت مليون صبغة شعر منزلية شعارًا دعائيًا “هل هي تستخدمه.. أم لا؟” في إشارة إلى صورة امرأة ذات شعر جميل يجعلنا نتسائل ما إذا استخدمت صبغة شعر “كليرول” أم لا.
في الحقيقة كان من المتوقع أن تُحدث حملة كليرول الدعائية ضجة في الأسواق، وبالفعل ارتفع عدد النساء اللاتي يصبغن شعورهن من ٧٪ في عام ١٩٥٠ إلى أكثر من ٤٠٪ في السبعينات. استعرضت الإعلانات نساء سعيدات بشعورهن اللامعة والجميلة والتي كانت قبل ذلك حصرًا فقط على عارضات الأزياء اللواتي يحصلن على صبغات شعر احترافية. صرّحت الدعاية بأنه “إذا كانت لديّ حياة واحدة فقط، فدعني أعيشها كامرأة شقراء”. روّجت كليرول الصبغة الشقراء التي ستحوّل من مجرى حياتك هكذا: عرضت كليرول لصبغات الشعر فكرة “التجديد” في ٢٠ دقيقة فقط لهؤلاء النسوة اللواتي لا يردن أن يصرحن بأعمارهن الحقيقية أو يظهرن بشعور بيضاء:
وصفت شيرلي بوليكوف، كاتبة الحملة الدعائية لكليرول، خطتها “لنجاح أكبر، يجب أن يشمل السوق هؤلاء النسوة اللاتي تقبّلن أشكالهن بشعر أبيض. ونستطيع إنجاز هذا الأمر عن طريق إيقاظهن مرة أخرى ومعرفة ما إذا كن غير راضيات عندما اكتشفن تلك الشعرات البيضاء”. أنجزت كليرول هذا الأمر عن طريق قولها “متى كانت آخر مرة دعاكِ فيها زوجك للخروج برفقته إلى العشاء؟” . في هذه الأيام، هناك ٩٠ مليون امرأة في الولايات المتحدة تصبغ شعرها بحسب تقرير IBIS لعام ٢٠١٢!
٢- شعر جسدك مقزز: في هذه الأيام يصور الإعلامُ النساء بدون شعر في أجسادهن، أو يُصبحن محل سخرية إذا أردن الإبقاء عليه. لكن من المفاجئ لنا حين نعلم أن النساء الأوروبيات والأمريكيات منذ القرن ال١٦ إلى القرن ال١٩ ميلادي كن يُبقين شعر أجسادهن.
ما الذي تغيّر؟ تقول الباحثة كريستين هوب بأن الإجابات تكمن في الدعايات والموضة. ففي عام ١٩١٥، تفجرت الدعايات التي تُحذر النساء من الإبقاء على شعر إباطهن بأنه أمر غير أنثوي، فيجب عليهن إزالته حتى يُصبح ناعمًا مثل ملمس الوجه. سمّت هوب هذه الدعايات “الهجوم على الإبط”:
بعد ذلك، تفجّرت دعايات أخرى تُشجع النساء على حلق أرجلهن حتى يُصبحن جذابات أكثر عندما يرتدين الجوارب وملابس السباحة. وبنهاية الحرب العالمية الثانية، كانت حلاقة شعر الجسد هي أمر مُتوقع من النساء الأمريكيات. استمرت الدعايات في الستينات والسبعينات تُصور شعر الجسد بأنه أمر غير أنثوي: أما إزالة شعر منطقة البكيني فبدأ في عام ١٩٤٦، وظهر معه الشمع البرازيلي الذي اُستورد إلى الولايات المتحدة في نهاية الثمانينات، وأصبحت له شعبية بفضل الدعايات في التسعينات. أما اليوم، فإزالة شعر العانة أصبح أمرًا أساسيًا في أوساط النساء الأمريكيات: ٨٠٪ من النساء بين السن ال١٨ وال٣٤ يُزلن على الأقل بعضًا منه، وبحسب إحدى الدراسات فإن العديد منهن يرغبن في التماشي مع المعايير الإجتماعية السائدة وأن يظهرن بشكل أُنثوي أكثر. حتى الآن، فإن الحملات الدعائية لمنتجات إزالة الشعر مثل دعايات “فيت” تستهدف نفس الفئة التي كانت تُستهدف قبل قرن تقريبًا.
٣- بشرتكِ غامقة جدًا: خلال نهاية القرن ال١٩ وبداية القرن العشرين، ازدادت شعبية الكريمات المُفتحة للبشرة بين النساء السود في الولايات المتحدة. وغدى تبييض البشرة الداكنة أكثر من مجرد طقس تجميلي، فهي طريقة رمزية تدل على الحياة في وسط مجتمع عنصري حيث يُلاقي فيه ذوي البشرة الفاتحة نسبيًا من السود معاملة أفضل من غيرهم. فجّر المسوقون هذه الإشكاليات العنصرية في صناعة الجمال، يعدون فيه المرأة بأنهن يستطعن أن “يجدن مناصب اجتماعية أعلى، ويتزوجن بشكل أفضل، ويتعايشن مع غيرهن بشكل أحسن” ويُصبحن جميلات أكثر ببشرة أفتح من بشرتهن الحالية. وفي عام ١٩٤٤ ظهر هذا الإعلان الذي يقول بأن البشرة الأفتح هي الأجمل:
(Photo by Fred Stein Archive/Archive Photos/Getty Images)
كانت المنتجات هذه في حد ذاتها خطيرة لاحتوائها على مادة الهيدروكينون الكيميائية، والتي تُستخدم في تطوير الصور الفوتوغرافية (هذه المادة الكيميائية حُظرت في استراليا، وفي دول الإتحاد الأوروبي، وفي اليابان، لكنها بقيت بشكل قانوني في الولايات المتحدة).
في خلال الستينات والسبعينات، تراجعت شعبية سوق كريمات تبييض البشرة بظهور حركة التحرير “الأسود هو الجمال”. شجّعت هذه الحركة الأشخاص السود ودعتهم إلى الإقتناع بملامحهم الطبيعية بدلًا من الجري وراء معايير ذوي البشرة البيضاء. سارعت شركات التجميل إلى التلطيف من لهجتها، وتحوّلت جملة “تبييض البشرة” إلى “بشرة مُشرقة”. تعهّد الإعلان في عام ١٩٦٢ النساء بالحصول على بشرة مشرقة وفاتحة حتى في الأيام الممطرة، دون ذكر الأعراض الجانبية لمادة الزئبق المسمومة. اليوم، تستمر النساء في استخدام مبيضات البشرة حول العالم وخاصة في أفريقيا، الهند وباكستان. ومن المُتوقع أن تصل نسبة الشراء السنوية حول العالم إلى ١٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠١٥، على الرغم من أن هذه المنتجات لها أعراض جانبية خطيرة.
٤- بشرتك فاتحة جدًا: في بداية القرن العشرين، أصبحت “حمامات الشمس” وصفة طبية شائعة بين الأطباء للقضاء على أمراض عديدة. استغلت شركات التسويق هذه المنافع الصحية وخلقت اعتقادًا- كما ظهر في مجلة هاربر بازار في عام ١٩٢٩- “إذا لم تحصل على بشرة سمراء، فأنت لست جزءًا من هذه اللحظات…”” بعد هذا الإعلان مباشرة، بدأت شركات التجميل ببيع كريمات ال”تشميس”. يعتقد بعض الباحثين أن موضة التشميس خلقت سوقًا تجميليًا جديدًا، ووفّرت حافزًا تسويقيًا من أجل أن تكون البشرة البرونزية معيارا جماليًا أمريكيًا. وبقي هذا المعيار كذلك، ففي السبعينات لم تُوقف التحذيرات الصحية -بشأن المخاطر التي يجلبها التعرض للشمس كالإصابة بالسرطان- هذا الهوس بالتشميس. وبدلًا من ذلك، وفّرت فرصًا كثيرة لشركات التجميل من أجل ترويج منتجات تتعهد بتوفير حماية ضد الشمس، أو تُزود النساء ببشرة سمراء مُزيفة (تشميس منزلي) كالتي يحصلون عليها عند تعرضهن للشمس: تواصل التحذيرات الطبية في توعية الناس بخطر التعرض الزائد للشمس. أما البحث عن بشرة برونزية جميلة لم يتوقف، فمنذ عام ٢٠٠٠، ازداد عدد منتجات التشميس المنزلي بشكل كبير ومن المتوقع أن يستمر كذلك في الخمس سنوات القادمة.
٥- ال”سيلولايت” مؤذية للعين، ويجب أن نزيلها! حتى عام ١٩٨٣٠، كانت النساء ذوات الأجسام الممتلئة هن أكثر جمالًا، وكن يظهرن بأجسامهن الممتلئة في لوحات الرسامين بانحنائاتهن وب”السيلولايت” أيضًا. لكن في منتصف القرن العشرين، تغيّر شكل الجسد الأنثوي المثالي وأصبح أكثر رشاقة. وفي خلال نفس الفترة، أصبح ال”سيلولايت” عدو رئيسي للجسد الأنثوي المثالي. في عام ١٩٦٨، أعلنت مجلة فوج أن “كلمة السيلوليت عبرت المحيط الأطلنطي مثل الأسماك المهاجرة” |إشارة في أن الكلمة فرنسية جاءت من أوروبا|. سخر بعض أعضاء المجتمع الطبي من القلق المفاجئ تجاه السيلولايت وقالوا أنه “مرض مُبتدع”. يُصيب السيلولايت حوالي ٨٠ إلى ٩٠ من النساء، وأصبحت مكافحته بل والسخرية منه هوس أمريكي. فلأن تكوني أمريكية مشهورة مصابة بالسيلولايت يُعد جريمة!: في عام ٢٠١٤، بقي السيلوليت عدو لا يُقهر، واستمرت النساء في صرف أموال كثيرة على مستحضرات تجميل لم تُختبر بشكل كاف، وليست مُجدية على وقت طويل.
٦- أظافرك غير المُشذبة بشعة: أنتج نورثام وارن مايمكن أن يُطلق عليه بأول مُشذب للأظافر ومزيل لطلاء الأظافر في عام ١٩١١. وأطلق أيضًا حملة دعائية أنتجت سوق طلاء الأظافر الحديثة. حذّرت الدعاياتُ النساء من الأظافر المقصفة وغير المشذبة إذ أنها تجلب لهن الشعور بالإحراج أمام الناس. تفجّرت الأرباح من ١٥٠ ألف دولار في عام ١٩١٦ إلى ٢ مليون دولار في عام ١٩٢٠! فالأظافر المرتبة والمشذبة هي طريقة للإفصاح عن الثراء والأناقة، وتُثبت أنكِ أرقى من الطبقة العاملة المتواضعة. وإذا فكرتِ بأنكِ تنجحين في إخفاء هذه الأظافر غير المرتبة، فهذا الإعلان في عام ١٩٢٣ يخبركِ بشيء آخر: في عام ١٩١٢، ربع النساء الأمريكيات فقط كن يستخدمن مستحضرات التجميل الخاصة بعناية اليدين والأظافر، لكن في عام ١٩٣٦، ارتفع عددهن إلى ثلاثة أرباع. وخلال الحرب العالمية الثانية، ناشدت شركة كيوتكس لطلاء الأظافر الفخر الوطني للنساء:
اليوم، أصبح طلاء الأظافر وصالونات الأظافر هي الغذاء الرئيسي لجمال النساء. وفي عام ٢٠١٢، أنفقت الأمريكيات حوالي ٧٦٨ مليون دولار عليها!
٧- رموشك ليست طويلة بما فيه الكفاية!
خلال التاريخ، اعتدن النساء على تكحيل رموشهن بالسواد بمختلف الوسائل عن طريق إستخدام نبات البلسان إلى مواد صمغية كالإرتنج، لكن ال”ماسكرا” لم تظهر حتى القرن العشرين، عندما أوجد تي إل ويليامز شركة ميبيلين. اجتاحت الماسكرا التي كانت تُكلف حوالي ال١٠ سنت من ميبيلين أمريكا. وبينما كانت الأصباغ التجميلية “المكياج” غير أخلاقية عند البعض، جعلتها مشاهير هوليوود رائعة في نظر الجميع. وُعدت النساء بالحصول على رموش مُغرية كالتي عند شخصياتهن الهوليوودية المفضلة، كما صرّح هذا الإعلان في عام ١٩٢٩ في مجلة “موشن بكتشر”: بعد ذلك، ظهرت العديد من منتجات ال”ماسكرا”، وبدأت شركات التجميل بالإعلان عن الماسكارات التي تُطوّل وتُكثّف الرموش. تعرضّت كبرى شركات التجميل هذه إلى انتقادات واسعة بسبب إعلاناتهم المُضللة، حيث أن بعضهم استخدم رموشًا اصطناعية على عارضات الدعايات!
وعلى الرغم من ذلك، ازداد الطلب على الرموش الطويلة وانتعشت الأسواق المخصصة لها. أخبرتنا نانسي ليونتر، مديرة تحرير ون ستوب بلس دوت كوم أنه “قبل خمس سنوات، كانت الرموش التي لديكِ هي رموشك الطبيعية، لكنك تضعين عليها الماسكرا. أما اليوم، فإنك تضعين رموشًا اصطناعية، وتستخدمين الأدوية التي تُطوّل الرموش، ولدينا هوس شديد بالرموش !”
في طفولتي كنت أتعجب من الكبار الذين يوجهون الكلام إلي باعتباري طفلة صغيرة في السن، فكيف استنتجوا أصلًا أني صغيرة؟
لم أكن أدرك ببساطة أن جسدي حينها صغير الحجم، وأن ملامحي-بالطبع- طفولية. كنت أرى نفسي كالكبار، فأنا لا أصرخ كالأطفال ولا أتصرف مثلهم كما أعتقدت، وتغيظني جملة “عندما تكبرين سوف تعرفين معنى..” لأني مثلكم أيها الكبار لستُ صغيرة، وأعرف كل شيء، ولديّ معلومات قيّمة تعلمتها من صفحة الأصدقاء في مجلات ميكي وماجد، بل واقرأ من كتب أبي أحيانًا.
حتى العين السحرية على الأبواب، كنتُ أؤمن بأنها صُنعت لطوال القامة! اعتقدت بأنني قصيرة فقط ولم يخطر في بالي يومًا أنني سوف (أكبُر) وأتمكن من الرؤية خلالها. ماهذا؟ ألم أنظر إلى نفسي في المرآة؟ لا أدري، لم أكن استخدم المرآة إلا من أجل تنظيف أسناني!
كانت لدينا طاولة حمراء صغيرة وكراسي نستخدمها أنا وأختي في اللعب والرسم، كما كنا نستعرض الحلويات عليها ونقسمها أو نتبادلها فيما بيننا. كان منظر الحلويات رائعًا وكنا نستلذ برؤيتها مرصوصة فوق الطاولة. كنت أدعو البالغين إلى الجلوس على الطاولة عندما يلعبون معي، فيخبرونني بأن الكرسي صغير عليهم. صغير؟ أعتقدتُ بأن المشكلة كانت بالأحرى مع أوزانهم. بعد سنوات عديدة، كانت دهشتي عظيمة عندما اكتشفت بأن الكرسي ضاق بي ولم أستطع الجلوس عليه كما اعتدت، لقد كبرتُ حقًّا!
ذات يوم وبعد أن دهنت أمي رأسيْنا بالزيت من أجل أن نستحم لاحقًا، اشتهينا أنا وأختي حلوى كانت تُباع في البقالة الملاصقة لبيتنا. توفر لدينا مبلغ من المال تبقى من مصروف المدرسة. قرارنا كان سريعًا إذ ذهبنا إلى البقالة على الفور بصحبة السائق الجديد، وبشعورنا المُزيّتة والمرفوعة. وضعت أمي يدها على رأسها عندما رأتنا قادمتيْن ومحملتيْن بأكياس هزيلة من البقالة. أين كنتما!؟ في البقالة! اشترينا بعض الحلويات! بالطبع استمعنا إلى محاضرة طويلة من أمي وأبي. فكيف نخرج هكذا بدون استئذان وبصحبة رجل غريب؟ كان استغرابنا الأشد أنه ما الحاجة إلى كل هذا، وكيف نستأذن والبقالة قريبة من البيت؟ لسنا صغارًا!
مع مرور الأعوام، توقّفت عن الإدعاء بأنني كبيرة في السن، لم أعد صغيرة. لستُ صغيرة، لم أعد استعرض حلوياتي، ولا أعرف كل شيء كما كنت أعتقد في طفولتي. وبت أفهم جيّدا لم يتضايق بعض الأطفال عندما يتجاهلهم الكبار ويستصغرونهم.
قبل أيام استخدمت تطبيق “أوبر”، وكم كانت فرحة السائق الجزائري كبيرة عندما علم بأنني عربية، إذ أخذ يُحدّثني عن مساوئ الغربة، وأخبرني بأنه لايستطيع أن يقيم حوارًا مع كندي غريب عنه بسهولة -فيما عدا الحوارات السطحية التي تدور حول الطقس-، بينما يستطيع أن يتحدث إلى أي عربي لاشتراكه معه في الثقافة والعروبة والإسلام. أراد أن يُقرّب لي المعنى ليقول أنه على الرغم من الفارق الكبير بين عمره وعمري، إلا أنه يستطيع أن نتحدث في مواضيع مشتركة بسهولة، فسألني: -كم عمرك يانجلاء؟ ٢٢ سنة؟ -شيء زي كذا -زي كذا؟ ااه قالوا ماتسأل المرأة عن عمرها، سبحان الله.. المرأة مخلوق عجيب! هاها
مخلوق عجيب؟ غفرت له، فقد قدّر أنني أبلغ من العمر ٢٢ سنة!
نعتمد بشكل كبير على اللغة للتعبير عما نفكر ونشعر. لكن بعض اللغات هي أفضل من غيرها في تسمية المشاعر. فالألمان عباقرة فيما يتعلق بابتداع كلمات طويلة – نسميها نحن كلمات مركبة- والتي تكشف لنا عن المشاعر التي ندركها جيدًا بينما تتطلب اللغات الأخرى جملًا طويلة للتعبير عنها. هنا بعض الإختيارات لأفضل الكلمات المركبة الألمانية:
deutsch-doodles.tumblr.com
ohrwurm دودة الأذن
هذه الكلمة تعبّر عن الأغنية التي تكررها في نفسك وتسمع لحنها داخل رأسك ولا تستطيع أن تُخرجها منه.
Futterneid الغيرة في الطعام هذه الكلمة تشرح حالتك عندما تكون في مطعم تتناول الطعام برفقة آخرين وتشعر حينها بأن أطباقهم التي طلبوها هي ألذ من طبقك كثيرًا. من الممكن أنك تحاول بأن تكون قنوعًا وراضيًا بما لديك، لكنك تعاني الآن. هذه الكلمة تُعبّر عن أكثر مايدور في خواطرنا، فليست فقط للمطاعم وإنما هي ذلك الشعور الذي يأتينا بأننا أمضينا أغلب أوقاتنا في طلب أمور غير مناسبة لنا في الحياة.
Weltschmerz
الحزن الوجودي كلمة تعني بأننا في بعض الأحيان نكون تعساء ليس بشأن هذا الأمر أو ذاك، لكن بسبب وجودنا في هذا العالم. وجود هذه الكلمة في الثقافة الألمانية توضّح أن هذه الثقافة ليست سعيدة على نحو زائف، لكنها تتناول المأساة بشكل واقعي. من المريح أن تُخبر صديقك أن بقاؤك تحت اللحاف سببه أنك تعاني من الحزن الوجودي.
Kummerspeck التخمة بسبب الحزن عندما يكون المرء تعيسًا، فإنه ليس هناك شيء أكثر تعزية له ببساطة من أن يذهب إلى المطبخ ويأكل.
Fernweh كلمة تعني المعاناة من البقاء في محيط مألوف، والرغبة الشديدة في السفر بعيدًا إلى ماوراء جبال الألب، ومن الممكن إلى جنوب الأرض حيث لايعرف أحد اسمك.. كأن تستيقظ على أصوات أجراس غريبة من المعابد. كلمة تعني الإعتراف بأننا دائمًا مانتوهم بأن الحياة هي في مكان آخر غير هذا المكان.
Backpfeifengesicht
deutsch-doodles.tumblr.com/
الوجه الذي يحتاج لأن يُصفع. إكرام الآخرين أمر مهم، لكن الألمان واضحين بما فيه الكفاية للتعبير أن هناك لحظات تود أن تكون فيها صريحًا لتعترف أن الذي يقابلك هو شخص أحمق.
Luftschloss حرفيًا تعني قلعة في الهواء، أي الحلم الذي لا يمكن تحقيقه. هذه الكلمة تدل على أن الثقافة الألمانية متسامحة للغاية تجاه الأحلام الكبيرة، لكنها أيضًا واقعية لأنها تدرك بأنها صعبة المنال.
Schadenfreude التشمت بالآخرين
نقول أننا نحزن عندما يفشل الآخرون، لكن الألمان هم أكثر حكمة عندما يخبروننا أننا قد نشعر بالسعادة لمصائب الآخرين، وهذا لا يعني بأننا أشخاص لئيمين، لكننا نشعر بالراحة عندما نشهد معاناة الناس كتأكيد لنا أن الحياة قاسية على الآخرين كما هي قاسية بالنسبة لنا.
Frühjahrsmüdigkeit التعب من الربيع من المفترض أن نفرح جميعًا بقدوم الربيع، لكن بالطبع هناك بيننا من يجده أمرًا تعيسًا لعودة الحياة والآمال. هذه الكلمة تعبر عن مدى صعوبة الشخص بأن يكون متفائلًا في أكثر أوقات السنة سعادة.
Verschlimmbesserung التحسّن للأسوأ نحاول كثيرًا أن نحسن أمورنا، لكننا نجلب مع تلك المحاولات مصاعب غير متوقعة. هذه الكلمة تؤكد أن أعمالنا نادرًا ما تتقدم على النحو الذي نخطط له.
Lebensmüde التعب من الحياة نحن نؤمن بأننا متمسكون بالحياة بشدة، لكن الكثير من سلوكياتنا تؤكد على أمر أكثر قلقًا: الرغبة بين حين إلى آخر في التخلي عن التمسك بوجودنا. هذه الكلمة مفيدة لاستخدامها في الأيام التعيسة عندما نشعر أنه لا شيء سيمضي على مايرام.
Ruinenlust الإنفعال عند رؤية الأطلال تعني البهجة التي يشعر بها الشخص عندما يرى الأطلال. فالقصور المتهدمة وأنقاض المعابد تثير أشجاننا أمامنا وتحثنا على الحزن بطريقة ممتعة.
Treppenwitz أفضل مقولاتنا التي نقولها لا تأتي في خضم نقاش ثقافي، بل عندما نهبط من الدرج متجهين نحو منازلنا، أي متأخرًا بعد أن نترك النقاش. هذه الكلمة تعبر عن الأشياء التي تود أن تقولها بعد فوات الأوان.
Torschlusspanik الهلع من إغلاق البوابة الخوف الذي يشعر به المرء عندما يتقدم بالسن، أن الوقت يمضي بسرعة وبالتالي تفوته فرص كثيرة.
Handschuhschneeballwerfer الجبان الذي ينتقد ويسيء للآخرين وهو بعيد عنهم في مكان آمن.
Sitzfleisch تصف ميزة شخصية في التحمّل، وتعني حرفيًّا القدرة على الجلوس وتحمل كل ماهو ممل وشاق ومؤلم لفترة طويلة.
Kopfkino نحن مخرجون سينمائيون داخل عقولنا، نُصوّر أفلامًا قصيرة ننظم فيها بالضبط مانريد قوله، ونستغل الفرصة عندما نستطيع. هذه الكلمة تعني أن هناك قلة مننا فقط يستطيعون أن يكونوا فعّالين ومخرجين رائعين خارج رؤوسنا.
Schattenparker أغلبنا لديه لحظات جُبن، الكلمة تعني الإختباء في الظلمة. ولدى الألمان كلمة أخرى تعني تسليط الضوء على هذا الجبان.
Bildungsroman رواية تعليمية عن الحياة الثقافة الألمانية مليئة بنوع مميز من الرواية التي نتابع فيها نضوج الشخصية الأساسية في الحب والعمل. هذا النوع من الروايات يقدم الإجابة لما يجب أن تكون عليه الرواية. ففي التقاليد الألمانية، المغزى من هذه الروايات هي أن تعلمنا كيف نعيش.
Drachenfutter طعام التنين هي هدية يقدمها الشخص لزوج إحداهن|زوجة أحدهم لتهدئة غضبه تجاه خطأ قد ارتكبه الشخص. فإذا اُكتشفت هذه العلاقة، يجب على الشخص أن يطبخ الكثير من طعام التنين.
Fremdschämen الشعور بالفشل عن الآخرين كلمة مليئة بالشفقة والتي تصور المعاناة التي يشعر بها المرء تجاه شخص آخر عندما يفشل أو تحدث له مصيبة محرجة. المقدرة على أن تشعر بمعاناة الآخرين أمر أخلاقي رفيع في منتهى اللطافة.
Erklärungsnot الصعوبة عند التوضيح حرفيًا، تعني هذه الكلمة: الكرب الذي ليس له تفسير. أفضل طريقة لشرح هذه الكلمة هو أن تتخيل نفسك طفلًا رآك أحد والديك وأنت تضع يدك في الجرة بسرعة لأخذ قطعة من البسكويت ويجب أن تفسر ما الذي تفعله. النتيجة ستكون كذبة أو تفسير مُضحك. بشكل أوضح، هي كلمة تعبر عما نشعر به عندما نُدرك أنه ليس لدينا أي تفسير للأسئلة الكبيرة في الحياة.
هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي استعرض فيها بعض تجاربي في قراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب. إذا فاتتكم التدوينات السابقة فبإمكانكم قراءتها:تجارب1، تجارب2، بعض من التجارب والخيبات، تجارب٤.
وثائقيات، وأفلام، ومسلسلات: قصة الزيتون
أحب الزيتون كثيرًا، واستخدم زيت الزيتون في الطبخ بشكل أساسي، وكنت أدرك أن جني الزيتون ومن ثم تحضير زيته فيه مشقة كبيرة، لكن ليست بالدرجة التي تصورتها حتى رأيت هذا الوثائقي الجميل! هذا الوثائقي نصحت به الصديقة هند، عن أشجار الزيتون في المغرب والتي تعتبر من أكثر البلدان إنتاجًا لزيت الزيتون وأكثرها جودة.
التاج The Crown
مسلسل جميل من إنتاج نتفلكس، عن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، هذا المسلسل يحكي عن أحداث كثيرة عن عمها ادوارد الثامن ملك بريطانيا والذي تخلى عن العرش لأخيه من أجل الزواج بأمريكية مطلقة، وعن أبيها الملك جورج السادس المشهور بالتأتأة، وعن ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، وضباب لندن الشهير.. وأحداث أخرى جميلة صُوّرت في هذا المسلسل. لم يُعرض للآن سوى جزء واحد من هذا المسلسل.
Lion شاهدتُ مؤخرًا فيلم “ليون”، قصة حقيقية عن طفل هندي، الفيلم رائع ومؤثر. الممثل في هذا الفيلم هو نفسه الممثل في الفيلم الشهير الحائز على ٨ جوائز أوسكار Slumdog Millionaire ترشّح فيلم ليون ل٦ جوائز أوسكار لهذا العام
كتب: سلسلة أحمد أمين العظيمة (فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، ويوم الإسلام) وأعظمها بهذا الترتيب أيضًا. بدأت بقراءة فجر الإسلام في عام ٢٠١٤ (وندمت أن قراءتي لم تكون ورقية)، وقرأت البقية خلال عام ٢٠١٥ إلى نهاية ٢٠١٦. السلسلة تُؤرّخ الحياة والطبيعة العقلية للعرب قبل الإسلام، وكيف تطوّرت بعده ومادخل عليها من تغييرات بسبب اختلاط العرب بعناصر أعجمية كالفرس والأتراك وتزواجهم منهم، وظهور الشعوبية والحركات العلمية الفكرية والدينية التي أحدثت تطورًا في في العقل العربي أو جمّدت التفكير لديه. ثم الحياة العقلية للعرب في الأندلس، والجمود العقلي الذي حدث لهم خلال ال٧ قرون الماضية بسبب إغلاق باب الإجتهاد وهزيمة المعتزلة وهجوم المغول والتتار واختفاء العنصر العربي بسبب غلبة العنصرين التركي والفارسي.. للأسف كان يريد إكمال هذه السلسلة ب(عصر الإسلام) لولا المرض الذي داهمه في عينيه فمنعه الأطباء من كثرة القراءة خاصة في الليل، فكتب (يوم الإسلام) اعتمد فيه على ذكراته بشكل أساسي، وهو أخف كتبت هذه السلسلة وأوجزها.
تجارب أخرى: كندل Kindle
كنت اعتمد على جهاز الآيفون (٦ بلس) للقراءة على السرير قبل النوم، قرأتُ كتبًا الكترونية كثيرة بالمناسبة من الآيفون، حتى تجرأت وطلبت كندل أخيرًا (وبتشجيع من الصديقة شهد). توقعّت أنه يُشبه الآيباد كثيرًا، لكني كنتُ مخطئة!
فوزنه لايُقارن إطلاقًا بالآيباد، وشاشته مريحة للعين أكثر، أما بطاريته فتدوم طويلًا، كما أنه مُتصل بحسابي في قودريدز. قرأت للآن ١٠ كتب على كندل، وودت لو أنني اشتريته من قبل! الشيء الوحيد الذي يُضايقني أنه لايدعم العربية، أستطيع أن اقرأ كتبًا بصيغة بي دي اف، لكنني لا أستطيع مثلًا أن أكتب ملاحظاتي أو أن أبحث باللغة العربية لأنه لا يحتوي على لوحة تحكم عربية.
:-طريقة “كون ماري” اليابانية في التنظيم -الفن الياباني في التنظيم
هذا الكتاب الغريب، والذي صرتُ أشاهده في كل مكان تقريبًا، تتحدث فيه مؤلفته اليابانية عن التنظيم الياباني السحري، فهي تعمل مستشارة في التنظيم| مُنظمة في اليابان وخدماتها مطلوبة بشدة بحيث أنك إذا أردتها أن تأتي لمنزلك لتنظمه فيجب عليك أن تُسجل اسمك في قائمة الإنتظار!
ولدتُ لأبوين منظميْن ويحبان الترتيب للغاية، فنشأتُ منظمة أحب الترتيب (وإن كان الأمر ضئيلًا مقارنة بأبي)، وسمعت عن هذا الكتاب من صديقتي ريم فاشتريته وأنا أظن أنه كالكتب الأخرى المليئة بالنصائح المتكررة. هنا بعض النصائح الأساسية في هذا الكتاب: الترتيب يكون بالتصنيف وليس اعتمادًا على المكان: تُخبرنا ماري كوندو أنه عندما تريد أن تنظم بيتك، فإنك يجب أن ترتبه بناء على التصنيف، على سبيل المثال الورق: اجمع كل مافي بيتك من أوراق ثم افرزها، وبعد أن تنتهي تمامًا ابدأ بتنصيف آخر كالكتب مثلًا، اجمع كل مافي بيتك من كتب ورتبها، ثم الصور، ثم الملابس (الشتوية مثلا) وهكذا. تعاطف مع أشيائك: لا تسمح لملابسك على سبيل المثال بأن تكون فوق بعضها بطريقة تكتمها، أو أن ترمي جوربًا في زاوية مهملة، بل احترمها لأنها أعطتك شيئًا، واشكرها على ذلك. هل هذا الشيء يُسعدني؟: عندما تجمع أغراضك بناء على التصنيف، انظر إليها، واسأل نفسك هل تستخدمها؟ هل هذا الشيء يُشعرك بالسعادة؟ إذا لم تكن تستخدمها ولا تشعرك بالسعادة فتخلص منها على الفور. طوي الملابس: وهنا نقطة جيّدة حقًا، فتطبيق الملابس في الأدراج يجب أن يكون أفقيًا وليس عاموديًا، بمعنى أنه من الخطأ أن تجعل الملابس فوق بعضها البعض لأنك حينها سوف لن تتمكن من الحصول على آخر قطعة بدون فوضى، أو أنك سوف تنسى حتمًا ما الذي يوجد بالأسفل. لذلك، يجب أن تكون الملابس مطوية بجانب بعضها البعض.
OneKingslane
هناك العديد من النصائح في هذا الكتاب الخفيف، ورغم أنني تخلصت من الكثير من الأوراق، وبعض الملابس التي لا أحتاجها وكانت مكومة بلا فائدة في خزنتي، لم أستطع التخلص من الكتب (حتى التي لم تُعجبني كثيرًا)، واقتصر الأمر على مجلات ناشيونال جيوغرافيك وكتب اللغة الفرنسية التي لم أعد استخدمها. بإمكانكم البحث عن المزيد من التفاصيل والصور والفيديوهات عن كتابها في قوقل ويوتوب.
تحدي دولنقو Duolingo: تعرفت على برنامج دولنقو لتعليم اللغات منذ إطلاقه، لكنني نادرًا مااستخدمه. اكتشفت أن البرنامج يزودك بتحدي يومي لممارسة أي لغة، ويضع عدد الأيام المتواصلة واضحة في أعلى التطبيق، فتتلقى رسالة الكترونية (ايميل) يومية تُذكّرك بمواصلة التحدي.
من أجل ذلك، وضعت لنفسي تحديًا لمدة ١٠٠ يوم لتعلم الفرنسية بواسطته (أقل من ٥ دقائق يوميًا) ونجحتُ في التحدي
تطبيقات وألعاب: Forest أرشدني إلى هذا التطبيق الزميل عبدالرحمن في باث، والذي زرع للآن شجرتين. هذا التطبيق الجميل يُشجعك على التركيز بطريقة جميلة للغاية، ففي التطبيق لديك مساحة زراعية تستطيع أن تزرع فيها الأشجار بأن تضع عدد الدقائق التي تود أن تُركّز فيها (من ١٠ دقائق إلى ١٢٠ دقيقة) ومن ثم تبدأ عملية الزراعة.
لن تنمو شجرتك إلا بعد أن تنتهي الدقائق، وبالطبع لن تستطيع أن تستخدم جوالك طوال هذه الفترة لأن الشجرة ستموت. كل مرة تزرع فيها أشجارًا تحصل على نقاط، وإذا جمعت ٢٥٠٠ نقطة تستطيع أن تزرع شجرة حقيقية في الهند وزامبيا!
Lumosity
تطبيق رائع يحتوي على ألعاب ذكاء لتمرين العقل، تعرفت عليه من صديقتي مآب، وأصبحت استخدمه قبل أن أشرع في الكتابة أو في أمر يتطلب تركيزًا. تستطيعون أن تضعوا تحدي يومي لممارسة هذه الألعاب.
مشتريات من آي إرب iherb: وصلتني هذه المشتريات في شهر نوفمبر، أي أنني قمت بتجربتها لمدة كافية:
من المستحيل لامرأة أن تقول شعرًا كأشعار المتنبي في زمان المتنبي.
هذا اقتباس لفرجينيا وولف، حُرّف بعض الشيء لغاية أرجو أن أبلغها بنهاية هذه التدوينة. فمن هن أخوات المتنبي، وموزارت، وشكسبير؟ إذا نظرنا إلى شعر العرب-وهو الأمر الذي نبغوا فيه وعدّه الجرجاني علمٌ من علومهم- في جاهليتهم وبعد الإسلام، نجد أن أكثر الشعراء هم من الرجال. ولو سألت ألف شخص عن أشعر العرب فسوف تكون إجابته حتمًا هي المتنبي، أو أحد شعراء المعلقات، أو المعري، أو ابن زيدون أو غيرهم، وأكاد أجزم أنك لن تجد اسم أي شاعرة بين هذه الأجوبة! ولكن لِم لم تبرع أي شاعرة عربية في العلم الذي نبغ فيه العرب؟ هل كان الشعر مختص بالرجال دون النساء؟
كانت العرب تفتتح قصائدها بالبكاء على الأطلال في تذكر المحبوبة، ثم تعرج إلى الغزل كمعلقة امرئ القيس، أو إلى الحماسة كمعلقة عنترة، أو إلى وصف الناقة كمعلقة لبيد بن ربيعة.. هل كان باستطاعة أي امرأة عربية في العصر الجاهلي أن تفتتح قصيدتها بذكر المحبوب؟ لنلقي النظر على الأبيات والقصائد القليلة للشاعرات العربيات، كانت الشاعرة الجاهلية الأشهر هي الخنساء، وكان موضوع شعرها الرئيسي- وبسببه اُشتهرت- يدور حول رثاء أخيها صخر. وبالنظر إلى مواضيع أشعارهن، نجد أن الغالبية العظمى منهن قد أنشدن الشعر في الرثاء كآمنة بنت عتيبة، وأم الأغر بنت ربيعة التغلبية، وأم الصريح الكندية، وأمامة العدوية، وأميمة العبشمية، والفارعة الشيبانية، والخرنق بنت بدر.. وبعضهن أنشدن في الهجاء في وقت الحرب، كدخنتوس بنت لقيط (وهي التي قيل فيها المثل الشهير الصيف ضيّعت اللبن).
بل إن الشاعرات اللواتي اُشتهرن في الغزل أغلبهن كن جاريات- واللاتي كانت لهن حرية أكبر بكثير من الحرائر- كالخيزران بنت عطاء وعريب المأمونية، أو أندلسيات كولّادة ابنة الخليفة المستكفي والتي كانت أمها جارية إسبانية. فلو تخيّلنا أن للمتنبي- ماليء الدنيا وشاغل الناس- أخت لها نفس القدر من موهبته الشعرية، فإنها حتمًا لا تستطيع أن تسافر من بلاط إلى آخر لمدح الخليفة كما فعل أخوها مع سيف الدولة الحمداني وبدر بن عمّار وكافور الإخشيدي، ولا أن تتغزل في حبيبها، ولا أن تبرع في المديح والفخر بنفسها كما فعل المتنبي حيث امتدح نفسه وحقّر الآخرين! وإن كان للمعري أخت لها المقدار نفسه من الموهبة الشعرية والفلسفة ذاتها، فلا تستطيع أن تُعلن عن شكوكها كما فعل وإن كانت رهينة المحبسيْن “محبس المنزل، ومحبس غربتها بين الناس” وتقوم بتأليف عمل ضخم كاللزوميات تلتزم فيه نظام القوافي وترعى احتياجات زوجها وأطفالها.
وفي العصر الذهبي لمصر في القرن الماضي، نجد أن هناك قامات أدبية كثيرة برزت مثل طه حسين، الرافعي، المازني، العقاد، زكي مبارك، المنفلوطي وغيرهم ولكن لم تبرز من النساء سوى قلة كسهير قلماوي وعائشة بنت عبدالرحمن والتي كانت تكتب باسم مستعار (بنت الشاطئ) خوفًا من إثارة حفيظة والدها بسبب التقاليد، إلى أن تزوجّت أستاذها أمين خولي والذي كانت معه حين أتمّت رسالة الدكتوراة.
ونجد بين هذه الأسماء الرجالية الكبيرة اسم مي زيادة الأديبة الفلسطينية-اللبنانية، والتي يبدو أن مجتمعها كان أكثر تفتحًا في نظرته إلى النساء. ومي كانت تجيد التحدث بأكثر من٧ لغات، ولها صالون أدبي شهير يُعقد كل يوم ثلاثاء، ويحضره كبار الأدباء، بل وأغرم بها الكثير منهم دون أن تبادلهم الغرام لأن قلبها كان مع اللبناني جبران خليل جبران. وعلى الرغم من أن الرافعي قد أحبها- وهو المتزوج- إلا أنه سخط عليها لأنها لم تبادله الحب فدفعته إلى كتابة ٤ مقالات في وحي القلم بعنوان الطائشة، فانظر إلى بعض ماكتب عنها!
“فتاة تعيش وتموت وما ولدت للأمة إلا مقالات؟” .. “المرأة الفلاحة في حجرها طفل قذر هي خير للأمة من أكبر أديبة تُخرج ذرية من الكتب!”.. “إن الشيطان لو خُيّر في غير شكله لما اختار إلا أن يكون امرأة حرة متعلمة خيالية كاسدة لا تجد الزوج!”
على العموم يبدو أن مي زيادة كانت لامنتمية حقًا، وقد جُنّت في آخر أيامها فدخلت العصفورية، وبعدها “انطفأت مي”.
وإذا رحلنا إلى أوروبا في عصر التنوير، نجد النمساوي موزارت، وهو من أشهر موسيقي العالم، بل إنه من أكثرهم تأثيرًا في الحقبة الكلاسيكية للموسيقى في أوروبا. كانت لديه أخت صغيرة “حقيقية بالمناسبة” تُدعى ماريا، وكانت موهوبة مثله تحب الموسيقى والعزف، وكانا يعزفان معًا في فيينا وباريس ومدن أوروبية أخرى في رحلتهما حول أوروبا لعرض موهبتهما أمام الناس، بل إنها تلقت في بعض الأحيان دخلًا أعلى من أخيها. لكنها عندما كبرت أجبرها والداها على التوقف عن العزف لأنها وصلت إلى سن الزواج وليس من اللائق أن تعزف كما يعزف الرجال، بينما سافر أخوها إلى باريس ومدن أخرى واستمر في العزف وأصبح من أشهر موسيقي العالم. انتهت القصة بنمسا تُمجّد ابنها موزارت وتضعه على ورق البنكنوت وتفتخر بمقهى شهير يُعرف باسمه في فيينا، ثم يتأثر به الموسيقار الألماني الشهير بيتهوفن، ولا نعرف شيئًا عن أخته وموسيقاها.
أما في انجلترا، تخبرنا فرجينيا وولف أنه كان “من المستحيل لامرأة أن تكتب مسرحيات شكسبير في وقت شكسبير!” تشرح أكثر فتقول أنه لو كانت هناك أخت لشكسبير موهوبة مثله ولها نفس القدر من ملكة الخيال، فإن أهلها حينئذ لن يرسلوها إلى المدرسة، ولن يعطوها الفرصة لتعلم النحو والصرف وقراءة هوراس وفيرجيل. وإذا قرأت بضع صفحات من كتاب، فإنه سيدخل عليها أبواها ويأمرانها بترتيق الجوارب أو الاهتمام بالقدر على النار، وألا تتسكع وتهدر وقتها عبثا مع الكتب والأوراق. “كانوا في الغالب يقولان ذلك في نبرة صارمة ولكن طيبة، وذلك لأنهم كانوا أناسًا يقدرون ظروف الحياة بالنسبة للنساء حق قدرها ويحبون ابنتهم… وقبل أن تخطو خارج سن المراهقة وجدت نفسها تُخطب سريعًا لابن تاجر الصوف في البلدة، وعندما صرخت واعترضت ضربها أبوها بقسوة.. وبعدها كف أبوها عن لومها وتعنيفها وبدأ يتوسل إليها ألا تجلب إليه العار في مسألة الزواج تلك وألا تجرحه” لكنها هربت! ولم تكن تبلغ سن السابعة عشر بعد، وذهبت إلى المسرح الذي تحبه وقالت لهم أنها تود أن تُمثّل “وضحك منها الرجال! أما مدير المسرح فانفجر مقهقًا وتحدث عن رقص الكلاب وتمثيل النساء وأنه من المستحيل أن تُصبح امرأة ممثلة”.
فمن المستحيل أن يكون في زمان شكسبير امرأة في عبقرية شكسبير “لأن عبقرية شكسبير لم تولد وسط أناس غير متعلمين خاضعين للأعمال الشاقة، بل ولدت في إنجلترا وسط الساكسونين والبريتون، وهي لا تولد اليوم وسط الطبقات العاملة، فكيف كان يتسنى أن تولد وسط النساء!” “وحين نقرأ عن ساحرة غمروها في الماء، أو امرأة تلبستها الشياطين، أو امرأة حكيمة تبيع الأعشاب الطبية.. فإننا فيما أعتقد نكون في أثر روائية مفقودة”.
وهناك الكثير من النساء الأديبات اللاتي تخفين خلف أسماء رجال، مثل مؤلفة “نساء صغيرات” لويزا ألكوت، وماري إيفان والتي عُرفت باسم جورج إليوت، وتشارلوت برونتي مؤلفة “جين إير”، وأختها ايميلي برونتي مؤلفة “مرتفعات ويذرنغ”..
أما في عصرنا هذا، وبعد أن سُمح للنساء بالدراسة أخيرًا، نجد تقريرًا يُفيد بأن البنات هن أكثر تفوقًا دراسيًا من الأولاد في أكثر من ٣٠ دولة، وكذلك الأمر في السعودية. لكن ما الذي يجري بعد إنهاء الدراسة فأصحاب المناصب الكبرى أكثرهم من الرجال؟ بإمكانكم تخيّل وضع المرأة كأم أو كزوجة أوكابنة تُرضي عائلتها أو حصولها في مجتمعات على مُرتب أقل من الرجل رغم كونهما يحتلان نفس المنصب الوظيفي (ففي الولايات المتحدة تحصل المراة على ٧٧ سنت مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل) أو وضعها في مجتمع يرى أن المرأة خُلقت للمنزل.
أريدُ أن أُنهي التدوينة بتعليق على هذه التغريدة: منذ إقامة أول احتفال بجائزة نوبل في عام ١٩٠١، إلى عام ٢٠١٦، لم تحصل النساء على جائزة نوبل سوى ٤٩ مرة فقط! فلنلق نظرة سريعة على حال النساء في الدولة الديمقراطية العظمى،الولايات المتحدة، والتي تعد أكثر دولة حصلت على جائزة نوبل، بمقدار ٣٥٢ فائز من أصل ٥٧٩ جائزة! فكيف كان وضعهن في أرقى مؤسسات التعليم- الجامعات- والتي تنطلق منها البحوث العلمية؟
بدأت جامعة هارفرد – والتي كانت مخصصة للرجال فقط- بقبول النساء لدراسة البكالوريوس بشكل عادل (بعدما كانت تقبل امرأة واحدة من كل ٤ رجال) في عام ١٩٧٧، أي ٤٠ سنة فقط!
جامعة كولومبيا في عام ١٩٨١، جامعة كورنيل في عام ١٩٧٠، برنستون في عام ١٩٦٩، وييل في عام ١٩٦٩!
فإذا كان الرجال لديهم حوالي ١١٥ سنة للحصول على نوبل، فإن النساء – وفي الولايات المتحدة فقط- كانت لديهن فرصة أقل بكثير. فكيف كان وضعهن في الدول الأخرى؟
الفائز الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل مرتين وفي مجالين علميين مختلفين كان امرأة! نعم، فازت ماري كوري البولندية المتزوجة من فرنسي والدارسة في فرنسا -الدولة الأكثر انفتاحًا حينها في تعليم النساء مقارنة بالولايات المتحدة- بجائزة نوبل في الكيمياء أولًا، ثم في الفيزياء!
مع كل الفرص المتاحة، لم يفز أي رجل بجائزتين نوبل في مجالين علميين مختلفين. هذا يُذكرني بمجال التمثيل، والذي سمح بالفرصة للنساء مبكرًا مقارنة بالعلم، فنجد أن أكثر شخص حصل على جائزة الأوسكار في التمثيل هي امرأة، فقد فازت كاثرين هبورن بجائزة الأوسكار ٤ مرات.
في جميع الأحوال، ليس هناك زمان أفضل لأن يعيش الإنسان فيه من زماننا هذا. انتشر العنف حول العالم، ومازال الكثيرون يعيشون تحت ظل حكومات طاغية، وعلى الرغم من أن كل الأديان السماوية تعلمنا الحب والعطف والتسامح، إلا أن العنف لايزال يُمارس باسم الدين.
ومع ذلك، أصبح عدد الفقراء بيننا أقل من العصور الماضية، كما تناقص عدد الجوعى، وأصبح عدد الأطفال الوفيات أقل، وانخفضت نسبة الأمية بين الرجال والنساء. وفي العديد من الدول، صار الإعتراف بحقوق المرأة والأقليات هو أمر طبيعي وسائد. صحيح أن هناك العديد من الأمور التي يجب أن نعمل عليها، ولكن بالطبع هناك أمل وهناك تحسن.
لكن أليس من الغرابة أن نجد الغضب والسخط منتشران في أكثر دول العالم ثراء؟ ففي الولايات المتحدة، وبريطانيا وعبر القارة الأوروبية نجد أن الناس هناك متوترون بسبب الإحباط السياسي، وقلقون بشأن المستقبل. يرغب المهاجرون واللاجئون بشدة الحصول على فرصة للعيش في تلك الدول المتقدمة والآمنة، ولكن هؤلاء الذين يعيشون فيها يعبرون عن قلقهم الشديد والذي يقارب اليأس إزاء مستقبلهم.
لماذا؟ هناك تلميح صغير من بحث مثير للدهشة عن كيف يزدهر الإنسان. في إحدى التجارب العجيبة، وجد الباحثون أن المواطنين كبار السن الذين لا يشعرون بأنهم مفيدون للآخرين، هم أكثر عرضة للموت قبل أوانهم ب٣ مرات من هؤلاء الذين يشعرون بأنهم مفيدين. هذا يعني بأن هناك حقيقة إنسانية واضحة: نحتاج لأن نشعر بأن غيرنا يحتاج إلينا.
إذا كان الآخرين يحتاجون إلينا فهذا لايعني أن هناك تكبّر واستعلاء على احتياجات الآخرين وشؤون دنياهم. بالأحرى، إنه يعني أنه توجد رغبة طبيعية لدى الإنسان في أن يخدم أقرانه من الرجال والنساء. ففي القرن ال١٣، علمتنا الحكم البوذية أنه إذا “أشعل شخصٌ النارَ للآخرين، فإن طريقه سوف يُضاء أيضًا”.
في الواقع كل الديانات الكبرى تعلمنا أن العمل المبذول من أجل خدمة الآخرين هو من طبيعتنا وهنا يكمن محور الحياة السعيدة. أكدت الدراسات والبحوث تعاليم أدياننا، فالأمريكيون الذين يجعلون فعل الخير للآخرين من أولوياتهم يميلون للإقرار -بحوالي الضعف- بأنهم سعداء جدًا في حياتهم. وفي ألمانيا، نجد أن الأشخاص الذين يخدمون مجتمعهم يميلون للإقرار بأنهم سعداء جدًا في حياتهم أكثر ب٥ مرات من هؤلاء الذين يرون أن خدمة الآخرين غير مهمة. الأنانية والسعادة لا يتقاطعان، فكلما أصبحنا كتلة واحدة مع الآخرين، كلما شعرنا بأننا أفضل.
هذا يساعدنا على توضيح الألم والسخط الذي يعاني منه الناس في الدول المتقدمة. فالمشكلة هي ليست نقص في الثروات المادية، بل في ازدياد أعداد الناس الذين يشعرون بأنهم غير مفيدين، غير نافعين، ولا يحتاجهم أحد، وليسوا متحدين مع مجتمعاتهم.
وفي أمريكا اليوم، مقارنة بخمسين سنة ماضية، تضاعف عدد الرجال العاطلين ٣ مرات. نجد أن هذا النموذج يتكرر في الدول المتقدمة، وعواقبها ليست فقط اقتصادية، فشعور المرء بأنه غير نافع هو ضربة لروحه الإنسانية. وهذا يقودنا إلى العزلة الإجتماعية، والألم العاطفي، ويخلق ظروفًا لأن تنمو المشاعر السلبية.
إذن، ماالذي بوسعنا أن نفعله؟ أول إجابة هي ليست منهجية، بل شخصية. كل شخص منا لديه شيء قيّم يشاركنا به. يجب أن نبدأ صباحنا كل يوم متسائلين بوعي “ما الذي أستطيع فعله اليوم من أجل أن أشكر العطايا التي يقدمها الآخرون لي؟”. نحتاج إلى أن نتأكد بأن الأخوة والإتحاد مع الآخرين هي ليست مجرد أفكار، ولكنها إلتزامات شخصية نطبقها بوعي.
كل شخص منا لديه المسؤولية بأن يجعلها عادة. لكن هؤلاء الذين يحتلون مناصب كبرى، لديهم فرصة مميزة بأن يتوسعوا في ذلك الأمر ويبنون مجتمعات تحتاج إلى خدمة الجميع.
يحتاج القادة إلى الإدراك بأن المجتمع المتراحم يجب أن يخلق فرصًا غنية للعمل النافع، حتى يستطيع الجميع أن يساهموا بمساعداتهم. يجب أن يوفر المجتمع المتراحم التعليم للأطفال وتدريبهم على إثراء حياتهم بالمزيد من التفاهم الأخلاقي وبالمهارات العملية التي ممكن أن تزودهم مستقبلًا بضمان اقتصادي وسلام داخلي. يجب أن يحمي المجتمع المتراحم الضعفاء من خلال التأكيد أن هذه السياسات لا تُوقع الناس في البؤس والإتكالية.
بناء مجتمع كهذا ليس بالأمر السهل. ليس هناك أي فكرة أو حزب سياسي يستطيع أن يقدم كل الأجوبة. تساهم الأفكار المضللة من جميع الأطراف إلى تهميش الكثير من الأفراد وإبعادهم عن حقوقهم في المجتمع، وبقهر هذه الأفكار سوف تؤخذ كل الحلول المبتكرة من جميع الأطراف. فما يجمعنا نحن الإثنين في صداقة أو تعاون مشترك ليس السياسة أو الدين، بل شيء أبسط من ذلك: إيماننا بالرحمة، بالكرامة الإنسانية، بالنفع الحقيقي لكل شخص حتى يساهم بشكل إيجابي لجعل العالم أفضل وأكثر نفعًا. الكثير منا حائرون وخائفون لرؤية الغضب والسخط ينتشران كالنار في المجتمعات التي تمتاز بالأمان والإزدهار. ولكن أمر رفضهم لأن يصبحوا سعداء يكشف عن شيء جميل: أن لديهم جوع إنساني لأن يحتاجهم الناس. دعونا نعمل معًا لبناء المجتمع الذي يغذي هذا الجوع.
هذا مقال نُشر في نيويورك تايمز، كتبه دالاي لاما وآرثر بروكس.
*الدالاي لاما ال١٤، تينزن جياستو، وهو القائد الروحي للتبت. حائز على جائزة نوبل للسلام. آرثر بروكس هو رئيس معهد أميركان انتربرايز
هذه مقالة كتبها برتراند رسل، الفيلسوف والرياضي الإنجليزي والذي تُوفي عن عمر يناهز السابعة والتسعين، عن التقدم في السن، ترجمتها لكم
كيف تتقدم في السن؟
بغض النظر عن العنوان، سيكون المقال بالأحرى عن “كيف لا تتقدم في السن؟”، والذي اعتبره موضوعًا مهمًا بالنسبة إلى سني. أول نصيحة أقدمها هي يجب أن تختار أجدادك بعناية: على الرغم من أن أبوي ماتا في سن مبكرة، إلا أنني أبليتُ بلاء حسنًا في اختياري لأجدادي. فجدي لأمي، توفّي بعمر الزهور في سن ال٦٧، لكن أجدادي الآخرين قد عاشوا حتى سن الثمانين. اكتشفت أن أحد أجدادي القدماء قد توفي بمرض يعتبر الآن نادر، فقد قُطعت رأسه. والدة جدتي، والتي كانت صديقة لجيبون “المؤرخ الإنجليزي”، قد عاشت إلى سن الثانية والتسعون، وكانت إلى آخر يوم في حياتها مصدر رعب للكثير من أحفادها. منذ أن صارت جدتي لأمي -والتي كان لديها ٩ أطفال بالإضافة إلى طفل توفي مبكرًا والعديد من الإجهاضات- أرملة وهي تضحي بنفسها من أجل تعليم المرأة. فقد كانت من أحد مؤسسي كلية جرتون، وعملت بجد من أجل أن يتاح المجال الطبي للنساء. اعتادت جدتي أن تخبرنا كيف أنها قابلت في إيطاليا شيخًا كانت التعاسة تبدو على ملامحه، فسألته عن هذا الحزن وأخبرها بأنه للتو قد افترق عن اثنين من أحفاده.
“يا إلهي.. لديّ ٧٢ حفيدًا، ولو حزنتُ في كل مرة أفترق فيها عن أحدهم لابد وأنني كنت سأصبح تعيسة جدًا”. فقال لها الرجل – بالإيطالية- “إنكِ أم غير طبيعية!”
. ولكوني أحد هؤلاء ال٧٢ حفيدًا، أستطيع أن أقول بأنني أُفضّل وصفتها. فبعد سن الثمانين وجدَت جدتي بعض الصعوبة في النوم، لهذا كانت تقضي وقتها منذ منتصف الليل إلى الساعة الثالثة فجرًا في قراءة العلوم المُبسّطة. لا أظن أنه كان لديها من الوقت لأن تلاحظ بأنها تتقدم في السن. لذلك، أعتقد بأن هذه الوصفة هي الطريقة الناجحة في البقاء شابًا. إذا كانت لديك اهتمامات واسعة ونشاطات كثيرة تمارسها، فلن يصبح لديك وقت للتفكير في أرقام السنوات التي عشتها، ناهيك عن التفكير بالسنوات القصيرة المتبقية في المستقبل.
وبالحديث عن الصحة، لا أستطيع أن أفيدكم بشأن ذلك خاصة لأن خبرتي بالأمراض قليلة. فأنا أشرب وآكل كما يحلو لي، وأنام عندما لا أستطيع أن أبقى مستيقظًا. لا أفعل أي شيء من أجل الصحة على الرغم من أن أغلب ممارساتي هي ممارسات صحية.
على الصعيد النفسي، هناك أمران خطيران يجب أن يُجتنبا مع تقدم السن. أولهما هو الإنهماك المفرط بالماضي من العيش في الذكريات، أو الندم على مافات، أو الحزن على الأصدقاء الذين ماتوا. يجب أن تكون أفكار المرء موجهة نحو المستقبل، ونحو الأشياء التي لابد وأن تُنجز. بالطبع هذا الأمر ليس سهلًا على الدوام، فماضي أي شخص يزداد ثقله مع مرور الأيام، ومن السهل التفكير بأن مشاعر المرء كانت أكثر حيوية في الماضي، وبأن عقله كان أكثر اتقّادًا في شبابه. فإن صحّ هذا الأمر، فيجب أن يُنسى، يجب أن يتناساه المرء حتى يصبح غير صحيحًا.
الأمر الثاني الذي يجب اجتنابه هو التشبّث بالشباب أملًا في الحصول على بعضٍ من حيويتهم. عندما يكبر أطفالك فإنهم يريدون أن يعيشون حياتهم كما يرغبون، وإن استمريت في أن تكون مهتمًا بهم كما لو كانوا صغارًا فإنك بالأحرى سوف تصبح حملًا ثقيلًا عليهم، إلا إذا كانوا شديدو التحمل. لا أعني بأنه لا يجدر بك الإهتمام بهم على الإطلاق، ولكن الإهتمام يجب أن يكون بالتفكير فيهم، واهتمامًا إنسانيًا ولكن ليس عاطفيًا على نحو لا يُحتمل. إن الحيوانات تُصبح لا مبالية بأطفالها إن هم كبروا واستطاعوا أن يهتموا بأنفسهم، لكن البشر، وبسبب طول فترة الطفولة، يتعلقون بأطفالهم فيجدون ذلك صعبًا عليهم.
أعتقد بأن التقدم في السن بشكل مُوفّق هو أسهل بالنسبة إلى هؤلاء الذين لديهم اهتمامات غير شخصية تنطوي على نشاطات ملائمة. فمن خلال هذه الاهتمامات تصبح الخبرة الطويلة مفيدة، ويستطيع المرء أن يستخدم حكمته الناشئة عن خبرته من غير أن تُظلم. لا يفيد إخبار هؤلاء الأطفال الكبار بأن يجتنبوا إرتكاب الأخطاء، لأنهم لن يصدقوك، ولأن الأخطاء هي جزء من التعليم. ولكن إذا كنت واحدا من هؤلاء العاجزين عن إيجاد اهتمامات غير شخصية، فسوف تجد أن حياتك أصبحت بلا معنى إلا إذا كانت تدور حولك وحول أطفالك وأحفادك. وفي هذه الحالة، من المهم أن تدرك بأنك طالما استطعت أن تخدمهم ماديًا كأن تعطيهم مصروفا أو تحيك لهم سترة، فيجب عليك أن لا تتوقع منهم أن يستمتعوا بصحبتك.
استنزف الخوفُ من الموت بعضَ كبار السن. ففي مرحلة الشباب، هناك سبب منطقي لهذا الشعور، فالشباب الذين يخافون أن يُقتلوا في معركة نستطيع أن نبرر شعورهم المرير بأنهم تعرضوا للخداع من أفضل الأشياء التي لابد أن تمنحها الحياة. ولكن في حالة الرجل كبير السن والذي عرف متع الحياة وآلامها، وأنجز في حياته بعض الأعمال، يصبح الخوف من الموت أمر حقير ووضيع. وإن أفضل طريقة لتجاوز هذا الخوف – كما يبدو لي- هي أن توسّع دائرة اهتماماتك وأن تجعلها غير شخصية على قدر الإمكان، حتى تنحسر جدران الأنا شيئًا فشيئًا، وتصبح حياتك مندمجة بشكل أكبر مع العالم. يجب أن يكون وجود الإنسان على الأرض مثل النهر: صغيرًا في بدايته، وتكون ضفتيه على الجانبين ضيقة، ثم يتجاوز الصخور والشلالات بسرعة، إلى أن يتّسع النهر وتبتعد ضفافه، فيفيض الماء بهدوء أكبر، وفي النهاية، دون أي انقطاع ملحوظ، يندمج النهر مع البحر، ويخسر فرديته من غير ألم. لن يعاني الرجل كبير السن، القادر على أن ينظر إلى حياته بهذا المنطق، من الخوف من الموت حيث أن الأشياء التي يهتم بها سوف تستمر. وحتى لو تدهورت عافيته، وازداد ضعفه، فإن فكرة الراحة الأبدية لن تصبح غير مرحب بها. أرجو أن أموت وأنا في عملي، عالِمًا بأن غيري سيُكمل مالم أستطع إكماله، وأرجو أن أكون راضيًا عن فكرة أنه كل ما كان بوسعي أن أفعله قد فعلته.
هذه التدوينة تحتوي على أسماء لكتب أعجبتني، عدد صفحاتها ١٠٠ صفحة أو أقل، وقد تزيد عن ذلك قليلًا أو كثيرًا على حسب طبعة الكتاب. الغرض من هذه التدوينة هو تشجيع البعض على القراءة اليومية، ومن الممكن أيضًا أن تكون هذه التدوينة ملهمة لآخرين يبحثون عن قائمة بكتب يودون قراءتها خلال العام القادم. سوف أقوم بتحديث هذه القائمة من وقت إلى آخر ان شاء الله.
روايات: ١- موت إيفان ايليتش: هذه رواية قصيرة لتولستوي، عن مصرع شخص اسمه ايفان ايليتش. الرواية عظيمة لأنها تُصوّر حكاية شخص في أيام احتضاره واستعداده للموت. ٢- الحمامة: لزوسكيند، وهو الذي ألف رواية “العطر” الرائعة. قصة الحمامة تدور حول شخص وحيد ومنعزل عن الناس، يعيش في غرفة صغيرة وحقيرة. كلما رأيت عيني حمامة أو نظرت إليها، تذكّرت هذه الرواية. ٣- الأمير الصغير: لأنطوان دو سان اكزوبيري، وهي من أكثر الكتب ترجمة ومبيعًا في التاريخ. الرواية هذه كُتبت للأطفال بطريقة فلسفية جميلة لكنها قد تُلامس روحك. ٤- مزرعة الحيوان: لجورج أورويل. أعجبتني هذه الرواية أكثر من روايته الشهيرة (١٩٨٤)، وهي تحكي عن قصة مجموعة من الحيوانات ثارت على صاحب المزرعة حتى تتولى إدارة المزرعة بنفسها. كتب جورج أورويل هذه الرواية الرمزية قاصدًا الثورة الروسية وأفكارها الشيوعية. ٥- رسائل من تحت الأرض أو الإنسان الصرصار: لدوستويفسكي، سوداوية! (١٣٦ صفحة). ٦- السقوط لألبير كامو: رواية فلسفية فيها الكثير من الثرثرة. أعجبتني أكثر من روايته الأشهر “الغريب”. ٧- الشيخ والبحر: لإرنست همنغواي، وهذه من أشهر رواياته وآخرها فقد حازت على جائزة بولتزر وحصل همنغواي على إثرها جائزة نوبل في الآداب. وهي تحكي عن صيّاد كبير السن ولكنه صبور – لم يصد أي سمكة لأكثر من ٨٠ يومًا- ثم عن حكايته في صيد سمكة. ٨- رحلة ابن فطومة: رواية فلسفية جميلة لنجيب محفوظ، وقد قرأتها بعد قراءتي لمقالة جورج طرابيشي وفيه يقول عنها “نحن لسنا أمام رواية، بل أمام هندسة روائية بكل ما في الكلمة من معنى. والمبدأ الموجه لتصميمها الهندسي هو التطابق ما بين الزمان والمكان، ومابين التاريخ والجغرافيا، وحتى ما بين تعاقب الفصول وأطوار العمر”. وبالفعل، كانت هندسة روائية. ٩- لاعب الشطرنج: قصة قصيرة رائعة! كتبها زفايج قبل أن ينتحر عن لعبة شطرنج لم تُوثّق لأنها أُقيمت على متن باخرة، وعن كمية الإعجاب والإنبهار الذي يحظى به لاعب الشطرنج المحترف من قِبل الناس، وعن التوتر والحقد الذي يحدث بين لاعبي الشطرنج. إذا كنت من محبي لعبة الشطرنج فستعجبك هذه الرواية كثيرًا. ١٠-راوية الأفلام: قصة من تشيلي عن فتاة تشاهد الأفلام ثم ترويها لعائلتها التي أرسلتها لمشاهدة الفيلم لعدم توفر المال الكافي لشراء التذاكر لهم جميعًا. ١١- حكاية السيّد زومر: قصة قصيرة رائعة لزوسكند -مؤلف رواية العطر الشهيرة- عن السيّد زومر الذي لا يفعل شيئًا سوى المشي طوال الحكاية. ١٢- النعاس (أو النوم) : قصة قصيرة للروائي الياباني الشهير موراكامي، عن سيّدة بقيت مستيقظة دون أن تنام لأكثر من أسبوعين. ١٣- اللؤلؤة: قصة قصيرة لجون شتاينبك الحائز على جائزة نوبل. القصة عن صيّاد وجد لؤلؤة كبيرة جدًا، ماذا سيفعل بها؟ تدور الرواية عن الطمع والشر في الإنسان. ١٤- المعطف: لنيقولاي قوقول، قصة قصيرة للغاية ولكنها رائعة ستتفكرون بها كثيرًا وستؤثر فيكم. يقول دوستويفسكي ”كلنا خرجنا من معطف قوقول“. ١٥- الكتب التي التهمت والدي: حكاية مسلية من أفونسو كروس، عن قصة شخص ينغمس كثيرًا في القراءة ويدخل عالمًا آخر من المغامرات. ١٦- روايات ستيفان زفايغ: لن تندم أبدًا على قراءة روايات ستيفان زفايغ، فستيفان عبقري بحق، وكل الروايات تقع في ١٠٠ صفحة أو أقل أو أكثر بقليل. هنا بعض رواياته الرائعة: ”فوضى الأحاسيس، هل فعلها؟، السر الحارق، ٢٤ ساعة في حياة امرأة“.
مسرحيات: ١- روميو وجولييت: لوليام شكسبير، وهي من أشهر مسرحياته التراجيدية وأكثرها تمثيلًا في التاريخ. تحكي عن حبيبين – روميو وجولييت- من مدينة فيرونا الإيطالية، لكنهما من عائلتين عدوّتين لبعضهما. ٢- يوليوس قيصر: أيضًا من تراجيديات شكسبير الرائعة، وفيها مقولته الشهيرة على لسان يوليوس قيصر “حتى أنت يابروتوس!”. تدور أحداث هذه المسرحية حول امبراطور الروم يوليوس قيصر، كما أنها تدور حول المؤامرات والخيانة. ٣- أهل الكهف: لتوفيق الحكيم، وهي مستوحاة من قصة أهل الكهف في القرآن الكريم. عن فتية ناموا في الكهف لأكثر من ٣٠٠ عام ثم استيقظوا بعدها، ياترى كيف ستكون حياتهم بعد هذا النوم الطويل؟ ٤- ثورة الموتى: لأروين شو الذي كتبها أثناء الحرب العالمية الثانية معبّرا عن رفضه للحرب. وهي عن ٦ جنود قد تُوفّوا بسبب الحرب ثم قاموا من موتهم ليثوروا.. لا يريدون أن يُدفنوا لأنهم لم يعيشوا حياتهم بعد! ٥- كوميديا الأخطاء: لوليام شكسبير أيضًا، ولكنها من ملهاته (كوميديّة)، قيل إنها من أول أعمال شكسبير. وهي تحكي عن زوجين من التوائم (سيدين وخادمين)، وكلا الزوجين يحملان نفس الإسم.. وخلال المسرحية تحصل الكثير من الأخطاء بسبب هذا الشبه. ٦- الملك أوديب: لسوفوكليس، وهي من الكلاسيكيات الشهيرة، إذ أن هناك مرض نفسي سمّاه “فرويد” ب”عقدة أوديب” على اسم بطل هذه المسرحية. هذه المسرحية تحكي عن نبوءة أن أوديبًا سوف يقتل أبيه ويتزوج من أمه. ٧- الملك أوديب: مسرحية ممتازة لتوفيق الحكيم اقتبسها من سوفوكليس، وهي من مسرحياته الشهيرة التي تقع في ١٣٠ صفحة.
فياللغةوالتراثالعربي: وجدتُ أن كتب المغربي عبدالفتاح كيليطو هي أهم مايبتدئه القارئ إن أراد القراءة في التراث العربي. تحتوي كتبه على ملاحظات كيليطو وتعليقاته على نصوص من التراث، هذه الملاحظات شيّقة ولذيذة للغاية! ١- لن تتكلم لغتي: مقالات ماتعة لكيليطو. ٢- لسان آدم: محاضرات ألقاها في فرنسا عن الجاحظ وابن رشد وألف ليلة وليلة. ٣- الأدب والإرتياب. ٤- العين والإبرة: دراسة في ألف ليلة وليلة. ٥- الكتابة والتناسخ. ٦- أبو العلاء المعري. ٧- بحبر خفي. ٨- في جو من الندم الفكري. ٩- من نبحث عنه بعيدًا يقطن قربنا.
٢- مكتباتهم: كتاب لذيذ للغاية من تأليف محمد آيت حنّا الذي يظهر أنه مُتأثر بأسلوب كيليطو. مقالات متعددة عن الكتب بشكل عام (القراءة، الكُتّاب، المكتبات..) وكل مقالة مخصصة لشخصية أدبية مثل الجاحظ وشوبنهاور والمأمون وبورخيس يبدأها بقصة لهم أو اقتباس عنهم أو أسلوب اُشتهروا به. أنصح به.
تاريخوسياسة: ١– البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدرك انجلز: هذا الكتاب- أو الكتيّب- من أكثر الكتب تأثيرًا في العالم. وهذا البيان كالخطاب للناس، وضّحا فيه ماركس وانجلز فكرة الشيوعية وعيوب الرأسمالية وأنهوها بمقولة شهيرة “يا عمّال العالم اتحدوا!”. ٢- المهدي والمهدوية: لأحمد أمين، عن عقيدة المهدي والتطور التاريخي لفكرة المهدوية في المذاهب الإسلامية بشكل مختصر. ٣- فن الحرب: كتاب صيني قديم جدّا (كُتب قبل الميلاد) لصن تزو، عن فنون واستراتيجات الحرب. ويقال أن الكتاب كان مُلهمًا للكثير من القادة كالطاغية”ماو تسي تونغ” رئيس الحزب الشيوعي الصيني، وهناك بعض الأفكار التي من الممكن أن تستفيد منها شخصيًا. ٤- الصعلكة والفتوة في الإسلام: للمفكر أحمد أمين. إذا كنت تتسائل عن أصل “البطلجية” في عصرنا، فهذا الكتاب يشرح لك كيف كانت العرب تستخدم لفظ (فتى) في الجاهلية، وكيف تغيّر استخدامها في صدر الإسلام إلى عصر المماليك، وكذلك ظهور الصعاليك، واختلاف مدلول الفتوة والصعلكة باختلاف العصور وباختلاف الواقع السياسي. كتاب يقع في ١١٠ صفحات تقريبًا.
فلسفة: ١- حي بن يقظان: للفيلسوف الأندلسي ابن الطفيل، وهي قصة شهيرة فلسفية عن شخص اسمه حي نشأ في جزيرة لوحده ربّته ظبية… فكيف تعلّم واكتشف وأدرك ذاته ووجوده وماحوله على هذه الجزيرة؟ هناك رواية فرنسية شهيرة اسمها “روبنسون كروزو” لدانيل ديفو قيل إنه استلهم قصتها عن ابن الطفيل. ٢- دين الفطرة- جان جاك روسو: كتاب رائع وهو نصّ مُقتطع من كتاب روسو الشهير “إيميل (أو التربية)”، وعلّق فولتير- والذي كان دائمًا يسخر من روسو وينتقده بشدة- على هذا النص بقوله”خمسون صفحة جيّدة.. استغرب أنها كُتبت من قبل هذا الوغد!”. ٣- مقال في المنهج: للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وقال فيه مقولته الشهيرة “أنا أفكّر، إذن أنا موجود”. اتبع أسلوب الشك في منهجه الفلسفي للتوصل إلى المعرفة. ٣- مرحبًا، هل من أحد هناك؟: لمؤلفه جوستاين جاردر، وهو مؤلف كتاب (عالم صوفي) الشهير. كتاب فلسفي بسيط موجّه للصغار، لكنه سيعجبك. ٤- فن الوجود: لإيريش فروم، يدور حول أسئلة فلسفية عن معنى الوجود وعن الحياة وكيف يعيش الإنسان وماهي مخاوفه في هذا العالم. ٥- مفهوم الحرية: للمفكّر المغربي عبدالله العروي، كتاب يشرح مفهوم الحرية في العالم الإسلامي والعالم الغربي.
اقتصاد: ١- خطوتك الأولى نحو فهم الإقتصاد: لجاسم سلطان، وهو كتاب صغير ومفيد بأسلوب بسيط عن المفاهيم والأفكار الأساسية للإقتصاد. أنصح بقراءته. ٢- التنمية.. الأسئلة الكبرى لغازي القصيبي: الكتاب لطيف ومفيد لكل من يجهل ماهية التنمية وأهميتها.
قصصوسيرذاتية \ تراجم: ١- العودة سائحًا إلى كاليفورنيا: لغازي القصيبي، يروي فيها عن رحلته مع زوجته وأبنائه إلى كاليفورنيا ولكن كمجرد سائح بعد أن كان يدرس فيها الماجستير وهو شاب، ويتحدث في هذا الكتاب اللطيف عن خواطره وأفكاره. ٢- عبقريات العقّاد: لعباس محمود العقاد وهي سلسلة من العبقريات والتي يتحدث فيها عن شخصيات إسلامية بناء على عبقريتها: عبقرية محمد، وعبقرية الصدّيق، وذي النورين، وعمر، والإمام علي.. يتراوح عدد صفحات أغلب هذه العبقريات مابين ال١٠٠-١٥٠ صفحة. ٣- الشيخ الرئيس ابن سينا: للعقاد أيضًا، يتحدث فيها عن الفيلسوف والعالم ابن سينا. كتاب لطيف لمن أراد أن يتعرف على حياة ابن سينا وجانبه الفلسفي. ٤- أيام بين باريس وشيكاغو: لمحمد حامد الأحمري، يتحدث فيها عن رحلته لشيكاغو وباريس بأسلوب لطيف ويسرد فيها بعضًا من أفكاره والمواقف التي شاهدها خلال رحلته. نستطيع أن نُصنّف هذا الكتاب ضمن أدب الرحلات. ٥- شيءٌ من حتّى (سيبويه) : لأحمد خالد توفيق، وعنوان الكتاب هو الجملة التي قالها عالِم النحو الشهير سيبويه وهو يحتضر “أموتُ وفي نفسي شيءٌ من حتّى”. أسلوبه ممتع ولغته جميلة. ٦- نبت الأرض وابن السماء، الحرية والفن عند علي عزت بيجوفتش: لمحمد حامد الأحمري عن المفكر والرئيس البوسنوي بيجوفتش صاحب كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب)، كتاب جميل يصلح لأن يكون مقدمة لمن لم يقرأ قط لبيجوفتش.
حكمومواعظ: ١- الحكم العطائية: لابن عطاء السكندري، من الكتب الصوفية الجميلة في تهذيب النفوس، من أشهر اقتباساتها “ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع، صار المنع عين العطاء”. ٢- النبي: لجبران خليل جبران، وهذا الكتاب هو من أشهر كتبه حيث تُرجم إلى أكثر من ٤٠ لغة! يتحدث فيها النبي “المصطفى” إلى أهل مدينة أورفاليس في مواضيع كثيرة عن الحب والزواج والأطفال والعمل والألم والأخلاق وغيرها من مواضيع الحياة بشكل فلسفي. ٣- نقاش: للكاتب الليبي الصادق النيهوم، كتاب خفيف يتناول موضوعات عديدة عن الحياة والإسلام من وجهة نظر فلسفية إسلامية.
كيف حالكم يا أصدقاء؟
لم يتبق إلا شهر واحد على انتهاء هذه السنة- أي ثلاثون صفحة تقريبًا- والتي مرّت سريعًا بأفراحها وأتراحها.. نسأل الله أن يجعل آخر هذه الصفحات مسكًا. في هذه التدوينة سوف أورد بعضًا من استعداداتي للسنة الجديدة 2017، وقد جعلتها مُبكرة بعض الشيء لعلّها تفيدكم.
أجندة جديدة: في العام الماضي تعرفت على ال”كتاب الأسود” من البراء العوهلي في تويتر، واستخدمته فاعجبني كثيرًا.
أصبحتُ استخدمه كمخطط يومي وأيضًا كمدونة للأحداث اليومية. واشتريت طابعة صغيرة لصور الجوال لها ورق لاصق، فصرتُ ألصق الصور التي التقطتها بواسطة جوالي في هذا الكتاب الأسود. بإمكانكم الإطلاع على تدوينة “مذكراتي العزيزة” لمزيد من التفاصيل. أما للعام القادم، وبمشورة صديقتي ريم، فاشتريتُ هذه الأجندة من Erin Condren
الجميل في هذه الأجندة أنك تستطيع اختيار الغلاف الذي يُعجبك، وضع اسمك على الغلاف، اختيار لون السلك الملفوف، واختيار لون الصفحات. كما أن هذه الأجندة مُقسمة بطريقة أكثر انتظامًا من الكتاب الأسود، وصفحاتها أكبر، وبسبب وجود السلك فإنك تستطيع وضع أوراق كثيرة (كالتذاكر، وبعض القصاصات..) بداخلها دون أن تتأثر.
استخدام الأجندة يجعلك أكثر التزامًا بمخططاتك اليومية، وأكثر انتظامًا. كما إنه يسهل عليك تدوين ما في جعبتك من أفكار بشكل مرتب.
تستطيعون طلب هذه الأجندة من موقع إرن كوندرن، وإذا سجلتم بريدكم الإلكتروني في الموقع فسوف تحصلون على كوبون خصم: https://www.erincondren.com
تقويم يومي: في العام الماضي استخدمتُ رزنامة الكاتب من تكوين، وكانت الرزنامة اللطيفة تحتوي على اقتباسات يومية من كُتّاب مشهورين عن الكتابة.
والعام الذي قبله كان لدي تقويم فيه اقتباسات يومية من مارك توين.
أما هذه السنة فقررت أن اشتري هذا التقويم الذي يعرض لوحة شهيرة كل يوم لأحد الفنانين، وبالتالي تكون فرصة فنية للتعرف على اللوح الشهيرة في العالم، وبالأحرى على 365 لوحة فنية خلال عام. سعر هذا التقويم اليومي 17 دولارًا، بإمكانكم شراؤه من أمازون
جورنال|مدونة يومية لمدة 5 سنوات: فكرة هذا الدفتر تعتمد على تكملتك لجملة مختلفة مثل “آخر قرار اتخذته مؤخرًا..”، “آخر خبر جميل سمعته اليوم..”،أحتاج إلى مساعدة بشأن..”.. في كل يوم، ثم الإجابة على هذه الأسئلة في العام القادم والذي يليه وهكذا لمدة 5 سنوات.
الجميل أنك سوف تُقارن إجاباتك بالسنوات التي خلت! من المثير أن تُقارن أحداثك في يوم معين -بل وحتى شخصيتك- على مدى السنين.
آية من القرآن الكريم يوميًا باللغة الإنجليزية: في العام الماضي، أهدتني صديقتي ريم هذا الكتاب الجميل شكلاً ومضموناً بمناسبة السنة الجديدة، الكتاب يحتوي على 365 آية من القرآن الكريم باللغة الإنجليزية – 365 اقتباساً موزعاً على أيام السنة-. الجميل في الموضوع أن قراءتنا لتفسير القرآن بلغة أخرى تساعد على فهم جديد ومختلف للآية. سوف أعتمد مطالعته في هذا العام أيضًا.
كتابة القرارات السنوية: في نهاية كل سنة أقوم بكتابة قائمة للسنة القادمة، وبمراجعة قائمة سابقة قمتُ بكتابتها بداية السنة. القائمة بسيطة للغاية وتحتوي على جزئين، جزء للقرارات التي أريد اتخاذها هذه السنة، وجزء للأمنيات. بالنسبة للقرارات، أحاول أن أجعلها معقولة حتى أستطيع تحقيقها كقراءة عدد معين من الكتب، كتابة عدد معين من التدوينات، بعض الأنشطة التي أود ممارستها، ومهارة أو اثنتين أود تعلمها. أما بالنسبة للأمنيات، فأدوّن ما أود تحقيقه في هذه السنة وأتمناه. كلا من الجزئين يحتويان على نقاط قليلة مابين 5 إلى 7 نقاط فقط، فقد تعلمت من القوائم في السنين السابقة أنه كلما طالت القائمة كلما بدت صعبة التحقيق. كنتُ قد بدأت بممارسة هذه العادة منذ 6 أو 5 سنوات تقريباً، ولكن إما أن تختفي الورقة التي كتبت عليها القرارات، أو أنسى أين كتبتها. ولكن منذ عام 2011 قررت أن أكتب هذه القرارات على مفكرة في “اللاب توب” لدي لحمايتها من التلف والنسيان. وبالفعل، أصبحت لديّ عادة ثابتة أمارسها بداية كل سنة جديدة أو نهاية كل سنة. عندما اقرأ قائمة القرارات التي كتبتها منذ سنة ينتابني شعور غريب، مزيج من الفخر والخجل والضحك. فقد أفخر بما أنجزته هذه السنة مقارنة بالمكتوب، و أخجل من إرادتي الكسولة بأنني أردتُ أن أفعل شيئاً ولم أقدم عليه، وأضحك على نفسي عندما أراني قد تمنيتُ بشدة شيئاً لم أحققه أو أحصل عليه وتبيّن لي خلال هذه السنة بأنه ليس مناسباً لي على الإطلاق. كما أنني أقوم بوضع هذه القائمة في مفكرة واحدة تتضمن السنين السابقة والسنة الحالية حتى أستطيع أن أقارن قراراتي وأمنياتي السابقة والحالية ببعضها. جربوا هذه العادة !
اختيار عدد الكتب التي أود قراءتها من خلال موقع قود ريدز: تستطيع أن تضع عدد الكتب التي تخطط لقراءتها في عام، وتُضيف الكتب المقروءة خلال السنة إلى الموقع حتى يقوم بدوره بإضافتها للتحدي. ينبغي التنبيه هنا أن عدد الكتب ليس مقياساً على جودتها، فخير لك أن تقرأ 10 كتب ممتازة من أن تقرأ 100 كتاب- لمجرد القراءة- في السنة. لكن المقصد من هذا التحدي هو أن تجعل من القراءة لك عادة، فعندما تريد أن تقرأ كتاباً واحداّ في الأسبوع، وهو رقم منطقي جداً، فهذا يعني أنك ستقرأ في السنة 48 كتاباً على عدد أيام الأسبوع في السنة. اجعلها 40 كتاباً، هناك بالتأكيد 8 أسابيع في السنة لا تود أن تقرأ فيها ومن أجل أن نجعل التحدي معقولاً. يمكنك أيضاً أن تقرأ كتاباً في الشهر، هذا يعني 12 كتاباً في السنة. من الممكن أن تضع 5 كتب صعبة تود قرائتها خلال العام القادم على سبيل المثال، وتجعل باقي الكتب موزعة ما بين الروايات والكتب الخفيفة.
وفي الختام، أليس من المثير – ومن المُحبط أيضًا- تصوُر السنة كدفتر شخصي يحتوي على 365 صفحة؟ بعض هذه الصفحات مليء بالأسطر السعيدة وبعضها يحتوي على كلمة واحدة حزينة، والكثير منها خالية من أي تعبير. وقد يحزننا أن ندرك أنه بمجرد تجاوزنا لصفحة واحدة فإننا لا نستطيع التعديل عليها للأبد وكأنها غُلّفت بتغليف حراري، فمهما حاولنا أن نُمحيها بقلم أسود عريض فإنها تظل شامخة قابعة بالأسفل. كأنه يُقال لنا “هذه صفحاتكم املؤها بما شئتم”..ولكن أوليس الكثير من صفحاتنا لم نشارك في كتابتها؟
الخوف من الموت – ذلك البلد المجهول الذي لا يعود منه المسافر أبدًا- يُحيّر إرادتنا، ويجعلنا نُؤثر تحمل المكروه الذي نعرفه على الهرب منه إلى المكروه الذي لا نعرفه
شكسبير على لسان هاملت – الفصل الثالث، المشهد الأول
الخوف من الموت، من أن حياتنا على هذه الأرض سوف تنتهي يومًا لهو أمر عظيم. وإنتهاء هذه الحياة كما نرى مع الأسف الشديد يتخذ شكلًا مأساويًا في العادة، فتنتهي حياة شخص ما لإصابته بمرض عضال أو بمرض من أمراض الشيخوخة، أو لحادث عرضي كاصطدامه بسيارة، أو بالحرق أو بالغرق.. سبب قوي قاسٍ ينزع منه الحياة، وتتعدد الأسباب والموتُ واحد. ونُدرك بأن أكثر حقيقة مُؤكدة على وجه الأرض هي حقيقة الموت. فقد “تُنكر العين ضوء الشمس من رمد.. ويُنكر الفم طعم الماء من سقم” وينكر البعض كُروية الأرض، ووجود الله، لكن لن يستطيع أي شخص أن ينكر وقوع الموت.
نخاف أيضًا من الموت لأنه أمر مجهول، ولدينا بعض المعتقدات الراسخة والمخيفة، كسكرات الموت، ونهش الديدان لجسد الإنسان الجميل، وحياة البرزخ، ثم أن الموت مرحلة يستعد فيها الإنسان للجنة أو النار.. لذلك فإن فكرة الموت مُرعبة للغاية. والمضحك أنك إذا طالعت الكتب وجدت أن بعض الأدباء والمشاهير يجعلون من الموت أمرًا سعيدًا فهم لا يهابونه، ويرددون أن الإنسان الشجاع يواجه الموت بسهولة.. ولكن من منهم جرب الموت ثم كتب عنه فيُؤكد لنا مايزعم؟
ولعلّ قصيدة مالك بن الريب من أصدق ما قالته العرب من الشعر لأن مالكًا أنشدها وهو يحتضر: أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني يقرُّ بعيني أن سهيل بدا ليا
فهو يخاف من وحشة الموت، ويأنسُ برؤية نجم سهيل الذي اعتاد رؤيته.. ويطلب من صاحبيه أن يبكيا عليه، وأن يزوراه، ونشعر في كامل القصيدة بخوفه من الموت بعيدًا عن أهله وقومه. ولكن لماذا يريد القرب منهم وهو يعلم أنه سيرحل وحيدًا فلا ينفعه قربهم إليه؟ ولأن الإنسان من النسيان، فهو يتناسى هذا الخوف لحد الإنكار ويُداريه حتى يتجذّر في اللاوعي، فيظهر له هذا الخوف بشكل أو بآخر. في كتاب إرنس بيكر “إنكار الموت” والذي كتبه قبل أن يموت بعام واحد ثم حصل بعد موته بشهرين على جائزة بوليتزر، يتحدث عن هذا الإنكار، فيدور كتابه حول فرضية أن التطور البشري الذي نشهده الآن ماهو إلا دليل على حيلة دفاعية نفسية يستخدمها الإنسان يُنكر بواسطتها الموت ويرغب من خلالها الخلود.
فالعلوم والفنون الإنسانية كالموسيقى والآداب وحتى الحركات السياسية لم تتطور إلا لرغبة الإنسان في تخليد ذكراه من خلالها. ويخبرنا بيكر أن الناس يجعلون من الأشخاص الذين واجهوا الموت أبطالًا بل ويقدسونهم، فيسوع هو بطل في العقيدة المسيحية لأنه انتصر على الموت ورجع إلى الحياة. ويذكرني بذلك بالشهداء عند المسلمين، فهم أبطال أيضًا تحدّوا الموت ومازالوا أحياء عند ربهم يُرزقون.
ومن أشكال إنكار الموت وطلب الخلود هو التناسل، ويذكرنا بقول شوبنهاور “أن الإنسان يقهر الموت من خلال الإنجاب”. ولعل ذلك أيضًا أن يُذكّرنا بالسيناريو المتكرر عن الرجل الشرقي الذي يصر على إنجاب ذكر حتى يحمل-يُخلد- اسمه. ومن الطريف أن هذا الرجل لن يُذكر اسمه بعد جيلين في الأوراق الرسمية التي أصبحت تسأل فقط عن الاسم الرباعي وأحيانًا الثلاثي، وأن شوبنهاور خُلّد ذكراه على الأرض بلا ولد.
ومن أشكال التهرب من الموت والرغبة في الخلود بحثُ الإنسان عن معنى لحياته. فالكآبة في وجهة نظر بيكر ماهي إلا فقدان الإنسان للمعنى في هذه الحياة، فعندما يُصاب الشخص بالشيزوفرينيا – مرض الفصام- فهو يختلق واقعًا يُريده حتى يضيف معنى إلى حياته، فالمرض هذا ماهو إلا افتقاد الإنسان إلى حيلة نفسية دفاعية ضد الموت.
وعندما تُطالع الكتب وتتقلب بين آراء الناس تجد أن جميعهم يُشدد على أن يكون لحياتك معنى، وإلا ..فمن الأشرف لك أن تموت! يا لقسوة الإنسان على أخيه الإنسان! ألا يقولون أن بسبب اليأس وُلدت العدمية؟
لكن كيف نجد هذا المعنى المُنقذ؟ يذكر بيكر بأن الدين لا يُقدم للإنسان هذا المعنى، وكذلك الأمر بالنسبة للعلم، فهما قاصران على تقديم معنى حقيقي لحياة الإنسان، فيجب على الإنسان أن يبحث عن “أوهام” جديدة مُقنعة تُضيف معنى لحياته حتى يشعر بالبطولة التي تجعله يقهر خوفه من الموت.. لكنه لا يُفصح لنا عن ماذا يقصد بهذه الأوهام!
يحضرني كتاب فيكتور فرانكل “الإنسان يبحث عن المعنى” -والذي كان يتحدث فيه عن فترة إعتقاله في اوشفيتز وأصبح يُعالِج بالمعنى-يقول فيه بأن الإنسان لا يمكنه أن يجد المعنى في داخله أو في ذاته، لأن الإنسان مهما حاول أن يحقق ذاته فإنه يفشل في ذلك. ولكنه يمكنه أن يجد معنى لحياته في 3 أمور: – ويستشهد في ذلك بقول نيتشه “إن من عنده سببًا لأن يعيش من أجله، فإنه غالبًا يستطيع أن يتحمل في سبيله بأي شكل من الأشكال”- 1- من خلال عمل ما: وهو مقصد الحياة للكثير من الناس 2- من خلال تجربة يعيشها أو شخص يقابله (الحب)
3- من حالة يتوصل إليها من خلال المعاناة: كأن يكون مريضًا بالسرطان، فهو يواجه مصيرًا لا يمكن تغييره “عندئذ يكون أمام الشخص فرصة أخيرة لتحقيق القيمة العليا، لتحقيق المعنى الأعمق وهو المعاناة.. فإذا قبل تحدي المعاناة بشجاعة، كان لحياته معنى حتى اللحظة الأخيرة”.
وعن الخوف من الموت والخلود، هنا مقطع فيديو-4 دقائق- يتحدث عن سيناريو عجيب.. لو أن هناك شخص خالد، فكيف ستكون حياته الأبدية بين الفانين من البشر؟
وصلني مع كتاب الدوحة هذا الكتاب الصغير عن المعتمد بن العباد. كما ذكرتُ في إحدى التدوينات، فإني لم أكن أعرف عن ابن عباد سوى معلومات ضئيلة وغير واضحة بالنسبة إلي خاصة عندما أحاول استرجاعها من الذاكرة، لذلك قررت أن أشاهد أولّا ثلاثية الأندلس (صقر قريش- ربيع قرطبة- ملوك الطوائف) قبل أن أشرع في قراءة الكتاب، وكم كان هذا القرار رائعًا! سررتُ بهذه الصدفة والتي جعلتني أقرر مشاهدة الثلاثية.
حسنًا.. لماذا كان المعتمد بن عباد هو محور ملوك الطوائف ومحل اهتمام الكثير من المؤرخين؟ لأسباب كثيرة، منها أنه شاعر عظيم، ومنها لعلاقته بزوجته الرميكية، وعلاقته بوزيره ابن عمّار، ثم بيوسف بن تاشفين أمير المرابطين، ثم الذُّل الذي عانى منه في أواخر حياته. وسوف نأتي على كل منها باختصار على حسب التسلسل التاريخي لها.
ابن المعتضد بن عبّاد: والده كان المعتضد بن عبّاد، والذي يرجع نسبه إلى النعمان بن المنذر أحد أشهر ملوك المناذرة قبل الإسلام وصاحب قصر الخورنق. وكثيرًا مايفتخر المعتمد في المسلسل بنسبه وأنه من نسل “ابن ماء السماء”. كان المعتضد بن عبّاد طاغية لدرجة أن كتب التاريخ تحدثت عن “حديقة الرؤوس” وهي خزانة او لوحة كان يعلق فيها رؤوس من قتَلَهم! وتمرد عليه ولده اسماعيل فقتله بيديه! وفي المسلسل يظهر لنا أن المعتمد شاهد قتل أبيه لأخيه- لا أعلم عن مدى صحة الواقعة- وقد تكون هذه الواقعة قد أثّرت فيه كثيرًا، فينشأ المعتمد رقيق القلب ضعيفًا بعض الشيء بخلاف أبيه.
علاقته بوزيره ابن عمّار:
وعلاقته بابن عمّار في أول حياته قوية جدّا -وقد تكون غريبة بعض الشيء لدرجة أن البعض قد شكك في هذه العلاقة لقوتها- حتى أصبح وزيرّا له عندما تسلّم المعتمد الملك بعد وفاة أبيه، فأصبح الآمر الناهي وأصبحت دولة المعتمد هي دولة ابن عمّار. ويذكر التاريخ أنه ردّ الملك الأدفونش|الفونسو وجيشه عن إشبيلية عندما تحدّاه في لعبة الشطرنج وفاز عليه وأهداه طبرزينًا (يشبه الصولجان).
تُورد كتب التاريخ قصة عجيبة: يروي ابن عمّار للمعتمد أنه سمع هاتفّا في المنام يقول له ثلاثا “لا تغترّ أيها المسكين، فإنه قاتلك ولو بعد حين!”
وحينها ضحك المعتمد وقال: يا أبا بكر، أضغاث أحلام.. وكيف أقتلك؟ أرأيت أحدًا يقتل نفسه؟ وهل أنت عندي إلا كنفسي؟
خرج ابن عمّار إلى مرسية وانفرد بحكمها وانقلب بذلك على المعتمد، وأنكر فضله عليه. بل قام بهجائه:
أراك تورّي بحب النساء.. وقدما عهدتك تهوي الرجالا!
بل وذكر زوجته الرميكية بالسوء:
تخيّرتها من بنات الهجان.. رميكية لا تساوي عقالا
لكن ابن عمّار وقع في أسر المعتمد، وبعث إليه يسترحمه لينظر في أمره: سجاياك، إن عافيت أندى وأسجح.. وعذرك إن عاقبت أجلى وأوضح
وقتله المعتمد بيديه، بالطبرزين الذي أهداه الملك الفونش إلى ابن عمّار! ثم أمر المعتمد بغسله وتكفينه وصلى عليه ودفنه بقصره!
علاقته بابن تاشفين:
يصف الكتاب العلاقة بين المعتمد ابن عباد ويوسف بن تاشفين بالعلاقة بين الشرق والغرب، بين الحضارة والبدو، بين العرب والبربر.. ضجر أهل الأندلس والمعتمد من الجزية التي كانوا يؤدونها للملك أدوفنش فاستعان المعتمد بالمرابطين، وجرت معركة عظيمة ذكرها التاريخ ضد الأدفونش قادها المعتمد بنفسه مع يوسف بن تاشفين وهي معركة “الزلاقة” وأبلى فيها بلاء حسنا حتى قيل “كأنه بطلها الأول وليس يوسف بن تاشفين” و”ثبت المعتمد في ذلك اليوم ثباتًا عظيمًا، وأصابه عدة جراحات في وجهه وبدنه وشُهد له بالشجاعة”.
في المسلسل اشترط يوسف بن تاشفين على المعتمد أن لا يتعاقد مع الأدوفنش ولا يدفع له الجزية، إلا أن المعتمد أخل بهذا الشرط فأرسل إليه يوسف بن تاشفين جيشًا لعزله. وقيل إن يوسف بن تاشفين عندما رأى إشبيلية وجمال قصورها قال
“لما رأيت تلك البلاد صغرت في عيني فكيف السبيل إلى تحصيلها؟”
وقرر عزل المعتمد بفتوى من أبي حامد الغزالي – ومن الطريف أن المرابطين أحرقوا كتاب الغزالي “الإحياء” بأمر من يوسف بن تاشفين بعد ذلك-. لتقوم بعدها دولة المرابطين ( وهم من غير العرب) “فشنّت الغارة في البلد، ولم يترك البربر لأحد من أهلها سبدا ولا لبدا، وانتهبت قصور المعتمد انتهابا قبيحا” ويأتي الجزء الأكثر حزنُا في قصة المعتمد: قصة أسره 🙁
الذل في آخر حياته: قاد المرابطون المعتمد وأهله في مرأى من الناس “وقد حُشروا بضفتي الوادي، يبكون بدمع الغوادي”.
ثم أُسروا في طنجة أولًا (أي ليس في بلاد الأندلس!) ثم رُحلّوا إلى مدينة صغيرة في المغرب اسمها أغمات وبقي هناك حتى توفّاه الله.
تخبطت مشاعري كثيرًا حين رأيت ملكّا قد ذُل في آخر حياته، ولا أدري لم كل هذه القسوة من يوسف بن تاشفين حيث كان بإمكانه حبسه في الأندلس دون أن يذله هكذا ولكن المرابطين عُرفوا بالجفاوة والقسوة. وقد ذُكر بأنه قد أطلق سراح طائفة من أهل فاس كانوا قد عثوا فيها فسادا، وفسقوا وطغوا.. ولكنه لم يُطلق سراح المعتمد ولم يخفف من قسوة أسره. واشتكى المُعتمد من الغربة وحنينه إلى أشبيلية والأندلس كثيرًا في أشعاره.
ولفترة، وُضع القيد في أرجل المعتمد – ولا أدري لماذا القيد وهو عجوز لا يُخشى منه الهرب، هذا بالإضافة إلى وجود حارس في أسره- وقال في ذلك: قيدي! أما تعلمني مسلمًا؟ .. أبيت أن تشفق أو أن ترحما؟ دمي شراب لك واللحم قد.. أكلته! لا تهشم الأعظما
واشتغلت بناته في حياكة الصوف وغزله للناس، وفي ذلك قال: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورًا…فساءك العيد في أغمات مأسورًا ترى بناتك في الأطمار جائعة.. يغزلن للناس، مايملكن قطميرًا يطأن في الطين والأقدام حافية.. كأنها لم تطأ مسكًا وكافورًا
واشتياقه لوطنه، ثم شعوره بالغربة في المغرب: غريبٌ بأرض المغربين أسيرُ ..سيبكي عليه منبر وسرير
ونلاحظ أن المسلسل يهتم بوضع أصوات الغربان قبل وقوع أمر عظيم- صوت الغراب عند العرب نذير شؤم- وفي ذلك قال المعتمد: غربان “أغمات” لا تعدمن طيبة .. من الليالي وأفنانا من الشجرِ!
ثم قوله لهذه الأبيات الحزينة والرائعة والتي أوصى بأن تُكتب على قبره: قبر الغريب سقاك الرائح الغادي.. حقًّا ظفرت بأشلاء بني عبّاد
(الصور التالية من قوقل)
يذكر المؤرخون بأنه لولا هذه النهاية التراجيدية للمعتمد – كأن قُتل في الزلّاقة- لما كان شأنه ذكر بغير القدر الذي عليه الآن. “أو ليس موت الشخص باعثًا لانبثاق حياة أخرى؟”
علاقته بزوجته اعتماد الرميكية:
على الرغم من أنها زوجة المعتمد، إلا أنها مازالت تُنسب إلى رميك بن حجاج لأنها كانت جارية عنده فسُمّيت بالرميكية. وبينما كان المعتمد يتنزّه مع صديقه ابن عمّار عند النهر طلب منه بأن يُكمل صدر بيت الشعر الذي بدأه صنع الريح من ماء الزرد..
إلا ابن عمّار تأخر في الرد عليه، فجاءه الرد من امرأة عند النهر تغسل الملابس: أي درع لقتال لو جمد فأُعجب المعتمد بسرعة بديهتها وبجمالها فقرر أن يشتريها من رميك بن حجاج وأن يتزوجها
كان المعتمد يحب زوجته كثيرًا، لدرجة أنه قرر أن يُلقب بالمعتمد على اسمها اعتماد- اسمه محمد بن عبّاد بالمناسبة- وروت كتب التاريخ أنه كان يُنفق عليها الكثير من ماله لإرضائها، ومن أشهر هذه القصص قصة (يوم الطين) فقد اشتهت الرميكية يومًا أن تلعب في الطين كما كانت تلهو به وهي جارية، فأمر المعتمد بأن “يُسحق لها الطيب، وتغطى به كل ساحة القصر، ثم تُصب الغرابيل، ويُصب ماء الورد عليهما، وقد عُجن ذلك حتى أصبح كالطين فسارت عليه الرميكية مع جواريها” وقد غضبت منه في الأسر في آخر حياته بعد أن انقلب أمره، فقالت له والله مارأيت منك خيرا قط، فقال “ولا يوم الطين؟”.
وقد تُوفيت قبل زوجها، ودُفن بجانبها في ضريح في أغمات أصبح معروفًا بعد ذلك.
في هذا المسلسل أيضًا نجد الشاعر ابن زيدون والذي كانت العرب تُشبه أشعاره بالمتنبي شاعر الشرق- إلا أن أحمد أمين في كتابه عصر الإسلام يخبرنا بأنه لم يتفوق على المتنبي- وكونه وزيرًا للمعتضد ثم ابنه المعتمد، وعلاقته بولّادة بنت المستكفي والتي قالت فيه شعرًا جميلًا نُقش على قبرها في قرطبة: أغارُ عليك من عيني ومني .. ومنك ومن زمانكَ والمكانِ ولو أني خبأتُك في عيوني .. إلى يوم القيامة ما كفاني
في النهاية، لم أسميتُ تدوينتي هذه بملوك الطوائف – قيم أوف ثرونز؟
المتأمل في حال ملوك الطوائف يتعجب من إقتتالهم من أجل المُلك، حتى أنهم ليتفقون مع العدو الأجنبي (ملك قشتالة) ضد بعضهم البعض من أجل بقائهم على العرش دون الإكتراث بأحوال شعبهم. ثم هناك الكثير من قصص الطغاة والخيانة والمؤامرات في هذا المسلسل، كعزم ابن المعتضد “اسماعيل” على قتل أبيه، وقتل المعتمد لابنه، وقصة حب ولادة بنت المستكفي وابن زيدون، وخيانة ابن عمّار للملك..وغيرها. والعجيب أن هذه القصص حقيقية من التاريخ وليست من خيال أحد، والأعجب من ذلك أن التاريخ يُعيد نفسه ولكن هل من مدكر؟ ثم إنني اخترت هذا العنوان حتى يجذب اهتمامك أيها القارئ، فلو وضعتُ اسم ملوك الطوائف لتردد البعض في قراءة التدوينة 🙂
أبدع المخرج السوري حاتم علي، ومؤلف المسلسل وليد سيف في الثلاثية كثيرًا رغم ضعف الإمكانيات في ذلك الوقت. الحوارات التي دارت بين الممثلين رائعة وقفت عندها طويلًا! أشك في أن هناك من هو أفضل من السوريين واللبنانيين في تقديم البرامج والمسلسلات باللغة العربية الفصحى منذ سانشيرو وكابامارو حتى مسلسل عمر بن الخطاب.
أنصحكم بمشاهدة الثلاثية! إلى اللقاء في تدوينة قادمة.
“لو أن مولودًا صغيرًا عرف أن يتكلم، لكان عبّر بالتأكيد عن دهشته من الوقوع في عالم غريب.. ولكنه قبل أن يصبح قادرًا على التكلم بشكل صحيح، يكون الكون بالنسبة له قد أصبح عادة”.
هل تعوّدت على العالم وأصبح كل شيء بالنسبة لك عاديًا؟ أغرقت في الروتين اليومي لدرجة أنه من الصعب أن يدهشك أي شيء؟ تفكّر قليلًا في التالي: كانت احتمالية التقاء أمك بأبيك هي 1 من 20 ألفًا، ثم عندما غمرهما الحب كانت فرصتهما في إنجابك كطفل لهما -باعتبار أن الرجل ينتج 4 تريليون من الحيوانات المنوية خلال حياته والمرأة تُنتج 100 ألف من البويضات خلال حياتها، واحتمال إلتقاء حيوان منوي واحد ببويضة واحدة هو عبارة عن 1 من 400 كوادريليون (18 صفرًا)! ثم لو عدنا إلى الوراء، وكيف أن كل جدّ من أجدادك التقى بامرأة (إحدى جداتك) إلى أن وُجد أبويك.. سوف تجد في النهاية أن احتمالية وجودك على هذا الكون تساوي…الصفر! هل أنت معجزة؟ ثم امتلاكك -أنت أيها المعجزة- لهذا الجهاز الذي تقرأ منه تدوينتي، ماهذه الفرصة التي جعلتك تضغط على رابط التدوينة وجمعتني بك كقارئ؟ أليس هذا كله مثير للدهشة؟
نحن اعتدنا الحياة حتى اعتقدنا أن كل شيء حولنا رتيب وممل، ورفعنا سقف الدهشة عاليًا فلا نتعجب إلا عندما نرى ماهو غير مألوف، وقد تكون الأمور المألوفة هي الأحق بالدهشة.
هناك أمثلة على كثير من الأمورة اليومية التي قد تجعلك تتأملها فتُصيبك بالدهشة..ملابسك القطنية على سبيل المثال: فلّاح استخدم آلة لحصاد القطن، ثم فرز المحصول باستخدام المحلج، وخزّنه ثم شحنه أو قامت شركة ما بهذه المهمة عنه وشحنت المحصول إلى الشركات التي استخدمت هذا القطن في تصنيع وإنتاج الملابس، ثم هناك المصمم الذي وضع تصميم قميص قطني وبعده العامل الذي قام بحياكة هذا القميص تحت الآلة، ثم صاحب المحل الذي أمل بأن يجني رزقه من وراء هذه القطعة فعرضها في دكانه للناس، ورأيته أنت في أحد نزهاتك في السوق ونال على إعجابك بدرجة كافية لأن تشتريه. ياترى كم من الوقت وماهي الحكايات التي صارت خلال هذه الفترة حتى وصل إليك هذا القميص شخصيًا؟
ومثل ذلك القهوة أو الشاي، فهناك الفلّاحة في مزارع سيرلانكا تعمل على قطف الشاي منذ الصباح أو الفلّاح في مزارع كولومبيا يحصد بُن القهوة بيديه، ياترى كيف كان شكل أياديهم المتعبة؟ الكثير من القصص حصلت في هذه المزارع بالطبع، فهذه الفلّاحة تريد أن تؤمن معيشة هانئة لأطفالها وتتكفّل بمصاريف دراستهم، وهناك صاحب المزارع الذي لا يُعوض الفلاحين نظير عملهم بشكل عادل، وقد تكون هناك تدخلات من الطبيعة ككمية المطر أو الحشرات فتُقلق هؤلاء… ثم أنت ومزاجك، ما هو الموقف الذي جعلك تجرب الشاي أو القهوة ثم تقع في غرام أحدهما فتداوم على شربه؟
عندما تسير في مكان ما على قدميك، ياترى مَن مِن الأشخاص قد حطّت قدماه على هذه البقعة من الأرض، كم عددهم؟ هل هم سعداء؟ هل كُسرت قلوبهم يومًا؟ هل هناك شخصًا ذكره التاريخ قد مشي في هذا الموضع من الأرض أم هو مغمور يشبهنا؟ قد يكون هناك شخص ما تُوفي على هذه البقعة وقد يكون هذا قبره في أحد الأزمنة، وقد تكون هناك حرب ما قد اندلعت في هذا المكان..
هل لديك حساب في تويتر؟ أليس غريبًا أن يكون لك متابعين؟ تخيّل أنك أردت أن تعبّر عن رأيك في شركة الإتصالات قبل عشرة أعوام، كنت ستصبح سعيدًا لو أن هناك 10 أشخاص فقط توقّفوا عن مشاغلهم اليومية من أجل سماع رأيك بالكامل ثم انصرفوا، أليس هذا عظيمًا؟
عندما تضغط على مفتاح النور في غرفتك المظلمة، وفي جزء من الثانية تصير مضيئة تستطيع أن ترى كل شيء فيها، إنتقالك من الظلام إلى النور.. عندما تنظر إلى البدر بإعجاب وهو مكتمل وهناك أشخاص في هذا العالم ينظرون إليه في نفس اللحظة.. عندما تفتح الصنبور ويهل الماء على يديك.. عندما تدوس على حشرة من بين ملايين الحشرات (يالحظها التعس).. عندما تخلط اللون الأصفر مع الأزرق فيُنتج لك اللون الأخضر..
هذا وثائقي عظيم من إنتاج بي بي سي متوفر على نت فليكس سيُصيبك بالدهشة حتمًا طوال فترة مشاهدتك له، عن كوكبنا الأرض، بُذل فيه مجهود عظيم – 5 سنوات- من أجل إنتاجه. هذا الوثائقي الرائع هو سلسلة جميلة من 11 حلقة، عن الصحاري والمحيطات والغابات والجبال وغيرها. أنصحكم بمشاهدته.
أترككم مع بعض الأمور التي أدهشتني وتأملتها طويلًا: هذا المخلوق الجميل يُصيبك بالدهشة والإعجاب، ويجعلك تظن بأنه يراقبك خاصة مع الأعين الصغيرة المُوزّعة على أجنحته وردات خرجن من فتحة في البالوعة!
قد تكون رسمة طينية وقد يكون هناك سلطعون بالفعل يقبع تحتها قبل زفلتة الشارع هل هناك أليس في الجوار في حفلة شاي؟ أم هذا جندي من جنود ملكة القلوب؟ بطاقة دعوة لاحتضان شخص ما تحتضن الأرض بطاطا بالثوم تبادلني الإعجاب كما أبادلها وتُعبّر عنه برسمة القلبعلى سطحها اللذيذ
كنت أظن أن الدجاج والديك من الحيوانات الداجنة حتى رأيت هذه العائلة في الطريق هيكل عظمي أجده دائمًا في شوارع المدن الأمريكية رواية أحدب نوتردام مُهملة على الأرض، ياترى هل ارتاع القارئ من بشاعة كوازميدو للدرجة التي جعلته يرمي الكتاب هكذا؟
مرحبًا بكم يا أصدقاء، هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي استعرض فيها بعض تجاربي في قراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب. إذا فاتتكم التدوينات السابقة فبإمكانكم قراءتها: تجارب1، تجارب2، بعض من التجارب والخيبات.
وثائقيات: دخان الذهب
لم أكن أعرف بأن العود نادر للدرجة التي تجعل البعض يتقاتلون من أجل الحصول عليه. هذا وثائقي أنتجته قناة الجزيرة وأعدّه وقدّمه “علي الوذين” وهو شاب قطري يذهب في رحلة إلى بريطانيا وفرنسا وتايلند وماليزيا حتى يوّثق لنا الحكايات ويعرفنا على طرق استخراج العود. وحتى تدركون مدى نُدرة العود، هذه بعض الصور من حساب “علي الوذين” في تويتر وفيها خواتم من المجوهرات والألماس مع قطع من العود النادر.
كتب: هذه السنة تعرفت على الكاتب المغربي عبدالفتاح كيليطو، وكتبت عنه في تدوينة سابقة (كيليطو.. بورخيسنا العربي). من أحب كتبه إلى قلبي بعنوان (لن تتكلم لغتي)، وهي مقالات ماتعة لكيليطو. يفتتحه باقتباس طويل لبيترارك- وهو شاعر إيطالي من القرن الرابع عشر- “أرجو منك، في كل ما يتعلق بي، أن لا تقيم أي اعتبار لعربك.. إنني أكره هذه السلالة بكاملها.. أعرف شعراءهم، ولايمكن تصور شيء أكثر هشاشة وأكثر إزعاجًا، وأكثر فُحشًا..” ويبدو لنا أنه يستثير حميتنا العربية حتى نوافق مبدئيًا على ماينادي به في عنوان كتابه.
ثم يتحدث عن إعجاب العرب بلغتهم وإقرارهم بأن شعرهم هو الأفضل من غير تجريب لشعر اللغات الأخرى، حتى أنهم لم يُترجموا أشعار اليونانيين كما فعلوا مع فلسفتهم، ولم يخاطبوا إلا العرب في مؤلفاتهم. ثم يتسائل عن ما إذا كان التحدث بأكثر من لغة يضر باللغة الأم، ويتخذ قول الجاحظ عن التحدث بلغتين “واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها” فالمرء عاجز عن امتلاك لسانين.. هذه أمثلة لما ورد في الكتاب الذي يُلقي الضوء على كثير من قصص التراث ومؤلفاته، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالخجل من عدم إطّلاعنا الكافي على التراث العربي رغم لهفتنا لقراءة كل الأدبيات الكلاسيكية الأجنبية.
بجعات برية وهي قصة ثلاثة نساء صينيات (الجدة والأم والحفيدة) تكتبها الحفيدة، وتحكي عن الوضع السياسي والإقتصادي في الصين منذ انهيار الإمبراطورية، وتتحدث فيها عن عهد الكومنتانغ وقيام الجمهورية الشيوعية، وعن الثورة الثقافية لماو تسي تونغ والمجاعة التي سببتها، وأيضًا عن ديكتاتورية ماو. كما تحمل السيرة نبذة ليست ببسيطة عن وضع المرأة في الصين وفي العادات الصينية القاسية. هذه الرواية ثرية بالأحداث والمعلومات، ستتعرف على تاريخ ثلاث أجيال في الصين وكيف تغيّر وضع المرأة فيها، وستتعرف أيضًا على ممارسات ووحشية النظام الشيوعي الديكتاتوري في عهد ماو.
تطبيقات وألعاب: بوكيمون-قو نعم، أنا من هؤلاء الأشخاص الذين وقعوا في حبال هذه اللعبة. كنت أحب مشاهدة انيمي بوكيمون كثيرًا أيام عرضه في القنوات الفضائية (بوكيموني المفضل هو ميوث ثم سايداك) وسررت بنزول هذه اللعبة فسارعت إلى تحميلها خلال اجازتي في السعودية- رغم أنها لم تتوفر إلا في متجر الآيفون الأمريكي-. وعندما رجعت إلى كندا، دُهشت من عدد البوكيمونات المتوفرة مقارنة بالسعودية ومن عدد الكنديين الذين يلعبونها في كل مكان (في الحدائق بشكل خاص) ويجتمعون من أجلها. أدمنت على هذه اللعبة بضعة أسابيع لدرجة أنني اشتريت الكثير من الكُور، ثم خف هذا الإدمان حتى هجرتها نهائيًا. لا أنصح بتحميلها، سردت هذه القصة من أجل التدوين فقط.
Monument Valley وقعت في غرامها قبل عدة أشهر وأنهيتها لكني تذكّرت أن أكتب عنها هنا. تعرّفت على هذه اللعبة من الصديقة ريّا، وحمّلتها على جهاز الآيفون عندما كانت مجانية. التصميم الجرافيكي لها رائع وصوت وقع خطوات الفتاة جميل. هنا صورة من اللعبة Genius Scan إذا كنتم تستخدمون الماسحة الضوئية “سكانر” كثيرًا من أجل تصوير الأوراق والمستندات، فهذا التطبيق يتكفّل بالمهمة. يصوّر الورقة باستخدام كاميرا الجوال ثم يجعلها واضحة وكأنها كانت تحت غطاء ال”سكانر” ويجعلها بصيغة بي دي إف. هنا صورة من قوقل لما أقصده، تستطيعون أن تجعلوا الصورة ملوّنة أو بالأبيض والأسود. لعبة سبوت ات: هذه اللعبة الورقية فكرتها بسيطة وتنتهي بسرعة، تحتاج إلى قوة ملاحظة وتستطيع أن تلعبها مع الصغار. قدّمتها إلينا سارة ثم أصبحنا نلعبها أحيانًا عندما نجتمع في المقهى مع “سعودي ديل” بعد يوم شاق. تستطيع أن تلعبها بأكثر من طريقة، أما الطريقة السائدة فهي: تُوزّع بطاقة واحدة على كل لاعب، وبقية البطاقات توضع في المنتصف ثم تُعرض الواحدة تلو الأخرى، أيُّ بطاقتين في اللعبة تحتويان على صورة واحدة مشتركة، يجب عليك أن تجد الصورة المشتركة بين بطاقتك وبين البطاقة التي في المنتصف ثم تُسمّي هذه الصورة لكي تحصل على البطاقة وتضمها إليك، الفائز هو من يحصل على أكبر عدد من البطاقات.
هذه صورة للمشتريات الأخيرة من موقع آي ارب وأحببت أن أشاركها معكم، من اليمين إلى اليسار:
1- جوارب قطنية تُستخدم عند ترطيب الأقدام. جربتها أكثر من مرة، وتستطيعين أن تستغني عنها بجوارب قطنية عادية. 2- مُقشّر للجسم بالسكّر مع الشوكولاتة من جيوفاني: لطيف، لكني أُفضّل مقشرات أخرى عليه، كمقشر فرانك. لن أشتريه مرة أخرى ولا أنصح به. 3- زبدة الشيا للجسم من Now: مُرطب للجسم ثقيل لكنه يذوب على راحة اليد بدرجة حرارة الجسم، جيّد ومفعول الترطيب عال. 4-معجون أسنان: حصلت عليه بسعر دولار واحد، لا يحتوي على أي إضافات وطبيعي. جيّد لكن رائحته ليست قوية كبقية معاجين الأسنان. 5- زيت فيتامين إي: ممتاز، أصبحت استخدمه مع كريمات الترطيب للجسم، أنصح به خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. 6- مرطب الشفاه فيتامين إي: يُستخدم كمرطب للشفاه ولتحت العينين، مضى على استخدامي له 3 أسابيع، لم ألحظ أي تغيير (ليس لديّ هالات داكنة تحت عينيّ ولكني أحببت أن أجربه كمرطب). 7- آي لاينر منE.L.F: آي لاينر رخيص، ونتيجته كسعره. 8-مقشّر للشفاه من E.L.F: جميل، أصبحت استخدمه قبل أن أضع المرطب. سعره ممتاز وأنصح به. 9- توت بري مجفف: اشتريته للمرة الثالثة، لذيذ كوجبة خفيفة. أنصح به. 10- قناع طيني هندي “سر الآزتيك أو سر شعب الازتيك”: بودرة يَضاف إليها ماء الورد (كما أفعل) أو الخل، ثم توضع على الوجه لعدة دقائق. أعجبني وأنصح به. 11- ماء ال”تونر” من الصبار وبالورد: لا يحتوي على الكحول، ويُستخدم بعد غسل الوجه وتنظيفه. استخدم عادة تونر من كلينيك، وأعجبني هذا. 12-مانجا مجففة: لذيذة وأنصح بها! 13- “نصف فشار” بالزبدة: طعمه يتراوح مابين الفشار والمكسرات، وبالزبدة! لذيذ وأنصح به!
امتازت قراءاتي لهذه السنة بوجود مؤلفات عبدالفتاح كيليطو بينها- وهو كاتب مغربي- تعرّفت على كتبه من خلال الصديقة أروى، وكم كنت محظوظة بذلك، فقد التهمت كتبه الواحدة تلو الأخرى!
يقول بورخيس “أن تجد قارئًا جيّدًا أصعب من أن تجد كاتبًا جيّدًا”، وهكذا كان كيليطو في كتبه، فمِن قصص ألف ليلة وليلة وبحثه عن شهريار الذي لم يكن ينام أبدًا -واستنتج من ذلك أن أرقه كان سببًا لجنونه القاتل- إلى مطالعاته لكتب الجاحظ ومقامات الحريري وفلسفة ابن رشد وغيرها والتي ندرك منها أنه بالفعل قارئٌ جيد في التراث العربي.
تأثر بورخيس بقصص التراث العربي كثيرًا كما كيليطو. وكلاهما شُغف بقصص ألف ليلة وليلة منذ الصغر، فنلاحظ أن قائمة بورخيس المفضلة للكتب تحتوي على قصص ألف ليلة وليلة، ونجد أن كيليطو في كتبه يتحدث كثيرًا عن الليالي وقصص شهرزاد، وله كتاب لطيف بعنوان “العين والإبرة” وهو دراسة في قصص ألف ليلة وليلة. أما بورخيس، فلشغفه بقصص الليالي حاول أن يتعلم اللغة العربية في سن السابعة والثمانين، لكنه توفي “وفي نفسه شيء من حكايات شهرزاد“.
يولّي كيليطو نصوص التراث جلّ اهتمامه في مؤلفاته ومقالاته، ويتعجّب من هؤلاء الذين يتعالون على الأدب الكلاسيكي “فللأدب الكلاسيكي شفراته الخاصة، ومجموعة معيّنة من الأعراف. وعلى المرء أن يتعب لكي يقرأه”. ويقرأ كيليطو في نصوص التراث العربي فينتقدها جادّا أو ساخرًا ويعلّق عليها ويمنحنا نظرة نقدية وملاحظات جديدة وممتعة، فهو يؤمن بأن النص يخفي سرًا دفينًا يجب أن يكون قارئه مُرتابًا في نوايا المؤلف. استمتعتُ كثيرًا بملاحظاته هذه ووجدتها لذيذة للغاية! وجعلتني بالطبع متلهفة لقراءة التراث. ندمتُ على أنني لم اقرأ ألف ليلة وليلة كاملة رغم وجودها شامخة في مكتبة أبي وعلى أنني اكتفيت في صغري بمطالعات قصيرة، لكنني جعلتها مع نصوص تراثية أخرى في قائمة الكتب التي أود قراءتها، وآمل أن أكون حينها قارئة من نوع خاص كالمتحرّي البوليسي المُراقب لهذه النصوص كما يفعل كيليطو.
كان بورخيس قارئًا جيّدا بلغات كثيرة، وكيليطو أيضًا يقرأ بالفرنسية ويكتب بها، والطريف أنه يغار على اللغة العربية فيكره أن يتكلم الأجانب بها “تكلم بلساني وإلا فاصمت”، ويسرد قصة أبي زيد السروجي عندما تقدّم هو وابنه إلى القاضي وخاطباه بكلام غير مفهوم فقال لهما “إما أن تبينا، وإلا فبينا” إما أن تتكلما بوضوح وإلا فاغربا عن وجهي.
أودّ إنهاء هذه التدوينة القصيرة بقائمة كتب كيليطو التي أعجبتني كثيرًا وفيها آراءه في نصوص التراث وقصصه والتي ” لو كُتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر”:لن تتكلم لغتي، أبو العلاء المعرّي أو متاهات القول، لسان آدم، الأدب والإرتياب، والكتابة والتناسخ. لا يكرر فيها كيليطو نفسه، فإذا أعجبتك هذه المؤلفات تذكّر قول بورخيس والذي يردده كيليطو “ليفخر البعض بكتاباتي، أما أنا فأفتخر بقراءاتي”.
كيف حالكم يا أصدقاء؟ مؤخراً قرأتُ كتاباً للفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل عن السعادة وأعجبني فأحببت أن أنقل لكم بعض النقاط الأساسية التي وردت فيه بتلخيص شديد. اسم الكتاب “غزو السعادة” |للتحميل|. أرجو أن تكون هذه التدوينة سببًا في قراءتكم لهذا الكتاب.
في البداية من هو برتراند رسل ولماذا يكون حديثه عن السعادة بهذه الأهمية فيُؤخذ بكلامه؟
هو عالم رياضيات وفيلسوف إنجليزي حاز على جائزة نوبل في الآداب، وله مؤلفات عديدة في الفلسفة والمنطق والرياضيات، على سبيل المثال كتب ورقة بحثية في أكثر من 300 صفحة مع أستاذه الفرد وايتهيد يُثبت فيها بأن 1+1=2
عانى من الإكتئاب في فترة المراهقة لدرجة أنه كان يفكر كثيراً بالإنتحار ولكنه لم يفعل “لأنه أراد أن يتعلم المزيد من الرياضيات”. في هذا الكتاب يعترف رسل بأنه من الأشخاص السعداء في هذا العالم، ويضع فيه فلسفته الشخصية التي يراها عن السعادة.
يستهل رسل كتابه بقوله “الحيوانات تظل سعيدة مادامت في صحة جيدة، ويتوفّر لها الطعام الكافي. ويساورنا الشعور بأن الكائنات البشرية ينبغي أن تكون سعيدة أيضًا ولكن تلك ليست حال الأكثرية في عالمنا الحديث”.
فيقترح حينها بعض التغييرات التي يمكن بواسطتها أن يحقق الفرد سعادته، ويجب التنبيه على أن كلامه موجه للناس الذين يتمتعون بدخل كاف لتأمين الغذاء والسكن ولديهم صحة جيدة يمارسون بها النشاطات الطبيعية العادية، ويستثني منهم من ذاقوا المصائب الكبيرة كالوالدين الذين فقدوا أحد أو كل أولادهما.
يبدأ رسل بسرد أسباب التعاسة، وأولها: الإهتمام المفرط بالنفس: الإهتمام الذاتي أو الأناني الذي لا يستطيع المرء أن يُحرز تقدمًا بسببه – إلا إذا كتب يومياته من باب مراقبة النفس وتحليلها- هو سبب من أسباب التعاسة. فمن صور هذا الإهتمام هو الشعور الدائم بالخطيئة والشعور بالذنب (تفسير أن كل مصيبة هي غضب من الله تعالى)، عشق الذات أو النرجسية المفرطة، مرض العظمة.
روح المنافسة “أو الصراع من أجل الحياة”: فالتشديد على أن السعادة تأتي من النجاح في المنافسة هو مصدر للشر بالنسبة لبرتراند رسل. وهذه الأيام يُقاس الذكاء للأسف بالنسبة إلى المال الذي يكسبه المرء; فالشخص الذي يكسب كثيرًا هو امرؤ ذكي، والشخص الذي لا يفعل ذلك ليس ذكيًا.
السأم: يقول رسل أن السأم في التاريخ كانت قوة مُحركة للإنسان، ففي عصر الصيد كان الإنسان يجد الإثار في الصيد، وكانت الحرب أخّاذة بالنسبة له. وظهرت الرتابة مع ظهور الزراعة وازدادت مع عصر الآلة.
“تصوّر سأم الشتاء في القرون الوسطى. لم يكن البشر آنذاك يعرفون القراءة أو الكتابة، ولم يكن لديهم سوى الشموع لكي يستضيئوا بها لدى هبوط الليل، ودخان نارهم كان يملأ القاعة الواحدة التي لم تكن باردة. وكانت الطرق تقريبًا غير سالكة، ومن حسن الحظ أن الناس نادرًا ما كانوا يختلفون إلى القرية المجاورة. ولا يدهشنّ أحد إذا ماكان هذا السأم وعوامل أخرى قد دفعت الناس إلى مطاردة الساحرات، ذلك بأن تلك كانت التسلية الوحيد التي استطاعت إدخال البهجة إلى سهرات الشتاء… نحن نسأم أقل مما كان يسأم أجدادنا، ولكننا نخشى السأم أكثر”.
لكن السأم ليس كله شر، فهناك النوع المثمر الذي يجلب الأنشطة الحيوية. ويجب أن يكتسب الإنسان منذ الطفولة القدرة على تحمل الحياة الروتينية، ويقع اللوم على الوالدين في تقديمها لأولادهما الكثير من التسليات السلبية .. فحياة اللهو لا تُثمر مشاريع بنّاءة، بل تجعل أفكار المرء تتوجه نحو نيل لذة مباشرة بدلًا من تحديد هدف بعيد.
التعب: فالتعب الجسدي يوفّر نومًا سليمًا وشهية جيّدة، لكن التعب المفرط خطير ويجعل الحياة لاتُطاق. والتعب العصبي يمثّل أكثر الأخطار في المجتمعات المتقدمة، فالخوف من الطرد من العمل والهموم والقلق أمثلة على ذلك. يخبرنا رسل أنه كان يتهيّب الجمهور عند إلقاء خطاب أمامهم:”كنت أشعر لدى انتهاء الخطاب بأنني مُنهك من فرط التوتر العصبي.. لكنني علّمت نفسي التفكير في أنه لا أهمية مطلقًا لتحدّثي بصورة جيدة أو سيئة، فالعالم سيبقى هو إياه في الحالتين” ومن أحد أعراض التعب النفسي هو أن يعتقد الإنسان أن عمله مهم جدًا ولا يستطيع تأجيله وأنه إذا توقف عن العمل وذهب في عطلة فإن هناك مصيبة سوف تحدث “ولو كنتُ طبيبًا لوصفت العطلة لكل مريض يعتبر عمله مهمًا”. إن خطر التعب العصبي يكمن في كونه حاجزًا بين الإنسان والعالم الخارجي، ويجعله يميل إلى التركيز على بعض الأمور النادرة، فيصبح لا مباليًا بالنسبة إلى سائر الأشياء.
الحسد: هو أقوى أسباب الألم. “هل اتفق لك أن أشدت يومًا بفنان أمام فنان آخر؟ هل أشدت قط بسياسي أمام سياسي آخر من الحزب نفسه؟ هل أطريت يومًا عالِمًا بالآثار المصرية أمام عالِم آخر؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فإنك لا ريب قد أحدثت تفجّرًا للغيرة”. فالحاسد يجعل نفسه تعسًا بسبب حسده، وبدلًا من أن يجد السرور فما يملك، تراه يجني الألم أكثر من الآخرين.
ماسبب الحسد؟ “يقيني أن التعاسة التي تصيب المرء يفي الطفولة تُساهم في حدّ كبير في تنمية الحسد.. والقلب البشري كما شكّلته الحضارة العصرية ميّال أكثر إلى الحقد منه إلى الصداقة”
وماعلاج الحسد؟ “التربية الذهنية وعادة عدم خلق المرء لنفسه أفكارًا لا طائل منها.. قدّر المباهج التي تُعرض لك، وقم بالعمل المطلوب منك
الشعور بالإثم: “فالشعور بالإثم أبعد من أن يُحدث السعادة. إنه يجعل الإنسان تعسًا ويُولّد فيه شعورًا بالدونية
مس الاضطهاد (او الإحساس بأنك محور الكون): “فإذا كان شخص ما يدّعي أنه لا يلقى إلا معاملات سيئة، فإن من المحتمل جدًا أن يكمن السبب في هذا الشخص نفسه، أو أن يكون هو من يخلق إهانات وشتائم ما كان ينبغي في الحقيقة أن يشكو منها” وهؤلاء الذين يفعلون الخير مع الناس ويندهشون من عقوقهم.
هناك أربعة مبادئ تُعالج مس الاضطهاد هذا:
1- لاتنسَ أن دوافعك ليست دائمًا نزيهة
2- لا تستهن مطلقًا بمزاياك الشخصية: فالكاتب المسرحي الذي لا تحظى مسرحياته بالنجاح، يجب أن يواجه الافتراض بأن مسرحياته رديئة ولا ينبذ هذا الإحتمال.
3-لا تتوقع أن يهتم بك الآخرون كما تهتم أنت بهم
4- لا تتصوّر أن غالبية الناس تفكر فيك كفاية لكي يكون لها رغبة خاصة في اضطهادك..فالحكومة البريطانية انهمكت طوال السنوات في التصدى لنابليون، فلو كان هناك شخص أقل أهمية يتصور أن الآخرين يفكرون فيه دومًا، فإنه يكون على طريق الجنون.
الخوف من الرأي العام: إن الخوف من الرأي العام يُوقف التطور، و”قلة هم الذين يسعهم أن يكونوا سعداء إذا لم تكن حياتهم أو تصوّرهم للعالم يحظيان بموافقة أولئك الذين يختلطون بهم، وبخاصة أولئك الذين يحيون معهم”. الجميع يحتاج إلى محيط متعاطف لكي يسعدوا، ولكن يستحيل على الكثيرين التخلص من النقد.
أسباب السعادة:
في اعتقاد رسل بأن هناك نوعين من السعادة: سعادة بسيطة،حيوانية،انفعالية وسعادة مرهفة، روحية وفكرية فالسعادة الأولى هي في متناول كل كائن بشري، والأخرى ليست متاحة إلا لهؤلاء الذين يُتقنون القراءة. وتقدير المرء لذاته أمر ضروري للسعادة، كما أن الإيمان بقضية ما- أو بمعتقد ما- هو مصدر سعادة لكثير من الناس. أيضًا ينصح برتراند رسل بتوسيع الإهتمامات والهوايات الشخصية لكونها مصدر من مصادر السعادة.
لذة العيش: يخبرنا رسل بالخاصية الأكثر شمولية لدى الإنسان السعيد وهو استمتاعه بالعيش. فيعطينا مثالًا جميلًا على ذلك، وهو جلوس الناس على مائدة الطعام. فتجد أن هناك من لايُثير اهتمامه الطعام الشهي، وتجد هؤلاء المحرومين من أنواع معينة من الأطعمة، ثم تجد الذوّاقة الذين يدركون على الفور النقص في أحد الأطعمة، وهناك النهمون الذين ينقضون على الأكل انقضاض الطيور ويكثرون من الطعام، وأخيرًا هناك الذين يبتدأون وجبتهم بشهية جيدة ويأكلون ثم يتوقفون. فالناس الذين يجلسون على مائدة الحياة لهم ردود الفعل نفسها.
يتميّز الشخص الذي يحب الحياة من ذاك الذي لا يحبها، لأنه يعرف كيف يجني فائدة من الاختبارات غير السارة.
المحبة: المحبة التي نتلقى، لاتلك التي تُمنح، توفر لنا الشعور بالأمن الذي يساعد الإنسان على تجنب المخاطر، والاطمئنان تجاه الحياة مصدره بصورة خاصة المحبة.والطفل المحروم-لسبب أو آخر- من محبة والديه سوف يكون مستعدًا للخوف من كل الأشياء ولن يكون بمقدوره مجابهة العالم بروح مرحة ومغامرة وسيشرع باكرًا جدًا في تأمل الحياة والموت والمصير البشري.
الأسرة: محبة الأهل لأولادهم ومحبة الأولاد لذويهم قد تكون من أحد أكبر مصادر السعادة وقد تكون أيضًا مصدر شقاء بالنسبة إلى أحد الطرفين. فأسباب فقدان السعادة في الحياة العائلية في أيامنا الحاضرة مختلفة: لها طابع سيكولوجي، واقتصادي، واجتماعي وتربوي وسياسي.
العمل: إن العمل يستغرق حوالي نصف ساعات اليقظة، ويتوقف عملك على كونك تشعر بالنجاح أو الفشل. فهو يؤمن لك المعيشة، ويمنح حياتك غاية واضحة وينقذك من السأم
الاهتمامات غير الشخصية: الاهتمامات الصغيرة هي التي تملأ ساعات الفراغ وتوفّر استرخاء للتوتر. فأحد مصادر التوتر العصبي والشقاء الأخلاقي والتعب هو العجز عن الاهتمام بكل ما ليس ذا أهمية في الحياة. “ولتحمّل المصيبة بشجاعة عندما تقع ينبغي أن يكون المرء قد كرس نفسه لاهتمامات أوسع، بحيث يستطيع الفكر أن يحضّر للألم مكانًا هادئًا يدعو إلى تداعي أفكار وانفعالات أخرى غير تلك التي تجعل الحاضر صعب الإحتمال”
هذه مقالة نُشرت في الهافنتغتون بوست عن دور البيئة المهم في تشكيل سلوك الإنسان، وأحببت أن أترجمها لكم
من الأسهل لنا أن ننسب الفشل إلى نقص في الإرادة أو الموهبة، وأن نعزو النجاح إلى العمل المتواصل والجهد والإصرار. لاشك في أن هذه الأمور مهمة، لكننا إذا أردنا أن نعرف كيف يتشكل سلوك الإنسان خلال فترة من الزمن سنكتشف أن الدوافع (وحتى الموهبة) مُبالغ في تقديرها. لأن البيئة تشكل أهمية أكبر في كثير من الأحوال.
دعوني أشارككم بمثال أدهشني: تشكيل سلوك الإنسان: في كتابه الحاصل على جوائز “الأسلحة، الجراثيم، والفولاذ” يُشير العالم جارد دايموند إلى حقيقة واضحة: القارات المختلفة على الكرة الأرضية لها أشكال مختلفة. قد يبدو هذا الأمر من الوهلة الأولى غير مهمًا، لكنه في الحقيقة يحمل تأثيرًا عميقًا على سلوك الإنسان. كيف ذلك؟ على سبيل المثال، الشكل العام للقارتين الأمريكيتين هو الشمال والجنوب. هذا يعني أن الأرض الواسعة لشمال وجنوب أمريكا تميل لأن تكون ذات شكل طويل ونحيف (كما على الخريطة). ومثل ذلك بالنسبة لقارة أفريقيا، المحور الأساسي لشكلها على الخريطة هو من الشمال إلى الجنوب. لكن الأمر يختلف بالنسبة لأوروبا، وآسيا والشرق الأوسط. هذا التمدد الضخم من الأراضي يميل لأن يكون ذا شكل شرقي-غربي. من المثير في الموضوع، أن شكل كل منطقة يلعب دورًا هامًا في سلوك الإنسان خلال القرون. فعندما بدأت الزراعة حول العالم بالإنتشار، كان أسهل على المزارعين التوسع من خلال طرق الشرق-الغرب أكثر من طرق الشمال-الجنوب، وذلك لأن مواقع الأراضي التي تقع على نفس خطوط العرض تشترك في نفس المناخ، وكميات الأمطار ومساحة التعرض للشمس، ولديها تغيرات مشابهة في الفصول. هذا الأمر سمح للمزارعين في أوروبا وآسيا بنقل بعض المحاصيل معهم وزراعتها خلال البقعة الواسعة من الأراضي من فرنسا إلى الصين.
لكن المناخ يختلف بشدة عندما تسافر من الشمال إلى الجنوب. فلتتخيل كيف يختلف الجو في فلوريدا عن كندا. العديد من المحاصيل التي تنمو بشكل ممتاز في الأجواء الدافئة لا تنمو في الأجواء الباردة. ومن أجل نشر المحاصيل بين الشمال والجنوب، يحتاج المزارعون إلى إيجاد نباتات جديدة محلية كلما تغير المناخ.
وكنتيجة لهذه الإختلافات البيئية، انتشرت الزراعة بشكل أسرع بضعفين أو ثلاثة أضعاف في آسيا وأوروبا عن القارتين الأمريكيتين. وكان لهذا الأمر أثر كبير خلال القرون، إذ أن الطعام المنتشر في أوروبا وآسيا سمح لعدد السكان فيها أن ينمو بشكل أسرع في هذه المنطقة. وبوجود عدد سكاني أكبر، كانت الحضارات الإنسانية في أوروبا وآسيا تستطيع أن تبني قوة عسكرية، وتطور تقنيات واختراعات جديدة.
هذه التغييرات بدأت صغيرة – بمحصول انتشر بسرعة أسهل، وعدد سكان ازداد بشكل أكبر- لكنها أصبحت مع مرور الوقت اختلافات جوهرية. وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى، إلا أننا نستطيع القول أن شكل القارات كان سببًا مهمًا في جعل الأوروبيين أكثر قوة، وفي استعمارهم لأمريكا الشمالية والجنوبية.
اليد الخفية: البيئة هي اليد الخفية التي تشكل سلوك الإنسان. نميل إلى الإعتقاد بأن عاداتنا هي نتاج دوافعنا، مهاراتنا، ومجهوداتنا. بالطبع هذه الميزات مهمة، لكن المفاجأة أن البيئة حولك -خاصة بعد مرور وقت طويل- تسيطر على الصفات المميزة لشخصيتك. تخيّل أنك تريد أن تزرع الطماطم في شتاء كندا، تستطيع أن تكون من أمهر المزارعين في العالم لكن هذا سوف لا يشكل أي فرق، إذ أن الثلج غذاء سيء للتربة.
ليس هناك دليل على أن المزارعين في أوروبا وآسيا كانوا أفضل أو لديهم دوافع أكبر من المزارعين في بقية العالم. لكنهم استطاعوا أن ينشروا الزراعة بشكل أسرع -بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف- عن بقية المزارعين. إذا أردت أن تزيد من فرص نجاحك، فلابد أن تعمل في بيئة تزيد من سرعة إنتاجك بدلًا من أن تعيقها.
كيف تخلق بيئة أفضل؟ 1- اتخذ قرارات جيّدة على سبيل المثال، شراؤك لأطباق أصغر يساعدك على خسارة الوزن لأنها تحمل كميات أقل من الطعام. هناك دراسة من جامعة كورنل تقول بأن الناس يأكلون الطعام بشكل أقل بحوالي 22٪ عندما يستبدلون أطباقهم -ذات 12 إنشًا- بأطباق أصغر، 10 إنشات. وبشكل مشابه، فإن التطبيقات التي تحظر|تقلل من استخدامك لوسائل الشبكات الإجتماعية قد تساعدك في التغلب على تسويفك للمهام.
2- اجعل عاداتك الجيدة تسير مع تيار نظامك اليومي قبل أعوام قليلة، قامت شركة “بت سمارت” بتغيير إجراءات إنهاء عملية الشراء. فبعد أن يمرر العميل بطاقته الإئتمانية، تظهر شاشة تسأله إذا ماكان يريد أن يتبرع من أجل “إنقاذ الحيوانات المشردة”. بفضل هذه الإستراتيجية، ارتفعت تبرعات بت سمارت إلى 40 مليون دولار أمريكي في السنة.
تستطيع أن تطبق استراتيجية شبيهة بأن تخلق بيئة تلائم فيها عاداتك اليومية مع سلوكيات مفيدة. على سبيل المثال، إذا أردت أن تتمرن على آلة موسيقية، ضعها في منتصف غرفة الجلوس. تستطيع أن ترتاد النادي الرياضي إذا كان يقع على الطريق المؤدي من العمل لمنزلك بشكل أكبر من إذا كان يبعد عن منزلك ب5 دقائق فقط. اجعل عاداتك تسير مع نظام يومك.
3- اطرح التأثيرات السلبية جانبًا لم يكن لدى المزارعين القدماء الفرصة لأن يتغلبوا فيها على العقبات، لكنك تستطيع. على سبيل المثال، قام مصنع ياباني للتلفزيونات بإعادة تنظيم مساحات أماكن العمل للحفاظ على وقت الموظفين وذلك بإزالة الأشياء التي تعيق تحركاتهم وتعيق وصولهم إلى الأدوات خلال عملهم. تستطيع أن تتجنب الطعام غير الصحي وذلك بوضعه في أماكن غير ظاهرة وذلك لأن الطعام الذي يكون متوفرًا أمام الأعين على الدوام ينال فرصة أكبر في شرائه وتناوله.
حظ البيئة: نًسرع في إلقاء اللوم على بيئتنا عندما نفشل. إذا خسرت وظيفتك، فذلك لأن الأوضاع الإقتصادية متردية. إذا خسرت في مسابقة، هذا بسبب أن التحكيم سيء. إذا كنت متأخرًا عن العمل، فذلك بسبب أن الشوارع مزدحمة. لكننا عندما ننتصر، فإننا نتجاهل البيئة تمامًا. حينها، إذا حصلت على وظيفة، فهذا بسبب أنك موهوب ومحبوب. إذا فزت في مسابقة، فهذا لأنك تلعب بشكل أفضل. إذا وصلت إلى اجتماع مبكرًا، فذلك لأنك شخص نظامي.
من المهم أن نتذكر بأن البيئة هي من يقود سلوكنا الجيد والسيء. الأشخاص الذين اكتسبوا عادات جيّدة يستفيدون من البيئة بشكل أفضل، والأشخاص الذين يكافحون من أجل النجاح هم أيضًا يقاتلون في حرب ضد البيئة. ما يبدو للجميع أنه نقص في الإرادة هو في الواقع بيئة سيئة.
الحياة مثل مسابقة، إذا أردت أن تضمن حصولك على نتائج أفضل خلال فترة من الزمن، فإن أفضل طريقة لذلك أن تلعب في البيئة المناسبة لك. الفائزون ينتصرون بسبب أن بيئتهم جعلت الفوز أسهل.