المناقشات المشّاءة

هل جربتم الثرثرة مع صديقكم المفضل خلال المشي لمسافات طويلة؟

في هذه الأيام التي يصعب فيها مواجهة الشمس تستثيرني بعض الذكريات، منها ذكريات المشي لساعات طويلة مع صديقتي غادة. كنتُ أقابل غادة في ساحة جامعة ميغيل أو كونكورديا، ومن ثم ننطلق على أقدامنا إلى شرق مونتريال ونحن نتحدث في أي موضوع يتبادر إلى الذهن. قد تبدأ النقاشات حول الدراسة وعن خططنا مستقبلية، لكننا مانلبث أن نعرج على معنى السعادة ونظرتنا إلى الوجود. ليس هناك أي قواعد لهذه الرحلة. أستطيع مقاطعة غادة وهي تتكلم معي في أمر مهم لأقول لها ”شوفي كيف هذه البناية شكلها حلو“ ومن ثم نتحدث متحسرين عن عدم اهتمامنا بتصاميم المباني وننسى موضوع غادة المهم. تستطيع هي أن تضحك على طريقة كلامي فجأة وبعدها نعود إلى موضوع كنا نتناقش فيه قبل ساعة لأننا أصبحنا لاندري عما كنا نتحدث عنه قبل قليل. من الممكن أن تشرح لي بإسهاب مطوّل في نصف ساعة عن أمر تستطيع أن تقوله في ٥ دقائق، لكنني أصغي إليها جيّدًا. قد ندخل فجأة إلى محل قهوة لنجربه، أو إلى محل آخر لنتحدث مع صاحبه، أو قد نقف قليلًا لنلتقط صورة لعبارة مكتوبة على الجدار.

سقراط كان ”من أعظم المشائين“ كما يقول جبرا ابراهيم جبرا، بل وإن “الكثير من الأفكار الفلسفية اليونانية تبلورت في أذهان أصحابها وهم يتمشون ساعات طوالا في أكاديمية أفلاطون وأرسطو”. لا أقول أنني وغادة قد أصبحنا فلاسفة بمجرد المشي- مع أنني أؤكد حصول هذا الأمر بمعناه الشعبي المتداول- لكن هذه الرحلات الجميلة أثْرتني كثيرًا. فقد نتج عنها زيارات لمسجد صوفي، ومعبد يهودي، ومحاضرات، ومحلات عربية، ومقاهي متنوعة، وبالطبع أسئلة ونقاشات مفيدة ومخططات والكثير الكثير من الضحك.

”كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي“ هكذا يقول نيتشه، لكن لابد أن تكون أفكار المرء عظيمة إذا كان يمشي مثل نيتشه في ربوع سويسرا. عمومًا، هناك دراسة تُفيد بأن المشي يُنتج الأفكار الإبداعية وإن كان ذلك على جهاز السير الكهربائي، لكن أين توجد الصحبة أثناء المشي على السير؟

هنا بعض الصور التي التقطتها أثناء رحلات المشي مع غادة

عند الإشارة.. تكون الساعة الثانية مساءً

هل تذكرون أول مرة استخدمتم الساعة في حياتكم؟

  • كانت أول ساعة معصم اقتنيتها هي الساعة التي اشترتها لي أمي عندما كنت بصحبتها في سوق المدينة الدولي. كنتُ في السنة الرابعة الإبتدائية أي أن عمري كان حينها ٩ سنوات. الساعة فضية اللون، وبداخلها عقارب ذهبية. كانت بسوار مطاطي، سهلة اللبس. أما شكل المينا فأذنيّ ميكي ماوس، وبداخلها رسمة ميني ماوس. كانت الساعة رائعة بحق-مازلت أحتفظ بها-، وكنت انتبه للوقت من خلالها بالأخص أوقات الحصص المدرسية ووقت الطابور والانصراف.
    كنتُ ألبس الساعة في اليمين وكنتُ أعدّه أمرًا طبيعيًا لأنني استخدم يدي اليمين في الكتابة، حتى نادتني أبلة القرآن وأخبرتني أن أضعها في معصمي اليسار “لأن الساعة تُلبس في هذا المكان”. بعدها أصبحتُ ألبس الساعة على معصمي اليسار دون أن أعرف الحكمة من ذلك.

  • كانت لدينا ساعة حائط من سيكو في صالة الجلوس تدّق كل ساعة بنغمة مطولة، وكل نصف ساعة بنغمة خاطفة سريعة. حركات عقارب هذه الساعة ودقاتها تجلب لي العديد من الذكريات السعيدة: وقت المسلسلات الكرتونية، قرب رجوع أبي من خارج المنزل، اقتراب موعد طعام الغداء، الوقت الذي أصبح فيه متأخرة عن المدرسة، وأوقات الصلوات… 
  • عندما كنت أتجهز في أيام المدرسة لمذاكرة اختبار مادة تعيسة تتطلب الكثير من الصبر، كنتُ أضع ساعة أمامي وأقول لنفسي ”سأنتهي من هذه الجزئية- قد تكون صفحة أو أقل- بعد ٢٠ دقيقة بالضبط، عندما يُشير عقرب الساعة الكبير إلى ٤“ وابدأ في المذاكرة بتركيز شديد ومتواصل دون انقطاع.بعد سباق مع الزمن انتهي من الجزء الذي حددته وانتقل إلى الجزء الذي بعده فأتبين مدى صعوبته وأحدد الوقت المناسب له وهكذا، أكرر هذه الطريقة حتى إذا أخذني الإرهاق حددت لنفسي راحة مدتها نصف ساعة بالضبط. إلى أن انتهي من مذاكرة المادة.هذه الطريقة حفظت لي الكثير من الوقت أيام الاختبارات، وكذلك خلصتني من التوتر. إذ أنني كنتُ أشعر بأن الوقت سيداهمني فلابد من التركيز، على خلاف صديقتي التي كانت تذاكر اليوم كله لكن كان وقتها يضيع بسبب المُشتتات خلال اليوم. أما أنا فيومي كان مابين المذاكرة والراحة وأحيانا اللهو.عندما كبرت تعلمتُ أنه عندما ترغب في كتابة هدف ما تود تحقيقه، فإنه يجب أن يكون هذا الهدف:
    ١- قابل للقياس
    ٢- واقع من الممكن تحقيقه
    ٣- وأن يكون محدد بزمن معيّن
    فمثلا، لايصحّ قول ”أود أن اقرأ الكثير من الكتب هذه السنة“ إذ أن الكثير هنا غير قابل للقياس من الممكن أن يكون الكثير ١٠ أو ١٠٠، ولا يصحّ ”أود أن اقرأ ٣٠٠ كتاب في السنة“ إذ أنه لايمكن تحقيقه- من يقرأ أصلا ٣٠٠ كتاب في السنة؟!- ، ولا قول ”أود قراءة ٥٠ كتابًا“ لأنه غير محدد بزمن، فيجب تحديد كمية الكتب المقروءة. أما عبارة ”أود أن اقرأ ١٢ كتابًا في السنة“ فهذه هي الصيغة المثالية.

    بالطبع كان الهدف في مذاكرتي أمر من الممكن تحقيقه، قابل للقياس (صفحة أو أقل)، ومحدد بزمن معين (نصف أو ٢٠ دقيقة).

    انتقل سباقي مع الساعة إلى يومي هذا ولكن بشكل آخر، فحين يداهمني أمر يقلقني وأرغب بشدة في التخلص منه – كموعد لطبيب الأسنان – فإني أضع المنبه على وقت خروجي من العيادة. فإذا حل اليوم التالي وانتهيت من زيارة طبيب الأسنان وكنت في السيارة عائدة إلى المنزل إذ فجأة أسمع صوت المنبه، فأتذكر أنني تخلصت مما كان يقلقني وأشعر بسعادة بالغة. مع توتري، أنسى في كل مرة أنني وضعت المنبه.
    اتبع هذه الطريقة في أمور مختلفة: اجتماع، مقابلة، اختبار، نهار مليء بالمشاغل.. جربوها وتذكروا عند كل أمر يقلقكم أن هذا الوقت سيمضي ويمضي الأمر معه.

  • كنتُ أهاتف أبي رحمه الله يوميًا لسنوات على الساعة ال١٠ مساءً بتوقيت السعودية (أما بتوقيت كندا فالساعة ٢ أو ٣ ظهرًا على حسب التوقيت الصيفي أو الشتوي)، وكان أبي رحمه الله ينتظر اتصالي عند الهاتف في ذلك الوقت، فإذا مر يوم دون أن أتصل عليه يخبرني في اليوم التالي أنه انتظرني عند الهاتف طويلا. عندما مرض أبي ثم تُوفي، احتجتُ لأن أُشغل نفسي ما بين الساعة ٢-٣ حتى أتناسى وقت المكالمة. مرت شهور طويلة، ومازلتُ أشعر بالحزن كلما حلّت الساعة ٢ ظهرًا. 

عن الهدايا


لأهل المدينة مَثَل جميل ” أنا غنيّة وأحب الهديّة“ ويعني أنه مهما كان لديّ ثمن الهدية إلا أنني أحب أن يُهدى إليّ. ومن لا يحب أن يُهدى إليه؟

كان أبي رحمه الله دائمًا مايذكرنا بعزة النفس والاستغناء عن الناس، ومن ضمن الاستغناء هذا موضوع الهدايا. أذكر أن أهدتني صديقتي في الصف الثالث الإبتدائي مقلمة فما كان من أبي إلا سألني عن سبب الهدية، وإذ لم يكن لها مناسبة فقد أمرني بأن أردها إلى صديقتي حتى لايصبح لها ”جميلٌ“ عليّ. تدخلت أمي وأوضحَت له أن أطفال ”اليومين هذه“ هم هكذا يُهدون بعضهم بعضًا بمناسبة ومن دون مناسبة، وأن الهدية بسيطة ليس لها قيمة تُذكر، وبعد محاولات منها أنقذت نجلاء الصغيرة التي تعلق قلبُها بالمقلمة.

كنتُ من أطفال ”اليومين هذه“ فقد أحببتُ إهداء الهدايا بمناسبة وبدون مناسبة.
كان مصروفي اليومي ٣ ريالات، أمر في كل صباح بالبقالة المجاورة لمنزلي قبل أن أذهب إلى المدرسة، واشتري عصيرًا، وتشيبسًا، وهدية (نسر ورقي، بالون صغير، ملصقات، أو حلوى..). ثم إذا حان وقت الفسحة ناديتُ زميلاتي بصوت عال ”مين تجاوب على سؤالي تاخذ هدية؟“ وأكرر ذلك، اسألهن فزورة قرأتها في إحدى مجلات ميكي أو من مجلدات شريف العلمي وأُهدي الفائزة جائزة قيمتها ثلث مصروفي.

لي زميلة إلى الآن تذكرني لأنني أهديتها في الصف الثالث الإبتدائي ألوانًا خشبية صغيرة للغاية (لم أرها منذ تلك الأيام لكني تواصلت معها عبر الشبكات الإجتماعية). بالطبع لا أذكر الهدية.

مرت سنوات عديدة حتى تزوجت وأُهديت إلي هدايا قيّمة من الأهل والمقربين، ولذلك نصحني أبي رحمه الله بكتابة أسماء هؤلاء الذين أهدوني وهداياهم في دفترٍ صغير أحتفظ به حتى أتذكر أن أرد لهم”الجميل“ مستقبلًا. كان أبي رحمه الله يرى الهدايا -خاصة الثمينة- عبئًا، فقد نشأ يتيمًا لايريد أن يتفضّل أحد عليه بشيء، ولذلك كان يُقيّم الهدية وعندما تحين الفرصة يُهدي لصاحبها هدية أجمل منها. جميلٌ يجب أن يُرد بأفضل منه.

أعتقد أن العديد منا أُهديت إلينا هدايا لانحتاجها، أو لاتناسبنا، أو لم تعجبنا. لانريد أن نحتفظ بهدية لن نستخدمها وستأخذ حيزًا من منزلنا. ما العمل؟ فلنُعيد تدويرها.
أهدتني صديقتي الأمريكية عطرًا –فلاور بومب– من فيكتور اند رولف، وهو عطر غال الثمن نسبيًا، يبلغ ثمنه حوالي 165 دولارًا أمريكيًا، وهو بالمناسبة أعلى ثمنًا من عطر شانيل نمبر فايف بحجم ١٠٠ مل- نستطيع أن نقارنه بعطور توم فورد غير المركّزة-. كانت صديقتي كريمة للغاية لدرجة أنها وضعت مع العطر فاتورة الشراء من محلات ميسيز الأمريكية حتى أتمكن من استبدال العطر. لايعجبني العطر إطلاقًا، ولم أكن لأُهديه لو أنها لم تترك معه الفاتورة. لا أحب أن أُهدي شخصًا عطرًا لا يُعجبني. لذلك أخذته مع الفاتورة إلى ميسيز واستبدلته بعطر من شانيل- أهديته فيما بعد- وحصلت بباقي المبلغ على واحد او اثنين من مستحضرات التجميل.
أعجبني التصرف هذا للغاية، فأصبحت فيما بعد أضع مع الهدية فاتورة الشراء (لا يظهر عليها السعر) يستطيع الشخص أن يستبدلها بشيء آخر يحبه.

تناقشت مع صديقتي عن موضوع الهدايا، وأخبرتني عن ساعة أُهديت إليها بمناسبة تخرجها ويبلغ ثمنها حوالي ال٣ آلاف ريال ، قد يكون سعر الساعة معقولًا بالنسبة إلى البعض، ولكنه رقم كبير في حيز الهدايا. هذا يعني أن هناك شخص أهدى إليك (أعطاك) ٣ آلاف ريال. لم تعجبها الساعة، ولاتستطيع بيعها أو استبدالها في المحل (لاتوجد معها فاتورة شراء). حاولت أن تلبسها مرة ولكنها لم تطق منظرها الكبير على رسغها الصغير. لا تريد أن تُهديها لأنها لاتُمثّل ذوقها. كل هذا ليس مهمًا فهي قد تتبرع بها، إلا أنها تُدين بثمن الساعة لزميلتها السخيّة مستقبلًا. فإذا حلت مناسبة لها، فلن تستطيع أن تُهديها هدية بأقل من ٣ آلاف ريال- أو على الأقل حول هذا المبلغ. تخيّل أن تأتيك هدية قيّمة نسبيًا لا تعجبك، ثم تضطر أن تُهدي مستقبلًا هدية فوق ميزانيتك.

لاتُهدي هدايا مرتفعة الثمن إلا لأهلك، ثم للمقربين من أصدقائك في المناسبات الكبيرة. أنت تعرف ذوقهم جيّدا. ولن تتورط-غالبًا- في شراء هدية لن تعجبهم أو لم يُلمحوّا مسبقًا عن قصد أو دون قصد بإعجابهم بها. ماذا عن البقية؟
إن كانت المناسبة بسيطة فاقترح أن تجعل الهدية كذلك، وإن لم يكن هناك مناسبة. أما إن كانت كبيرة (كالتخرج، والزواج، والولادة..) فلتبحث عن أشخاص يُشاركونك قيمة الهدية. ليس هناك هدية أفضل من المال. ولتقديمه كهدية بطريقة جميلة، اشترِ به جنيهًا أو أكثر من الذهب وقدّمه، أو ضع مبلغًا من المال في بطاقة بنكية هدية (ماستر كارد) يشتري به المُهدى إليه مايشاء.

أفكار لهدايا بسيطة:
كوب. كفر آيفون. شمعة معطرة. كتاب. فاصل كتاب. جوارب دافئة للمنزل. دفتر. نبتة. قسيمة لقص الشعر أو لعمل الأظافر أو جلسة مساج. شاحن متنقل. قسيمة شراء من مقهى أو مكتبة. بيجاما. اشتراك شهري في نتفلكس. رصيد آيتونز. بن أو شاهي فاخر. كبسولات قهوة. قاعدات أكواب. بطانية صغيرة تُستخدم في المنزل في الشتاء. حافظ حرارة للقهوة أو الشاي. مجموعة صوابين عطرية أو كرة الرغوة من محل لش. لعبة اجتماعية ”سعودي ديل مثلًا“. كريم يد بزبدة الشيا من لوكسيتان. لعبة بازل للوحة الموناليزا أو إحدى لوحات فان جوخ. دفتر تلوين لرسومات معقدة. شرشف صلاة. مخدة مريحة. صحن صغير للمجوهرات اليومية أو حامل الخواتم. أجندة. مجموعة الإعتناء بالأظافر مع مناكير. شبشب منزلي دافئ مع كريم للأرجل. مجموعة عناية للوجه (صابون، مقشر، كريم). ألواح شوكولاتة.

لاتتورط في شراء الهدايا لأشخاص بالكاد تعرفهم. سوف تُحمّلهم ونفسك عبئًا ثقيلًا . نفس الصديقة أخبرتني باعتيادها في شراء الهدايا لكافة الزميلات في العمل. ”على الأقل مائة أو مائتين ريال تذهب شهريًا في (قطة) الهدايا لزميلات العمل. زميلات في الأقسام الأخرى بالكاد أعرفهن. أخجل من قول ”لا“ فيظنوني بخيلة. أحيانًا أشعر بأنني لاأحب رؤية مائة ريال تذهب لإنسانة بالكاد أراها بسبب المجاملة!“.

خاتمة: في مسلسل بريكنق باد، يُهدي ”مستر وايت“ صديقه الثري هدية متواضعة للغاية في عيد ميلاده، كيس صغير من الرامن (نودلز ياباني شبيه بالأندومي)، يفتح الصديق الهدايا الثمينة أمام أصدقائه الأغنياء ثم يأتي دور هدية مستر وايت الذي يكاد يذوب خجلًا بسبب هديته. هذا التقليد المتأمرك أصبح منتشرًا لدى  البعض الذين يفتحون الهدايا أمام الجميع في نهاية المناسبة، ولدى هؤلاء الذين يستعرضون بهداياهم في وسائل الشبكات الإجتماعية -سنابتشات بالأخص- ويذيلون الصورة بعبارات الشكر.

ما لم نتعلمه في المدرسة: عن صحتنا النفسية، والجنس الآخر، والمال

خلال عشر سنوات، قرأتُ مئات الكتب وأجريت مقابلات وظيفية لأكثر من ٧٠٠ شخص. كانت الدوافع الأساسية في وظيفتي هي أنني أبحث عن الأجوبة. لدينا نكتة نتداولها في مقر عملي- بودكاست (انمستيكبل كرييتف)- أن اختياراتي للمواضيع عادة ماتكون انعكاسًا لمشاكل أحاول حلها في حياتي. لحسن حظي، يبدو أن أغلب المستمعين لنا هم أشخاص مهتمون بنفس هذه المشاكل. 

لكن إن كان هناك أمر أجده واضحًا بالنسبة لي، فهو أن العديد من المهارات الحياتية التي كان يجب علينا أن نتعلمها في المدرسة، لم نتعلمها للأسف. لا أستطيع أن أتجاهل فكرة كيف كان سيختلف وضعي عندما كنت أدرس في الجامعة، أو في وظيفتي أو في علاقاتي لو كانت لدي نفس المهارات الحياتية التي أحملها الآن في عمر ال٣٩ سنة. 

نموذجنا الحالي في التعليم ليس قديمًا، لكنه ليس مفيدًا. ففي عالم تستطيع أن تحصل فيه على المعلومات من كل مكان، تكون قيمة حفظ المعلومة هي اجترارها: اجتياز الإمتحانات ومن ثم الحصول على درجات ممتازة، وهذا كله يقلل من قيمة المعلومات. يقول (تشايس جارفيز) أننا نعيش في عالم يتجه فيه الناس إلى العمل في عدة وظائف، عالم يكبر فيه الأطفال ليعملوا في ٥ وظائف في آن واحد. لكن النموذج الحالي للتعليم من أجل إعدادهم لهذا المستقبل ليس له وجود. فإذا كان الهدف من التعليم هو جعلنا أشخاصًا نافعين، سعداء وأصحاء، فهذا الهدف فاشل إلى درجة بعيدة. 

عندما بدأتُ في كتابة هذا المقال، سألت الناس في حسابي على فيسبوك عن المهارات الحياتية التي كان يجب أن نتعلمها في المدرسة، ولكننا لم نفعل. لم أحصل فقط على إجابات لهذا السؤال، بل واتضح لديّ أن هناك ٣ محاور تدور حولها هذه الإجابات:

١- الإهتمام بصحتك النفسية:

في مطلع عام ٢٠٠٧، قامت الفتاة التي أواعدها خلال شهرين بالإجهاض بعد علاقة عاصفة تعبت فيها نفسيتي كثيرًا حتى كدت أن أطرد من وظيفتي، ورُفضت من قبل كليات الأعمال التي قدّمت عليها للدراسة فيها. كانت هذه الفترة من أقسى الفترات في حياتي. 

لم تتحسن نفسيتي عندما حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (بيبرداين)، فقد وجدت نفسي بعدها عاطلًا عن العمل، وأعيش مع والديّ في سن ال٣١، بينما كانت أختي تدرس الطب بعد حصولها على معدل دراسي مرتفع. شعرتُ بأن أختي كانت مصدر فخر لعائلتي بينما كنتُ بالنسبة إليهم مصدر إحباط وخيبة. كان هذا اختبارًا كبيرًا لقدرتي على الإهتمام بصحتي النفسية وكان أيضًا محفزًا لمسيرتي في بناء مشروعي بودكاست (انمستيكبل كرييتف) خلال العشر سنوات الماضية وجعل هذا المشروع على ماهو عليه الآن.

الإهتمام بصحتنا النفسية أمر مهم حتى نتمكن من العيش في هذا العالم الزائل -كما يسميه أحد أساتذتي-. يجب علينا أن ندرك كيف نتعامل جيدًا مع أوقات الشدة والرخاء، وأن لانقيّد أنفسنا بالأحداث والظروف الخارجية، وأن نظهر في وسط العالم كأشخاص فعّالين، غير متحطمين من الداخل. 

لكن لاشيء من هذا تعلمناه في المدرسة. بل على العكس، فإننا نحكم على الطلاب من درجاتهم وقبولهم في الجامعات القوية. وهذا الحكم يلاحقنا كأشخاص بالغين. نطارد أنفسنا من أجل الحصول على وظائف ممتازة، وعلى المزيد من المال، وعلى شركاء أفضل. لكننا لا نبذل جهدًا في تعليم الآخرين كيف يديرون علاقاتهم مع أنفسهم، وهي العلاقة الأكثر أهمية في حياتهم.

مهما كان الأمر الذي تود بلوغه، سواء كان البدء في مشروع أو الدخول في علاقة عاطفية، أو الإنتهاء من عمل إبداعي، يجب عليك أن تتعلم كيف تهتم بصحتك النفسية. في هذه المقالة، قسّمت إدارة الصحة النفسية إلى التصنيفات التالية:

 تقدير الذات واحترام الذات:

 كيف؟ احترام وتقدير الذات يتشكلان بسبب عنصر خارجي. فبعض الناس يشعرون بتقدير الذات عندما يترقون في الوظيفة، أو بتصدر كتابهم لأن يكون الأكثر مبيعًا، أو ببيع مشروعهم الريادي. وعند البعض الآخر، يشعرون بتقدير الذات مع شريك الحياة. لكن طالما أنك تحاول أن تملأ الفراغ بشيء خارجي، فإنك بذلك تحاول أن تملأ حفرة لا قعر لها: عندما تحل مشكلة، تظهر مشكلة أخرى. 

في السنوات اللي كنت أبني فيها مشروع (انمستيكبل كرييتف)، انتقلتُ من منزل والديّ أخيرًا، والذي كان بالنسبة إليّ مشكلة واضحة ينصب تركيزي عليها. انتقلتُ إلى مسكن يبعد عن الشاطيء بحوالي دقيقتين – وهذا أمر كنت أرغب به منذ أن حصلت على فرصة هناك قبل ٩ سنوات. حصلت على وظيفة جعلتني متحدثًا أسافر بين المدن، ومنحتني الفرصة لأن أدوّن كتابي الثاني مع توفر ناشر له. لشهرين، كنت في سعادة غامرة، فمشكلة الوظيفة قد حُلت أخيرًا ولكن ظهرت مشكلة أخرى، العلاقات العاطفية.

فعندما كان عيدميلادي ال٤٠ يقترب، شعرتُ بضغط هائل من أجل البحث عن امرأة مناسبة. لكن خلال هذه العملية، سلّمت تقديري الذاتي إلى شأن خارجي، وهو تقبل الجنس الآخر لي. هذا النمط سيتكرر كثيرًا في حياتنا حتى نتوصل أخيرًا إلى حقيقة مفادها أن تقدير الذات يجب أن لا نحصل عليه من العوامل الخارجية. فطالما أننا نبحث عن احترامنا لذواتنا عن طريق أمر خارجي، فسيكون هذا الإحترام متذبذبًا على الدوام.

”الثقة الحقيقية هي أن تستثمر في إدراكك لذاتك بدلًا من إدراك الآخرين لك“ – مارك مانسون 

يجب أن لا يكون ”كيف ينظر الآخرون لنا“ هو العامل المحدد في تقديرنا لذواتنا. وكما قال أستاذي، نك نوتاس، عندما سألته عما إذا كانت مقابلة فتاة أخرى تجعلني أنسى النساء اللواتي لم تنجح علاقتي معهن ”نعم ستنسى، لكنك ستظل تجري وراء تقدير الذات من خلال عامل خارجي، وسيصبح ذلك مثل إدمان المخدرات. فإذا لم ينجح الأمر، فإنك ستعود حتمًا إلى نقطة البداية“. 

هناك أشياء قليلة في الحياة أكثر تحررًا من التخلي عن حاجتك إلى أن تكون محبوبًا من الجميع. هذا الأمر ليس مستحيلًا فقط وخارج عن إرادتك، بل مرهق للغاية. 

عندما تتخلى عن هذه الفكرة، سيحدث أمران:

١- ستتوقف عن إضاعة وقت ومجهود كبيرين. 

٢- ستصبح علاقاتك مع الناس في حياتك أكثر عمقًا وجودة بشكل كبير.

ستصبح شخصًا لايعتذر كثيرًا ويبرر للناس ماتفعله، شخصًا أفضل مما عليه الآن. وهذا في المقابل سيزيد من تقديرك لذاتك لأن قيمتك لا تعتمد على ما الذي يتقبله أو لا يتقبله الناس منك. سيصبح سلوكك ”هذا أنا، تقبلوني أو ارفضوني. إذا رفضتوني فذلك لأن الوظيفة ليست مناسبة لي، وكذلك تلك العلاقة وذلك الشخص الخ.

تقبل ذاتك وكونك شخص ممل بالنسبة للناس:

”عندما يكون مظهرنا الظريف أمام الناس أهم بالنسبة إلينا من إظهار ذواتنا الشغوفة والساذجة والمحبة، حينها نحن نخون أنفسنا“.

تقبل الذات يعني التحلي بالشجاعة لأن تظهر كشخص غير مزيف، قابل لأن تكون مخطئًا. كما يعني أنك لا تختبئ خلف أقنعة تخفي سلوكياتك الغريبة. حينها ستجد العالم أصبح أكثر خفة. أما الناس الذين لا يتقبلونك فهم ليسوا مهمين لأن تقبلهم لك لايحدد ماتعتقده عن نفسك. أنت تختار من ترى رأيه مهمًا بالنسبة لك.

لانتعلم هذا الأمر في المدرسة. والنتيجة هي أن الأطفال الذي لايحسون أنفسهم محبوبين من قبل الناس يجدون أنفسهم مضطرين للإستمرار في المدرسة.

ستتعجب كثيرًا من كمية المجهود الذي نبذله من أجل أن نكون ”ظريفين“ ومقبولين أمام الناس. نختار صورنا في انستقرام بعناية، وكذلك كلماتنا في فيسبوك. نحن حذرون في اختياراتنا حتى لا نُتهم بأننا أشخاص عاديون. لكن المجهود الذي نبذله حتى نكون جذابين، هو مجهود كبير للغاية. وللأسف، لا نتعلم في المدرسة كيف نتقبل قصصنا التي من الممكن أن تكون مملة. في الحقيقة، تعلمنا المدرسة كيف نبحث عن رضا الناس الذين لا تتربط آرائهم بحياتنا. 

أدركت الآن أننا كلنا أشخاصًا مملين. سواء كنتِ أجمل فتاة في المدرسة، أفضل لاعب في الفريق، أو أكثر شخص يحصل على ترقية في وظيفته، كلنا ذلك الشخص الممل. 

سيتطلب الأمر إلى مزيد من الشجاعة لتكون مملًا في نظر الناس، عندما تسقط الأقنعة التي نلبسها. كونك شخص ظريف أمام الناس له ضريبة كبيرة، تحتاج لأن تعيش وفق توقعات الآخرين عنك. لكن كونك شخصًا مملًا تأتي معه الخفة التي تحررك من هذه التوقعات.

”عندما تتقبل نفسك ستجذب الآخرين ليتقبلوك كما أنت. لكن عندما تحمل عن نفسك فكرة تقلل من ذاتك، سيوافقك الآخرون على ذلك“.

الحدود:

الخوف من إزعاج الآخرين أو إحباط شخص ما، يجعلنا نزيل حدودنا أمام الناس، فنتحمل تصرفات لانحبها، ونجعل الآخرين يتعرضون لنا ويحتقرونا. عندما لا تضع حدودًا للآخرين هذا يعني أنك تفتقد إلى احترام الذات. الحدود القوية تغيظ بعض الناس، لكن تجعلنا في مواقف أقل ضررًا لصحتنا. الحدود القوية تدعم تقديرنا للذات.

القناعة:

في ثقافتنا، نجد أنفسنا مهووسين بفكرة أن هناك شيء نفتقده في حياتنا، ويجب علينا حينئذ أن نصل الفراغ بين توقعاتنا والحقيقة حتى نكون على مايرام وهذا ينبع من اعتقادنا أننا ناقصين وهناك أمور تنقصنا، فتصبح النتيجة أننا نحاول أن نملأ الفراغ في حياتنا والحفر التي في قلوبنا بأمور خارجية. عندما تكون نظرتنا إلى العالم أن هناك شيئًا ما يجب أن نغيره من أجل أن نصبح أفضل، سيحركنا النقص بدلًا من القناعة، لنكتشف بعدها أنه ليس هناك شيء أو شخص ما يستطيع أن يملأ هذا الفراغ. سنشعر دائمًا بالنقص بطريقة أو أخرى. 

لكن عندما تتغير نظرتنا واعتقاداتنا إلى فكرة أننا مكتفين بذواتنا، ولدينا مانحتاجه، وليس هناك أي شيء ينقصنا، سندرك حينها أن ليس هناك مصدر نستطيع أن نكتفي منه.

أعطي الأولوية لسعادتك:
عندما نقدّم سعادة الآخرين على سعادتنا، فإننا نقدم لنا ولهم خدمة سيئة للغاية. لسنا على حقيقتنا، وهذا الاستنزاف سيقودنا إلى طريق مسدود. عندما نضحي بقيمنا ومبادئنا في الوظيفة التي نتقدم لها، أو الشخص الذي نحبه، أو الصداقات في حياتنا، أو حتى المشاريع فإننا نخسر طاقاتنا ونفقد سعادتنا. وفي بعض الأحيان، يصبح التخلي عن الأمور أو الأشخاص الذين لايستحقونا هو مايجلب لنا السعادة الحقيقية ويجعلنا نكتشف ذواتنا الحقيقية. إن إرادة التخلي ليس له علاقة بالعناد لكنه إلتزام بالقيم والمبادئ. إذا لم نكن واعيين، فإن تضحياتنا ستتحول في النهاية إلى غضب حقيقي.

عالج سلوكك:
لا نتعلم في المدارس معالجة السلوك أو الطرق التي نتخذها. فالعلامات المدرسية هي التي تقرر أنك طالب متفوق في مادة معينة. وهذا القرار المؤقت يصبح قرارًا دائمًا، وينتج عنه فيما بعد توقعات وحسرات وتعلقات غير صحيحة. وفي أسوأ الحالات، يجعل الأشخاص لا يتخذون أي قرار على الإطلاق. وحدهم الأشخاص الناجحون هم من يركزون على الطريقة لا على النتيجة.

عندما تعمل على معالجة السلوك، فإن النتائج تتفوق على توقعاتك لأنها تسمح لك بمعاينة التقدم الذي تحرزه، فترفع من معنوياتك، وتخلق لك دائرة من النشاط تعطيك طاقة دائمة.

حب الذات والإهتمام بالذات:
حب النفس والإهتمام بها يبدأ من تقبل الشخص لذاته والتسليم لظروف الحياة. بالطبع هناك فرق بين التسليم والاستسلام، فالتسليم يأتي بسبب التقبل والإكتفاء. أما الاستسلام فإنه بسبب المقاومة والنقص. عندما يكون نقد الذات مؤلمًا ودائمًا، فإنه يجعلنا نعيش في حياة غير منجزة. يجب أن ندرك السؤال الذي قالته ”آنا يوسم“ في كتابها ”مُنجز“:

”هل نتج عن هذا النقد الذاتي أي تغييرات إيجابية دائمة في حياتك؟“

عندما تفعل ماتستطيعه لتجعل علاقتك مع ذاتك رائعة، فإن هذا يعزز من تقديرك ولإحترامك لذاتك. وهذا يعني أننا يجب أن نضع الإهتمام بالنفس أولوية في حياتنا ونستثمر في ذواتنا. 

الإهتمام بالذات لايرتكز فقط على الطعام الصحي والرياضة المستمرة. لكنه أيضًا يدور حول فعل أمور تجلب السعادة لنفسك. سمعت مرة من المعلم الروحي أنه قد يصبح تدخين سيجارة وشرب كأس من الويسكي من الإهتمام بالذات عندما تقرر ذلك. بالطبع لا أشجع على فعل هذا الأمر، لكن في بعض الأوقات قد يكون الإهتمام بالذات يعني أن تصرف ٢٠٠ دولار على بنطلون جينز أعجبك، أو الذهاب إلى صالون للحلاقة، أو لقص الشعر.. الإهتمام بالذات هو مزيج من الأنانية النافعة. 

أعرف جيدًا أنني شخص أسعد عندما أمارس رياضة ركوب الأمواج أو التزلج على الجليد. عندما أتحدث عن الإهتمام بالذات، فهاتين الهوايتين هما أمران غير قابلين للتفاوض. وبسببهما، أقدمت على مغامرة هذه السنة: حجزت رحلات متعددة من أجل التزلج على الجليد وكذلك رحلة لركوب الأمواج في سيرلانكا.

علاقتك مع ذاتك هي الأساس المتين لمقدرتك على التحكم بنفسيتك. اجعلها من أولوياتك وأحبب ذاتك كأن حياتك تعتمد على ذلك. 

المرونة:
تمر عليك أوقات في حياتك تفشل فيها في اختبار ما، أو يخرج من حياتك شخص لم تتوقعه، أو أن تُفصل من عملك، أو تخسر شخصًا تحبه. هناك مرات قليلة في الحياة يكون فيها من الضروري أن تحب نفسك. عندما تقع في مصيبة، أو تصاب بخيبة أمل، أو تمر بنكسة، وقتئذ تكون في أسوأ الظروف وأصعبها، لأن نقدك لذاتك حينها يكون قاسيًا- تتفكر كثيرًا ماالذي كان بإمكانك أن تغيره في الماضي. في النهاية تتعلّم من أخطائك، لكن يجب عليك أن تدرك أن فشلك لايحدد من أنت. فطالما ترى أن الفشل هو من يحدد الشخص، ستعاني كثيرًا.

نعتقد دائمًا أن الفشل هو من يحدد من نحن.. نحن من نجعل هذا الأمر المؤقت أمرًا دائمًا. نحن من نتخذ الرأي السلبي عن أنفسنا ونتخيله حقيقة. 

-إذا كان هناك شخص لايحبنا، نعتقد أن كل الأشخاص كذلك.
-إذا كانت هناك وظيفة لم نحصل عليها، نعتقد أننا لن نحصل على أي وظيفة بعدها.
-إذا أخذنا درجات سيئة، نعتقد بأننا أغبياء.

يجب علينا أن نتذكر الدرس الذي علمني إياه أستاذي والذي أتذكره على الدوام ”ظروفك المؤقتة هي ليست شخصيتك الدائمة“.

المصيبة هي واحدة من الإختبارات المهمة لتقدير الذات.
لحسن الحظ، نستطيع أن نتخلص من مصائبنا في النهاية. قبل أيام قليلة قرأت هذه المعادلة التي ألفها ”دان هاريس“ في كتابه ”التأمل، للمتشككين المتململين“
المعاناة= الألم x المقاومة

وأدركت حينها أنني وبشكل دائم أفعل كل شيء من أجل مقاومة الألم الذي أحس به كأن أخدّره عن طريق الكحول أو المخدرات. لكن مع الألم والمصيبة، يكون العلاج في بعض الأحيان هو العبور من خلالهما. أحبب ماسيؤدي بك الطريق، ابحث عن الفرص في الخسارة، واعتبر النهايات هي بدايات جديدة. تجبرك المصيبة على الإعتراف بالحقائق المؤلمة، لكنك في النهاية ستخرج منها أقوى وبشكل أكمل. 

٢- التعامل مع الجنس الآخر: 

في الصف الخامس الدراسي، يتعلم الأطفال كيف تسبح البويضة من خلال المايكروسكوب. وهنا فقط تتعلم كيف تتعامل مع الجنس الآخر. أما إذا كنت محظوظًا، فلديك والدان يتحدثان عن هذا الموضوع. 

أما إذا لم تكن كذلك، فسوف تجد نفسك وحيدًا خاصة عندما تعجبك الأستاذة أو تنجذب لشخصية مشهورة مثل سندي كروفورد. إذا كبرت في التسعينات، فسوف تتذكر كيف كان مرجعك هو ثقافة فن ال“بوب“ من خلال الإعلام.

كنت هذا الشخص لأنني لم أجد مثالًا للعلاقات العاطفية. تزوج والديّ زواجًا تقليديًا. لم يعلمني والدي الرومانسية، لذلك اعتمدت على أفلام دزني ونسختها عن الرومانسية. وبالطبع لم يقودني ذلك إلى علاقات مثمرة. 

التعامل مع الجنس الآخر أمر مهم لبقائنا ولصحتنا، ومن العجيب أننا لا نتعلم ذلك في المدرسة. بل على العكس، نُترك هكذا نتعلم من التجارب والأخطاء أو نجرب وسائل أخرى لحل مشكلاتنا. 

في آخر المقابلات التي أجريتها، سألني صديقي ”كي هي“ عن مراهقتي، وأيام الكلية، والسنوات الأولى من عمري في العشرين. أخبرته أنه ليس هناك ما أقصه عليه، لم يكن لدي صديقة في المدرسة، أو في الجامعة أو حتى في السنوات الأولى من عشرينياتي. عندما سألني كيف شخّصت ذاتي أخبرته بأنه كان لدي مشكلة ما، وقلت له: قضيت ٤ سنوات في الجامعة بين طائفة أصبحت تُعرف فيما بعد بالذئاب البشرية هدفهم فقط التعرف على الفتيات لإقامة علاقات جنسية معهن. هذا الأمر جعلني أشعر بالعار لفترة طويلة. 

لكنني كلما أتحدث إلى رجال آخرين، كلما اكتشفت أن هذه الطائفة كانت بطاقة دخولهم إلى التطور الذاتي. من المحتمل أن هؤلاء الرجال هم أشخاص كانت لديهم نية حسنة، فالعديد منهم يريدون أن يصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، ويدخلوا في علاقات عاطفية مثمرة، وليس اصطياد أكبر عدد من النساء. لكن قائد المجموعة هذه كان ذو كاريزما على الرغم من كونه إنسان متلاعب، وحينها تتحول النوايا الحسنة إلى سلسلة من العواطف المدمرة. 

لايستطيع شخص أن يلوم الرياضي باستعانته بمدرب الرياضة من أجل تطوير لعبه. ولايستطيع إنسان أن يلوم رجل أعمال بتوظيفه شخصًا من أجل أن يساعده في زيادة دخله. لكن عندما يتعلق الأمر بتطوير عاداتنا الإجتماعية أو قدرتنا على التعامل مع الجنس الآخر، فهناك مقدار كبير من العار نشعر به. الإعتراف بأنك تحتاج إلى مساعدة شخص في حياتك يجعلك تشعر بأنك إنسان عاجز. نميل إلى التغاضي عن نتائج الإستثمار الحياتية بسبب الشعور بالعجز والخجل وبدلًا من ذلك، نلوم القدر وسوء الحظ والخ.

أن تفعل شيئًا مماثلًا لعدة مرات ثم تتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة فهذه حماقة. فبعد مرور سنة على مواعدة  نساء لم أفلح في التقرب إليهن، استعنت بشخص يُدعى ”نيكي نوتاس“ في إدارة صحتي النفسية والتعرف على قيمة ذاتي في مختلف الظروف.

وبما أننا ندرك أن علاقاتنا الإجتماعية هي خير مؤشر على سعادتنا وصحتنا، لماذا لا نطلب مساعدة الآخرين؟ ولماذا لا يعلّمونا ذلك في المدرسة؟

أنصحك بمشاهدة الفيلم الوثائقي لمايكل مور ”وير تو انفيد نكست، ماهو المكان القادم الذي سنغزوه؟“ وركزّ جيدًا كيف تُعلّم المدرسة الفرنسية الأطفال عن الجنس. فبدلًا من مشاهدة حيوانات منوية تسبح في الشاشة، يتعلمون كيف تكون تجربتهم الجنسية الأولى ممتعة. تناقشت مع ليلى مارتن حول بيولوجية وسيكولوجية الجنس، وقالت لي الآتي:

”بالنسبة إلي، فإن لدينا وباء جنسي شائع لا يتحدث عنه الناس. لدينا الإدمان على الإباحية، وخلل في ممارسة الجنس، وتجد أن بعضهم لا يمارسون الجنس خلال فترة زواجهم الطويل، صدمات جنسية، عنف جنسي.. الخ. الإنزعاج من ذلك هو مجرد جزء بسيط يظهر لنا، ليس لدينا أمثلة صحية عن الجنس. وليس لدينا أشخاص يتناقشون عن هذه الأمثلة وكيف يمارس الشخص الجنس بطريقة صحية. بل وإننا أيضًا نقمع الحديث عنه في مجتمعنا. ليس بإمكانك الحديث عن الجنس والإعلان عن هذا الحديث في فيسبوك مثلًا، وليس بإمكانك أن تتحدث عنه وتحصل على وظيفة في السي إن إن. من الجنون أن يكون هذا الأمر تحت القمع رغم احتياجنا له“.

وكنتيجة لعدم تعلم هذا الأمر في المدرسة أو تعلمه بطريقة خاطئة، نجد رجالًا يتصرفون بحماقة، ونساءً يعاملونهن باحتقار، ونحصل بعدها على أزواج غير متكافئين. 

٣- المال
ماهي الحكاية التي تخبرها لنفسك عن المال؟

”المال هو حكاية الفلاحين الذين يجنون ٣ دولارات في اليوم، وموظفي البنوك الذين يحصلون على ٣ دولارات في الثانية“.
سيث جودن

هناك أمور ضئيلة في الحياة تُحدث تغييرًا عاطفيًا في الناس كما يُحدثه المال. ندرك أن المال ضروري من أجل مقومات الحياة الأساسية، نحتاجه لابتياع الطعام والمسكن. لكن لا نفكر في المال كحكاية، فإذا سألت الناس عن المال، فستكتشف فورًا أن لهم حكايات معه. كبرنا أنا وأختي بحكايات مختلفة مع المال بسبب اختلاف وظائف والديّ عندما كنت طفلًا ثم بعدها عندما أصبحت أختي طفلة. كان يُقال لي أنني لا أستطيع شراء أمور معينة لأنه ليس لدينا المال الكافي لشرائه. في المقابل، زوّدني والديّ بكل شيء استطاعا أن يشتريناه في حدود قدرتهم المادية (باستثناء لوح تزلج). عندما كبرت أختي، تحسّنت أمورهما المادية وبالتالي أُعطي لها أكثر قليلًا مما اشتريا لي عندما كنت في عمرها. هذه الحكاية قادتني إلى عادات استهلاكية مدمرة للغاية في بداية العشرين من عمري. استهلكت الكثير من المال. أردت تعويض كل شيء لم يستطع والداي أن يشترياه لي عندما كنت صغيرًا. اشتريت زوجين من الحذاء من ”اير جوردان“ لأنني لم استطع الحصول عليه في طفولتي. كنت سيئًا في لعب كرة السلة، ولم ألعبها مرة أخرى في الصيف بعدما اشتريت الحذاء. كانت حياتي تدور حول تراكمات سابقة وفضّلت أن أحصل على الأكثر بدلًا من أن اهتم بالجودة. مررت ببعض المحن وبذلت الكثير من المجهود حتى أغيّر هذه الحكاية مع المال. أما هذه الأيام فأستطيع أن أقول أنني بشكل ما شخصٌ يكتفي بالحد الأدنى من الماديّات ”مينمالست“، لكن عندما أشتري أغراضًا فإنني أضع حدودًا للكمية التي اشتريها ولا أمانع إن بذلت المزيد من المال من أجل الحصول على جودة ممتازة. 

هناك مفارقة غريبة عندما تُفضّل الجودة على الكمية. فالأشياء التي تشتريها قد تكون غالية الثمن، لكنك في النهاية تبذل مالًا أقل لأنك تشتري لمرة واحدة وليس لمرات عديدة ولفترة طويلة. على سبيل المثال، قد تشتري حذاء غاليًا من فيراجامو ب٥٠٠ دولار. تشتريه لمرة واحدة ولكنه يظل معك ل١٠ سنوات قبل أن تحتاج إلى حذاء آخر. هذا يعني ٥٠ دولارًا لكل سنة خلال ١٠ سنوات. تفضيلك للجودة يسمح لكل غرض حولك لأن يصبح شيئًا مقدسًا له قيمة.

في أحد المقاطع المفضلة لديّ من المحاضرات الصوتية لسيث جودن، عندما تحدث فيها عن كيفية تبسيط حكاية المال التي تخبرها لنفسك، وذلك عن طريق أن تصبح فاعلًا للخير. تصدّق في كل مرة تُسأل فيها للتبرع بمالك، اعطِ المال للمتسولين في الشارع. وكما يقول سيث ”كيف تستطيع أن تصبح ذلك الشخص الذي يُعطي بخشيشًا مقداره ٢٠٪ من أجل كوب قهوة يكلف ٦ دولارات وتتحدث عن المال؟“.

  • تبرعت بشرى أزهر ب١٠٪ من مالها عندما أصبح دخلها ١٠ دولارات في الشهر، وحافظت على هذه النسبة حتى بعد أن ارتفع دخلها ليُصبح ١٠ آلاف دولار في الشهر. 
  • اعتقد براين كوهن أنه من أجل الحصول على المال يجب علينا أن نهدر الدم ونذرف الدموع ونتصبب عرقًا، ولكنه لم يحدث شيء من هذا القبيل. بل ذهب إلى أحد المكاتب المرموقة وخرج منها حاصلًا على شيك ب٥٠٠ دولار خلال أسبوع لأنه أتى بفكرة تجارية متميزة. 

الحكاية التي تحكيها لنفسك عن المال ستؤثر في مقدار المال الذي ستحصله، والمقدار الذي تود بذله، والكيفية التي ستصبح من خلالها كريمًا بما تملك، وكيف ستكافئ نفسك بهذا المال. قد يكون سخيفًا لدى البعض أن فكرة السعي وراء المال هي فكرة روحية، لكنها بالتأكيد هي رحلة داخلية أكثر من كونها مادية فقط. 

إذن، ماهي الحكاية التي ستخبر بها نفسك عن المال؟

الشعور بالنقص:

نجد أن من بين كل تفاعلاتنا -المتشكلة بسبب المجتمع- مع الحياة، هناك التفاعل الأكثر سُمِّية: الشعور بالنقص. الشعور بالنقص يجعلنا نتخذ قرارات سيئة في كل أنماط حياتنا:

  • إذا شعرنا بأن المال ينفد، سنفقد صبرنا. وفقداننا للصبر ينتج عنه عواقب وخيمة. يحدث هذا كل مانتقدم في العمر، نشعر بأن الوقت يضيع من بين أيدينا. لن نستطيع أن نتخذ قرارات ممتازة في الحياة إذا شعرنا بالقلق من نفاد الوقت.
  • إذا شعرنا بأن الفرص الوظيفية شحيحة، سنقبل بوظيفة نكرهها ونكون تحت رحمة أصحاب عمل لايقدروننا. 
  • إذا شعرنا بأن الأشخاص المتاحين أمامنا من الجنس الآخر هم قلة، سيكون خيارنا ناتج عن اليأس. سوف نقايض بقيمنا التي رسمناها لأنفسنا، ونصبح في علاقات مسمومة يغلب فيها التنازل والتضحية بدلًا من الإستقرار. نجري وراء الأشخاص عندما يكون من الأفضل لنا أن نتركهم ونذهب بعيدًا عنهم. 

أما العلاقة التي نتعامل فيها مع المال هي نتيجة مايسميه دان كيندي ”الشعور بالفقر“.

عندما نرى العالم من خلال عدسة النقص، تصبح الطريقة التي نرى بها العالم محدودة للغاية. من المستحيل أن نعيش حياة سعيدة عندما يكون النقص هو الشعور الذي نحس به عند رؤيتنا للعالم.

التحول من الشعور بالنقص إلى الوفرة والإكتفاء: يحدث هذا عندما نعرف كيف نتعامل مع المال: 

طريقة دان كينيدي
 في كتابه (No BS Wealth Attraction)، ينصح دان كنيدي بتتبع طريقة ال٩٠ يومًا: 

  • افتح حسابًا جديدًا في البنك، وسمّه بحساب الثراء. بعدها اتخذ قرارًا بتخصيص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لإيداعه في حساب الثراء. من الممكن أن تكون النسبة المئوية رقمًا ما بين ١٪ إلى ١٠٪، تظن أنك لاتستطيع فعل ذلك، لأنك تصرف كل أموالك على الفواتير، فكيف يتبقى لديك مبلغًا من المال لإيداعه؟ حاول أن تجرب، اختر نسبة مئوية، أودع المال، ولا تلمسه مهما حصل. وافعل ذلك كلما يأتيك دولارًا واحدًا. حتى لو كان هذا الأمر يوميًا. الطريقة التي تجعلك تودع مالًا في حساب الثراء تؤثر على اللاوعي لديك، لا يهمنا مقدار المال المُودع بقدر فعل الإيداع.

والآن يأتي فعل العطاء: وهذا شيء مهم، لأن كل الأغنياء يعطون. العطاء له تأثير عظيم على صحتك النفسية. لذلك افتح حسابًا آخر وسمّه حساب العطاء، وخصص نسبة مئوية من كل دولار يأتيك لتودعه في حساب العطاء. 

اتبعتُ نصيحة كينيدي منذ أن قرأت الكتاب، ووجدت أنه في كل مرة أتبرع فيها بمبلغ من المال يأتيني المال أضعافًا مضاعفة. لا أعرف لماذا، لكنني توقفت عن التساؤل.

بخشيش ال١٠ دولار: 

قدم لي صديقي جوزيف لوقان نصيحة بسيطة قبل عدة أشهر عندما كنا نتناقش كيف أن الإنسان يتغيّر من الشعور بالنقص إلى الشعور بالوفرة. 

من الممكن أن يبدو هذا التمرين مُهدرًا للمال، لكنه من أسرع الطرق لحل فكرة أن المال يجب أن يكون متوفرًا لنا بكميات محددة. خذ من مالك مبلغ ١٠٠ دولار ثم قرر كيف ستوزعه كبخاشيش مقسمة إلى ١٠ دولارات. في البداية، سوف تلاحظ السعادة على الأشخاص الذين حصلوا على ١٠ دولار كإكرامية. عندما أُعطي النادلة ١٠ دولارات على كوب من القهوة في ستاربكس قيمته ٦ دولارات أجدها سعيدة للغاية. 

بعد ذلك، سوف تشعر بإحساس جميل لأن هؤلاء الأشخاص أصبحوا سعداء، وبالتالي سوف يمتلئ الإحساس بالوفرة لديك. وكلما تعزز هذا الإحساس سوف تجد الفرص متوفرة في كل مكان لتعويض هذا المال. إذا أحسست بأن هذا الأمر صبياني، جربه بنفسك. من الممكن أن تصرف ١٠٠ دولار أو حتى ألف دولار. 

تكلفة الفرصة البديلة (ثمن اختيار خيار واحد على حساب ترك الخيارات الأخرى):

في مقالة شرحت فيها عن ”خمسة أمور تخليت عنها حتى أكون ناجحًا“، كتبت أن هناك ”تكلفة فرصة بديلة“ لكل شيء. خلال أولى السنوات التي قضيتها في عملي ”انميستيكبل كرييتف“ كان ثمن الفرصة البديلة هو مقدار ماكنت أجنيه من الأرباح في اليوم الواحد حتى أتمكن من زيادة دخلي خلال فترة معينة… لكن هذا لاينطبق على الوظائف فقط. هناك تكلفة الفرصة البديلة لكل شيء في حياتنا. 

  • تتفكر ما إذا كان يجب عليك دفع التأمين على سيارتك الجديدة. فال١٠٠ دولار لاتجعلك مطمئن البال فحسب، بل قد توفر عليك أموالًا طائلة قد تصرفها فيما بعد.
  • البحث في كل المحلات التجارية من أجل توفير دولار واحد يجعلك تشعر بأنك مستهلك واعي، لكن تكلفة الفرصة البديلة هي وقتك والبنزين معًا.
    • قد يكون من الأرخص لك أن تركب بنفسك رف الكتب من ايكيا، لكن إذا كان هناك شخص يستطيع أن يركبه لك في ساعة واحدة بدلًا من أن تقوم بتركيبه أنت خلال يوم كامل، فتكلفة الفرصة البديلة ليست وقتك فحسب، بل وراحة بالك أيضًا. 

إن أردت أن تُدير وقتك بطريقة أكثر كفاءة، اشتره بالمال! 

إذا كنت مثل أغلب الناس، فإنك لم تتعلم معظم هذه الأشياء في المدرسة. لكنك وبفضل الإنترنت- تستطيع أن تتعلم التالي: 

  • الإستماع إلى بودكاست يعلمك كيف تنظم حياتك النفسية من أحد أفضل العلماء في العالم..
  • توظيف مدرب يساعدك في تطوير حياتك الإجتماعية وقدرتك على التعامل مع الجنس الآخر. 
  • التعلم كيف تدير مالك من مدونات اقتصادية رائعة على الإنترنت.

هذه هي الأمور الأساسية التي كان بإمكاننا أن نتعلمها عن الحياة في المدرسة ولكننا للأسف لم نحظى بذلك التعليم. هذا لا يعني أنك تأخرت في تعلمها، تستطيع أن تبدأ وتطور نفسك. 


ترجمت هذه المقالة عن الإنجليزية:
What We Should Have Learned in School But Never Did

وهم الثقة

في إحدى الأيام من عام ١٩٩٥، وفي وضح النهار، سرق رجل ضخم في منتصف عمره بنكين في مدينة بتسبرغ. لم يلبس أي قناع ولم يتخف، بل ابتسم لكاميرات المراقبة قبل أن يخرج من كلا البنكين. ألقت الشرطة القبض على المُتفاجِئ ماك آرثر وييلر لاحقًا وعرضت عليه الفيديوهات التي سُجلت على كاميرات المراقبة. لم يكن يصدّق ذلك وقال ”ولكنني دهنتُ نفسي من العصير!“. يبدو أن وييلر اعتقد بأن فرك عصير الليمون على جسده يجعله شخصًا غير مرئيًا أمام كاميرات المراقبة. بعد هذا كله، فإن عصير الليمون كان يُستخدم كحبر سري، فطالما أن وييلر لا يقترب من مصدر حراري كان يجب أن يكون متخفيًا تمامًا!

استنتجت الشرطة بعدها أن وييلر لم يكن مجنونًا ولم يكن تحت تأثير المخدرات، لكنه كان مخطئًا بدرجة كبيرة.

اجتذبت هذه الحكاية اختصاصي علم النفس ديفيد دانينق في جامعة كورنيل، والذي كلّف تلميذه جستن كروقر بالتحقق عما يجري. استنتجا أن كل شخص لديه تصورًا إيجابيًا عن قدراته في مجالات اجتماعية وثقافية متعددة، وأن بعض الناس يخطئون في تقييم هذه القدرات بشكل كبير، أكبر بكثير من الحقيقة. ف“وهم الثقة“- والذي يُدعى الآن ب“تأثير دانينق كروجر“- يصف كيف يقوم الإنحياز المعرفي بالرفع من التقييم الذاتي.

من أجل التحقق من هذه الظاهرة، صمم دننق و كروجر بعضًا من التجارب الذكية. وفي إحدى الدراسات، سألا طلبة جامعيين مجموعة من الأسئلة عن القواعد، والمنطق والنكت، ثم سألا كل طالب وطالبة أن يُخمّنوا نتيجتهم ثم يصنفوها بالنسبة إلى نتائج الطلاب الآخرين. الطلاب الذين أحرزوا نقاطًا ضعيفة في هذه الأسئلة هم هؤلاء الذين بالغوا -وبشدة- في تخمينهم بالحصول على نتائج ممتازة! الطلاب الذين حصلوا على أدنى الدرجات هم هؤلاء الذين اعتقدوا بأنهم أدّوا الاختبار بشكل أفضل من ثلثي الطلاب الآخرين!

وهم الثقة هذا يمتد إلى خارج الفصول الدراسية فنجده في حياتنا اليومية. في دراسة لاحقة خارج المعامل التجريبية، اتجه دانينج و كروجر نحو نطاق الأسلحة، وسألا هواة الأسلحة عن مدى الأمان في استخدام السلاح. وبالتشابه مع النتائج السابقة، فإن هؤلاء الذين أجابوا على أسئلة قليلة فقط هم الذين بالغوا في تقدير معرفتهم بالأسلحة. وبعيدا عن الحقائق، تستطيع أن تلاحظ تأثير دانينق-كروجر في تقييم الناس لمقدراتهم الأخرى بشكل كبير. إن شاهدت أي برنامج تلفزيوني للمواهب هذه الأيام، فسوف ترى وجوه المتسابقين المندهشة لعدم اجتيازهم التقييم ورفضِهم من قبل حكام المسابقة. قد يكون ذلك الأمر مضحكًا بالنسبة إلينا، إلا أن هؤلاء المتسابقين غير واعيين بأن تفوقهم الوهمي هذا قد ضللهم إلى حد كبير.

من الطبيعي أن الناس يبالغون في تقييم قدراتهم الشخصية. في إحدى الدراسات، قيّم ٨٠٪ من السائقين أنفسهم أنهم فوق المتوسط، وهذا أمر مستحيل إحصائيًا. دراسة أخرى وجدت أنه عندما يقيّم الناس شعبيتهم وقدراتهم المعرفية، فإنهم يجعلون أنفسهم فوق المعدل الطبيعي. المشكلة تكمن عندما يكون الناس غير أكفاء، فإنهم لايستنتجون بطريقة خاطئة فقط ويختارون خيارات سيئة، بل إنهم يفتقدون المقدرة على استيعاب أخطائهم.

في دراسة امتدت فصلًا دراسيًا كاملًا على طلاب الكلية، فإن الطلاب المتفوقون يستطيعون التنبؤ بأدائهم في الإختبارات المستقبلية بطريقة أفضل عندما يُقدّم إليهم تقييمًا حول نتائجهم ودرجاتهم. لكن الطلاب ضعيفو المستوى لم يظهروا أي تميّز على الرغم من وجود تقييمات متكررة على أدائهم. فبدلًا من أن يتفكروا في أدائهم وطرقهم الخاطئة، أو يشعروا بالحيرة والإرتباك تجاهها، فإن هؤلاء الناس دائمًا مايصرون بأن طرقهم هي الصحيحة. هذا يذكرنا بما كتبه تشارلز داروين في نشأة الإنسان، عام ١٨٧١: ”إن الجهل يُولد الثقة على نحو أكثر مما تفعل المعرفة“.

من المثير أن نعرف بأن الأذكياء يفشلون أيضًا في تقييم مقدراتهم. فكما أن الطلاب الحاصلين على درجات (دي) و(إف) بالغوا في الرفع من قدراتهم، فإن الطلاب المتفوقين الحاصين على (اي) استخفوا بقدراتهم. وجدا دننق وكروقر أن الطلاب المتفوقين- الحاصلين على أعلى الدرجات المعرفي.- قد بخسوا من كفائتهم النسبية. ظن هؤلاء المتفوقون بما أن هذه المهام المعرفية كانت سهلة بالنسبة إليهم فإنها لابد أن تكون كذلك أو أسهل بالنسبة إلى الآخرين.
وهذا مايُسمى ب“متلازمة المخادع“ وهي عكس تأثير دننق كروقر: حين يفشل المتفوقون في إدراك مهاراتهم فيظنون أن الآخرين لديهم نفس القدر من الكفاءة. يكون الإختلاف هنا أن المتفوقين أو الأكفاء هم أشخاص يستطيعون تغيير هذا التقدير الذاتي عندما يُقدم إليهم تقييمًا مناسبًا لهم، بعكس هؤلاء غير الأكفاء الذين لا يستطيعون ذلك.

العبرة من هذه المقالة أننا لا نريد أن نصبح مثل سارق البنك. في بعض الأحيان نحاول تجربة أمور تقودنا إلى نتائج ممتازة، لكن أحيانًا- مثل فكرة عصير الليمون- تكون طرقنا غير مجدية، غير عقلانية، أو حتى غبية. الحل أن لانسمح لأنفسنا بأن نكون مخدوعين بأوهام التفوق، وأن نتعلم إعادة تقييم كفاءاتنا بطريقة صحيحة. كونفوشيوس قال ذات مرة ”المعرفة الحقيقية هي معرفة مدى جهلنا“.


تدوينة ترجمتها عن مقالة كتبتها Kate Fehlhaber
بعنوان

Studies find high achievers underestimate their talents, while underachievers overestimate theirs

الهروب من غزو الأفكار الوجودية قبل النوم

Tony Huynh – Insomnia

إن همّي قد نفى النوم عنّي .. وحديثُ النفس شيءٌ ولوع

تتجه إلى سريرك بعد أن يسكن الليل وينصرف الناس إلى فرشهم آملًا أن تحظى مثلهم بنوم عميق، لكنك تتقلب في فراشك وتتفكر في أحداث النهار وتباغتك همومك، فتقلبها في رأسك وتتذكر حماقاتك في إتيانك بأقوال أو تركك لأفعال. عندما تكون مرهقًا بعد يوم طويل، ووحيدًا مع نفسك فوق السرير حينها فقط تتكابل عليك الهموم والأحزان، وقد تصرعك فتمزق قلبك وتتسائل
“ما الذي أفعله في حياتي؟”
“هل لوجودي معنى أو فائدة؟”
“لماذا أنا هنا؟ ولماذا صرت هكذا؟”
العجيب أن هذا كله يختفي عندما تستيقظ، فهل كانت حاجتك إلى النوم هي السبب؟ يالضعف الإنسان!

في هذه التدوينة القصيرة سأستعرض باختصار بعض الطرق المفيدة للهروب من الأفكار الوجودية قبل النوم. قد يقول البعض أن هذه الأفكار التي تُعرض علينا قبل النوم مفيدة حتى يُراجع الشخص يومه ويُحاسب نفسه، أما أنا فأقول أنها طريقة عقيمة لأن التفكير قبل النوم لا يؤدي إلا إلى القلق والأرق، كما أن محاسبة النفس لاتصلح عندما يكون المرء في أضعف حالاته. يستطيع الإنسان أن يُقيّم أمسه في أول النهار عندما يكون مستعدًا وواعيًا في كامل قواه.

القراءة قبل النوم:
وهذه من أجدى الطرق نفعًا للحصول على نوم هادئ وعميق. أما تصفّح الشبكات الإجتماعية من جوالك قبل النوم بحجة القراءة فهي وسيلة غير مجدية وقد تسبب الأرق إذ أنك تُركّز على الإنتقال مابين صفحة إلى أخرى والبحث عن أمر معيّن يُجذبك مما يعني القيام بمجهود صغير- وإن كان هذا المجهود صغيرًا للغاية فهو يظل مجهودًا-.
الحل هو القراءة: قراءة رواية أو قصة صغيرة. قراءة الكتب الأخرى تحثك على التفكير وهذا مانريد أن نتجنبه، أما الروايات والقصص فإنها تُذكّرنا بالحكايات التي تُروى للصغار قبل النوم. قرأتُ العديد من الكتب على شاشة جوالي- أكثر من ٢٠ كتابًا- قبل أن أقرر أخيرًا شراء جهاز كندل. الجهاز صغير وخفيف ومُزوّد بإضاءة تجعلك تقرأ الكتب في الظلام بسهولة ووضوح. نصحتُ إحدى صديقاتي، والتي اشتكت من غزو الأفكار الوجودية قبل النوم، بأن تقرأ قبل أن تنام حتى يسقط لوح كندل من يدها، فلئن تقضي ساعة تقرأ خير لك من أن تخسرها في أفكار سلبية تضرك ولا تنفعك.

بعض النصائح التي قد تساعدك على النوم:
– الإبتعاد عن شرب القهوة والشاي قبل ٨ ساعات من موعد نومك:
لستُ من أصحاب القهوة، فقد يكون عدم اعتيادي على شرب القهوة هو السبب الأساسي للأرق لديّ عند تناولها في وقت متأخر. لكننا لا نختلف على أن مادة الكافيين هي منبه يجعلك متيقظًا شئت أم أبيت. حتى النوم بعد نهار قد شربت فيه قهوة لايشبه النوم الذي تحظى به في يوم خال من الكافيين.

– التوقف عن ممارسة أي مثير/نشاط عقلي قبل النوم:
مشاهدة فيلم حزين أو فيلم رعب، الكتابة، الإنخراط في جدال.. كلها مثيرات تجعل عقلك نشيطًا من الصعب تهدأته، فكيف بممارستها قبل النوم؟ أذكر أن أنيس منصور كان يُعاني من الأرق -كتب مقالات في ذلك- إلا أن سبب أرقه في ظني هو تفكيره المستمر في الكتابة حتى أنه كان يضع قلمًا بجانب سريره يستخدمه في الكتابة كلما أتته فكرة نهض وكتبها.

– الرياضة | الحركة المستمرة خلال اليوم:
ذكر ديل كارنيجي في كتابه الشهير “دع القلق وابدأ الحياة”، أن مجموعة من المصابين بالقلق قد وُضعوا في مزرعة ليمارسوا نشاط المزارع من الصباح الباكر، فلا يحل المساء إلا وهم يغطون في نوم عميق. لا أقصد أن تتجه إلى مزرعة وتبدأ في مباشرة العمل كمزارع حتى تظفر بنوم عميق، لكن الشاهد من ذلك أن الجسد النشيط هو أكثر قابلية للحصول على النوم هادئ من الجسد الكسول. وممارسة الرياضة قد تساعدك على التخلص من الأرق.

– الإستغناء عن القيلولة:
من أكثر مسببات الأرق في الليل هي القيلولة وإن قصرت مدتها. لست بحاجة إلى قيلولة إلا إذا أردت أن تبقى متيقظًا آخر الليل، وهذا يحدث عادة إذا كان لديك أمرًا هامًا تعمل عليه في المساء، أو في إجازة نهاية الأسبوع وأيام العطل.

هناك بعض الوسائل الأخرى للحصول على نوم مريح، كالحصول على دش دافئ قبل النوم، والتأكد من مدى نعومة الفراش وبرودة الغرفة، بل أن بعضهم ينصح بالاستماع إلى “الإزعاج الأبيض (أو غير الضار؟)” للتخلص من القلق وهو إزعاج شبيه بصوت المكيف وعندما تكون بداخل الطائرة أو السيارة.
هنا رابط مدته ١٠ ساعات على اليوتوب من هذا الإزعاج الأبيض:

الحيل التي استخدمتها شركات التجميل لإقناع النساء بأنهن لسن جميلات بما فيه الكفاية

مقال مترجم*
في أمريكا، البحث عن الجمال هو أمر مكلف للغاية. ففي كل سنة، تصرف النساء مليارات الدولارات من أجل الحصول على شعر جميل، ورموش رائعة، وبشرة حريرية ناعمة. لكن في ثقافات مختلفة، لم تكن الكثير من طرق التجميل هذه موجودة قبل قرن من الزمان. في الحقيقة إن نظرتنا للجمال الأنثوي تشكّلت بشكل أساسي من خلال الدعايات الحديثة. ولذلك، رصدنا تأريخ أكثر “العيوب” التي تواجهها المرأة الحديثة والحكايات المدهشة التي تقبع خلف كل “علاج” لهذه العيوب.

هنا قائمة بأكثر الحيل النفسية التي تُستخدم ضد النساء وتُغذى من قِبل شركات التسويق:
١- لون شعرك الطبيعي ليس جميلًا بما فيه الكفاية
tumblr_mekqm6hcej1r71c9bo1_1280Does she.. or doesn’t she?
استخدمت شركة “كليرول” والتي أطلقت مليون صبغة شعر منزلية شعارًا دعائيًا “هل هي تستخدمه.. أم لا؟” في إشارة إلى صورة امرأة ذات شعر جميل يجعلنا نتسائل ما إذا استخدمت صبغة شعر “كليرول” أم لا.

في الحقيقة كان من المتوقع أن تُحدث حملة كليرول الدعائية ضجة في الأسواق، وبالفعل ارتفع عدد النساء اللاتي يصبغن شعورهن من ٧٪ في عام ١٩٥٠ إلى أكثر من ٤٠٪ في السبعينات.
 استعرضت الإعلانات نساء سعيدات بشعورهن اللامعة والجميلة والتي كانت قبل ذلك حصرًا فقط على عارضات الأزياء اللواتي يحصلن على صبغات شعر احترافية. صرّحت الدعاية بأنه “إذا كانت لديّ حياة واحدة فقط، فدعني أعيشها كامرأة شقراء”. روّجت كليرول الصبغة الشقراء التي ستحوّل من مجرى حياتك هكذا:
11308579635_d4c5eb3a4c_b
عرضت كليرول لصبغات الشعر فكرة “التجديد” في ٢٠ دقيقة فقط لهؤلاء النسوة اللواتي لا يردن أن يصرحن بأعمارهن الحقيقية أو يظهرن بشعور بيضاء:

تكرهين هذا اللون الرمادي؟ تخلصي منه!

وصفت شيرلي بوليكوف، كاتبة الحملة الدعائية لكليرول، خطتها “لنجاح أكبر، يجب أن يشمل السوق هؤلاء النسوة اللاتي تقبّلن أشكالهن بشعر أبيض. ونستطيع إنجاز هذا الأمر عن طريق إيقاظهن مرة أخرى ومعرفة ما إذا كن غير راضيات عندما اكتشفن تلك الشعرات البيضاء”. أنجزت كليرول هذا الأمر عن طريق قولها “متى كانت آخر مرة دعاكِ فيها زوجك للخروج برفقته إلى العشاء؟” .
في هذه الأيام، هناك ٩٠ مليون امرأة في الولايات المتحدة تصبغ شعرها بحسب تقرير IBIS لعام ٢٠١٢!

٢- شعر جسدك مقزز:
في هذه الأيام يصور الإعلامُ النساء بدون شعر في أجسادهن، أو يُصبحن محل سخرية إذا أردن الإبقاء عليه. لكن من المفاجئ لنا حين نعلم أن النساء الأوروبيات والأمريكيات منذ القرن ال١٦ إلى القرن ال١٩ ميلادي كن يُبقين شعر أجسادهن.

ما الذي تغيّر؟ تقول الباحثة كريستين هوب بأن الإجابات تكمن في الدعايات والموضة. ففي عام ١٩١٥، تفجرت الدعايات التي تُحذر النساء من الإبقاء على شعر إباطهن بأنه أمر غير أنثوي، فيجب عليهن إزالته حتى يُصبح ناعمًا مثل ملمس الوجه. سمّت هوب هذه الدعايات “الهجوم على الإبط”:
w1408
بعد ذلك، تفجّرت دعايات أخرى تُشجع النساء على حلق أرجلهن حتى يُصبحن جذابات أكثر عندما يرتدين الجوارب وملابس السباحة. وبنهاية الحرب العالمية الثانية، كانت حلاقة شعر الجسد هي أمر مُتوقع من النساء الأمريكيات. استمرت الدعايات في الستينات والسبعينات تُصور شعر الجسد بأنه أمر غير أنثوي:
w1408%d9%a3
أما إزالة شعر منطقة البكيني فبدأ في عام ١٩٤٦، وظهر معه الشمع البرازيلي الذي اُستورد إلى الولايات المتحدة في نهاية الثمانينات، وأصبحت له شعبية بفضل الدعايات في التسعينات.

أما اليوم، فإزالة شعر العانة أصبح أمرًا أساسيًا في أوساط النساء الأمريكيات: ٨٠٪ من النساء بين السن ال١٨ وال٣٤ يُزلن على الأقل بعضًا منه، وبحسب إحدى الدراسات فإن العديد منهن يرغبن في التماشي مع المعايير الإجتماعية السائدة وأن يظهرن بشكل أُنثوي أكثر. حتى الآن، فإن الحملات الدعائية لمنتجات إزالة الشعر مثل دعايات “فيت” تستهدف نفس الفئة التي كانت تُستهدف قبل قرن تقريبًا.

٣- بشرتكِ غامقة جدًا:
خلال نهاية القرن ال١٩ وبداية القرن العشرين، ازدادت شعبية الكريمات المُفتحة للبشرة بين النساء السود في الولايات المتحدة. وغدى تبييض البشرة الداكنة أكثر من مجرد طقس تجميلي، فهي طريقة رمزية تدل على الحياة في وسط مجتمع عنصري حيث يُلاقي فيه ذوي البشرة الفاتحة نسبيًا من السود معاملة أفضل من غيرهم. فجّر المسوقون هذه الإشكاليات العنصرية في صناعة الجمال، يعدون فيه المرأة بأنهن يستطعن أن “يجدن مناصب اجتماعية أعلى، ويتزوجن بشكل أفضل، ويتعايشن مع غيرهن بشكل أحسن” ويُصبحن جميلات أكثر ببشرة أفتح من بشرتهن الحالية. وفي عام ١٩٤٤ ظهر هذا الإعلان الذي يقول بأن البشرة الأفتح هي الأجمل:

Advertisement for Nadinola bleaching cream, 'for lovelier lighter skin,' New York, New York, 1944. (Photo by Fred Stein Archive/Archive Photos/Getty Images)

(Photo by Fred Stein Archive/Archive Photos/Getty Images)

كانت المنتجات هذه في حد ذاتها خطيرة لاحتوائها على مادة الهيدروكينون الكيميائية، والتي تُستخدم في تطوير الصور الفوتوغرافية (هذه المادة الكيميائية حُظرت في استراليا، وفي دول الإتحاد الأوروبي، وفي اليابان، لكنها بقيت بشكل قانوني في الولايات المتحدة).

في خلال الستينات والسبعينات، تراجعت شعبية سوق كريمات تبييض البشرة بظهور حركة التحرير “الأسود هو الجمال”. شجّعت هذه الحركة الأشخاص السود ودعتهم إلى الإقتناع بملامحهم الطبيعية بدلًا من الجري وراء معايير ذوي البشرة البيضاء. سارعت شركات التجميل إلى التلطيف من لهجتها، وتحوّلت جملة “تبييض البشرة” إلى “بشرة مُشرقة”. تعهّد الإعلان في عام ١٩٦٢ النساء بالحصول على بشرة مشرقة وفاتحة حتى في الأيام الممطرة، دون ذكر الأعراض الجانبية لمادة الزئبق المسمومة.
13585209794_c8edaf15c5_b
اليوم، تستمر النساء في استخدام مبيضات البشرة حول العالم وخاصة في أفريقيا، الهند وباكستان. ومن المُتوقع أن تصل نسبة الشراء السنوية حول العالم إلى ١٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠١٥، على الرغم من أن هذه المنتجات لها أعراض جانبية خطيرة.

٤- بشرتك فاتحة جدًا:
في بداية القرن العشرين، أصبحت “حمامات الشمس” وصفة طبية شائعة بين الأطباء للقضاء على أمراض عديدة. استغلت شركات التسويق هذه المنافع الصحية وخلقت اعتقادًا- كما ظهر في مجلة هاربر بازار في عام ١٩٢٩- “إذا لم تحصل على بشرة سمراء، فأنت لست جزءًا من هذه اللحظات…””
بعد هذا الإعلان مباشرة، بدأت شركات التجميل ببيع كريمات ال”تشميس”. يعتقد بعض الباحثين أن موضة التشميس خلقت سوقًا تجميليًا جديدًا، ووفّرت حافزًا تسويقيًا من أجل أن تكون البشرة البرونزية معيارا جماليًا أمريكيًا. وبقي هذا المعيار كذلك، ففي السبعينات لم تُوقف التحذيرات الصحية -بشأن المخاطر التي يجلبها التعرض للشمس كالإصابة بالسرطان- هذا الهوس بالتشميس. وبدلًا من ذلك، وفّرت فرصًا كثيرة لشركات التجميل من أجل ترويج منتجات تتعهد بتوفير حماية ضد الشمس، أو تُزود النساء ببشرة سمراء مُزيفة (تشميس منزلي) كالتي يحصلون عليها عند تعرضهن للشمس:
177dacb81fdf4def1e09d47a87634eae
تواصل التحذيرات الطبية في توعية الناس بخطر التعرض الزائد للشمس. أما البحث عن بشرة برونزية جميلة لم يتوقف، فمنذ عام ٢٠٠٠، ازداد عدد منتجات التشميس المنزلي بشكل كبير ومن المتوقع أن يستمر كذلك في الخمس سنوات القادمة.

٥- ال”سيلولايت” مؤذية للعين، ويجب أن نزيلها!
حتى عام ١٩٨٣٠، كانت النساء ذوات الأجسام الممتلئة هن أكثر جمالًا، وكن يظهرن بأجسامهن الممتلئة في لوحات الرسامين بانحنائاتهن وب”السيلولايت” أيضًا. لكن في منتصف القرن العشرين، تغيّر شكل الجسد الأنثوي المثالي وأصبح أكثر رشاقة. وفي خلال نفس الفترة، أصبح ال”سيلولايت” عدو رئيسي للجسد الأنثوي المثالي.
في عام ١٩٦٨، أعلنت مجلة فوج أن “كلمة السيلوليت عبرت المحيط الأطلنطي مثل الأسماك المهاجرة” |إشارة في أن الكلمة فرنسية جاءت من أوروبا|. سخر بعض أعضاء المجتمع الطبي من القلق المفاجئ تجاه السيلولايت وقالوا أنه “مرض مُبتدع”. يُصيب السيلولايت حوالي ٨٠ إلى ٩٠ من النساء، وأصبحت مكافحته بل والسخرية منه هوس أمريكي. فلأن تكوني أمريكية مشهورة مصابة بالسيلولايت يُعد جريمة!:
1119082970_96500599c3_b
في عام ٢٠١٤، بقي السيلوليت عدو لا يُقهر، واستمرت النساء في صرف أموال كثيرة على مستحضرات تجميل لم تُختبر بشكل كاف، وليست مُجدية على وقت طويل.

٦- أظافرك غير المُشذبة بشعة:
أنتج نورثام وارن مايمكن أن يُطلق عليه بأول مُشذب للأظافر ومزيل لطلاء الأظافر في عام ١٩١١. وأطلق أيضًا حملة دعائية أنتجت سوق طلاء الأظافر الحديثة. حذّرت الدعاياتُ النساء من الأظافر المقصفة وغير المشذبة إذ أنها تجلب لهن الشعور بالإحراج أمام الناس. تفجّرت الأرباح من ١٥٠ ألف دولار في عام ١٩١٦ إلى ٢ مليون دولار في عام ١٩٢٠! فالأظافر المرتبة والمشذبة هي طريقة للإفصاح عن الثراء والأناقة، وتُثبت أنكِ أرقى من الطبقة العاملة المتواضعة. وإذا فكرتِ بأنكِ تنجحين في إخفاء هذه الأظافر غير المرتبة، فهذا الإعلان في عام ١٩٢٣ يخبركِ بشيء آخر:
w1408
في عام ١٩١٢، ربع النساء الأمريكيات فقط كن يستخدمن مستحضرات التجميل الخاصة بعناية اليدين والأظافر، لكن في عام ١٩٣٦، ارتفع عددهن إلى ثلاثة أرباع. وخلال الحرب العالمية الثانية، ناشدت شركة كيوتكس لطلاء الأظافر الفخر الوطني للنساء:
8ad67f299fe15fde49a914b62fc425ba

اليوم، أصبح طلاء الأظافر وصالونات الأظافر هي الغذاء الرئيسي لجمال النساء. وفي عام ٢٠١٢، أنفقت الأمريكيات حوالي ٧٦٨ مليون دولار عليها!

٧- رموشك ليست طويلة بما فيه الكفاية!

خلال التاريخ، اعتدن النساء على تكحيل رموشهن بالسواد بمختلف الوسائل عن طريق إستخدام نبات البلسان إلى مواد صمغية كالإرتنج، لكن ال”ماسكرا” لم تظهر حتى القرن العشرين، عندما أوجد تي إل ويليامز شركة ميبيلين. اجتاحت الماسكرا التي كانت تُكلف حوالي ال١٠ سنت من ميبيلين أمريكا. وبينما كانت الأصباغ التجميلية “المكياج” غير أخلاقية عند البعض، جعلتها مشاهير هوليوود رائعة في نظر الجميع. وُعدت النساء بالحصول على رموش مُغرية كالتي عند شخصياتهن الهوليوودية المفضلة، كما صرّح هذا الإعلان في عام ١٩٢٩ في مجلة “موشن بكتشر”:
screen-shot-2017-02-23-at-7-58-14-pm
بعد ذلك، ظهرت العديد من منتجات ال”ماسكرا”، وبدأت شركات التجميل بالإعلان عن الماسكارات التي تُطوّل وتُكثّف الرموش. تعرضّت كبرى شركات التجميل هذه إلى انتقادات واسعة بسبب إعلاناتهم المُضللة، حيث أن بعضهم استخدم رموشًا اصطناعية على عارضات الدعايات!

وعلى الرغم من ذلك، ازداد الطلب على الرموش الطويلة وانتعشت الأسواق المخصصة لها. أخبرتنا نانسي ليونتر، مديرة تحرير ون ستوب بلس دوت كوم أنه “قبل خمس سنوات، كانت الرموش التي لديكِ هي رموشك الطبيعية، لكنك تضعين عليها الماسكرا. أما اليوم، فإنك تضعين رموشًا اصطناعية، وتستخدمين الأدوية التي تُطوّل الرموش، ولدينا هوس شديد بالرموش !”

 


مقالة ترجمتُها من هافنغتون بوست عن الإنجليزية، كتبَتها “أماندا شيركر” ونُشرت بتاريخ ٢٩ أبريل ٢٠١٤، الصور الموجودة في هذه التدوينة هي من نفس المقالة أيضًا
7 Ways The Beauty Industry Convinced Women That They Weren’t Good Enough


تدوينة أخرى ذات صلة:
الحقيقة البشعة وغير العادلة عن الجمال

استعدادات العام الجديد: 365 صفحة

 كيف حالكم يا أصدقاء؟
لم يتبق إلا شهر واحد على انتهاء هذه السنة- أي ثلاثون صفحة تقريبًا- والتي مرّت سريعًا بأفراحها وأتراحها.. نسأل الله أن يجعل آخر هذه الصفحات مسكًا. في هذه التدوينة سوف أورد بعضًا من استعداداتي للسنة الجديدة 2017، وقد جعلتها مُبكرة بعض الشيء لعلّها تفيدكم.

أجندة جديدة:
في العام الماضي تعرفت على ال”كتاب الأسود” من البراء العوهلي في تويتر، واستخدمته فاعجبني كثيرًا.
File 2016-08-12, 1 28 43 PM
أصبحتُ استخدمه كمخطط يومي وأيضًا كمدونة للأحداث اليومية. واشتريت طابعة صغيرة لصور الجوال لها ورق لاصق، فصرتُ ألصق الصور التي التقطتها بواسطة جوالي في هذا الكتاب الأسود. بإمكانكم الإطلاع على تدوينة “مذكراتي العزيزة” لمزيد من التفاصيل.

أما للعام القادم، وبمشورة صديقتي ريم، فاشتريتُ هذه الأجندة من
Erin Condren


الجميل في هذه الأجندة أنك تستطيع اختيار الغلاف الذي يُعجبك، وضع اسمك على الغلاف، اختيار لون السلك الملفوف، واختيار لون الصفحات. كما أن هذه الأجندة مُقسمة بطريقة أكثر انتظامًا من الكتاب الأسود، وصفحاتها أكبر، وبسبب وجود السلك فإنك تستطيع وضع أوراق كثيرة (كالتذاكر، وبعض القصاصات..) بداخلها دون أن تتأثر.
استخدام الأجندة يجعلك أكثر التزامًا بمخططاتك اليومية، وأكثر انتظامًا. كما إنه يسهل عليك تدوين ما في جعبتك من أفكار بشكل مرتب.

تستطيعون طلب هذه الأجندة من موقع إرن كوندرن، وإذا سجلتم بريدكم الإلكتروني في الموقع فسوف تحصلون على كوبون خصم:
https://www.erincondren.com

تقويم يومي:
في العام الماضي استخدمتُ رزنامة الكاتب من تكوين، وكانت الرزنامة اللطيفة تحتوي على اقتباسات يومية من كُتّاب مشهورين عن الكتابة.
4
والعام الذي قبله كان لدي تقويم فيه اقتباسات يومية من مارك توين.
Screen Shot 2015-12-12 at 2.49.03 PM
أما هذه السنة فقررت أن اشتري هذا التقويم الذي يعرض لوحة شهيرة كل يوم لأحد الفنانين، وبالتالي تكون فرصة فنية للتعرف على اللوح الشهيرة في العالم، وبالأحرى على 365 لوحة فنية خلال عام.

سعر هذا التقويم اليومي 17 دولارًا، بإمكانكم شراؤه من أمازون

جورنال|مدونة يومية لمدة 5 سنوات:
فكرة هذا الدفتر تعتمد على تكملتك لجملة مختلفة مثل “آخر قرار اتخذته مؤخرًا..”، “آخر خبر جميل سمعته اليوم..”،أحتاج إلى مساعدة بشأن..”.. في كل يوم، ثم الإجابة على هذه الأسئلة في العام القادم والذي يليه وهكذا لمدة 5 سنوات. 



الجميل أنك سوف تُقارن إجاباتك بالسنوات التي خلت! من المثير أن تُقارن أحداثك في يوم معين -بل وحتى شخصيتك- على مدى السنين.



هنا رابط الجورنال إذا أردتم شراؤه.

آية من القرآن الكريم يوميًا باللغة الإنجليزية:
في العام الماضي، أهدتني صديقتي ريم هذا الكتاب الجميل شكلاً ومضموناً بمناسبة السنة الجديدة، الكتاب يحتوي على 365 آية من القرآن الكريم باللغة الإنجليزية – 365 اقتباساً موزعاً على أيام السنة-. الجميل في الموضوع أن قراءتنا لتفسير القرآن بلغة أخرى تساعد على فهم جديد ومختلف للآية. سوف أعتمد مطالعته في هذا العام أيضًا.
1

2بإمكانكم شراء هذا الكتاب من أمازون.

كتابة القرارات السنوية:
في نهاية كل سنة أقوم بكتابة قائمة للسنة القادمة، وبمراجعة قائمة سابقة قمتُ بكتابتها بداية السنة. القائمة بسيطة للغاية وتحتوي على جزئين، جزء للقرارات التي أريد اتخاذها هذه السنة، وجزء للأمنيات. بالنسبة للقرارات، أحاول أن أجعلها معقولة حتى أستطيع تحقيقها كقراءة عدد معين من الكتب، كتابة عدد معين من التدوينات، بعض الأنشطة التي أود ممارستها، ومهارة أو اثنتين أود تعلمها. أما بالنسبة للأمنيات، فأدوّن ما أود تحقيقه في هذه السنة وأتمناه. كلا من الجزئين يحتويان على نقاط قليلة مابين 5 إلى 7 نقاط فقط، فقد تعلمت من القوائم في السنين السابقة أنه كلما طالت القائمة كلما بدت صعبة التحقيق.
كنتُ قد بدأت بممارسة هذه العادة منذ 6 أو 5 سنوات تقريباً، ولكن إما أن تختفي الورقة التي كتبت عليها القرارات، أو أنسى أين كتبتها. ولكن منذ عام 2011 قررت أن أكتب هذه القرارات على مفكرة في “اللاب توب” لدي لحمايتها من التلف والنسيان. وبالفعل، أصبحت لديّ عادة ثابتة أمارسها بداية كل سنة جديدة أو نهاية كل سنة.
عندما اقرأ قائمة القرارات التي كتبتها منذ سنة ينتابني شعور غريب، مزيج من الفخر والخجل والضحك. فقد أفخر بما أنجزته هذه السنة مقارنة بالمكتوب، و أخجل من إرادتي الكسولة بأنني أردتُ أن أفعل شيئاً ولم أقدم عليه، وأضحك على نفسي عندما أراني قد تمنيتُ بشدة شيئاً لم أحققه أو أحصل عليه وتبيّن لي خلال هذه السنة بأنه ليس مناسباً لي على الإطلاق.
كما أنني أقوم بوضع هذه القائمة في مفكرة واحدة تتضمن السنين السابقة والسنة الحالية حتى أستطيع أن أقارن قراراتي وأمنياتي السابقة والحالية ببعضها.
جربوا هذه العادة !

اختيار عدد الكتب التي أود قراءتها من خلال موقع قود ريدز:
goodreads

تستطيع أن تضع عدد الكتب التي تخطط لقراءتها في عام، وتُضيف الكتب المقروءة خلال السنة إلى الموقع حتى يقوم بدوره بإضافتها للتحدي. ينبغي التنبيه هنا أن عدد الكتب ليس مقياساً على جودتها، فخير لك أن تقرأ 10 كتب ممتازة من أن تقرأ 100 كتاب- لمجرد القراءة- في السنة. لكن المقصد من هذا التحدي هو أن تجعل من القراءة لك عادة، فعندما تريد أن تقرأ كتاباً واحداّ في الأسبوع، وهو رقم منطقي جداً، فهذا يعني أنك ستقرأ في السنة 48 كتاباً على عدد أيام الأسبوع في السنة. اجعلها 40 كتاباً، هناك بالتأكيد 8 أسابيع في السنة لا تود أن تقرأ فيها ومن أجل أن نجعل التحدي معقولاً. يمكنك أيضاً أن تقرأ كتاباً في الشهر، هذا يعني 12 كتاباً في السنة.
من الممكن أن تضع 5 كتب صعبة تود قرائتها خلال العام القادم على سبيل المثال، وتجعل باقي الكتب موزعة ما بين الروايات والكتب الخفيفة.

وفي الختام، أليس من المثير – ومن المُحبط أيضًا- تصوُر السنة كدفتر شخصي يحتوي على 365 صفحة؟ بعض هذه الصفحات مليء بالأسطر السعيدة وبعضها يحتوي على كلمة واحدة حزينة، والكثير منها خالية من أي تعبير. وقد يحزننا أن ندرك أنه بمجرد تجاوزنا لصفحة واحدة فإننا لا نستطيع التعديل عليها للأبد وكأنها غُلّفت بتغليف حراري، فمهما حاولنا أن نُمحيها بقلم أسود عريض فإنها تظل شامخة قابعة بالأسفل. كأنه يُقال لنا “هذه صفحاتكم املؤها بما شئتم”..ولكن أوليس الكثير من صفحاتنا لم نشارك في كتابتها؟

وماذا عنكم..ماهي استعداداتكم للسنة الجديدة؟

إنكار الموت

الخوف من الموت – ذلك البلد المجهول الذي لا يعود منه المسافر أبدًا- يُحيّر إرادتنا،
ويجعلنا نُؤثر تحمل المكروه الذي نعرفه
على الهرب منه إلى المكروه الذي لا نعرفه

شكسبير على لسان هاملت – الفصل الثالث، المشهد الأول

الخوف من الموت، من أن حياتنا على هذه الأرض سوف تنتهي يومًا لهو أمر عظيم. وإنتهاء هذه الحياة كما نرى مع الأسف الشديد يتخذ شكلًا مأساويًا في العادة، فتنتهي حياة شخص ما لإصابته بمرض عضال أو بمرض من أمراض الشيخوخة، أو لحادث عرضي كاصطدامه بسيارة، أو بالحرق أو بالغرق.. سبب قوي قاسٍ ينزع منه الحياة، وتتعدد الأسباب والموتُ واحد. ونُدرك بأن أكثر حقيقة مُؤكدة على وجه الأرض هي حقيقة الموت. فقد “تُنكر العين ضوء الشمس من رمد.. ويُنكر الفم طعم الماء من سقم” وينكر البعض كُروية الأرض، ووجود الله، لكن لن يستطيع أي شخص أن ينكر وقوع الموت.

نخاف أيضًا من الموت لأنه أمر مجهول، ولدينا بعض المعتقدات الراسخة والمخيفة، كسكرات الموت، ونهش الديدان لجسد الإنسان الجميل، وحياة البرزخ، ثم أن الموت مرحلة يستعد فيها الإنسان للجنة أو النار.. لذلك فإن فكرة الموت مُرعبة للغاية. والمضحك أنك إذا طالعت الكتب وجدت أن بعض الأدباء والمشاهير يجعلون من الموت أمرًا سعيدًا فهم لا يهابونه، ويرددون أن الإنسان الشجاع يواجه الموت بسهولة.. ولكن من منهم جرب الموت ثم كتب عنه فيُؤكد لنا مايزعم؟

ولعلّ قصيدة مالك بن الريب من أصدق ما قالته العرب من الشعر لأن مالكًا أنشدها وهو يحتضر:
أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني   يقرُّ بعيني أن سهيل بدا ليا

فهو يخاف من وحشة الموت، ويأنسُ برؤية نجم سهيل الذي اعتاد رؤيته.. ويطلب من صاحبيه أن يبكيا عليه، وأن يزوراه، ونشعر في كامل القصيدة بخوفه من الموت بعيدًا عن أهله وقومه. ولكن لماذا يريد القرب منهم وهو يعلم أنه سيرحل وحيدًا فلا ينفعه قربهم إليه؟
ولأن الإنسان من النسيان، فهو يتناسى هذا الخوف لحد الإنكار ويُداريه حتى يتجذّر في اللاوعي، فيظهر له هذا الخوف بشكل أو بآخر. في كتاب إرنس بيكر “إنكار الموت” والذي كتبه قبل أن يموت بعام واحد ثم حصل بعد موته بشهرين على جائزة بوليتزر، يتحدث عن هذا الإنكار، فيدور كتابه حول فرضية أن التطور البشري الذي نشهده الآن ماهو إلا دليل على حيلة دفاعية نفسية يستخدمها الإنسان يُنكر بواسطتها الموت ويرغب من خلالها الخلود.

2761
فالعلوم والفنون الإنسانية كالموسيقى والآداب وحتى الحركات السياسية لم تتطور إلا لرغبة الإنسان في تخليد ذكراه من خلالها. ويخبرنا بيكر أن الناس يجعلون من الأشخاص الذين واجهوا الموت أبطالًا بل ويقدسونهم، فيسوع هو بطل في العقيدة المسيحية لأنه انتصر على الموت ورجع إلى الحياة. ويذكرني بذلك بالشهداء عند المسلمين، فهم أبطال أيضًا تحدّوا الموت ومازالوا أحياء عند ربهم يُرزقون.

ومن أشكال إنكار الموت وطلب الخلود هو التناسل، ويذكرنا بقول شوبنهاور “أن الإنسان يقهر الموت من خلال الإنجاب”. ولعل ذلك أيضًا أن يُذكّرنا بالسيناريو المتكرر عن الرجل الشرقي الذي يصر على إنجاب ذكر حتى يحمل-يُخلد- اسمه. ومن الطريف أن هذا الرجل لن يُذكر اسمه بعد جيلين في الأوراق الرسمية التي أصبحت تسأل فقط عن الاسم الرباعي وأحيانًا الثلاثي، وأن شوبنهاور خُلّد ذكراه على الأرض بلا ولد.

ومن أشكال التهرب من الموت والرغبة في الخلود بحثُ الإنسان عن معنى لحياته. فالكآبة في وجهة نظر بيكر ماهي إلا فقدان الإنسان للمعنى في هذه الحياة، فعندما يُصاب الشخص بالشيزوفرينيا – مرض الفصام- فهو يختلق واقعًا يُريده حتى يضيف معنى إلى حياته، فالمرض هذا ماهو إلا افتقاد الإنسان إلى حيلة نفسية دفاعية ضد الموت.
وعندما تُطالع الكتب وتتقلب بين آراء الناس تجد أن جميعهم يُشدد على أن يكون لحياتك معنى، وإلا ..فمن الأشرف لك أن تموت! يا لقسوة الإنسان على أخيه الإنسان! ألا يقولون أن بسبب اليأس وُلدت العدمية؟
لكن كيف نجد هذا المعنى المُنقذ؟ يذكر بيكر بأن الدين لا يُقدم للإنسان هذا المعنى، وكذلك الأمر بالنسبة للعلم، فهما قاصران على تقديم معنى حقيقي لحياة الإنسان، فيجب على الإنسان أن يبحث عن “أوهام” جديدة مُقنعة تُضيف معنى لحياته حتى يشعر بالبطولة التي تجعله يقهر خوفه من الموت.. لكنه لا يُفصح لنا عن ماذا يقصد بهذه الأوهام!

يحضرني كتاب فيكتور فرانكل “الإنسان يبحث عن المعنى” -والذي كان يتحدث فيه عن فترة إعتقاله في اوشفيتز وأصبح يُعالِج بالمعنى-يقول فيه بأن الإنسان لا يمكنه أن يجد المعنى في داخله أو في ذاته، لأن الإنسان مهما حاول أن يحقق ذاته فإنه يفشل في ذلك. ولكنه يمكنه أن يجد معنى لحياته في 3 أمور: – ويستشهد في ذلك بقول نيتشه “إن من عنده سببًا لأن يعيش من أجله، فإنه غالبًا يستطيع أن يتحمل في سبيله بأي شكل من الأشكال”-
1- من خلال عمل ما: وهو مقصد الحياة للكثير من الناس
2- من خلال تجربة يعيشها أو شخص يقابله (الحب)
3- من حالة يتوصل إليها من خلال المعاناة:

كأن يكون مريضًا بالسرطان، فهو يواجه مصيرًا لا يمكن تغييره “عندئذ يكون أمام الشخص فرصة أخيرة لتحقيق القيمة العليا، لتحقيق المعنى الأعمق وهو المعاناة.. فإذا قبل تحدي المعاناة بشجاعة، كان لحياته معنى حتى اللحظة الأخيرة”.

وعن الخوف من الموت والخلود، هنا مقطع فيديو-4 دقائق- يتحدث عن سيناريو عجيب.. لو أن هناك شخص خالد، فكيف ستكون حياته الأبدية بين الفانين من البشر؟

هل الحياة مُدهشة بالفعل؟

لو أن مولودًا صغيرًا عرف أن يتكلم، لكان عبّر بالتأكيد عن دهشته من الوقوع في عالم غريب.. ولكنه قبل أن يصبح قادرًا على التكلم بشكل صحيح، يكون الكون بالنسبة له قد أصبح عادة”.

هل تعوّدت على العالم وأصبح كل شيء بالنسبة لك عاديًا؟ أغرقت في الروتين اليومي لدرجة أنه من الصعب أن يدهشك أي شيء؟ تفكّر قليلًا في التالي:
كانت احتمالية التقاء أمك بأبيك هي 1 من 20 ألفًا، ثم عندما غمرهما الحب كانت فرصتهما في إنجابك كطفل لهما -باعتبار أن الرجل ينتج 4 تريليون من الحيوانات المنوية خلال حياته والمرأة تُنتج 100 ألف من البويضات خلال حياتها، واحتمال إلتقاء حيوان منوي واحد ببويضة واحدة هو عبارة عن 1 من 400 كوادريليون (18 صفرًا)! ثم لو عدنا إلى الوراء، وكيف أن كل جدّ من أجدادك التقى بامرأة (إحدى جداتك) إلى أن وُجد أبويك.. سوف تجد في النهاية أن احتمالية وجودك على هذا الكون تساوي…الصفر!
هل أنت معجزة؟
ثم امتلاكك -أنت أيها المعجزة- لهذا الجهاز الذي تقرأ منه تدوينتي، ماهذه الفرصة التي جعلتك تضغط على رابط التدوينة وجمعتني بك كقارئ؟ أليس هذا كله مثير للدهشة؟

نحن اعتدنا الحياة حتى اعتقدنا أن كل شيء حولنا رتيب وممل، ورفعنا سقف الدهشة عاليًا فلا نتعجب إلا عندما نرى ماهو غير مألوف، وقد تكون الأمور المألوفة هي الأحق بالدهشة.

هناك أمثلة على كثير من الأمورة اليومية التي قد تجعلك تتأملها فتُصيبك بالدهشة..ملابسك القطنية على سبيل المثال: فلّاح استخدم آلة لحصاد القطن، ثم فرز المحصول باستخدام المحلج، وخزّنه ثم شحنه أو قامت شركة ما بهذه المهمة عنه وشحنت المحصول إلى الشركات التي استخدمت هذا القطن في تصنيع وإنتاج الملابس، ثم هناك المصمم الذي وضع تصميم قميص قطني وبعده العامل الذي قام بحياكة هذا القميص تحت الآلة، ثم صاحب المحل الذي أمل بأن يجني رزقه من وراء هذه القطعة فعرضها في دكانه للناس، ورأيته أنت في أحد نزهاتك في السوق ونال على إعجابك بدرجة كافية لأن تشتريه. ياترى كم من الوقت وماهي الحكايات التي صارت خلال هذه الفترة حتى وصل إليك هذا القميص شخصيًا؟

ومثل ذلك القهوة أو الشاي، فهناك الفلّاحة في مزارع سيرلانكا تعمل على قطف الشاي منذ الصباح أو الفلّاح في مزارع كولومبيا يحصد بُن القهوة بيديه، ياترى كيف كان شكل أياديهم المتعبة؟
الكثير من القصص حصلت في هذه المزارع بالطبع، فهذه الفلّاحة تريد أن تؤمن معيشة هانئة لأطفالها وتتكفّل بمصاريف دراستهم، وهناك صاحب المزارع الذي لا يُعوض الفلاحين نظير عملهم بشكل عادل، وقد تكون هناك تدخلات من الطبيعة ككمية المطر أو الحشرات فتُقلق هؤلاء… ثم أنت ومزاجك، ما هو الموقف الذي جعلك تجرب الشاي أو القهوة ثم تقع في غرام أحدهما فتداوم على شربه؟

عندما تسير في مكان ما على قدميك، ياترى مَن مِن الأشخاص قد حطّت قدماه على هذه البقعة من الأرض، كم عددهم؟ هل هم سعداء؟ هل كُسرت قلوبهم يومًا؟ هل هناك شخصًا ذكره التاريخ قد مشي في هذا الموضع من الأرض أم هو مغمور يشبهنا؟ قد يكون هناك شخص ما تُوفي على هذه البقعة وقد يكون هذا قبره في أحد الأزمنة، وقد تكون هناك حرب ما قد اندلعت في هذا المكان..

هل لديك حساب في تويتر؟ أليس غريبًا أن يكون لك متابعين؟ تخيّل أنك أردت أن تعبّر عن رأيك في شركة الإتصالات قبل عشرة أعوام، كنت ستصبح سعيدًا لو أن هناك 10 أشخاص فقط توقّفوا عن مشاغلهم اليومية من أجل سماع رأيك بالكامل ثم انصرفوا، أليس هذا عظيمًا؟

عندما تضغط على مفتاح النور في غرفتك المظلمة، وفي جزء من الثانية تصير مضيئة تستطيع أن ترى كل شيء فيها، إنتقالك من الظلام إلى النور.. عندما تنظر إلى البدر بإعجاب وهو مكتمل وهناك أشخاص في هذا العالم ينظرون إليه في نفس اللحظة.. عندما تفتح الصنبور ويهل الماء على يديك.. عندما تدوس على حشرة من بين ملايين الحشرات (يالحظها التعس).. عندما تخلط اللون الأصفر مع الأزرق فيُنتج لك اللون الأخضر..

هذا وثائقي عظيم من إنتاج بي بي سي متوفر على نت فليكس سيُصيبك بالدهشة حتمًا طوال فترة مشاهدتك له، عن كوكبنا الأرض، بُذل فيه مجهود عظيم – 5 سنوات- من أجل إنتاجه.
rhhybiهذا الوثائقي الرائع هو سلسلة جميلة من 11 حلقة، عن الصحاري والمحيطات والغابات والجبال وغيرها. أنصحكم بمشاهدته.

أترككم مع بعض الأمور التي أدهشتني وتأملتها طويلًا:
file-2016-10-23-3-32-22-pmهذا المخلوق الجميل يُصيبك بالدهشة والإعجاب، ويجعلك تظن بأنه يراقبك خاصة مع الأعين الصغيرة المُوزّعة على أجنحته
file-2016-10-23-3-28-34-pmوردات خرجن من فتحة في البالوعة!

file-2016-10-23-3-29-43-pmقد تكون رسمة طينية وقد يكون هناك سلطعون بالفعل يقبع تحتها قبل زفلتة الشارع
file-2016-10-23-4-26-22-pmهل هناك أليس في الجوار في حفلة شاي؟ أم هذا جندي من جنود ملكة القلوب؟
file-2016-10-23-4-26-52-pmبطاقة دعوة لاحتضان شخص ما تحتضن الأرض
photo-12-9-2013-7-54-09-pmبطاطا بالثوم تبادلني الإعجاب كما أبادلها وتُعبّر عنه برسمة القلب على سطحها اللذيذ

file-2016-10-23-3-39-51-pmكنت أظن أن الدجاج والديك من الحيوانات الداجنة حتى رأيت هذه العائلة في الطريق
file-2016-10-23-4-26-38-pmهيكل عظمي أجده دائمًا في شوارع المدن الأمريكية
file-2016-10-23-4-27-01-pmرواية أحدب نوتردام مُهملة على الأرض، ياترى هل ارتاع القارئ من بشاعة كوازميدو للدرجة التي جعلته يرمي الكتاب هكذا؟

وأنتم.. ما الذي يُدهشكم؟

غزو السعادة

كيف حالكم يا أصدقاء؟ مؤخراً قرأتُ كتاباً للفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل عن السعادة وأعجبني فأحببت أن أنقل لكم بعض النقاط الأساسية التي وردت فيه بتلخيص شديد. اسم الكتاب “غزو السعادة” |للتحميل|. أرجو أن تكون هذه التدوينة سببًا في قراءتكم لهذا الكتاب.

في البداية من هو برتراند رسل ولماذا يكون حديثه عن السعادة بهذه الأهمية فيُؤخذ بكلامه؟
bertrand-russell

هو عالم رياضيات وفيلسوف إنجليزي حاز على جائزة نوبل في الآداب، وله مؤلفات عديدة في الفلسفة والمنطق والرياضيات، على سبيل المثال كتب ورقة بحثية في أكثر من 300 صفحة مع أستاذه الفرد وايتهيد يُثبت فيها بأن 1+1=2
عانى من الإكتئاب في فترة المراهقة لدرجة أنه كان يفكر كثيراً بالإنتحار ولكنه لم يفعل “لأنه أراد أن يتعلم المزيد من الرياضيات”. في هذا الكتاب يعترف رسل بأنه من الأشخاص السعداء في هذا العالم، ويضع فيه فلسفته الشخصية التي يراها عن السعادة.

يستهل رسل كتابه بقوله “الحيوانات تظل سعيدة مادامت في صحة جيدة، ويتوفّر لها الطعام الكافي. ويساورنا الشعور بأن الكائنات البشرية ينبغي أن تكون سعيدة أيضًا ولكن تلك ليست حال الأكثرية في عالمنا الحديث”.
فيقترح حينها بعض التغييرات التي يمكن بواسطتها أن يحقق الفرد سعادته، ويجب التنبيه على أن كلامه موجه للناس الذين يتمتعون بدخل كاف لتأمين الغذاء والسكن ولديهم صحة جيدة يمارسون بها النشاطات الطبيعية العادية، ويستثني منهم من ذاقوا المصائب الكبيرة كالوالدين الذين فقدوا أحد أو كل أولادهما.

يبدأ رسل بسرد أسباب التعاسة، وأولها:
الإهتمام المفرط بالنفس: الإهتمام الذاتي أو الأناني الذي لا يستطيع المرء أن يُحرز تقدمًا بسببه – إلا إذا كتب يومياته من باب مراقبة النفس وتحليلها- هو سبب من أسباب التعاسة. فمن صور هذا الإهتمام هو الشعور الدائم بالخطيئة والشعور بالذنب (تفسير أن كل مصيبة هي غضب من الله تعالى)، عشق الذات أو النرجسية المفرطة، مرض العظمة.

روح المنافسة “أو الصراع من أجل الحياة”: فالتشديد على أن السعادة تأتي من النجاح في المنافسة هو مصدر للشر بالنسبة لبرتراند رسل. وهذه الأيام يُقاس الذكاء للأسف بالنسبة إلى المال الذي يكسبه المرء; فالشخص الذي يكسب كثيرًا هو امرؤ ذكي، والشخص الذي لا يفعل ذلك ليس ذكيًا.

السأم: يقول رسل أن السأم في التاريخ كانت قوة مُحركة للإنسان، ففي عصر الصيد كان الإنسان يجد الإثار في الصيد، وكانت الحرب أخّاذة بالنسبة له. وظهرت الرتابة مع ظهور الزراعة وازدادت مع عصر الآلة.
“تصوّر سأم الشتاء في القرون الوسطى. لم يكن البشر آنذاك يعرفون القراءة أو الكتابة، ولم يكن لديهم سوى الشموع لكي يستضيئوا بها لدى هبوط الليل، ودخان نارهم كان يملأ القاعة الواحدة التي لم تكن باردة. وكانت الطرق تقريبًا غير سالكة، ومن حسن الحظ أن الناس نادرًا ما كانوا يختلفون إلى القرية المجاورة. ولا يدهشنّ أحد إذا ماكان هذا السأم وعوامل أخرى قد دفعت الناس إلى مطاردة الساحرات، ذلك بأن تلك كانت التسلية الوحيد التي استطاعت إدخال البهجة إلى سهرات الشتاء… نحن نسأم أقل مما كان يسأم أجدادنا، ولكننا نخشى السأم أكثر”.
لكن السأم ليس كله شر، فهناك النوع المثمر الذي يجلب الأنشطة الحيوية. ويجب أن يكتسب الإنسان منذ الطفولة القدرة على تحمل الحياة الروتينية، ويقع اللوم على الوالدين في تقديمها لأولادهما الكثير من التسليات السلبية .. فحياة اللهو لا تُثمر مشاريع بنّاءة، بل تجعل أفكار المرء تتوجه نحو نيل لذة مباشرة بدلًا من تحديد هدف بعيد.

التعب: فالتعب الجسدي يوفّر نومًا سليمًا وشهية جيّدة، لكن التعب المفرط خطير ويجعل الحياة لاتُطاق. والتعب العصبي يمثّل أكثر الأخطار في المجتمعات المتقدمة، فالخوف من الطرد من العمل والهموم والقلق أمثلة على ذلك. يخبرنا رسل أنه كان يتهيّب الجمهور عند إلقاء خطاب أمامهم:”كنت أشعر لدى انتهاء الخطاب بأنني مُنهك من فرط التوتر العصبي.. لكنني علّمت نفسي التفكير في أنه لا أهمية مطلقًا لتحدّثي بصورة جيدة أو سيئة، فالعالم سيبقى هو إياه في الحالتين” ومن أحد أعراض التعب النفسي هو أن يعتقد الإنسان أن عمله مهم جدًا ولا يستطيع تأجيله وأنه إذا توقف عن العمل وذهب في عطلة فإن هناك مصيبة سوف تحدث “ولو كنتُ طبيبًا لوصفت العطلة لكل مريض يعتبر عمله مهمًا”. إن خطر التعب العصبي يكمن في كونه حاجزًا بين الإنسان والعالم الخارجي، ويجعله يميل إلى التركيز على بعض الأمور النادرة، فيصبح لا مباليًا بالنسبة إلى سائر الأشياء.

الحسد: هو أقوى أسباب الألم. “هل اتفق لك أن أشدت يومًا بفنان أمام فنان آخر؟ هل أشدت قط بسياسي أمام سياسي آخر من الحزب نفسه؟ هل أطريت يومًا عالِمًا بالآثار المصرية أمام عالِم آخر؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فإنك لا ريب قد أحدثت تفجّرًا للغيرة”. فالحاسد يجعل نفسه تعسًا بسبب حسده، وبدلًا من أن يجد السرور فما يملك، تراه يجني الألم أكثر من الآخرين.
ماسبب الحسد؟ “يقيني أن التعاسة التي تصيب المرء يفي الطفولة تُساهم في حدّ كبير في تنمية الحسد.. والقلب البشري كما شكّلته الحضارة العصرية ميّال أكثر إلى الحقد منه إلى الصداقة”
وماعلاج الحسد؟ “التربية الذهنية وعادة عدم خلق المرء لنفسه أفكارًا لا طائل منها.. قدّر المباهج التي تُعرض لك، وقم بالعمل المطلوب منك

الشعور بالإثم: “فالشعور بالإثم أبعد من أن يُحدث السعادة. إنه يجعل الإنسان تعسًا ويُولّد فيه شعورًا بالدونية

مس الاضطهاد (او الإحساس بأنك محور الكون): “فإذا كان شخص ما يدّعي أنه لا يلقى إلا معاملات سيئة، فإن من المحتمل جدًا أن يكمن السبب في هذا الشخص نفسه، أو أن يكون هو من يخلق إهانات وشتائم ما كان ينبغي في الحقيقة أن يشكو منها” وهؤلاء الذين يفعلون الخير مع الناس ويندهشون من عقوقهم.
هناك أربعة مبادئ تُعالج مس الاضطهاد هذا:
1- لاتنسَ أن دوافعك ليست دائمًا نزيهة
2- لا تستهن مطلقًا بمزاياك الشخصية: فالكاتب المسرحي الذي لا تحظى مسرحياته بالنجاح، يجب أن يواجه الافتراض بأن مسرحياته رديئة ولا ينبذ هذا الإحتمال.
3-لا تتوقع أن يهتم بك الآخرون كما تهتم أنت بهم
4- لا تتصوّر أن غالبية الناس تفكر فيك كفاية لكي يكون لها رغبة خاصة في اضطهادك..فالحكومة البريطانية انهمكت طوال السنوات في التصدى لنابليون، فلو كان هناك شخص أقل أهمية يتصور أن الآخرين يفكرون فيه دومًا، فإنه يكون على طريق الجنون.

الخوف من الرأي العام: إن الخوف من الرأي العام يُوقف التطور، و”قلة هم الذين يسعهم أن يكونوا سعداء إذا لم تكن حياتهم أو تصوّرهم للعالم يحظيان بموافقة أولئك الذين يختلطون بهم، وبخاصة أولئك الذين يحيون معهم”. الجميع يحتاج إلى محيط متعاطف لكي يسعدوا، ولكن يستحيل على الكثيرين التخلص من النقد.

أسباب السعادة:

في اعتقاد رسل بأن هناك نوعين من السعادة:
سعادة بسيطة،حيوانية،انفعالية
وسعادة مرهفة، روحية وفكرية
فالسعادة الأولى هي في متناول كل كائن بشري، والأخرى ليست متاحة إلا لهؤلاء الذين يُتقنون القراءة. وتقدير المرء لذاته أمر ضروري للسعادة، كما أن الإيمان بقضية ما- أو بمعتقد ما- هو مصدر سعادة لكثير من الناس. أيضًا ينصح برتراند رسل بتوسيع الإهتمامات والهوايات الشخصية لكونها مصدر من مصادر السعادة.

لذة العيش: يخبرنا رسل بالخاصية الأكثر شمولية لدى الإنسان السعيد وهو استمتاعه بالعيش. فيعطينا مثالًا جميلًا على ذلك، وهو جلوس الناس على مائدة الطعام. فتجد أن هناك من لايُثير اهتمامه الطعام الشهي، وتجد هؤلاء المحرومين من أنواع معينة من الأطعمة، ثم تجد الذوّاقة الذين يدركون على الفور النقص في أحد الأطعمة، وهناك النهمون الذين ينقضون على الأكل انقضاض الطيور ويكثرون من الطعام، وأخيرًا هناك الذين يبتدأون وجبتهم بشهية جيدة ويأكلون ثم يتوقفون. فالناس الذين يجلسون على مائدة الحياة لهم ردود الفعل نفسها.
يتميّز الشخص الذي يحب الحياة من ذاك الذي لا يحبها، لأنه يعرف كيف يجني فائدة من الاختبارات غير السارة.

المحبة: المحبة التي نتلقى، لاتلك التي تُمنح، توفر لنا الشعور بالأمن الذي يساعد الإنسان على تجنب المخاطر، والاطمئنان تجاه الحياة مصدره بصورة خاصة المحبة.والطفل المحروم-لسبب أو آخر- من محبة والديه سوف يكون مستعدًا للخوف من كل الأشياء ولن يكون بمقدوره مجابهة العالم بروح مرحة ومغامرة وسيشرع باكرًا جدًا في تأمل الحياة والموت والمصير البشري.

الأسرة: محبة الأهل لأولادهم ومحبة الأولاد لذويهم قد تكون من أحد أكبر مصادر السعادة وقد تكون أيضًا مصدر شقاء بالنسبة إلى أحد الطرفين. فأسباب فقدان السعادة في الحياة العائلية في أيامنا الحاضرة مختلفة: لها طابع سيكولوجي، واقتصادي، واجتماعي وتربوي وسياسي.

العمل: إن العمل يستغرق حوالي نصف ساعات اليقظة، ويتوقف عملك على كونك تشعر بالنجاح أو الفشل. فهو يؤمن لك المعيشة، ويمنح حياتك غاية واضحة وينقذك من السأم

الاهتمامات غير الشخصية: الاهتمامات الصغيرة هي التي تملأ ساعات الفراغ وتوفّر استرخاء للتوتر. فأحد مصادر التوتر العصبي والشقاء الأخلاقي والتعب هو العجز عن الاهتمام بكل ما ليس ذا أهمية في الحياة. “ولتحمّل المصيبة بشجاعة عندما تقع ينبغي أن يكون المرء قد كرس نفسه لاهتمامات أوسع، بحيث يستطيع الفكر أن يحضّر للألم مكانًا هادئًا يدعو إلى تداعي أفكار وانفعالات أخرى غير تلك التي تجعل الحاضر صعب الإحتمال”

نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله

قرارات السنة الجديدة

بقي على السنة الميلادية الجديدة أقل من عشرين يوماً. ولأن حدث دخول السنة الجديدة -سواء كانت قمرية أو شمسية- مهم للكثيرين حيث أنه يمثل الأمل القادم، قررت أن أكتب في هذه التدوينة عن بعض العادات الشخصية التي أتخذها عند مطلع كل سنة لعلها تفيد البعض:

1- كتابة القرارات السنوية:
في نهاية كل سنة أقوم بكتابة قائمة للسنة القادمة، وبمراجعة قائمة سابقة قمتُ بكتابتها بداية السنة. القائمة بسيطة للغاية وتحتوي على جزئين، جزء للقرارات التي أريد اتخاذها هذه السنة، وجزء للأمنيات. بالنسبة للقرارات، أحاول أن أجعلها معقولة حتى أستطيع تحقيقها كقراءة عدد معين من الكتب، كتابة عدد معين من التدوينات، بعض الأنشطة التي أود ممارستها، ومهارة أو اثنتين أود تعلمها. أما بالنسبة للأمنيات، فأدوّن ما أود تحقيقه في هذه السنة وأتمناه. كلا من الجزئين يحتويان على نقاط قليلة مابين 5 إلى 7 نقاط فقط، فقد تعلمت من القوائم في السنين السابقة أنه كلما طالت القائمة كلما بدت صعبة التحقيق.
كنتُ قد بدأت بممارسة هذه العادة منذ 6 أو 5 سنوات تقريباً، ولكن إما أن تختفي الورقة التي كتبت عليها القرارات، أو أنسى أين كتبتها. ولكن منذ عام 2011 قررت أن أكتب هذه القرارات على مفكرة في “اللاب توب” لدي لحمايتها من التلف والنسيان. وبالفعل، أصبحت لديّ عادة ثابتة أمارسها بداية كل سنة جديدة أو نهاية كل سنة.
عندما اقرأ قائمة القرارات التي كتبتها منذ سنة ينتابني شعور غريب، مزيج من الفخر والخجل والضحك. فقد أفخر بما أنجزته هذه السنة مقارنة بالمكتوب، و أخجل من إرادتي الكسولة بأنني أردتُ أن أفعل شيئاً ولم أقدم عليه، وأضحك على نفسي عندما أراني قد تمنيتُ بشدة شيئاً لم أحققه أو أحصل عليه وتبيّن لي خلال هذه السنة بأنه ليس مناسباً لي على الإطلاق.
كما أنني أقوم بوضع هذه القائمة في مفكرة واحدة تتضمن السنين السابقة والسنة الحالية حتى أستطيع أن أقارن قراراتي وأمنياتي السابقة والحالية ببعضها.
جربوا هذه العادة !

2- اختيار تقويم جديد
أحب التقويم اليومي لأم القرى والذي يحتوي على صفحات فارغة أستطيع التدوين عليها، ويتضمن تفاصيل كثيرة كالتقويم الهجري والميلادي (وأسماء الشهور بالسريانية) والأنواء ومواقيت الصلاة وغيرها. جمال التقويم اليومي يكمن في انتزاع الورقة، أو تقليبها، عند حلول يوم جديد، هذا الشعور يجعلك تستوعب شيئاً عجيباً، فبكل بساطة عندما تقلب ورقة أو تتنزعها في الصباح الباكر فإنك تدرك أنك تُقلّب 24 ساعة دون رجعة، وقد يجعلك هذا الشعور تقدّر قيمة يومك. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع استخدام ورقة التاريخ هذه لوضعها في كتاب قرأته-شاهدت بنفسي ورقة في إحدى كتب أبي لتاريخ يعود إلى أكثر من عشرين عاماً وجعلتني أتفكّر في حالة والدي وهو يقرأ هذا الكتاب-. كما أنني أهديتُ ابنة خالتي ورقة كنت قد كتبت عليها في طفولتي (في هذا اليوم وفي الساعة الفلانية، وُلدت ابنة لخالتي وسمّوها فلانة) وكم كانت سعادتها غامرة بهذه الورقة.

السنة الماضية لم أستطع الحصول على تقويم يومي لأم القرى، فقمت بابتياع تقويم يومي ميلادي فيه اقتباسات يومية جميلة للكاتب الأمريكي الساخر مارك تواين. تستطيعون تخيّل سعادتي البسيطة في كل يوم أقلّب فيه الورقة من أجل مقولة جديدة.

Screen Shot 2015-12-12 at 2.50.37 PM

هنا يقول مارك تواين “الحياة ستكون أسعد بكثير لو أننا وُلدنا بعمر الثمانين ونقترب ببطء نحو سن الثامنة عشر”.

Screen Shot 2015-12-12 at 2.50.14 PM

وهنا اقتباس آخر من مارك توين نهديه لمحاور الكون: “لا تكثر التشكي وكأنّ العالم مدين لك بشيء، العالم لا يدين لك بشيء، فقد كان موجوداً قبلك” 

 
كما قمت بشراء تقويم شهري جميل للحائط، يحتوي على صور لأدباء وكتّاب مشهورين. هنا شهر يونيو مع المؤلفة الإنجليزية جين أوستن.

Screen Shot 2015-12-12 at 2.49.23 PM

Screen Shot 2015-12-12 at 2.49.56 PM

بالنسبة لهذه السنة، لا أدري أي التقاويم سأختار.

3- اختيار عدد الكتب التي أود أن اقرأها في السنة القادمة
وذلك بمساعدة برنامج “قود ريدز” وبمشاركة القرّاء من أنحاء العالم، تستطيع أن تضع عدد الكتب التي تخطط لقراءتها في عام، وتُضيف الكتب المقروءة خلال السنة إلى الموقع حتى يقوم بدوره بإضافتها للتحدي. ينبغي التنبيه هنا أن عدد الكتب ليس مقياساً على جودتها، فخير لك أن تقرأ 10 كتب ممتازة من أن تقرأ 100 كتاب- لمجرد القراءة- في السنة. لكن المقصد من هذا التحدي هو أن تجعل من القراءة لك عادة، فعندما تريد أن تقرأ كتاباً واحداّ في الأسبوع، وهو رقم منطقي جداً، فهذا يعني أنك ستقرأ في السنة 48 كتاباً على عدد أيام الأسبوع في السنة. اجعلها 40 كتاباً، هناك بالتأكيد 8 أسابيع في السنة لا تود أن تقرأ فيها ومن أجل أن نجعل التحدي معقولاً. يمكنك أيضاً أن تقرأ كتاباً في الشهر، هذا يعني 12 كتاباً في السنة.
خلال عام 2015 وحتى لحظة كتابة هذه التدوينة، قرأت 46 كتاباً من أصل 40 كتاباً وضعتُ عددها في بداية السنة من خلال موقع قود ريدز، مع إنشغالاتي أراه رقماً معقولاً. في الكثير من الأحيان أتمنى أن اقرأ مئة كتاب في السنة ولكني أتراجع عن تفكيري هذا بحجة أن الجودة تهم أكثر من العدد، ولذلك قد أضع رقم 40 أو 48 مرة أخرى للسنة القادمة إن شاء الله.

ماذا عن عاداتكم السنوية؟

تجارب 2

كيف حالكم يا أصدقاء؟ هذه تدوينة جديدة من تجارب وفيها استعرض بعض تجاربي في قراءة الكتب، واستخدام برامج الآيفون، ومشاهدة بعض الأفلام الوثائقية، وشراء المنتجات عن طريق الإنترنت، وغيرها. إذا فاتتكم التدوينة الأولى بإمكانكم قراءتها هنا.

وثائقيات:

أحب إضافة الزعفران إلى الطعام بمختلف أنواعه لتتبيله خاصة الرز، وأعلم أن الزعفران غالي الثمن لأنني اشتريه بثمن مرتفع مقارنة بوزنه ومقارنة ببقية التوابل، وأحرص على تخزينه جيداً. هذا الفيلم الوثائقي الجميل من قناة الجزيرة يوضح لنا سبب غلاء الزعفران وكيفية زراعته وحصاده. الفيلم تم تصويره في المغرب – في مدينة تالوين جنوب المغرب تحديداً- وهي من أكبر الدول المُنتجة للزعفران بعد  إيران. بعد مشاهدة الوثائقي الجميل، أعددتً كوباً من الشاي أضفت إليه القليل من الزعفران. شكراً للصديقة هند على اقتراحها لهذا الوثائقي.

كتب:

أولاد حارتنا:

  

الرواية لنجيب محفوظ، والذي نشرها على أجزاء في صحيفة الأهرام المصرية. أثارت هذه الرواية جدلاُ واسعاً في تلك الأيام فقد قام العديدون بتكفيره وإخراجه من الملة، وبعدها حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب. الرواية تتحدث عن بداية الخلق حيث هناك أدهم (آدم) وإدريس (إبليس)، ثم تنتهي بالعلم وموقفه من الدين.

علّق جورج طرابيشي في كتابه (الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية) على قصة عرفة بقوله “فالعلم في نظر نجيب محفوظ قد يخطيء الدروب والمسالك، وقد يصبح سنداً للقوة الغاشمة، وقد يتسبب حتى في موت الإله، ولكنه لا يمكن مع ذلك أن يكون مبغوضاً ولا مكروها عند الله، لأن العلم هو اليوم طريق الخلاص للإنسانية، بل قل نبيها الجديد في عصر نهاية الأنبياء”.

مذكرات ميخائيل نعيمة (سبعون):

  

كان قد كتبها عندما بلغ من العمر سبعون سنة. المذكرات تتكون من3 أجزاء: طفولته وبداية شبابه، رحلته في المهجر (أمريكا)، وأخيراً عودته إلى لبنان. الجزء الأول جميل جداً وهو أجمل المذكرات، ثم الجزء الثاني، ثم الثالث.
بالنسبة للجزء الأول:
عشت أيام جميلة بين بسكتنا ووادي الشخروب.. لفتت انتباهي الأسطورة التي تحكي عن هجرة اللبنانيين عن لبنان، فقد كنت أتساءل دائماً عن هجرة اللبنانيين عن بلدهم الجميل وانتشارهم حول العالم(قبل الحرب الأهلية)وإذ بالأسطورة تقول على لسان ميخائيل
“فقد كان القدامى يروون لنا حكاية مجنون يحمل قصبة ويطوف أحياء البلدة في كل يوم مناديا بأعلى صوته
رجالكم! نسوانكم! أولادكم! دجاجكم! ع البحور! ع البحور!

هناك الكثير من الذكريات التي استوقفتني، كالأغنية التي ذكّرت ميخائيل بوالده وبالشخروب وهو في المهجر (بالمناسبة بحثت عنها في اليوتوب ووجدتها، الأغنية قديمة من عام 1894.. اكتشفت أنها اُستخدمت لاحقاً في أفلام الرعب!)،

استوقفتني أيضاً لحظة التقاء أخيه أديب بوالديه بعد سنوات، وعن الرجل الذي ساعده وهو في حيفا حيث أخبر عن ذلك بقوله:
“يفوتني الآن الكثير من ذكريات تلك الرحلة ما بين بيروت وحيفا، ومن أحاسيسها وصورها وانطباعاتها. ولكن أمراً واحداً لا أنساه ولن أنساه ماحييت. وها أنا أرويه عبرة وذكرى، وبوّدي لو يكون الإنسان الذي أرويه عنه حياً حتى اليوم، ولو أنه يقرأ ما أروي..”

قواعد العشق الأربعون

أخيرا قرأت هذه الرواية للمؤلفة التركية إيلف شافاق، والتي أحدثت الكثير من الضجة. ولأن سقف توقعاتي بشأن هذه الرواية كان عالياً، فلم تعجبني الرواية كثيراً على الرغم من أنها كانت لطيفة وخفيفة. كان بالإمكان أن تكون قصة جلال الدين الرومي أكثر تشويقاً، لكني لم أجدها كذلك. ووجدت شخصية شمس التبريزي منفّرة

كتبت تدوينتين سابقاُ عن الصوفية ورحلتي إلى عالم الصوفية، إن أردتم الاطلاع عليها اضغطوا على أسماء التدوينات التالية:
1- عالم صوفي
2- رحلتي إلى عالم الصوفية

التطبيقات:
شطرنج

c
أحب لعبة الشطرنج كثيراً وامتلك حالياً اثنين من الشطرنج، إحداهما مصنوع من الزجاج والآخر خشبي، وكثيراً ماتمنيت أن أكون بارعة في هذه اللعبة. هذا التطبيق يجعلكم تلعبونها مع أفراد (في نفس مستواكم تقريباً) من أنحاء العالم. أدمنت لعبها على هذا التطبيق لأيام ثم تركته. في هذه الصورة، كانت ساعة الحظ بالنسبة في هذه الصورة، انظروا إلى هذه الحركة العظيمة! باستطاعتي قتل الملك، والوزير، والقلعة بواسطة حصاني الأبيض..ومن أجل ذلك استسلم خصمي قهراً !

Screen Shot 2015-08-22 at 12.05.10 AM

لعبة ايقر
Agao
اللعبة هي مضيعة للوقت ولكنها مسلية. الفكرة من اللعبة هي أن تحاول أن تبتلع الكتل الأصغر حجماً منك حتى يزداد حجمك، وأن تتفادى الكتل الأكبر حجماً. تستطيع ان تلعبها على اللاب توب أو على جوالك. هنا صورة أضحكتني لأحد المشاركين

  

تجارب شخصية:

1- أسبوع بدون سكر: خطرت لي هذه الفكرة عندما كنت آكل تشيزكيك (على غير العادة) مع صديقاتي. سألتهن ما إذا كان بإمكانهن تمضية أسبوع كامل بدون سكر كنوع من التحدي، بحيث تدفع الخاسرة منا ثمن أكواب قهوة الجميع من ستار بكس في نهاية الأسبوع! ووافقن على ذلك.
في البداية، ظننت أن التحدي سيكون سهلاً بالنسبة لي خاصة أنني لا أحب الحلويات، ولكني اكتشفت أن السكر يدخل في مكونات الكثير من الأطعمة التي أتناولها يومياً. فلم أستطع إضافة السكر في كوب الشاي عند الإفطار (استبدلته بسكر نبات لاحقاً)، ولم أستطع استخدام الكاتشاب على سبيل المثال. وفي إحدى أيام التحدي ذهبت إلى إحدى المقاهي واشتهيت كعك (على غيرعادتي) كانت موجودة بشكل جميل ومغري أمامي فطلبتها، ولكن بعد أن أحضرت النادلة صحن الكعك تذكرت أنني لا أستطيع أن آكلها بسبب التحدي ولا أود أن أخسر المسابقة وأدفع ثمن أكواب من القهوة. سألت النادلة إن كان بإمكاني إرجاع قطعة الكعك هذه لأنني (افتكرت فجأة بأنه غير مسموح لي بتناول السكر لأن..)، لكن النادلة قاطعت كلامي ووافقت فوراً. أظنها اعتقدت بأن الطبيب منعني من تناول السكر!

انتهى الأسبوع، للأمانة أمضينا 5 أيام (دون إجازة نهاية الأسبوع) تحت ضغط هذا التحدي. لم أشعر بشيء مختلف لأن الأيام كانت قليلة وغير كافية بإحداث تغيير. صديقتي أخبرتنا بأنها أصبحت “خفيفة”، وأنها كانت تشعر بالصداع طول هذه الفترة نظراً لأنها لا تشرب القهوة بدون سكر. بالنسبة لي، اعتمدتُ استخدام سكر النبات بدلاً من السكر الذي استخدمه.

اقترحت على صديقاتي بأن يكون التحدي القادم أسبوعاً بدون نشويات (كالرز، والخبز، والمكرونة..) ولكن لا أحد يود الإنضمام إلى هذا التحدي- حتى أنا صاحبة الفكرة 🙂 -.

2- تبادل المنتجات التجميلية:
لديّ بعض المنتجات التجميلية كالمكياج والصوابين والكريمات والتي استخدمتها لفترة بسيطة- أو لم استخدمها إلا لمرة أو اثنين- ولم تعجبني ولا أستطيع إرجاعها أو استبادلها بمنتجات أخرى، والكثير منها ينتهي إلى سلة القمامة بعد أن تنتهي مدة الصلاحية أو يتغيّر لونها. خطرت لي فكرة عرضها أمام صديقاتي وتبادلها بالأدوات التجميلية التي بحوزتهن ولم تعجبهن بالمقابل.

وفعلاً استبدلت هذه الأغراض (صورة) التي لا أحتاجها بأغراض أخرى شبه جديدة من صديقتي (لم أصورها بعد).

  

مشتريات عن طريق الإنترنت:
www.nuts.com
اشتريت منهم بعض الفواكه المجففة: كالليمون المجفف، المانجا، والتفاح. لديهم خيارات متعددة لكل فاكهة مجففة. أعجبني طعم الليمون المجفف، أما المانجا المجففة كانت جيدة ولكني أفضّل المانجا التي اشتريتها من آي إرب. هذه المرة الأولى التي أتعامل فيها مع هذا الموقع، أعجبتني طريقة التغليف جداً. للأسف لم أتمكن من التقاط صورة لها، لكن هنا صورة من قوقل.

nu-01

www.iherb.com

Giovan
شامبو وبلسم من جيوفاني. يجعل ملمس الشعر جميل بدون أن يجففه كبقية الشامبوهات. لا أدري إن كان سيناسب نوعية شعركم أم لا، شعري ناعم نوعا ماً -ويفي- ولكنه جاف.

صابون من
Pre De Provence

pre-oap-150g-11
هذا الصابون الفرنسي رائع، رغوته غنية ورائحته زكية. اشتريته من مدينة فيكتوريا ولكني وجدته متوفراً على أمازون. جربت الصابون من رائحة اللافندر، ورائحة التوت (لونه أحمر غير موجود بالصورة).

نراكم في تدوينة قادمة إن شاء الله 🙂

تجارب

كيف كان عيدكم؟

أظن بأنني فقدت لياقتي في التدوين هنا في نجم، لذلك أردت استرجاعها تدريجياً بأن أكتب شيئاً خفيفاً، فقررت أن أجمع في هذه التدوينة بعض التجارب المختلفة للمنتجات التي استخدمتها مؤخراً، الكتب التي قرأتها، والبرامج أو الأفلام التي شاهدتها وبعض المنتجات الغذائية.

التطبيقات:

Screen Shot 2015-08-09 at 5.52.53 PM
مصاريف: من اسمه، فهذا التطبيق الجميل يقوم بمتابعة مصاريفك المالية ويساعدك في معرفة أين تذهب نقودك وذلك حتى تنظم حياتك المالية. التطبيق عربي ومجاني. أعجبني لكن مللت منه كونه يتطلب أن تدوّن كل ما أنفقته ويقوم بتذكيرك أيضاً.

Pocket:

1on
تطبيق رائع! إذا صادفت مقالة أو مقطع فيديو أثناء تجولك في الشبكات الإجتماعية ولم يكن لديك الوقت الكافي لقراءتها أو مشاهدتها، وأردت أن تعود إليها لاحقاً، فهذا التطبيق يساعدك في ذلك. الأمر سهل، كل ماعليك هو أن تنسخ الرابط وتضعه في ال”جيب”. وتستطيع أن تشارك أصدقاءك هذه المقالات . التطبيق مجاني وباللغة الإنجليزية.

Airbnb

434go
تطبيق جميل استخدمته لأول مرة في زيارتي لمدينة فيكتوريا في برتش كولومبيا لعدم توفر فنادق جيّدة حيث امتلأت بقية الفنادق بالمسافرين قبل تحديد السفر. التطبيق يعرض شقق مفروشة أو فلل سكنية للإيجار باليوم من قبل مُلّاكها بالصور وبالمعلومات الوافية عنها. لا تختلف أسعارها عن أسعار الفنادق كثيراً، لكن الفكرة من هذا التطبيق هو أن تعيش أيام سفرك وكأنك من سكّان المدينة التي تنوي السفر إليها.

ماك بهوية عربية:
إذا كنت مستخدماً لجهاز ماك، تستطيع أن تحصل على أيقونات لجهازك بهوية عربية جميلة! الأيقونات هذه من تصميم  لينا عامر

Screen Shot 2015-08-09 at 4.30.49 PM

Screen Shot 2015-08-09 at 4.50.00 PM

يمكنك تحميله من صفحتها هنا

كتب:

38344
رحلتي الفكرية في الجذور والبذور والثمار لعبدالوهاب المسيري
سيرة ذاتية عظيمة، سررت بقراءتها جداً. يحكي المفكر عبدالوهاب المسيري عن طفولته في دمنهور بمصر ودراسته في الولايات المتحدة في جامعة كولومبيا وتغيره الفكري خلال هذه الفترة وعن موسوعته الشهيرة “اليهود واليهودية والصهيونية” والذي قضى أكثر من 20 عاماً في كتابتها وأشياء أخرى كثيرة تجعلك تتأمل في سيرة حياة هذا المفكر العظيم. أنصحكم بقراءتها.

تنظيم الدولة الإسلامية:

25232384
إذا كنت مهتماً بأخبار داعش العجيبة، فهذا الكتاب بحث ممتاز عن تنظيم الدولة الإسلامية وتاريخها وعلاقتها مع القاعدة وأسباب تمدد هذا التنظيم واستمراره، وأيضاً يتناول علاقات جبهة النصرة المُبهمة مع التنظيم ومع القاعدة.

برامج تلفزيونية:
على خطى العرب:

برنامج--العرب

اكتشفت هذا البرنامج بالصدفة، وهو للدكتور عيد اليحيى الذي يجوب في أنحاء الجزيرة العربية لتتبع خطى العرب وبالأخص شعرائهم كامرؤ القيس على سبيل المثال. فهو يتتبع الأماكن – وحتى الحيوانات- التي سردوها في قصائدهم ويشرح عنها ويذكر الأبيات التي قيلت فيها. عجبت كثيراً من وجود آثار عظيمة في السعودية دون أن يلتفت أحد إليها!
يمكنكم مشاهدة كافة الحلقات من صفحة العربية

أفلام:
شاهدتً مؤخراً فيلم رائع اسمه Inside Out
وهو فيلم -انيميشن- يحكي عن وجود 5 شخصيات داخل عقولنا (السعادة، الحزن، الغضب، الخوف، والقرف). الفيلم يتحدث بشكل جميل ومُضحك عن اضطراب هذه الشخصيات الخمسة بداخل الشخصية الإنسان (بطلة الفيلم)، وعن الذاكرة، وعن اللاوعي وعن أشياء أخرى جميلة.. أنصحكم بمشاهدته فهو لا يعتبر للأطفال!

https://www.youtube.com/watch?v=7ZLOYXKmIkw

مشتريات غذائية من آي إرب:
www.iherb.com

download
لم أعرف هذا الموقع إلا من مدونة هيفاء القحطاني، وهو موقع أمريكي يبيع العديد من المنتجات الغذائية الصحية بسعر ممتاز. قمتُ بطلب المنتجات التالية

1- لوح شوكولاتة سوداء بالكرز: لا أحب الشوكولاتة للأسف باستثناءات ضيّقة جداً تشمل الإجتماعات والمناسبات والتي اضطر بسببها إلى أكل الشوكولا. وجدتها فرصة لأن أعيد ترتيب علاقتي مع الشوكولاتة، فطلبت هذا الطلب اللذيذ. لأول مرة آكل لوحة كاملة من الشوكولاتة!

2- لوح شوكولاتة بالحليب مع قطع ال”برتزلز”: لم يعجبني
3- مشروب شوكولاتة ساخنة من نستلة: كأنه مشروب “نسكويك”، لم يعجبني
4- مانجا مجففة: لذيذة جدا بالأخص ذات الكيس البرتقالي! التهمتها في جلسة واحدة.
5- صابون أفريقي: رائحته جميلة، لكنه يسبب الجفاف للبشرة. يٌذكّرني بالصابون المغربي.
7- فاكهة التوت البري المجففة: لذيذة.

IMG_0651

استهلكت أغلب هذا الشاي، ولم أجد صورة له قبل الإستهلاك إلا بين هذه الصابونتين- الصابونتين قمت بشرائها من محل انثروبولوجي، رائحتهما جميلة لكن توجد صوابين ذات روائح أجمل- شاهي الورد جميل جداً-اشتريته من محل صغير في سان فرانسسكو- وتمنيت أنني اشتريت كمية أكبر. وجدت موقعاً لهم على الإنترنت يسمح بالشحن الدولي. بالنسبة لشاهي النعناع، فطعمه جيّد.

نراكم في تدوينة قادمة ان شاء الله 🙂

العطر

من منكم لديه أنف حساس تجاه الروائح؟ قررت أن أكتب هذه التدوينة الخفيفة بعد قراءتي لرواية العطر لباتريك زوسكيند. الرواية عظيمة وغريبة لأنني قرأتها بعينيّ وبأنفي معاً. تعوّدنا أن نقرأ في الروايات شيئاً عن الروائح كروائح العطر والخبز والكعك والبحر، لكن رواية زوسكيند كانت تضج بالروائح بين طيّات صفحاتها.

perfume
هل تستطيعون إحصاء الروائح التي بإمكانكم استرجاعها في ذاكرتكم الآن؟ أستطيع أن أستحضر رائحة التفاح بلونيه الأخضر والأحمر، ورائحة الفراولة، والنعناع، والبرتقال.. ماذا عن روائح البشر؟ أعرف جيّداً رائحة أمي وأبي، كما أنني أميّز رائحة الأطفال.. ماذا عن الروائح الأخرى؟ أجيد تمييز رائحة المطر، والصباح.. أؤمن بأن لكل شيء تقريباً رائحة، ومن السخرية أن بعض الزهور لاتحمل أي رائحة عطرية.

إحدى المغردات في تويتر كتبت تغريدة لطيفة باللغة الإنجليزية

Screen Shot 2015-05-27 at 4.02.26 PM
معناها: نحتاج إلى تطبيق “شازام” للعطور

وشازام هو تطبيق للهواتف الذكية يستطيع تمييز أي أغنية تسمعها (في المطاعم، في محلات التسوق مثلاً) فيزوّدك باسمها. سيكون الأمر جميلاً لو أن التكنولوجيا اهتمت بنقل الروائح كما اهتمت بنقل الأصوات، تخيّل أنه بإمكانك الإحتفاظ بروائح والديك معك للأبد؟

وبالحديث عن شازام الروائح، في فيلم (رائحة امرأة) لآل باتشينو، والذي حصل بسببه على أوسكار أفضل ممثل، يجسّد آل باتشينو دور الرجل الأعمى في هذا الفيلم. وفي مشهد لا أنساه وهو يمشي في الجامعة بجانب الطالب الذي قرر أن يساعده، تهرع إليه أستاذة العلوم السياسية لتشكره فتتفاجئ بسؤاله عن إذا ماكانت متزوجة، وبعد حوار بسيط يظهر في المشهد آل باتشينو وكأنه يشم شيئاً ما فيخبرها باسم العطر الذي ترتديه
Fluers de Rocaille
فتجيب بذهول: صحيح !
ثم قبل أن يودّعها يقول لها: حسناً يا آنسة، سأعرف أين أجدك! ثم يمضي مع الطالب ويخبره – رغم أنه أعمى- بأن طولها كذا، وأنها ذات شعر كستنائي، وصاحبة عينين جميلتين.

وكأن عطرك المفضل يخبرنا من أنت!
بالمناسبة من جرّب هذا العطر الذي ذُكر في الفيلم؟
p53

ختامها مسك: حان دوركم لتخبرونا شيئاً ما عنكم، ما هو عطركم المفضل؟

هل أنت شخص ملول؟ غيّر روتينك

هل مللت من تكرار أحداث يومك؟ هل أيامك متشابهة؟ أدرك أن الروتين منظم جيّد لكن الإنسان ملول بطبعه، يتطلع إلى كل ماهو جديد ينتشله من ملل الروتين، ومن أجل ذلك، أردت أن اقترح في هذه التدوينة اقتراحاً يخفف من حدة الروتين: افعل شيئاً جديداً لم تفعله من قبل كل يوم ولمدة 30 يوماً

اكتب في ورقة لديك قائمة بأعمال بسيطة لكنك لم تجربها من قبل، ثم وزّعها على 30 يوماً (بإمكانك أن تجرب 30 شيئاً مختلفاً في 30 يوماً وبإمكانك أن تفعل شيئاً واحداً خلال 30 يوماً مع أشياء أخرى). على سبيل المثال، قمتُ في أحد هذه الأيام بتغيير لغة جوالي إلى الفرنسية التي أتعلمها، كان الأمر متعباً في البداية خاصة أنني تعودت على الإنجليزية كلغة أساسية للجوال. لكنني بدأت اعتاد على الكثير من المصطلحات الفرنسية وهذا أمر جيّد. بإمكانك أن تفعل نفس الشيء إن كنت تتعلم اللغة الإنجليزية أو لغة أخرى وتستفيد من مكوثك الطويل أمام هذا الجهاز.

أستطيع أن أزوّدك بقائمة من المقترحات:
1- على مستوى اللغة: تستطيع أن تتعلم كل يوم 5 كلمات جديدة من أي لغة. تستطيع أيضاً أن تحفظ كلمات اختبار التوفل، الجيمات، أو الجي آر إيه. زميلي الصيني كان عبارة عن قاموس فرنسي متحرك، يعرف كل كلمة فرنسية حتى أنواع الأدوات الحادة المختلفة (كالمنشار وآلات أخرى) لدرجة أنه تفوق على الأستاذة. عندما سألته عن ذاكرته الممتازة أخبرني أنه حفظ القاموس الفرنسي بطريقة الجدول الذي زوّدني بنسخة منه. “نحن الصينيون اخترعنا هذا الجدول! نستطيع اجتياز أي امتحان يعتمد على حفظ المعلومات بسهولة!”
زميلي هذا بالمناسبة من جامعة كولومبيا في نيويورك، جاء إلى مونتريال في عطلة لكي يتعلم الفرنسية.

طريقة الجدول هذه تجعلك تحفظ قائمة (أنت تحددها، قد تكون من 5 إلى 10 كلمات أو أكثر)، بالطريقة التي تعجبك. ثم تحفظ في اليوم الثاني قائمة جديدة مع مراجعة القائمة في اليوم الأول، وفي اليوم الثالث تحفظ قائمة جديدة مع مراجعة قائمة اليوم الثاني، وفي اليوم الرابع تحفظ قائمة جديدة مع مراجعة قائمة اليوم الأول واليوم الثالث.. وهكذا كما هو مدوّن في الجدول.
Vocabulaire
أخبرني زميلي هذا بأنه يجب أن تبتاع قاموساً فيه لغتك الأولى (العربية) واللغة المراد تعلمها حتى يصبح زمن الحفظ والمراجعة أقصر بلحظات، لأنه إذا كانت معاني الكلمات بلغة أخرى غير لغتك الأولى فإن العقل يبذل مجهوداً أكبر ولو كان غير ملاحظ، وأنت تحتاج إلى هذا الجهد البسيط. لاحظ أن الجدول هذا يمتد إلى 45 يوماً.

2- تستطيع أن تكتب رواية! مات كتس (وهو مهندس يعمل في شركة قوقل)، استنتج في هذا الفيديو (اضغط هنا، توجد ترجمة بالعربية) أن الإنسان باستطاعته أن يكتب رواية من 50 ألف كلمة (أي 250 صفحة) خلال 30 يوماً إذا كتبت حوالي 1600 كلمة في اليوم تقريباً وهو مايعادل 3.6 صفحات في اليوم!

3- جرب أن تترك كل الشبكات الإجتماعية لمدة يوم كامل، هذه فرصة مناسبة لأن تتعرف على نفسك أكثر!

4- جرّب أن تجري حواراً مع شخص غريب عنك خاصة في أوقات الإنتظار في المستشفى أو عند الدوائر الحكومية بدلاً من اللعب بهاتفك. تأكد أن الشخص الذي ستجري معه الحوار ليس مشغولاً بشيء وإلا سوف يكون تطفلاً منك. الحوار مع الأشخاص الغرباء سيجعلك أكثر ثقة بالنفس وقد ينمي مواهب الحوار لديك، ومن المحتمل أن تتعرف على آراء مختلفة وجديدة.

5- جرّب أن تطبخ وصفة جديدة، أو أن تخبز كعكاً. إن كانت النتائج لذيذة فستشعر بالسعادة.

6-دوّن يومياتك بطريقة مختلفة. استخدم تطبيق Day One، فهو تطبيق سهل الإستخدام وبإمكانك إدراج صور في مذكراتك بالإضافة إلى العنوان وحالة الطقس. أستخدم هذا البرنامج في تدوين اليوميات بشكل عام (لستُ منتظمة للأسف)، كماذا فعلت اليوم على سبيل المثال مع إدراج صورة. عندما أعود إلى الشهور الأولى أتفاجئ بالكثير من الأحداث البسيطة التي تذكرتها بمساعدة هذا البرنامج.
هناك طريقة أخرى شيّقة تعلمتها من إحدى المسلسلات البريطانية (كرانفورد)، تضع عامودين، في بداية اليوم تكتب في العامود الأول عن الذي تتوقعه أن يحصل هذا اليوم، وفي نهاية اليوم تكتب في العامود الثاني ما الذي حصل في هذا اليوم. ثم تقارن بين العامودين، أحدث ماتوقعت؟ أكان يومك أفضل مما توقعت؟ أم أسوأ؟

7-افعل الخير. خصص يوماً كاملاً من هذه الأيام لفعل شيء لا ترجو منه جزاءاً ولا شكوراً. ساعد والديك وادخل عليهما الفرحة. ساعد صديقك في كربته. علّم شخصاً ما مهارة، امدح شخصاً يستحق المديح على فعلته، اطعم قطة.. ستجد آثار العطاء على نفسيتك حتماً.

8- قم بالتخلص من أغراضك القديمة التي لاتحتاجها عن طريق بيعها. بإمكانك وأصدقائك أن تقيموا بازاراً لأغراضكم القديمة التي لا تحتاجونها. أو بإمكانك أن تجدد أغراضك القديمة عن طريق صبغها بلون جديد إذا كان أثاثاً، أو إعادة استخدامها لغرض آخر -ابحث في قوقل عن furniture makeovers

لاتكدس أغراضاً لا تحتاجها فتصعب عليك مهمة التنظيف وتأخذ من البيت مكاناً أجدر بأن تجعله فسيحاً أو تحتله قطعة أخرى. تخلّص أيضا من الأوراق المتراكمة بين فترة وأخرى.

9- قوّي مهارتك كل يوم لمدة 30 يوماً. على سبيل المثال، الرسم من المهارات التي تصقل مع الممارسة، أتابع العديد من الفنانين الموهوبين في انستقرام الذين تحسن رسمهم كثيراً بسبب الممارسة اليومية وأستطيع أن أجد فرقاً شاسعاً بين رسوماتهم في البداية واليوم!
إذا كنت مصمم شعارات، تستطيع أن تصمم شعاراً كل يوم. شاهدت هذا التحدي في هاشتاق لأحد مصممي الجرافيك. عمل كثير (لن يكون التصميم رائعاً لأنه نتاج يوم واحد بالطبع) لكن الممارسة والتفكير ستصقلان هذه الموهبة بشكل ما.

10- جرّب أشياء بسيطة كل يوم، كأن تستيقظ مبكراً مع صلاة الفجر وتظل مستيقظاً لسائر اليوم. بإمكانك أن تمارس الرياضة بعد صلاة الفجر. جرّب أن تعّد غداءك بنفسك في المنزل وتأخذه معك إلى مقرك في الدراسة أو العمل. جرّب أن تقرأ في تخصص جديد لم تعتاد أن تقرأه من قبل. اكتب بيتين من الشعر! اشتري شتلة زراعية واعتن بها. افعل شيئاً ترهبه بالعادة، كأن تحمل قطة. مارس الرياضة لمدة 10 دقائق يومياً.

بإمكانك أن تزوّدنا بمقترحات أخرى عن ما تفعله خلال ال30 يوماً، طاب يومكم !

حزب الشاي

هل تعلمون أن الشاي هو أكثر المشروبات استهلاكاً من قبل سكان الأرض؟ قرأت مرة أن 80٪ من سكان الأرض يشربون الشاي! ولشعب الأرض حكاياتهم المتعددة مع الشاي، فالولايات المتحدة الأمريكية بدأت الإستقلال عن بريطانيا عندما أسست حزب بوسطن للشاي، وهم ثوّار احتجوا على الضرائب التي فرضتها عليهم الحكومة البريطانية فقاموا بتخريب شحنة سفينة قادمة من الهند تحتوي على الشاي، وإلقاء الشاي في ميناء بوسطن. نبذت أمريكا بعدها شرب الشاي لكونه رمزاً إنجليزياً لتتجه نحو شرب القهوة!

بالنسبة لي، لا أحب القهوة فهي تسبب لي الغثيان -باستثناء القهوة العربية- ولكني أحب رائحة القهوة بشكل عام. أنا من حزب الشاي، أحب جميع أنواع الشاي، وأعشق الشاي المضاف إليه الحبق ( نعناع مديني | نعناع حساوي). جربت أنواعاً كثيرة من الشاي لشركات إنجليزية، فرنسية، وأمريكية، هذه أشهرها (صور أنواع الشاي هنا من قوقل)0:

1- ليبتون

6
ومن منّا لم يجرب ليبتون؟ أعتقد أن لساني اعتاد بأن هذا هو الطعم المفترض للشاي.

2- تويننقز Twinnigs

n
شاي ممتاز، جربت منه أنواع كثيرة كشاي (إنجلش بركفاست تي) أو شاي الفطور الإنجليزي

3-كوسمي Kusmi Tea
IMG_2629
هذا شاي فرنسي، جيّد جربت نوع واحد منه. لا أستطيع الإنكار بأن العلبة الجذابة كانت سبباً أساسياً في التجربة.


4- ماغياج فغيغ Mariage Freres

3
شاي فرنسي فاخر موزع في أكياس من الموسلين! دفعت تقريباً 30 دولاراً كندياً من أجل الحصول على 30 كيساً من الشاي!

5-Teavana تي فانا

te
شركة أمريكية اشترتها ستار بكس مؤخراً. قمت بتجربة أنواع مختلفة لديهم من الشاي، أعجبني
Samurai chai mate tea

6- أحمد تي Ahmed Tea

Cl]
جربت شاي بالهيل، لذيذ!

7-  David Tea ديفيد تي

DaTea
هذه الشركة تأسست في مونتريال، وقامت أوبرا وينفري بمدحه وإضافته إلى المنتجات المفضلة لديها

 بعض الإضافات للشاي:
1- الحبق
أفضل إضافة للشاي على الإطلاق طعماً ورائحة! الحبق المديني نبتة من الجنة! لا أستطيع أن أتزوّد من الحبق الطازج لإستحالة إدخاله إلى الحدود الكندية، لكني أحاول أن أبتاع علبة من الحبق المجفف بين فترة وأخرى!

68603
2- الحليب
إضافة الحليب إلى الشاي إضافة لذيذة، لكن قرأت مرة أن الحليب يُفقد القيمة الغذائية للشاي. من أشهر إضافات الحليب الشاي العدني، وهو عبارة عن حليب+هيل+قرنفل.. شاي لذيذ!

Photo 2015-03-11, 12 34 03 AM
3- العطرة
لاتعجبني رغم فوائدها الطبية، رائحة الشاي فقط جميلة بإضافة العطرة.. هذه هي نبتة العطرة من محرك البحث قوقل

4

4- الورد المديني
أحب ورد المدينة، لكني لا أحب استخدامه مع الشاي.. يقوم البعض بتجفيف الورد ومن ثم إضافته إلى الشاي

Photo 2015-03-11, 12 38 48 AM

5- ورق الليمون

جربوا أن تشربوا الشاي يوماً مع إضافة ورقة خضراء من شجرة الليمون، إضافة لذيذة

Photo 2015-01-22, 9 57 25 AM
6-النعناع المغربي
ومن لايعجبه الشاي بالنعناع المغربي؟ أو الشاي على الطريقة المغربية؟

758913

Photo 2015-03-11, 12 40 11 AM
7- الدوش
أيضاً لا تعجبني إضافة الدوش إلى الشاي رغم فوائده الطبية

470

والآن كيف تشربون الشاي؟ هل تفضلون الأكواب الزجاجية الشفافة؟ بالنسبة لي لا أحب أن أشرب الشاي في كأس ورقي إلا إن كنتُ مضطرة لملازمة صديقاتي، كأن ابتاعه من المقاهي المخصصة لبيع القهوة. في إحدى مقالاته الجميلة “اشرب الشاي.. اشرب الطعم” يقول محمد الرطيان “القهوة : رائحة .
الشاي : طعم .. ولون .
لهذا ، يفقد الشاي نصف مذاقه إذا لم أشربه في كأس زجاجي شفاف !”

girlintea

هل تحبون إضافة السكر إلى الشاي؟ كتب جورج أورويل مقالة كاملة يتحدث فيها عن حبه للشاي، وقدّم خطوات لعمل إبريق من الشاي..كما عبّر غضبه ممن يشرب الشاي مع السكر
كيف تسمي نفسك عاشقا حقيقياً للشاي في الحين الذي تدمر فيه نكهة شايك بوضع السكر معه؟ من المفترض للشاي أن يكون مر الطعم.. لو أنك قمت بتحليله فأنت لم تعد تتذوق الشاي، أنت تتذوق السكر فقط، بإمكانك صنع شراب مماثل بتحليل السكر في ماء ساخن!”
 

من أشهر حفلات الشاي في التاريخ، هي حفلة الشاي التي كانت في بلاد العجائب، في رواية لويس كارول “أليس في بلاد العجائب”. وقصة أليس بالمناسبة من أجمل قصص الطفولة في التسعينات، هنا مقدمة لمسلسل -إنتاج ياباني- اعتبره أجمل من الإنتاج الذي قدمته ديزني، وقد يكون السبب متعلق بذكريات الطفولة

أدعكم الآن مع بعض الصور التي التقطتها للشاي مع بعض الإقتباسات للأدباء عن الشاي في مؤلفاتهم

  • “دع العالم يذهب إلى الجحيم، أما أنا فيجب أن أحرص على شرب الشاي دائماً”. فيودور دوستويفسكي
  • “شاي! فليحفظ الرب شاي بعد الظهيرة!” أجاثا كريستي
  • “لكني لا أريد شيئاً سوى الشاي” جين أوستن
  • “تستطيع ياعزيزي أن تعطيني كوباً من الشاي حتى أصفي ذهني وأتمكن من فهم ماتريد” تشارلز ديكنز
  • “ الشاي هو أحد العوامل الأساسية لبقاء الحضارة في هذه البلاد” جورج أورويل
  •   لا أريد قهوة، لا أشرب القهوة على الإطلاق.. قليل من الشاي إذا سمحتِ” جين أوستن
  • ينطوي الشاي على سحر خفي يجعله لا يقاوم، ويمنحه القدرة على إسباغ الإحساس بالمثالية. فالشاي ينأى بنفسه عن غطرسة النبيذ، وعن غرور القهوة، وعن البراءة المتكلفة في نبتة الكاكاو”- أوكاكورا كاكوزو
  • المثل الصيني يقول بأنه من الأفضل أن تُحرم من الطعام لثلاثة أيام على أن تُحرم من الشاي ليوم واحد” خالد حسيني

Photo 2015-03-11, 12 33 42 AM Photo 2015-03-11, 12 33 17 AM Photo 2015-03-11, 12 33 00 AM

Photo 2015-03-11, 12 32 00 AM Photo 2015-03-11, 12 33 52 AM Photo 2015-03-11, 12 33 36 AM Photo 2015-03-11, 12 32 54 AM Photo 2015-03-11, 12 31 27 AM Photo 2015-03-11, 12 30 57 AM

Photo 2015-03-11, 12 32 36 AM

Photo 2015-03-11, 1 55 38 AM

ماذا عنكم؟ ماهي أنواع الشاي المفضلة لديكم؟ كيف تعدّونها؟ وماهو وقتكم المفضل في شرب الشاي؟ وماهي التقاليد المتبعة لديكم في شرب الشاي؟ يسعدني أن اقرأ مشاركاتكم 🙂

الناجحون في الحياة

لستُ في مزاج يجعلني أتفلسف عن معنى النجاح في الحياة، ومن هم الأشخاص الناجحون حقاً. لذلك، هذه التدوينة ستأخذ المنحنى التقليدي في الحديث عن الأشخاص الناجحين في الحياة، أي بمعنى البارزون في مجالاتهم.

ولمَ نتحدث عن الأشخاص الناجحين؟ أذكر أن علي الوردي كان يسخر من الناس الذين يستمعون إلى حكايا الناجحين ويُهملون الإصغاء إلى قصص الفشل، فلو أصغينا إلى الفاشلين لاجتنبنا برأيه أسباب فشلهم. لكن أين هم المخفقون؟ لايتحدث عادة إلامن نجح، والناجحون في الحياة قليل- مقارنة بالعاديين-، أما الفاشلون فهم يجتنبون الحديث إلينا وذكر محاولتهم- إن عرفنا أنهم جربّوا أصلاً- وكثيراً ما اكتشف بالصدفة أن فلاناً اتخذ ذلك المسلك وأخفق، ولاأستطيع لومهم فهذه طبيعة النفس البشرية. فلنستمع إذن لمن يتكلم.

ريتشارد سانت جون- وهو الذي ألهمني في كتابة هذه التدوينة، وأغلبها ترجمة لما قاله- قابل 500 شخصاً ناجحاً حول العالم خلال عشر سنوات في الكثير من المجالات (الأعمال، الفن، العلوم، التكونولوجيا، التصميم، القانون..الخ) ليتحدثوا عن نجاحهم. حاول ريتشارد في مشروعه هذا أن يجد الرابط المشترك بين هؤلاء الأشخاص الناجحين، فقام بتدوين كلماتهم وتصنيفها ثم توزيعها في عوامل مختلفة للنجاح. واكتشف بعد عمله المضني هذا ليلاً ونهاراً بأن هناك ثمانية عوامل مشتركة بين الأشخاص الناجحين:

1-الشغف
2- العمل بجدية
3- التركيز
4- يدفع نفسه للأمام دائماً
5- يختلق أفكار إبداعية جديدة
6-يطوّر نفسه على الدوام
7- يخدم الآخرين
8- يصمد

لنتحدث بداية عن الشغف.. ما هو شغفك في هذه الحياة؟ الرسم؟ الكتابة؟ أم البرمجة؟ هل تعرفت عليه أم ليس بعد؟

يخبرنا ريتشارد أن صاحب الشغف يتحول من شخص محبط وغير منجز لأكثر الأشخاص إنجازاً. كبيل جيتس على سبيل المثال الذي قال مرة “كنت جالساً في غرفتي محبطاً، أحاول أن أفهم ما الذي أفعله بالضبط في حياتي”، ثم أصبح من أكثر الأشخاص إنجازاً بسبب حبه للبرمجة!

يؤكد ريتشارد بأنه يجب أن نقضي 20٪ فقط من أوقاتنا على الأشياء التي لانحبها، لأن الأشياء التي نحبها تستحق 80٪ من وقتنا، وإذا كان الأمر معاكساً فإننا في الوظيفة الخاطئة. لكن كيف نحوّل شغفنا إلى مهنة؟ هنا تدوينة جميلة بقلم طوني صغبيني بعنوان (هل هناك وظيفة مثالية؟ معضلة عبودية الأجر والحياة البسيطة).

بمساعدة الشبكات الإجتماعية، أستطيع أن أجد الكثير من الذين حولّوا شغفهم إلى مصدر رزق، فهناك من تحب تزيين الكعك افتتحت متجراً لبيع الكعك والحلوى، وآخر يحب التدوين وجد وظيفة ككاتب، وهناك شخص يحب التصوير أصبح مصوّراً للمناسبات، حتى من تحب التباهي بما لديها في انستقرام وتصوير يوميّاتها، وجدت مصدراً للرزق عن طريق الإعلانات أمام هذا الجمع الغفير من المتابعين!

لكن كيف نستطيع العثور على شغفنا؟ كيف باستطاعتنا أن نتأكد بأن ما نفعله هو حقاً ما نحبه؟
يجيب ريتشارد على هذا السؤال، فيقول جربوا كل الطرق واكتشفوها حتى تجدوا شغفكم. وهذا مافعله روبرت منش الذي قال” درستُ حتى أصبح قسيساً، لكن وجدت ان هذا الأمر كارثة بالنسبة لي. اشتغلت في مزرعة، لكنني لم أعجبهم، عملتُ في قارب، لكنه غرق. جربت أشياءاً كثيرة، ولم أجد ما أريده. لكنني حاولت وحاولت حتى جربت شيئاً أحببته! أصبحت مؤلفاً لكتب الأطفال!” روبرت منش باع حتى الآن أكثر من 40 مليون كتاب!

هناك احصائية أمريكية أُجريت على أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 18-25 سنة، وقاموا بسؤالهم عن هدفهم الأول والثاني للحياة. 81٪ من هؤلاء الأشخاص أجاب: “أن أصبح غنياً”. تعجب ريتشارد كثيراً وقال بأن كل أصحاب الملايين والبلايين الذين أجريت مقابلات معهم عندما سألتهم عن أهدافهم في الحياة، لم يخبرني أحداً منهم على الإطلاق بأن المال كان هدفهم.

بيل جيتس قال “أنا وشريكي بول لم نكن نفكر أبداً بالمال، كنا نحب البرمجة”. وها هو بيل جيتس يصبح أغنى رجل في العالم. جي كي رولينغ، مؤلفة روايات هاري بوتر، أخبرته بأنها لم تكن تفكر في المال “كنت أريد فقط أن أحصل على المال الكافي ليجعلني استمر في الكتابة، لأنني أحب هذه النوعية من الكتابة”. وها هي تصبح من أغنى النساء في بريطانيا، أغنى من الملكة إليزابيث الثانية سليلة عرش الإمبراطورية التي كانت لاتغيب عنها الشمس.

 سأحاول أن أكتب – بدون وعود- عن المزيد من النقاط التي ذكرها ريتشارد، وحتى ذلك الحين أرجو أن أجد تفاعلاً منكم  بنشر هذه التدوينة إن أعجبتكم 🙂

حياتي الخاصة بي

قبل 5 أيام، نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقالة لأوليفر ساكس بعد أن علم أنه مريض بالسرطان، وأنه سيموت قريباً، فكتب هذه المقالة المؤثرة والتي قمت بترجمتها لكم

“في الشهر الماضي، شعرتُ أنني بصحة جيّدة، بل أنني في كامل صحتي. في عمر ال81، ما زلت أستطيع السباحة لمسافة ميل واحد يومياً. لكن حظي بدأ ينفد، قبل أسابيع قليلة علمت بأنني مُصاب بورم خبيث منتشر في الكبد. مضت تسعة أعوام عندما أُصبت بورم نادر في العين، سرطان الخلايا الميلانية في العين. وعلى الرغم من أن العلاج بالإشعاع والليزر أزالا الورم تماماً وبسببهما أصبحت لا أرى بتلك العين، إلا أن الخلايا السرطانية انتقلت، وهذه حالة نادرة جداً تجعلني من ال2٪ الغير محظوظين.

أشعر بالإمتنان لأنني عشت خلال التسع سنوات الماضية في صحة جيدة وكنت شخصاً مُنتجاً منذ اكتشافي للمرض الأول. ولكنني الآن يجب أن أواجه الموت. احتل السرطان ثلث كبدي، على الرغم من أن نموه قد يكون بطيئاً، لكن هذا النوع من السرطان لا يمكن علاجه.

الآن، سيكون عليّ إختيار طريقة الحياة المتبقية لي لأن أعيشها. أريد أن أعيشها بأغنى وأعمق طريقة وبأكثر إنتاجية أستطيعها. وفي ذلك شجعتني كلمات فيلسوفي المفضل، ديفيد هيوم، الذي علمت بأنه أصيب بمرض قاتل في عمر ال65، والذي كتب سيرة ذاتية قصيرة في يوم واحد في أبريل عام 1776 بعنوان “حياتي الخاصة بي” يقول فيها

أفترض بسبب قرب موتي أنني عانيت من ألم بسيط من مرضي، لكن الأمر الأشد غرابة أنه رغم فتور جسدي لم أعاني من خمود معنوياتي. لازلت أمتلك الحماس ذاته تجاه العلم، والبهجة ذاتها في مصاحبة الناس ”.

أعد نفسي محظوظاً لأنني عشت أكثر من ثمانين سنة، أما ال15 سنة الماضية التي أُصبت فيها فقد عشتها أوفر حظاً من هيوم لأنها كانت غنية بالعمل والحب: أصدرت خمسة كتب، وأتممت كتابة سيرة ذاتية لي (أطول من سيرة هيوم القليلة الصفحات) ليتم إصدارها هذا الربيع، ولدي كتب أخرى تنتظر النور.

تابع هيوم في سيرته “ أنا رجل ذو مزاج معتدل، ذو شخصية إجتماعية متفتحة وصاحب دعابة، أستطيع أن أحب، لكني رجل حساس قليلاً من الخصومة، وصاحب إمكانية عظيمة في التحكم بشغفي ”.

هنا أختلف مع هيوم. على الرغم من أنني استمتعت بصداقات وعلاقات مليئة بالحب، وليس لدي أي أعداء حقيقيون، لا أستطيع أن أقول (ولايستطيع شخص يعرفني أن يقول) بأنني شخص ذو مزاج معتدل. على العكس من ذلك، أنا رجل صاحب مزاج عنيف، وذو حماس متقد، ولا أستطيع أن أتحكم بشغفي على الإطلاق.

مع ذلك، سطر واحد من مقالة هيوم صعقني بشدة لصدقه “ إنه من العسير عليّ أن أنظر للحياة بموضوعية أكثر مما أفعله الآن ”.

خلال الأيام الماضية، أستطعت أن أرى حياتي من منظور عظيم، كأحد المناظر الجميلة مع إحساس عميق بالإنتماء لجميع تفاصيلها. هذا لا يعني أنني اكتفيت من الحياة، بل على العكس تماماً، أشعر بأنني حيّ وبقوة، وأريد بل وآمل أن أوطّد صداقاتي أكثر خلال الفترة المتبقية لي، وأن أودّع هؤلاء الذين أحبهم، وأن أكتب أكثر، وأن أسافر إن كانت لدي القوة لذلك، وأن أحقق مراحل جديدة من الفهم والإدراك، وهذا سيقتضي الجراءة والوضوح في محاولة تقوية حساباتي مع العالم. لكن سيكون هناك الوقت أيضاً لبعض المرح (وحتى لبعض التفاهة أيضاً!).

أشعر فجأة بتركيز واضح. ليس هناك وقت لأي شيء غير ضروري. يجب أن أركز على نفسي، وعلى عملي وأصدقائي. سوف أتجاهل مطالعة صحيفة “نيوز آور” كل مساء، ولن أعير اهتمامي للسياسة أو الجدل المتعلق بالإحتباس الحراري.

لاأعتبر هذا الأمر لامبالاة، بل موضوعية. لازلت أهتم بشدة بالشرق الأوسط، وبالإحتباس الحراري، وبالتفاوت في الدخل.. لكن كل هذه الأمور ليست من شأني الخاص، لأنها تنتمي إلى المستقبل. أبتهج عندما ألتقي بشباب موهوبين- حتى هؤلاء الذين شخّصوا مرضي-، أشعر وكأن المستقبل في أيدي أمينة.

أصبحت واعياً بشكل متزايد، وخلال العشر سنوات الماضية، بموت أقراني. جيلي يمضي، وكل وفاة لأحدهم أشعر بأنها إنقطاع وتمزيق لجزء مني. لن يكون هناك أشخاص مثلنا عندما نمضي، ولن يكون هناك شخص يشبه آخر أبداً. عندما يموت الأشخاص، لا نستطيع إستبدالهم. يتركون ثقوباً لانستطيع أن نملأها.. لذلك يتحتم القدر- وهو المسؤول الجيني والعصبي- على كل إنسان أن يكون شخصاً منفرداً لأن يعثر على طريقه الخاص به، وأن يحيا الحياة الخاصة به، وأن يموت بطريقته الخاصة.

لا أستطيع أن أتظاهر بأنني بلاخوف. لكن شعوري السائد الآن هو الإمتنان: لقد أحببت، وكنتُ محبوباً. أُعطيت الكثير، وأَعطيت أشياء بالمقابل. قرأت كتباً، وسافرت، فكرت وكتبت. وصارت لي علاقة مع العالم، علاقة خاصة بالكتّاب والقراء.

وفوق ذلك كله، كنت كائناً واعياً، وحيواناً مفكراّ على هذا الكوكب الجميل، وهذا في حد ذاته مغامرة وإمتياز عظيم”.

أوليفر ساكس، بروفسور في علم الأعصاب في جامعة نيويورك، كلية الطب. مؤلف كتب كثيرة منها**:

“Awakenings” and “The Man Who Mistook His Wife for a Hat.”

والآن ما رأيكم في مقالته؟

زراعة الثقة بالنفس

بالأمس  ذهبت أنا وصديقاتي إلى إحدى المطاعم في مونتريال من أجل قضاء ليلة فنية: رسم لوحة “ليلة مضيئة بالنجوم” للفنان الهولندي فان جوخ، بمساعدة فنانة قامت بإعطاءنا خطوات الرسمة.
Photo 2015-02-21, 6 47 30 PM Photo 2015-02-21, 7 02 50 PM Photo 2015-02-21, 6 53 55 PM Photo 2015-02-21, 9 15 27 PM
وضعت رسمتي -مع إحتقاري لها- في حساباتي في الشبكات الإجتماعية، لأتفاجئ بأن لها معجبين! بل أن أحدهم سألني مشككاً “من جد رسمتيها بنفسك؟”، لا أعلم هل كان كل هذا الإعجاب حقيقياً أم لا- مع ثقتي التامة بأن اللوحة ليست بجميلة- لكنه بلا شك وهبني موضوعاً لأتحدث عنه الآن: زراعة الثقة بالنفس.

كما ترون أعزائي، أن من أهم أسباب زراعة الثقة بالنفس هم الآخرين. نعم الثقة بالنفس تُزرع، ولا تُوّرث. اسأل نفسك، كم من الأمور الغير اعتيادية -كالمهارات- التي تستطيع القيام بها بكل ثقة أمام الناس؟ ثم كيف استطعت أن تفعلها؟
ثم عد مرة أخرى واسأل نفسك، فيم تتعلق الثقة التي يزرعها محيط الشخص غالباً؟ إذا كان ذو وجه جميل! فالكثير من الأهالي لا يزرعون الثقة في الطفل غالباً إلا إذا كان ذو وجه جميل، فيكبر ويكبر رأسه معه، حتى لا يصبح واثقاً إلا بوجهه ويُهمل تطوير جوانب كثيرة من شخصيته. ولذلك، فإن أغلب أصحاب الوجوه الحسناء من الثقلاء. انظر إلى بيكاسو عندما قال عن أمه “عندما كنتُ صغيراً، كانت أمي تقول لي (إذا صرت جندياً فسوف ينتهي بك الأمر لأن تصبح جنرالاً، وإذا صرت قسيساً فسوف تكون البابا) وأنا صرت رساماّ وأصبحتُ بيكاسو!”

والأمر عظيم لدى النساء، وخاصة في مجتمعنا. إذ أن المرأة لدينا ناقصة عقل ودين، وتحتاج دوماً إلى ولي أمر زُرِعت ثقته بنفسه من قبل مجتمعه ليحميها من نقصان عقلها وليتم عليها دينها. لكن، نستطيع أن نعوّض شيئاً من ذلك، و نبدأ في زراعة الثقة بأنفسنا..كيف؟
ابدأ بزراعة الثقة في من حولك بنفسك، ازرعها في أهلك وأصدقاءك. إذا رأيت شيئاً أعجبك فامدحه، للجمال و إن كان بسيطاً حق عليك بأن تعبّر عنه لمن يحمله: فستان جميل، قصة شعر رائعة، طبخة لذيذة، مقالة ممتعة… إحدى صديقاتي أخبرتني بأنها تخاف فعل ذلك لأنه لو حدث مكروه بالصدفة فسوف تُلام لاحقاً بأنها مصدر “العين”. لا أدري بالضبط ما المفترض فعله مع محاور الكون الذين يؤمنون بأن الناس لا يتحدثون إلا عنهم ولا ينظرون إلا لما لديهم.

لكن “ لكي يزدهر الإنسان يحتاج عادة إلى ثلاثة ردود إيجابية لتعويض كل قول سلبي على أفعاله: في المنزل يحتاج إلى ثلاثة ردود إيجابية مقابل كل رد سلبي، في العمل يحتاج إلى 5 ردود إيجابية مقابل كل قول سلبي، وفي بيئة جديدة يحتاج إلى 9 ردود إيجابية لكي يتخطى رد سلبي واحد!” هل تتخيلون مقدار الإيجابية التي يحتاجها الإنسان في حياته؟ والدنيا “دوّارة”..

أيضاً، إن لم تجد الدعم الكافي من محيطك، قم بنشر إنجازاتك بعيداً عنهم بواسطة الشبكات الإجتماعية-على سبيل المثال- فأحياناً “مغنية الحي لا تُطرب”. ستجد من يقدر مواهبك، وإن كانت ضئيلة، ويرعاها إلى أن تكبر أو إلى أن تصبح جيدة. انظر مثلاً إلى أصحاب البرامج اليوتوبية أو الكثير من المغردين، قد تختلف معهم تماماً وقد لا يحصلون على إعجابك، ولكنهم شقوا طريقاً يحبوه ووجدوا فيه من يدعمهم.

اترككم مع دعوة أمي لي “اللهم اجعلها في عينيها صغيرة، وفي أعين الناس كبيرة” وياليتها تكتفي بالشطر الثاني من الدعاء.