نصائح تولستوي في الكتابة



عندما شرعتُ في قراءة يوميات تولستوي، لاحظتُ أنه يولي اهتمامًا بالغًا بشأن الكتابة بشكل يومي. دوّنت هنا بعض الملاحظات عن تولستوي والكتابة قد تُلهمكم أو تضيف إليكم شيئًا:

١- الكثير والكثير من الكتابة!

 يكتب تولستوي بشكل يومي: يومياته وخطابات وروايات، ويقول أنه لا بد من الكتابة اليومية ”حتى لا تفارقني حالة الكتابة“. ويتحسر إن لم يكتب شيئًا خلال اليوم، فيدوّن هكذا في يومياته:
كتبتُ صفحة
كتبتُ صفحتين
لم أستطع كتابة أكثر من ربع صفحة
لابد أن أكتب
كتبتُ قليلًا 
كتبتُ صباحًا ومساءً لكن بكمية قليلة
غدًا سوف أكتب

٢- إن الكتابة عند تولستوي هي وظيفة لابد من ممارستها باستمرار ”فالاستمرارية والحسم هما السمتان اللتان تضمنان النجاح في كل شيء“.

٣- قد تأتيك فكرة تكتب عنها، لكنك ما إن تصل إلى منتصف الموضوع حتى تجد أن هذا الأمر قد صعب عليك، وأن شغفك به قد خف ”من الصعب الاستمرار في الكتابة بنفس الشغف الذي بدأ به المرء ونفس الجودة“.

٤- احرص كل الحرص على الكتابة بوضوح وتناسق وأعد قراءة ماكتبته حتى تتأكد من وضوح أفكارك ”لابد أن أتعود أن أكتب دائمًا بوضوح وتناسق ولكن كثيرًا ما يحدث-دون وعي مني- أن أُخفي الغموض أو الأفكار الخاطئة عن نفسي بمناورات وانعطافات والتواءات“.

٥- عندما تصيبك قفلة الكاتب، لايوجد حل إلا أن تُجبر نفسك على الكتابة أو أن تُهمل المقطع الذي تكتبه وتمضي قدمًا في كتابة مقطع آخر. المهم أن تستمر في الكتابة ”كثيرًا ما يحدث أن أتوقف رغمًا عني عند مقاطع معينة في العمل الأدبي. من الضروري حينها إما أن أجبر نفسي على كتابة هذا المقطع أو مناورته وتنحيته جانبًا، وعدم السماح لنفسي بالتوقف عن الكتابة بدعوى التردد“.

٦- ضرورة المراجعة وحذف الزوائد والمقاطع غير الواضحة ”راجع كل عمل أدبي انتهيت من مسودته الأخيرة، واحذف كل ماتجده زائدًا ولا تضف شيئًا، هذه هي العملية الأهم. عليّ أن أمحو دون أسف كل ما هو غير واضح وممتد وغير مناسب، باختصار كل الأجزاء غير المرضية حتى وإن كانت جيدة في حد ذاتها“. لكن لابد الحذر من كثرة المراجعة لجزئية معينة والتي تؤدي إلى حذف الجيد منها، كالطالب في الاختبار عندما يراجع الحل كثيرًا ويشك فيه فيحذفه ويكتب حلًا آخر ”إن قرأ المرء جزءًا معينًا كثيرًا سيقوم بإصدار أحكام غير سليمة بشأنه وستختفي فتنة الكتابة واهتمامه ومفاجأته بهذه الجزء.

٧- من هم قراء محتواك؟ ”يتخيّل كل كاتب مجموعة معينة من القراء عندما يكتب. عليه أن يحدد بوضوح متطلبات هذه الفئة من القراء، وإن كانت الحقيقة أن العالم كله لا يضم سوى قارئين فقط، فعليه أن يكتب من أجلهما. أغلب القراء لا يألفون وصف الأشخاص أو المناظر الطبيعية، لا تبعدها عن نظرك أبدًا، بل قارن الأنواع المألوفة منها بغير المألوفة وصفها“.

٨- ماهي نقاط الضعف في شخصيات روايتك؟ ”حتى يتعرف القرّاء على البطل، لابد وأن يتعرفوا على مواطن الضعف بداخله، ومواطن الفضيلة، بالنسبة للأخيرة فهي أمر محتمل لكن الأولى أمر ضروري للغاية“.

٩- كيف تحصل على الإلهام؟ من الكتب، والناس! ”كان تشيلر على حق تمامًا عندما أدرك أنه لا يمكن لأي عبقري أن يتطور بينما يعيش في وحدة، فعامل الإثارة الخارجي أو الكتاب الجيد وحتى المحادثة هي الوسائل التي تدفعه إلى التأمل والتفكير أكثر من أعوام من العمل وحيدًا.. لابد أن تولد الفكرة في رحم المجتمع، أما العمل عليها والتعبير عنها فيقوم بها المرء في وحدته“.
كان تولستوي كثير النقاش مع من حوله في أمور شتى ويحب التأمل فيما تناقش به، انظر كيف استلهم فكرة من رواياته من خلال حديثه مع أحد الضباط ”تحدث معي أحد الضباط كبار السن وسألني: هل أنت من أولئك البائسين (الذين يُرسلون إلى الجبهة في القوقاز ليشتركوا في المعركة هناك)؟ لقد أوحى إلي بفكرة أني لابد وأن أقتبس من برنامج المدفعية وكتبها“.

١٠- احتفظ بدفتر ملاحظات بالقرب منك وابدأ في الكتابة فور أن تأتيك الأفكار ”ماتعهدت بفعله لا تؤجله بحجة شرود الذهن أو الرغبة في الترفيه، بل باشر العمل عليه فورًا حتى ولو بصورة ظاهرية. يمكن للأفكار أن تأتي. على سبيل المثال إن تعهدت بكتابة قاعدة، تناول دفتر الملاحظات واجلس على الطاولة ولا تنهض من مكانك عندما تبدأ الكتابة إلا حينما تنتهي منها“. 
كذلك يُفيد دفتر الملاحظات في تدوين الأفكار الخاطفة التي تأتيك بعد قفلة الكاتب ”عند كتابة العمل الأدبي كثيرًا ماتتعطل كتابة فكرة جيدة، لذا ما إن تتشكل هذه الفكرة بصعوبة حتى أدونها في اليوميات دون أن أهتم بالموضع الذي سأضعها فيه تحديدًا، فسوف تجد مكانًا لها بنفسها“.

١١- الترجمة هي الوسيلة المثلى للتدريب على الكتابة بأساليب جديدة، فقد كان تولستوي يترجم بشكل مستمر الكثير من الروايات والمقالات مع زوجته إلى الروسية ”كتابة وترجمة نص ما من لغة أجنبية إلى الروسية من أجل تدريب الذاكرة واكتساب الأسلوب، وبعدها سأنخرط في الكتابة عن اليوم الماضي وعن كافة الانطباعات والأفكار التي مررت بها فيه“.

١٢- اُكتب دون أن تهتم بطريقة الكتابة أو شكلها أو صحة الإملاء والأسلوب، المهم أن تكتب أولًا وبعدها يأتي الترتيب والتعديل والحذف ”لابد أن أكتب الحبر لا بالقلم الرصاص دون التفكير في مكان وصحة التعبير عن الأفكار. عندما أعيد الكتابة ثانية سأستبعد كل ما هو زائد، وأضع كل فكرة في مكانها الصحيح. عند الكتابة للمرة الثالثة سأُعيد العمل على دقة التعبيرات، ولابد أيضًا من تجنب التكرار“.

١٣- اكتب بحيث لو تُرجم ما كتبته إلى لغة أخرى سيبدو رائعًا ”لابد وأن أكتب- أي أعبر عن أفكاري- بحيث تكون جيدة في جميع اللغات. هكذا هو الأمر مع الأناجيل ولاتسو وسقراط، بل إن الأناجيل ولاوتسو تبدو أفضل في اللغات الأخرى“.

١٤- إعادة الكتابة: تحدث تولستوي باستمرار في يومياته عن إعادة كتابته لفصول ومقاطع من رواياته، وكأنه يكتب للمرة الأولى:
أعدتُ كتابة الفصل الأول
سأجبر نفسي على إعادة الكتابة
أعدتُ قراءة وتصحيح..

١٥- الإجبار على الكتابة وبذل المجهود: مرة أخرى، يُجبر تولستوي نفسه على الكتابة ”بالأمس وصلني خطاب من والدة جرينيفتش بشأن التربية الدينية للأطفال. لابد أن أكتب عن الموضوع، على الأقل عليّ أن أبذل كافة قواي من أجل ذلك“. 

تجارب ومباهج – ديسمبر ٢٠٢١

هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي أعرفكم فيها على بعض تجاربي في الأسابيع الماضية في أمور شتى كقراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب والمباهج الصغيرة.

Jess mason – Reading Nook

كيف حالكم يا أصدقاء؟ مضى وقت طويل منذ أن كتبت في المدونة، ووقت أطول منذ أن كتبت في هذه السلسلة. هنا بعض التجارب والمباهج خلال الفترة السابقة والتي تستحق المشاركة:

– رواية كونت مونت كريستو:

من الروايات الكلاسيكية، تدور حول الانتقام والثأر: عن إنسان بسيط سعيد في حياته، لديه وظيفة يحلم بها وخطيبة يحبها وحياة هادئة، وفجأة تُدمّر حياته من قبل أشخاص.. فكيف يكون انتقامه؟

ترجمة محمد آيت حنا كانت رائعة، اقرؤوها! شاهدتُ الفيلم بعدها – للمرة الثانية- وكان لطيفًا إلا أن الفيلم يختلف عن الرواية، وتتفوق الرواية على الفيلم بالطبع. 

-حفلة رشا رزق:

إذا كنتم من متابعي سبيس تون أيام نشئتها، فستدركون حتمًا روعة أن تكون متواجدًا في حفلة كلها شارات المسلسلات التي كنا نشاهدها بصوت من يُقدمها. كلنا استعدنا ذكريات الطفولة في فترة العصر عندما كنا نعيش مع آبائنا وأمهاتنا وإخواننا في نفس المنزل، كانت أيام روتينية بدت لنا في ذلك الوقت أنها عادية لكنها الآن تبدو عظيمة جدًا وقد ولّت إلى الأبد. 

كانت الحفلة مكتظة بالكبار رغم أنها أُقيمت في مهرجان الألعاب للصغار، لم تكن هناك كراسي كافية وبقينا واقفين على أرجلنا قبل الحفلة بساعة وكذلك طوال وقت الحفلة. غنّت رشا ريمي وأبطال الديجيتال وأغنية عن شهر ديسمبر وغيرها. 

– المشي على البحر حافية القدمين وقت شروق الشمس:
غمرني إحساس عظيم عندما مشيت على الشاطئ حافية القدمين بعد صلاة الفجر. لا أدري هل كانت هذه أول مرة أو أنني كنتُ حاضرة الذهن وقتها، لكن التجربة كانت من اللحظات الذهبية والتي سأظل أتذكرها لوقت طويل. 


حفلة أسير الشوق: في صغري كنت أستمع بشكل عابر لحفلة محمد عبده لندن ٩٧م والتي كانت تُذاع بشكل دوري في قناة إم بي سي، فحفظتُ الأغاني التي كان يغنيها ومن ضمنها أغانيه من كلمات أسير الشوق (على البال، ومهما يقولون..) كان حلمًا بالنسبة لي أن أحضر حفلة من حفلاته وأن يغني إحدى هذه الأغاني، أصبحت محظوظة وحضرت حفلة أسير الشوق والتي أُقيمت خلال موسم الرياض. 

روائح الفنادق:

إذا لم نسافر ونذهب إلى مدن وفنادق جديدة، فلتأتِ هذه الفنادق إلينا! طلبتُ من علي اكسبرس- بعد مشاهدة سنابات عبدالمجيد الجبر- عيّنات من الروائح الفندقية مثل رتز كارلتون وكمبنسكي وشانغريلا. أردتُ أن أجرب بعضها أولًا (٥ مل لكل منها) حتى أقرر ما الذي يعجبني أكثر لاشتريه لاحقًا بالحجم العادي. استخدمت هذه الزيوت العطرية في جهاز مخصص لها اشتريته أيضًا من علي اكسبرس بمجموع (للجهاز والعينات) لا يتجاوز ال٤٠٠ ريال مع الشحن. 

مدونة مها البشر: أذكر أنني وضعتها ضمن إحدى تدوينات المباهج سابقًا، لكني أعود لأؤكد لكم أنها مازالت من المباهج أيضًا! 

وصفة الدجاج مع الليمون والعسل:

سهلة ولذيذة! طبقتها عدة مرات. أنصحكم بتجربتها

رؤية بيضة لقُمرية: كانت مفاجأة أن أجد عشًا به بيضة لقمرية. نصحونا أن لا نلمس البيضة حتى لا تتركها أمها. لكن الأم قد هجرت العش بأكمله بعد عدة أسابيع ولم تفقس البيضة.


عطر Insolence من جيرلان Guerlain 
زبدة شيا للجسم من بالمرز: بتوصية من الصديقة سارة. ذائبة كالكريم ومُرطبة.

مايونيز الترفل الأسود من قودي: بتوصية من مها البشر في إحدى تدويناتها. لذيذ واستخدمه أحيانًا مع الكاتشاب ليكون تغميسًا للبطاطس.

وماذا عنكم؟ ماهي التجارب التي جربتموها والمباهج التي حدثت لكم خلال الفترة الماضية؟ 
نلقاكم في تدوينة قادمة بإذن الله.

اسمي مارجريت

Federica Bordoni

*مايا (مارغريت) آنجلو

سألتني امرأة بيضاء من تكساس، والتي تصف نفسها بأنها ليبرالية، عن مدينتي. عندما أجبتها بأن جدتي في ”ستامبس“ كانت تملك المتجر الوحيد لبضائع الزنوج منذ مطلع القرن، صرخت قائلة ”لماذا؟ كنتم الفتاة التي تخرج للمجتمع لأول مرة“.

سخيفة ومُضحكة. لكن بنات الزنوج في مدن الجنوب الصغيرة، سواء كن يعانين من الفقر أو لديهن بعض ضروريات الحياة، تُقدم لهن تجهيزات مكثفة غير مترابطة مثل تلك التجهيزات للفتيات البيض البالغات والتي تظهر في المجلات. 

بصراحة لم تكن التجهيزات ذاتها، فعندما تعلمت الفتيات البيض كيف يرقصن الفالتز ويجلسن بأناقة بينما يكون كوب الشاي متوازنًا على ركبهن، فإننا كنا متخلفات قياسًا بهن، نتعلم قِيم منتصف العصر الفيكتوري مع القليل جدًا من المال لننغمس فيه (تعالوا وشاهدوا إدنا لوماكس تصرف أموالها التي اكتسبتها من حصاد القطن لتكوين ٥ كرات من الخيط الأسود، لا بد وأن أصابعها تعيق العمل ولكن يجب عليها أن تعيد الغرز مرارًا وتكرارًا. لكنها تعرف كيف تشتري الخيوط). كان يجب علينا التطريز، وكانت لديّ أكوام من المناشف الملونة، وأكياس المخدات، وأغطية الطاولات ذات اللون الرملي. أتقنت مهارة الحياكة والتخريم، وكان لدي مخزون أبدي من المفارش الأنيقة والتي لن تستخدم أبدًا في أدراج التسريحة. كان واضحًا أن كل الفتيات يستطعن الكوي والغسيل، لكن اللمسات الأنيقة في المنزل مثل تجهيز الطاولة بفضيّات حقيقية، وشواء اللحوم، وطبخ الخضروات بدون اللحوم، يجب أن تُكتسب في مكان آخر، عادة في المكان التي صدرت عنه هذه العادات. خلال عامي العاشر، أصبح مطبخ النساء البيض هو مدرستي النهائية. 

كانت السيدة فيولا كولينان امرأة ممتلئة الجسم، تعيش في منزل يحتوي على ٣ غرف للنوم، في مكان ما خلف مكتب البريد. كانت غير جذابة بشكل ملحوظ حتى تبتسم، وبعدها تظهر الخطوط حول عينيها وفمها مما يعطى لمنظرها شكلًا متسخًا، ويصبح وجهها مثل قناع قزم شرير. كانت تُريح ابتسامتها في العادة إلى ما بعد الظهر عندما تزورها صديقاتها وتقدم لهن الآنسة جلوري، الطباخة، المشروبات الباردة في الشرفة المُغلقة. كان النظام في منزلها غير إنساني. هذه الكأس مكانها هنا فقط. وذلك الكوب لديه مكانه الخاص به وإذا وُضع في مكان آخر فذلك فن التمرد الوقح. 

في الساعة ال١٢ يجب أن تُعد الطاولة. وفي الساعة ١٢:١٥ تجلس السيدة كولينان على الطاولة (سواء وصل زوجها أم لا). في الساعة ١٢:١٦ تُحضِر الآنسة جلوري الطعام.

تطلّب مني أسبوعًا تمييز الفرق بين طبق السلطة وطبق الخبز وطبق الحلوى. 

حافظت السيدة كولينان على عادات والديها الثرييْن. كانت من فرجينيا. أما الآنسة جلوري، التي انحدرت من سلالة العبيد الذين عملوا لآل كولينان، أخبرتني بقصة السيدة كولينان، فقد تزوجت رجلًا أقل منها. لم يكن لدى عائلته أموالًا لفترة طويلة، وما امتلكوه لم يكن الشيء الكثير.

لكونها قبيحة، كما فكّرت، كانت محظوظة أصلًا لأنها حصلت على زوج سواء كان أقل منها أو أعلى منزلة. لكن الآنسة جلوري لا تدعني أقول شيئًا كهذا ضد سيدتها. لقد كانت صبورة جدًا معي خاصة فيما يتعلق بالأعمال المنزلية. شرحت لي الأطباق، والفضّيات وأجراس الخدم. لم يكن الوعاء المستدير كبير الحجم وعاءً روحانيًا، بل كان وعاء للسلطة. كانت هناك كؤوس وأكواب للشرب وأكواب للآيسكريم وأكواب نبيذ وأكواب قهوة خضراء اللون مع صحون مطابقة لها، وأكواب ماء. كان لدي كوبًا لأشرب منه، وكان يُوضع في الرف المنفصل الذي تضع فيه الآنسة جلوري كوبها. أيضًا ملاعق للحساء، ووعاء للصوص، وسكاكين الزبدة، وشوك للسلطة، كلها كانت إضافات إلى مخزون الكلمات لديّ، والتي أصبحت بدورها لغة جديدة. كنتُ مبهورة بالإبداع وبهيجان السيدة كولينان ومنزلها الذي يشبه منزل أليس في بلاد العجائب.

أما زوجها فمازال غير واضحًا في ذاكرتي. لقد جمعته مع كل الرجال البيض الذين قابلتهم في حياتي وحاولت أن لا أراهم. 

ذات مساء، وفي طريقنا إلى المنزل، أخبرتني الآنسة جلوري أن السيدة كولينان لا تستطيع إنجاب الأطفال. لقد قالت أن عظامها حساسة للغاية. لقد كان صعبًا علي أن أتخيل كل هذه العظام تحت أكوام من الشحوم. أخبرتني الآنسة جلوري أيضًا أن الطبيب قد أزال كل أعضاء سيدتها. أدركت أن أعضاء الخنزير تشمل الرئتين والقلب والكبد، لذلك إن كانت السيدة كولينان تتمشى بدون أعضائها، فإن ذلك يُفسر لِم كانت تشرب الكحول في قوارير غير مختومة، لأنها كانت تحنّط نفسها.

عندما تحدثتُ لبيلي عن هذا الأمر أخبرني بأنني كنتُ على حق، لكنه أخبرني أيضًا أن السيد كولينان لديه ابنتين من سيدة ملونة وبأنني أعرفهما جيدًا. أخبرني بأن البنتين كانتا صورة طبق الأصل من أبيهما. لم أستطع التذكر كيف كان شكله، على أنني تركته لبضع ساعات، لكني فكّرت في ابنتيه. كانتا ذات بشرة فاتحة للغاية، ولم يشبها أمهما ( لم يذكر أحد قط السيدة كولينان).

شفقتي على السيدة كولينان سبقتني في الصباح التالي مثل ابتسامة القط شيشاير في أليس في بلاد العجائب. كانت هاتان الفتاتان، واللتان من الممكن أن يكونا ابنتيها، جميلتان. لم يكن عليهما أن يفردا شعرهما، حتى وإن كانتا تحت المطر فإن الضفائر ظلت مفرودة مثل الثعابين المروّضة. أما ثغريهما، فقد كانا مثل قوس كيوبيد. لم تكن السيدة كولينان تدرك ما الذي فاتها، أو من الممكن أنها كانت تعرف. يا لبؤس السيدة كولينان.

لأسابيع بعدها، كنت أصل إلى المنزل مبكرًا، وأغادره متأخرًا، وبذلت كل مابوسعي من أجل أن أعوّض حاجتها. فإذا كان لديها أطفال لن تطلب مني بأن أؤدي مهامًا تمتد من باب منزل الخلفي إلى باب منزل صديقاتها. يا لبؤس السيدة كولينان.

ذات مساء أخبرتني الآنسة جلوري أن أخدم السيدات على الشرفة. بعد أن جهّزت الصينية وتوجهت إلى المطبخ، سألتني إحداهن ”ما اسمك يافتاة؟“ كان وجهها مرقطًا. أجابتها السيدة كولينان ”لا تتحدث كثيرًا، اسمها مارجريت“.

“هل هي بلهاء؟”-

“لا كما أفهم، لكنها تستطيع الكلام عندما ترغب في ذلك، لكنها في العادة هادئة مثل فأر صغير. أليس كذلك يا مارجريت؟”-

ابتسمت لها. يا لبؤسها. لا تمتلك أعضاء والآن لا تستطيع أن تنطق اسمي بشكل صحيح. 

“لكنها شيء صغير لطيف”-

“من الممكن أن تكون كذلك، لكن اسمها طويل للغاية. لو كنتُ مكانك لن أتعب نفسي، وسأناديها ماري”.-

اشتطتُ غضبًا إلى المطبخ. تلك المرأة المريعة لن يتسنى لها أن تناديني بماري ولو كنت أتضور جوعًا، لن أعمل لديها. قررتُ بأنني لن أتبول عليها إذا كان قلبها يحترق. أسمع صوت ضحكات في الشرفة وكذلك في قدور الآنسة جلوري. كنت أتعجب ما الذي يضحكهن؟

هؤلاء الأشخاص البيض عجيبون. هل يتحدثون عني؟ من المعلوم أنهم يتضامنون مع بعضهم أفضل من الزنوج. من الممكن أن السيدة كولينان لديها أصدقاء في سانت لويس سمعن عن فتاة من ستامبس في المحكمة، وكتبن لها ليخبرنها. من الممكن أنها تعرف السيد فريمان ”مُغتصب كاتبة القصة“.

كان الغداء في فمي للمرة الثانية، وذهبت للخارج لأستريح فوق سرير من زهور شب الليل.

ظنّت الآنسة جلوري أنني قد أُصاب بشيء ما، وطلبت مني أن أذهب إلى المنزل وأسال ماما أن تعطيني شاي بالأعشاب، وسوف تشرح الأمر للسيدة كولينان.

أدركتُ كم كنت حمقاء قبل أن أصل إلى بركة الماء. بالطبع لم تعرف السيدة كولينان بهذا الأمر، وإلا لم تكن لتعطيني فستانين جميلين قصّتهما ماما، ولم تكن لتناديني ب”الشيء الصغير اللطيف“. طابت معدتي، ولم أذكر أي شي لماما.

قررتُ في ذلك المساء أن أكتب قصيدة عن كوني بيضاء وسمينة وكبيرة في السن بدون أطفال. كانت ستصبح قصيدة مأساوية. وكان علي أن أراقبها بحذر حتى أقبض على جوهر وحدتها وألمها.

في اليوم التالي، نادت عليّ بالاسم الخاطئ. كنت أغسل الأطباق أنا والآنسة جلوري عندما جاءت السيدة كولينان للباب “ماري؟”

ردت الآنسة جلوري “مَن؟”

تراجعت السيدة كولينان وأدركت الأمر كما أدركته أنا وقالت “أريد من ماري أن تذهب إلى السيدة راندال وتأخذ معها بعض الحساء لأنها ليست بخير منذ بضعة أيام”.

كان وجه الآنسة جلوري متعجبًا “تقصدين مارغريت ياسيدتي، اسمها مارغريت”.

-“لكن اسمها طويل جدًا. من الآن فصاعدًا اسمها ماري. سخّني ذلك الحساء من الليلة الماضية وضعيه في الوعاء الصيني، وأنبّهك ماري أن تحمليه بحذر”.

كل شخص أعرفه كان لديه رعب جهنمي من أن يُنادى بغير اسمه. كان عملًا خطيرًا أن يُنادى على زنجي بأي شيء يمكن تفسيره بشكل فضفاض بأنه إهانة بسبب قرون من تسميتهم بالزنوج والأحذية والغربان والأشباح..

شعرت الآنسة جلوري بلحظة عابرة من الأسف تجاهي. بعدها قالت لي وهي تمرر لي الوعاء الساخن ”لا تنزعجي، حاولي أن تتجاهلي الأمر. إن العصي والحجارة قد تُكسر عظامك، لكن الكلمات.. كما تعرفين، أعمل لديها منذ ٢٠ عامًا“.

أمسكتْ الباب الخلفي من أجلي. أخبرتني ”عشرون عامًا. لم أكن أكبر منك سنًا وقتئذ. كان اسمي هاللويا. هذا ما كانت تناديني به أمي. لكن السيدة أعطتني اسم جلوري، والتصق بي. لقد أعجبني أكثر“.

كنتُ في المسار الصغير الذي يقع خلف المنازل عندما صرخت الآنسة جلوري ” وإنه أقصر أيضًا“.

لثواني معدودة، كان الأمر بمثابة قُرعة ما إذا كنت سأضحك (تخيّل أن يكون اسمك هللويا) أو أبكي (تخيل أن تدع امرأة بيضاء تعيد تسميتك من أجل راحتها). حماني غضبي من كلا الانفجارين. كان يجب عليّ أن أترك عملي، لكن المشكلة كانت كيف سأتركه. لن تدعني أمي أن أترك عملي لأي سبب.
أخبرتني عاملة السيدة راندال وهي تأخذ الحساء مني ”إنها عاهرتُن. تلك المرأة هي عاهرتُن حقيقية“، وكنت أتسائل ما هو اسمها الحقيقي وبماذا تُدعى الآن.

لمدة أسبوع وأنا أتأمل وجه السيدة كولينان وهي تناديني بماري. تجاهلتْ أمر قدومي إلى المنزل متأخرًا ومغادرتي مبكرًا. لكن الآنسة جلوري انزعجت قليلًا لأنني أصبحت أترك مُحّ البيض على الأطباق، ولم أبذل مجهودًا كافيًا لتلميع الفضّيات. كنت آمل أن تشتكي لرئيستنا، لكنها لم تفعل. 

لكن بيلي حلّ معضلتي. طلب مني أن أصف له محتوى الدولاب والأطباق المعينة التي تعجب السيدة. كانت قطعها المفضلة طبق خزفي على شكل سمكة، وأكواب القهوة الخضراء. حفظتُ تعليماته، لذلك في اليوم التالي عندما نشرت الآنسة جلوري الملابس وطُلب مني أن أخدم العجائز على الشرفة، أسقطتُ صينية التخديم الفارغة. عندما سمعت السيدة كولينان تصرخ ”ماري!“ التقطتُ الطبق الخزفي وكوبين من أكواب القهوة الخضراء باستعداد. وفي الوقت الذي دخلتْ فيه المطبخ، تركتهم يتساقطون على البلاط. 

لم أستطع أن أصف لبيلي ما الذي حصل فيما بعد، لأن كل مرة أصل فيها إلى الجزئية التي تسقط فيها السيدة على الأرض وأجعل وجهها القبيح يبكي، ننفجر من الضحك. تمايلتْ على الأرض والتقطت الأجزاء المكسورة من الأكواب وقالت باكية ”يا أماه، يا رباه، إنه خزف أمي من فرجينيا. أنا آسفة يا أمي!“.

اندفعت الآنسة جلوري من الحديقة وكذلك السيدات في الشرفة المزدحمة. كانت الآنسة جلوري مكسورة مثل سيدتها ”هل تعنين أنها كسرت أطباقنا التي من فرجينيا؟ ما العمل الآن؟ 

بكت السيدة كولينان بصوت مرتفع وقالت ”تلك الزنجية الخرقاء. الزنجية الصغيرة السوداء الخرقاء“

سألت العجوز المرقطة ”من فعلها يا فيولا؟ هل كانت ماري؟ مَن فعلها؟“

كل شيء حدث بسرعة للدرجة التي لا أستطيع التذكر هل سبق فعلها كلماتها، لكني أعرف أن السيدة كولينان قالت ”اسمها مارجريت، اللعنة عليه، اسمها مارجريت“ ورمت قطعة من الصحن المكسور علي. من الممكن أن الهستيريا أعاقت هدفها، لكن الصحن الطائر وقع فوق أذن الآنسة جلوري التي بدأت بالصريخ.

تركتُ الباب مفتوحًا على مصراعيه حتى يسمعها جميع الجيران. لقد كانت السيدة كولينان محقة بشأن أمر واحد، اسمي لم يكن ماري. 


 للكاتبة والشاعرة الأمريكية مايا (مارغريت) آنغلو – بترجمتي

عندما أنهينا أنا وزميلتي المكسيكية والتي تعمل جليسة أطفال، من قراءة القصة قالت معلقة عليها “الآن فهمت سبب غضبي المكبوت على السيدة التي أعمل لديها عندما تناديني في كل مرة باسم غير اسمي، زاعمة أن اسمي صعب عليها.. إنها تنزع هويتي”.

زميلتي هذه مُحقة، فاسم شخص ما هو هويته. 
جاء في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم غيّر من أسماء بعض الداخلين في الإسلام من الناس والقبائل مَن كانت أسمائهم فيها قبح أو غِلظة إلى أسماء أحسن منها تفاؤلًا واستبشارًا بمعناها. لكن الرسول الكريم لم يُجبر أحدًا على تغيير اسمه، إذ ورد في صحيح البخاري أن والد سعيد بن المسيب “حزن” جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له “أنت سهل” فرد عليه “لا أُغيّر اسمًا سمّانيه أبي” فقال ابن المسيب ” فما زالت الحزونة فينا بعد”. 

وفي قصة هايدي، تغضب هايدي الصغيرة من السيدة روتن ماير لأنها تناديها بأدلين بدلًا من هايدي بسبب أن الاسم لا يعجبها ولم تسمع به من قبل.  ما الغرض من كتابة هذه التدوينة؟ خطرت في بالي القصة وكل هذه الأفكار عندما سمعت إحدى صديقاتي تُنادي العاملة المنزلية باسمٍ عربي لأنه أسهل لها. احذروا، إن الاسم هوية وهي ذاكرته وماضيه فلا تنزعوها من البسطاء لديكم.

 

هل قرأتم الكتب الكلاسيكية العربية؟

 

Lara Hawthorne

كنتُ أعدّ ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) من الكلاسيكيات العربية، حتى سألتني زميلة لي عن سبب إدراجي لها تحت قائمة الكلاسيكيات. آنذاك لم يكن جوابي كافيًا إذ قلت ”لأنها يجب أن تُقرأ“. ما زلتُ حتى الآن أؤمن بأنها يجب أن تُقرأ، لكن تعريفي للكلاسيكيات تغير قليلًا مع قراءتي لما كتبه ”ايتالو كالفينو“ عن تعريفه للكتب الكلاسيكية.

 كيف يُعرّف كالفينو الكتب الكلاسيكية؟

١- قراءة الكتاب العظيم لأول مرة بعد نضوجك تُشعرك ببهجة استثنائية مختلفة عن البهجة التي ستشعر بها عند قراءتك للكتاب في أول شبابك. 

٢- نحن نستخدم مفردة ”كلاسيكية“ للكتب التي أحبها الآخرون، لكن المفردة يجب أن تُستخدم بالأحرى للتعبير عن حظ هؤلاء الذين استطاعوا أن يقرأوها في الظروف المناسبة ليستمتعوا بها. 

٣- يجب أن يكون هناك وقت مستقطع في حياة المرء ليعيد قراءة أهم الكتب. 

٤- كل إعادة قراءة لكتاب كلاسيكي هي رحلة استكشاف كما القراءة الأولى. 

٥- كل قراءة لكتاب كلاسيكي تُشعرك بأنها إعادة قراءة. 

٦- الكلاسيكي من الكتب هو الكتاب الذي لم يستنفد كل ما يود أن يقوله. 

٧- الكلاسيكات هي الكتب التي تحمل آثار القراءات السابقة، وتجلب في أعقابها الآثار التي تركتها على الثقافات التي مرت بها. 

٨- الكتاب الكلاسيكي لا يعلمنا بالضرورة أي شيء لم نعلمه مسبقًا. 

٩- الكلاسيكيات هي الكتب التي نجدها عند القراءة متجددة، فكلما ظننا أننا نعلم شيئًا منها وجدناها عند قراءتنا أكثر إبداعًا وابتكارًا.

١٠- نستخدم مفردة كلاسيك في الكتب عن الكتاب الذي يمثّل الكون بأكمله.

١١- مؤلف الكتاب الكلاسيكي هو الشخص الذي لا تشعر أنه مختلفًا عنك، ويربطك به حتى وإن كنت تختلف معه. 

١٢- الكلاسيكيات هي الكتب التي وُجدت قبل الكلاسيكيات الأخرى.. وفي النهاية كل شخص سيكتشف أنها من نفس العائلة. 

١٣- الكتاب الكلاسيكي لا يبالي بالاهتمامات الحالية ويجعلها ضوضاءً في الخلفية. 

١٤- الكتاب الكلاسيكي يصر أن يكون هو الضوضاء حتى وإن كانت اهتماماتك الأخرى هي المسيطرة على الموقف. 

يعلّق عبدالفتاح كيليطو في كتابه الأخير “جو من الندم الفكري” عن الكتب الكلاسيكية:

“ينبغي أن نقرأها، لكننا لا نفعل، يظل الأمر أمنية غامضة … والغريب على أننا لا نقرؤها، نتصرف كأننا قرأناها وندّعي معرفتها. شخصيًا لم أقرأ الإلياذة، لكنني أعرف محتواها.. وبالمناسبة من يقرأ دون كيخوته؟ أغلبية الناس لا يعرفونه إلا من خلال رسوم الفنان غوستاف دوري، أو عبر ذكرى صفحات من كتاب مدرسي”.
هذا بالنسبة للكتب الكلاسيكية الأجنبية، فماذا عن العربية؟ ما هي الكلاسيكيات العربية؟

يقرّر ابن خلدون في مقدمته أن الكتب الكلاسيكية العربية هي “أدب الكُتّاب لابن قتيبية، وكتاب الكامل للمبرّد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها”. لم اقرأ سوى الكامل للمبرّد، وأتمنى أن أقرأ البقية، لكنني ككيليطو، أتسائل، من يقرأ كتاب النوادر كاملًا؟ 

إنه من المريح أن نعرف أن ابن خلدون لا يصنّف شعر المتنبي والمعري ضمن الشعر العربي لأنهما تجاوزا التقاليد الشعرية العربية! إذن آن لنجلاء أن تمد رجليها وتقرر أن ثلاثية نجيب محفوظ هي من الكلاسيكيات العربية. 

ماذا عنكم؟ ما هي برأيكم الكتب العربية الكلاسيكية في الأدب؟
من المؤكد أن قائمتكم تشمل ألف ليلة وليلة، رسالة الغفران، وحي بن يقظان.. وماذا أيضًا؟


مراجع:

في جو من الندم الفكري: عبدالفتاح كليطيو

14 Reasons Why We Should Read Classics

Italo Calvino’s 14 Definitions of a Classic

كيف تُعاش الحياة؟

أنهيتُ قبل فترة قراءة كتاب سارة بكويل (كيف تعاش الحياة) هذا الكتاب ممتع -ككتابها السابق في مقهى الوجودية- إذ تتبعت فيه بكويل حياة ميشيل دو مونتين من خلال كتابه ”المقالات“- لم تترجم إلى العربية إلى الآن- والتي كُتبت في ٣ مجلدات، ولخّصت كيف عاش ميشيل دو مونتين حياته في سلام بطريقة ذكية: أجوبة عن عشرين سؤالًا. 

من هو ميشيل دو مونتين؟

باختصار هو فيلسوف من فلاسفة النهضة الفرنسية (١٥٣٣-١٥٩٢م)، وهو مبتدع فن المقالة، كتب مقالاته عن تجاربه وآراءه في الحياة. قيل أن شكسبير كان من هؤلاء الذين تأثروا بكتابات مونتين، وكذلك فولتير وجان جاك وروسو وباسكال، وستيفان زفايج، وفرجينيا وولف وزوجها ليونارد، أما نيتشه فقد قال عنه “إن ما كتبه هذا الرجل قد زاد من بهجة العيش على هذه الأرض”.

”ليس كتابًا بقدر ماهو رفيق مدى الحياة“

هنا نقاط مختصرة للغاية عن الطرق التي تبعها ميشيل دو مونتين في حياته:

١- لا تقلق بشأن الموت:

كان مونتين في بداية حياته شديد القلق بشأن الموت إذ قرأ كتابات العديد من الفلاسفة المهووسون بالموت، إلى أن اقترب من الموت في ال٣٦ من عمره حين سقط من على جواده وفقد وعيه. يبدو أن مونتاني قد ازداد حكمة خلال فترة التعافي، إذ شبّه الموت بحلم اليقظة: ومن ذلك انطلق في مقالاته يدعو الناس إلى أن يعيشوا حياتهم بلا قلق من الموت، وقررّ أن الفلاحين يتعاملون مع الموت أفضل من الفلاسفة. 

Salvador Dali

٢- انتبه للحياة بدهشة:

 بعد بضع سنوات من حادث السقوط، بدأ مونتين بكتابة المقالات، إذ أنه أصبح أشد تركيزًا وانتباهًا للحياة، فكتب عن تجربة الاقتراب من الموت. وشعر بأن الكتابة تحرره وتجعله أكثر وعيًا وانتباهًا لما حوله.
“لن يسببب تذكيرك بسرعة مرور الحياة أي ارتباك.. فهي تنزلق بهدوء، ما النتيجة؟
أنت مهموم والحياة تمر سريعًا. وسيصل الموت في هذه الأثناء، ولا خيار لك في جعل نفسك متاحًا له“.

بل الغالب أنه هو من ابتكر التأمل:
”حين أسيرُ وحيدًا في البستان الجميل، إذا تطرّقت أفكاري إلى حوادث غريبة لبعض الوقت، فإني أعيد أفكاري إلى المشي، إلى البستان، إلى حلاوة هذه الوحدة، وإلى نفسي”.

”حين أرقص أرقص، وحين أنام أنام“.

من السهل أن نقرأ كلامًا مثل هذا، لكن التطبيق صعب للغاية، وإلا فما وُجدت الكثير من الكتب والمحاضرات التي تدعو إلى التأمل والتركيز ونبذ المشتتات.

٣- أن تُولد- من جديد-:

”إذا تمعّن الآخرون في فحص أنفسهم باهتمام كما أفعل، لوجدوا أنفسهم كما وجدتُ نفسي، مليئة بالتفاهة واللغو. ولا يمكنني التخلص منهما إلا بتخلصي من نفسي“. تعلّم مونتاني فلسفة أرسطو وقراءة الكتب الكلاسيكية. 

٤- اقرأ كثيرًا، انس معظم ما قرأت، ولا تكن سريع البديهة: 

تقول بكويل أن مونتاني كان شخص كسولًا في القراءة، ويهمه الكتاب المبهج، ولا يتوانى أن يرميه جانبًا إذا لم يستهويه.

”إذا لقيتُ صعوبة في القراءة، لا أقضم أظافري بسبب ذلك، بل أتركها جانبًا. لا أفعل شيئًا من دون بهجة“.

وكان يكره التعليقات في الكتب ”إنها وظيفة لتفسير التفسيرات أكثر منها تفسير الأشياء. نحن لا نفعل شيئًا إلا كتابة حواش عن بعضنا البعض“.

٥- الصداقة:
اعتبر مونتين أن الصداقة من متع الحياة، وكان صديقه في حياته لا بويتي إذ قال عنه “أخبرك عن سبب حبّي له: لأنه هو ولأني أنا”.

٦- استخدم حيلًا صغيرة: 

قلّد مونتين فلسفة الرواقيين والأبيقوريين في التعامل مع الحياة اليومية، بأن يعيش المرء حياة طيبة وأن يكون شخصًا طيبًا من خلال الاتزان بتدريبات ذهنية قاسية. كيف؟

-بالتحكم والانتباه: أن تتحكم في انفعالاتك، وأن تركز في الحاضر. 

 مثلا: بماذا تشعر الآن؟ هل أنت حيٌّ فعلا في هذه اللحظة؟

– بحيلة الخيال:
في وسط الحياة، تخيّل نفسك في لحظة الموت: هل عشت حياة طيبة؟
تخيّل أن تفقد شخصًا عزيزًا أو تخيل نفسك أنك لم تلتق به أبدًا. 

تظاهر بأنك فقدت كل شيء وأنك تفتقد أشيائك للغاية.

حب القدر: بأن تتقبل كل شيء على ماهو عليه.

 تشتيت الانتباه أفضل طريقة للتعامل مع الحزن. 

٧- شكّ في كل شيء:

لا يلزم أخذ أي شيء في الحياة بجدية، ولا تحاول الحصول على إجابة محددة لأي شيء. كما يقول مونتين ”وبصري لا يُعتمد عليه“. 

”كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئًا، بل إني حتى لست متأكدًا من ذلك“.

كل وجهة نظر عند مونتين لا بد أن تؤخذ في الاعتبار ”نحن وأحكامنا، وجميع الأشياء الفانية، نظل نتدفق ونتقلب في حالة من الشك. وهكذا، لا يمكن إثبات أي شيء يقيني عن شيء بواسطة شيء آخر، فالحاكم والمحكوم عليه في حالتي تغيّر وحركة مستمرين“.

٨- احتفظ بغرفة خاصة بك خلف الدكان:

تقول بكويل أن مونتاني سعى إلى العزلة والانفراد بالنفس حتى يمكنه من إقامة حرية حقيقية، ”الحاجز الذي يحتاجه ليفكّر ويتأمل في داخل نفسه“. 

٩- كن سهل المعشر.. عِش مع الآخرين:

– كان مونتاني اجتماعيًا ويحب الاختلاط بالناس، ويحب الحوار ”أنا أعيش في مكان مفتوح تمامًا..وُلدتُ للصحبة والصداقة“. وكان يفضل الكلام والحوار على قراءة الكتب، وكذلك الجدال، فقد كان يحب أن يعارضه الآخرون من أجل فتح المزيد من الحوارات ”لا يدهشني أي رأي، ولا يسيئني أي اعتقاد، مهما تعارض مع اعتقادي“.

  • كان يكره القسوة ورحيمًا حتى مع الحيوانات ”لا أقدر أن أرفض اللعب الذي يقدمه لي كلبي أو يطلبه مني في أوقات غير ملائمة“.

١٠- استيقظ من سُبات العادة:
كان مونتاني يولي الانتباه إلى الأشياء من حوله بطريقة مختلفة، ويحب الاطلاع على عادات الشعوب الغريبة والمختلفة عنه. 

١١- عش باعتدال: 
تقول بكويل أن مونتاني كان يترنم بالرصانة والاعتدال، وكان يثمن الصداقة أكثر من الغرام. وزعم بأن عظمة الروح الحقيقية توجد في التوسط.

١٢- احرس إنسانيتك: 
قارنت بكويل مونتاني بستيفان زفايج، حيث أن مونتاني حافظ على لا مبالاته أثناء الحروب، أما زفايج فقد انتحر أخيرًا رغم أنه تأثر بما كتبه مونتاني. دعا مونتين إلى تحرير النفس من الكبرياء وكذلك من الحزبيات. باختصار كن سيدًا لحياتك. 

١٣- افعل شيئًا لم يفعله أحد قبلك: 
”إني أوجه نظرتي إلى الداخل، وأثبتها هناك وأجعلها مشغولة. الجميع ينظرون أمامهم: أما أنا، فأنظر داخل نفسي، لا عمل لديّ إلا نفسي. أنا ألاحظ نفسي باستمرار، أنا أجرد مخزون نفسي. أنا أتذوق نفسي.. أنا أتقلب داخل نفسي“.

١٤- شاهِد العالم: 
سافر مونتاني في رحلات إلى فرنسا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا. وأكثر ما أحبه هو عدم التخطيط في السفر والتحرك مع التيار ”إذا بدا المشهد قبيحًا على اليمين فسأسلك طريق اليسار، وإذا وجدتُ نقسي غير ملائم لامتطاء حصاني، أتوقف“. وعلى الرغم أنه كان لا يحب التخطيط، كان أيضًا لا يحب أن يفوته شيء. ويحاول أن يتكلم بلغات البلدان التي يسافر إليها.

١٥- أدِّ وظيفتك جيدًا، لكن لا تسرف في إجادتها: 
لا تؤذي نفسك بالعمل. وسافر كثيرًا. 

١٦- تفلسف بالمصادفة فقط: 
الكثير تأثر بما كتبه مونتين. 

١٧- تأمل كل شيء بعمق، ولا تندم على شيء 

١٨- تخلّ عن التحكم

١٩- كن عاديًا ولا تكن كامل الأوصاف 

٢٠- دع الحياة تكون الإجابة عن السؤال عنها: 
”لا بد أن تكون الحياة هدفًا في حد ذاتها، غرضًا في حد ذاتها“.

إن الشجا يبعثُ الشجا

 

Arianna Vairo

 

حدثتني جدتي عن قصةٍ لملك في قديم الزمان بنى له قصرًا عظيمًا بلغ الكمال وتحدى الجميع أن يبحثوا عن النقص الذي فيه، فكان الناس يلِجون القصر ويبحثون فيه عن الأخطاء فيتعجبون لكماله دون أي نقصان. حتى دخله درويش من الدراويش وأخبر الجميع أن به بالفعل عيبًا واحدًا..

فأحضره الملك فسأله: هل تعلم لقصري عيبًا؟
قال: نعم
قال: وما هو؟
أجاب “يموت صاحبُ الدار ويفنى الدار”

كان منزلنا في المدينة يفيض جمالًا وحبًا، وكنتُ أراه من أجمل البيوت ليس به عيبًا واحدًا، أجد فيه صوت أبي ورائحة أمي. أمرٌ اعتدت عليه واعتقدتُ بخلوده إلى أن توفي والدي رحمه الله وغادر صوته منزلنا وأصبح مُوحشًا كما قلبي.

توفيت جدتي في عام كورونا، بكيت عليها كثيرًا وكأن الجرح انفتق من جديد، بكيتُ كذلك على خبر وفاة والدة صديقتي، وما انفك الجرحُ غائرًا يتكشّف مع كل حديثٍ بوفاة:

 إن الشجا يبعثُ الشجا… فدعني، فهذا كلهُ قبر مالكٍ

نعم هذا كله قبرُ أبي. 

ومن نكد الدنيا أن يصادف تاريخ وفاة والدي بالميلادي يوم عيد الفطر ، وكأنه يُذكّرني بالرأس الكريمة التي كنتُ أقبّلها في كل عيد وغير عيد: 

سأذكرهُ ولو غطاهُ قبرٌ .. وأهمِسُ عيده عيد سعيدُ
وإني لستُ أنسى حين كنا .. نقبّل رأسهُ في كلِّ عيدُ

“بين الصورتين أكثر من ٢٥ عامًا.. يموتُ صاحب الدار ويفنى الدار”

في التربية- جان جاك روسو

أودع جان جاك روسو أطفاله الخمسة في ملجإ للقطاء لأنه ”خاف من التربية“، وقال أن ”هذا التدبير موفق وحكيم وشرعي.. ولم أرَ في سلوكي هذا من سوء قط“، ثم ألّف كتابًا ضخمًا عن التربية، عدّه تولستوي من الكتب العظيمة التي يجب أن تُقرأ!

ولأن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها،  سنتحدث في هذه التدوينة عن تربية الأطفال قبل المراهقة وفقًا لفلسفة روسو في نقاط مختصرة، والتي جذبت انتباهي. إذ أن روسو قسّم كتابه (إميل) إلى ٥ أقسام: فالقسمان الأول والثاني والثالث يتحدث فيها عن الطفل إميل، أما الرابع فهو عن مرحلة المراهقة، والقسم الخامس والأخير عن صوفيا والتي من المفترض أن تكون زوجة إميل المستقبلية. يجدر الانتباه أن الكتاب كان عن تربية (الولد) والذي سمّاه روسو ب(إميل). 

لكن قبل أن نبدأ كيف بررّ روسو التخلي عن أطفاله وإيداعهم ملجأ اللقطاء؟

في الاعترافات (ص ٤٩٨) قال أنه تعذّر أن يربيهم بنفسه، ومن الأفضل لهم أن يصبحوا عمّالًا ومزارعين من أن يبيتوا أُولي مغامرة وطلاب ثراء!

بالطبع سخر فولتير منه كثيرًا، أما فيكتور هوغو فقد قال على لسان آنجولراس في البؤساء:
”إلزم الصمت أمام جان جاك! لقد أنكر أولاده ولكنه تبنّى الشعب“.

حسنًا هذه أبرز النقاط التي أثارت انتباهي:

المرحلة الأولى من عمر الطفل:
يولد الطفل ضعيفًا لايستطيع تناول الطعام أو الشراب، ويحتاج إلى شخص ما ليجعله قويًا معتمدًا على نفسه وإذا صار قويًا يُصبح خيّرًا، لأن الضعف هو الشر. والتربية تبدأ عند الولادة، فهو يتعلم قبل الكلام والفهم.

  • التخلي عن المهاد أو الكوفلة، أو القماط: ”يبقى التعس مصلوبًا هكذا“ فلا يصعد الدم إلى الرأس، فكيف يبقى كذلك لساعات طويلة؟ يقول روسو ”إذا ما خرج الولد فلا تسمحوا بحصره في الكمة ولا اللفائف ولا قمط، بل حزائم متدلية واسعة“
    ويقول أن نضعه في مهد كبير بحيث يستطيع أن يهتز بسهولة وينشر أعضاءه الصغيرة ويبسطها.
  • الرضاعة الطبيعية: حتى تستيقظ المشاعر الطبيعية في القلوب. فقد سخر من الأمهات اللواتي لا يُرضعن أولادهن. أما إذا وُجدت مرضعة فمن الأفضل أن تكون سليمة المزاج. وغذاء المُرضع أن تتناول الكثير من الطعام النباتي والخضروات المسلوقة وتتجنب القلي. الأم هي التي تُرضع الطفل وليس امرأة أخرى إذ أنه لا توجد أي صلة حميمة تجمعها بالطفل مثل الأم. أفضل مربي هو الأم وأفضل معلم هو الأب.
  • اتحاد الأبوين مع بعضهما: فالضجيج الذي يُصدره الأطفال هو أمر مستحب، ويقرب الزوجين من بعضهما ويجعل أحدهما أكثر قيمة لدى الآخر، ويشد الرابطة الزوجية بينهما. 
  • أهمية الهواء الطبيعي: يرى روسو أن يُرسل الطفل إلى الأرياف لاستنشاق الهواء الصالح (لاحظوا أن روسو سويسري 🙂 )
  • الامتناع عن الترف: من أجل إعداد الطفل للألم يُغسل بالماء البارد والجامد في فصل الصيف أو الشتاء.
  • اختيار المربي قبل أن يولد الطفل.
  • كونوا ضد العادة أو الروتين: العادة الوحيدة التي يجب أن تُسمح لأي طفل هو ألا تكون له أي عادة! فعلى سبيل المثال لا يُحمل طوال الوقت، أو يوضع له ساعات للطعام أو النوم، أو ينام لوحده أو مع أمه طوال الوقت، 
  • الحرص على أن يرى الأشياء الجديدة: فمن الجيد أن يرى الأشياء الجديدة وكذلك الأمور البشعة والكريهة بالتدريج حتى يألفها. على سبيل المثال يخاف الأطفال من الأقنعة، فيرى روسو أن الطفل يجب أن يعتاد عليها بالتدريج بأن يرى في البداية قناعًا جميلًا ثم يضعه المربي على وجهه أمامه ويضحك ثم يُعوده بالتدريج على الأقنعة الكريهة. وينطبق الأمر على الأصوات العالية مثل الرعد. 
  • انتبهوا من طلبات الطفل: فسوف تنشأ فكرة التسلط والسيطرة إذا لم ينتبه المربي لذلك. ودموع الأطفال – إن كانت في غير مرض أو حاجة- هي دموع عناد وعادة سببها في البداية الأمهات والآباء. لأنهم لم يرضوا أن يُزعجوا في البداية بصراخ الطفل فيُسكتوه بما يريد فورًا. فالوسيلة لذلك هي التغافل حتى وإن أصروا بالبكاء، فكونوا أكثر عنادًا منهم حتى تفتر همتهم.
  • الكلمات الأولى للطفل يجب أن تكون واضحة ومكررة وتدل على أشياء محسوسة تُعرض على الطفل. يقول روسو أن اللثغة قل أو تندر ماتكون عند أطفال القرى لأنهم يتكلمون بوضوح من غير همهمة، ولا يُلقنون الكلام فهم يقولون الكلام الذي يرغبون في قوله لا الذي يرغب فيه غيرهم. لايُستعجل الطفل على الكلام وكن صبورًا معه.

المرحلة الثانية من عمر الطفل: 

  • لا تمنع الطفل من إيذاء نفسه أثناء اللعب والاكتشاف: فمن الصعب أن يكبر من غير أن يعرف الألم. التعليم من العالم الحقيقي أكثر من الكتب.
  • من المفترض أن يقل بكاؤه: إذ أنهم يصبحون أكثر قوة ويقل التجاؤهم إلى الآخرين، ويعرفون الكلام الذي يحل محل البكاء. 
  • تجنب الترف: فالإنسان ضعيف، وعندما تستجاب احتياجاته يزداد ضعفًا. والشقاء لا يقوم على الحرمان من الأشياء، بل في الاحتياجات التي يشعر الإنسان أنه يحتاجها. ”ولا تعطوه ما يرغب فيه لأنه طلبه، بل لاحتياجه إليه“.
  • حرية الحركة والصراخ: يجب أن يصرخ الأطفال ويقفزوا ويركضوا متى شاءوا من أجل تقوية بنيتهم الجسدية. 
  • تجنبوا الإفراط في الشدة والتساهل: فتركهم يتألمون يعرض حياتهم للخطر ويجعلهم تعساء، وبذل الجهد الكبير من أجل حمايتهم من كل سوء يُعدهم لأعظم المصائب. فالذي لايعرف الألم لا يعرف حنان الإنسان ولا حلاوة الرحمة. 
  • هل تريد أن تجعل ابنك تعيسًا؟ عوّده نيل كل شيء! إذا تعوّد الطفل أن يرى كل شيء ينثني أمامه فسيندهش عند دخول العالم الحقيقي عندما يقاومه كل شيء وسيشعر أنهم مسحوق بأثقال هذا العالم الذي كان يظن أنه يتحرك عندما يشاء!
    لذلك لاتعطِ ابنك شيئًا لأنه يريده، بل لأنه يحتاج إليه.
  • سياسة المنع والعطاء: وماتمنحوه إياه امنحوه عند أول كلمة منه وبلا توسل ولا شروط، أما إذا قلت لا فلا يهزك أي رجاء. فالتربية السيئة تبدأ عندما يتمرجح الطفل بين عزيمتك وعزيمته.
  • لا للعقوبات: لأنه لا يعرف الفعل الخطأ الذي فعله. فكلما ضيقت على الطفل، سيكون أكثر طيشًا عندما تغيب عنه. ”لاتنهروه مطلقًا، ولا تُسمعوه كلمة تأنيب“. ودستور الطاعة هو الذي يؤدي إلى الكذب. 
  • إذا ضرب أحدًا فدعوا المعتدي عليه يرد الضربات مع الربا حتى لا يعود إلى ذلك أبدًا. ولو كان ذلك الشخص مساوي له أو دونه مثل الخادم. 
  • الطبيعة أكبر معلم: التعليم من العالم الحقيقي أكثر من الكتب، ويتلقى الطفل دروسه من الطبيعة لا من الناس.
  • الكذب عند الأطفال غير طبيعي، ولكن دستور الطاعة هو ما يجعل الطفل يكذب. فاحترز من اتهام الطفل بقول ”أأنت فعلت هذا؟“ حتى لايتهرب من الإقرار بالفعل ويكذب.
  • اللعب والحركة ضروريان للغاية، ويجب أن يُعطى الطفل الحرية لذلك.
  • مطالعة الكتب آفة! فيجب أن لايطالع الطفل الكتاب حتى يبلغ ال١٢ من العمر ماعدا استثناء رواية (روبنسون كروزو) لأنها أفضل رسالة في الطبيعة.
  • الكفاية: يجب أن يتعلم الطفل كيف يكفي نفسه بنفسه، ولا يلجأ للآخرين. و أن يحمي نفسه بنفسه: يجب تعليمه كيف يتلقى ضربات القدر، وكيف يتجاوز الأمور العسيرة، “والعيش في جليد ايسلندا وعلى صخرة مالطا المحترقة”.
  • الرياضة ضرورية. يجب أن تُقوى عضلاته من أجل تقوية روحه، وأن يتعوّد الخشونة والألم.
  • النوم الكافي في الليل أمر ضروري. لكن يجب أن يعتاد الطفل النوم في أي فراش. 
  • علموه السباحة، والركض حافيًا في الصباح وجميع الفصول وفي داخل المنزل وخارجه (ابعدوا عنه الخطر مثل الزجاج)، حتى تشحذ حاسة اللمس ويجعلها أكثر دقة ولطافة.
  • من الأفضل أن يكون الغذاء نباتيًا خاليًا من اللحوم.
  • لا تتعجلوا في تعليم الطفل الخط لأنه يتطلب انتباه شاق، وعلّموه ترديد الموسيقى البسيطة وتأليفها.

ماهي النقاط التي أثارت اهتمامكم؟

تجارب ومباهج

Beatriz Gutierrez

كيف حالكم يا أصدقاء وكيف شهر رمضان معكم؟

هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي أعرفكم فيها على بعض تجاربي في الأسابيع الماضية في أمور شتى كقراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب والمباهج الصغيرة.

مسلسلات

Better Call Saul:

كنت من معجبي بريكنق باد، ولكني ما إن شاهدت هذا المسلسل الرائع حتى مالت الكفة له! هنا تدوينة جميلة لإحسان بعنوان (في عشق الضوء، ما الذي يجعل مسلسل Better Call Saul مختلفًا؟)  تصف لكم بعضًا من إعجابي بهذا المسلسل.

 Attack on Titan:
انمي عظيم جدًا ويُسبب الإدمان. ندمت أنني لم أشاهد هذا المسلسل منذ بداية عرضه لأكن مع المنتظرين والمنتظرات للحلقات. كثيرًا ما اعتقدت أن المؤلف قد فكّر في تفاصيل الحلقات كلها حتى الأخيرة منذ الحلقة الأولى. بالمناسبة، قرأت مانجا الجزء الأخير 🙂 

رواية البؤساء:

أرجوكم اقرأوا البؤساء!!

لو وُجدت رواية واحدة ستقرؤوها في حياتكم فلتكن البؤساء! الرواية عظيمة جدًا وأعتقد بأنها أفضل رواية قد قرأتها في حياتي،  مبالغة؟ قلتُ لمن حولي أنه لو أراد الله أن أحيا حتى أبلغ من العمر ٩٠ عامًا فاقرأ خلال هذه السنوات الطويلة روايات كثيرة فأنا جد واثقة من أنني لن اقرأ رواية مثل البؤساء!

البؤساء هي الرواية والبقية قصصٌ وحكايات! عالم سحري ستأسف لخروجك منه عند انتهاء الرواية. قرأتُ الرواية في طفولتي ولكن بترجمة مقصوصة، وشاهدت المسلسل الأخير الذي أنتجته بي بي سي، أي أنني أعرف الحكاية، ومع ذلك عندما قرأتها- بترجمة منير بعلبكي الكاملة- كانت عظيمة. أنوي قراءتها مستقبلًا بترجمة زياد العودة إذا انتهى من ترجمة الأجزاء كاملة ، وكذلك بترجمة أنطوان مشاطي من دار نظير عبود.

كتاب (على مقهى الوجودية):

هذا كتاب ممتع حقًا، يتحدث بشكل أساسي عن ٣ شخصيات بارزة في الوجودية وهم جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وصديقهما ريموند آرون يلتقون في مقهى في باريس وتنشأ من حواراتهم حركة الوجودية. الكتاب يسرد تفاصيل الوجودية وأصحابها بشكل قصصي ممتع. أحببت أسلوب الكاتبة للغاية!

أسواق المعيقلية:

زرتُ أسواق المعيقلية مع أمي لأول مرة وكانت تجربة شتوية جميلة إذ كان الجو رائعًا يصلح للمشي. اشتريت من هناك العود والبخور وبعض العطور القديمة التي كانت تستخدمها جدتي رحمها الله 

ثم أنهينا رحلة التسوق بقهوة من إكسير البن.

-جبنة فيتا بالطماطم: في الأيام العادية، أتناول على وجبة الفطور جبنة الفيتا مع زيت الزيتون وأرش عليها بهارات من ايهرب لتكون وجبة فطور لذيذة مع الشاي والخبز الساخن. لذلك عندما شاهدت ترند جبنة الفيتا بالطماطم مع الباستا أعجبتني الفكرة لأن تكون تغميسة مع الخبز. لذلك طبقّت الوصفة- بطريقتي- وأضفت إليها الطماطم وفصوص الثوم- فقط بدون الباستا- وأدخلتها الفرن، وكانت تغميسة لذيذة.

تجارب ومباهج أخرى:

-ورشات عن صناعة المحتوى من خاليديا وأماني أبو داوود في منصة شرفة.
-حلقة خلود عولقي مع زوجها في بودكاست سوالف بزنس
-ورشة هيفاء القحطاني عن التعلم الذاتي في زوم.
-شمعة من Bolangerie Jar من أنثروبولوجي برائحة whipped cream & pear
-أجندة يومية Alice من مولسكن Moleskine وتقويم حائطي بالتاريخين الهجري والميلادي من مجموعة الحمام والورد من سين.
– بن مكسيكو (إيحاء الشوكولاتة، اللوز) من كفّة.
-مانجو الزبدة من مانجو جيزان:

نراكم في تدوينة قادمة، ولاتنسوا أن تطلعوا على تدوينات أخرى من هذه السلسلة في المدونة.
تجارب ومباهج نسخة نوفمبر
تجارب ومباهج نسخة أغسطس

فن عدم القراءة – شوبنهاور

Gürbüz Doğan Ekşioğlu

إن الجهل ليحط من شأن الرجل إذا كان غنيًا فقط، أما الرجل الفقير المقهور بفقره وبتعاسته فإن عمله يحل محل العلم ويشغل أفكاره. لكن الأثرياء الجاهلون، فهم يعيشون من أجل متعتهم، ويشبهون بذلك الحيوانات الذين نراهم بشكل يومي. يجب علينا أن نوبخهم لأنهم لم يستفيدوا من فراغهم وثروتهم والتي كان بإمكانها أن تضيف عليهم أكبر قيمة ممكنة. 

عندما نقرأ، فإن هناك شخص ما يفكر لنا. لا نفعل شيئًا سوى أن نكرر عملية التفكير الخاصة به. هذا يشبه الطالب الذي يتعلم الكتابة فيضع قلمه فوق الخطوط التي وضعها له المعلم. أثناء القراءة، تؤخذ منا عملية التفكير، وهذا مانلاحظه أننا عندما نرغب في الهروب من الأفكار نهرع إلى القراءة. 

عندما نقرأ تصبح أذهاننا ملعبًا لأفكار الآخرين، وعندما تغادر أفكارهم الملعب فما الذي يبقى؟

النتيجة هي أن الذي يقرأ كثيرًا طوال اليوم ويقطع ذلك بالترفيه عن نفسه بهوايات مجردة من الأفكار، سيخسر بشكل تدريجي قدرته على التفكير لنفسه. وهذا مثل الشخص الذي يركب العربة بشكل دائم وينسى كيف يمشي. هذه هي المشكلة مع الكثير من العلماء، لقد قرأوا إلى أن جعلوا من أنفسهم أغبياء.

إن القراءة المتواصلة هي معيقة للذهن أكثر من العمل اليدوي، لأننا في العمل اليدوي نستطيع أن نسرح بأفكارنا. القراءة المتواصلة تشبه الزنبرك الذي يخسر مرونته بسبب ضغط جسم غريب عليه، وهذا ينطبق على العقل الذي تضغط عليه أفكار الآخرين. وتُشبه أيضًا المعدة التي نملأها بالطعام الكثير الذي يؤذي الجسد، وهذا بالضبط مانفعله عندما نحشر العقل بالكثير من الغذاء العقلي.

إذا قرأنا كثيرًا فإننا سنترك القليل من الأثر على أذهاننا بما قرأناه مسبقًا. ستصبح أذهاننا مثل السبورة التي كتب عليها أشخاص كثيرون الواحد تلو الآخر. وبالتالي لانستطيع أن نفكر مليًا في ما قرأناه، لأن الطعام لايغذينا بمجرد تناوله ولكن فقط إذا هضمه الجسم. إذا قرأنا بدون أن نفكر جليًا بعدها عما قرأناه، سيضيع حتمًا. 

بشكل عام، فإن التغذية العقلية مثل الجسدية، يُهضم من الغذاء خُمسه أما الباقي فيضيع من خلال التبخر والتنفس والخ. بالإضافة إلى كل هذا، فإن الأفكار التي تُلخّص على الورق لا تعدو أكثر من مجرد آثار أقدام لشخص على الرمل، نستطيع أن نرى الطريق من خلال هذه الآثار لكن من أجل أن نرى ما الذي شاهده الشخص، يجب أن نستخدم أعيننا. 

كما تحافظ الأرض بين طبقاتها على الكائنات الحية في العصور الماضية، كذلك تحافظ أرفف المكتبات على أخطاء العصور الماضية وكذلك على شروحها. فمثل الكائنات الحية، كانت هذه الكتب حية في أيامها وقد أشغلت الناس في زمانهم، لكنها الآن متحجرة ولا يهتم بها إلا علماء الحفريات.

طبقًا لهيرودتس، فإن زركسيس|خشايارشا الأول بكى عند رؤيته لحشد جيوشه العظيم، لأنه فكّر أن كل هؤلاء، الآلاف منهم، لن يبقوا على قيد الحياة بعد مئة سنة. لكن من سيمتنع عن البكاء أيضًا عند رؤية القائمة الجديدة لدار لايبيزيغ للنشر عندما يفكر أن كل هذه الكتب لن تصبح حية بعد ١٠ أعوام؟

إن الكتابات مثل الحياة، كلما استدرنا صادفنا رعاعًا معوقًا من البشر نجدهم في كل الحشود، يملأون ويدنسون كل شيء، مثل الذباب في الصيف. ولذلك نجد عددًا كبيرًا من الكتب السيئة، كالأعشاب الضارة التي تحرم سنابل القمح من الغذاء. إن هذه الكتب تُضيّع كل الوقت والمال وانتباه العامة بادعائها حق الانتماء إلى الكتب الجيدة، لأنها كُتبت من أجل المال أو الحصول على المناصب. لذلك فهي ليست غير مفيدة فقط، بل مؤذية بشكل جاد. حوالي ٩ أعشار الكتب الموجودة في زماننا ليس لديها أي هدف غير استخراج المال من الجيوب. إن كل من المؤلف، والناشر، والناقد قد تآمروا بشكل جيد على ذلك. 

إن فن عدم القراءة هو فن مهم للغاية. فهو مبني على تجاهلنا لما يُشغل الجماهير في أي وقت، مثل الكتب في الأمور السياسية، أو المنشورات الثقافية، والروايات، والقصائد، والتي تُحدث ضجة ويصبح لها العديد من الإصدارات في السنوات الأولى والأخيرة من حياتها. وعلى العكس، فإننا يجب أن نبقي في أذهاننا أن أي شخص يكتب للحمقى سيجد دائمًا جمهورًا كبيرًا، وأننا يجب أن نكرس وقتنا الضئيل من أجل قراءة الأعمال العظيمة لكل الشعوب وفي كل الأزمنة.. هذه الأعمال فقط هي التي تُعلم وتوجه. .. إن الكتب الدخيلة هي سم فكري يدمر العقل.

هناك الكثير من الكتب التي أُلفت عن الأشخاص العظماء ويقرأها العامة، لكنهم لا يقرأون أعمالهم. لأنهم يقرأون فقط ماهو جديد ولأن الطيور على أشكالها تقع تجد أن كل هذا الهذيان هو أكثر قبولًا وإعجابًا من أفكار العقول العظيمة.

إنني ممتن للقدر الذي قدّم لي في شبابي الحكمة التي قالها ”أوغست فلهلم شليجل“ والتي أصبحت دليلي:

اقرأ للأقدمين بحذر، العظماء منهم والحقيقيون

لأن أغلب مايقوله المعاصرون عنهم ليس حقيقيًا 

أوه، كم تتشابه العقول مع بعضها البعض! كلها مصنوعة من نفس القالب! نفس الخواطر، وليس شيء آخر مختلف، تتوارد على كل واحد منهم في نفس الموقف! فضلًا عن ذلك، نحن نفهم مقاصدهم وأهدافهم الخسيسة. تُقرأ أعمالهم غير القيمة من قبل جمهور أحمق، أما أعمال العقول العظيمة فتُنحى جانبًا على أرفف المكتبات.

إن السلوك الأحمق للجماهير لهو مذهل، لأنه يترك أعمال العقول النبيلة والنادرة في كل فروع المعرفة من كل الدول والعصور غير مقروءة، وذلك من أجل قراءة خربشات عقول متشابهة والتي تظهر بشكل يومي، ومثل الذباب، تفقس سنويًا في أسراب. كل هذا يحدث بسبب أنها جديدة وطازجة من المطبعة. يجب أن نتجاهل هذا الإنتاج ونعامله بازدراء منذ ولادته لأنه سيكون كذلك بعد مضي بضعة أعوام. وبعد مرور الوقت سيغدو موضوعًا للضحك على الأجيال القديمة وتفاهاتها. 

في كل الأزمان، هناك نوعين من الأدب والذي يُنتج باندماج مع بعضه ولكن بشكل مستقل، هناك نوع حقيقي ونوع ظاهري: 

١-النوع الحقيقي ينمو إلى أن يُدرج تحت الأدب الدائم، والذي يُطور من قبل هؤلاء الذين ”يعيشون من أجل” التعلم أو الشعر، فهو ينمو بشكل جدي وهاديء لكن ببطء شديد، فأوروبا بالكاد تنتج كل قرن درزينة من الأعمال القابلة للعيش.

٢- أما النوع الآخر من الأدب فهو الذي يُطور من قبل هؤلاء الذين ”يقتاتون من“ التعلم أو الشعر. فهذا النوع يعدو سريًعا ويتميز بالصخب، فنرى سنويًا في الأسواق الآلاف من الكتب. لكن بعد سنوات قليلة، سيسأل شخص ما أين هذه الأعمال وكيف أصبحت بعد شهرتها والتي كانت صاخبة وغير ناضجة. نستطيع أن نصف هذه النوع الأخير الأدب الجارف أما الأول فبالأدب الباقي.

إن شراء الكتب لهو أمر جيد إذا استطعنا أن نشتري الوقت لقراءتها. عندما نشتري الكتب يجعلنا نشعر بشكل خاطيء بأننا امتلكنا محتواها.

إذا توقعت أن يتذكر الشخص كل ما قرأه فهذا يعني أنك تتوقع منه أيضًا أن يحمل في جسمه كل الطعام الذي تناوله. لأنه بالطعام قد عاش بجسده، أما بالقراءة فقد عاش بعقله وهكذا أصبح الشخص الذي هو عليه الآن. لكن الجسم سيندمج مع ماهو متجانس معه، وهكذا سيتذكر كل شخص الأشياء التي تستهويه وتناسب نظام أفكاره ومقاصده.

”إن التكرار هو المصدر الرئيسي للتعلم“. 

كل كتاب مهم يجب أن يُقرأ مرتين لأن المواضيع التي يتناولها ستكون مفهومة بشكل أفضل في القراءة الثانية، وعندما نعلم نهايات الكتاب سنفهم جيدًا بداياته. كذلك فإن مزاجنا في القراءة الثانية سيكون مختلفًا عن القراءة الأولى. وهكذا سيختلف انطباعنا عن الكتاب عن المرة السابقة وكأننا ننظر إلى قطعة ما تحت ضوء مختلف.

إن الأعمال هي خلاصة العقل، لذلك إذا كان المرء يملك عقلًا عظيمًا فإن أعماله ستكون أكثر قيمة من مصاحبته. حتى كتابات المرء ذو العقل المتواضع قد تكون ممتعة ومفيدة وتستحق القراءة، لأنها خلاصة عقله، نتيجة وثمرة كل أفكاره ودراساته، لكن مصاحبته قد لاترضينا. لذلك نستطيع قراءة كتب هؤلاء الذين لا تُمتعنا مرافقتهم، أما ثقافات العقول العظيمة فتساعدنا في إيجاد المتعة في الكتب وليس لدى الناس..

لا يوجد شيء يبعث العقل كما تفعل الكلاسيكيات القديمة. فحالما يقرأ المرء واحدة منها ولو لنصف ساعة، سيشعر بالإنتعاش وبالراحة وبالنقاء وبالعظمة والقوة، وكأنه يستجم عند جدول جبلي. هل يعزو هذا لكمال اللغات القديمة؟ أم إلى عظمة العقول التي ستبقى أعمالها سليمة لقرون؟ من الممكن أن يكون السبب خليط من هذا وذاك. 

فالذي أعرفه أننا عندما نتوقف عن تعلم اللغات القديمة كما في زمننا الحالي، فستظهر لنا طبقة جديدة من الأدب وستحتوي على الكتابات الأكثر همجية وغباء وعديمة النفع من أي وقت مضى. أما اللغة الألمانية على وجه الخصوص، والتي تتكون من بعض اللغات القديمة الجميلة، ستُخرب بشكل منهجي من قبل هذه الخربشات عديمة النفع حتى تصبح شيئًا فشيئًا لغة فقيرة ومُعاقة وبائسة.

إن نصف قرن من الزمن لهو وقت معتبر في تاريخ الكون لأن المادة التي تكونه تتغير بشكل دائم، هناك شيء ما يحدث دائمًا. لكن بالنسبة إلى الأدب، فإن نفس الفترة الزمنية ستذهب هباء على الأغلب، لأنه لم يحدث شيء، ولا تُحتسب المحاولات غير البارعة، لذلك نحن هنا بالضبط كما كنا قبل خمسين عامًا. 


آرثر شوبنهاور – مقالته عن “الكتب والقراءة” ترجمتها بتصرف

هل أنت متردد في اتخاذ قرار ما؟ ١٥ قانونًا لتسهيل اتخاذ القرارات

Iro Tsavala

هنا سلسلة تغريدات لجورج ماك من تويتر أعجبتني وأردت أن أنقلها لكم هنا مرتبة، ترجمتها بنفسي لعلها تفيدكم

قوانين بيزوس Bezos:
– إذا لم تكن متأكدًا أي إجراء يجب اتخاذه، فدع نفسك ذات ال٨٠ عامًا تقرر ذلك.
– إذا لم تكن متأكدًا من اختيار الشخص الذي ستعمل معه، فاختر الشخص الذي يحمل أفضل الفرص لأن يُخرجك من سجن العالم الثالث.

قانون سكنر Skinner:
إذا كنت تؤجل موضوعًا ما، فلديك خيارين فقط:
١- أن تجعل معاناة عدم فعله أكبر من المعاناة التي ستجدها عند فعله.
٢- أن تجعل لذة فعله أكبر من اللذة التي ستجدها عند عدم فعله. 

نصل الحظ:
إذا علِقت بين خيارين متساويين، فاختر الخيار الذين يُشعرك بأنه سيهب لك الحظ لاحقًا. 

استخدمتُ هذا النصل عندما اخترت الخروج مع شخص غريب لتناول المشروبات بدلًا من الجلوس في المنزل ومشاهدة نتفلكس. لاحقًا، أدركت أنه أفضل قرار ”عائد الاستثمار“ اتخذته في حياتي. 

نصل التباهي:
– إذا تفاخر شخص ما بنجاحه أو بسعادته، فافترض أنه يملك نصف مايدّعي.
– إذا تواضع شخص ما بشأن نجاحه أو سعادته، فافترض أنه يملك ضعف ما يدّعي. 

”إن الخريطة ليست التضاريس“

قانون هوفشتادتر Hofstadter:
”إن الأمر يستغرق منك دائمًا وقتًا أطول مما تتوقع، حتى عندما تأخذ في الاعتبار قانون هوفستاتر“.

كل مشروع سيكلفك أكثر بمرتين وسيستغرق أكثر ب٣ مرات مما تتوقع، حتى وإن أخذت ذلك في عين الاعتبار. 

قانون إيلون Elon:
إذا كان لديك مشروعًا، فكافح قانون هوفستاتر من خلال وضع ”ددلاين“ محفز بشكل يبعث على السخرية، حتى وإن أخذ المشروع منك وقتًا أكثر ب٣ مرات من الموعد النهائي الذي وضعته، فإنك ستكون في مقدمة الجميع.

عدم إلتزام إيلون ماسك بمواعيده النهائية السوبر بشرية هي ميزة وليست خطأ.

نصلات نافال Naval:
-إذا كان لديك خيارين لتختار أحدهما وكلاهما يحتملان فرصة اختيار ٥٠/٥٠، فاسلك الطريق الأكثر إيلامًا على المدى القصير.
-إذا كانت مهمة ما قيمتها أقل من أجرك في الساعة، فعليك بالمساعدة الخارجية، أو الإلكترونية، أو احذفها.

قانون منغر Munger:
لا تسمح لنفسك أبدًا أن تتخذ رأيًا بشأن موضوع ما حتى تستطيع أن تصيغ الرأي المعارض بشكل أفضل من المعارضين.
مغالطة الرجل الحديدي < مغالطة رجل القش

نصل هيتشن Hitchen:
ما يمكن تأكيده بدون دليل سيُهمل بدون دليل. 

سيف نيوتن الليزري المشتعل:
إذا كان هناك شيء ما يمكن أن يُحل بالتجربة أو الملاحظة، فإنه لا فائدة من الجدال.

نصلات جو روغان Joe Rogan:
– إذا كنت غير متأكدًا من الفعل الذي ستتخذه، اسأل نفسك ما الذي سيفعله بطلك في الفيلم.
– إذا كنت شغوفًا بشيء ما ولا يوجد شخص حولك مهتم، فافترض أن الإنترنت سيساعدك على إيجاد المهتمين.

جرّاح نسيم طالب Taleb:
إذا عُرض عليك مُرَشحين يظهر أنهما متعادلين في أداء الدور، فاختر الشخص الأقل جاذبية. فالشخص الذي ليس لديه جاذبية قد وصل إليك بدونها، أما الشخص ذو الجاذبية فقد جاء إليك بمساعدتها. 

نصل المشقة:
كلما كان النشاط غير مريحًا، كلما ازدادت الفرصة لأن يقودك إلى الازدهار.
كلما كان النشاط مريحًا كلما ازدادت الفرصة لأن يقودك إلى الركود.

ألف ساعة غير مريحة < ١٠ آلاف ساعة مريحة

بندقية تشيخوف Checkhov:
في القصص، إذا لم يكن الأمر مُهمًا، فلا تُدرجه في الحكاية.
”إذا أخبرتنا في الفصل الأول أن هناك بندقية معلقة على الجدار، فينبغي أن يُطلق النار في الفصل الثاني أو الثالث. لكن إن لم يُطلق النار، فلا يجب عليك أن تعلقها هناك أصلًا“.

نصل أوكام Occam:
– من المحتمل أن تكون الفرضيات البسيطة على صواب أكثر من الفرضيات المعقدة.
– تجنب أن تكون الشخص الذي يحاول حل المشكلة من خلال عدد كبير وسخيف من الفرضيات.

قانون والت ديزني:
إذا كنت تحاول جاهدًا أن تفكر بوضوح في أمر ما، ارسمه أولًا. 

هنا ما رسمه والت ديزني في عام ١٩٧٥ لإمبراطورية الإعلام التي أراد أن يبنيها:

قانون شوارزنجر:
لا تحاول أبدًا أن تحول مهاراتك الفنية إلى دخل مادي حتى لا تضحي بسعادتك الداخلية وبصيرتك من أجل المال. 

كسب أرنولد شوارزينجر الملايين من العقارات وإرشادات كمال الأجسام حتى لا يضطر إلى الموافقة على الأدوار التمثيلية التي لا تُعجبه.

هل تفكر لنفسك وبنفسك؟ عن التفكير للذات- شوبنهاور

FRAN PULIDO

قد تكون المكتبة كبيرة للغاية، لكنها إن كانت غير منظمة، فهي ليست مفيدة كما هي المكتبة الصغيرة المنظمة. نفس الحال ينطبق على المرء صاحب المعلومات الواسعة، فإذا لم ينظم معلوماته من خلال تفكيره لنفسه فسوف تصبح أقل قيمة عما إذا كانت أقل ولكنها مُتأملة.

هذا يحدث عندما يتقصى معرفته من كل الجوانب، ويجمع الأشياء التي يعلمها من خلال مقارنة الحقيقة بالحقيقة، وحينها سوف يسيطر عليها ويسخرها لقوته. لا يستطيع المرء أن يُقلّب أي شيء في ذهنه حتى يعرفه، وبالتالي يتعلمه، وهذا لا يحدث إلا إذا تأمله جيدًا ثم يستطيع القول حينها أنه يعرفه.

إن القراءة والتعلم هما أمران يمكن لأي شخص أن يمارسهما بإرادته الحرة، لكن ليس التفكير. 

فالتفكير يجب أن يُشعل مثل النار مع الهواء، ويجب أن يُحافظ عليه باهتمامات معينة. هذه الاهتمامات من الممكن أن تكون محايدة أو متحيزة. فالاهتمامات المتحيزة تأتي من الأمور التي تهمنا بشكل شخصي. أما الاهتمامات المحايدة فهي مرتبطة بالرؤوس التي تفكر بشكل غريزي، وبهؤلاء الذين يكون التفكير لديهم أمر طبيعي مثل تنفسهم للهواء، وهم نادرون للغاية. وهذا هو السبب في أن أغلب الرجال المتعلمون يُظهرون ذلك بشكل قليل. 

إن الأمر الذي يُحدثه التفكير للذات على عقل المرء-مقارنة بالقراءة- لشيء عظيم. هناك فرق شاسع ما بين طبيعة عقلين تقود أحدهما إلى التفكير والآخر إلى القراءة. ما أقصده هو أن القراءة تفرض أفكارًا دخيلة على العقل.. أفكارًا غريبة على المزاج لدرجة أنها قد تصبح مثل الختم بالشمع. فيصبح العقل حينها مكرهًا من الداخل بشكل كامل، وهو مدفوع لأن يُفكر بهذا وذاك على الرغم أنه قد لايكون لديه أي دافع بسيط أو ميل لفعل ذلك.

لكن عندما يُفكر الشخص لنفسه، فهو يتبع دوافع ذهنه، والتي تُحدد له في ذلك الوقت إما من بيئته أو من ذاكرته. فالعالم المرئي المحيط له لا يطبع على ذهنه فكرة قاطعة، لكنه بالأحرى يزوده بالمادة والسبب اللذان يقودانه إلى التفكير بما هو مناسب لطبيعته ولمزاجه الحالي. لذلك فإن القراءة الكثيرة تحرم الذهن من كل المرونة، تماما مثل الزنبرك الذي يقع تحت الضغط بشكل متواصل. 

إن أفضل طريقة لدى المرء الذي ليس لديه أي أفكار هو أن يلتقط كتابًا. 

وهذه الممارسة تشرح لنا كيف تزيد سعة الإطلاع أغلب الرجال أكثر غباء مقارنة بطبيعتهم، وكيف تمنع كتاباتهم من الحصول على أي نجاح. فهم يبقون كما يقول الكسندر بوب: 

للأبد يقرأ، لكنه لا يقرأ 

إن الأشخاص المتعلمين هم الذين قرأوا في صفحات الكتب. أما المفكرين فهم هؤلاء العباقرة الذين توجهوا مباشرة إلى الطبيعة. هم الذين أناروا العالم وساقوا البشرية إلى ذلك. إذا كان من اللازم أن تتضمن أفكار المرء الحقيقة والحياة، فيجب أن تكون تلك هي أفكاره الأساسية الخاصة به والتي يستطيع أن يفهمها بشكل كامل. إن قراءة أفكار الآخرين تشبه أخذ بقايا وجبة طعام من عشاء لم نُدعى إليه، أو ارتداء ملابس ألقاها شخص زائر لا نعرفه.

إن القراءة ليست إلا بديل لأفكارنا. تخدمنا الكتب المتعددة فقط عندما تُرينا الطرق الخاطئة الموجودة فيها، وكيف تضلل المرء الذي يتبع أيًا منها. لكن المرء الذي يُرشده عقله، والذي يفكر لنفسه، والذي يفكر بشكل عفوي وصحيح، يملك البوصلة الوحيدة التي تدله على الطريق الصحيح. يجب على المرء أن يقرأ فقط عندما تكون أفكاره الخاصة راكدة في منبعها، وهذا سوف يحدث غالبًا مع أفضل العقول. عندما يلتقط المرء كتابًا من أجل أن يطرد أفكاره بعيدًا فإنه يرتكب ذنبًا عظيمًا. هذا يشبه الهروب من الطبيعة من أجل أن يرى متحفًا مليء بالنباتات المجففة. 

إن المرء ليكتشف أجزاء من الحكمة أو الحقيقة عندما يقضي وقتًا طويلًا ويبذل مجهودًا في التفكير لنفسه، ويجمع الفكرة مع الفكرة، -ومن الممكن أن يتجنب كل هذا العناء لو أنه التقط كتابًا- لكن هذه الطريقة هي أكثر قيمة بمئات المرات. لأننا عندما نكتسب معرفتنا بهذه الطريقة فإنها تُحفظ كعضو حي بداخل منظومة متكاملة في فكرنا، وسوف ترتبط في علاقة كاملة وحازمة مع مانعرفه، سوف تكون هذه المعرفة مفهومة مع كل ماتتعلق به وتتبعه، وسوف ترتدي نفس الشكل لطريقتنا في التفكير، وسوف نستعيدها في الوقت المناسب عندما نحتاجها، لأننا لن ننساها. وهذا هو التطبيق المثالي والترجمة المثالية لنصيحة ”غوته“ عندما أخبرنا باكتساب ميراثنا لأنفسنا بطريقة تجعلنا نمتلكه فعلًا:

”إن ماورثته من أجدادك كان ينبغي عليك أولًا أن تكسبه من أجل أن تمتلكه“

إن الشخص الذي يفكر لنفسه، يصنع آرائه الخاصة ويتعلم وضع المرجعيات الخاصة لها لاحقًا والتي ستقوي إيمانه بها وبنفسه. 

لكن فيلسوف الكتب يبدأ من مرجعيات الآخرين. فيقرأ كتب الآخرين، ويجمع آرائهم ويكوّن مجموعة لنفسه تشبه رجلًا آليًا مصنوع من أي شيء إلا من اللحم والدم. في المقابل، فإن الشخص الذي يفكر لنفسه يصنع عملًا يشبه رجلًا خلقته الطبيعة.

إن الحقيقة التي اُكتسبت من الآخرين تشبه العضو الصناعي، أو السن الصناعي، أو أنفًا خالي من الشعر، مثل أنف خُلق من لحم آخر. هذه الحقيقة تلتصق بنا لأنها فقط وُضعت لنا. لكن الحقيقة التي اُكتسبت بالتفكير للذات تشبه العضو الطبيعي، فهي منتمية لنا. وهذا هو الاختلاف الأساسي بين المفكر وبين مجرد شخص يتعلم. فالبلوغ الثقافي للمرء الذي يفكر لنفسه يشبه لوحة ممتازة يتوزع فيها الضوء والظل في المكان الصحيح، وتكون الألوان متناغمة، فيصبح شكلها واقعي. 

والعكس من ذلك، فالبلوغ الثقافي لمجرد شخص يتعلم يشبه لوحًا كبيرًا من الألوان من كل الأنواع، مرتبة بشكل ممنهج، لكنه مجرد من الانسجام والترابط والمعنى.

إن القراءة هي التفكير من خلال عقل شخص آخر بدلًا من التفكير الذاتي. فالتفكير الذاتي يهدف إلى تطوير منظومة متماسكة حتى وإن لم تكن كاملة، ولا يوجد شيء يعيقها إلا تيار أفكار شخص آخر والتي تأتي من القراءة المتواصلة. هذه الأفكار، تنبع من عقول مختلفة، تنتمي إلى أنظمة مختلفة، ومشوبة بألوان متنوعة، لكنها لا تصب مجتمعة في كيان ثقافي، ولا تُكوّن أبدًا وحدة معرفية أو بصيرة أو قناعة، لكنها بالأحرى تملأ الرأس بألسنة متبلبلة. إن الذهن الذي امتلأ بالأفكار الأجنبية هو ذهن محروم من البصيرة، وغير منظم. 

وهذا حال الأمور الظاهرة لدى أغلب الأشخاص المتعلمين، والذي يجعلهم في أدنى منزلة من المنطق والحكم الصحيح والدبلوماسية  مقارنة بالأشخاص غير المتعلمين الذين يكتسبون معرفة خارجية قليلة، ويجربون وسائل مختلفة يتعاملون بها مع الآخرين، وبقراءات قليلة يجسدونها مع أفكارهم.

إن الشخص المفكر حقًا يفعل نفس الأمر الذي يفعله هؤلاء غير المتعلمين لكن على نطاق واسع. فعلى الرغم أنه يحتاج إلى معرفة واسعة، ويجب عليه أن يقرأ كثيرًا، يجد أن عقله قوي بما فيه الكفاية لأن يتحكم به. فيستوعب ويدمج أفكاره، ويجعلها ملائمة لبصيرته، والتي تنمو بشكل مستمر. وأثناء عملية التطوير، فإن أفكاره الخاصة به، مثل الصوت العالي في آلة الآرغن، والذي يهيمن دائمًا على كل شيء ولا يغرق بسبب النغمات الأخرى كما يحدث في العقول المليئة بالمعارف الأثرية، والتي تختلط بها قصاصات من الموسيقى في كل مفتاح بشكل مشوش، ولا نستطيع سماع نوتة أساسية واحدة على الإطلاق.

هؤلاء الذين قضوا حياتهم في القراءة، وأخذوا الحكمة من الكتب، يشبهون الأشخاص الذين حصلوا على المعلومات عن دولة ما من تفاصيل أشخاص سافروا إليها. يستطيعون أن يصفوها، لكنهم في النهاية ليس لديهم أي روابط واضحة ومعلومات عميقة عن حالها الحقيقي. لكن الأشخاص الذين قضوا حياتهم في التفكير، يشبهون المسافرين أنفسهم، يدركون جيدًا ما الذي يتحدثون عنه، لأنهم على علم بالحالة الفعلية للأمور وهم في وطن الموضوع.

إن علاقة المفكرين بفلاسفة الكتب مثل شاهد العيان والمؤرخ. فشاهد العيان يتحدث من معرفة مباشرة خاصة به. وهذا مايجعل كل هؤلاء المفكرين يقدمون نفس الاستنتاجات. فالاختلافات تكون بسبب اختلاف آرائهم لكنها لا تؤثر في الأمر، فكلهم يتكلمون بشكل متشابه. فهم بالكاد يعبرون عن نتائج نظراتهم الخاصة إلى الأشياء. هناك العديد من الفقرات في أعمالي والتي قدمتها إلى الجمهور بتردد، بسبب طبيعتها المتناقضة، لكنني بعد ذلك اكتشفت وبشكل مفاجئ ورائع أنها تشبه بعض الآراء المسجلة لرجال عظماء عاشوا منذ زمن بعيد.

إن فيلسوف الكتب يخبرنا ماذا قال فلان وماذا كان يقصد شخص آخر. أو ما هي الاعتراضات التي قدمها شخص ثالث، وهكذا. هو يقارن آراء مختلفة، ويتأملها وينتقدها ويحاول أن يحصل على الحقيقة من الموضوع، ويشبه في ذلك المؤرخ الناقد. على سبيل المثال، هو ينطلق من بحث ما إذا كان ”ليبتنز“ لم يكن في وقت ما تابع لسبينوزا.. فالطالب الفضولي لهذه الأمور يمكن أن يجد أمثلة لافتة لما أقصده في كتاب هربرت ”التفسير التحليلي للأخلاق“ وكتابه الآخر ”رسالات في الحرية“. ستشعر بالغرابة عندما تجد أن هكذا شخصًا يضع نفسه في مشاكل كثيرة، لأنه لو اختبر الموضوع بنفسه، فسيحصل بسرعة على هدفه من خلال ممارسة التفكير. لكن هناك صعوبة ضئيلة في الطريقة. لأنها لا تعتمد على إرادته الحرة. يستطيع المرء دائمًا أن يجلس ويقرأ، لكنه لا يستطيع بسهولة أن يفكر. لأن التفكير لا يُستدعى بالمتعة، يجب علينا أن نجلس وننتظر الأفكار. فالفكرة عن موضوع ما يجب أن تظهر بنفسها، عن طريق مزيج سعيد ومتناغم من المحفزات الخارجية مع المزاج والانتباه، والذي يبدو أن هذا المزيج لايأتي أبدًا لهؤلاء الأشخاص. 

يمكننا أن نتصور هذه الحقيقة من خلال مايحدث في حال الأمور التي تؤثر على مصالحنا الشخصية. فعندما يكون من الضروري أن نصل إلى حل ما، لانستطيع أن نجلس في أي لحظة ونفكر بالوقائع ثم نغير رأينا. لأننا لو حاولنا ذلك، فإننا غالبًا سنجد أنفسنا في لحظة معينة، عاجزين على أن نُبقي أذهاننا ثابتة على هذا الموضوع، لأن أذهاننا سوف تسرح إلى أمور أخرى. فالنفور من الموضوع أمر يُلام عليه. وفي هذه الحالة لا ينبغي أن نجبر أنفسنا، لكن يجب أن ننتظر ظهور حالة مزاجية ملائم للذهن. وهي غالبًا ستظهر بشكل غير متوقع وستعاود الظهور لمرات ومرات. إن اختلاف المزاج في أوقات مختلفة يضع الموضوع تحت الضوء. إنها طريقة طويلة نستطيع أن نفهمها عن طريق مصطلح ”الحل الناضج“ وهذا يعني أنه أثناء عملية الوصول إلى حل ما، فإن المجهود الذي يُبذل يجب أن يكون متفرقًا، وحينها سيظهر لنا الكثير مما تجاهلناه في لحظة ما، وعندما نقترب أكثر سندرك أن الكثير من اشمئزازنا سيتلاشى عندما نجد أن الأمور ليست سيئة كما تبدو.

تنطبق هذه القاعدة على حياة العقول والممارسات، يجب على المرء أن ينتظر التوقيت المناسب. لا يستطيع أفضل عقل أن يفكر لنفسه في كل الأوقات. لذلك فإن العقل العظيم يفعل حسنًا عندما يقضي وقت فراغه في القراءة، لأنه كما قلت أن القراءة بديل للأفكار، إنها تدع شخص آخر يفكر بدلا عنه. لذلك يجب على المرء أن لايقرأ كثيرًا، حتى لا يعتاد ذهنه على البديل وبالتالي ينسى الواقع، وحتى لا يُكوّن عادة المشي في طرق مستهلكة، أو يتبع منهجًا غريبًا اختلقه شخص آخر لنفسه. يجب على المرء أن لايسحب نظراته من العالم الحقيقي لمجرد القراءة، لأن الدافع والمزاج اللذان يدفعانه إلى التفكير يأتيان من الواقع أكثر من الكتب. فالحياة الحقيقية التي يراها المرء أمامه هي مادة طبيعية للتفكير، وفي قوتها نجد العنصر الأساسي للوجود، وبإمكانها أن تصبح أكثر سهولة من أي شيء آخر يؤثر على العقل المفكر.

إن كلا من الخبرة المجردة والقراءة القليلة تزوّدان الفكر. فالعلاقة بينهما وبين الفكر مثل العلاقة التي بين الأكل والهضم. فعندما تفتخر الخبرة بأن اكتشافاتها وحدها هي نتيجة لتقدم الجنس البشري، يبدو وكأن الفم يفتخر ويدّعي الفضل لوحده بالحفاظ على صحة الجسم. 

نستطيع تمييز كل أعمال أصحاب العقول المبهرة بخاصيتين: الحسم والوضوح، هذا يعني أن هذه الأعمال واضحة وخالية من الغموض. فالعقل القادر بصدق يعلم جيدًا وبوضوح الشيء الذي يريد أن يُوضحه، وماهي الطريقة التي يستخدمها في التوضيح سواء كانت نثرًا أو شعر أو موسيقى. لكن العقول الأخرى تُعرف بأنها ليست واضحة وحازمة.

إن العلامة المميزة للعقل الراقي أنه يحكم بشكل مباشر. فكل شيء يقدمه إنما هو نتيجة للتفكير لنفسه، وهذا واضح في كل مكان يعبر فيه عن أفكاره. هذا العقل يشبه الأمير. ففي مملكة التفكير نجد أن سلطته امبراطورية، بينما نجد أن سلطة العقول الأقل مرتبة هي مهملة، ولا يوجد فيها أي استقلالية. فحشود العقول التي تعمل تحت كل أنواع الآراء والسلطات الجارية، مثل الناس، تطيع القوانين بهدوء وتتقبل الأوامر من فوقها. 

إن أولئك المتحمسون لتسوية الأسئلة الجدلية عن طريق الاستشهاد بالحكماء، سيكونون سعداء حقًا إذا تمكنوا من وضع إدراك وبصيرة الآخرين في مكان خاص لهم. وهؤلاء عددهم كبير. وكما يقول سينيكا، لا يوجد هناك شخص إلا ويفضل الإيمان على التفكير برأي. ففي خلافاتهم، سيستخدمون مرجعيات الآخرين كسلاح يضربون به. فإذا أُتيحت الفرصة لأي شخص لأن يتورط في منافسة ما، فلن يستخدم المنطق والجدال كوسيلة دفاع، لأنهم سيكونون مثل ”سيغورد“ مع بشرة من العاج، مغموسون في فيضان من عدم القدرة على التفكير والتحكيم، سوف يقابلون هجومه بمرجعيات السابقين ثم سيصرخون أنهم ربحوا المعركة.

ففي العالم الحقيقي، غير العادل وغير اللطيف، نعيش وفقًا لقانون الجاذبية الذي يجب أن نتغلب عليه باستمرار. أما في عالم العقل، فنفصل أرواحنا عن أجسادنا ولا نقيدها إلى ثمة قانون، فنحررها من البؤس والقلق. لذلك لاتوجد سعادة على الأرض، إلى هذه اللحظة، مثل تلك التي يجدها العقل المثمر في نفسه.

حضور الفكر مثل حضور المرأة التي نحب. لا نرغب في نسيان الفكرة أو أن نكون لا مبالين تجاه شخص عزيز. لكن البعيد عن القلب، هو بعيد عن العين! إن أفضل فكرة ستكون عرضة لخطر النسيان إذا لم نكتبها كما أن المرأة التي نحب قد تتركنا إذا لم نتزوجها. 

هناك العديد من الأفكار القيمة للمرء الذي يفكر بها، لكن قليل منها تصبح قوية إلى الدرجة التي تنتج عنها عملًا أو تعكس فعلًا من أجل أن تكسب عاطفة القارئ وذلك بعد أن تُدوّن على الورق. 

لكننا يجب أن لا ننسى أن القيمة الحقيقية تتعلق فقط بما يفكر به المرء في الوهلة الأولى ”في حالته الخاصة“. قد يُصنف المفكرون وفقًا لما يفكرون أساسًا لحالتهم الخاصة أو لأحوال غيرهم. فالنوع الأول هم مفكرون مستقلون، لأنهم يفكرون أنهم مستقلون حقًا، لذلك هم فلاسفة بشكل حقيقي، وحيدون في إخلاصهم. فالمتعة والسعادة لوجودهم تكمنان في تفكيرهم. أما الآخرون فهم صوفية، يرغبون في الظهور بشكل ليس لهم، ويبحثون عن سعادتهم على أمل أن يجدوها في العالم. هم مخلصون بشأن أي شيء آخر. من خلال أسلوب المرء وسلوكه، يمكننا رؤية إلى أي من هاتين الفئتين ينتمي. ينتمي ”ليتنبرغ“ إلى الفئة الأولى، أما “هردر” فينتمي -بدون شك -إلى الفئة الثانية.

عندما يفكر المرء في مدى ضخامة وقرب ”مشكلة الوجود“ منا- هذا الوجود المبهم، والمُعذب، والعابر، والشبيه بالحلم لنا- والذي ما إن  يحاول المرء اكتشافه حتى يجده يحجب جميع المشاكل والأهداف، وعندما يرى الشخص كيف أن كل الرجال مع استثناءات قليلة ونادرة، ليس لديهم أي وعي واضح عن المشكلة، وفوق ذلك يُظهرون أنهم غير واعين بحضورها، ويُشغلون أنفسهم بكل شيء عداها، ويعيشون حياتهم بدون أن يفكرون إلا في كيفية قضاء اليوم أو في مستقبلهم إما بتجاهل المشكلة بشكل واضح أو بتصالحهم معها من خلال تبني نظام شعبي ميتافيزيقي يُرضيهم. 

..

هناك ٣ مراحل في المسرح، وهو الانعكاس المثالي للوجود الإنساني، من أجل عرض موضوع ما:

في البداية، وهو أمر شائع، نجد أن المسرحية هي ليست أي شيء لكنها ممتعة. يحصل الناس على انتباهنا بمجرد أن نتبع مقاصدهم، والتي تشبه مقاصدنا، وتتوالى الأحداث من خلال الوسائل التي تكيد بها الشخصيات والوقائع بينما يكون هناك الضحك والمواقف الذكية. 

وفي المرحلة الثانية، تصبح المسرحية أكثر عاطفية. تُثار العاطفة مع البطل بشكل غير مباشر مع أنفسنا. تُدار الأحداث بشكل مثير للشفقة، لكن النهاية تكون مُرضية وسلمية. 

لكننا نصل إلى الذروة مع المرحلة الثالثة، والتي تكون الأصعب. تهدف المسرحية إلى أن تكون تراجيدية. نحن نقف وجهًا لوجه أمام معاناة عظيمة وعاصفة من القلق الوجودي، وهذا من أجل أن نستعرض كل الجهود الإنسانية المختلفة. تحركنا الأحداث من الداخل، وحينها إما أن نحاول أن نتجاهل رغبتنا في المعاناة، أو أن ننسجم معها فنشعر بصدى مشاعر متشابهة. 

إن البداية، كما قلنا، هي صعبة دائمًا. أما في المسرحية فهو العكس، لأن المصاعب تكمن في النهايات. وهذا مثبت في أغلب المسرحيات، فنجد المشهد الأول والثاني مريحًا، وبعد ذلك تصعب الأحداث خاصة في المشهد الرابع، وفي النهاية تكون غير مُرضية للجميع. لكن في بعض الأحيان، تكون النهاية إنقلابية بشكل إيجابي مثل مسرحية ليسينغ ”ايميليا جالوتي“ والتي بسببها يعود المتفرجون إلى منازلهم وقد فقدوا أعصابهم.

هذه الصعوبة تظهر في آخر المسرحية لأنه من السهل أن تتشابك الأمور من أن تُحل، كذلك لأننا في البداية نُعطي للبطل بطاقة بيضاء لأن يفعل ما يريد، ولأن يفعل أشياء معينة نطلبها منه في النهاية. لذلك نحن نرجو أن تكون النهاية إما سعيدة أو تراجيدية، بينما الأحداث الإنسانية لا تستطيع أن تتخذ قرار التحول بنفسها، ثم نتوقع أن تكون النهاية طبيعية وملائمة وغير ثقيلة وفي نفس الوقت ليست متوقعة.

هذه العلامات نستطيع تطبيقها على الملحمة والرواية، لكن الطبيعة المُحكمة للمسرح تزيد الصعوبة بشكل واضح.

لكن لاشيء ينبع من اللاشيء. هذه حكمة مأثورة في الفن كما في أي شيء آخر. إن الفنان الممتاز عند إبداعه لصورة تاريخية سيستخدم الرجال كنماذج، وسيستوحي رسم الوجوه من الأشخاص الذين حوله، ثم يمضي في تصويرها كرمز للجمال أو التعبير. وبطريقة مماثلة، هذا ما يفعله الروائيون. يستمدون الهيئة العامة لشخصياتهم من أشخاص حقيقين، ثم يصورون الشخصيات ويكملونها من أجل أن تناسب مقاصدهم.  

إن الرواية العظيمة تكمن في إظهارها الحياة الداخلية أكثر من الخارجية. والنسبة بين الإثنين سوف تحدد جيدًا الحكم على أي رواية كانت من ”تريسترام شانداي“ إلى أكثر الحكايات عاطفة أو إثارة. فرواية “تريسترام شانداي“ ليس فيها أي نشاط، ولا توجد كذلك أي أحداث في ”سنوات تعلم فلهلم مايستر“. حتى رواية ”دون كيخوته“ فيها أحداث صغيرة نسبيًا لكنها ليست مهمة واُختلقت للمتعة. وهذه الروايات الأربعة هي أفضل الروايات على الإطلاق. 

فكر في الرومنسيات الرائعة لجان بول، وكيف عُرضت الحياة الداخلية في أضيق نطاق من الأحداث. حتى في روايات والتر سكوت توجد سيطرة عظيمة على الحياة الجوانية مقارنة بالحياة الخارجية، ولا توجد أحداث باستثناء المهم منها لغرض المتعة أو إثارة المشاعر. لكن في الروايات السيئة نجد الأحداث من أجل اعتبارها الخاص. إن المهارة تتضمن في تنظيم الحياة الجوانية لتتحرك مع أصغر شعاع محتمل من الظروف، وهذه هي الحياة الجوانية التي تثير اهتمامنا بشكل حقيقي.

فعمل الروائي هو أن لا يكتب الأحداث العظيمة فحسب، بل ويجعل الأحداث الصغيرة ممتعة. 

أما التاريخ، والذي أحب أن أفكر به وكأنه نقيض الشعر، فهو للزمان كما أن الجغرافيا هي للمكان. ولا نستطيع أن نقول أن التاريخ هو علم، بأي منطق صارم لتلك الكلمة، كما هي الجغرافيا، لأنه لا يتعامل مع حقائق عامة، ولكن مع أحداث معينة. إن التاريخ هو مجال مفضل للدراسة بالنسبة إلى هؤلاء الذين يرغبون في تعلم شيء ما، وبدون مواجهة الجهود المطلوبة من قبل أي فرع للمعارف الحقيقية، والتي تختبر الذكاء. ففي زماننا، نجد أن التاريخ هو شاهد عيان على العديد من الكتب التي تظهر في كل عام.

يستطيع القارئ أن يتخيل معي أن التاريخ هو مجرد تكرار مستمر لأشياء متشابهة، كما في المشكال الذي يحتوي على قطع زجاجية صغيرة لكن في مجموعات مختلفة، عندها لن يكون باستطاعته أن يشارك كل الاهتمامات ولن يستنكر ذلك. لكن هناك ادعاء سخيف من قبل كثير من الناس، يفيد أن التاريخ هو جزء من الفلسفة، لا فلسفة بحد ذاتها، وهم يتصورون أن التاريخ يمكن أن يحل محلها. 

إن العقل في التاريخ مشغول بتفاصيل معينة، مثل كل محادثة جديرة بالاهتمام، أما في العلوم، فإن العقل يرتقي إلى البحث في الحقائق العامة.

إن هذا الاعتراض لا يسلب التاريخ قيمته. فإن حياة الإنسان قصيرة وعابرة، ويشاركها ملايين الأشخاص الذين اُبتلعوا من قبل وحش النسيان والذي ينتظرهم بفك واسع مفتوح. إنها لمهمة قيمة من أجل محاولة إنقاذ شيء ما: ذكريات أحداث مهمة وممتعة، أو سمات لشخصيات رائدة في حقبة ما من حطام سفينة العالم.

لكن من وجهة نظر أخرى، فإننا ننظر إلى التاريخ كنظرتنا إلى علم الحيوان. يمكننا أن نراقب وندرس البشر كما الحيوانات، لأن كل شخص لديه شخصية تستحق الدراسة. وبما أن عدد الأشخاص والأحداث كبير للغاية ولا نهاية له، فهنا نجد عيبًا أساسيًا في التاريخ. كل ما يتعلمه الإنسان لا يساهم في تقليل مابقي عليه من المعرفة التي يجب أن يتعلمها.  

عندما ندرس تاريخ الصين والهند، سنجد أمورًا كثيرة جدًا تكشف لنا العيوب في الدراسة، وتجبر المؤرخين على رؤية أن هدف العلم هو أن يدركوا أن الكثير في الواحد، وأن يميزوا المبادئ في أي نموذج، وأن يطبقوا المعرفة البشرية على حياة الأمم، وأن يتوقفوا عن عد الحقائق إلى مالا نهاية. 

هناك نوعين من التاريخ، تاريخ السياسة وتاريخ الآداب والفنون. فالأول هو تاريخ الإرادة، أما الثاني فهو تاريخ العقل. الأول هو حكاية المشاكل والرعب. هو سجل للمعاناة والكفاح والتزييف والقتل الجماعي المريع. أما الثاني فهو كل ماهو مريح وهادئ، مثل العقل في الخلوة حتى وإن كان طريقه خاطئًا. ففرعه الأساسي هو تاريخ الفلسفة.

إن الصحف هي ساعة التاريخ المستخدمة، وهي ليست فقط مصنوعة من معدن رديء ولكنها أيضًا تشير إلى التوقيت الخاطئ. أما المقال فيها هو جوقة لدراما الأحداث العبارة. إن المبالغة في كل شيء هي أساسية في الصحافة كما هو الحال مع الفن الدرامي، فهدف الصحافة هو أن تجعل الأحداث تذهب إلى أبعد ما يمكن. لذلك فإن كل الصحفيين مذعورين وهذه هي طريقتهم في إضافة الاهتمام إلى ما يكتبونه. هم مثل الجِراء الصغيرة، إذا حدثت هناك ضجة، فسينبحون على الفور. 

فلنحذر بعناية من بوق الخطر هذا حتى لا يزعج عملية الهضم لدينا. دعونا ندرك أن الصحف في أفضل أحوالها هي عبارة عن عدسة مكبرة، وفي كثير من الأحيان مجرد صورة على الحائط.

قد يُعتقد أن القلم مثل العصا للمشي، لكنك تمشي بسهولة عندما لا تعتمد على العصا، وتفكر بمثالية عندما لا تحمل قلمًا في يدك. لكن فقط عندما يتقدم المرء في السن يحب أن يستخدم العصا ويسعده أن يلتقط قلمه.

عندما تولد فرضية في العقل، أو تكتسب موطئًا هناك، فإنها تقود حياة مماثلة لحياة كائن حي حيث تستوعب المادة من العالم الخارجي عندما تتشابه معها وتفيدها والعكس عندما لا تشبهها وتؤذيها فإن الفرضية مثل الكائن الحي تقذف بها أو تتخلص منها إذا أُجبرت على أخذها. 

لاكتساب الخلود، يجب على المؤلف أن يمتلك عددًا كبيرًا من الامتيازات إلى درجة أنه لن يكون من السهل عليه أن يجد أي شخص يفهمها ويقدرها، سيوجد هناك العديد من الأشخاص في كل العصور والذين بإمكانهم أن يميزوا ويقدروا بعضها. في هذه الحالة سيحافظ على كتاباته خلال القرون الطويلة، على الرغم من أن اهتمامات البشر ستتغير دائمًا. 

فمؤلف كهذا، والذي يدعي استمرارية حياته مع الأجيال القادمة، يستطيع أن يكون رجلًا على هذه البسيطة الواسعة يبحث عن شبيهه بدون جدوى، ويُظهر تناقضًا ملموسًا مع أي شخص آخر بفضل تميزه الواضح عن الآخرين. وأكثر من ذلك، لو أنه عاش مثل اليهودي التائه عبر الأجيال المتعددة، فسوف يظل في نفس مكانه السامي. إذا لم يحدث ذلك، فسوف يكون من الصعب أن نفهم عدم هلاك أفكاره مثل أفكار الآخرين. 

إن الاستعارات والتشبيهات لها قيمة كبيرة، لأنها تشرح العلاقة المجهولة بالعلاقة المعروفة. حتى التشبيه المفصل والذي ينمو ليكون مثلًا أو قصة ليس أكثر من عرض لعلاقة ما بأبسط وأوضح شكل. إن نمو الأفكار يعتمد في الأساس على التشبيهات، لأن الأفكار تنشأ من خلال عملية الجمع بين المتشابهات وتجاهل الاختلافات بين الأشياء. إن الذكاء بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، يتألف من فهم العلاقات، وغالبًا ما تُفهم العلاقات بشكل واضح إذا أُجريت مقارنات بين الحالات المختلفة تمامًا. طالما أن العلاقة معروفة لي وتوجد في حالة واحدة، فليس لدي إلا فكرة واحدة عنها، أو بمعنى آخر، معرفة حدسية فقط عنها. لكن مجرد أن أرى العلاقة نفسها في حالتين مختلفتين، سيكون لدي فكرة عامة عن طبيعتها الكاملة، وهذه معرفة أكثر عمقًا وكمالًا. 

نظرًا لأن التشبيهات والاستعارات تُعد محركًا قويًا للمعرفة، فإنها دلالة على ذكاء عظيم من الكاتب خاصة إذا كانت تشبيهاته غير مألوفة، وفي نفس الوقت، دقيقة. لاحظ أرسطو أن أهم شيء بالنسبة للكاتب هو امتلاك قوة الاستعارة هذه، لأنها موهبة لاتستطيع أن تُكتسب، وهي علامة على العبقرية.

بالنسبة للقراءة، فإن اشتراط أن يتذكر المرء كل شيء قرأه يشبه اشتراطنا له على أن يحمل كل شيء قد أكله من قبل. فالنوع الثاني قد غذى جسده أما النوع الأول فقد غذى عقله، ومن خلال هذه الطريقتين أصبح الشخص الذي عليه. إن الجسم ليستوعب فقط ما يشبهه، وهكذا يحتفظ الإنسان في عقله ما يهتم به، أو بمعنى آخر، ما يناسب نظام أفكاره ومقاصده في الحياة.

إذا أراد المرء أن يقرأ كتبًا جيدة، فيجب أن يتنجب الكتب السيئة لأن الحياة قصيرة، وطاقة المرء ووقته محدودان.

أي كتاب مهم يجب أن يُقرأ مرتين، لأن في القراءة الثانية ستكون الأجزاء المختلفة من الكتاب مفهومة بشكل أفضل، ونستطيع فقط أن نفهم بداية الكتاب إذا كانت النهاية معلومة. ستكون رغباتنا رغباتنا وطباعنا في القراءة الثانية مختلفة عن القراءة الأولى، فنحصل على منظور جديد لكل قطعة نقرأها، وانطباع مختلف عن الكتاب ككل.

إن أعمال المرء هي خلاصة عقله، وحتى إذا كان يمتلك مقدرة عظيمة للغاية، فستكون هذه الأعمال أكثر قيمة من حواراته. لن تُعوض أعماله انعدام الحوار معه فقط، بل وستتفوق عليه بمزايا نافعة. حتى كتابات الشخص متوسط العبقرية قد تكون مفيدة وتستحق القراءة والتوجيه لأنها خلاصة ونتيجة كل أفكاره ودراساته، في حين أن الحوارات معه قد تكون غير مرضية.

لذلك يمكننا أن نقرأ كتبًا لأشخاص لا تُمتعنا مصاحبتهم، ولأن المرتبة العالية من الثقافة قد تقودنا إلى البحث عن المتعة بشكل كامل من الكتب وليس من الرجال. 


مقالة “عن التفكير للذات” من مقالات شوبنهاور، ترجمتها بتصرف

لماذا يجب عليك أن تقرأ دون كيخوته؟

Picasso

تعتبر رواية دون كيخوته لمؤلفها ميغيل دي ثيربانتس هي أول رواية بمفهومها الحديث. تُعد من أفضل الروايات التي كُتبت في التاريخ ومن أكثرها مبيعًا حول العالم فقد ترُجمت إلى أكثر من ٥٠ لغة. تأثير الرواية كان عظيما، فقد تأثر بها الكسندر دوماس، وكافكا، ومارك توين، ودوستويفسكي وسلفادور دالي.. أما شوبنهاور فقد قال:

”يجب أن تُمثل الرواية الممتازة العالم الداخلي أكثر من الخارجي.. ورواية دون كيخوته من أفضل ٤ روايات على الإطلاق“.

من هو دون كيخوته؟

دون كيخوته رجل في الخمسين، شخص مثقف هدفه نبيل يرغب في مساعدة الضعفاء والمحرومين. فينطلق على حصانه ”روثينانته“ مع مساعده ”سنشو“ على حماره ، فيجوب البلاد كفارس جوّال ويحارب طواحين الهواء لأنه يراها أعداء عمالقة. 

حسنًا، لماذا يجب عليك أن تقرأ هذه الرواية بالتحديد؟ 

باختصار شديد:

١- لأنها تدور عن شخص لم يكن راضيًا عن العالم ورغب في تغييره إلى الأفضل، فغيّر نفسه أولًا:

ولادة الفارس دون كيخوته دي لامنشا، كانت من اختراع رجل يُدعى ألونسو كيخانو في الخمسين من عمره، وكما يقول البروفسور جوميز أن الشخص في الخمسين من عمره في ذلك الوقت كان يُعد عجوزًا. إننا لانعرف من أي مدينة أتى، أو مَن أمه وأباه، ليس هناك أي أثر لذكرهم، ”لأنك عندما تكون في الخمسين فمن يكثرت لمعرفة والديك؟ شخص بعيد عن ضغط العائلة ولذلك اخترع نفسه“. هل تعرف بطلا مشهورًا في الخمسين من عمره؟ لن تفكر في غير دون كيخوته! 
وهل كان ”دون“؟  كلا، كان شخصًا نبيلًا لكن بدون لقب. لايهم، اختلق شخصيته وأطلق على نفسه لقب دون كيخوته من اسمه كيخانو. وقرر أن يصلح الأخطاء ويساعد الضعفاء والمحرومين ويخوض المغامرات فانطلق ليجوب أسبانيا.

٢- لأنك خليط من دون كيخوته وسانشو

يقول جورج أوريل أن عقلك مزيج من شخصية دون كيخوته وسانشو. أنت عبارة عن جزئين ”هناك جزء منك يتمنى أن يكون بطلًا أو قديسًا، لكن الجزء الآخر هو رجل بدين كسول يحاول استغلال كل فرصة ممكنة. هو ذاتك المخفية، صوت البطن الذي يعارض صوت الروح. هو الجزء الذي يميل للأمان، وللسرير المريح، الشهواني الذي يقول لا للعمل.. هو الجزء الذي يثقب السلوك الحميد، الأناني، الذي يحرضك أن تكون غير مخلصًا لزوجك، ويُقحمك في الديون.. سواء سمحت له أن يؤثر فيك أم لا، فمن الكذب أن تقول أنه ليس جزءًا منك“.

٣- لأنك ستضحك كثيرًا: هناك كتب معدودة أضحكتني، ودون كيخوته منها. الفصل السادس عشر كان جنونيًا، وكذلك الفصل الرابع عشر من الكتاب الثاني. أما مشهد حرق الكتب فكان رائعًا، وهناك المشهد الذي قصه سنشو على دون كيخوته عندما جعله يعدّ الأغنام. ثربانتس عبقري! 

٤- لأن الرواية عن القراءة والقراء: دون كيخوته قارئ ومُطّلع لديه مكتبة ذات مجلدات ضخمة- وفي الحقيقة فإن القراءة هي التي جعلته دون كيخوته- ” ”كان غارقًا في قراءة الكتب حتى كانت تمر عليه لياليه من الصباح حتى الصباح، وأيامه من الغسق إلى الغسق دون توقف عن القراءة، وهكذا من قلة النوم وكثرة القراءة جف منه المخ حتى إنه مضى يفقد التمييز“.

وكذلك كل الشخصيات الموجودة كانت قارئة، الكاهن والقسيس والخادمة والحلاق. يقول البروفسور روبيرتو اتشافاريا ”الرواية تشجع القارئ على البحث عن الحكايات التي لم تروى، أو التي رُويت بشكل غير مباشر عن طريق قصص أخرى“.

٥- لأن الرواية كلها تدور حول تشبث البطل بإيمانه القوي: يُتهم دون كيخوته بالجنون، فلا يبالي. ويُشكك الناس في فروسيته، فيغضب ويحاول أن يبرهن لهم. المهم لديه أن يُكمل واجباته الفروسية التي يؤمن بها مهما لقي من الصعاب.

٦ – لأنك يجب أن تتراجع عن اعتقادك الخاطئ حتى وإن أدركت ذلك متأخرًا جدًا :).

٧ – لأنها رواية تسخر من الأوضاع السائدة في المجتمع بشكل كوميدي: سوف تعلم كيف وظّف سرفانتس ”دون كيخوته“ بطريقة كوميدية من أجل السخرية من روايات الفروسية التي انتشرت بشكل كبير في ذلك الوقت. وعندما ملّ سانشو من تأخر شهرته والصعاب التي يجدها في الفروسية، اقترح على دون كيخوته أن يصبحا قديسين ”فنحصل بسرعة على السمعة الطيبة!“. ومن المثير للسخرية أيضًا أننا نجد الشخصيات-في مشهد حرق الكتب- يتحدثون عن مؤلف الرواية بشكل كوميدي، ولم يحرقوا كتابه. 

٨ – لأنها تخبرك أن ميزان الأفضلية بين البشر هو الأخلاق وليس المراتب الإجتماعية: يعتقد دون كيخوته أن ”الفضائل تهب النبالة“ فكل شخص بإمكانه أن يكون إنسانًا نبيلًا من خلال أخلاقه، وأننا يجب أن لا نحكم على الأشخاص بسبب ظروفهم المحيطة بهم منذ الولادة.

٩- لأنها عن إدراك الذات والرغبة في تحقيق الأحلام: إذا كان سقراط يقول ”اعرف نفسك“، فإن دون كيخوته يدرك ذلك ويقول ”أنا أعرف من أكون، وأعرف ماذا يمكن أن أكون“. وأدرك أيضًا ما الذي يريده بالضبط، وسعى إلى تحقيقه ”كل امرئ هو صانع حظه، وقد كنتُ صانع حظي“.

١٠- لأنها عن الحرية، حرية الخيال وحرية تكوين الذات: ”لأن الحرية ياسانشو هي واحدة من أنفس العطايا التي أُعطيت للإنسان“ ومن أجل الحرية ”يستطيع المرء -ويجب عليه- أن يخاطر بحياته“ دون كيخوته لم يقبل عادات مجتمعه المورثة من الأسلاف فهرب من واقعه بمساعدة خياله، وأصبح فارسًا حرًا بسبب خياله.

قرأتُ الرواية بترجمة عبدالرحمن بدوي، واطّلعت على ترجمة سليمان العطار والتي أنصحكم بها. من الجدير بالذكر أن استهلال ثربانتس للرواية كان من أجمل المقدمات التي قرأتها. وإن كنتم ترغبون في معرفة المزيد عن دون كيخوته وثربانتس فهذا كورس رائع من جامعة ييل- ٢٤ محاضرة- يقدمه البروفسور روبرتو اتشافاريا: 

:وفي النهاية اترككم مع هذا الفيديو اللطيف

وفي الليلةِ الظلماء..

Artist: Yan Qin Weng

هل سمعتم عن المطعم الذي يوّظف العميان لخدمة زبائنه؟

لأكثر من عامين، أجلّت تجربة الذهاب إلى هذا المطعم في مونتريال والذي يُدعى ”نوار“ أو السواد بالفرنسية، كانت الفكرة ثقيلة نوعًا ما. ولكنني في أحد الأيام حسمتُ الأمر وحجزت مقعدين لي وللصديقة جيهان. 

وصلنا مبكرًا قبل موعد الحجز حسب التعليمات. ثم فُتحت بوابة المطعم من قِبل النادل والذي اكتشفنا فيما بعد أنه أعمى. أوصانا بأن نصطف في طابور وأن يمسك كل منا كتف الشخص الذي أمامه بيده ثم نتقدم جميعًا. دخلنا في سواد دامس، ظلمات بعضها فوق بعض، لم يكن ذاك السواد الذي تراه عندما تغمض عينيك، لكنها تلك العتمة التي لا تستطيع معها رؤية يديك. جاءت النادلة -العمياء أيضًا- والتي كانت تمشي في المطعم بكل ثقة وأمسكت بيدي لتُشعرني بالأدوات الموجودة على الطاولة. هنا الملعقة، والسكينة، والشوكة. وهنا صحنك. ثم مضت لتحضر وجبتنا. صمتنا قليلًا أنا وجيهان، لكننا عندما بدأنا بالكلام انفجرنا بالحديث عن النِعم التي نغرق فيها وعن تفاهة المشاكل التي نواجهها.. إنما نحنُ جوقة العميان.

وإذا كانت غريزة البقاء تُجبر الإنسان على الالتفات ببصره لما حوله لتحديد أي خطر، فقد زاد توترنا إذ أننا كنا نحاول أن نُبصر بآذاننا. 

جاء الطعام. كيف أستطيع أن التقط الطعام بالملعقة؟ حاولتُ وأخفقت. تحسستُ الطعام بيديّ وأكلته بأصابعي. أدركت السبب الذي جعل طه حسين يُحرّم على نفسه الحساء والأرز، ولمِ ”كان يستحي أن يشرب على المائدة مخافة أن يضطرب القدح من يده“.

قبل ٣ أشهر قررت أن أُجري عملية تصحيح النظر. كرهتُ ارتداء النظارات واعتمادي الكليّ عليها وعلى العدسات. نجحت العملية بفضل من الله، ولكني ظللتُ حبيسة الفراش لأكثر من يوم ونصف لأنني كنتُ مغمضة العينين. لم أستطع القراءة، أو استخدام الجوال، ونمت مرارًا على حلقات بودكاسات مختلفة، وأكلتُ الطعام مرة أخرى بيديّ. كان قرار التخلي عن النظارة من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي، لكنني لن أنسى أبدًا أنني خضت مرتين تجربة بسيطة شبيهة بالعمى.

مُقترحات تساعد على إنارة البصائر:

– السيرة الذاتية ”الأيام“ لطه حسين
– مقالة هيلين كيلر ”لو أبصرتُ ٣ أيام“
ـ”مع أبي العلاء في سجنه“ لطه حسين

– رواية ”العمى“ لخوزيه ساراماغو
– رواية ”كل الضوء الذي لايمكننا رؤيته“ لأنتوني دوير

استعرض عملك أمام الآخرين – عن التسويق الذاتي

unknown original source

بعد قراءتي لكتاب اوستن كليون الخفيف (استعرض عملك)، ترجمته واختصرته لكم بتصرف إلى عدة نقاط مبسطة  لكي تستفيدوا منها. عرفت بعدها أن الكتاب تُرجم إلى العربية بعنوان جميل (شارك فنك).

يقول هنري دو بلزاك إن أكبر مشكلة عويصة يواجهها الفنان هي أن يجد طريقة ليلاحظه الناس. لذلك، من أجل أن يُعثر عليك، يجب أن تكون شخصًا سهل العثور عليه. 

ينوّه المؤلف أن هذا الكتاب هو للأشخاص الذين يكرهون فكرة التسويق الذاتي. لذلك سيخبركم بطريقة أفضل عن كيف تشارك عملك بطريقة تجذب الناس، وكيف تكون مستمتعا بما تعمله، وكيف تتعامل مع النجاحات والإخفاقات.. كل ماعليك هو أن تستعرض عملك أمام الآخرين.

١- ليس عليك أن تكون عبقريًا لتفعل ذلك:

في هذا الزمان ليس هناك شخص واحد عبقري ينجز كل المهام مثل موزارت أو اينشتاين أو بيكاسو. هناك عدة فرق من العباقرة يتحدوا لينتجوا لنا أفضل منتجات العصر. الإبداع هو تعاون، وثمرة تزاوج الأذهان مع بعضها البعض.

نحن نعيش في عصر يصبح فيه من السهل أن نتعاون مع زمرة من الأذكياء، والفضل يعود إلى الإنترنت. ابحث عن المواضيع التي تستهويك في قنوات اليوتوب والمدونات وغيرها. لاتخف من أن تكون شخصًا هاويًا. فالهاوون يحبون أن يجربوا أمورا جديدة ويشاركوا الآخرين نتائجها. وخلال تجاربهم يتعرفون على اكتشافات جديدة، وهم لا يخافوا أن يقعوا في الأخطاء.

أفضل طريقة لأن تبدأ طريقك الخاص بك في مشاركة الآخرين عملك هو أن تفكر ماذا تريد أن تتعلم، وأن تلتزم بتعلم ذلك أمام الآخرين.ابحث عن مجموعة من الأذكياء، وانتبه جيدًا إلى مايشاركونه أيضًا. وسيعثر عليك الآخرون.

“من الممكن أن يكون قولي هذا مبالغة، لكن في هذه الأيام من الضروري أن تكون متواجدًا على الإنترنت .. إذا لم يكن عملك موجودًا ”أون لاين“ فهذا يعني أنه ليس موجودًا على الإطلاق”.

إذا أردت من الناس أن يعرفوا ماذا تفعل، وأن يعرفوا الأشياء التي تهمك، فيجب أن تشارك بها. تذكر أنك ستكون ميتا في يوم من الأيام فهذا سيمنحك الطاقة لأن تفعل العديد من الأشياء. 

٢- فلتجعل تفكيرك ينصب على الطريقة وليس المنتج النهائي:

هناك الرسمة وهناك فعل الرسم. الكثير من الفنانين يحتفظون بفعل الفن لأنفسهم ويستعرضون للآخرين النتيجة فقط. اليوم وبفضل الإنترنت والشبكات الإجتماعية، تستطيع أن تشارك الآخرين خطوات عملك. تستطيع الفنانة الآن أن تستعرض أمام الآخرين الاستديو الخاص بها، وخطوات الرسمة، أو أن تدوّن مايلهمها، ومن هم الأشخاص الملهمين بالنسبة لها. 

قد تكون هذه الصراحة بالنسبة للبعض أمر مخيف. لكن الناس مهتمين بشكل كبير فيما يفعله غيرهم. يحب الناس أن يشاهدوا كيف يُعد الطعام لهم. (انظر كيف حقق مطعم نصرت الشهرة، بسبب إعداد الطباخ للحم ووضع الملح عليها بطريقته).

هذا يسمح للآخرين بأن يروا من هو الشخص الموجود خلف الكواليس.

كن موثّقا لما تفعله. كيف؟ ابدأ بعمل جورنال، اكتب ما تفكر به تجاه عملك وكذلك خواطرك بشكل يومي. التقط صورًا لسير العمل من زوايا مختلفة. صوّر فيديوهات لعملك. ستستفيد أنت من ذلك أيضًا لأنك سوف ترى عملك في النهاية بصورة أوضح.

٣-  انشر شيئًا صغيرًا بشكل يومي:

في نهاية كل يوم، عد إلى الوثائق التي كوّنتها وابحث عن شيء جميل عن عملك لتشارك به الآخرين. يشتكي الفنان ”زي فرانك“  مقابلات العمل ”عندما أطلب من الأشخاص أن يعرضوا علي أعمالهم، فإنه يستعرضون أعمالًا لهم أثناء دراستهم أو من آخر وظيفة لهم، لكنني مهتم أكثر لما فعلوه خلال نهاية الأسبوع“.

الطريقة التي تشارك بها الآخرين ليست مهمة، فالمشاركة اليومية قد تكون أي شيء تحب: مثل تدوينة، أو ايميل، أو تغريدة أو فيديو يوتوب أعجبك. 

ليس لديك وقت؟ كلنا مشغولون، لكن كلنا لديه ٢٤ ساعة في اليوم. الكثير من الأشخاص يسألني ”من أين لديك كل هذا الوقت؟“ وأجيبهم ”أبحثُ عنه“.

تستطيع أن تجد وقتا بين فراغات اليوم، أثناء تنقلك في السيارة، في استراحة الغداء، بعد أن يخلد أطفالك إلى النوم. من الممكن أن تفوّت برنامجك التلفزيوني من أجل تجد وقتًا لعملك هذا. من الممكن أن تفوّت ساعة من النوم لهذا الأمر.. ابحث عن الوقت.. تستطيع أن تجد لنفسك نصف ساعة في اليوم!

تذكر أن كل شيء تضعه على الإنترنت يبقى هناك إلى الأبد. لذلك فكّر جيدًا فيما ستضعه وتشارك به الآخرين. هناك فرق كبير بين المشاركة وبين المبالغة في المشاركة. قبل أن تشارك شيئًا على الإنترنت فكر جيدًا ماذا سيحدث بعدها.

اختر اسمًا جيدًا من أجل موقعك على الإنترنت: لاتفكر في الموقع وكأنه آلة للتسويق الذاتي، بل فكّر به وكأنه آلة اختراع ذاتي. ففي هذا الموقع سوف تكون الشخص الذي ترغب في أن تكونه. املء موقعك بأفكارك وأعمالك والأمور التي تهمك.

٤- افتح غرفة العجائب: 

لا تكون شخصًا مهووس بتخزين الأشياء!

إذا حصل وأن عشت مابين قرني ال١٦ وال١٧، وكنت شخصًا متعلمًا وغنيًا، فمن المرجح أنه سيكون لديك “غرفة العجائب“ أو غرفة مليئة بالأغراض المُلفتة للأنظار مثل الكتب والجماجم والمجوهرات والأصداف واللوح الفنية والنباتات والأحجار وغيرها. كلنا لدينا هذه الغرفة بشكل ما. شارك هذه الأفكار والإلهامات مع الآخرين. 

من أين تحصل على إلهامك؟ 

ما هي الأشياء التي تملأ رأسك بها؟ ما الذي تقرأه؟ هل أنت مشترك في قنوات معينة؟ ماهي المواقع التي تزرها؟ ماهي الموسيقى التي تستمع إليها؟ ماهي الأفلام التي تشاهدها؟

ما الذي تجمعه؟ ما الذي ترسمه وتدوّنه على دفترك؟ مالذي تضعه على ثلاجتك؟ ماهو الشخص المُلهم بالنسبة إليك؟ مِن مَن تسرق أفكارك؟ هل لديك أي أبطال؟ من تتابع على السوشال ميديا؟ 

كل هذه الأمور تستحق المشاركة مع الآخرين لأنها تعطي فكرة للناس عنك وعن الذي تفعله. لاتشعر بالخزي تجاه الأمور التي تعجبك وتلهمك. عندما تشارك عملًا ما، من المهم أن تشير إلى الشخص الذي أنتجه. 

٥- اقصص علينا حكاية جميلة:

عملك لا يخبرنا عن نفسه. عندما تضع عملًا لك، إروِ قصة عنه. يحبُ الناس أن يعرفوا كيف صُنعت الأشياء، ومَن صنعها. فالحكايات التي ستنسجها عن عملك سيكون لها تأثير كبير على مايشعر به الآخرون تجاه عملك، وشعورهم هذا سيؤثر حتمًا على القيمة التي سيمنحوها لعملك. 

إذا أردت أن تكون مؤثرًا بشكل أكبر، يجب أن تكون حكواتيًا جيدًا.أهم جزء في القصة هي البنية. فالقصة الجيدة مرتبة ومنطقية رغم أن حياتنا ليست كذلك. 

من الممكن تقسيم حكايتك إلى ٣ فصول: الفصل الأول أين كنت وماذا تريد وكيف رغبت في هذا الأمر ومالذي فعلته حتى الآن من أجل أن تحصل عليه. الفصل الثاني أين أنت الآن في عملك ومالذي فعلته والمصادر التي استخدمتها. الفصل الثالث: أين ستذهب، وماهو الشخص الذي تود أن تكونه. 

فكّر في الجمهور بشكل دائم. اختصر كلامك. لا تضيع وقتهم. تعلم كيف تتكلم وكيف تكتب. 

٦- علّم الآخرين:

شارك أسرارك. ماهي خلطتك السرية؟ 

في اللحظة التي تتعلم فيها شيئًا جديدًا، أخبر الآخرين عنه. شارك قائمة كتبك. أرشدهم إلى المصادر المفيدة. اصنع فيديو يعلمهم هذا الأمر المفيد وشاركه معهم. استخدم الصور والكلمات والفيديو. علمهم بالخطوات.

٧- لاتتحول إلى شخص ممل: 

اصمت وأنصت: إذا أردت أن يكون لديك جمهور، فكن أنت من الجمهور. توقف عن القلق بشأن عدد الأشخاص الذين يتابعونك، ولا تضيع وقتك على قراءة كيف تحصل على أكبر قدر من المتابعين. اصنع الأشياء التي تحبها وتحدث عنها وستجذب الأشخاص الذين يحبون هذه الأمور.

اختبار لفحص مصاصي الدماء: هذا الاختبار مهم لتعرف من هم الأشخاص الذين ستدعهم يدخلون حياتك أو يخرجون منها. إذا شعرت بأنك منهك القوى أو شعرت بالطاقة السلبية بعد مقابلتك لأحدهم فهذا يعني أن هذا الشخص هو فامباير أو مصاص دماء. وإذا حدث العكس وشعرت بأنك مليء بالإيجابية وبالطاقة فهذا يعني أن هذا الشخص ليس فامباير. 

تخلص من هؤلاء الأشخاص الذين يمتصون طاقتك. 

٨- تعلم كيف تتقبل اللكمة: 

عندما تستعرض عملك أمام العالم، كن مستعدًا للأمور الجيدة والسيئة والبشعة. كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يشاهدون عملك، كلما ازدادت احتمالية تعرضك للانتقادات. 

  • استرخ وتنفس جيدًا: حسب معرفتي، لم يمت أي شخص بسبب تعليق سيء!
  • مرّن رقبتك: من أجل أن تكون مستعدَا لتلقي اللكمات، اعمل أكثر ومرّن رقبتك على تلقي اللكمات.
  • تكيف مع اللكمات: استمر بالعمل، كل انتقاد يعني فرصة لعمل جديد. لا تستطيع أن تتحكم في الانتقادات بل في ردة فعلك لها.                    
  • احرس مناطقك الهشة: إذا كنت تعمل على شيء حساس أو شخصي للغاية، اخفيه. 
  • لا تغذي المتنمرين: الشخص الذي ليس لديه أي اهتمام بعملك لكنه يؤذيك بتعليقاته. لن تنل أي شيء مفيد منه، لذلك لا تغذيهم. اعمل بلوك للتعليقات المسيئة. واحذف التعليقات السيئة.

٩- اعرض عملك للبيع: 

تحتاج إلى المال من أجل أن تتطور. يقول والت دزني ”نحن لا نصنع الأفلام من أجل المال، وإنما نحصل على المال من أجل عرض المزيد من الأفلام“. اعرض عملك بسعر مناسب وعادل.

بالنسبة إليّ، فإنني أخبر الناس بأن يدعموني عن طريق شرائهم لما أعرضه للبيع. احتفظ بقائمة بريدية على موقعك. شجع الناس لأن يشتركوا في موقعك عن طريق البريد الالكتروني واعرض عليهم منتجاتك بشكل جذاب بين حين وآخر.

١٠- لا تنسحب:

كل وظيفة لها أيامها السعيدة والسيئة. العمل لاينتهي أبدًا. كان ارنست همنغواي يتوقف في منتصف الجملة في آخر اليوم من أجل أن يبدأ بها في اليوم التالي. 

إليك ماتفعله: بدلا من تأخذ استراحة بين عملين من أجل أن تحصل على فيدباك وتفكر في القادم، اجعل نهاية العمل فرصة لأن تنتقد نفسك مالذي فعلته وما الذي يمكن أن تفعله بشكل أفضل.

اذهب بعيدًا وعد ثانية: من أجل الحصول على الطاقة التي ستفيدك في عملك اترك عملك، اذهب إلى الطبيعة، إلى الحديقة. امشِ كثيرًا. تمرّن. من المهم أن تفصل عملك عن بقية حياتك. وابدأ مرة أخرى. 

وفي نهاية هذه التدوينة، أدعوكم إلى زيارة الحديقة السرية لريم على انستقرام ففيها تطبيق عملي جميل لهذا الكتاب. فمنذ أسابيع، شاركتنا ريم على انستقرام خطوات تنفيذ مشروعها الصغير، تحويل مخزن إلى حديقة داخلية سرية جميلة في منزلها،  ابتداء من اختيارها للبلاط والباب الزجاجي وانتهاء بالنباتات والإضاءة. كنت أحرص على تصفح تطبيق انستقرام بشكل يومي وزيارة حسابها لأنها تشاركنا بشيء بسيط عن تطورات مشروعها كل يوم، وكانت الرحلة رائعة.

بعض الأغراض المادية البسيطة التي تُشعركم بالرفاهية 

Emme Norma

لاترتبط الرفاهية بالغلاء فحسب، وإنما أيضًا بطريقة تصرفنا فيما نمتلكه أو شعورنا تجاه ممتلكات قد تكون ذات قيمة بسيطة. هنا بعض الأغراض التي تُشعرني بالرفاهية:

• الشموع والبخور:

رائحة الشموع ومنظرها وهي تشتعل في المنزل فوق الطاولة تُضفي الكثير من الإحساس الرفاهية. كذلك البيت الذي يتميز بروائح جميلة هو بيت مُرفه. أحب شموع Voluspa و Capri Blue Volcano ماهي شموعكم المفضلة؟

• الورود والأزهار:
اعتدت أن اشتري باقة من الورود من كشك الأزهار والذي يقع بالقرب من منزلي في مونتريال بشكل أسبوعي، وبسعر ضئيل. توقفت عن هذه العادة في السعودية بسبب الأسعار المرتفعة إلى أن دلتني الصديقة هند على بائعي الورود بالجملة، وكم كان الأمر جميلًا لي ولمحفظتي. باستطاعتكم تزيين الصالة بورود الكازابلانكا أو اللِيلِي وبسعر معقول كل أسبوعين، وستشعرون حتمًا بالرفاهية والراوئح العطرة التي ستضيفها الطبيعة إلى حياتكم.

• النباتات الطبيعية:

لا أدري كيف يعتقد بعض الأشخاص أن النباتات الصناعية هي بديل مُطابق للنباتات الطبيعية، أو يدّعون أنه لافرق بينهما. لا أؤمن بذلك وأستطيع رؤية الاختلافات الواضحة من النظرة الأولى، هذا غير أن النباتات الطبيعية تُعطي روحًا للمكان الذي توجد فيه وكذلك الكثير من الرفاهية. كل صور الغرف والمنازل التي تُعجبنا في تطبيق بنترست يوجد فيها نبتة طبيعية واحدة على الأقل. يقول البعض أنها تتطلب الكثير من العناية، لكن هذا الأمر غير صحيح بالنسبة لبناتات بوتس و زاميا وغيرها الكثير.

• كوب جميل لمشروبكم المفضل: 

إن كنتم تحبون الشاي أو القهوة، فلا يوجد أجمل من شربه في كوب جميل الشكل والخامة. أحب أن اشتري كوبًا جديدًا بين فترة وأخرى مكافأة لنفسي.

• الشواحن الإضافية: 

قد يكون هذا سخيفًا للبعض، لكن لايوجد أقسى من بحثك من غرفة إلى أخرى عن شاحن جوالك. وجود شواحن موزعة في الأماكن التي تتواجد فيها -في السيارة، أو الحقيبة مثلًا- مريح لوقتك وأعصابك وتعطيك شعورًا بالرفاهية وبأنك صرفت المال من أجل راحتك.

• مشروبك المفضل متوفر في المنزل:

كثيرون اتعظوا من تعطلهم عن شرب القهوة المفضلة أيام الحجر المنزلي، واشتروا أجهزة وأدوات لإعداد القهوة بأنفسهم وفي أي وقت يشاءون. إذا كنت تفضل شرب القهوة السوداء أو الاسبرسو، فستشعر بالرفاهية أثناء إعدادك لها بنفسك من منزلك.

كنتُ أتمنى شرب القهوة العربية الممتازة في كل مرة أعد فيها القهوة المطحونة الجاهزة والتي أضعها في الثلاجة أو الفريزر. قررت بعدها شراء محمصة الكترونية ومطحنة للقهوة وشراء بن أحمّصه لاحقا بنفسي ومن ثم أطحنه، وكان هذا من أجمل القرارات التي اتخذتها. قهوة عربية ممتازة!

• بطانية خفيفة فوق الكنبة: 

أثناء استلقائك على الكنبة وأنت تشاهد فيلمك أو مسلسلك المفضل أو مقاطع من اليوتوب، وسواء كان الجو باردًا في فصل الشتاء أو بسبب التكييف، فإنه من الرائع أن تغطي نفسك ببطانية خفيفة جميلة. ستشعر بالرفاهية حتمًا إذا كنتُ تشرب مشروبك المفضل مع وجودك تحت البطانية في فصل الشتاء. 

• إطارات جميلة للذكريات الجميلة: 

يوجد العديد من الإطارات الجميلة وبسعر منخفض في كل مكان، لا يوجد أجمل من استعراض ذكرياتك المميزة في صور بداخل إطارات جميلة فوق مكتبك أو في صالة الجلوس. 

• شرب الماء مع شرائح الليمون: 

تقول صديقتي أن الإبريق الممتلئ بالماء مع شرائح الليمون أو الخيار أو حتى غصنا من الروزماري أو حبيبات الرمان يجعلها تشعر بأنها تشرب ماء أغلى من مياه إيفيان. في طفولتي اعتدتُ شرب الماء البارد مع قطرات من ماء الورد. جربوا وضع إبريق صغير من الماء البارد مع شرائح الليمون والخيار في صالة الجلوس وبجانبه كاسات الماء، واستمتعوا.

• الأعشاب الطازجة: 

لديّ مزرعة مائية صغيرة، استخدم منها الريحان الإيطالي الطازج في إعداد الباستا. وأشعر بأنني الشيف رامزي في كل مرة أقص فيها الريحان من أجل إعداد وصفة بسيطة للغاية. ولديّ كذلك نعناع طازج أستخدمه في الشاي. توجد اصيصات للأعشاب الطازجة مثل أكليل الجبل والروزماري في السوبرماركت وبأسعار زهيدة تمكنكم من الشعور بالرفاهية عند إعداد الطعام.

• الجوارب والبيجامات الجديدة:

ليست ملابس الخروج الجديدة هي التي تشعرني بالرفاهية، ولكنها البيجامات والجوارب الجديدة والمريحة. الشعور الجميل الذي أحس به في كل مرة أرتدي فيها بيجاما جديدة أو زوجًا من الجوارب هو مزيج من الشعور بالرفاهية والراحة. 

• الصوابين: 

من وجهة نظري قطعة الصابون الفاخرة هي أفضل من الصابون السائل، بالطبع إذا كانت للاستخدام الشخصي. جربوا شراء قطعة  Honey I washed the Kid من Lush، وستتذكرون كلامي هذا. 

• كرات المغطس في حوض الاستحمام: 

لدى صديقتي مآب روتينيًا أسبوعيًا، تستخدم فيه كرة فوارة مختلفة كل يوم سبت. أعتقد هذا الروتين الجميل للعناية بالنفس يجعل يوم السبت لطيفًا ويُضفي إليه شعورًا بالاستجمام وكذلك الرفاهية. 

• الزعفران بكميات كبيرة: 

استخدم الزعفران في وصفات الطعام المختلفة مثل الرز الأبيض وكذلك القهوة العربية. كنت أشتري الزعفران بكمية قليلة من السوبرماركت بسعر مرتفع (٣ غرام ب٣٥-٤٠ ريال)، ثم اكتشفت أن بإمكاني شراء كمية لا بأس بها من محلات البخور والعود وبسعر معقول. استطعت شراء زعفران فاخر ٢٨ غرامًا ب١٨٩ ريال وكمية تكفي لسنة كاملة! وهذا ماجعلني أشعر بالرفاهية. 

• المينيكر والبديكير وقصات الشعر: 

الحصول على قصة شعر جديدة، وكذلك تنظيف الأيدي والأرجل وطلاء الأظافر كلها من الأمور التي تُشعرنا نحن النساء بشعور الرفاهية والتجديد.

• المراتب وشراشف السرير والوسائد: 

نقضي على الأقل ٦ ساعات يوميًا على سررنا، وهذا مايجعل المرتبة الممتازة والشراشف والوسائد هي الاستثمار الأفضل للشخص. شرشف الوسادة المصنوع من الحرير يحافظ على مظهر الشعر وكذلك على صحة البشرة (اقرأوا عنه). الشراشف الجميلة تُشعرك بجمال السرير، أما إذا كان لونه أبيضًا -كما تصر صديقتي على ذلك- فهذا سيُشعرك دائمًا بالنظافة وبأنك في فندق. 

ماذا عنكم؟ 
ماهي الأمور البسيطة التي تُشعركم بالرفاهية؟

تجارب ومباهج

هذه التدوينة الخفيفة هي من سلسلة تجارب والتي أعرفكم فيها على بعض تجاربي في الأسابيع الماضية في أمور شتى كقراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت وغيرها من التجارب والمباهج الصغيرة.

الكتب

قصة حياتي لشارلي شابلن: سيرة غنية جدًا، من حياة الفقر إلى حياة الغنى والشهرة. من لندن إلى هوليوود يتحدث الممثل الأشهر للأفلام الصامتة تشارلي تشابلن عن طفولته ومعاناته مع الفقر مع أمه وأخيه وعن التمثيل والإخراج والكوميديا، وعن الأشخاص الذين قابلهم مثل اينشتاين وتشرشل وغاندي وغيرهم من الشخصيات المهمة. يمتلك تشارلي تشابن قلم أدبي جميل، أنصحكم بقراءتها.

وثائقي

The Social Dilemma 

وثائقي غير مريح يتحدث عن الجانب الأخلاقي من الشبكات الإجتماعية يقدمه أشخاص كانوا يشغلون مناصب هامة في أشهر الشبكات الإجتماعية. هذا الوثائقي يلقي الضوء على جانب مهم للغاية وهو مسألة انتباه الناس والذي تتنافس الشبكات الإجتماعية في الحصول عليه وكأنه المال. 

بداخل عقل الشخص المماطل- كلمة لتيم اربن (١٢ دقيقة)

هل تعرفون ماهذه المربعات الصغيرة؟

كل مربع يُمثل أسبوعًا لشخص عمره ٩٠ سنة! لايوجد الكثير أليس كذلك؟ شاهدوا هذه المحاضرة القصيرة من تيم اربن:

أفلام ومسلسلات

جولي آند جوليا

فيلم لطيف للغاية مثل كل الأفلام التي تتحدث عن الطبخ والطعام. عن قصتين حقيقتين: قصة جوليا تشايلد الطباخة الأمريكية الشهيرة التي قدمت الأطباق الفرنسية بشكل محبب إلى الجمهور الأمريكي من خلال كتابها. وعن جولي المُدوّنة التي أخذت على عاتقها طبخ كل وصفات جولي في هذا الكتاب خلال سنة واحدة، وتعهدت بتدوين ذلك بشكل يومي في مدونة خاص بها.

مسلسل ليه لأ

إذا كنتم تودون مشاهدة مسلسل سخيف ولطيف، فهذا المسلسل المصري من بطولة أمينة خليل يتحدث عن قصة فتاة هربت من قرار اتخذته قبل فوات الأوان لتعيش في تحدي قلب حياتها رأسًا على عقب. 

ايميلي في باريس

مسلسل سخيف آخر ولكنه لطيف أيضًا، يحكي عن فتاة أمريكية تترك شيكاغو من أجل العمل لمدة سنة في باريس ويحصل لها العديد من المواقف على الصعيد المهني والشخصي. المسلسل فيه الكثير من المناظر الجذابة يجعلك تتوق لزيارة باريس وأكل الخبز بالشوكولا 

Un pain au chocolat

اينولا هولمز 

فيلم لطيف عائلي من بطولة بوبي براون عن أخت عبقرية لتشارلوك هولمز تُدعى إينولا. القصة في البداية جميلة، والمناظر خلابة. 

بودكاست

التخفف الرقمي من بودكاست تسجيلات: 

تقدمه هيفاء القحطاني مع أخواتها، لطيف للغاية. اسمعوه! ثم اقرأوا هذه التدوينة السابقة (تصفيات).     

طعام

  • كعكة ستاربكس: على طريقة أروى الضلعان، جربتها مرتين وكانت سهلة الإعداد ولذيذة للغاية، جربوا تناولها مع الشاي أو القهوة. 
  • ورق عنب من أم عبدالعزيز العياف: تناولته في ضيافة قريبتي، وأعجبني للغاية ثم طلبته منها. لا أعرفها شخصيًا وليست مشهورة كما أرى من عدد المتابعين في انستقرام، وحيث أنني جربت الكثير من أطباق ورق العنب ويعجبني (اليالنجي الأرميني) فهذا أعجبني كثيرًا. 
  • بن فازيندا من سويل: لذيذ للاسبرسو- أنهيتُ كيسين منها- قهوة برازيلية وإيحاءاتها (توفي وشوكولاتة ومكسرات حلوة). اطلبوها من هذا المتجر Sips السريع جدًا في التوصيل.

تجارب ومباهج أخرى

  • علبة شاي هدية من خالتي العزيزة، ٢٤ أنبوبة زجاجية تحتوي على أنواع مختلفة من الشاي من الصين وألمانيا وسيريلانكا، وموضوعة في صندوق لازوردي فاخر. الجميل أن كل زجاجة تحتوي على حكمة باللغتين العربية والإنجليزية، هذا يعني شاي وحكمة يومية مختلفة لمدة ٢٤ يومًا.
  • صناعة المحتوى من شرفة: دورة قصيرة (ساعتين تقريبًا) من شرفة يقدمها خاليديا.
  • أحمر شفاه من Charlotte Tilbury واللون اسمه Pillow Talk
  • تطبيق لتدوين المزاج بشكل يومي: بعد قراءتي لهذه التغريدة

رغبت في أن أعرف بشكل دقيق سبب تعكر مزاجي، وهذا التطبيق يتيح لكم تدوين مزاجكم بشكل يومي مع الأخذ في الاعتبار بعض الأمور المهمة التي تستحق الإشارة إليها مثل النوم والطعام والهوايات .. ومنها تكتشف المحفزات التي تسبب في تحسين أو تعكير مزاجك.

  • مدونة عصرونية لمها البشر: أحبها! لطيفة ومُبهجة.
  • مدونة لطيفة حمدو: مليئة بالجمال.
  • شجرة الحمضيات المقزمة من ايفرقرين. أضافت بهجة إلى المنزل بسبب الثمار البرتقالية الصغيرة الحجم.

    جميلة أليست كذلك؟ ماذا عن مباهجكم وتجاربكم مؤخرًا؟

 

غرفة تخص المرء وحده

في طفولتي، كنت أتفكر كثيرًا في خلاء الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وهو مكان مرتفع بعيد عن الناس وصغير المساحة، وله فتحة كالنافذة تُطل على الكعبة. أصبحت فكرة البيت المنعزل أو الغرفة المعزولة تسيطر علي، حتى قررت أن أحجز زواية في فناء المنزل خلف شجرة، وأضفت إليه كرسي وبعض الأدوات ليصبح خلاءً لي. لكن العزلة كانت مقطوعة دائمًا بصوت أمي التي تنادي بضرورة إنهاء ما أفعله لأهرع إلى المائدة.

لم أدرك أهمية العزلة حتى استوليت على غرفة أخي الذي سافر إلى الخارج وأصبحت غرفتي. كنت محظوظة للغاية. أتذكر جيدًا الأيام التي كنت أستلقي فيها على ظهري وأنظر إلى السقف بدون أن أفكر في شيء. كنتُ أفعل مايشبه الآن بالتأمل. كما أتذكر الأيام التي قرأت بها كليلة ودمنة ومسرحيات شكسبير من دار نظير عبود، والليالي التي زيّنت فيها دفتر حصة ”التربية الفنية“ برسوماتي والأوراق الملونة، والأوقات التي استمعت فيها إلى شريط ”وست لايف“ مستظهرة الكلمات الإنجليزية الجديدة التي حفظتها.

أخبرتني زميلتي في المدرسة عن انتقالهم إلى منزلهم الجديد، وأن والدتها قد قررت أن تخصص لها ولأختها غرفة نوم مشتركة بدلا من غرفتين-رغم كبر مساحة المنزل- بدعوى أن ذلك يقوّي العلاقة بين الأختين. شعرت بالأسى على زميلتي، لكن العزلة والخصوصية واجبة، أليس هناك حديث بوجوب استئذان الشخص على أمه وإن كان معها في البيت؟

”إذا أرادت المرأة أن تكتب الأدب فيجب أن يكون لها غرفة تخصها وحدها، وبعض المال“ هكذا قالت فرجينيا وولف. فالحرية الفكرية ”تتوقف على الأشياء المادية“. ومن هذه الأشياء المادية غرفة أو مساحة خاصة للمرء. إذا استطعت أن توفر لنفسك مساحة خاصة في المنزل، فأنت محظوظ. تستطيع أن تهرب من الحشد -كما تقول حنة أرندت- لتصبح قادرًا على سماع أفكارك وتكوين رأيك. ”فإذا خسرنا قدرتنا على العزلة، أن نكون وحيدين بصحبة أنفسنا، فسوف نخسر قدرتنا على التفكير. سوف نخاطر بانغماسنا في الحشد، وسوف يجرفنا الناس بعيدًا بأفكارهم ومعتقداتهم.. العزلة ليست فقط حالة ذهنية من أجل تطوير وعي الفرد وضميره، بل أيضًا عمل يهيء المرء لأن يشارك في الحياة الإجتماعية“.

كيف هو شكل مساحتكم الخاصة؟ في طفولتي كنت أتمنى كثيرًا أن أحصل على بيت فوق الشجرة، هذا مستحيل، ليست هناك شجرة كبيرة في منزلنا المديني، لايوجد سوى النخل 😀 

  • مستقلة عن الناس: كما غار حراء، بعيد عن الناس، وهذا يعني أنه يمكنكم أن تغلقوا الباب على أنفسكم وتمارسوا العزلة.
  • نافذة مطلة: غار حراء مرتفع بنحو ٦٣٦ مترًا -هذا يعني أنه الجو هناك ألطف- ومطل على مكة، إذا كنتم محظوظين، فهناك نافذة مطلة على الشارع أو على شجرة. 
  • المساحة غير مهمة: يقول الواصفون لغار حراء، أن مساحته يمكن لخمسة أشخاص أن يجلسوا بداخلها في وقت واحد. وهي أكبر من مساحتي الخاصة حاليًا- أو مكتبي لأكون أكثر دقة- والتي أكتب منها هذه التدوينة.

كان ستيف جوبز يقول ”كل ماتحتاجه هو كوب من الشاي، وإضاءة، وستيريو للموسيقى“. فماذا تحتاجون في مساحتكم الخاصة؟ بعض الأفكار: مقعد مريح، نباتات، إبريق ماء، آلة قهوة، صورًا شخصية في إطارات جميلة، تذكارات مختلفة، أقلام ودفاتر، كتب، تقويم، شموع، علبة مكسرات مثل الجوز واللوز، فوّاحة، بطانية دافئة.. أخبروني عنكم، ماهو شكل مساحتكم الخاصة؟

غرفة فرجينيا وولف الخاصة بها

الأحزان الاستثنائية

فان جوخ: عند بوابة الخلود

”كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن كل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة“ وهذا ينطبق أيضًا على الأفراد. فكل الأشخاص السعداء يتشابهون، أما التعيس فهو تعيس على طريقته. دائمًا ماتكون السعادة مشتركة، أما الأحزان فهي فردية ولاتشبه أحزان الآخرين. كل منا لديه أحزان استثنائية.

 بعد مرور أشهر من وفاة والدي رحمه الله، استنكرت إحدى الزميلات حزني بقولها ”لم كل هذا الحزن؟ توفي والدي قبل عام أيضًا“. حسنًا فأنا لستُ أنتِ. لا أستطيع أن أغدو إيجابية بهذه السرعة مثلك. هذا أمر بديهي. وهذا ينطبق كذلك على كل الأحزان في الدنيا.

كتبت هذه التدوينة بعد مشاعر الحزن العميقة التي اجتاحت صديقة عزيزة بسبب حادثة ألمت بها. أخبرتني أنها تشعر بالأسى لأن البعض قد استخفوا بماتشعر به بطريقة ما. النية الطيبة موجودة، لكن مافائدتها إذا أضرت الكلمات بالآخرين؟

 بعض النقاط التي نحتاج أن نتذكرها في التعامل مع شخص حزين:

  • أصغ جيدًا إليه: كل مايحتاجه الشخص الحزين هو أذنا صاغية دون انتقاد حتى وإن كان مخطئًا. إذا مضى وقت مناسب على حزنه تستطيع حينها أن تنبهه عن خطئه. 
  • إياك والنصائح: آخر مايتوقعه الشخص الحزين منك أن تنصحه. بدلًا من ذلك قدم مساعدتك له في أن تخرجا معًا في نزهة على سبيل المثال للترفيه عنه.
  • لاتقارن حزنه بأحزان الآخرين: ليس مجديًا أن تخبر الشخص الحزين على من فقده بأن فلانًا قد فقد كل عائلته في حادث سيارة، أو الشخص الذي قد فُصل من عمله بأن فلانة قد خسرت كل أموالها في البورصة. كفى.. هذا ليس سباقًا!
  • لا تقلل من الأمر الذي يحزنه: قد يبدو الحزن تافهًا، لكنه قد يكون قديمًا، وظهر كالقشة التي قسمت ظهر البعير.
  • لاتذكّره بتقدير النعم وشكرها: الحزين ليس كافرًا بالنعم. يدرك جيدًا النعم التي لديه، وعندما يُخبرك بحزنه فلايتوقع حينها منك نصيحة وعظية. انزل من برجك العاجي.
  • ساعده حتى يجد الدعم الكافي: إذا وجدت الشخص الحزين يكثر الحديث عن الموت فانتبه، ربما دخل مرحلة أعمق من الحزن: الإكتئاب. شجعه بالذهاب إلى الطبيب النفسي. 

أما المحزونون، فلا بأس من البكاء والغضب فهي مشاعر طبيعية، لكن لاتتناسوا أحزانكم بل واجهوها: 

“من الأفضل أن نتغلب على أحزاننا بدلًا من خداعها. لأننا إذا حاولنا تناسيها بالملذات والإنشغالات فإنها ستعود مرة أخرى بشكل أقوى لتستعبدنا.

لكن الحزن الذي هُزم بالمنطق سيسكن للأبد. لست هنا لأصف لكم تلك العلاجات التي استخدمها الكثير من الناس، والتي تقوم على إلهاء نفسك أو تحويرها عن الحزن برحلة ممتعة إلى الخارج، أو بقضاء وقت طويل في مراجعة حساباتك وإدارة ممتلكاتك، أو حتى الاستغراق في ممارسة أنشطة جديدة. كل هذا سيساعدك لفترة قصيرة فقط، لكنه لا يعالج حزنك بل بالأحرى يعيقه. أفضل أن أُنهي حزني على أن أشتته“. – سينيكا 

المراحل الأربع من حياتنا

بقلم: مارك مانسن 

المرحلة الأولى: التقليد 

نولد عاجزين. لانستطيع المشي، أو الكلام، أو إطعام أنفسنا، ولا حتى دفع الضرائب.

تعلمنا في طفولتنا أن نراقب الآخرين ونقلدهم. نتعلم أولًا المهارات الجسدية مثل المشي والكلام. ثم المهارات الإجتماعية، ونتعلم في آخر طفولتنا كيف نتبنى ثقافتنا عن طريق ملاحظة القوانين والتقاليد من حولنا ومن ثم محاولة التصرف على النحو الذي يتقبله المجتمع. 

الهدف من المرحلة الأولى هو تعليمنا كيف نتأقلم مع المجتمع بحيث نكون أشخاصًا مستقلين ومكتفين ذاتيًا. تقوم الفكرة على أن البالغين حولنا يساعدونا في تخطي هذه المرحلة من خلال دعمنا في اتخاذ القرارات بأنفسنا. 

لكن قد يكون هؤلاء البالغين -وحتى المجتمع- غير أكفاء، فيعاقبوننا بسبب استقلالنا ولا يدعمون قراراتنا. وبالتالي لانستطيع أن نكون مستقلين. فنعلق في المرحلة الأولى، وبالتالي نستمر في تقليد من حولنا إلى مالانهاية، راجين أن نٌرضي الجميع حتى لاينتقدونا.

بالنسبة للشخص العادي، تستمر المرحلة الأولى في حياته حتى نهاية المراهقة وبداية الرشد. ومن الممكن أن تستمر عند بعض الأشخاص في مرحلة الرشد. قد يستيقظ البعض يومًا في عمر ال٤٥ مدركين أنهم لم يعيشوا الحياة لأنفسهم، متسائلين أين كانوا طوال هذه السنوات.

هذه هي المرحلة الأولى. التقليد. البحث عن رضا الآخرين وموافقتهم. واختفاء الفكر المستقل والقيم الذاتية.

يجب أن نكون واعين بالمعايير والتوقعات التي يضعها الناس من حولنا. لكننا يجب أيضًا أن نكون أقوياء بما فيه الكفاية لأن نتصرف رغمًا عن هذه المعايير والتوقعات عندما نشعر بضرورة ذلك. يجب أن نطور من قدرتنا على التصرف بأنفسنا لأنفسنا.

المرحلة الثانية: اكتشاف الذات

في المرحلة الأولى، نتعلم أن نتعايش مع الناس والعادات من حولنا. أما المرحلة الثانية فنحن نتعلم كيف نكون مختلفين عن الآخرين. تتطلب منا المرحلة الثانية أن نبدأ باتخاذ القرارات لأنفسنا، وأن نختبر أنفسنا، وأن نفهم ذواتنا جيدًا مما يجعلنا ذلك مميزين عن الغير. 

تتضمن المرحلة الثانية الكثير من التجارب والأخطاء. نحن نختبر الحياة في أماكن جديدة، والخروج مع ناس جدد. 

في المرحلة الثانية، زرتُ أكثر من ٥٠ دولة. أما المرحلة الثانية بالنسبة إلى أخي فكانت الانخراط في النظام السياسي في واشنطن دي سي. المرحلة الثانية مختلفة لأن كل شخص مختلف عن الآخر. 

المرحلة الثانية هي مرحلة اكتشاف الذات. نجرب أمورًا قد تنجح وقد تفشل. لكن الهدف هو الاستمرار مع الأمور التي نجحت معنا. 

تدوم المرحلة الثانية حتى نبدأ بالجري خارج حدودنا. وهذا لايناسب الكثير من الناس، وقد تخبرك أوبرا وينفري أو ديباك تشوبرا بهذا، لكن اكتشاف حدودك الخاصة هو أمر جيد وصحي.

في هذه المرحلة سوف تكون سيئًا في بعض الأمور مهما حاولت. وتحتاج أن تعرف هذه الأمور. لا أميل إلى التفوق في أي أمر رياضي بسبب جيناتي، وكان هذا أمرًا مزعجًا لأدركه، لكني أدركت ذلك. 

توجد العديد من الأمور العظيمة لكنها تبدأ في ”الانتاجية الناقصة“ بعد عدة سنوات. مثل السفر حول العالم على سبيل المثال.

حدودك أو قيودك هي مهمة لأنك في النهاية سوف تدرك أن وقتك في هذا العالم هو محدود، وبالتالي يجب أن تقضيه على الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليك. وهذا يعني أن تستوعب أن مقدرتك على فعل شيء ما لا يعني أنه يجب عليك أن تفعله. وهذا يعني أيضًا أن تدرك أن محبتك لأشخاص معينين لا يعني أنه يجب أن تكون معهم. وهذا يعني تفهم أن هناك تكلفة بديلة لكل شيء ولاتستطيع أن تنتهز كل الفرص.

بعض الأشخاص لايسمحون لأنفسهم بأن يشعروا بوجود القيود لأنهم إما يرفضون الاعتراف بفشلهم، أو لأنهم يوهمون أنفسهم بأنه لايوجد هناك أي قيود. هؤلاء سيعلقون في المرحلة الثانية.

هؤلاء هم “رواد الأعمال” الذين يبلغون ال٣٨ من العمر ويعيشون مع أمهاتهم، وليست لديهم القدرة على جني المال بعد ١٥ سنة من المحاولة. هؤلاء هم “الممثلون الملهمون” الذين مازالوا ينتظرون طاولاتهم ولم يستطيعوا تقديم أي دور خلال عامين. هؤلاء هم الأشخاص الذين لايستطيعوا الاستقرار في علاقة طويلة لأنهم مازالوا يشعرون دائمًا أن هناك شخصًا آخر أفضل. هؤلاء هم الأشخاص الذين يكنسون أخطائهم على جنب وينتجون سلبية في الكون.

يجب أن ندرك حقيقة حتمية مفادها أن الحياة قصيرة، وليست كل أحلامنا ستصبح واقعًا. لذلك يجب أن نختار بعناية ماهو الأفضل لنا ونلتزم به.

لكن الناس يعلقون في المرحلة الثانية في أغلب أوقاتهم في محاولة إقناع أنفسهم بأن الأمر هو عكس ذلك: أنهم بلاقيود، ويستطيعون تجاوز هذا كله، وأن حياتهم عبارة عن نمو مستمر، مع أن غيرهم يرون بوضوح بأنهم بالكاد يركضون في مكانهم فقط.

بالنسبة للشخص العادي، تبدأ المرحلة الثانية في منتصف الرشد إلى آخره، وتستمر إلى منتصف العشرينات أو الثلاثينات. نستطيع تصنيف الأشخاص الذين يبقون في المرحلة الثانية ب “بيتر بان” بسبب الشباب اللانهائي، يكتشفون أنفسهم بشكل دائم لكن لايجدون شيئًا.

المرحلة الثالثة: الالتزام

في اللحظة التي تضغط فيها على حدوك وتكتشف قيودك (الرياضية أو فنون الطهو مثلًا)، أو تكتشف فيها إنتاجيتك المتناقصة لبعض النشاطات مثل (الحفلات، أو ألعاب الفيديو، أو ممارسة العادة السرية) ستجد أن لديك شيء مهم، أو ستكتشف الشيء الذي لست سيئًا فيه. حان الوقت لأن تضع بصمتك في العالم. 

المرحلة الثالثة هي التعزيز الحقيقي للشخص في الحياة. ستتخلى عن الأصدقاء الذين استهلكوك أو منعوك من الاستمرار. وستترك النشاطات والهوايات التي تضيع من وقتك. وستستغنى عن الأحلام القديمة التي لن تصبح واقعًا.

بعد ذلك، ستبذل جهدك في الأمور التي تتفوق فيها والتي تحبها. وستبذل طاقتك في العلاقات الأكثر أهمية بالنسبة إليك. وستعطي كل اهتمامك لمهمة واحدة في الحياة، سواء كان ذلك العمل على مشكلة الطاقة في العالم، أو أن تصبح مصمم جرافيك، أو تكون خبيرًا في الدماغ، أو أن يصبح لديك أطفالًا. إذن، فالمرحلة الثالثة هي أن تفعلها.

المرحلة الثالثة أن تزيد من احتمال وجودك في هذه الحياة، عن بناء الإرث. مالذي ستتركه خلفك بعد وفاتك؟ ما الذي سيتذكرك الناس به؟ سواء كان ذلك بدراسة مهمة أو بمنتج جديد أو حتى بالإهتمام بعائلتك. المرحلة الثالثة هي أن تجعل العالم مختلفًا عما هو عليه الآن.

تنتهي المرحلة الثالثة بمزيج من أمرين: 

١- تشعر أنه ليس هناك الكثير لإنجازه،
٢- تشعر بأنك كبير في السن ومرهق وتحتاج إلى الراحة واللهو طوال اليوم.

بالنسبة للشخص العادي، فإن المرحلة الثالثة تدوم مابين الثلاثينات حتى يصل المرء إلى مرحلة التقاعد. والأشخاص الذين يظلون في هذه المرحلة لايعلمون كيف يتحررون من طموحاتهم أو طمعهم في الحصول على المزيد. فانعدام القدرة على التخلي عن القوة والتأثير الذي يريدونه يجعلهم جوعى حتى سن ال٧٠ أو ال٨٠ من أعمارهم. 

المرحلة الرابعة: الإرث 

يصل الكثير من الناس إلى المرحلة الرابعة بعد أن قضوا نصف قرن مستثمرين فيما اعتقدوا أنه مهم وذو معنى. فعلوا أشياء عظيمة، عملوا بجد، زرعوا ماحصدوه، من الممكن أنهم كوّنوا عائلة أو عملا خيريًا أو سياسيًا، لكنهم الآن قد انتهوا. بلغوا من العمر الذي لاتسمح به طاقاتهم وظروفهم بأن يستمروا بمقاصدهم لأبعد من ذلك. 

الهدف من المرحلة الرابعة ليس خلق إرث بمقدار التأكد من أن هذا الإرث سيستمر لما بعد الموت. وهذا قد يكون بسيطًا مثل تشجيع ونصح أطفالهم (الذين كبروا الآن). وقد يعني أيضًا تمرير مشاريعهم وأعمالهم إلى خلفائهم. وقد يعني كذلك أن يكونوا نشطاء أكثر ليحافظوا على القيم في مجتمعهم الذي لم يصبح مألوفًا كما السابق.

المرحلة الرابعة هي مهمة نفسيًا لأنها تجعل من واقع فناء الشخص أمرًا محتملًا. كبشر، لدينا احتياج عميق لأن نشعر بأن حياتنا تعني شيئًا. هذا يعني بأننا نواصل البحث عن حيل الدفاع النفسية ضد الحياة المبهمة وحتمية موتنا. 

حسنًا، ما المقصود من هذا كله؟

إن النمو خلال هذه المراحل يضمن لنا تحكم أفضل بسعادتنا وصحتنا. 

ففي المرحلة الأولى، يعتمد الشخص بشكل كلي على تصرفات الناس ورضاهم ليكون سعيدًا. وهذه استراتيجية بائسة لأن الآخرين لايُعتمد عليهم ولانتوقع أفعالهم.

أما المرحلة الثانية، يصبح الشخص معتمدًا على نفسه، لكنه يظل معتمدًا على النجاح الخارجي ليكون سعيدًا -جني المال، الأوسمة، الانتصارات.. الخ- كل هذا متحكم فيه أكثر من الناس، لكنه غير متوقع على المدى البعيد.

المرحلة الثالثة تعتمد على العلاقات والتجارب التي أثبتت أنها قوية خلال المرحلة الثانية. أما المرحلة الرابعة فتتطلب أن نتمسك بما أنجزناه لأطول فترة ممكنة.

في كل مرحلة، توجد السعادة بشكل أكبر في القيم الداخلية التي تحكّمنا بها، وبشكل أقل في الأمور الخارجية للعالم المتغير دائمًا.

الصراع خلال المراحل:

المراحل الأخيرة لا تُعوض المراحل الأولى. بل تتجاوزها. فالأشخاص في المرحلة الثانية مازالوا مهتمين برضا المجتمع. ومهتمين كذلك بشيء أكثر من رضا المجتمع. أما أشخاص المرحلة الثالثة فهم مازالوا مهتمين بتجربة حدودهم، وكذلك مهتمين أكثر بالتزاماتهم التي صنعوها لأنفسهم.

تقدم كل مرحلة عرضًا بأولويات المرء. لهذا السبب تتداعى العلاقات والصداقات بسبب انتقال الشخص من مرحلة إلى أخرى. فإذا كنت في المرحلة الثانية، وفجأة أردت الاستقرار والالتزام بالعمل في المرحلة الثالثة، بينما أصدقائك مازالوا في المرحلة الثانية، فسوف يكون هناك فجوة بين قيمك وقيمهم والتي ستجد صعوبة في تجاوزها. 

يستعرض الناس هذه المراحل الأربعة أمام غيرهم. فالأشخاص في المرحلة الأولى سوف ينتقدون غيرهم من خلال قدرتهم على الحصول على موافقة المجتمع. والأشخاص في المرحلة الثانية سوف ينتقدون غيرهم من خلال قدرتهم على تخطي الحدود وتجربة أمور جديدة. أما الأشخاص في المرحلة الثالثة فسوف ينتقدون غيرهم من خلال الالتزامات التي تعهدوا بها وكذلك من خلال إنجازاتهم. والأشخاص في المرحلة الرابعة سوف يحكمون على غيرهم من خلال القيم التي اتخذوها لحياتهم. 

أهمية الصدمة:

غالبا مايُصور التطور الذاتي بأنه أمر إيجابي مثل مرحلة وردية تتضمن الكثير من المتعة والتجول في حقول الأزهار. لكن الحقيقة أن الانتقال بين مراحل الحياة تسببه المصائب أو الصدمات في حياة الشخص. مثل تجربة الطلاق، أو علاقة صداقة فاشلة، أو موت شخص مقرب. 

الصدمات تجعلنا نرجع إلى الوراء ونقيّم أعمق محفزاتنا وقراراتنا. فهي تسمح لنا بأن نفكر جيدًا في مدى جدوى الطرق التي اتخذناها في البحث عن السعادة.

ما الذي يجعلنا عالقين؟

هناك أمر واحد يجعلنا عالقين في كل مرحلة: الشعور بالقصور الذاتي

يعلق الناس من حولنا في المرحلة الأولى لأنهم يشعرون بأنهم متخلفون عن الناس، وبذلك يضعون كل جهدهم في استيفاء الشروط التي يضعها غيرهم من أجل أن يراها الناس. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون أن ذلك ليس كافيًا.

يعلق الناس في المرحلة الثانية لأنهم يشعرون بأنه يجب عليهم أن يفعلوا المزيد، والأفضل، والجديد، والأكثر إثارة. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون دائمًا أن مايفعلونه ليس كافيًا. 

أما المرحلة الثالثة، فيعلق الناس فيها لأنهم يشعرون بأنهم لم ينتجوا التأثير الكافي في هذا العالم. مهما فعلوا، فإنهم سيشعرون دائمًا أن مايفعلونه ليس كافيًا. 

ويستطيع الشخص أن يقول أن الأشخاص العالقين في المرحلة الرابعة يشعرون بعدم الأمان لأن إرثهم لن يدوم وينتقل إلى الأجيال القادمة. فيروجوا لإرثهم حتى الرمق الأخير، ومع ذلك يشعرون أن ذلك غير كافيًا. 

الحل في كل مرحلة هو العودة إلى الوراء. فإذا أردت أن تتجاوز المرحلة الأولى يجب عليك أن تتقبل أنك لن تكون مرضيًا للناس طوال الوقت، وبالتالي يجب أن تتخذ قراراتك بنفسك. 

ولتجاوز المرحلة الثانية، يجب أن تتقبل فكرة أنك لن تفعل كل شيء تحلم به وترغب فيه، وبالتالي يجب أن تركز في مايهمك بشكل أساسي وتلتزم به. 

ولتجاوز المرحلة الثالثة، يجب أن تدرك أن الوقت والطاقة هما محدودان، وبالتالي يجب أن تعيد تركيزك في لمساعدة الناس بدلًا من بدء مشاريع جديدة.

أما بالنسبة للمرحلة الرابعة، فتجاوزها يعني أن تفهم جيدًا أن التغيير هو أمر حتمي، وأن تأثير شخص ما – مهما كان عظيمًا وقويًا ورائعًا- سيتلاشى في النهاية. 

وتستمر الحياة.


مقالة مترجمة بتصرف عن مارك مانسن
Four Stages of Life

نصطبر على الحياة بالفنون

Victoria Semykina
 

في طفولتي، كنت أبدي استغرابي من هؤلاء الذين يرتادون المتاحف، وينظرون إلى اللوح الفنية ويتأملونها جيدًا، ثم أعلق في نفسي ماهذا الملل؟

تغيّر رأيي هذا بالطبع عندما كبرت، وبعدما حاولت مرارًا أن أرسم مثل الفنانين. الرسم ليس سهلًا، ويتطلب الكثير من الصبر والمحاولات حتى أستطيع أن أرسم الشَعر أو العين بإتقان، وهذه هي البداية فقط. فأغلب اللوحات الشهيرة لاتدور حول الإتقان بقدر ما تكون عن الموضوع والسياق والإحساس الذي يحاول أن يوصله الرسام من خلالها. 

في اللغة الإنجليزية هناك كلمة تصف الشخص الذي ينظر ويتأمل اللوحة الفنية ويحاول أن يفهمها

 To appreciate

والكلمة العربية الأقرب لها هي التقدير، فتقدير الشخص للفن تكون بتأمله ومحاولة فهمه. وقد أصبحت أقدر اللوحات الجميلة، وأحب أن أتأملها وأجدها من متع الحياة.  

يقول برتراند رسل أن الإنسان يستعين على مصاعب الحياة بممارسة الهوايات، فكلما كثرت هواياته واهتماماته كلما أصبحت ملاذًا له يهرب إليها عندما تحل به المصائب، والفنون تعد من الاهتمامات. ونحن نصطبر على الحياة بالفنون، نستمع إلى أغنية جميلة في الصباح، نقرأ فصًلا من رواية في العصر، ثم نشاهد فيلمًا أو حلقة من مسلسل في المساء. هذا هو اليوم المثالي. 

الكتب، والأغاني، والأفلام والمسلسلات، ,والشعر، واللوح الفنية، والأعمال اليدوية، والخط العربي، والصور الفوتوغرافية، وواجهات البيوت الجميلة التي نراها في يوم ممل ونحن بداخل سياراتنا كلها من الفنون. أحسد السحرة الذين يحولون ورقة بيضاء مملة إلى صورة في غاية الجمال باستخدام الأقلام، وأغبط هؤلاء الذين يصفون أحاسيسنا المتناثرة بجُمل مركبة، ويُدهشني الشخص الذي يُظهر لنا جمال منظر اعتدنا على رؤيته في صورة التقطها بكميرته. تترجم الفنون المبهمات، وفي ذلك يقول ألبير كامو ”إذا كانت الحياة مفهومة، فلن يكون هناك فن“.

تكمن أهمية الفنون كذلك أنها تُشعرنا بأننا غير منفردون بالألم، فهناك من يشاركنا الألم ذاته. فعندما تغمرك الوحدة آخر الليل، قد يصلك قول أم كلثوم وهي تصدح ”نام الوجود من حواليا وأنا سهرت في دنيايا“. أما إذا شعرت بالعجز وانفضاض الناس من حولك فقد يعزيك جريجوري في مسخ كافكا، ولو أحسست بالضيق فقد يهون عليك قول الطغرائي:

أعلل النفس بالآمال أرقبها .. ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ    

في مسلسل الأطفال الشهير”بيبا بيق أو الخنزيرة بيبا“ يظهر السيد بطاطس وهو يقول ”تذكروا دائمًا بأن تأكلوا الخمسة“ وهو ينصح الأطفال بأن يتناولوا ٥ أنواع من الخضروات والفاكهة بشكل يومي. أما نصيحتي هي أن تكتشفوا وتتذقوا ٥ ألوان جديدة من الفنون بشكل أسبوعي، وبهذا يكون اصطباركم على الحياة.

مخرج:  

رواية “صورة دوريان غراي” لأوسكار وايلد، اقرأوها، فهي تحكي عن الفن